كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

"خط ساخن" وجه آخر لإسرائيل من الداخل

أمير العمري

 

من الأفلام الوثائقية المثيرة للجدل التي عُرضت في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي، الفيلم الإسرائيلي "خط ساخن" Hotline (وهو من الإنتاج المشترك مع فرنسا) للمخرجة سيلفانا لاندسمان Silvina Landsmann. يتعلق المدخل الأساسي للفيلم بتصوير الظروف الشاقة التي تعمل فيها منظمة "خط ساخن" لرعاية المهاجرين واللاجئين، وهي منظمة غير حكومية، مقرها تل أبيب، تعتمد في تمويلها على الدعم الذي تتلقاه من منظمات خارجية.
ورغم تركيز الفيلم على عمل المنظمة التي تبذل جهودا غير عادية في مجتمع ينظر إلى المهاجرين من غير اليهود، نظرة عنصرية مقيتة، خاصة وأننا هنا تحديدا، بصدد اللاجئين الذين يأتون إلى إسرائيل من بلدان إفريقية مثل إثيوبيا والسودان وكوت ديفوار وأوغندا وغانا وغيرها. وبالتالي تصبح المشكلة أكثر تعقيدا، فهؤلاء من غير اليهود، وثانيا هم من السود الذين ينظر إليهم المجتمع، كما نرى في الفيلم، نظرة عنصرية أدنى بالضرورة.

في أحد أهم مشاهد الفيلم تناقش سيجال روزين، منسقة مجموعة "خط ساخن"، وهي أيضا ناشطة سياسية، مع مجموعة من النساء والرجال من جنوب تل أبيب في ندوة عامة، موضوع المهاجرين الذين أصبحوا يتركزون في تلك المنطقة بوجه خاص، ونرى كيف يعبر السكان بأشد الألفاظ قسوة، رفضهم التام لوجود المهاجرين الأفارقة بينهم وفي إسرائيل عموما، بدعوى أنهم يخشون على بناتهم من الاغتصاب، وعلى بيوتهم من السرقة، وعلى أنفسهم من التعرض للقتل في الشوارع. تحاول روزين مناقشتهم بعقلانية وإقناعهم بأن هؤلاء القادمين من الخارج لهم أيضا حقوق إنسانية، وأنهم يبحثون عن فرصة للعمل، وتتساءل كيف تكون إسرائيل مجتمعا يقول أنه قام لإنقاذ المضطهدين من اليهود بينما يمارس التفرقة على الآخرين ويتجاهل مأساتهم الإنسانية!

تترك المخرجة الكاميرا تتجول بشكل حر، تتوقف أحيانا أمام الموظفات اللاتي تعملن لحساب "خط ساخن" وتراقب وتسجل كيف يتعاملن مع المهاجرين للبحث في قضاياهم ومشاكلهم وهي تتلخص أساسا في ثلاثة محاور: العمل والسجن وتحويل الأموال.

المشكلة الأولى ترتبط بالقانون الإسرائيلي الذي يحظر تشغيل من يسميهم "المتسللين". ورغم أن إسرائيل كما تقول روزين في الفيلم، من الدول التي وقعت على اتفاقية حماية اللاجئين وضمان حقوقهم الانسانية، إلا أنها ترفض الاعتراف بهم بل تعتبرهم متسللين. ويذكر التعليق الصوتي في الفيلم، أن هناك نحو 60 ألف حالة من الذين دخلوا إسرائيل عن طريق التسلل عبر الحدود، كلهم جاءوا من إفريقيا عبر سيناء المصرية. ويروي بعضهم في الفيلم كيف يتعرض الكثيرون منهم للاختطاف من جانب قبائل البدو في سيناء، ويُطلب منهم دفع فدية مالية ضخمة ويتعرضون للتعذيب بأشكال مختلفة مثل الصعق بالكهرباء، والحرمان من الطعام والشراب. بعضم يموت من التعذيب والتجويع، والبعض الآخر يُقتل على أيدي حراس الحدود على الجانب المصري، والبعض الثالث ينجح في الفرار والتسلل إلى داخل إسرائيل. وهم في معظمهم قد فرّوا من جحيم الحروب الأهلية والصراعات العرقية. ورغم ذلك وبدلا من منحهم حق اللجوء والعمل، إلا أن السلطات الإسرائيلية تعتقلهم وتحكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات.

هنا يأتي دور "خط ساخن" التي تُعتبر منظمة حقوقية، توكل محامين للدفاع عنهم، والعمل على إطلاق سراحهم، وتمارس الضغوط على السلطات من أجل الحصول لهم على تصاريح مؤقتة بالعمل.

ونتوقف أمام حالة محددة لشاب من كوت ديفوار، يروي كيف أنه تسلل مع زوجته إلى إسرائيل، واعتقلا في سجنين مختلفين، وقيل له إن زوجته ماتت جراء الجروح التي أصيبت بها أثناء مطاردة مع حراس الحدود الإسرائيليين، وهو لم يرها منذ أن اعتقلا أثناء التسلل، وها هو الآن قد أطلق سراحه، ويريد أن يتسلم من السلطات الاسرائيلية شهادة وفاة زوجته وجثتها، ويقول أنه يرغب في العودة إلى كوت ديفوار، ولكن يتعين عليه أن يُطلع عائلة زوجته على ما يفيد بوفاتها كما يجب أن يُسلمهم جثتها، لأنهم ينتمون إلى قبيلة أخرى تعادي لقبيلته، وسوف يفتكون به إذا لم يتمكن من إثبات وفاة زوجته !

السلطات الإسرائيلية لا يمكنها قانونا ترحيل الذين دخلوا إلى البلاد، كما أنها تغمض عيونها أحيانا عمن يعملون بشكل غير قانوني (كنوع من استغلال العمالة الرخيصة)، لكنها تشجع كل من يبدي رغبته في العودة. أما من لايزال يعمل ولو بموجب تصريح للعمل (يصدر مؤقتا في ظروف صعبة للغاية ولعدد محدود لم يتجاوز 6 حالات في ثلاث سنوات) فإن البنك المركزي الإسرائيلي يرفض السماح لهؤلاء بتحويل أي أموال إلى ذويهم. وهي مشكلة أخرى يتوقف أمامها الفيلم في إطار رصد المشاكل التي تواجهها منظمة "خط ساخن".

كاميرا لانجسمان تراقب، تتحرك وسط الشخصيات الضائعة الضالة التي تصل في يأسها من إمكانية أن يقبلها مجتمع عنصري يرفض غيراليهودي ويخشاه ويعتبره شرا مستطيرا كما نرى، وكما يتضح من خلال المناقشة الساخنة مع روزين، إلى حد تفضيل العودة من حيث أتوا، رغم كل ما يكتنف تلك العودة من مخاطر تهدد حياتهم كما يقولون

لا تركز المخرجة على خط قصصي تتناول منه موضوع الهجرة، ويبدو الفيلم في أجزاء منه وقد خرج عن السيطرة من ناحية الإيقاع، بسبب رغبة المخرجة في ضم كل ما قامت بتصويره في سياق الفيلم، وبالتالي يشوب الفيلم بعض التكرار والإسهاب في الوصف، والتداخل في المعلومات. لكن ثلاثة مشاهد رئيسية فيه ترفعه إلى مصاف الأعمال الوثائقية المؤثرة.

المشهد الأول سبق أن تطرقنا له وهو مشهد المواجهة بين الناشطة الشجاعة روزين، وبين عدد كبير من سكان جنوب تل أبيب، حيث تصل المواجهة إلى اتهامها بخيانة الشعب اليهودي، فهي تتعاطف مع الغرباء أكثر مما تريد أن تتفهم مشاكل أقرانها اليهود، وتقول لها إحدى النساء أنها إذا كانت تحب هؤلاء المهاجرين الأفارقة فلماذا لا تأخذهم في بيتها، وأنها تتكلم هكذا لأنها تقيم في أحد الأحياء الراقية بالمدينة.

والمشهد الثاني لمناقشة حامية تدور في الكنيسيت الإسرائيلي (البرلمان) بين مجموعة من النشطاء التابعين لـ "خط ساخن" وممثل عن الاتحاد الأوروبي وبعض المحامين المتخصصين في قضايا حقوق الإنسان من جهة، وأعضاء اللجنة المكلفة بوضع تعديلات على القانون الذي ينظم قضايا الهجرة ودخول البلاد، ويرغب أعضاء اللجنة في ادخال تعديل يشجع على خروج اللاجئين من البلاد، عن طريق السماح لمن يرغب في العودة بالخروج بما ادخّره من مال أو تحويله قبيل سفره مباشرة إلى بلده، وتصل المواجهة الساخنة إلى حد اتهام أعضاء في الكنيست بإهدار حقوق الإنسان، رغم كل ما تدعيه الدولة من اختلافها عن الدول المحيطة بها في مجال الحريات الأساسية.

والمشهد الثالث نرى فيه أحد المحامين وهو يحاول جاهدا إقناع السلطات بتنفيذ حكم محكمة إسرائيلية بإطلاق سراح سجينة إفريقية بكفالة، لكن المسؤولين يرفضون قبول الكفالة، ويتطلب الأمر الكثير من اللغط ثم الاتصالات الكثيرة ببعض المسؤولين والقضاة، والمشهد مقصود لكشف تعنت البيروقراطية الإسرائيلية وكيف يمكنها أن تضرب عرض الحائط بقرارات المحاكم

الفيلم مزيج من القصص الفردية التي تقدم بانوراما شاملة من جوانب متعددة لمعاناة المهاجرين أو اللاجئين في إسرائيل، وخصوصا الجانب المتعلق بعنصرية الإسرائيليين في التعامل معهم، وصعوبة عمل المنظمات غير الحكومية في إسرائيل والقيود التي تغلّ يدها عن تقديم مساعدة حقيقة لهؤلاء المهاجرين وإلا اعتبرت مخالفة للقانون وتعرضت للإغلاق، وأيضا الكشف عن الجانب الغامض من المعاناة الهائلة التي يواجهها المهاجرون الفارّون من بلادهم في سيناء، فنرى كيف أصبح أحد هؤلاء الشباب عاجزا عن السير بسبب ما تعرض له من تعذيب أدى إلى عجز في قدمه وساقه !

السينما الوثائقية السنغالية وحقوق الإنسان

المصطفى الصوفي

ظل موضوع حقوق الإنسان، حاضرا بقوة، في العديد من الأعمال السينمائية الإفريقية المختلفة، كما شكل مشاهد خصبة ومثيرة، للكثير من المخرجين، من أجل الاشتغال عليه، وكشف النقاب، عن جملة من القضايا والإشكاليات السياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية للشعوب والمجتمعات، وهو ما جعل المتلقي داخل القارة الإفريقية أو خارجها يتفاعل معها بشكل كبير، لما تتميز به العديد من البلدان الإفريقية، من تحولات، وتجاوزات، ساهمت بشكل كبير في إخصاب الحقل الفني والثقافي، وتأتي في مقدمته السينما، التي عبرت في كثير من المناسبات عن إشكاليات كثيرة، تفاعل معها الجمهور بشكل قوي وكبير.

واذا كان العديد من المخرجين المغاربة، من أمثال سعد الشرايبي في فيلمه (جوهرة بنت الحبس)، وحسن بنجلون في (درب مولاي الشريف)، وجيلالي فرحاتي في (ذاكرة معتقلة) و(طيف نزار) لكمال كمال، و(منى صابر) لمخرجه لعبد الحي العراقي ، وغيرهم من المخرجين، الذين عالجوا هذه التيمة في السينما، أو ما يطلق عليه "سينما الحريات"، فإن نظرائهم في الكثير من البلدان الإفريقية، وبخاصة في مالي والسنغال، وجنوب إفريقيا، وكوت ساحل العاج، وتونس، ومصر، وغيرها، وجدوا، هم الأخرون في هذه التيمة مادة خصبة، لاستنهاض التاريخ، واستذكار الماضي، وطرح الإشكاليات العالقة، في الحاضر، من أجل استخلاص العبر، والبحث عن حلول، في إطار مقاربات سينمائية جادة، تعتمد على التوثيق، والمعالجة الخلاقة للواقع، أو عن طريق قصص وحكايات تخيلية أو واقعية، وذلك في أفق إنصاف الذاكرة والتاريخ والإنسان.

ماستر كلاس السينما وحقوق الإنسان

في هذا الإطار، احتفلت جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان بالعاصمة الرباط، بتجربة السينما الإفريقية السنغالية، وذلك من خلال تجربة المخرج السنغالي موسى توريه السينمائية، منذ الـ 16 من شهر فبراير الجاري وحتى الـ 21 من نفس الشهر، في سياق تظاهرة سينمائية أطلقت عليها اسم (ماستر كلاس السينما وحقوق الإنسان)، وذلك بعرض خمسة من أفلامه المتميزة، بمؤسسة الشرق والغرب، وهي (تي جي في) و(نوسالتراس) و(خمسة في خمسة) و(الزورق)، ثم (نحن كثيرات)، ختمتها بندوة حول السينما وحقوق الإنسان.
وفي مستهل هذه الندوة والدرس السينمائي، الذي ألقاه المخرج موسى صباح يوم السبت 21 فبراير، والذي ختم به فعاليات هذه التظاهرة السينمائية التي تابعها جمهور عريض مغاربة وأجانب، وبخاصة من الجالية الإفريقية المقيمة بالرباط، حيث تطرق إلى بداياته الأولى مع السينما، التي دخلها عبر عدسة حب الفن الفوتوغرافي الذي كان يمارسه والده، وكذا من خلال مصاحبته لتجربة أخيه جونسون، والعديد من السينمائيين الأفارقة الرواد من أمثال المخرج السنغالي صامبين أوصمان، هذا العلم السينمائي الكبير الذي أصبح مهرجان السينما الإفريقية، والذي يعد أقدم مهرجان سينمائي إفريقي بعد مهرجان واغادوغو، يحمل اسم جائزته الكبرى والتي يمنحها المجمع الشريف للفوسفات، بقيمة تزيد عن سبعة آلاف دولار امريكي.

وبعد تدرجه في المجال السينمائي، أكد موسى توريه أمام حشد من الطلبة والباحثين والمهتمين والنقاد والإعلاميين أنه أخرج أولى أفلامه القصيرة، وكانت بعنوان (برام) وتنعي باللهجة المالية (شواء السمك)، حيث يتحدث الفيلم عن قصة ابن يذهب مع أبيه في رحلة صيد للسمك في أعالي البحار. والقصة جزء من تاريخ المخرج موسى توري، الذي وجد في طفولته الخزان الجميل لأفكار وديعة لترجمتها إلى حكايات صور سينمائية رغم قصرها، لكنها تفي بالغرض، وتقدم صورة مماثلة لباقي حكايات أطفال إفريقيا، في علاقتها بعادات وطقوس وأحلام المجتمع الإفريقي، وتعني الشيء الكثير في مسيرته السينمائية، التي تُوجّت بتألق بيِّن في مهرجانات إفريقية ودولية مختلفة، ومنها مهرجان السينما الإفريقية المغربي، حيث كان فيلمه (الزورق) من بين المتوجين.

كما كشف المحتفى به في هذه الدورة، عن أن فيلمه الثاني كان بعنوان (توباني) ويحكي قصة مواطن إفريقي سافر إلى فرنسا من أجل الدراسة، وكان الأنا، دائما يواجه بسؤال واحد من قبل الآخر، ألا وهو "هل ستبقى في فرنسا، أم ستعود إلى بلادك"، وهو الفيلم الذي يطرح الكثير من الإشكاليات التي ترتبط بالعنصرية وحقوق الإنسان، في بلد متقدم، يؤمن بالعدالة الاجتماعية والحرية والأخوة، وفهم الآخر، واختلاف العقليات والثقافات، والهجرة، والعزلة وأحلام المهاجرين، وصيانة الذاكرة المحلية والعادات الأصيلة في بلاد الشاعر والرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سينغور.

محفزات إبداعية لنقل الواقع الحي

وفي بوحه السينمائي، تطرق المخرج موسى توري كذلك إلى تجربته السينمائية، من خلال العديد من الأفلام التي أنجزها، وبخاصة فيلمه الشهير(تي جي في)، وهي فكرة استقاها المخرج، حين كان يدرس بفرنسا، عن مشروع القطار الفائق السرعة، وحاول تطبيقها في بلاده سينمائيا، وذلك في قالب ساخر ودراماتيكي، يبرز الاختلاف الكبير بين أحلام إفريقيا وأحلام أوروبا، التي تقدم قطار نهضتها بعشرات السنين مقارنة مع بلدان القارة السمراء.

(تي جي في)، فيلم تخييلي، عصب حكايته، حافلة متهالكة، يقودها (رامبو)، وهي سريعة تربط بين داكار في السنغال وكوناكري في غينيا، قبل انطلاق الرحلة المتعبة والطويلة، يتم إخبار (رامبو) والركاب بوجود سكان محليون ثاروا على الحدود الغينية، حيث يقرر عدد الركاب من ضمنهم امرأة، ركوب هذه المغامرة مع رامبو ومساعدة (ديمبا)، من بينهم وزير مقال سابقا وزوجته (روجير) و(سيلفيا)، حيث من خلال مغامرات خطيرة وغير متوقعة، يثبت كل واحد ذاته وتنسج علاقات غريبة وجيدة داخل هذا الفضاء المغلق، والذي لا يحاكي القطار الفائق السرعة الفرنسي إلا في الأحلام.

في الفيلم، الذي قضى المخرج موسى ثمانية أسابيع لتصويره، وإعادة تمثيل مشاهده رغم صعوبة التصوير، مرتين، وتلك من طقوسه السينمائية، يحاول، المخرج أن يقدم للمتلقي، صورة مصغرة عن إفريقيا بمشاكلها وهمومها وأحلامها، و خليطا من الثقافات والأفكار، والعادات، في القارة الإفريقية، ورغم اختلافها وتباينها، إلا أنها تنسجم، رغم كل شيء.

وشدد بالمناسبة على أهمية العلاقة التي تربط العديد من الأفلام بحقوق الإنسان، وبخاصة في أفلامه، مؤكدا أن السينما الوثائقية، التي وجد فيها ذاته ومتعته الفنية والإبداعية، تشكل لديه أحد المحفزات الإبداعية لنقل الواقع الحي إلى الجمهور، وذلك من خلال شهادات شخوص عايشوا وعاينوا الحدث، بكل حرية ومصداقية، في القول والبوح، وهو ما يمنح أفلامه الوثائقية، وكل عمل سينمائي وثائقي، قيمته الإبداعية، وانتشاره وتأثيره كذلك على الجمهور بشكل عام.
كما تحدث أيضا عن تجربته السينمائية في فيلم (الزورق) الذي أخرجه عام 2012، الفيلم تم اختياره لمهرجان كان الفرنسي لنفس السنة، والذي يحكي قصة حالمين بالفردوس الأوروبي، من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية، ينطلقون من قرية صيد بضواحي دكار، في رحلة عبور غالبا ما تكون محفوفة بالمخاطر، في بحر الظلمات باتجاه جزر الكناري الإسبانية. (باي لاي) البطل ربان الزورق، يعرف البحر وأمواجه العاتية، ولا يرغب في السفر مع المجموعة، لكنه لا يملك أي خيار سوى المغامرة مع المجموعة، فهو مطالب بالإبحار برفقة 30 رجلا، نحو الوجهة المعلومة حتى يتحقق الحلم، في الفيلم رجال حالمين، هاربين، من الحرب والفقر والجوع، تفرقهم أشياء كثيرة، ويجمعهم حلم الوصول إلى الضفة الأخرى، منهم من لم ير البحر قط ولا أحد يدرك ما ينتظره، إنه فيلم مشوق للغاية، ويعبر بكل صدق عن عمق الإحساس بالعجز، ونبذ الوطن من أجل الحياة، حيث يبرز فيه بشكل جليّ، قيم الحقوق المدنية للإنسان، الحق في العيش بكرامة، والحق في التعبير والتعلم والعمل، لكن حين لا يوجد أي شيء من ذلك يبقى الحل هو مواجهة البحر والأفق الشاسع الحالم، فإما الوصول، وإما الموت بشرف أو البقاء هناك مرفوع الرأس رغم البعاد والعزلة والاغتراب.

الوثائقي رافد سينمائي للمتعة

واعتبر السينما الوثائقية، رافدا حقيقيا للسينما الممتعة، والفرجوية، على اعتبار أن السينما في مجملها، تعتبر نصا إبداعيا يتوخى في أبعاده ورؤاه، تحقيق الفرجة للجمهور، وهو ما تحققه السينما الوثائقية، فضلا عن قيمتها المعرفية والجمالية، والتواصلية والحوارية بين الأنا والآخر، في أفق تحقيق مزيد من ذلك التناغم والاندماج مع الآخر، الذي لا يعرف عن المجتمع الإفريقي أي شيء، مؤكدا على ان تجربته السينمائية كواحدة من التجارب السينمائية الإفريقية والدولية، تعتمد على مرتكزات كثيرة أهمها، البحث عن صور نورانية يكون فيها الضوء وافرا بشكل كبير، وذلك لما يمنحه الضوء من ثراء إبداعي جميل للصورة السينمائية، في قارة تفتخر بأنها من أجمل بلدان الشمس والضوء والنور، وهو ما يعطي لأعماله السينمائية، بعدا جماليا وشاعريا، وهي تسبح في صور ضوئية طبيعية خلابة، دون الحاجة إلى مصابيح اضافية ومكلفة.

واعتبر ان فيلمه الوثائقي (نحن كثيرات)، نموذج حقيقي، للسينما الإفريقية، التي تطرح موضوع حقوق النساء والأطفال، في التعبير والحياة، من غير عنف، أو إساءة، أو قتل وتصفية، كما يشكل واحدا من أبرز أعماله السينمائية الوثائقية التي نقلت الواقع كما هو بدون مساحيق، وذلك من خلال نقل الواقع ومعالجته في دولة الكونغو برازافيل، التي كانت تعمه الحروب، خلال التسعينات من القرن الماضي.

ويقدم الفيلم شهادات نساء تعرضن للعنف الجسدي والجنسي، ومنهن فرنسية، و(ليدي) الأرملة ذات ستة أطفال وتوأم، التي فقدت زوجها في الحرب، التي اندلعت بالكونغو ما بين 1993 و 1999، وخلفت أثارا سلبية وآلاما عديدة، من أبرزها العنف الجنسي ضد النساء، الذي بقي طي الكتمان. الفيلم يعطي كذلك الكلمة لنسوة تعرضن للاغتصاب، ولحكي قصصهن أحيانا في صمت متواضع، أو مؤلم، وأحيانا بغضب وسخط عارمين تجاه الحكومات والعسكر، لكن دائما بشجاعة وكرامة، حيث استطاع المخرج التعبير عنها بشكل مؤثر للغاية.
 
كما تطرق أيضا إلى فيلمه الوثائقي (خمسة في خمسة)، وهو فيلم صامت، يحكي قصة رجل إفريقي، متزوج بخمس نساء، وما تطرحه هذه الإشكالية، من وجهات نظر ورؤى، وتمثلات لدى المتلقي، في مجتمع إفريقي ما يزال يرزح تحت وطأة الفقر والجوع، والتقاليد.

متعة الرؤيا والنور في السينما

ولفت إلى أن أي فيلم وثائقي، لكي يكون ناجحا ومؤثرا، عليه أن يتمتع بالصراحة والجرأة والتلقائية، والنقل الحقيقي للواقع، كما هو، من غير أن تميل عاطفة المخرج، إلى أية جهة أو كفة.
كما اعتبر موسى توري أن السينما الوثائقية في مسيرته الإبداعية، ما تزال تشكل لديه الحافز القوي على العطاء، وطرح الإشكاليات، وإيجاد أجوبة مقنعة ومحرجة، لدى المهتمين والمسؤولين، مبرزا في معرض حديثه أن ما يهمه في السينما ككل هو ما يراه وما يسمعه، وما يحققه أيضا الضوء من متعة في علاقته بالصورة، بشكل عام، هذا الضوء الذي يعتبره أحد المكانيزمات الأساسية في قوة كل عمل سينمائي على حدة. كما أشار إلى أهمية وقيمة التصوير والكاميرا الرقمية، التي مكنته حتى الآن من تصوير 17 فيلما وثائقيا.


تجربته المتميزة ساعدته في الحديث عن نفسه، وعن التواصل مع الآخر في أوروبا خصوصا، الأمر الذي مكنّه أيضا من تكريمه في إسبانيا في الآونة الأخيرة، وإطلاق اسمه على أحد الأمكنة بسان فيلوي بضواحي برشلونة الإسبانية. وذلك ما عبر عنه في فيلمه (نوسالتراس)، من خلال مجتمعان وثقافتان مختلفتان، حيث تعيش هناك جالية مالية وصلت بطريقة غير شرعية منذ ثماني سنوات، وتعمل في قطاع البناء والفلاحة.

وكشف بالمناسبة عن أنه مقبل على إنجاز عملين سينمائيين وثائقيين، الأول يرتبط بموضوع العبودية والعنصرية، التي ما تزال تؤرق بال العديد من المواطنين، وبخاصة في القارة السمراء ومعاناتهم مع النظرة الدونية تجاه الأفارقة من قبل الآخر، والثاني يتمحور حول موضوع (الفضاء)، أو المكان الذي لم يعد يجد فيه الإنسان راحته الطبيعية. حيث أصبح الفضاء مهددا، كما الإنسان مهددا في حياته.

عبد الرحمان سيساكو في البيضاء

يشار إلى أن موسى توريه من مواليد سنة 1958 بدكار، بدأ مسيرته الفنية، مبكرا بالعمل كتقني في أحد الأفلام ليتمكن من إخراج فيلمه القصير الأول في 1987، ثم أول أفلامه الطويلة سنة 1991، (توبابي) الذي حاز من خلاله على العديد من الجوائز. أنشأ في 1987 شركة إنتاج بداكار أشرف من خلالها على إنتاج أفلامه الوثائقية التي حازت جوائز بالعديد من المهرجانات. وحقق فيلمه (تي جي في )، الذي أخرجه في 1997 نجاحا كبيرا في إفريقيا وفاز بجائزة الجمهور للدورة التاسعة لمهرجان السينما الإفريقية بميلانو.

وتهدف هذه التظاهرة، المنظمة بدعم من المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية، والصندوق الكندي لدعم المبادرات المحلية، إلى ترسيخ قيم السينما وحقوق الإنسان لدى الجمهور.

 ويعد "ماستركلاس" السينما وحقوق الإنسان، التي تسهر جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان على تنظيمها مرة كل ثلاثة أشهر بالفضاءات التعليمية (الكليات، المدارس العمومية أو الخاصة والثانويات...) من أهم إسهامات ومبادرات الجمعية للنهوض بثقافة السينما وحقوق الإنسان، حيث تم خلال الشهر الماضي الاحتفاء بتجربة المخرج الموريتاني عبد الرحمان سيسكو، وفيلمه الشهير الذي ترشّح للأوسكار (تمبكتو).

الجزيرة الوثائقية في

26.02.2015

 
 

أسامة عبد الفتاح يكتب:

"بتوقيت القاهرة".. الجدية وحدها لا تكفي

** يفتقد الفيلم للعمق ويهتم بالترميز والأفكار المجردة على حساب المصداقية والسرد الدرامي السليم والرسم الجيد للشخصيات

بعضنا، بعد مشاهدة فيلم مصري جاد وجيد هذه الأيام، يمتنع عن ذكر ملاحظاته عليه كنوع من رد الجميل لصناع الفيلم، الذين فضّلوا تقديم عمل محترم وتحملوا مخاطر عدم تحقيقه إيرادات تعوضهم ما أنفقوه، في وقت تكثر فيه الأعمال المبتذلة، غير المحترمة، التي لا تستهدف سوى تحقيق الربح.. وعادة ما تكون كلمات الثناء والمجاملة، الصادرة عن هؤلاء، محاولة منهم لتشجيع صناع الفيلم على مواصلة السير في نفس الطريق وعدم تحويل المسار إلى طريق التجارة.
لكنني لا أفعل ذلك ولا أقبله، ليس لأنني عدواني أو مصاب بأي عقدة، ولكن لأنني أفضل دائما استغلال كل الإمكانيات والموارد المتاحة لعمل فيلم عظيم، أو على الأقل ممتاز، وتنبيه صناع العمل لبعض العيوب والأخطاء على أمل مراعاتها وتصحيحها في الأفلام التالية.

وقد كانت أمام المخرج أمير رمسيس فرصة كبيرة لعمل ذلك الفيلم العظيم الممتاز لدى تنفيذ مشروعه السينمائي "بتوقيت القاهرة"، بدءا بالفكرة الجيدة، وانتهاء بالإنتاج السخي، مرورا بوجود توليفة نادرة من الفنانين الكبار والممثلين الشباب، لكنه اكتفى بعمل فيلم جيد لن يدخل تاريخ السينما، ولن تشفع له في ذلك جديته الواضحة بالمقارنة بجحافل الابتذال.

يقوم الفيلم على دراما اليوم الواحد، التي قُدمت من قبل في عشرات الأفلام المصرية والأجنبية، لكنها تتسع لعشرات أخرى، كما يقوم على القصص المتوازية، التي تبدو في البداية بلا رابط، لكن بمرور الوقت تتضح علاقاتها ببعضها البعض، إلى أن تأتي في النهاية لحظة الاستنارة التي ينتظرها المشاهد، وهي - بدورها - صيغة درامية قُدمت من قبل كثيرا، لكنها لم تُستهلك، ويمكن العودة إليها مرارا طالما تمتع العمل بالجدة والعمق.

المشكلة أن "بتوقيت القاهرة" يفتقد إليهما، ويهتم بالترميز والأفكار المجردة على حساب المصداقية والسرد الدرامي السليم والرسم الجيد للشخصيات، التي يبدو بعضها وكأنه قُطع من أشجار، مما يجعل تصرفاتها غير مفهومة، ويدفع المشاهد إلى استباق مشاهد النهاية ليفهم ويربط ويقتنع، لكن تلك المشاهد تأتي للأسف ولا تضيف شيئا سوى المزيد من الالتباس وعدم الاقتناع.

عجائب

من الصعب مثلا أن نصدق أن تطلب فتاة (آيتن عامر) من أمها الممثلة المعتزلة (ميرفت أمين) أن تنفذ فتوى عجيبة بالطلاق من ممثل تزوجت به أمام الكاميرا فقط في أحد الأفلام (سمير صبري)، إذا عرفنا أن هذه الفتاة وافقت على الاختلاء بحبيبها (كريم قاسم) في شقة من دون زواج، أي تُعد متحررة، ولا أريد أن أقول منحلة، والمفترض ألا تقتنع بفتوى كهذه.. وحتى إذا قيل إن رمسيس أراد الإشارة إلى الازدواجية التي تعاني منها الشخصية والعديد من الشخصيات الأخرى في المجتمع المصري، فإن ذلك أيضا لم يكن واضحا، ولم يتم التخديم عليه دراميا.

وبالمناسبة، فقد تجاوز الشباب المصري تلك المراحل الطويلة المعقدة، التي يبرزها الفيلم، في علاقاته خارج مؤسسة الزواج، فلم تعد تحتاج إلى كل ذلك الوقت - مدة العمل كلها - لإتمامها.. وفي الوقت نفسه، من الغريب أن ترهن الممثلة المعتزلة زواجها الحقيقي الجديد بضرورة "طلاقها" أولا من الممثل المسيحي الذي تزوجها سينمائيا، وكأنها لم تتزوج أمام الكاميرا سواه، علما بأن أي ممثلة تتزوج في كل فيلم تشارك فيه رجلا واحدا على الأقل، فلماذا هذا الممثل دونا عن غيره؟

ورغم أن الخط الدرامي الخاص بمريض الألزهايمر (نور الشريف) وتاجر المخدرات الصغير (شريف رمزي) هو أفضل خطوط الفيلم وأكثرها توهجا وصدقا، ورغم أنه يحظى بأفضل أداء تمثيلي في العمل، سواء من النجم الكبير أو من الممثل الشاب، الذي قدم في الفيلم أفضل أدواره حتى الآن على الإطلاق، إلا أن هذا الخط أفسده للأسف الافتتان بالرمز وعدم المصداقية.. فمن الصعب تقبل أن يسافر رجل مسن بساعة حائط كبيرة وثقيلة لمجرد رغبة رمسيس في أن يرمز بتمسكه بالساعة إلى تمسكه بزمنه الذي ولَّى.. ومن المضحك أن يستميت الشاب - بعد علقة موت - إلى التمسك بها هو الآخر لكي يرمز صناع العمل إلى حنينه وتطلعه هو الآخر إلى نفس الزمن، أو استنجاده به.

أما أعجب ما في الفيلم، فهو تساؤل مريض الألزهايمر طوال الوقت عن هوية صاحبة صورة قديمة يحملها، رغم أنها ممثلة مشهورة.. فإذا كان هو قد نسيها، كيف لا يعرفها أبناؤه؟ وكيف لا يتعرف عليها تاجر المخدرات "اللافف"؟ فضلا عن أن مفاجأة الفيلم، بالكشف عن العلاقة القديمة بين المريض والممثلة، كانت غير مقنعة على الإطلاق، وكما كانت بلا جذور في الدراما، فهي تنتهي بلا ثمار أيضا.

جريدة القاهرة في

26.02.2015

 
 

كمال رمزي.. 71 شمعة في محراب سحر السينما

«سينماتوغراف»

لا شيء يسحره  في هذا العالم مثلما تسحره السينما، ولا متعة يشعر بها مثل متعته وهو يشاهد فيلما، ثم يصر على أن يشاركه تلك المتعة كل الناس، فيكتب لهم، يشرح ويحلل كل لقطة وكل جملة حوار بأسلوب لاينافسه فيه أحد، وتزداد سعادته حين يجد صدى كتابته عند قارئ مهتم أو عاشق مثله لتلك الشاشة الساحرة.

هو صاحب الذاكرة المليئة بالمشاهد، واللقطات، والحوارات، والألوان، ووجوه الممثلين، هذه العناصر السينمائية التي استقرت في وجدانه، فكلما انطفأ ضوء في صالة عرض، راح يبحث في تلك العتمة الباهرة عن وهج الإبداع الذي يغزله عباقرة الفن السابع.

كمال رمزى، اسم كبير تفخر به السينما المصرية والعربية، وتاريخ سينمائى ممتد من آلاف المقالات التى سطرها فى حب السينما، وعشرات الكتب التى صارت مرجعا لكل دارسى الفن السابع، ومهرجانات عربية ومصرية ودولية شهدها وشارك فى تأسيسها، منذ تعلق فى فترة مبكرة بتلك الشاشة الفضية، فمنحها عمره، واليوم تحتفى«سينماتوغراف» بعيد ميلاد ناقدها الكبير الـ71 ، الذى تحمس لها منذ كانت مجرد فكرة،  وأضاء لها بكتاباته النقدية عوالم مبهرة وأضاف لها الكثير من أفكاره المهمة.

كمال رمزى هو أحد النقاد الكبار الذين كرسوا جهودهم لإبراز التجارب السينمائية المتميزة والجادة، ومحاربة تلك الأفلام التي يصفها بـ(السخيفة) عبر نقده الذي لا يعرف أي نوع من المجاملة.

ويستحق كمال رمزى بجدارة لقب «شيخ النقاد السينمائيين» فهو صاحب رصيد كبير من الكتب والمقالات السينمائية والأبحاث التي شارك بها في العديد من لجان تحكيم المهرجانات الدولية، ولذلك فهو بحق ناقد يملك الرؤية والخبرة معاً.

تتميز مسيرة رمزي النقدية بالتحرر من سطوة ونفوذ مؤسسات وصناع السينما، ونزاهته في الحكم على الأفلام والأعمال السينمائية قادته لأن يكون ودودا ودافئا في علاقته مع صناعها حيث لا يتصيد أخطاء بقدر ما يشير إلى ايجابيات ومواقف ويتعرض للسلبيات وفق منظوره ومنهجيته النقدية برقة وألفة تبغي الاشارة للخطأ بعيدا عن أساليب الهجوم والصراخ والإيذاء اللفظي أو المعنوي.

ويعترف كمال رمزي بأن لكل ناقد طريقته أو منهجه، وبالنسبة له يترك نفسه مع الفيلم، فإذا أحبه بحث عن الأسباب المنطقية التي جعلت هذا العمل يرضيه، وإذا وجد انه أزعجه بحث كذلك عن الأسباب التي أدت الى ذلك، هل السبب في السيناريو، أم في الإخراج، أم التصوير، أم التمثيل؟!.

وعما إذا كان غضب البعض بسبب مقالاته، قال كمال رمزي : نعم هناك مخرجون تضايقوا مني بسبب نقدي لهم، وقد انتقدت أحد أفلام المخرج خيري بشارة، وفوجئت به يسلم علي ببرود، وواجهته وقتها بأنه يجب ألا يتضايق من قولي لرأيي بصراحة، ولكنه كان منزعجاً جداً.

لامست مقالات رمزي المولود عام 1944 وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1968 موضوعات جريئة تتعلق بنتاجات السينما المصرية الجديدة وتيارات السينما العربية التي تقدمها كل من الأفلام السورية والتونسية والجزائرية والمغربية واللبنانية والفلسطينية والبلدان الإفريقية معرفا بسماتها الإبداعية الجمالية والفكرية.

وقد تناولت كتاباته التي نشرت بالعديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية ونشرة نادي سينما القاهرة قضايا ساخنة في فضاءات الفن السابع الرحبة مثل البحث عن صيغة للتمويل والإنتاج المشترك والبحث عن أسواق جديدة للفيلم العربي وخطوات التكامل السينمائي بين مخرجي البلدان العربية والتنسيق بين المهرجانات مثلما يعرف المتلقي بأفضل الأفلام العربية وهي تطرح مسائل شائكة مثل إظهار لحظات الكبرياء وصورة المرأة العربية على شاشة إلى جانب تغطيته اللافتة لفعاليات الكثير من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية.

 ويؤمن كمال رمزي بقدرات الأجيال الجديدة من صناع السينما العربية الشباب على تحقيق منجزات إبداعية تنهض بالفيلم العربي وتثريه استنادا إلى رؤى وأساليب وتجارب مبتكرة من القصص والحكايات التي تعصف بالحياة اليومية في أكثر من مجتمع وثقافة إنسانية.

وبعد سنوات من عشق السينما، يبوح الناقد الكبير كمال رمزي، بأنه لم يندم يوما على مقال كتبه، حيث يؤكد قائلا: أسعى باستمرار لأكون صادقاً مع نفسي، وخصوصاً أنني لا أنتمي إلى مؤسسة معينة، وقد صدق الناقد مارسيل مارتن حين قال: «على الناقد السينمائي أن يسكن بعيداً عن المدينة، وألا يحضر حفلات النجوم، ويذهب لمشاهدة الفيلم مع الناس وليس بدعوة العرض الخاص، وذلك حتى لا يضطر للمجاملة، فيحسب عليه أنه كذب، في حين أنه كان يجامل من باب الواجب»، درس مهم يعلمنا إياه أستاذنا القدير، وهو يتعامل بعين الناقد، كيف يكون محترما، لأنه ليس من الضروري كما يقول أن يكون محبوبا، ورغم ذلك كان ولا يزال كمال رمزي ـ أطال الله في عمره ـ ناقدا محترما ومحبوبا.

سينماتوغراف في

26.02.2015

 
 

فيلم "خارج الخدمة".. رحلة عبثية الى الغيبوبة!

محمود عبد الشكور

تعودنا الى حد كبير على تناقضات السينما المصرية، التى تجعلنا نضع قدما فى خانة التفاؤل والإعجاب، وقدما أخرى فى خانة الإحباط والحزن. ليس أدل على هذه المعادلة العجيبة من فيلم "خارج الخدمة" الذى كتبه عمر سامى، وأخرجه محمود كامل.

فى خانة التفاؤل لدينا تجربة مختلفة تماما عن السائد والمألوف، ولدينا عناصر مميزة للغاية كالتصوير والموسيقى وأداء أحمد الفيشاوى كممثل موهوب، بل إن الفيلم عموما هو أفضل أعمال مخرجه محمود كامل حتى الآن، ويتفوق بمراحل عن تجاربه السابقة.

ولكن "خارج الخدمة" يحبطنا بشدة بسبب مشكلات السيناريو المزعجة  التى جعلت من الفيلم مجرد رحلة عبثية الى غيبوبة المخدرات، ذلك أننا نشاهد بطلين لا نعرف شيئا عنهما تقريبا، أصبحنا نتأمل فعل الغيبوبة المتوالى دون أن نفهم الطريق إليها، شاهدنا السلوك ولم نستوعب الدافع إليه، اللهم إلا إذا كنا أمام ترجمة عملية لمذهب "الحشيش للحشيش" أو "المخدر للمخدر"!

تشعر بالغيظ حقا لأن بطلا الفيلم يبدوان مهمومان، على وجوهما معالم مأساة حقيقية، يكفى فقط أن يتكلما، ولكنك بالكاد تعرف اسميهما، تصبح الحالة الهروبية التى قدمها الفيلم بامتياز أقرب الى العبث أو الغرابة دون أى معنى، مع أن ذلك ليس مقصودا، بدليل تلك الإشارات الواضحة عن ثورة فى الخلفية، لايعبأ بها البطلان.

العلاقة بين البطلين أصلا تقفز بسرعة دون أن يجد المؤلف نفسه مكلفا بتفسير أى شىء، نتيجة ذلك تفرجنا على أزمة من الخارج، دون أن نكتشف داخل الشخصيات الممزق، الفيلم بالتأكيد يصف حالة، ولكن هذا الوصف سيفتقد المعنى تماما لو تجاهل رسم ملامح شخصيتيه كما شاهدنا، سيتحول الأمر الى فاترينة عجيبة يتعاطى اثنان خلف زجاجها المخدرات بلا توقف، يدور الفيلم ويلف، ويكرر ويزيد دون أن يفلح فى أن ينتقل من خانة الفعل الى خانة ما وراء الفعل، أو من مستوى الحركة الشكلية، الى التاثير الدرامى الفعلى الأعمق والأهم، أصبحنا أقرب الى تسجيل لطقوس للغيبوبة دون تحليل أو فهم لأسبابها من خلال رجل وامرأة يتصدران الشاشة طوال الوقت.

غيبوبة أم ثرثرة؟

فى فيلم "ثرثرة على النيل" المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، وفى فيلم "المساطيل" الذى كتبه وحيد حامد، تتحدث الشخصيات، تثرثر عن همومها، فتكشف أزمتها، وتجعل من الغيبوبة هروبا له أسبابه العامة والخاصة.

أما "خارج الخدمة" فهى يكتفى فقط بعلاقة تفتقد الإقناع بين شاب مهمش لا نعرف عنه شيئا تقريبا سوى اسمه ، سعيد ( أحمد الفيشاوى)، وامرأة وحيدة نعرف عنها معلومات شحيحة للغاية اسمها هدى (شيرين رضا)، لا هو سعيد ولا هى قريبة من الحكمة والهدى، والتقاء سعيد وهدى يتم أصلا عن طريق حادث غريب للغاية: سعيد تحت تأثيرالمخدر طوال اليوم تقريبا، يتم طرد أحد سكان العمارة، يقتحم سعيد الشقة، يسرق بعض التماثيل الصغيرة التى تركها الساكن، يعثر بالصدفة على فلاشة (شريحة إليكترونية تضم مواد مصورة).

عندما يقوم بتشغيل الشريحة ، تظهر عليها لقطات لهدى وهى تخنق طفلة ثم تهرب، البناء بأكمله قائم على تهديد سعيد لهدى لكى يحصل منها على أموال ، يسدد من خلالها ما عليه من ديون، نظير الحشيش الذى حصل عليه سعيد من الشاب الشرس ممدوح (محمد فاروق)، ابتزاز لامرأة ارتكبت جريمة قتل مصورة على شريحة إليكترونية.

معظم مشاهد الفيلم داخل شقة هدى، يدهشك أنهم تعرفوا علي  المرأة بسرعة من مشاهدة اللقطات المصورة، لايكلف السيناريو جهده لمجرد البحث عن صاحبة اللقطات ولو فى مشهد أو مشهدين، المهم فقط هو أن يذهب سعيد الى هدى، فما الذى سيحدث عندما يلتقيان؟

الحقيقة أنه لن يحدث الكثير، فبدلا من قيام سعيد بتعاطى المخدر بمفرده سيتعاطاه مع هدى، وبدلا من أن يكون سلوك هدى الأول هو الخوف والرفض لزائر أشعث أغبر الهيئة والثياب، فإنها ستسمح له بالدخول، وستصنع له الشاى، وسيصطنع الفيلم دوما مشاجرات بينهما تنتهى باغتصاب سعيد لهدى فى كل مرة !!

كلمات متقاطعة

عليك طوال الفيلم أن تخمن كل شىء على طريقة مسابقات الكلمات المتقاطعة، تقريبا لايجيب الفيلم عن أى سؤال، كل ما ستقوله هدى (التى تكرمت مشكورة بذكر اسمها) هو أنها تعيش فى الشقة وحيدة منذ وفاة زوجها إثر حادث سيارة وقع من 18 سنة، يعتبر السيناريو هذا الأمر كافيا لكى تستقبل امرأة شابا مخدورا، وأن تستسلم لاغتصابه، بل وأن تشاركه تجربة أنواع أخرى من المخدر.

بينما يبدو سعيد ابنا للشارع، وربما ينتمى الى طبقة إجتماعية فقيرة، فإن هدى ترتدى الروب المنزلى، وتبدو أكبر سنا، اثنان من عالمين مختلفين، ولكننا لانعرف بالضبط طبيعة العالمين،  يفترض السيناريو أن تقوم أنت باقتراح المعلومات، وسد الخانات.

تلزم عن هذه الثغرات نتيجة خطيرة ومزعجة هو افتقاد صدقية ما تراه، لديك شخصيات ضائعة لاتعرفها على الإطلاق، تماما مثل أولئك الهائمين فى الشوارع تحت تأثير المخدر، أو نتيجة لأمراض عقلية مجهولة.

تحوّل الفيلم الى فرجة من الخارج على شخوص تتعاطى المخدر، دون أن يجيب عن السؤال المفصلى وهو : ما الذى جمع بين هذين العالمين الغامضين؟ بل ما هى أصلا أزمة البطلين اللهم إلا إذا كانا من عشاق الكيف والسلام.

افتقد السيناريو العمود الفقرى للسرد، فصار يلف فى دائرة عبثية تماما، كل ما يفعله سعيد (بالإضافة الى الإغتصاب وتعاطى الحشيش وأنواع أخرى مع هدى) هو سرقة تماثيل من شقة هدى لبيعها وتسديد ديونه لمروجى المخدر، وأحيانا يشترى لهدى ما يلزمها من الكيوف، وفى بعض الحالات، يتخيل تحت تأثير المخدر أن هدى تنتقم منه، أو أنها دفنت الطفلة (التى نسيناها ) أسفل بلاط الشقة.

فن اللامبالاة

قال الفيلم كلمته بسرعة فلم يجد ما يضيفه، فطفق يكرر ويكرر:؛ هناك من يحترفون الغيبوية، بشر مرفوعون من الخدمة، مثل مصعد البناية المعطل، مقدمات الثورة على حكم الإخوان فى 30 يونيو لا تعنيهم، وماذا بعد ؟ هناك حكاية اللقطات التى تجعل من هدى قاتلة لطفلة، هنا يجد السيناريو نفسه متورطا فى ضرورة الإجابة لحل اللغز.

تأتى الإجابة لتضيف سخفا على سخف، اللقطات ليست إلا مشاهد تمثيلية شاركت فيها هدى، والطفلة ما زالت على قيد الحياة، لماذا إذن لم تطرد سعيد عندما ابتزها؟ لماذا سمحت له أن ينتهك جسدها؟ هنا يسكت الكلام، ينتهى الفيلم مع كوب شاى إضافى بين اثنين مخدورين لا نعرف عنهما شيئا !

لا محل للقول بأن السيناريو ترك الإجابات متعمدا، ليترك هامشا لمشاركة المشاهد، فقد اضطر الفيلم كما رأينا أن يبنى موضوعه على علاقة السبب والمسبب فى شأن الحساب بين المتعاطى ومروج المخدرات ممدوح (محمد فاروق ممثل جيد جدا وفى دوره تماما) ، ونتيجة لذلك حدث ابتزاز المرأة، كما اضطر الفيلم أن يبحث عن تفسير للقطات هدى، ليس منهج الفيلم التجريب ولا التجريد، بل إنه يقدم تفاصيل التفاصيل الواقعية عن جلسات الحشيش مثلا، بل إن افضل ما فى  العمل كله هو تلك الحوارات الحية التى تأخذ إيقاع ومفردات الواقع، هذا فيلم تكاد تلمس فيه الأماكن والأجواء ، هناك محيط واقعى صرف كان يتطلب تفسيرات تمنح العلاقات وبطلى الفيلم المعنى والصدقية، وتجعل المتفرج يدخل عقول الشخصيات، وليس بيوتها فقط.

اكتفى الفيلم بوصف حالة يستوعبها فيلم قصير، أما أن تصنع فيلما طويلا يدور فى الفراغ، وتهدر نماذج إنسانية ثرية، فهو أمر عجيب، ويدعو للحيرة والحزن، خصوصا مع وجود إتقان لافت وغير معهود فى التنفيذ، وفى عناصر فنية كثيرة مثل صورة أروتور سميث الضبابية الباهتة التى جعلت الشخصيات أقرب الى الاشباح الخاوية، ومثل موسيقى تامر كروان التى ملأت  ثغرات مشاهد بأكملها، فحولتها الى مشاعر وأحاسيس، طالما أن السيناريو عاجز عن التفسير، ومثل مونتاج هبة عثمان الذى أشبع مشاهد كثيرة محافظا على عفويتها وتأثيرها، ومثل شريط الصوت القوى والذى منح العمل حياة إضافية، ومثل الملابس التى بدا كما لو أنها جزءا من الشخصيات وفوضى حياتها، ومثل براعة المخرج محمود كامل فى استغلال زوايا المكان المحدود فى الشقة، وفى إدارة ممثليه رغم غرابة وغموض دوافعهم.

هناك لمسة عفوية مدهشة ونادرة فى أداء الممثلين عموما، بل إن هناك لمسات كوميدية خففت كثيرا من فجاجة شخصية سعيد، لاشك أنه أفضل أدوار أحمد الفيشاوى حتى الآن، سيحصل بالتأكيد على جوائز مستحقة، لم يفلت منه التعبير ولا الأداء مرة واحدة: العين التائهة والعبارات المتثائبة ورد الفعل البطىء، كلها أدوات جعلها هذ الممثل الموهوب تنبع من الشخصية، وليست مجرد حليات إضافية كما يفعل عادة بعض ممثلى أدوار المخدورين، شيرين رضا كانت تائهة، مرة تبدو مضطربة نفسيا، ومرة تريد أن تكون مسطولة، أحيانا تبدو مثل بنت بلد، ومرات تظهر كامرأة من طبقة أعلى، أعتقد أن غموض الشخصية على الورق أثر كثيرا على أدائها، وأعطاها هذا الإرتباك الملحوظ.

"خارج الخدمة" كان يمكن أن يكون عملا استثنائيا لولا أنه افتقد تلك الحلقة الذهبية التى تجعل الأفلام تؤثر فى مشاهديها، وتعيش أطول فى الذاكرة، أعنى بذلك أن تعرف الشخصيات التى تتصرف أمامك، تفهم تجربتها ومأساتها، تراها من الداخل وليس من الخارج فقط، وليس فى فيلمنا مع الأسف سوى هذه الحركة العبثية المتتالية وسط دخان أزرق، لذلك نندهش ولا ننفعل، لأننا ببساطة لا نعرف حكاية هؤلاء الناس، ولا دوافع تصرفاتهم العجيبة.

عين على السينما في

26.02.2015

 
 

Wild Tales .. أعصاب على حافة الإنهيار.

كتب Amgad Gamal  |

لهذا الفيلم تعريفات دعائية عديدة، فهو الفيلم الذى تحمس لإنتاجه المخرج الإسبانى الإستثنائى "بيدرو ألمودفار"، وهو أيضاً الفيلم الذى وبعد انتهاء عرضه الأول بمهرجان كان وقف له الحضور مصفقين لمدة تصل إلى 10 دقائق تحية لصناعه بحسب كلام شبكة "كلارين" الأرجنتينية، فضلاً عن أنه الفيلم الذى رشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبى وخسر أمام منافسه القوى "إيدا". إذا فكلها تعريفات مشجعة لوضعه على رأس قوائم المشاهدة فى وقت صعود للسينما الأرجنتينية خصوصاً واللاتينية عموماً، ومع تواجد ممثل كـ"ريكاردو دارين" أيقونة السينما الأرجنتينية الذى قدم فى السنوات الأخيرة أوراق إعتماده فى قلوب متابعى السينما العالمية.
"حكايات جامحة" .. لعله وصف يظل عاجزاً فى التعبير بدقة عن حقيقة هذا التسلسل الأرجنتينى الصادم، ست قصص من الكوميديا السوداء الأكثر جنوناً، وعلى غير العادة تأتى أقرب لمجموعة من الأفلام القصيرة بحيث لا يجمعها رابط درامى حقيقى أو تلاعب تزامنى، أى بإختصار لا تسير على الموضة التى فرضها تارانتينو فى العشرين عاماً الأخيرة بفيلمه "قصة شعبية رخيصة"، بقدر ما يجمعها رابط إنفعالى وأحياناً شعورى قد لا يصل الكثيرون حتى لإدراكه لكنه موجوداً.

هذا الرابط موزع على مستووين: المستوى الأول هو إنفعال خارجى خاص بالمتفرج وبالحالة التى يضعه الفيلم بها من إيقاع مكوكى وتفاصيل مربكة وأحداث تجعل العين تتسع لغرابتها أو توصد لبشاعتها. أما المستوى الآخر فهو إنفعال داخلى يخص شخصيات الفيلم وما تواجهه تلك الشخصيات من مواقف مصيرية حرجة تأتى من تفاصيل الحياة اليومية لتهدد حياتهم أو مستقبلهم المهنى والعائلى وتجعل كل منهم أمام إختبار صعب وهو إلى أى مدى سيستطيع التحكم بأعصابه وكبت سلوكيات لم يظن يوماً أنه قد يلجأ لها؛ خاصة وأن العواقب مجهولة فى كلا الحالات.

Wild Tales 2014

تشذ الحكاية الأولى قليلاً عن هذا المحور، وهى الحكاية التى تدور فى طائرة إختطفها أحد المحبطين ويدعى "باسترناك"، بعد أن رصد فخاً لجميع الشخصيات التى ساهمت فى تنغيص حياته، حبيبته السابقة وصديقه اللذان خاناه، والناقد الفنى الذى رفضه فى لجنة الإستماع وكتب مقالاً يهاجمه بضراوة أفسدت حالته النفسية، وأستاذته التى ظل يرسب فى مادتها لسنوات، وطبيبه النفسى الذى تخلى عنه. تظن فى البداية أن السيناريو فج ويبالغ فى اعتماده على المصادفات لكنك سرعان ما تتفهم حقيقة الأمر وتشرع فى الضحك، فهذه الحكاية كانت أقرب فى بنائها إلى نكتة عبثية، خاصة وان قوامها مشيب بالمبالغات والثغرات التى لا تتوافق مع الخمس حكايات الأخرى، ولكن يتضح مخزاها أكثر مع نهاية الفيلم لتكون بمثابة رسالة تحذير إستباقية موجهة لجميع الأوغاد الذين ظهروا على مدار الفيلم بأنهم ربما لا يسلموا فى كل مرة من أفعالهم الدنيئة .. الأمر أقرب لأسطورة "غرفة الفئران".

أقوى ما بالسيناريو هو الطريقة المدهشة التى تتطور بها الأحداث والشخصيات بنهج شديد التطرف اذا ما تمت مقارنته بالمدة الزمنية التى يحدث فيها هذا التطور، ولا أقصد هنا المدة الزمنية الفيلمية بل الفعلية، أى واقع ما تدور فيه الأحداث. أبرز تجليات هذه السمة تظهر فى الحكاية الثالثة التى تحدث فى الطريق السريع بين السائق الثرى المتعجرف والسائق الفقير الذى يخفى وراء هدوئه جانب شديد التوحش.

المشهد يبدأ بموسيقى حالمة ومناظر طبيعية خلابة على حافتى الطريق ولا يأخذ أكثر من بضع دقائق لينتهى بأبشع ما يمكن تصوره، البديع هنا أن المشهد رغم جموحه كان شديد المعقولية والتعبير عن أسوأ ما يمكن أن يصدر من النفس البشرية فى لحظات استثنائية خرقاء قد تخرج الإنسان عن إطاره الحضارى وتجعله أقرب إلى كائن أكثر غرائزية كحيوان مفترس، خاصة مع ذلك المناخ البرى القاحل الذى يدور به المشهد وتغيب عنه أى صورة لمفهوم الدولة او العدالة او القانون، (نلاحظ صور الحيوانات فى تيترات بداية الفيلم).

لكن تلك المعقولية البشعة التى تحلى بها المشهد السابق غابت إلى درجة ما فى الحكاية الثانية التى تدور بالمطعم واقتصرت على بشاعة لا معقولية أو شبه معقولية، صحيح أن الأمر يتطور بصورة مقنعة تحافظ على الإيقاع اللاهث للفيلم حتى نصل لفقرة الطعن، لكن ما لم أتفهمه هو الشرارة التى أشعلت المشهد حين وضعت العجوز السم فى الطعام، فالدافع ضعيف والتصرف مفتعل، ما أنقذ المشهد قليلاً هو احد تجليات العدالة الشعرية التى لا تخلو من سخرية وخفة ظل واضحة تبدأ بتساؤل العجوز "هل انتهاء تاريخ صلاحية السم يجعله أكثر أم أقل فتكاً بضحاياه؟"، وتنتهى بنجاة الصبى البرىء من السم ومقتل الأب الفاسد بصورة لم يتم التخطيط لها.

أقل الحكايات اتساقاً مع الإطار البرى الجامح الذى يغلف حكايات الفيلم كانت الحكاية الخامسة المتعلقة برجل ثرى يحاول رشوة حارس عقاره لتحمل مسئولية حادث سيارة قد ارتكبه إبنه، هذه الحكاية بخروجها عن ايقاع الفيلم اللاهث واحداثه الطازجة كانت بمثابة المطب الذى أبطأ من حركة تدفق سلسة لأحداث صادمة وعفوية وغير مكررة فى بنائها او فى معدل تطورها، بعكس تلك الحكاية لأسرية المبتذلة التى هى أقرب إلى حلقة تلفزيونية أخرى فى مسلسل جريمة قد نفذت الأفكار من عقول كاتبيه الملتزمين مع منتجه بمعاد تسليم قد حان موعده.

الآن لم يتبقى سوى الحكايتين الأروع، سأبدأ مع الأقوى ثم أنتقل إلى الأكثر قوة. فى الحكاية الرابعة يتحول رجل الطبقة المتوسطة شديد الانضباط والتقليدية إلى مجرم من النوع الذى يفخخ السيارات، هذا التطور لا يأخذ سوى أيام قليلة تنقلب فيها حياته رأساً على عقب بعد أن يواجه بسوء حظ عجيب وتعنت بيروقراطى وفساد حكومى وحياة عائلية مهددة، يكمن عنصر الإقناع الأكبر بتحول هذه الشخصية فى الطريقة التى جعله المؤلف بها لا يملك ما يخسره. نحن هنا أمام قصة بارعة التكثيف وأداء شديد القوة من "ريكاردو دارين" وتتمة مفعمة بحس ثورى ناضج وسخرية ناجحة من الطريقة ما بعد الحداثية فى صناعة البطل عبر مواقع التواصل الإجتماعى.
يختتم الفيلم بحكاية فى رأيى هى الأقوى على الإطلاق، والقوة هنا تتوزع على عدة عوامل أولها تصميم المشهد وموقعه ومناسبته. فهى حفلة عرس لشاب وفتاة جمعتهم قصة حب منذ الصبى، الجموح هنا يأتى من كسر مهابة الموقع وقدسية المناسبة، أعرف أن هناك العديد من الأفلام التى قد استهلكت فكرة افساد العرس، لكن لا شىء يمكنه مناطحة هذا الجنون الذى يحدث فى هذه الحكاية، ولا شىء يضاهى كمية الشحن التصاعدية التى تحتوى عليها، انها التهيئة النموذجية لصدمات عاطفية وصدامات عائلية وانهيارات عصبية وأخلاقية وقِناعِية، وكل شىء يمكنه صنع حدث شديد الإثارة.

عامل آخر مهم يزيد من تميز هذه الحكاية هو النهاية الخلابة التى تذهب إليها، ولهذه النهاية تفسيران. التفسير الأول هو رغبة بالإمعان فى التأكيد على الحالة الحيوانية بصفة الجنس يعد غريزة بدائية تتناغم مع كل السلوكيات البدائية البرية الذى قدمها الفيلم، لكنى لا أميل لهذا التفسير لأن الطريقة التى مارسا البطلان بها الجنس ابتعدت تماماً عن الطريقة الحيوانية وتحلت بحميمية مفرطة، وبوضع الوجه فى الوجه الذى يميز الإنسان عن باقى الكائنات فيما يتعلق بهذه الممارسة، لذلك أذهب إلى التفسير الثانى وهو أن هذه النهاية كانت بمثابة الدعوة الختامية للتطهر من كافة الأشكال الهمجية التى قدمها الفيلم على مدار ساعتين وإدراك أن البشر مازالوا بحاجة للتلاحم والتسامح فضلا عن التناحر والعداء، ولم يكن هناك ما هو أجمل من الجنس للتعبير عن ذلك المعنى، فهو الحل السحرى لكافة المشكلات!

تقييمى: 9/10

مدونة الناقد ـ قصة ومناظر في

26.02.2015

 
 

بالفيديو.. «دغدغة الكبار» فيلم وثائقي أمريكي عن برنامج «البرنامج» لمخرجة جون ستيوارت

كتب: وليد عبد الوهاب , أماني عبد الغني

«على الراغبين في مشاهدة فيلم وثائقي يخرجه أمريكية وبطله الطبيب الجراح والإعلامي باسم يوسف، التبرع لإنتاج الفيلم، خاصة المحبين والمؤمنين بالإعلامي الساخر باسم يوسف وبرنامجه «البرنامج».. بهذه الكلمات أعلنت المخرجة الأمريكية سارة تاكسلر فكرة فيلمها الوثائقي الجديد، عبر مقطع على موقع يوتيوب.

الفيديو الذي نشر مؤخرًا يكشف بعض تفاصيل العمل الوثائقي الذي سيصدر باللغة الإنجليزية، وتقدم من خلاله المخرجة الأمريكية سارة تاكسلر، الجراح المصري والإعلامي باسم يوسف، وستعرض وتوثق في الفيلم الذي سيحمل عنوان (Tickling Giants) أو «دغدغة الكبار»، العديد من عروض ومشاهد برنامج «البرنامج».

ويشير الفيديو إلى شعبية باسم يوسف الذي بلغ عدد متابعي برنامجه 30 مليون مصري، ويظهر فيه جون ستيوارت الذي استوحيت فكرة «البرنامج» من برنامجه الأمريكي The Daily Show «ذا ديلي شو»، ليثني فيه على أداء باسم يوسف ويصفه بالأصالة والابتكار.

فيما يقول «يوسف» إن المصريين انقسموا حول برنامجه، فهناك من أحبوه بشدة، وهناك من كرهوه أشد الكراهية، ووصفوه شخصيًا بـ «خروف الأمريكان».

وفي نهاية الفيديو الذي عرض فكرة الفيلم الوثائقي الجديد، طالبت سارة تاكسلر الراغبين في مشاهدة فيلم يوثق لبرنامج «البرنامج» أن يقدموا دعمهم وتبرعاتهم لأجل إنجازه.

جدير بالذكر أن سارة تاكسلر هي نفسها مخرجة ومنتجة برنامج جون ستيوارت الكوميدي (The Daily Show).

https://www.youtube.com/watch?v=XT-Z7L5fYBo

المصري اليوم في

26.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)