كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

رسالة الغفران

كمال رمزي

الأربعاء 25 فبراير 2015 - 9:05 ص

 

لا أعرف من هو أحمد الكيالى، لكن، بفضل رسالة وثائقية، لا تتجاوز الثلاث دقائق، أرسلها إلى قناة «بى بى سى»، بدت أمامى شخصيته واضحة: إحساس يقظ، إنسانى فى جوهره. نفاذ فى البصر والبصيرة، قدرة على قراءة الوجوه، الحوارى، جدران البيوت. اختيار موفق للنماذج البشرية التى يقدمها، بنزاهة. يترك لها فرصة التعبير عن انفعالاتها وأفكارها، ثم تأتى تعليقاته الموجزة، المكثفة، لتستكمل تفاصيل الصورة، وتبين، بجلاء، الفارق الواسع، العميق، بين التحضر والهمجية، نور القلب وظلامية الروح.

الرسالة تبدأ بداية نموذجية. التعريف بالمكان، اسما وحالة، فمع مسيرة مجاميع فى ممر ضيق، لتقديم واجب العزاء، يعلن المذيع عن اسم القرية المبهم، المنسى، الذى لم يأت له ذكر من قبل «العور»، التى غيب «١٣» من أبنائها غدرا.. طوابير طويلة تصافح أصحاب المحنة معزية، وفورا، ترصد الكاميرا نساء متشحات بالسواد، من أعلى الرءوس إلى أخمص الأقدام، أهالينا. إذا دققت فى ملامحهن ستكتشف تطابق أشكال بعضهن بإحدى قريباتك. لا يمكنك ان تفرق أو تميز بين مسلمة أو قبطية، كلهن، من سلالة موغلة فى القدم، آتية من جوف التاريخ، حضورهن قوى وراسخ.. ولا يفوت آلة التصوير، فى لقطة واحدة، أن تبين وهن جدران البيوت، قبل تقديم بطلة الرسالة، والدة «تواضروس يوسف»، أحد المذبوحين على شاطئ «سرت».

المراسل، يجلس على الأرض، قبالة السيدة المكلومة التى تفاجئه وتفاجئنا بتماسكها، وكلامها. وجهها بالغ الطيبة، بعينين غائرتين، كليلتين، بسبب كثرة البكاء فيما يبدو، حفر الزمن والحزن تجاعيد على جفونها، قسماته شديدة الوضوح.. بصوت صادق، تباغتنا بموقف لا يخطر على بال، يمتزج فيه التسامح بالوعى، فهى، تعلن، بلا تردد، أنها لن «تدعو» ضد القتلة، لكن تصلى من أجل أن يزيح الله، عنهم، ظلام عقولهم، وعتمة قلوب أمثالهم، قبل انتشار مرضهم بين البلاد. الدعاء عليهم، حسب قولها، لن يفيد شيئا.

قبل استكمال ما جاء فى كلامها النورانى، يليق بها، وبنا، الاعتراف بأنها أعظم «أم» ظهرت على شاشة السينما التسجيلية، إلى جانب والدة الشهيد «فتحى عبادة»، فى «أبطال من مصر» لأحمد راشد.. تلك المرأة النحيلة، المؤمنة بقضاء الله، التى هزت الأفئدة، بحديثها عن نجم الأسرة، وأملها، الذى دفع حياته ثمنا لحرية وطنه، إبان حرب أكتوبر.. إنهما أجمل الأمهات.

فيما يشبه «المنولوج» الداخلى، تواصل والدة المغدور كلامها، كأنها تتحدث مع نفسها. تطرح سؤالا، تجيب عنه فورا.. السؤال هو «لماذا سافر؟.. هل من أجل العودة لشراء أرض».. تنفى، وتؤكد أن أمله كان يتمثل فى بناء بيت له، ولأبنائه الثلاثة، ذلك أنه كان يعيش، معهم، فى حجرة واحدة.

تنتقل الرسالة الوثائقية إلى زوجة المغدور. سيدة نحيلة، آثار العناء بادية بوضوح على وجهه الصعيدى، الذى يبدو، بوضوح قسماته، كأنه محفور من الصخر.. تتساند على إحدى قريباتها أو جاراتها، وبصحبة المراسل، تصعد سلالم بلا إفريز. جدران متآكلة، تصل إلى حجرة ضيقة، متزاحمة بالأشياء، تنبض بالحياة: منضدة متآكلة الخشب، عليها كمية من العيش، خبز «البتاو» الرقيق، الذى لا نعرفه نحن، سكان المدينة.. تحت المنضدة، طبلية، وأوعية طعام.. وثمة سرير، هو القطعة الوحيدة، الجذابة، الثمينة، فى المكان.

تستكمل الزوجة حديثها عن آمال زوجها: لم يكن يتمنى إلا أمرا واحدا، أن يستكمل أولاده تعليمهم، وتؤكد أنه كان يردد، باستمرار، استعداده، أن يبيع «هدومه» من أجل تعليمهم.. هكذا، من خلال كلام الزوجة، والأم، تتراءى لنا صورة الضحية، شفافة وواضحة.

لا يفوت المراسل، أحمد الكيلانى، مع مصوره المرهف، الذى لم يكتب اسمه، أن يرصد ضيق أزقة القرية التى لم يكتب اسمها على الخرائط، بما تنوء به من فقر، تنطق به بيوت صغيرة، متداعية، ذات أسقف من خشب وجريد نخيل وخيش.. إنها، من عوامل رحيل أحد الذين فجعنا بذبحهم على يد أوغاد، سيأتى حسابهم حتما، ولو بعد حين، برغم دعاء الأم، للغفران لهم.

 

رسالة الدم

كمال رمزي

السبت 21 فبراير 2015 - 11:45 ص

لا يحتاج الأمر للعناء كى يدرك المتابع أن الفيلم المشين، الساقط إنسانيا «رسالة موقعة بالدم..»، وصناعه، لا علاقة له، ولهم، بالسينما التسجيلية فى بلادنا العربية، بشبابها، وشيوخها، ذلك أن هذا العمل، الوصمة، لا ينتمى إلا للسفلة، المجهولين مؤقتا، الذين قاموا بتصويره، وإخراجه، وكتابته كسيناريو، يرصد، بطريقته، كيفية ذبح عشرين مصريا، بالإضافة لأفريقى، ساقه حظه البائس إلى الانخراط ضمن شبابنا المغدور.

يثير الفيلم أكثر من قضية مهنية، أخلاقية، ربما أهمها، يتعلق بدور المحترف، وقبوله، للقيام بعمل بالغ الخسة، يتابع فيه، باستمتاع، مسيرة موت، من دون أن يرمش له جفن، بل يضفى، برصانة كريهة، ومهارة شريرة، نوعا من «الجمالية المقيتة» ـ إن صح التعبير ـ على وقائع جبانة، سيدفع ثمنها مرتكبوها، إن عاجلا أو آجلا، ومن بينهم، الذين باعوا مهاراتهم، من أجل «تخليد» لحظات زهق أرواح.

بعيدا عن عفوية التصوير، المعتمد على كاميرا واحدة، فى الأفلام التسجيلية العربية، يأتى سرد الفيلم الداعشى، منذ اللقطة الأولى، حتى الأخيرة، وفق خطة مرسومة بعناية، مكتوبة على الورق كسيناريو، يستفيد من معطيات السينما الروائية، ويستخدم أحدث تقنيات البرمجيات والمعامل.. فى المشهد الافتتاحى، يأتى، من عمق المكان الرملى، الصخرى، على شاطئ البحر، طابور طويل، يلفه الظلام، يتبين منه، بصعوبة، شباب يرتدون بذلات الإعدام البرتقالية، خلف كل واحد منهم، رجل بالغ الضخامة، يقود ضحيته فى صمت.. يتعمد مخرج الفيلم عدم تقديم نهاية الطابور، كما لو أنه يمتد لمسافات طويلة إلى الخلف، ولا يفوت الكاميرا، المرتفعة، تصوير مياه البحر، بأمواجها الموحشة، مما يزيد من قتامة المشهد.

تهبط الكاميرا، وربما يكون ثمة آلة تصوير أخرى، لتتابع، من موقع جانبى، مسيرة الطابور. الملاحظ أن المقبوض عليهم يسيرون، فى استسلام سيلازمهم طوال الوقت، بالإضافة لعدم تعثرهم، مما أثار دهشة كل من شاهد الفيلم.. الأرجح، أنه تم إجراء عدة بروفات، قبل المذبحة، وهذا ما يسفر حالة الطمأنينة الخادعة التى لم يفيقوا منها إلا لحظة الغدر.

تعمد المخرج إضفاء طابع أسطورى على القتلة، فإلى جانب ضخامة أجسامهم، واتدائهم ملابس سوداء، أحاطهم بإعتام جعلهم أقرب للأشباح، مجرد كتل داكنة، مهيمنة على المشهد، بينما بدت وجوه الضحايا، شديدة الوضوح، كأنه يؤكد أن القتلة، قوة غامضة، واثقة، راسخة، لا فكاك منها.. وعقب إركاع المختطفين، بانتظام يؤكد إجراء بروفات سابقة ينتقل المونتاج، من اللقطات العامة، إلى لقطة كبيرة لرئيس الجناة، الملثم، المميز بقميص عسكرى، لا يظهر منه سوى الذراعين، ذلك أنه يرتدى، مثل البقية، أفرولا أسود.. خلفه، الأفق الواسع للبحر والسماء، وفى حركة مسرحية، يخطو خطوتين إلى اليسار يلتفت ناحية كاميرا ترصد وجهه الخفى فى بروفيل جانبى.. وبنزعة استعراضية واضحة، يرفع يده اليسرى، ويشير بالخنجر الطويل ـ حيث يمسك بمقبضه ـ نحو الشرق، ليواصل خلطة كلامه العجيب، الموجه لنا، ولأولادنا، الذين على عتبات الموت، قائلا «إنكم تقاتلوننا كافة، فسنقاتلكم كافة».. لم يقل الوغد، المعتوه، متى كيف قاتله هؤلاء الأبرياء، الغلابة، الذين سيذبحون حالا.

ينتهى «رسالة الدم» باللون الأحمر، يصبغ مياه البحر، غالبا، بواحدة من الحيل التى توفرها التقنيات الحديثة، ذلك أن الاغتيالات جرت على الرمال من ناحية، وأمواج البحر تبدو لون الدم من ناحية أخرى.. لكن هكذا شاء صناع الفيلم.

أمران يثيرهما هذا العمل، أولهما يتعلق بأثره المتناقض لهدفه.. كان المقصود به، بث الرعب فى نفوس مشاهديه، لكن الواضح أنه سبب فى مضاعفة النقمة على جلادين، بلا ضمائر أو قلوب، وجعل الناس مهيأة نفسيا، لغض النظر عما سيلقاه، حتما، هؤلاء القتلة من عقاب.
أما ثانيهما فإنه يتعلق بطاقم العمل، فلأول مرة ـ فى حدود علمى ـ يظهر مثل هذا «الفيلم التسجيلى»، الذى يرصد، بنشوة، مثل هذه العملية الوحشية.. من المصور، أو المصورين، ومن المخرج، وما هى الشركة؟ الإجابات متضاربة، يقال إنها شركة هندية، وأحيانا برتغالية، وربما كورية، وزعمت إحدى المذيعات، عندنا، أن شقيقها المختطف فى ليبيا، العامل أصلا فى قناة «برقة» هو مخرج الفيلم، وأنا لا أصدقها، لأن مستوى الفلم المنحط، حرفيا، يتفوق على إنتاجنا..

تصوير «رسالة الدم» تواطؤ فى جريمة.

 

أسوار القمر

كمال رمزي

الثلاثاء 17 فبراير 2015 - 1:15 م

المخرج، طارق العريان، صاحب أسلوب سينمائى لا تخطئه العين والأذن، يعشق أفلام العنف والمطاردة، والمواجهة، والرعب، يعرف أسرارها ومكوناتها، يصهر عناصرها فى بوتقته الخاصة ليبلور منها هذا الفيلم المعتمد على الصورة البصرية والمؤثرات الصوتية.. هنا، فى المشهد الافتتاحى، نرى القمر مختنقا بالسحب الكثيفة، يصارع العتمة لينفذ بأشعته، ينجح تارة، ويفشل مرارا.. مع هذه اللقطات، نسمع ضوضاء غامضة، مغلفة بهزيز الرياح، وهزيم الرعد، بالإضافة لصرير مزاليج الأبواب، وتهشم زجاج، وصرخات مكتومة.

فى هذه الأجواء القاتمة، نتعرف على الأبطال: زينة «منى زكى»، التى تستيقظ من نومها مذعورة، وهى ضريرة، تتلمس طريقها، من غرفة نومها إلى خارج فيلتها التى تطل على البحر.. فى المياه، معركة حياة أو موت، بين أحمد «آسر ياسين»، ورشيد «عمرو سعد». يتبادلان اللكمات، ومع كل لكمة قرعة طبلة، يحاول كل منهما إغراق الآخر، الذى ينهض من تحت الماء، متثاقلا، كى يقهر غريمه.. أخيرا، يستقر «عمرو سعد» فى القاع.. يخرج آسر ياسين، المنهك من البحر، يسحب منى زكى، متعجلا، للانطلاق بسيارته، مبتعدا عن المكان.. زينة ـ أو منى زكى ـ فاقدة لذاكرتها، يجعلها تتلمس وجهه لعلها تتعرف عليه، بلا فائدة. يطلب طبيبها، من خلال تليفونها، كى يخطره بحالتها.. الطبيب يطمئنه، ويطلب منه الحضور.. فجأة تظهر عربة عمرو سعد، تطارد سيارة آسر ياسين، تصطدم بها، ينزلان، يتبادلان العراك الشرس. مرة ثانية، يبدو عمرو سعد، الممدد، داميا، على الأرض، كمن لقى حتفه.هذه المقدمات الطويلة، الساخنة، المنفذة بمهارة عالية، تمهد لمعرفة الحكاية، نطلع عليها خلال «فلاش باك» صوتى، ذلك أن «زينة»، سجلت مسيرة حياتها، على تليفونها.. وبعد ترك «رشيد»، داميا، فوق أسفلت الطريق، يحاول «أحمد» إنعاش ذاكرتها، بأن تستمع، بنفسها، لقصتها، كما روتها هى.. سريعا يتحول السرد الصوتى، إلى سرد بالصورة.

«زينة»، تعيش حياة ميسورة مع والدتها «سلوى محمد على»، فى فيلا لطيفة أنيقة، تكتب مقالات ضعيفة ـ حسب وصفها ـ والملاحظ أن الفيلا تخلو من مكتبة أو كتب أو مكتب.. المهم أنها شبه مخطوبة لشاب لطيف، مهذب، عاقل، جاد، يحبها، يحترمها، هو «آسر ياسين»، لكنها لا تتحمس، أو تقتنع بفكرة أن تعيش معه بقية حياتها، لذا فإنها تتهرب من تحديد موعد الزواج.

فجأة، فى إحدى الحفلات، يظهر «عمرو سعد»، المنطلق من غير ضوابط، المتهور، المستهتر.. يلفت نظرها، يخفق قلبها بحبه. بدوره، يهيم بها، تتزوجه، مما يوغر صدر «آسر ياسين»، المتابع للعلاقة بين حبيبته وزوجها المتسيب، الذى ينتقل من تدهور لتدهور أشد، فبعد تدخينه المخدرات، ومشاركتها له، ولا يفوت طارق العريان، مع مصوره القدير، أحمد المرسى، رصد أنف «منى زكى» الرقيق، فى لقطة كبيرة، إبان انطلاق الدخان الأزرق من منخريها.

بعد الحشيش، يأتى دور البودرة، ومنه إلى الحقن ـ والعياذ بالله ـ وينزلق إلى التعامل معها، بقدر غير قليل من العنف، يزداد مع إيغاله فى الإدمان، وتتوالى محاولاتها لفض حياتهما معا، لكن، فى كل مرة، يتوسل لها، باكيا، كى لا تتركه.. وبعد أن يتسبب فى فقدان بصرها، تدخله مصحة للعلاج، وترفع عليه قضية «خلع»، تكسبها من أول جلسة. تعود إلى والدتها ويظهر «آسر ياسين» من جديد.

بمونتاج متقن، قام به ياسر النجار، يتقاطع الحاضر، مع «الفلاش باك».. «آسر ياسين»، الذى تزوجها، بعد طلاقها من المدمن، وتركه لـ«عمرو سعد» نازفا فى الطريق، يتجه بها نحو اليخت الذى يملكه، وما إن يظهر «عمرو سعد» من جديد، ينطلق اليخت فى مياه البحر الأحمر.. طبعا، لا أحد يصدق قوة وطاقة الزوج القديم ــ الهارب من المصحة، بعد أن رأيناه يلفظ أنفاسه الأخيرة ــ على السباحة، خلف اليخت، ويتمكن من الإمساك بحافته، كى يقدم لنا طارق العريان، فاصلا جديدا، من صراع فوق اليخت، وفى أروقته، مدعوما بصراخ منى زكى، الضرير، التى تكاد تقع على السلالم، قبل أن تتمكن من ضرب «عمرو سعد» بأنبوبة إطفاء، وإغلاق باب إحدى الحجرات عليه.

«أسوار القمر»، من الممكن أن يستمر عدة ساعات، فى معارك دامية، بحرا، ويابسة، ويختا، من دون أن يكون له هدفا أو قضية.. فالمسألة لا تزيد على كونها صراعا، بالغ العنف، بين رجلين، من أجل امرأة.. الفيلم الساخن، المعزول تماما عن دفء الحياة، يستعرض مهارات صناعه، وتبديدها، فيما لا يفيد.. خسارة.

 

إلهام.. وسط البلد

كمال رمزي

السبت 14 فبراير 2015 - 8:40 ص

فى مسابقة المهرجان القومى للأفلام المصرية، عام ١٩٩٧ ـ إذا لم تخنى الذاكرة ـ اندلع خلاف حاد بينى وبين رئيس لجنة التحكيم، الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، المتحمس ـ وعنده الأسباب ـ لدور ليلى علوى فى «يا دنيا يا غرامى» لمجدى أحمد على، بينما تمسكت بمنح جائزة التمثيل لإلهام شاهين، برغم الأداء الجميل، المتفهم، للصديقة الغالية، الجدعة، ليلى علوى، ذلك أنى رأيت فى أداء إلهام شاهين، فى موقفين، ما يصل بمستوى فن التمثيل إلى قمة جديرة بالاعتراف والإشادة.

أحدهما، حين تنتظر خطيبها المتوقع، حسن العدل، الذى ذهب للحمام فى الكازينو، بعد أن أخطرته أنها ليست عذراء.. «العدل»، بعد قضاء حاجته، يخرج من الباب بدون علمها.. ولدقائق قليلة، ترصد الكاميرا، وجه إلهام شاهين، الصامت، الذى يعبر، بصدق وعمق، عن انفعالات متوالية، متغيرة، تبدأ بدرجة ما من الارتياح، كما لو أن عبئا تخلصت منه بالمصارحة.. ثم، مع تأخره، يمتزج فى عينيها القلق مع نوع من الأمل، يخبو شيئا فشيئا، ليحل مكانه اليأس.. قبل أن تهم بالمغادرة، يتلاشى ؟؟؟ ملامحها وتتوغل التعاسة فى عينيها.

الموقف الآخر، عندما تصحبها صديقتاها ـ ليلى علوى، هالة صدقى ـ إلى طبيب كى يجرى لها اللازم. داخل المترو، حين يصل للمحطة، تتجمد، لا تستطيع القيام، ولأننا نعرف طبيعتها، ندرك ما الذى جعلها تحس أنها مقدمة على عملية خداع، وبالتالى، ترفضها، بروحها، وجسدها.

هكذا، بلا صخب، ومن دون كلام، عبرت إلهام، بملامح وجه شفاف، عن أدق خلجات الشخصية التى تعايشها، بروحها، وجسدها.

قبل أن أنتقل إلى الفقرة التالية، أحيطك علما بأن الخلاف داخل لجنة التحكيم، تصاعد واحتدم، إلى أن توصلنا لنتيجة مرضية: إلهام تفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وليلى تفوز بجائزة التمثيل.

هذه الحكاية بمناسبة أداء إلهام شاهين فى «هز وسط البلد» الذى أنتجته، فى خطوة شجاعة، تحسب لها، أيا كانت النتائج.

«هز وسط البلد»، كتبه وأخرجه محمد أبوسيف، ملتزما بوحدتى الزمان والمكان، فالأحداث كلها، تستغرق أقل من نهار واحد، وتقع فى شارع بوسط البلد.. فكرة الفيلم، نظريا، على قدر كبير من الأهمية، تتضمن موقفا نقديا، تحذيريا، لمجتمع فاسد، أعضاؤه لا ينتبهون إلى أنهم يعيشون، يتحركون، يرتكبون آثامهم، وتحتهم، وبجوارهم، قنابل قد تنفجر فى أى لحظة.

لكن هذا الفيلم، وأى فيلم آخر، ليس مجرد الفكرة فقط، بل عديد من العناصر التى تتكاتف، إما لإبراز الفكرة والارتقاء بالعمل، أو تؤدى لطمس الفكرة وتصدع الفيلم.

لم يكترث صناع الفيلم بشكل الشارع، ولا مكوناته، فالمفترض أن ثمة دار عرض، مقهى، كشك سجائر، محال، عمارات، عربة تبيع المقانق، مما يعنى أن الشارع بالغ الطول، لكن هنا، مجرد بلاتوه صغير، ضيق، مما أدى إلى تكدس تلك المكونات، على نحو لا يمكن تصديقه، فالفيلم يبدأ بمنتج سينمائى رقيع «تامر عبدالمنعم»، يسير فى الشارع مترنحا، ممسكا بكوب به بقايا منكر.. ثم ممثلة فاقدة لتوازنها، من شدة السكر، تدخل عمارتها المتواجدة فى الشارع، تتكاد تتهالك على نفسها، يسندها شاب ملتح، فى طريقه لصلاة الفجر، وهو الذى سنراه لاحقا، يصنع القنابل لرجل غامض. دار العرض، مجرد باب ضيق، يؤدى إلى ممر، لا علاقة له بشكل أى دار عرض، والفيلم الذى سيعرض عنوانه «صدر وورك»! ومن إنتاج المترنح وربما ستنزعج ـ مثلى ـ من هذا التصور العابث لصناعة السينما، التى تقدم أفلاما جادة، إلى جانب الردىء، الذى لا يصل فى عناوينه إلى درجة «صدر وورك».

يتوالى ظهور الشخصيات، عددها كبير، وبالضرورة، بدت حمولتها أضخم من طاقة الفيلم، وكلها فاسدة، فيما عدا شاب طيب، مخلص ووديع «أمير رمسيس»، سنكتشف فى النهاية، أنه الأكثر خبثا وانحرافا، ذلك أنه سيسرق أموال الجميع ويهرب.

من بين جحافل الشخصيات، تبرز «حورية»، إلهام شاهين، لتشغل المساحة الأوسع. عملها «التسول»، لم يكتف الفيلم أن يجعل لها ابنا أو اثنين، لكن حملها بأربعة أطفال دفعة واحدة، تفقدهم الواحد تلو الآخر، خلال السويعات الزمنية للفيلم، بطريقة تقترب للميلودراما. أحدهم يتوه، الثانى تبيعه، بناء على نصيحة الشرير جدا، مدير السينما «فتحى عبدالوهاب»، الثالث تدهسه عربة فيموت فى الحال، وفى نوبة من الهستيريا تلقى بالرابع فى صندوق قمامة، وتهيل عليه الشخائم.

ما يعنينى هنا هو طريقة أداء إلهام شاهين، الأعمق والأطول خبرة، تفاجئنا بأسلوب ينتمى إلى الثلاثينيات، حيث المغالاة، والتورم الانفعالى، والتزيد فى الحركة، فبعد بيعها لفلذة كبدها، ينتابها الشعور بالذنب. تجلس على الرصيف، تخلع شبشبها، تضرب به رأسها. ليس ثلاث أو أربع مرات، بل ما يزيد على دستة. تولول وتصرخ، وقبلها، وبعدها، لابأس من العويل ولطم الخدود.

ثم، حين يأتيها الجنون فجأة، تعبر عنه بطريقة خارجية، غليظة، فيها من الافتعال الشىء الكثير.

الأداء التمثيلى، إجمالا، يتعثر فى المباشرة، لا يهتم بلغة العيون، يعتمد على أنواع من شعوذة الأصوات، والكليشيهات المحفوظة عن المرأة الخليعة، والقوادة، والفتاة المسترجلة.. وهى أمور واردة بالنسبة لممثلين فى بداية الطريق.. لكن أن تتأتى من فنانة كبيرة، فإنه الأمر المزعج تماما. ميزة إلهام شاهين هنا، أنها جعلتنا نتذكرها، بتقدير رفيع، فى «يا دنيا يا غرامى».


كوميديا.. بطعم الكآبة

كمال رمزي

الثلاثاء 10 فبراير 2015 - 8:15 ص

محمد هيندى تمتع بحضور محبب منذ بداياته فى أدوار صغيرة مع يوسف شاهين فى «إسكندرية ليه» 1979 وخيرى بشارة فى «يوم مر يوم حلو» 1988 .. توالت أدواره .. زادت مساحاته.. انتقل اسمه من الهامش إلى المتن ثم بجدارة إلى الصدارة فأصبح الفيلم لا ينسب إلا له، لا للمخرج ولا للبطلة.. يرجع النجاح إلى موهبة بساطة وصدق فى الأداء، درجة عالية من عفوية تتحاشى المغالاة يمثل وكأنه لا يمثل، صاحب صوت متميز معبر تنطلق عقيرته أحيانا بأغنيات أقرب للمونولوجات بعضها يحقق شعبية هائلة مثل «كمننا» التى رددها مع محمد فؤاد فى «إسماعيلية رايح جاى» 1997.

انتقل هنيدى بشخصياته القادمة من قلب الحياة الطبقة المتوسطة فى الحوارى ومن الصعيد من فيلم لآخر ساخرا من الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية معبرا عن موقف احتجاجى خفيف لا يخلو من دفاع عن نماذج تحلم بعدالة غائبة يضع جاكتة البيجاما داخل بنطالها ليلعب الكرة الشراب، يسافر إلى بلاد بعيدة بحثا عن رزق عزيز المنال فى وطنه، يستخدم عجلة الذهاب إلى المدرسة حين يعمل فى تدريس اللغة العربية ولاستكمال ملامحه الريفية يطلق شاربا كثا وصغيرا فضلا عن نظارة سميكة الزجاج.

دخل هنيدى القلوب.. غدا قادرا على إثارة البهجة قادرا على الاضحاك فى وقت يفتقر إلى أسباب الطمأنينة تهيمن عليه أجواء القلق.

أخيرا يقدم «يوم مالوش لازمة» لأحمد الجندى الذى أقبل عليه جمهور واسع، علامات البشر واضحة على وجوه يتوقع أصحابها قضاء ساعتين من المواقف الطريفة الضاحكة التى توفرها غالبا أفلام هنيدى.

هذه المرة تستغرق الأحداث يوما واحدا، بطلنا أصبح ميسور الحال بعد عمله فى إحدى دول الخليج.. ينجح بعد عناء فى تحديد موعد زفافه على شقيقة صديقه الرافض لهذه الزيجة لأسباب لا يعلنها بعد فاصل للعروس ريهام حجاج فى عيادة تجميل يديرها طبيب غشيم يجعل وجهها منتفخا بالإضافة لفاصل آخر من النقار بين والدته هالة فاخر ووالدة العروس ليلى عز العرب ينتقل الفيلم إلى الفندق ولا يغادره إلا لماما.

الملاحظة الأولى على مدخل الفيلم ذلك الخمول الأدائى عند معظم الممثلين بما فى ذلك نجمنا اللامع الذى بدا كسولا، الكلام لا يخرج من فمه كما لو أنه يردد شذرات محفوظات، ربما لم يجد فى الحوارات المنطفئة ما يستحق الجهد فثمة مهاترات سقيمة تندلع بينه وعروسه فهى ترفض أن يرتدى البذلة الغالية التى اشتراها من الخليج ويصر على اراتدائها ثم فى موقف طويل مترهل مع بداية عقد القران تتوالى مكالمات زوجة المأذون تسأله وتطلب منه ما يجعله يتشتت ويتوتر، هنيدى المنزعج يغضب، يصطدم بالمأذون الذى يغادر قبل عقد القران مدير الفندق المبتسم دائما يطمئن هنيدى ويؤكد له أن مأذونا آخر سيأتى خلال ساعتين خلالهما تتراكم مواقف أقرب لـ«الفارص» وهو النوع الأدنى من الكوميديا يعتمد على مبالغات سقيمة ومواقف مفتعلة كأن يتورم وجه العروس بين الحين والحين وأن يلتهب النصف السفلى من جسم العريس بسبب مياه ساخنة طالته مما يدفعه إلى نزع بنطاله والبقاء لفترة طويلة لا يستره إلا فوطة، وثمة «اسكتشات» منفصلة لا يؤدى بعضها إلى بعضها من الممكن حذفها أو الإضافة لها مثل مشروع الخناقة بين فريق كرة أفريقى ومجموعة من مشجعى الزمالك.

فيما يبدو أن كاتب السيناريو عمر طاهر أدرك أن الفيلم يتورم ولا يتقدم للأمام فأدخل شخصية جديدة تمثلها روبى المفترض أنها حبيبة قديمة وعدها بالزواج وها هى تطارده «روبى» المتألقة فى «سجن النساء» يباغتنا هذه المرة بحضور روبى ترتدى معطفا كالح الاصفرار يذكرنا بمعاطف قدامى للمخبرين وبأداء سقيم كما تعرضت لقسوة لا مبرر لها من صناع الفيلم فمرة تقع خارج عربة تسير بسرعة مما يسبب لها كدمات تكاد تحيلها إلى إرعابية من فصيلة «الزمبيين» ومرة تسقط من أحد الأدوار العلوية فى الفندق لتسقط غريقة فى قاع حمام السباحة وبعد نهاية الفيلم يظهر على الشاشة كلمات تقول «بعد ثمانية أعوام» وتفاجئنا أنها هلى التى تزوجت بطلنا وها هى تعامله بقدر غير قليل من القسوة.

«يوم مالوش لازمة» مصنوع بمزاج سيئ أبعد ما يكون عن روح المرح المتوفرة فى أعمال طاهر والمخرج أحمد الجندى والمحبوب محمد هنيدى علامات الاحباط كانت واضحة على وجوه رواد السينما وكأن الواحد منهم يقول لنفسه إنه «فيلم مالوش لازمة».


القناص.. الأمريكى

كمال رمزي

السبت 7 فبراير 2015 - 8:25 ص

بدلا من الموسيقى المصاحبة دائما، لعلامة شركة «وارنر برازر»، وضع صناع هذا الفيلم صوت الأذان، يأتى مثيرا للدهشة والانتباه.. وقبل ظهور أى صورة، نسمع صوت جنازير دبابة، تعلو وتطغى على صوت الأذان.. المعنى الإيحائى لا يحتاج لتوضيح. وفى اللقطة الافتتاحية تتقدم الدبابة، فوق ركام حجارة متخلفة من بيوت مدمرة، فى أحد شوارع مدينة أشباح عراقية، يبدو كأنها بلا بشر.

فى اللقطة الثانية، فوق أحد الأسطح يتمدد القناص الأمريكى، كريس كايل «برادلى كوبر»، مراقبا، خلال تليسكوب بندقيته، اقتحام عساكر المارينز لأبواب بقايا البيوت، بحثا عن المقاتلين العراقيين. بجانبه، زميل له، يقول «رائحة الغبار هنا محملة برائحة الغائط».. هكذا، يخاطب الفيلم الأذن والأنف.

بعد عرض الحال المختزل، يأتى أول مواقفه: سيدة تخرج من أحد البيوت مع صبى صغير، ابنها فيما يبدو، يراقبها القناص، الذكى، اللماح، الذى ينبه زميله إلى أنها تحمل شيئا فى عباءتها، لأنها لا تحرك ذراعيها، فورا يصدق توقعه، تخرج من طيات ملابسها قنبلة يدوية «سوفيتيية الصنع». تعطيها للصبى الذى يندفع نحو دبابة. القناص بطلقة واحدة، يرديه قتيلا.. الأم، ذات القلب المتحجر، الملىء بالكراهية ــ حسب رؤية الفيلم ــ تترك الصبى. تلتقط القنبلة من الأرض، تعدو نحو الدبابة، بغباء، لتسقط صريعة برصاصة القناص.

عن طريق العودة للماضى أو «الفلاش باكات» يقدم الفيلم تاريخ بطله من ناحية، وأسباب الحرب من ناحية ثانية.

اختار الفيلم لحظة نموذجية لأول «فلاش باك»، فقبل أن يضغط القناص على زناد بندقية، كى يقتل الصبى، يتذكر طفولته، أيام كان والده يدربه على الرماية، طالبا منه حماية شقيقه الأصغر، ويلقنه درسا فى طبيعة البشر التى تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الذئاب المفترسة، والأغنام، وكلاب الحراسة، المدافعة عن الأغنام.. ولا يفوت الأب، أن يأمر ابنه، بصرامة، أن يكون من النوع الثالث.. وهذا ما سيلتزم به الصبى.

لاحقا، عن طريق «فلاشات»، تطالعنا، عبر شاشة تلفاز، فى بيت القناص، تفجيرات السفارات الأمريكية، فى أفريقيا.. ثم تدمير البرجين، فى «١١ سبتمبر ٢٠٠١»، وبينما زوجته تجهش بالكباء، يقرر القناص أن يصبح بالنسبة لأمريكا، وناسها الطيبين، مثل «كلب الحراسة» يدافع عنهم بالانخراط فى جيشها، الذى سيحارب الشر، فى بلاد بعيدة.

يتحاشى الفيلم، المأخوذ عن مذكرات كتبها الجندى كريس كيلى، أى ذكر للأسباب الحقيقية للغزو، ويتحاشى ذكر أسماء وأدوار الرئيس المولع بالانتقام، بوش الصغير، ووزير دفاعه الدموى، رامسفيلد، ووزير الخارجية الكذاب، كولن باول.. كل ما فى الأمر أن الحرب اندلعت بهدف إيقاف نشاطات قوى الشر التى فجرت سفارات أمريكية ودمرت البرجين.

برادلى كوبر، يؤدى دور القناص، وإذا كان البعض أعجب بأدائه، إلى درجة ترشيحه لجائزة الأوسكار، فإن كوبر، بالمعايير النقدية الجادة، لم يقدم ما يستحق الإشادة، فالشخصية التي يجسدها أصلا، تتسم بالبرود، انفعالاتها تقترب من البلادة، يمارس القتل دون أن يرمش له جفن. يطلق رصاصاته على أناس كأنه يصطاد طيورا أو حيوانات، هو وريث الكاوبوى، يذكرنا بجون واين، وسيلفر ستالونى، حين كان أولهما محاربا فى كوريا ثم فيتنام، وثانيهما مقاتلا فى أفغانستان.

القناص، سياسيا، حسب رؤية الفيلم، ليس مع قوات تغزو دولة وتحارب شعبا، ولكنه يحمى جنودا يقومون بعمل نبيل، ضد بعض الأشرار.. أولهم «الجزار» ذلك العراقى السفاح، الذى يتخذ من مطعم مهجور مكمنا له، ينكل فيه بضحاياه، ويمزقهم إربا.. وحين يقتحم القناص المكان، يتعمد المخرج، كلينت استوود، استعارة مشاهد من أفلام الإرعاب التجارية، فترصد الكاميرا رؤوسا بشرية، وأطراف أجساد، موضوعة على أرفف، ومستنقعات دم على الأرض.

بعد القضاء على «الجزار»، يأتى دور «مصطفى» وهو قناص عراقى محنك، يصطاد العديد من الجنود الأبرياء.. وتتوالى المطاردات، ويكاد الفيلم المترهل أن يصبح مملا، سقيما، قبل انتصار القناص الأمريكى، الأسطورة، الفخور بقتل «١٦٠» شريرا.

«القناص الأمريكى» بالنسبة لنا، مضلل سياسيا، عنصرى النزعة، لا يرى فى العراقيين إلا خونة، لا يؤمن جانبهم، تسببوا فى إصابة الجنود الأمريكيين الطيبين، جسمانيا ونفسيا، لدرجة أن أحدهم، قتل القناص لأسباب غامضة.. إنه فيلم شديد التجنى، ضعيف فنيا.


صلاح أبوسيف.. والنقاد

كمال رمزي

نشر فى : الأربعاء 4 فبراير 2015 - 8:20 ص

فى هذا العام نحتفل بعيد ميلاده المئوى 1915 ــ 1996.. ترك لنا ثروة هائلة، ليست سينمائية وحسب بل نقدية أيضا، فأفلامه التى يتلألأ بها عالم الأطياف المصرى، دفعت، إلى جانب النقاد، بأدباء وسياسيين، نحو الاقتراب منها، والكتابة عنها، من عشرات الزوايا المختلفة، تجد بعض حصادها فى كتاب ثمين، ضخم، مكون من 620 صفحة من القطع الكبير، يتضمن أكثر من 150 مقالة فضلا عن ثلاث دراسات مطولة.

صحيح صدر عن مخرجنا الكبير أكثر من خمسة كتب لكن هذا المرجع الثمين يكتسب قيمة خاصة، أخلاقية وفكرية. ذلك أنه طبع على نفقة صلاح أبوسيف وتم توزيعه بالمجان، لذا لا يتوافر فى أى مكتبة والمقالات المثبتة فيه، من حافظة أبوسيف المهتم بكل ما مكتب عن أفلامه سواء بالسلب أو الإيجاب وجدير بالذكر أن الناقد المرهف، المتفانى فى عمله أحمد يوسف، بحماس، استجاب لدعوة أبوسيف كى يعود الكتاب ويصنف مادته ويراجعه.

المقالات تتعرض لمجمل أفلام صلاح أبوسيف منذ «دايما فى قلبى» 1945 حتى «المواطن مصرى» 1991 مرورا بـ38 فيلما.. مقالات تلخص بإيجاز تطور النقد السينمائى فى بلادنا حين كان النقد الذى لايزال وليدا يعتمد على تلخيص الحكاية وانطباعات عفوية، سريعة على مستوى الفيلم إجمالا.. إلى أن غدا مبنيا على الخبرة والدراسة، يتعرض بالتفصيل لعناصر اللغة السينمائية، من سيناريو إلى تصوير إلى تمثيل إلى مونتاج، والإخراج طبعا.. الفارق واسع بين ضياء الدين بيبرس وعبدالشافى القشاش وعثمان العنتبلى من ناحية وسمير فريد وسامى السلامونى ثم طارق الشناوى وخيرية البشلاوى من ناحية أخرى وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

جدية أفلام صلاح أبوسيف وارتفاع مستواها جذبت نقاد الأدب والأدباء والسياسيين إلى الكتابة عنها.. هذه المقالات تعد من الروافد المهمة للنقد السينمائى ذلك أن الملاحظات الثاقبة الأدبية والسياسية أصبحت من المعايير التى يستفيد منها النقاد السينمائيون الجدد.. الدكتور محمد مندور المهتم بالشعر والمسرح، كتب بمنهجه الاجتماعى، الأيديولجى عن «هذا هو الحب» واضعا أبطاله فى خانة الطبقة المتوسطة ويحلل قيم وعادات هذه الطبقة ويقارنها بما جاء فى الفيلم مبينا الغيرة والروح المحافظة من سمائها التى غالى فى تجسيدها الفيلم لدرجة أن الشكوك تعصف بالبطل لأنه رأى عروسته تصافح صديق شقيقها فى لقاء عابر.

عدة مقالات كتبها الناقد الأدبى رجاء النقاش تأتى فى ثناياها ملاحظات جديرة بالالتفات.

يقول فى معرض حديثه عن «القاهرة 30» إن فضيلة صلاح أبوسيف الأساسية بقيت كما هى.. إنه ينقلك بسرعة وبساطة إلى جو الفيلم الذى يقدمه. إنه يستطيع أن ينتزعك من نفسك لتعيش فى العالم الذى يصنعه لك على الشاشة وهذه فضيلة فنية رائعة.. فهناك مخرجون متخصصون فى تهريب المشاهدين.. لكن صلاح أبوسيف فى فنه جذاب شديد اللباقة والبساطة والسحر.

الى جانب الشاعر صلاح عبدالصبور الذى كتب مقالا رقيقا عن «لا أنام»، ثمة الكاتب المسرحى ألفريد فرج الذى يباغتنا بمقال مختلف شديد الأهمية عن شباب امرأة حيث يدافع بقوة وبصيرة عن شفاعات ــ تحية كاريوكا ــ التى تجنى عليها أبوسيف فهى عند ألفريد المرأة العصامية العاملة المتطلعة للمساواة فى المسئولية والتبعية/ مع الرجال بينما أظهرها أبوسيف ذات نزوات داعرة وقسوة ووحشية وحس بليد.. وجهة نظر، فى تقديرى صحيحة، وكان من النزاهة والشجاعة أن يضع صلاح هذا المقال فى الكتاب.

لطفى الخولى، أنور عبدالملك، احمد حمروش، سامى داود، من كتاب السياسة الذين جذبهم عالم أبوسيف الرحب وعندما حقق «المواطن مصرى» وجد محمد عودة فيه ومن خلاله ما يردد قوله فى التغيرات الكارثية التى اعقبت حرب 73 وسبقتها فكتب مقالة ساخنة بعنوان فيلم لكل المواطنين يشيد بالفيلم والرواية التى كتبها يوسف القعيد الفلاح الذى تعلم الكتابة ونذر نفسه لرد اعتبار أهله.

صلاح أبوسيف من أهم ملامحنا الفكرية والوجدانية خلال ثلاثة أرباع قرن من الزمان وهذا الكتاب يستكمل الكثير من ملامحنا الثقافية أتمنى إعادة نشرة مع المزيد من المقالات اللاحقة والمفقودة التى لم يتضمنها الكتاب إنه دور الدكتور أحمد مجاهد فى هيئة الكتاب أو مسئولية الدكتور محمد عفيفى فى المجلس الاعلى للثقافة وربما تحظى به هيئة قصور الثقافة ــ لا اعرف رئيسها ــ وقبلهم وبعدهم الدكتور جابر عصفور.

الشروق المصرية في

04.02.2015

 
 

الجامعات المصرية تتنافس على حصد جوائز «إبداع3» للأفلام القصيرة

محمد مختار أبودياب

واصلت وزارة الشباب والرياضة بقيادة المهندس خالد عبد العزيز دورها التنويرى والثقافى لخلق جيل من المبدعين الجدد، وشهدت الأيام الماضية قيام الوزارة بتنظيم مسابقة «إبداع 3» على مسرح المدينة الشبابية بالإسكندرية فى جميع المجالات الفنية والثقافية مثل الشعر والقصة والرواية والغناء والفنون الشعبية بالإضافة لمسابقة الأفلام القصيرة التى حظيت بإقبال كبير من شباب الجامعات الموهوبين الذين وجدوا فى المسابقة طاقة نور يقدمون من خلالها أعمالهم للجمهور

وقامت وزارة الشباب والرياضة باختيار لجنة تحكيم تتكون من الدكتورة غادة جبارة عميد المعهد العالى للسينما والمخرج السينمائى هانى خليفة ومدير تصوير أحمد حسين.

وأكدت الدكتورة أمل جمال رئيس الإدارة المركزية للبرامج الثقافية والتطوعية أن المسابقة شهدت مشاركة مجموعة متميزة من الأفلام التى صنعها شباب الجامعات والتى تشهد منافسة ساخنة لحصد جوائز المهرجان حيث يحصل صاحب المركز الأول على جائزة قدرها عشرة آلاف جنيه بينما يحصل صاحب المركز الثانى على جائزة قدرها ثمانية آلاف جنيه ، ويحصل صاحب المركز الثالث على جائزة سبعة آلاف جنيه، بينما يمنح صاحب المركز الرابع ستة ألاف جنية، ويحصل صاحب المركز الخامس على مبلغ خمسة آلاف جنيه

وأضافت رئيس الإدارة المركزية للبرامج الثقافية والتطوعية أن الافلام القصيرة التى شاركت فى المسابقة عددها 36 فيلما كلها من إنتاج شباب الجامعات الحكومية والخاصة بالإضافة للمعاهد العليا فىكفر الشيخ والأزهر وحلوان والمنيا والقاهرة والفيوم وبنى سويف وجنوب الوادى واسكندرية وبنها وسيناء والنهضة و6 أكتوبر وسوهاج والزقازيق والأكاديمية البحرية للنقل البحرى بفرعيها بالإسكندرية وبورسعيد والمعهد العالى للفنون التطبيقية، مشيرة إلى انه سوف يتم إعلان الجوائز منتصف أبريل المقبل حيث سيتم منح5 جوائز للكليات المتخصصة، و5 جوائز للكليات غير المتخصصة ، كما قررت اللجنة المشاركة بالأعمال الفائزة فى المهرجانات التى ستقام داخل وخارج مصر، كما أقرت اللجنة إقامة ورش عمل بالتعاون مع المعهد العالى للسينما يشارك فيها صناع الـ 36 فيلما المشاركين فى مسابقة «إبداع3»بهدف صقل مواهبهم وإكسابهم خبرات تساهم فى دعمهم لتقديم أعمال احترافية وهادفة خلال الفترة المقبلة

وأوضحت الدكتورة أمل جمال أن مسابقة الافلام القصيرة شهدت مشاركة أفلام أكثر من رائعة استعرضت قضايا المجتمع الحقيقة وكشفت ما يعانيه الشباب حيث أبرزت مشاكل القرى الاكثر احتياجا بشكل فعال ومؤثر ، كما ناقش بعضها دور الفتيات فى المشروعات الصغيرة وقدمت نماذج حقيقة من داخل المجتمع إحداها كان لفتاة صغيرة من إحدى القرى تم تدريبها على عمل تلك المشروعات حتى نجحت فى عمل مشغل خاص بها داخل قريتها الصغيرة وأصبحت مثالا يحتذى به فى النجاح داخل القرية ، كما ناقش عدد من الأفلام الظواهر المجتمعية مثل مناهضة العنف ضد المرأة ومكافحة الإدمان والمخدرات والسحر والشعوذة والخرافات وكيفيه القضاء عليها، بالإضافة لمناقشة المشكلات البيئية وكيفية رفع الوعى البيئى للتخلص من تلك المشاكل التى يعانى منها المجتمع.

ومن جانبها قالت الدكتورة غادة جبارة عميد المعهد العالى للسينما انها تشارك للمرة الأولى فى المهرجان بعد أن تم عمل بروتوكول تعاون بين المعهد ووزارة الشباب والرياضة خلال فعاليات مهرجان القاهرة الدولى حيث كان يقوم المعهد بإقامة برنامج سينما الغد وكان يتم دعمنا من خلال الوزارة من خلال بروتوكول تعاون دائم بيننا وبينها، وكان من ضمن بنود البروتوكول أن الشباب الفائزين بمسابقة إبداع يتم ضمهم لقسم الدراسات الحرة بمعهد السينما لأن هولاء الشباب لديهم الموهبة لكن ليس لديهم فكر متكامل

وأضافت جبارة أن فكرة المهرجان رائعة لأن الشباب لديه طاقة هائلة ووزارة الشباب تقوم بدور مهم جدا لاستغلال هذه الطاقة بشكل إيجابى بدلا من تركهم لاستغلالها بصورة سلبية ، كما أن هذه المسابقة تحدث تفاعلا بين الشباب خاصة أن بعضهم من مختلف المحافظات وهو ما يساهم فى عمل تبادل ثقافى بينهم، كما أن وزارة الشباب والرياضة اختارت مكانا رائعا لإقامة المسابقة بأبوقير بالإسكندرية وهو مكان راقى جدا يوجد به فنادق رائعة وخدمات متميزة أضفت نوعا من البهجة على المشاركين فى الفعاليات

وأشارت عميد المعهد العالى للسينما أن المستوى العام للأفلام المشاركة فى المهرجان معقول وكاف جدا حيث أن الطالب قادر على أن يحكى حكاية عن طريق السينما ، كما أن اللافت للنظر وجود تنوع فى نوعيات الأفلام بين التسجيلى وروائى قصير وتحريك

واختتمت جبارة قائلة ان من الأشياء التى أسعدتني وجود مشاركة نسائية كبيرة فى الأفلام وهذه ظاهرة إيجابية ومهمة جدا ، كما أن الظاهرة العامة هى أن الشباب المشارك فى المسابقة لم يحصل على كورس تدريبى قبل المشاركة فى المهرجان ومن وجهه نظرى أرى هناك بعض الأفلام بوضعها الحالى تستطيع أن تنافس فى المهرجانات الداخلية والخارجية ومنها فيلم قمت بترشيحه للمشاركة فى معرض الكتاب وحقق نجاحا كبيرا خلال عرضة هناك وهو ما يؤكد أن هولاء الشباب لديهم موهبة فطرية ونظرة تشكيلية رائدة تستحق الاهتمام وهو ما سوف يشكل إضافة كبيرة للحقل السينمائى خلال السنوات المقبلة

وأكد المخرج هانى خليفة عضو لجنة التحكيم بالمسابقة على سعادته بهذه التجربة التى يعتبرها نافذة حقيقة للشباب الحالم بدخول عالم السينما والذى يفتقد لوجود مناطق للإبداع مثل جامعة سوهاج وجنوب الوادى وسيناء

وأضاف خليفة أن لجنة التحكيم قامت بوضع شروط معينه لهذه التجارب حتى نتيح للشباب الفرصة لعمل أفلامهم بسهولة وبدون تعقيدات ، مشيرا إلى أن أكثر ما لفت نظره خلال المسابقة التى تقام للعام الثالث على التوالى أن هناك بعض الشباب الذين شاركوا بتجاربهم العام الماضى قاموا بالمشاركة أيضا هذا العام وقدموا تجارب أفضل بعد أن قاموا بتطوير أدواتهم وأسلوبهم فى العمل

وكشف المخرج أن هذه الأعمال والتجارب الشبابية ليس الهدف منها المشاركة فى المهرجانات ولكن الهدف الحقيقى هو منح هؤلاء الشباب الفرصة للعمل والإبداع ، مشيرا إلى أن مسابقة «إبداع3» لا تقتصر على الأفلام القصيرة فقط بل هى مسابقة تشمل كل مجالات الإبداع مثل الشعر والقصة والمسرح .. إلخ

واختتم خليفة قائلا أن هذه التجربة كانت ثرية جدا لنا كأعضاء لجنة التحكيم حيث منحتنا الفرصة للاحتكاك بالشباب ومعرفة طريقة تفكيرهم وحدث بيننا نوع من تبادل الخبرات خاصة وأن بعض الأفلام المشاركة ناقشت قضايا مهمة داخل المجتمع

وأبدى أحمد حسين مدير التصوير وعضو لجنة التحكيم سعادته البالغة بالمشاركة فى المهرجان مؤكدا أنه كمدير تصوير محترف كان مستمتع جدا بمشاهدة تلك الأفلام وما قدمته من مستوى راق من خلال مجموعة من الشباب العاشق للفن بالرغم من عدم وجود إمكانيات حقيقة تساعدهم على إخراج العمل بشكل متكامل

وأضاف حسين أن المهرجان كان بمثابة فرصة كبيرة ورائعة لشباب الجامعات خاصة محافظات الصعيد حيث ساهم فى عمل ملتقى سينمائى وثقافى لتبادل الخبرات ومن جانبنا كلجنة تحكيم نقوم بالتواصل بشكل دائم مع هولاء الشباب من أجل مساعدتهم وتقديم النصائح لهم حتى يقوموا بعمل إحترافى متكامل ، كما تعاملت اللجنة برفق مع الشباب ولم تقس عليهم حيث تم منحهم إرشادات ونصائح للخطوة التاليه بالتوجه للأماكن التى تقوم على تعليم فن السينما بشكل إحترافى مثل المعهد العالى للسينما والذى قام بتنظيم دورة تدريبية بدون أن يتم تحميل الطالب أى مصروفات مادية وهو ما يسهم فى تنمية مواهبهم ، كما طالبناهم بالتقديم بالمعهد حتى يدرسوا فن السينما بشكل عملى وأكاديمى فى نفس الوقت

وشدد حسين على أنه بالرغم من وجود مجموعة من الأفلام التى تعانى بعض المشكلات مثل رداءة الصوت وتكنيكية تفقدك المتعه خلال مشاهدة الفيلم الإ أن هناك نسبة كبيرة من الأفلام التى شاركت فى المسابقة صالحة للمشاركة فى المهرجانات الداخلية والخارجية خاصة بعد أن تم السماح للشباب هذا العام بالتصوير بالكاميرا الديجتال بعد أن كانت تقتصر شروط المسابقة على التصوير بالموبايل خلال العام الماضى ، لدرجة أن هناك قناة خاصة تم افتتاحها مؤخرا دخلت فى مفاوضات مع الشباب من أجل عرض أفلامهم خلال الفترة المقبلة

واختتم حسين أن من أجمل الأفلام التى شاهدناها هى أفلام جنوب الصعيد سوهاج وجامعة جنوب الوادى ، مشيرا إلى أن وزارة الشباب والرياضة يحسب لها قيامها بعمل هذه المسابقة التى تساهم فى مساعدة الشباب على إخراج طاقاتهم بشكل إيجابى ، وكذلك قيامها برفع قيمة الجوائز من أجل تشجيع الشباب على المشاركة وإبراز مواهبهم فى مجال السينما

أسوار القمر

مشير عبد الله

مابين النور والظلام عالم كبير غير مرئي، ومابين الشمس والقمر زمن نسبى قد يطول أو يقصر حسب الحالة المزاجية، فقد نرى القمر فى وجود الشمس ولكن لا يشعر به ولا يراه الكثيرون، ومابين الإبصار والعمى «الكفيف» أحداث...ومشاهد.

فيلم «أسوار القمر» الذى كتبه محمد حفظى وهو كاتب سيناريو أكثر منه مؤلف وبالطبع منتج، فقد ألف فيلم «فتح عينك» ولكنه كتب العديد من السيناريوهات لأفلام«تيتو» و«السلم والثعبان»، وهما إخراج طارق العريان مخرج فيلم «أسوار القمر»، الذى تدور أحداثه حول زينة التى تستفيق فجأة بعد إصابتها بفقدان البصر والذاكرة لتجد نفسها فى مكان لا تعرفه، حتى تسمع شخصين يقتتلان من أجلها «أحمد ورشيد»، حتى يأخذها أحمد ويجرى ويجرى خلفهما رشيد، وتستمر الأحداث فى هذا الصراع حتى النهاية مع العديد من المفاجآت.

الفيلم يعتبر من الأفلام الرومانسية رغم كمية المطاردات والمشاجرات التى تحدث طوال لقاءات أحمد ورشيد، ولكن تشعر أن به أشياء ناقصة، وهى ماكانت موجودة وبكثرة فى المشاهد التى لم تحتو سوى شخصين فقط، أما بين رشيد وزينة أو أحمد وزينة، مما جعل الفيلم فى حالة من الفراغ رغم حالة الإثارة التى كانت فى أحداث القصة وتفاعل المُشاهد مع الثلاث شخصيات المحورية، إلا أن المشُاهد لم ينس حالة الفراغ التى شعر بها....وهو ماكان ضد الفيلم نفسه.

التمثيل »منى زكي« فى شخصية زينة الكفيفة المدمنة الحبيبة المرتبكة، شخصيات متناقضة لكنها استطاعت أن تتفاعل معها، وأعطت لكل حالة إحساسها لهذه الشخصيات مما جعلها تعود للسينما بفيلم لمنى زكي... ممثلة جميلة كبيرة.

«آسر ياسين» فى شخصية أحمد الذى يعشق ويضحى من أجل زينة، ولكنه لا يجد حبها فينفصل عنها، ممثل تعامل مع الشخصية بكل أبعادها سواء فى بداياتها وحتى نهايتها بحرفية عالية، فكان أداؤه على مستوى الدراما، فكان أحمد ورشيد بكل احساس منهما !!!.

»عمرو سعد« شخصية رشيد ممثل أدى الشخصية الشعبية كثيراً فى العديد من الأفلام وحتى المسلسلات وهى مازالت مؤثرة فى آدائه، فلم يكن موفقا فى شخصية رشيد حيث لم يبذل مجهودا لينسينا شخصياته السابقة، رغم أن الفيلم كان فرصة جيدة لمباراة الأداء بين الثلاث شخصيات، منى زكى وآسر ياسين وعمرو سعد.

التصوير «أحمد المرسي» مصور كبير وتوزيع الإضاءة فى المشاهد كانت فى خدمة الدراما خصوصاً فى مشاهد الليل والمشاهد الداخلية، ولكنه لم يهتم بتصحيح الألوان بعد التصوير فظهرت الصورة وكأنها مائلة للفيديو خصوصاً فى مشاهد الثنائيات، فهو له العديد من الأفلام الكبيرة مثل «الفيل الأزرق» و«رسائل البحر» والتى أبدع فيهما صورة جميلة.

المونتاج «ياسر النجار» مونتير ليس له سوى فيلم واحد طويل وهو «قاطع شحن»، لكنه منذ أول مشهد وتقطيعه السريع فى المشاجرات، فنحن أمام مونتير واعد يشعر بالمشهد وخصوصاً فى مشاهد الإثارة والغموض والمطاردات، لكنه رغم ذلك لم يستطع أن يتحكم بإيقاع الفيلم ككل، فلم يكن الفيلم سريعاً حيث إننا لمدة أربعين دقيقة تقريباً من بداية الأحداث ليس لدينا على الشاشة سوى ثلاثة أشخاص يحدث بينهم تبادل كل اثنين فى مشهد.

الموسيقى التصويرية «هشام نزيه» من أجمل مفردات الفيلم منذ أول مشهد، واستخدام الجيتار كبطل للجملة الموسيقية الأولى ومع الآلات الأخرى للصعود، وبالإثارة فى المشهد الأول واستمرار الإثارة من خلال الموسيقى وحتى نهاية الأحداث، فهو موسيقى كبير يعرف كيف يصعد بالموسيقى ويهدئ بها حسب المشهد، فكان من أجمل ما يميز فيلم «أسوار القمر»، فهو مبدع موسيقى «الفيل الأزرق» و «تيتو» و«إبراهيم الأبيض» و «سهر الليالي».

الإخراج «طارق العريان» بدأ مع فيلم «الإمبراطور» لأحمد زكى وبعده  «الباشا»  و«تيتو»  و«السلم والثعبان»، ورغم أفلامه القليلة فإنها تعتبر أفلاما كبيرة، لكنه فى فيلم«أسوار القمر» يبدو أن التوقفات الكثيرة للفيلم أربع سنوات جعلته يهتم بمشاهد المطاردات أكثر من مشاهد العلاقة بين الأشخاص، فأصبح الفيلم وكأنه سهرة أكثر منه فيلم، ولكن لا ننسى مباراة الأداء بين أبطال الفيلم التى قادها «طارق العريان»وأيضاً المطاردات التى أبدعها....

هو فى النهاية فيلم رومانسى فى وقت مختلف مغلف بالمطاردات....!

فن الأفيشة فى السينما المصرية

عصام سعد

كتاب «فن الأفيش فى السينما المصرية» يحتوى على مجموعة ضخمة من أندر أفيشات السينما المصرية تقدر بحوالى 350 أفيشا بداية من عام 1933 وإلى عام 2012 كلها أفيشات أصلية طبعة أولى تحمل توقيع رسام الأفيش وقد استطاع الناقد سامح فتحى تجميعها والحصول عليها من خلال الرحلات الخاصة التى قام بها إلى بعض البلدان مثل لبنان وأمريكا وألمانيا وعمان ..

 يحتوى الكتاب على دراسة خاصة عن الأفيش المصرى تتضمن أهميته وبداياته ورحلة تطوره وتأثره بالأفيش الأجنبى ودور الرقابة وتأثيرها فى فن الأفيش والحقبة اليونانية وأثرها فى صناعة الأفيش المصرى ، ويستعرض الكتاب جهود أهم رسامى الأفيش المصريين بداية من شيخ طريقة صناعة الأفيش المصرى جسور ثم الفنان عبد العزيز ثم عمدة فنانى الأفيش من اليونان فاسيليو ثم وهيب فهمى من أفضل منفذى الأفيش وأنور الذى رسم الأفيش المعبر عن طبيعة العمل بحرفية كبيرة ومرتضى رسام ومصمم أفيش التساؤل وناجى شاكر والفن التشكيلى فى الأفيش وسارة مصممة الأفيش الحديث، وتحتوى الدراسة كذلك على أقسام الأفيش من الناحية الفنية ومن ناحية المضمون والموضوع وتقرير عن حجم الأفيش وعن مطابع الأفيش ومراحل صناعته والمعلومات التى كان يتضمنها الأفيش ويحتوى الكتاب على ترجمة لهذه الدراسة باللغة الإنجليزية، ويقع الكتاب فى 250 صفحة من القطع الكبير والورق الفاخر المصقول والطباعة المميزة وكل ذلك المجهود ليخرج الكتاب فى أبهى صورة ويكون مشرفا للسينما ويهم غرفة صناعة السينما المصرية وأعضاءها ونموذجا مميزا فى المكتبة السينمائية المصرية .

 كما قام سامح فتحى بتأليف كتاب «أنبياء فى السينما العالمية» فى صفحات تجاوزت المائة من القطع الكبيرة وفى طباعة فاخرة على ورق مصقول متناولا أفلام دينية تاريخية أبرزها مثل «الكتاب المقدسمن بدء الخليقة حتى قصة إبراهيم» 1966 من جهة عرض المعلومات الخاصة بالعمل وظروف إنتاجه والعاملين به وميزانيته الخ ثم من ناحية تقديم العمل نفسه بطريقة فنية تكاد تظهر العمل كاملا حتى يستطيع من لم يشاهد هذه الأعمال أن يشاهدها مكتوبة مما يجعله يتخيل العمل كاملا ويتعرف عليه عن قرب وبعد ذلك سياحة نقدية داخل العمل متناولا جوانب رقيه وعظمته مثل الديكورات والملابس والتمثيل والإخراج والموسيقى التصويرية والسيناريو والحوار والإضاءة وأخيرا لمحة سريعة من خلال مقارنة فنية بين الفيلم والكتاب المقدس والقرآن الكريم حيث يعتمد الفيلم على الكتاب المقدس كمرجع له وأراد سامح فتحى من خلال هذه المقارنة أن يثبت بالدليل العملى أن الأديان خاصة الإسلام والمسيحية بها مساحات الاتفاق أكثر جدا من مساحات الاختلاف الأمر الذى يجب أن ينعكس على سلوك أصحاب الديانتين فى تعاملهما سويا فتختفى من مصر نزعات التكفير لأصحاب الديانات الأخرى وتنتهى إلى الأبد ظاهرة العنف الطائفى.

الأهرام اليومي في

25.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)