كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

فيلم" ريجاتا".. كل مشكلات الميلودراما المزعجة!

محمود عبد الشكور

 

تتلخص مشكلات الفيلم المصرى "ريجاتا" الذى أخرجه محمد سامى فى معالجته الميلودرامية المزعجة بكل تفاصيلها، ورغم الشخصيات التى كان يمكن أن تصنع عملا هاما ومختلفا، إلا أن الميلودراما أغرقت الشخصيات، وأغرقت الفيلم أيضا.

أصبحنا أمام مناحة متواصلة، وصراخ وعويل، وغرائب وعجائب تجعلك تضرب كفا بكف، بسبب تلك الإنقلابات والقفزات المذهلة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

كتبت كثيرا من قبل عن مأزق الميلودراما، رغم اعترافنا بأنها من الأنواع الدرامية المعروفة، الميلودراما تجعل شخصياتها مثل ريشة فى مهب الريح لاتملك من أمرها شيئاً، ثم تحاكم هذه الريشة وتبرّرعقابها بدافع أخلاقى أو دينى، وهنا وجه المفارقة وموضع التناقض.

لا يفطن صنّاع الميلودراما الى ذلك لأن الهدف محصور فقط فى التأثير العاطفى  على المتفرج فى كل الإتجاهات، دون أن يتعمق التحليل فى مسار يناقش دور الإرادة والإختياروالمقاومة والصعود والهبوط، المهم فقط أن تتوالى المفاجآت المؤلمة، وأن يعلو صوت الكوارث دون مقدمات أو تفسير، ويتبع ذلك مبالغات صارخة فى الأداء، وفى توظيف الموسيقى، نصبح فعلا أمام سرادق عزاء لاينفع فيه صبر أو سلوان.

البطل الضد

ما يحزن فعلا ليست تلك الإنقلابات الميلودرامية فى الفيلم، ولكن إفلات صناع الفيلم لشخصية درامية ثرية يمثلها الشاب المهمش رضا الذى يطلقون عليه "ريجاتا صباح"، والذى لعب دوره عمرو سعد، إنه نموذج للبطل الضد الذى يعانى من التكيف مع عالمه الصغير فى قلب منطقة شعبية.

أطلقوا عليه اسم "ريجاتا"، وهو طراز سيارات معروف، لأن أول سيارة قام بعمل سمكرة لها كانت من هذا الطراز، وأطلقوا عليه اسم صباح نسبة الى أمه (إلهام شاهين) ، لأن رضا مجهول الأب، ونتيجة لذلك يعايرونه بأنه "ابن حرام"، بينما أنجبت صباح شابا آخر اسمه عوض (وليد فواز) من زوج شرعى، ولكن هذا الزوج هرب وترك هذه المرأة البائسة، و المصابة أيضا بالسرطان.

تركيبة مثل الشاب ريجاتا تعد بفيلم كبير على المستوى النفسى والإجتماعى، وخصوصا أن الفيلم الذى كتبه محمد سامى ومعتز فتيحة،  يفلسف اسم ريجاتا أكثر فأكثر عندما نعرف أن الكلمة تعنى أيضا "سباق القوارب"، أى أن بطله مثل قارب فى مهب العاصفة: شاب بلا أب، يعمل مع شخصية مشبوهة تدعى سارى (محمود حميدة) يمنحه الفتات، ولذلك يريد ريجاتا أن يسافر مثل آلاف الشباب.

الى هنا تبدو الأحداث مقنعة رغم مقدمة قبل العناوين لمطاردات بالموتوسيكلات فى شوارع القاهرة التى تستحيل فيها الحركة أصلا، ولكن الفيلم يقدم أبطاله بصورة جيدة : الأم التى تخفى عن ابنها حقيقة والده، والتى تعالج من المرض، وعوض الأخ غير الشقيق لريجاتا، نرى هذا الأخ مخدورا، يستمتع بجسد زوجته اللعوب نصرة (رانيا يوسف)، رسم شخصية سارى جيد كذلك ، حيث يبدو واثقا من نفسه، قوى الشخصية، لديه جرأة ووقاحة وحس ساخر.

المكان أيضا يبدو حاضرا سواء فى المشاهد الداخلية أو الخارجية، بل إن أذكى لقطات الفيلم عندما ترتفع الكاميرا سريعا وسط خناقة فى الحارة، لنكتشف ضيق المكان وسط مناطق شعبية وبعيدة عن بنايات القاهرة، التى تبقى حاضرة فى الذهن للمقارنة عندما نراها ليلا وسط الألوان والأضواء، بينما يجلس ريجاتا ساهما ، فوق مركب نيلى يشق الأمواج بهدوء لايتناسب مع معاناته الداخلية.

يصبح من الطبيعى أن ينضم ريجاتا الى أخيه غير الشقيق عوض وصديق ثالث أصغر سنا يدعى سيد ( أحمد مالك) لكى ينخرطوا بشكل مباشر فى نشاط سارى المشبوه، سيصبحون جميعا واجهة على الورق لشركة أسست لتهريب الفياجرا تحت ستار تجارة أخرى، ستتم العملية، وسيحصل ريجاتا على ربع مليون جنيه نصيبا لا يحلم به، مما سيمكنه من الحصول على تأشيرتين لدخول إيطاليا له ولأمه صباح، بل ويقرر ريجاتا أن يحصل على تأشيرتين إضافيتين لعوض وزوجته نصرة.

طوفان الفواجع

لكن الميلودراما تنطلق فجأة حاملة معها طوفانا من الفواجع العجيبة،ريجاتا المهتم أساسا بالسفر يكتشف بالصدفة أن نصرة تتحدث تليفونيا مع شخص تعرفه، يستنتج أنه عشيقها، يراقبها، ثم يخبر أخيه عوض، تحدث مشادة عائلية منزلية تنتهى بدفع ريجاتا لعوض ليلقى الأخير مصرعه بعد سقوطه من الشباك، تنتهز نصرة الفرصة ، وهى المطعون فى شرفها والتى فقدت زوجها حالا، فتسرق بقية نقود ريجاتا التى حصل عليها من صفقة الفياجرا، تبدأ صباح فاصلا من العويل والصراخ: ابنها مجهول الأب، قتل ابنها معلوم الأب.. وعجبى.

لم يخيب الفيلم ظنى عندما بدأ يكمل قصته كلها بناء على هذه العقدة المفتعلة، يظهر ضابط بوليس شاب هو عمر (فتحى عبد الوهاب)، هذه قضيته الأخيرة قبل أن يسافر الى الإمارات للعمل كمدير للأمن بمبلغ ضخم، يحتاجه الضابط لعلاج طفلته المريضة أيضا، نستكمل بقية الأحداث على طريقة  "اين أذنك يا جحا؟"، فالأم صباح تعترف بأنها هى التى ألقت ابنها عوض من النافذة، وطبعا الضابط لن يصدقها، وبدلا من أن يسلم ريجاتا نفسه لإنقاذ أمه التى يحبها، فإنه يبحث عن نصرة التى سرقت أمواله، ثم يكتشف، ونكتشف معه، أنها عشيقة سارى، نلف وندور فى لعبة البحث عن الفاعل فى قضية سقوط عوض من النافذة، مع أن الحكاية كلها تكييفها القانونى قتل خطأ لا يستدعى كل ذلك.

تتاح الفرصة للقاءات بين ريجاتا والضابط عمر لكى يسلّم الأول نفسه، ويظهر ريجاتا أمام نصرة فينقذها سارى، الذى ينقلب بدوره على نصرة فيقيدها، تهرب نصرة بطريقة ساذجة من سارى، ونكتشف أنها ايضا تريد السفر الى أوربا، تطلب تأشيرة من عبدة سفريات (أمير شاهين) الذى يحضر التأشيرات نظير مبلغ مادية ضخمة.

يبدو الجهد الذى يبذله رجل البوليس عمر ضخما مقارنة بتفاهة الحكاية، وكأنك بالضبط أمام المفتش كولمبو، بل إن سارى يسخر من عمر فى أكثر من مرة، ومعه حق بالطبع، يستهلك السيناريو كل الألعاب، وينحاز سيد لمساعدة ريجاتا، وصولا الى مشهد النهاية حيث يواجه ريجاتا نصرة ، وهنا نعرف لأول مرة أنها انتقمت منه، لأنه لم يبذل جهدا للإحتفاظ بها، اكتفى بأنهم رفضوه لأنه ابن حرام، قررت نصرة أن توافق على الزواج من عوض، ثم هاجمت ريجاتا واتهمته بمغازلتها عندما اتهمها بعدم الإخلاص فى وجود أخيه وأمه.

تنتهى الميلودراما الزاعقة بقتل ريجاتا لنصرة، ثم تسليم نفسه للضابط عمر، وهكذا هرب من قتل خطأ واستسلم فى حادث قتل علنى، لا تسأل بالطبع عن أى تفسير سواء فى فواجع الفيلم بعد حصول ريجاتا على التأشيرة، أو عن هذه العلاقات العجيبة التى لا علاقة لها بحكاية سفر ريجاتا وأمه، وبمناسبة الأم، فقد ماتت المسكينة فى هدوء على المركب، بعد خروجها من السجن، وأخذ سيد يصرخ ويبكى عليها، معوّضا غياب ابنها الأصلى ريجاتا، الذى كان مرتبطا بمشاهد أخرى.

انزلق جميع الممثلين الى مبالغات الصراخ والبكاء باستثناء محمود حميدة فى دور مميز للغاية، وفتحى عبد الوهاب الذى سيطر الى حد كبير على ضبط انفعالاته حتى فى لحظات الغضب القليلة، رانيا يوسف بدت تائهة، الشخصية لها حضور جسدى واضح، ولكن ظلت دوافعها مجهولة حتى المشهد الأخير، فلما تحدثت نصرة عن حكايتها مع ريجاتا، بدا كما لو أنها تحكى لنا عن  فيلم ثالث غير مقنع، قدم أحمد مالك دورا مميزا، ولكنه يحتاج الى تدريب لمخارج الألفاظ عند الإنفعال، بينما كان وليد فواز جيدا فى دور عوض.

ساهمت الموسيقى العاطفية التى وضعها عادل حقى فى تضخيم أثر المشاهد، وهى إحدى سمات الميلودراما المعروفة، تميز الى حد كبير ديكور عادل المغربى باستثناء ذلك السرير الغريب المحاط بالترتر فى شقة سارى،  محمد سامى ، وهو أصلا مخرج أغنيات مصورة ناجح، منح مع المونتير شريف عابدين إيقاعا شديد الحيوية للمطاردات، ولكن سامى زاد من جرعة المبالغات الميلودرامية بتنفيذ يستعذب الصراخ والنواح، والأعجب أن تيمور تيمور مدير التصوير أسرف فى إغراق شخوصه فى ضوء النهار بصورة تستعصى على الفهم، وقد أدى ذلك الى غياب معالم الوجوه وتعبيراتها فى مشاهد هامة وأساسية، عموما محمد سامى مشهور بتلك الإختراعات البصرية الغريبة، أشهرها بالطبع تصوير مسلسل بأكمله قام بإخراجه بعنوان "كلام  على ورق" بطريقة الكادر المائل، مما أصاب مشاهدى الحلقات باعوجاج فى الرقبة، ولايفوتنى التنويه الى أن حوار الفيلم من أبرز عناصره الجيدة، رغم أنه سيكون صادما فى جرأته لجمهور السينما المصرية المحافظ، ولكن هكذا فعلا تتحدث هذه النماذج الشعبية فى حياتها اليومية.

أزمة فيلم "ريجاتا" أنه يتحدث عن شخصيات حية ونابضة تنتمى الى القرن الحادى والعشرين، ونراها أمامنا فى الشارع،  بينما تنتمى معالجته الميلودرامية المتهافتة الى سينما الثلاثينات، والى عالم مسرح رمسيس فى العشرينات، ويالها من مفارقة جديدة تضاف الى مفارقات الفيلم العديدة ـ

عين على السينما في

19.02.2015

 
 

غسان سلهب.. أغمض عينيه وانحدر إلى "الوادي"

زياد عبدالله

ينطلق فيلم المخرج اللبناني غسان سلهب "الوادي" بلقطة ثابتة لوردة، ثم ينتقل إلى السواد، ومن ثم نسمع هذه الافتتاحية: "على الجبل العالي أغمض عينيه.. لا يريد ضوءاً قديماً مشى آلاف السنين كي يصل إليه.. أغمض عينيه وانحدر إلى الوادي"، ليبقى السواد محتلاً الشاشة بينما يُسمع صوت تحطّم سيارة، ولتفتح الكاميرا على أفعى انقسمت إلى نصفين على إسفلت الطريق.

سيخرج علينا رجل طويل حليق الرأس (كارلوس شاهين) يرتدي قميصاً أبيض وقد تلطخ بالدم، يعلو فوقه صوت طائر جارح، ثم يمضي في طريق مهجورة حيث يقع على رجلين وامرأتين وقد تعطلت بهم سيارتهم، فيأخذوه معهم بعد أن يصلح لهم السيارة ويغمى عليه.

هكذا يبدأ فيلم "الوادي"، ولعل هذا الإصرار على تتبع ما سيشاهده المشاهد في الدقائق الثلاث الأولى من الفيلم آت من سينما سلهب نفسها، إذ إن بنية أفلامه، تستدعي تتبعاً من هذا النوع، حيث العناصر الفيلمية تتأسس على مهل، وتهبنا الفرصة الكاملة لالتقاطها في إيقاع بطيء لا يستجعل شيئاً، ضمن بنية تحكم قبضتها على كامل العمل، وعلى شيء يجعل من أطياف إنغمار برغمان تحوم في أرجائه.

أسلوب سلهب خاص ومتفرد، يأتي في "الوادي" جراء تحالف جمالي بين المكان والشخصيات كرهان رئيس، والاعتماد على بنية فضول ـ لا تقترب من التشويق ـ تأتي من الرجل "المنحدر إلى الوادي"، الذي فقد ذاكرته تماماً، وتفشل في البداية كل المحاولات لمعرفة أي شيء عنه، عدا ترديده بصعوبة مقطعاً من أغنية عزيزة جلال، "مستنياك يا روحي بشوق كل العشاق.."، قبل أن نكتشف في النهاية من يكون أمام الرؤية المستقبلية التي يخلص إليها الفيلم، بحيث يتفوق العام على الذاتي.

"تتأسس عناصر الفيلم على مهل وتمنحنا الفرصة لالتقاطها"

بنية الفضول هذه تتأتى أيضاً من المكان الذي سيؤخذ إليه الرجل الغامض، حيث مزرعة مترامية شديدة الحراسة، وخمس شخصيات تعيش في عزلة، ليتضح أن المكان مخصص لزراعة الحشيش وتصنيع المخدرات، ولكل شخصية من الشخصيات التي تحيط بالرجل الغامض عالمها، تنتظر مروان (فادي أبي سمرا) للخلوص إلى تركيبة خاصة من المخدرات. ولعل جهوده تحاط بهالة من يصنع إكسير الحياة، فهو شاعر أو متأمل، تختلط في دفتره عباراته التأملية مع المعادلات الكيميائية، هو الذي سنسمعه يردد "الفجر لم يعد. الليل نهار. النهار ليل. الحبر نبيذ. النبيذ دم. الأرض بحر..."

هذا الملمح الخاص لكل شخصية سيدعنا ننسى أننا حيال مجموعة من الأشخاص الذين يصنعون ويتاجرون بالمخدرات، لا بل إن توصيفهم بذلك سيبدو غريباً، فصاحب المزرعة حكمت (عوني قواص) سيكون طباخاً بارعاً، بينما سيكون الرسم عالماً كاملاً تصوغه ماريا بالفحم (يمنى مروان)، وسيجتمع هؤلاء الثلاثة ومعهم علي (منذر بعلبكي) وكارول (كارول عبود) في كل ليلة على طاولة عشاء وشراب، ولتكون لقاءاتهم هذه محمّلة بما سيكون عليه مصير هذا الرجل الغامض، الذي سيشاركهم جلساتهم، من دون أن يتمكن من تذكّر شيء من حياته.

استهلال الفيلم سيضعنا مباشرة حيال مأزق الشخصية الرئيسة ولغزها، إلا أن الصراع في وسط الفيلم سيتأتى من شيء مرتقب وغامض، وبهذا المعنى فإن سؤالاً مثل ماذا يحدث في الفيلم وكيف يسير الحدث وما هو النزاع الأساس؟ لن تكون الإجابة عليه بالتنقل من حبكة إلى أخرى، كما ما من شيء تتجاوزه الشخصيات أو تحلّه.

عدا عن البداية، فإن الأحداث النافرة الوحيدة في الفيلم تكمن في نجاح مروان بتصنيع خلطة المخدرات الخاصة، أو في محاولة الرجل الغامض الهرب وفشله، وبالتالي تقييده وتهديده كي يعترف من هو، وصولاً إلى اقتراب الجيش من المزرعة من دون أن يقتحمها أو يكون معنياً بها، وليكون ذلك تمهيداً للنهاية، ما لم يكن كل ما في الفيلم تمهيداً لها.

"يمضي سلهب نحو نهاية مستقبلية متشائمة تمثلها شخصياته"

يمثل الواقع اللبناني على مستويين، الأول في كل ما نشاهده لكن بما يوهم أنه غائب، بما في ذلك فقدان الذاكرة، والمكون النفسي والاجتماعي للشخصيات وعلاقاتها، والتضامن العابر للطوائف لكن المحتجز ضمن نطاق المزرعة المعزولة عن المحيط.

بينما يأتي المستوى الثاني عبر الحوار، كما هو الحال حين يجري الحديث عن "الأمراض الاجتماعية"، التوصيف الذي يطلقه علي على النقاش الذي يتبع مسعى حكمت إلى معرفة اسم الرجل الغامض، وبالتالي معرفة طائفته وهو يقول إن اسمه على الأغلب "مارون أو جوزيف أو أنطوان"، وأن هيئته لا توحي بأنه ممن يسجدون، وصولاً إلى أن تعتبر كارول أن الطائفة متصلة "بالطبخ والسكس"، فالشخصيات الخمس لا تتصارع بل هي متوافقة بشكل أو آخر، وربما لذلك هي معزولة. ولعل انفعال الرجل الغامض الأكبر يكون مع محاولة حكمت تحديد طائفته.

ولن يأتي الاتصال المباشر بالواقع الخارجي إلا من خلال الراديو، الذي نسمع منه أن عدد اللاجئين السوريين قد أصبح مليوناً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين، وهذا ما سنشاهده في بداية الفيلم حين يمرون بالسيارة بعدد من الخيم على طرف الطريق لتعلّق كارول: "كترو اللاجئين".

يستكمل غسان سلهب في "الوادي" ثلاثيته التي بدأها مع "الجبل" 2010، وسينهيها بفيلم بعنوان "النار". ولعل "الافتتاحية" التي بدأ بها الفيلم تقول لنا ذلك، حيث النزول إلى الوادي سيكون من الجبل، على شيء من استكمال ما كانت عليه آثار الخطى التي تتبعها الشخصية الرئيسة في "الجبل" على الثلج، والتي ستكون كما الرجل الغامض في "الوادي" بلا اسم، وهي تقرر ألا تسافر بعد أن تصل االمطار، الذي سيغادره إلى غرفة فندق منعزل في الجبل، حيث الكتابة والعادة السرية والطائرات تخترق الأجواء.

ولعل أفلام سلهب غالباً ما تكون عن رجل عائد إلى لبنان، كما هو الحال مع "الوادي" أو حتى في أولى أفلامه الروائية الطويلة "أشباح بيروت" الذي يعود رجلٌ بعد عشر سنوات إلى بيروت بعد أن كان معتبراً ممن قضوا أثناء الحرب الأهلية.

يمضي سلهب في "الوادي" نحو نهاية مستقبلية متشائمة، ولعل اللقطة الافتتاحية بوردة ستقابلها لقطة بانورامية ختامية لأرض قاحلة. ولهذا التشاؤم أن يجد شرعيته الاستشرافية من الواقع الحالي في المنطقة العربية برمّتها، حيث ستندلع الحرب أو كما سيقال في الفيلم "المنطقة كلها ولعانة"، و"لم يبق من أحد وكل الاتصالات مقطوعة"، وسيكون على شخصيات الفيلم الرئيسة أن تبقى وحيدة تماماً في الوادي، وما كتبه مروان في دفتره يتجسد: "نحن كثمار تتدلى عالياً من غصون غريبة الإعوجاج وتكابد الريح".

"الأوديسة العراقية": بلد تقاسمته القارات

أحمد باشا

في معالجته لموضوع عراقيي المنفى في فيلمه "الأوديسة العراقية"، لا يستعين المخرج سمير جمال الدين بأي تمهيد، بل يلج موضوعه مباشرة، ومنذ اللحظة الأولى، فيقدّم مجموعة مآلات فردية تحمل في جوهرها سمات النكبة العامة.

الشريط، الذي تتجاوز مدته الساعتين والنصف، أشبه برحلة استكشافية يقوم بها صاحب "انسَ بغداد"(2002)، للتعرف إلى قضايا وأسئلة أفراد عائلته الكبيرة الذين يتوزّعون في قارات أربع ويتحدثون بلغات مختلفة.

صحيح أن جمال الدين يعرف قصص أقاربه، إلا أنه يبدو وكأنه يحتاج إلى قصة منطقية، ذات بداية ونهاية، تربط الشخصيات التي اختارها لتقوم بفعل السرد، علماً أن كل حدث وتفصيل مهم في حياة شخصياته يُظهر ارتباطاً عضوياً بحدث مفصلي في تاريخ العراق الحديث.

هكذا إلى أن نصل المشهد الأخير في الفيلم، عندما تحضر العائلة إلى بيته في سويسرا، وتشاهد المادة التي صوّرها، فيبدو أفراد العائلة، بأجيالهم المختلفة، وكأنهم لا يشاهدون أنفسهم بقدر ما يشاهدون وثيقة ذاتية عن تاريخ العراق منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم.

"الأغنية وسيلة للاحتيال على الزمن وهي إرث الفرد من الأمكنة"

أما توظيف مخرج "بابل 2" (1993) لكمٍّ من الوثائق والصور الأرشيفية في شريطه الأخير، فهدفه تشكيل سردٍ بصري متوازٍ مع سِير الشخصيات الآخذة بالتداخل الزماني والتباعد المكاني لحظة تلو الأخرى.

سرد لا يأخذ علاقة منطقية وسببية، كما في سرد الشخصيات لسيرها، بل يبدو أكثر ذاتية، قادماً من وعي المخرج نفسه، وربما من أحلامه وكوابيسه عن تلك البلاد أحياناً، فيقدّم في السياق نفسه مقاطع من أفلامه السابقة وصوراً لبيت العائلة في العراق والكتب المدرسية التي احتفظ بها عندما هاجر مع عائلته إلى سويسرا..

وقد جنّب هذا الكم من الوثائق والصور الذاتية الفيلم من الوقوع في مطب المباشرة أو العاطفية الزائدة والكليشيهات الجاهزة في الحديث عن الحنين والغربة والوطن. حتى أن طريقة تقديم هذا الأرشيف البصري والعبث بالخلفية السوداء أظهرا الشخصيات وكأنها جزء لا يتجزأ من اللوحة العامة، أي أنها لا تعلّق على الحدث الماضي أو تأخذ موقفاً منه بقدر ما تعيش فيه.

ولا شك أن رغبة المخرج في سرد سيرة شخوصه كما يشاء، هي التي دفعته إلى جمع ذلك الأرشيف الضخم، والتلاعب بالخلفيات ووضع ترجمة صوتية فورية إلى الإنجليزية، تداخلت أحياناً مع اللغات الثلاث المنطوقة في الفيلم لتعبّر عن مصير هذه العائلة الكبيرة بوصفها عائلة عراقية ترى مآسيها الخاصة عبر المآسي العامة وليس العكس.

كما تظهر الأغنية، التي وظّفها جمال الدين في مواضع عديدة من الفيلم، كوسيلة إنسانية للاحتيال على الزمن، أو كإرث الفرد من الأمكنة والأحداث التي كلّما ابتعد الفرد عنها زمانياً أو مكانياً تعقدت علاقته بهذا الإرث. ولا يتردد المخرج في الكشف عن طبيعة علاقته بإرثه الموسيقي عندما يقول في الفيلم: "أتمنى أن تفهم ابنتي يوماً لماذا كان والدها يسمع موسيقى "غريبة".

العربي الجديد اللندنية في

19.02.2015

 
 

"رجال نعم يتمردون" نموذج للكوميديا الوثائقية !

أمير العمري

من أحد الأفلام الوثائقية التي عُرضت في الدورة الـ 65 من مهرجان برلين السينمائي، الفيلم الأمريكي "الرجال الذين يقولون نعم .. يتمردون" أو "رجال نعم يتمردون" الذي اشترك في إخراجه ثلاثة من المخرجين على رأسهم المخرجة لاورا نيكس مع الثنائي الشهير آندي بيكلباوم ومايك بونانو (والإسمان من الأسماء المستعارة في حين أن الاسمين الحقيقيين للممثلين والمخرجين اللذين تخصصا في هذه النوعية من الأفلام التحريضية الساخرة، هما جاك سيرفين وإيجور فيرموس). ولكن أندي ومايك ليسا مجرد "ممثلين" بل هما يوظفان مواهبهما في النشاط السياسي الذي يقومان به، سابحين عكس التيار، مناهضين للمؤسسة الرسمية في بلادهما.

الفيلم الذي يصل إلى نحو 90 دقيقة، هو الثالث ضمن ثلاثية بدأها الممثلان الساخران اللذان يبتكران المواقف وينتحلان شخصيات ليست لهما، ليس من أجل تضليل الرأي العام، بل على العكس تماما، بغرض إرغام الشركات والمؤسسات الرسمية الأمريكية على الاعتراف بالحقيقة، والتوقف عن خداع الرأي العام، وتغيير سياساتها التي تهدف إلى تحقيق الربح على حساب الجمهور المستهلك الذي يدفع الثمن دائما.

الفيلمان السابقان هما "رجال نعم" (2002)، و"رجال نعم يصلحون العالم" (2009). وعلى النمط نفسه، الذي أصبح شهيرا وتسبب في الكثيرمن الإشكاليات لأصحابه، يسير الفيلم الجديد الساخر، في تصوير استعدادات فريق "رجال نعم" أي الرجال الذين يقولون نعم، لخوض معارك تنبيه الرأي العام وحشده ضد موضوع رئيسي يشغل العالم الآن وهو تحديدا موضوع تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض وما يمكن أن ينتج عنه من آثار جانبية مدمرة، ستنعكس بوجه خاص، على بلدان العالم الثالث الفقيرة.

ينتقل الفيلم من نيويورك إلى أمستردام، ومن سياتل، إلى كوبنهاجن، ومن واشنطن إلى اسكتلندا، ومن القطب الشمالي إلى أوغندا في وسط إفريقيا، في سياق بصري أخاذ ومن خلال إيقاع سريع، يمزج بين الصور واللقطات الوثائقية (من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تناقش قضية التغير المناخي مثلا) إلى مؤتمر أمستردام للتغير المناخي، ثم الإعلان عن الشراكة بين شركة شل الأمريكية وشركة غازبروم Gasprom الروسية  في كوبنهاجن، إلى أحداث احتلال "وول ستريت" أي شارع البورصة في نيويورك، من خلال أشكال فريدة ومبتكرة ومضحكة من الاحتجاجات المنظمة. كما يستخدم صانعو الفيلم التعليق الصوتي الساخر، الذي يتناقض كثيرا مع الصورة بطريقة ذات تأثير مضحك، كما يستخدمون الرسوم والبيانات وتقنية التحريك، لتقديم المعلومات إلى المشاهدين وتجسيد أبعاد المشكلة التي يعرضون  لها، بطريقة بسيطة وجذابة.

تقديم ساخر

في المشهد الأول الافتتاحي نرى كيف يرتدي أعضاء المجموعة من المتمردين على المنظومة الاقتصادية الأمريكية، أزياء غريبة تجعلهم يشبهون الكائنات الفضائية، هي أزياء تخفي أجسادهم تماما لا يظهر منها سوى عيونهم التي تطلّ من ثقوب، ويبدون مثل بالونات منتفخة مضحكة تتعثّر أثناء السباحة في النهر الشرقي في اتجاه مبنى الأمم المتحدة بنيويورك، وعندما ينجحون في الوصول للشاطيء الآخر ويتقدم أحدهم من سلالم مبنى الأمم المتحدة يتصدى لهم رجال الأمن الذين يحرسون اجتماع قادة دول العالم في القاعة الكبرى داخل المبنى، وما ينجم عن الاحتكاك من مشاهد مضحكة طريفة. لكن الهدف يكون قد تحقق، وهو لفت أنظار الإعلام، وبالتالي الرأي العام، إلى ضرورة اتخاذ موقف من الكارثة التي توشك أن تهدد كوكبنا الأرضي.

تتقاطع لقطات نشطاء "رجال نعم" أمام الأمم المتحدة مع مشاهد للمتجمعين حولهم لتصويرهم وهم في هذه الملابس الغريبة، أو لتعليقات من المواطنين تبدي التشكُّك فيما يمكن أن يفعله أوباما، الذي يتنكر لوعوده بالفعل فيما بعد ويمنح الاحتكارات الأمريكية الفرصة لمواصلة استغلال الكوكب الأرضي بما يحقق تطلعاتها الخاصة.

من هنا يأتي الاحتجاج المبتكر الذي يتركز عليه نشاط فريق مجموعة "رجال نعم"، وخاصة الثنائي الشهير، فهم ينظمون مؤتمرا صحفيا يدعون إليه عددا من كبار السياسية والاقتصاد، باسم شركة شِل العملاقة، ويقف مايك ليتحدث باسم الشركة، ليقول كلاما ويلقي من التعهدات لمكافحة التلوث والتغير المناخي وتأييد البرنامج الذي يقضي بوقف الأنشطة التي تضر بالمناخ، بما يتعارض تماما مع مصالح الشركة. وهنا ينبري له أحد مسؤولي الشركة ويقول له أمام الكاميرا والحاضرين إنه "مزيف" وإنه "لا يمثل شركة شِل" ويطالبه بإبراز بطاقة التعريف الشخصية. وعلى الفور يتحول المشهد ليصبح الخبر الرئيسي في نشرات الأخبار في أمريكا والعالم، كما يتصدر عناوين الصفحات!

وفي موقف آخر مشابه ينظم مايك وأندي مؤتمرا باسم غرفة التجارة الأمريكية التي تمثل الاحتكارات الصناعية والتجارية على أعلى مستوى، يوجهون خلاله انتقادات للسياسة الرسمية التي تتقاعس عن مواجهة ظاهرة التغير المناخي مع تعهدات بأن الغرفة ستدعم مثل هذا التوجه. وعلى الفور يقف أحد مسؤولين الغرفة، لكي يحتج على مايك كمتحدث باسم الغرفة، ويقول إنه لا يمثل الغرفة ويعلن أن الاجتماع "مزيف" ومجرد "خدعة"! 

ومن أكثر أجزاء الفيلم طرافة تلك التي نرى فيها استعداد الفريق لتقديم عرض ساخر في كوبنهاجن، في إطار الاحتفال (المزيف طبعا) الذي سينظمونه في إحدى الساحات العامة هناك، بالشراكة التي أعلن عنها بين شركة شِل وشركة غازبروم الروسية (التي يدعمها الرئيس بوتن شخصيا)، وذلك عن طريق الاستعانة بممثل أوكراني يتدرب على أداء مشهد يقدم فيه استعراض شبيه بطريقة مقدمي عروض السيرك، دبا ضخما (مزيفا بالطبع) عبارة عن هيكل خارجي من القماش أو الجلد يدخل رجل لكي يتحرك بما يشبه الدب الروسي الأبيض العملاق تماما، ويوضع هذا الدب داخل قفص يتم حمله والكشف عنه أمام الجمهور في الساحة باعتباره هدية من الشركة الروسية لشريكتها شل.. ولكن العرض يفشل على نحو فاضح عندما يتعثر الرجل داخل هيكل الدب ويسقط وتنكشف الخدعة، لكن مرة أخرى، يكون الهدف قد تحقق: التعريض بسياسات شركة شل وفضح مخططاتها للتوسع غير ملقية بالا إلى ما يتنج من تلوث في البيئة، فهي قد حصلت على الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي، لكي تبدأ التنقيب عن النفط في القطب الشمالي، وبالتالي تدمير ثرواته الطبيعية مما سيتسبب - كما نرى من خلال التحريك - في نفوق الحيوانات والطيور، والأهم بالطبع، أن تلك النشاطات ستتسبب في ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة مما ينتج عنه ذوبان القطب الشمالي بما يهدد بلدان عدة بالغرق وبتدمير الزراعات التي يعيش عليها البشر!

إلى إفريقيا

ومن خلال إحدى عضوات الفريق وهي أوغندية، ينتقل الفريق إلى أوغندا ليرصد من خلال المقابلات مع العديد من الأشخاص والمتخصصين، التأثير المدمر لارتفاع حرارة الأرض على الزراعة وتربية الماشية وبالتالي انتشارالمجاعات كما نرى بشكل توثيقي واضح.

ومن الجوانب التي تجعل الفيلم قريبا من المشاهدين، اهتمام مخرجيه بالانتقال بين الخاص والعام، أي أنه يربط بين الجانب الموضوعي الذي يتعلق بالقضايا الجادة التي يتركز عليها عمل النشطاء، وبين الجانب الحياتي الشخصي للثنائي الذين يدير المجموعة منذ سنوات، وكيف أن العلاقة بينهما تعاني من التصدع، بعد أن أصبح مايك مشغولا مع زوجته التي أنجبت ثلاثة من الأبناء، وانتقاله من نيويورك إلى اسكتلندا التي يراها مكانا أكثر هدوءا للإقامة، كما يفشل أندي في علاقاته العاطفية ويكتشف كما يقول لنا، إنه أصبح يفضل العمل على صحبة البشر. ويكشف الرجلان لنا أنهما ينتميان لوالدين من اليهود الذين نجوا من المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية، وربما يكون هذا - كما يقولان - السبب في التمسك بفكرة رفض السلطة القوية الغاشمة والتصدي لها، لأنها تؤدي بالضرورة إلى قمع الفرد.

في المشهد الأخير ينضم إلى الفريق أحد أفراد الفرقة الذي يتخفى في دور مغنى من السكان الأصليين الأمريكيين (الهنود الحمر)، وتنظم المجموعة احتفالا (مزيفا) تدعو إليه مجموعة من السياسيين وكبار المسؤولين، على اعتبار أن أحد كبار مساعدي وزير الدفاع والجنرال السابق كولن باول، سيكون حاضرا، وفي لقطات تسجيلية نرى المساعد الحقيقي، وهو رجل ذو شعر أبيض طويل ينسدل على كتفيه ويغطي مقدمة وجهه، ثم نرى كيف يرتدي آندي "باروكة" شعر مشابهة ليلعب دوره، ثم يلقي كلمة أمام الحضور، يتعهد خلالها بأن تعمل المؤسسة التي يرأسها باول، على مقاومة التلوث البيئي والتغير المناخي - على غير الحقيقة بالطبع - وسط تصفيق الحاضرين، الذي يتبارون في إلقاء كلمات تؤكد اهتمامهم بالأمر ( مادام قد جاء من طرف شبه رسمي! ) وتصل المهزلة إلى ذروتها عندما يُطلب من الجميع الوقوف في دائرة، وهم متشابكي الأيدي، والدوران وهم يغنون ويرددون كلمات أغنية هزلية يرددها المغني المزيف، تعكس كثيرا من التفاؤل بشأن المستقبل!

هذا نموذج للفيلم الوثائقي الكوميدي الساخر الممتع، الذي يستخدمم الهزل للفت الأنظار إلى قضايا شديدة الخطورة والجدية، ويقف وراءه مجموعة من المؤمنين بقضيتهم، وهم أيضا يمتلكون القدرة على التمثيل وإرباك خصومهم بجرأتهم في اقتحام الأماكن الرسمية، وعقد المؤتمرات المزيفة التي تفضح الممارسات السلبية للاحتكارات، الأمر الذي يوقعهم في الكثير من المشاكل، منها كما نرى في الفيلم، القضية التي ترفعها ضدهم غرفة التجارة الأمريكية، وإن كانت تتنازل عنها فيما بعد، كنوع من إثبات حسن النوايا في التعامل مع القضايا التي يطرحها النشطاء !

رشيد المشهراوي: "رسائل من اليرموك"

بشار إبراهيم

يحقّق المخرج رشيد مشهراوي فيلمه الوثائقي الجديد «رسائل من اليرموك» (قناة «الغد العربي» 2014، 57 دقيقة)، الذي يبدو من عنوانه أنه يريد تناول مأساة «مخيم اليرموك» للاجئين الفلسطينين في سورية، الواقع جنوب دمشق، وعلى اتصال بها، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وأشهرها، زاد منها مأساته التي يعيشها منذ عامين، والتي أصبحت واقعاً تتكثف فيه المأساة الفلسطينية بمختلف أوجهها.

سيلفتُ النظر منذ البداية، استخدام مشهراوي اسم «اليرموك» مجرداً، أي باعتباره اسماً علماً، دون أن يعني هذا أنه يريد محو صفة «المخيم»، التي ينبغي أن تلازم أيّ حديث، خاصة مع من لا يعرف «اليرموك». والصحيح، كما نعلم، أن المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي يعرف تماماً أن الفلسطينيين أطلقوا على «اليرموك» اسم «المخيم» كنايةً دالةً جامعة، ففي أوساط اللاجئين الفلسطينيين في سورية، على الأقل، يكفي أن تقول كلمة «المخيم» على إطلاقها هكذا، حتى يتم التفاهم أنك تقصد «مخيم اليرموك»، تحديداً، بما يضمّه من جوار يتّسع ليشمل «مخيم اليرموك»، الذي نشأ بداية خمسينات القرن العشرين، على أرض ممنوحة لـ«مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين»، تتولاه «هيئة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين» (أونروا)، وامتدادته اللاحقة والطارئة منها، بدءاً من «مخيم فلسطين» الذي كان، وصار اسمه «شارع فلسطين» فيما بعد، والشوارع الرديفة؛ من شارع الثلاثين وامتداده، إلى شارع العروبة، وحتى حيّ التضامن، الذي لا يفصله عن «مخيم اليرموك» إلا «شارع فلسطين»، وصولاً من الناحية الجنوبية إلى حافة تجمّع الحجر الأسود، الذي بات مدينة للنازحين السوريين من الجولان، لا يفصلها عن المخيم إلا شارع الثامن من آذار، ومشحم عامر، وسوق السيارات.

يدخل رشيد مشهراوي «عشّ الدبابير» طائعاً، أو مجبراً، فلا خيار لسينمائي فلسطيني ملتزم مثله؛ سينمائي يتمازج إبداعه مع حياته الشخصية (وهو ابن «مخيم الشاطئ» في قطاع غزة، ويقيم الآن في رام الله)، بمواقفه الوطنية (المُعبّر عنها بالالتزام بقضيته وانحيازه المُعلن إليها)، وقناعاته الفكرية (السينما أداة إبداعية نضالية)، إلا أن يفعل ذلك. ولم يكن من المُنتظر أن لا يبادر رشيد مشهراوي إلى تحقيق فيلم عن مأساة اليرموك، مهما كانت الصعوبات، وتعقّدت المعيقات، وانغلقت السُبل.

بصوته الشجيّ، المشروخ بطريقة مُحبّبة، يورد مشهراوي مقدمة تمهيدية تعتمد على التعليق الصوتي (صوت المخرج)، تنطلق من ماضي المخيم وتصل إلى حاضره. هذا أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين، ومُختلف عنها. يقارنه المخرج/ الصوت بالمدينة (شبه مدينة سورية).

يقول إن عدد سكانه 400 ألف من فلسطينيين وسوريين وعرب (وهذه معلومة خاطئة! إذ أن سكان مخيم اليرموك كانوا في العام 2012، أي قبيل تهجير سكانه، قرابة مليون و200 ألف نسمه، لا تتجاوز نسبة اللاجئين الفلسطينيين منهم أكثر من 10 في المئة، أي بما لا يتجاوز 120 ألف لاجئ فلسطيني، وفق غالبية الإحصائيات).

وعبر التعليق الصوتي، الذي يعتمد على الصور التي صوّرها نيراز، حتى قبل أن نتعرّف عليه في الفيلم، يقول المخرج: «اليوم المخيم مُحاصر من النظام السوري، نتيجة الاشتبكات بين النظام، والجيش الحرّ، والأحزاب الإسلامية على أنواعها، والانشقاقات الفلسطينية، داخل وخارج المخيم، التي ساهمت أيضاً في التوتر الحالي».

بعد هذين التمهيدين، اللذين يبدوان على قدر كبير من الحذر، وتحاشي إلقاء اللوم على طرف دون آخر، دون أن يعني هذا أي حياد، يبدأ التواصل ما بين المخرج ونيراز. وبالسؤال (عبر سكايب) سنعرف أن نيراز سعيد (23 عاماً)، شاب من لاجئي مخيم اليرموك، وهو فلسطيني أصلاً من قرية عولم، بالقرب من طبريا. إنه يقوم بالتصوير الفوتوغرافي، والفيديوي، في مسعى منه لرصد الحياة اليومية في المخيم إبّان الحصار، الذي كلما طال ازدادت المأساة، إيماناً منه (نيراز) بأن «المخيم ناس»، أولاً.

يعترف رشيد لنيراز، منذ البداية وفي مباشرة صريحة، بالقول: «أنا ما عندي ولا أي فكرة»، ويضيف «أعتقد أن موضوع سورية والحرب في سورية، واليرموك، كبير، ومتداخلة فيه أشياء كثيرة، ومتشعّب». ولكن هذا لا يمنعه من أن يُنجز معه «عقد الفيلم»، الذي يقوم على أن يُرسل نيراز ما يمكنه من (مواد) مصوّرة فوتوغرافية وفيديوية، من داخل المخيم، على وعد أن نرى ما الذي يمكن أن يحدث في النهاية.

الحقيقة أن وثائقي «رسائل من اليرموك» كان بدأ استعمال (المواد) التي صوّرها نيراز منذ بداية الفيلم، وقبل ظهوره، وهو سياق ضروري لا غنى عنه. وترتيب السيناريو، كما نراه، يمضي في اتجاه أن يقول لنا رشيد مشهراوي ماذا يمكن لسينمائي خارج المخيم أن يفعل، وهو يريد أن ينقل إلى العالم جوانب، على الأقل، مما يحدث الآن في مخيم للاجئين الفلسطينيين في سورية، ما بين احتلال وحصار، منطلقاً منها ليجوب في الواقع الفلسطيني (صيف العام 2014) ما بين الشتات، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وفلسطين المحتلة العام 1948، دون أن ينسى بلدان المهجر الجديد في أوروبا.

صحيح أن أهمية فيلم «رسائل من اليرموك» الأولى تتجسّد في دوره الوظيفي؛ لناحية كشف وتصوير وفضح وتوثيق مأساة أو فاجعة مضاعفة، تحيق بلاجئين هُجّروا عنوة من فلسطين في نكبة العام 1948، ليعاودوا مُكرهين بعد شوط من النكبات والنكسات، الوقوع في قبضة كارثة أشدّ مرارة ومضاضة، لم تكن أكثر المخيلات شرّاً لتملك الجرأة على تصوّرها أو التفكير بإمكان وقوعها... ولكن الصحيح أيضاً أن للفيلم أهمية لا تقلّ عن ذلك من جوانب أخرى؛ إبداعية تحديداً، إذ يمكن القول إن وثائقي «رسائل من اليرموك» يُشكل منعطفاً جديداً ومؤسِّساً في سياق السينما الفلسطينية عموماً، والأفلام الوثائقية الفلسطينية على نحو خاص.

هذا فيلم وثائقي يحقّقه سينمائي موجود الآن في الداخل الفلسطيني، يتناول موضوعاً وجودياً لفلسطينيي الشتات والداخل معاً. ربط ما بين رام الله ومخيم اليرموك وغزة، ذاك الذي لم تستطع السياسة، والفعالية الشعبية، القيام به. السينما تؤدي واجبها، والفيلم يوظّف وسائل الاتصال الإلكتروني، بطريقة جمالية، في بناء التفاعل الداخلي في الفيلم، ما بين شاشة الفيلم وكاميراه الكلية (الصياغة المونتاجية الأخيرة للفيلم)، وداخلها شاشة المخرج (رشيد مشهراوي) وكاميراه في رام الله، وشاشة مساعد المخرج (نيراز سعيد) وكاميراه في مخيم اليرموك، والشاشة والكاميرا الرابعة، الموازية، التي تماثل تحطيم الجدار الرابع في العرض المسرحي.

هكذا يمكننا التوقف أمام فكرة التصوير المتوازي، والتصوير المركّب (تصوير التصوير، والانتقال من حال التواصل إلى تصويره). وفضلاً عن هذا التأثيث البصري المتعدد، أفقياً وعمودياً، سنجد تأثيثاً مُضافاً يأتي على شكل استطرادات لازمة، تأخذ صيغة البوح الشخصي أحياناً لكل من المخرج (حياة ناس، بتناضل، بتموت، بتجوع... وإحنا في السينما نسميها مواد)، ولمساعده (فلسفة السطوح في المخيم وفي حياته)، كما تنطلق في جولان مساعد كالذهاب إلى قرية عولم في طبريا، وقرية نحف في عكا، أو إقامة معرض صور في متحف محمود درويش (معرض «للحلم بقية» بتاريخ 24/06/2014)، وعقد مؤتمر (كونفراس) في تلك المناسبة ما بين رام الله واليرموك، وتناول الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، ذاك الصيف.

المخرج الذي لم يمكن لديه أدنى فكرة كما قال، يكشف لنا مع نهاية الفيلم أنها الفكرة ذاتها التي اختارها؛ فكرة اللافكرة، التي تجعل من الفيلم سيرة فلسطينيين يزمعون صياغة نصّ بصري، شاهد وموثق ومؤرخ وكاشف لما ينبغي أن يُعرف، وأن لا يُنسى، وليس أفضل من الصورة في هذا المجال. ولعل من جوانب أهمية الفيلم، وبراعته، أنه يقول إذ يمتنع عن التصريح، والخطابة، والشعار. التفاصيل اليومية في حياة «مخيم اليرموك» في قلب الحصار. صور ناسه وأصواتهم. اللقاءات والحوارات، وجلسات التعارف. الانتقالات المدروسة، والاستطرادات المقصودة. تجعل من الفيلم منمنمات حقيقية، من واقع عياني، يعيشه قرابة 20 ألف لاجئ فلسطيني مُحاصر في «المخيم»، على بعد أمتار من الحياة. تماماً كما تجعله وثيقة بصرية عن فلسطينيي العام 2014 من حصار «مخيم اليرموك»، إلى حرب «غزة»، وقرى فلسطين 48، الأبهى والأحلى والأجمل حتى من ألمانيا.

إن كان لوثائقي «رسائل من اليرموك» أن يتنكّب مهمة إيصال هذه الرسائل، فإن العروض التي بدأت مع الدورة الحادية عشرة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (ديسمبر 2014)، وتستمر خلال العام 2015، كفيلة بنقل وإيصال رسالة بصرية تمتلك الكثير من المصداقية، مُصاغة بنبض أناس يعيشون الوجع، يصورهم الفيلم على أمل محو أوجاعهم، واستعادتهم إلى الحياة، والعودة إليهم. إلى المخيم الذي بات من اللائق القول: نتمسّك بالمخيم... يعني نتمسّك بفلسطين.

الجزيرة الوثائقية في

19.02.2015

 
 

لبلبة تفتح قلبها لـ الأهرام المسائى:

أرفض تمثيل شخصية لاتتوافق مع سنى

بقلم: انجى سمير

أكدت الفنانة لبلبة أنها ترفض تجسيد اى شخصية لا تتوافق مع مرحلتها العمرية، فالفنان الجيد يحافظ على نجوميته بان يقدم عملا يليق بمشواره الفنى. وقالت إن ابتعادها عن المسرح خلال الفترة الأخيرة يرجع إلى الأحداث التى شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، مؤكدة أنها مستعدة للتعاون فى أى عمل مسرحى حتى وإن كان يضم شبابا لان أهم ما يجذبها فى أى عمل فنى هو فريق العمل والنص المتميز.

ومؤخرا قام مهرجان الأقصر للسينما المصرية الأوروبية بتكريمها عن مجمل أعمالها ومشوارها الفنى. وكان لنا معها هذا الحوار: 

·        لماذا قمت بإهداء آخر تكريم إلى روح والدتك؟

تم تكريمى فى كثير من المهرجانات داخل وخارج مصر ولكن آخر تكريم لى كان فى مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية وكان أول تكريم لى بعد وفاة والدتى رحمها الله وأى تكريم له طعم خاص والجائزة على فيلم يكون تقديرا لى على نجاحى فى أداء الدور ولكن التكريم يختلف كثيرا خاصة عندما يكون على مجمل أعمالى الفنية طوال مشوارى الفنى وعندما صعدت على المسرح لتسلم التكريم مر أمام عينى شريط سينمائى المتعلق بحياتى الفنية كلها وكل التفاصيل، وهنا وجدت أن أمى هى السبب فيما وصلت له لأنها كانت تساعدنى دائما فى كل اختياراتى وشجعتني، وبالتالى كانت تستحق هذا التكريم وأعتز بذلك كثيرا.

·        بمناسبة التكريم فى الأقصر للسينما المصرية الأوروبية كيف ترين مثل هذه المهرجانات؟ وهل تساعد على تنشيط وتبادل السياحة الثقافية والفنية؟

بالطبع هذه المهرجانات تساعد على ذلك وتدعم فكرة التبادل الثقافى والفني، كما انها تزيد من فرص السياحة لأنها توجه رسالة لكل العالم بان بلدنا أمان، ومثل هذه الأنشطة تدعم ذلك مثلما الحال مع افتتاح معرض الكتاب، فبلدنا بخير ولا يوجد أى مخاطر كما يردد البعض، وأتمنى أن يأتى العالم ويشاهدون جمال الأقصر ومعالمها.

·        كيف كانت تجربتك التليفزيونية الأولى من خلال صاحب السعادة العام الماضى؟

هذه بالفعل أول مرة لى فى الدراما التليفزيونية واستمتعت كثيرا بالتجربة، صحيح أننى فى بادئ الأمر تعجبت لأننى وفى أول يوم تصوير وجدت أمامى خمس كاميرات ولا اعرف كيف انظر لهم والمشاهد كانت طويلة على عكس السينما وسألت المخرج رامى إمام وقال لى مثلى فقط ولا تهتمى بأى شئ وبالطبع ساعدنى عادل إمام فهناك تفاهم كبير بيننا يساعد على النجاح والجمهور أيضا يحبنا.

·        لماذا لم تهربى من السينما إلى الدراما التليفزيونية مثل فنانات أخريات؟

أنا أنجذب فقط للعمل الجيد والدور، وكنت قد رفضت عملين فى الدراما التليفزيونية لرمضان 2015 وذلك لأنهم غير لائقين بالنسبة لى ولا أفضل الظهور لمجرد الوجود على الشاشة فيجب أن يكون بينى وبين الجمهور شوق حتى لا يمل منى الجمهور ولا افرض عليهم وجودي، والفنان الجيد يحافظ على نجوميته بان يقدم عملا يليق بمشواره الفني، وليس عيبا أن أقدم دورا فى مرحلتى العمرية الحقيقية دون تزييف.

·        ما رأيك فى حال السينما المصرية الآن؟

السينما موجودة حاليا بقوة والدليل على ذلك أفلام الفيل الأزرق و فيلا 69 و الجزيرة 2 ويوجد أعمال جديدة أخرى ستخوض بقوة الساحة وستزدهر صناعة السينما أكثر وحتى عندما تعرض أعمال كوميدية يجب أن يكون بها فكر ولا تستخف بعقل المشاهد، وأفلام ذات قيمة ولا نقلد فيها الغرب لان عاداتهم وتقاليدهم لا تتناسب معنا، عموما انأ متفائلة بالسينما.

·        لماذا ابتعدت عن المسرح بالرغم من اشتراكك فى 9 مسرحيات؟

لا يوجد مسرح الآن، فبعد المتغيرات التى تعرضت لها البلاد فى السنوات القليلة الماضية، جعلت المنتجين يهربون من فكرة إنتاج مسرح هربا من فكرة عدم إقبال الجمهور، وإن كنت اشتاق له فالمسرح أبو الفنون ويعتبر فائدة كبيرة للممثل لأنه يبرز طاقات الممثل ويصقلها فهو أفضل تدريب، وأرى مثلما يقول الفنان نور الشريف بأنه يجب على الممثل ان يعطى ويتدرب دائما على المسرح لأنه مدرسة كبيرة.

·        لو عرض عليك عمل مسرحى شبابى هل ستوافقين؟

الدور الجيد والمخرج والمؤلف المتميز والسيناريو الهادف كل هذه الخصائص تجذبنى لأى عمل حتى لو كان العمل شبابيا. 

·        ما رأيك فى الرقابة على المصنفات الفنية؟

يجب وجود الرقابة حتى نحن كممثلين نمثل أعمالا والرقابة يجب أن تكون موافقة عليها وحرية الفكر موجودة وهناك أعمال لم ترض عنها الرقابة أو الجمهور فلماذا يتم تقديمها وطوال عمرنا والفن عليه رقابة وهى مثل ضميرنا.

·        ماذا عن أعمالك الجديدة؟

اقرأ حاليا مشروعا سينمائيا جديدا ولكن لم أبد موافقتى النهائية عليه وسيكون دورا جديدا ومختلفا ولم أجسده من قبل فانا ارفض تجسيد شخصيتين متشابهتين. 

بعد عودة نور الشريف للقاهرة الصريطى:

حالته جيدة وننتظره فى أعمال جديدة

بقلم: موسي حسين

عاد الفنان نور الشريف من أمريكا بعد رحلة علاج ناجحة برفقة الفنانة بوسى وإبنتيهما مى وسارة، وكان نور قد تعرض لوعكة صحية منذ أيام وبعد أن إنتهى من تصوير فيلمه الجديد بتوقيت القاهرة، ومنذ عودته ويتلقى الفنان الكبير إتصالات للإطمئنان على حالته الصحية من نجوم الفن ومحبيه، ولديه عدة أعمال درامية فى إنتظار تماثله للشفاء للبدء فى تصويرها خلال الفترة القادمة وأقربها مسلسل منصور التهامى وأولاده تأليف مصطفى محرم. 

ويقول الفنان سامح الصريطى وكيل نقابة المهن التمثيلية إن نور الشريف يعيش بين قلوبنا فقد أخلص لفنه فى كل ما قدمه من أعمال راقية وإبداعات لاتحتاج إلى تقييم منى أو من غيرى وعلى المستوى الإنسانى فعلاقته مع جميع الأسرة الفنية تتسم بالإحترام والمودة والتقدير وقد بادرت فور وصوله للقاهرة بالإتصال بأسرته للإطمئنان على صحته وهو بالفعل فى حالة صحية مستقرة ونتمنى له العودة قريبا لجمهوره من خلال أعمال جديدة تثرى الحركة الفنية المصرية والعربية كما عودنا دائما فى كل أعماله، ويضيف كما بادر الفنان أشرف عبدالغفور نقيب المهن التمثيلية بالإتصال به مؤكدا أن النقابة تحت أمر أى فنان ولن تتأخر عن أى فنان أو فنانة فى تلبية طلباته. 

الأهرام اليومي في

19.02.2015

 
 

راحت على نجوم السينما .. سياسيون على أجندة المعجبات

سالى حسن

بعد شهور من انتظار حركة المحافظين الجدد، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة للسيدات والفتيات بصور وتعليقات على المرشحين من المحافظين الجدد وبالأخص محافظ الإسكندرية،

وسرعان ما انتشرت صوره العامة والشخصية بملابس السباحة وفى أثناء ركوب دراجته فى أحد السباقات وفى المنزل، بالإضافة إلى فيديوهات ونكت و«افيهات»منها من تطالب فيها السيدات بالهجرة إلى الإسكندرية، ووضع الدبابيب والقلوب على أبواب المحافظة.ومع صباح يوم السبت فتحت شاشات التليفزيون لنترقب وجوه السادة المحافظين فى انتظار التأكد من الخبر، وربما لم تلتفت الكثيرات لتعيين ثلاث سيدات كنواب محافظين. فبعد أن كان متوسط عمر المسئول 60 عاما وصبغة الشعر أحد أدواته الشبابية الرئيسية، أصبحت وجوه شابة بحق تتصدر المشهد وتتولى مناصب مهمة فى الدولة، وإذا كانت السيرة الذاتية للمحافظ العامل الرئيسى فى اختياره من قبل متخذى القرار فإن الشكل كان العامل الأول فى قبول المواطنات لهوهى ليست المرة الأولى التى يواجه فيها مسئول هذا السيل من المعجبات فقد حدث نفس الشىء بعد ثورة 25 يناير عندما بدأنا نرى وجوها شابة على شاشات التليفزيون مثل ما حدث وقتها مع سياسيين كالدكتورعمرو حمزاوى الذى ملأ القنوات بـ «الحظاظة»وتابعته المعجبات على كل البرامج، ثم تكرر الأمر مع الدكتور مصطفى حجازى مستشار الرئيس السابق عدلى منصور، الذى اشتهر بأناقته وأسلوبه الراقى فى الحديث بالإضافة إلى دوره فى توضيح الوضع السياسى المصرى بعد ثورة 30 يونيو والتى كانت للسيدات دور فاعل وأساسى فيها، ومن ثم كان خطابه يلقى هوى لدى الغالبية من السيدات، وقد تم تدشين حملة لترشيحه لرئاسة الجمهورية آنذاك. ثم مع بداية تولى الرئيس السيسى وزيارته لضحية التحرش ثم جولة الدراجات والتى شجعت كثيرا من السيدات على ركوب الدرجات.

ثم ظهرت موجة أخرى من الإعجاب بالسياسيين مع تعيين العقيد أحمد على متحدثا عسكريا للقوات المسلحة، وقد تم إنشاء صفحة «محبى العقيد أركان حرب أحمد محمد على» والتى تضم أكثر من 80 ألف متابع حتى الآن وتتسابق المعجبات من الفنانات والسيدات للتصوير معه كأى نجم سينمائى بمجرد ظهوره فى أى تجمع. وهناك أسباب كثيرة منها وسامته وربما لأنه يرمز للقوات المسلحة التى أنقذت مصر من خطر كاد أن يفتك بها، أو لتواصله الجيد مع الناس، فقد أعطى تعظيم سلام على صفحته بعد الاستفتاء على الدستور قائلا: «فى نهاية اليوم من عملية الاستفتاء على دستور مصر، كل التحية والتقدير لشعبنا العظيم خاصة سيدات مصر وشبابها الواعد على المشاركة الإيجابية التاريخية وتحملهم المسئولية الوطنية بكل رقى وتحضر».

وعن هذه الظاهرة تقول الدكتورة هالة يسرى أستاذ علم الاجتماع وخبير الاستشارات الأسرية أن المصريين اعتادوا الحكم على الأشخاص بالمظاهر فقط وهو ما يجب أن يتخلوا عنه، وأن يكونوا موضوعين فى تقييمهم واختيارتهم وحياتهم بشكل عام، فتقييم المسئول أو المديرالجديد يكون بناء على الخبرة والتعليم والثقافة أولا ثم الخطط والرؤى والأفكار التى يطرحها، بالإضافة إلى قدرته على صياغة كل ذلك وتحقيقه على أرض الواقع بشكل سليم، ومن ثم يترجمه إلى إنجازات يدمج فيها بايجابية كل شركاء التنمية فى محافظته.

وهناك فوائد كثيرة للاستعانة بشباب لأنه جاد، ومتعلم، وواثق من نفسه، متجدد وقادرعلى العطاء، بالإضافة إلى أنه مبدع ومبتكر فيعطى أفكارا خارج الصندوق من خلال أطر جديدة وينطبق ذلك على كل من الشبان والشابات. فأدعو الجميع إلى الكف عن التعامل المظهرى مع المسئول لأنه لا يرتقى إلى التقييم الموضوعى سواء من الأجهزة الإعلامية أو من الجمهور.

أما الدكتورة رضوى سعيد عبد العظيم استشارى الطب النفسى بقصر العينى فترى أنها ظاهرة طبيعية وصحية، فلا مشكلة فى تعبير السيدات عن إعجابهن، فالمرأة ليست وحدها رمزا للجمال والانجذاب، ولكن الرجل أيضا يمكن أن يكون جذابا، وللأسف دائما ما ننظر فى مجتمعاتنا للمرأة وحدها على أنها رمز الخطيئة أو الإثارة، كما أن فكرة انجذاب المرأة ليست جديدة فقصة امرأة العزيز وسيدنا يوسف خير دليل على ذلك.

وترى أنه من المهم جدا أن يكون المسئول جذابا، فالانجذاب جزء من النجاح ومن قدرته على التأثيرالذى يعد مهما جدا فى علم النفس، فالمسئول المهمل فى مظهره أوملبسه يفقد اهتمام الناس بسرعة حتى لو كان كلامه مهما، وتضيفان تردى الذوق العام والاهتمام بالمظهر والملابس والآداب العامة جعل الناس سواء رجالا أو نساء ينجذبون تجاه أى شخصية عامة ترمز للجمال وعادة ما كانت ترتبط بنجوم السينما ولكن الجديد هنا ارتباطها بالسياسيين، فلابد من دراسة هذه الظاهرة للتعرف على التغيرات التى طرأت على مجتمعنا.

وتحث د.رضوى الأزواج على الاهتمام بمظهرهم ونظافتهم الشخصية، ولاداعى للاستغراب فقد أظهرت أبحاث عديدة أن افتقار الصحة العامة والنظافة الشخصية كانت من أهم أسباب الاضطرابات الزوجية ومن ثم النفور بين الزوجين فى بعض البلدان العربية.

تبقى الحياة الخاصة لهؤلاء الشخصيات العامة محل اهتمام وشغف من عامة الناس، ولكن إذا كان الأمر مدعاة للدعابة فيجب ألا يتجاوز فى حق هؤلاء وزوجاتهم وأولادهم فهم يؤدون واجبا وطنيا فى وقت يهرب كثيرون من تحمل المسئولية.

أم كلثوم .. وصلاح هلال

حكايـات بقلم : مصطفـى الضـمرانى

تأخر مقالى بمناسبة ذكرى مرور أربعين عاماً على رحيل سيدة الغناء العربى أم كلثوم أكثر من أسبوعين وذلك لظروف النشر فقد فارقت أم كلثوم الحياه فى الثانى من فبراير 1975

 الأمر الذى جعل العاملون في وسائل الاعلام يعتبرون هذا الشهر بأكمله شهر الاحتفال بذكراها مع ضرورة أن يكون لى اسهام في هذه الذكرى بحكاية من حكاياتها خاصة بعد ان تلقيت اتصالاً هاتفياً من صديقى الصحفى المحنك الاستاذ فؤاد سعد الأب الروحى لكل المحررين البرلمانيين بالاهرام وطلب منى عدم تفويت هذه المناسبة دون ان يكون لى حكاية من حكاياتها وقوله انني الوحيد من جيلى الذى جلس الى جوارها وشاهد وتابع بروفات وتسجيلات معظم قصائدها وأغانيها لأساطين الموسيقى من أمثال السنباطى وعبدالوهاب وبليغ حمدى ومحمد الموجى وسيد مكاوى وغيرهم وكبار الشعراء أحمد رامى وعبدالفتاح مصطفى وكامل الشناوى ومأمون الشناوى ومرسى جميل عزيز وعبدالوهاب محمد وغيرهم وأن حكايات عديدة مشوقة كانت تحدث لها مع هؤلاء النجوم الكبار ، وشاءت الظروف ان اعرف كثيراً منها وقد وعدت الاستاذ فؤاد سعد ان اخصص هذا المقال لإحدى الحكايات الطريفة الخاصة بالمجال الصحفى وانفراد الاهرام دون غيره من الصحف بهذه الحكاية التى كان بطلها الرائد الصحفى الكبير الاستاذ صلاح هلال أشهر رئيس قسم التحقيقات في الصحف المصرية والعربية وأعرضها في هذه السطور علي النحو التالي:

كان هناك ثلاثة من كبار الصحفيين يدخلون مبنى الاهرام في الصباح المبكر«السابعة صباحاً» الاول الاستاذ محمد حسنين هيكل رئيس التحرير الذى يدخل مكتبه ثم يضئ انوار صالة التحرير، وكذلك الاستاذ صلاح هلال رئيس قسم التحقيقات الصحفية والاستاذ كمال الملاخ المشرف علي الصفحة الاخيرة «من غير عنوان»، وذات يوماً وأنا ادخل صالة التحرير لأجد الاستاذ صلاح يشاور على بالحضور فأسرعت الخطى اليه لأعرف ماذا يريد فقال لى اجلس انا عايزك في حاجه مهمه ولم استطع ان اجلس الى جواره لهيبته وقوة شخصيته واحساسى بمكانته الرفيعة «وهكذا كان جيلنا يحترم أساتذته الكبار» ليكرر لى نفس الكلمة اجلس فجلست وأنا في قمة السعادة ليقول لى عرفت من الاستاذ كمال الملاخ انك « جبت خبر لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبدالوهاب واحمد شفيق كامل في أغنية انت عمرى « قلت نعم يا أستاذ فقال لى وكنا يوم الاثنين سمعت أن بعد غد الاربعاء فيه بروفة كاملة لأم كلثوم وعبدالوهاب في استوديو « مصر فون « أمام مكتب بريد العتبة « صوت القاهرة حالياً « فقلت له انا عارف يا أستاذ صلاح فقال عايزين نصور هذه البروفة، ورفع سماعة التليفون وطلب الاستاذ اميل كرم رئيس قسم التصوير الذى حضر علي الفور وطلب منه ذلك موضحاً ان عبدالوهاب وام كلثوم مانعين منعاً باتاً دخول اي صحفى للاستوديو ، واعتبرنا هذا التكليف من جانبه امتحاناً لنا لابد من أن نجتازه باصرار ونجاح لكى نكسب ثقته فينا ، وكانت تربطنى علاقة طيبه بمهندس الصوت كمال اسكندر المتخصص في تسجيلات ام كلثوم وعرضت عليه الامر فقال لى حنعمل محاولة وربنا يسهل بس أم كلثوم لو عرفت هتقلب الدنيا، واتفق معى ومع المصور أن نحضر قبل البروفة بنصف ساعة ونجلس في الكابينة بجواره لأن ام كلثوم وعبدالوهاب سيدخلان الاستوديو مباشرة وخلي المصور مايظهرش الكاميرا ويضعها في شنطة سامسونيت وكأنكما موظفين في الشركة ، ونفذنا الخطة بهدوء وفى الموعد المحدد حضر الاستاذ عبدالوهاب قبل ام كلثوم بعشر دقائق وأطمأن علي الفرقة الموسيقية بأكملها « 35 عازفا « وأن كل موسيقى جالس فى مكانه وممسكا بآلته الموسيقية ومستعدون جميعاً لبدء البروفة ، وتدخل أم كلثوم لتجد الفرقة جاهزة بقيادة عازف القانون الاول محمد عبده صالح وتطمئن أيضاً على وجود صديقها عازف الكمان الاول الشهير أحمد الحفناوى ، وأغلق الساعى باب الاستوديو عليهما ولم يسمح لأحد بالدخول وعزفت الفرقة المذهب لتغنى أم كلثوم « رجعونى عنيك لأيامى اللى راحوا .. علمونى أندم علي الماضى وجراحه .. واللي شوفته قبل ماتشوفك عنيه .. عمر ضايع يحسبوه ازاي علي .. أنت عمرى اللي ابتدى بنورك صباحه .. انت عمرى « وما ان وصلت الفرقه الي الكوبليه الثانى حتى اكتشف عبدالوهاب ان الموسيقى الشاب كتكوت الامير عازف الايقاع الطبلة يخطئ في العزف المنفرد علي هذه الآلة « الدربوكة « فقال له اقرأ النوته كويس يا كتكوت فعاد وكرر نفس الخطأ وحدث ارتباك في الفرقة لأن كتكوت نسى مازورة واحدة « حرف واحد في الجملة الموسيقية « واذا بالاستاذ الحفناوى يطلب من الاستاذ عبدالوهاب أن يعزف الجملة بنفسه أمام كتكوت فأمسك عبدالوهاب بالطبلة وظل يعزف الجملة بنفسه ليتعلم منه كتكوت العزف الصحيح ، واذا باميل كرم يفتح الشنطة السمسونيت ويخرج الكاميرا ويقول هذه هى الصورة اللي عايزها الاستاذ صلاح « عبدالوهاب يعزف علي الدربكه « والتقط أكثر من صورة دون أن تشعر ام كلثوم ثم عاد ليكرر نفس اللقطات واذا بالاستاذ كمال اسكندر يقول لنا خلو بالكم ام كلثوم حست ان في فلاش خبى الكاميرا وبسرعة فائقة اخرج اميل الفيلم من الكاميرا ووضعه في جيب الجاكيت وقام بوضع فيلم آخر بدلا منه في الكاميرا واذا بأم كلثوم تفتح باب الاستوديو وتدخل الكبينة وتأخذ الكاميرا وتصرخ قائلة « أنا قولت مافيش تصوير يعنى مافيش تصوير« وطلبت منا مغادرة الاستوديو فوراً ودخلت لتجلس أمام الفرقة وهى غاضبة بما حدث ويطلب منها الاستاذ الحفناوى الهدوء قائلاً خدى حضرتك الفيلم واديله الكاميرا لأنها عهده عليه وغادرنا الاستوديو بالفعل لنصل الي الاهرام سيراً علي الاقدام من العتبة الي شارع فؤاد الي ان وصلنا مبنى الاهرام ونحن في قمة فرحتنا ونجاحنا في هذه المهمة وبعد ان دخلنا صالة التحرير لنجد الاستاذ صلاح في مكانه ينادى على الاستاذ اميل « سبع ولا ضبع « ويرد اميل سبع ياريس وبسرعه يطبع الصور فى دقائق لينبهر الاستاذ صلاح بلقطة عبدالوهاب وهو يعزف علي الطبلة وكتكوت يستمع وينشرها الاهرام في الصفحة الاخيرة علي ثمانية أعمدة تحت عنوان المعلم يعلم وتتناقلها وسائل الاعلام وفي مساء اليوم التالي يتصل عبدالوهاب بالاهرام ليعرف من المسئول عن النشر ويعلم انه الاستاذ صلاح هلال هو المسئول ويتصل به ويسأله بهدوء كعادته متعجباً من أين أتت هذه الصورة والفيلم في حوزة أم كلثوم ويرد عليه الاستاذ صلاح قائلاً ان « الاهرام لا يصرح بمصادره يا أستاذ عبدالوهاب« وهو مبدأ يلتزم به كل المحررين بالاهرام ويضحك عبدالوهاب ويشكره علي هذه اللقطة الرائعة الجميلة قائلاً طول عمره الاهرام سباق وبعد يومين فقط دخلت صالة التحرير واذا بالاستاذ صلاح ينادينى « روح الخزنة « ليك مكافأة وللمصور . رحم الله الاستاذ صلاح هلال وسيدة الغناء أم كلثوم وموسيقار الأجيال عبدالوهاب وبارك الله في أهرامنا العريقة.

الأهرام اليومي في

20.02.2015

 
 

أخطر الرجال المطلوبين”:

كل مسلم هو إرهابي إلى أن يثبت العكس

ياسمين عادل – التقرير

 “أخطر الرجال المطلوبين“، فيلم عن رجال ليست مطلوبة على الإطلاق؛ كل ما في الأمر أن انتماءاتهم السياسية أو الجغرافية جعلتهم قيد الاتهام والتشكيك!

 “خطط محمد عطا أحداث 11 سبتمبر من مدينة (هامبورغ) بألمانيا، وبسبب فشل الاستخبارات والمنافسة بين الإدارات؛ لم يتم اكتشاف التحضير للهجمات، لذلك أصبحت هامبورغ فى حالة إنذار قصوى، وأصبح كل تركيز المخابرات الألمانية أو الدولية الحَد من تكرار أخطاء 2001″.

هكذا تبدأ أحداث فيلم “A most wanted man”، إنتاج 2014، إخراج “أنطون كوربيغن- Anton Corbijn”، ومأخوذ عن قصة جاسوسية بنفس العنوان لـ “جون لو كاري- John le Carré”. ويُعد هذا الفيلم هو البطولة الأخيرة لـ “فيليب سيمور هوفمان- Philip Seymour Hoffman”، الذي توفى في فبراير الماضي، تاركًا فراغًا هائلًا بحجم موهبته الضخمة في عالم السينما.

تدور أحداث الفيلم حول “عيسى كاربوف/جريجوري دوبريغن- Grigoriy Dobrygin”، وهو مواطن مُسلم شيشاني/ روسي؛ إذ وُلد لضابط روسي، حين قام باغتصاب إحدى المراهقات الشيشانيات.

يعيش عيسى حياته ناقمًا على والده، ثم يكبر ويصبح مطلوبًا بروسيا؛ اعتقادًا بأنه أحد أعضاء جماعة سلفية جهادية بالشيشان، فيتم القبض عليه وتعذيبه في المعتقل دون أن يتضح إذا ما كان مذنبًا فعلًا أم لا.

كل ذلك لا نراه على الشاشة، بل يتم سرده كخلفية للبطل؛ حيث يبدأ الفيلم بوصول عيسى لهامبورغ، بعد أن هاجر إليها بشكل غير قانوني، وقد اختار تلك المدينة بالتحديد، ليس فقط بسبب طبيعتها الساحلية التي تُسَهِّل عملية استقبالها للوافدين؛ بل وكذلك لأن والده ترك له إرثًا ضخمًا بأحد البنوك هناك.

وهنا تزداد الأمور تعقيدًا؛ حيث يصبح عيسى مطلوبًا من المخابرات الألمانية والأمريكية بسبب كونه مُسلمًا، دارت حوله الشكوك من قبل، ويتم تكليف تلك المهمة إلى “جانثر/فيليب سيمور هوفمان” الذي يعمل ضابط مخابرات لصالح جهة تعمل على تطوير المصادر الاستخبراتية داخل الجالية الألمانية الإسلامية؛ إلا أن ما لم يُحسب له حساب هو أن يُخالف جانثر مُديريه في الرأي، وتتوالى الأحداث.

يقوم الفيلم على ثلاثة محاور رئيسة؛ تمنح الفيلم أبعادًا وعُمقًا، وتجعله يستحق المشاهدة.

-1-

“فى أعين كل رجل أسمر، نرى شخصًا يود أن يقتلنا، المشكلة أن بعضهم يفعل ذلك“.

تتبنى هذا الرأي الجهات السيادية، سواء الألمانية أو الأمريكية -بالفيلم- في المسلمين بشكل عام، وعلى الرغم من زَعمهم المستمر أن رأيهم هذا ومسعاهم لتحقيقه ليس إلا بهدف “جعل العالم مكانًا أفضل”؛ إلا أنهم لا يترددون ولو للحظة في الإزاحة بكل المشكوك في أمرهم -من باب الاحتياط- مهما كلفهم الأمر.

-2-

“اللاجئون أشخاص يُريدون الهرب من الجحيم الذي يعيشون فيه، وعلى من تم اللجوء إليهم؛ مَنح الفرصة لحياة آمنة، والثقة بالآخر إلى أن يصدر منه ما يُخالف ذلك“.

كانت تلك فلسفة “جانثر”، ضابط المخابرات و”أنابيل ريتشر/ رايتشل ماك آدامز- Rachel McAdams” المحامية بإحدى المنظمات التي تعمل على توفير لجوء للذين هربوا من بلادهم لألمانيا للحصول على حياة آدمية/ أفضل.

فكلاهما كان يرى أنه لا يجوز إلصاق لقب إرهابي بكل من هو مُسلم/ أسمر، وأن هؤلاء هم ضحايا أفكار مُشوهة تعرضوا لها؛ وعلى الجهات المُختصة مَد يد العون لهم ومنحهم حرية التعبير والتَفَّهُم قبل إطلاق الأحكام عليهم.

-3-

“في كل رجل خير، القليل من الشر”.

ولعل هذا ينطبق إلى حد كبير على البَطلين المُسلمين بالفيلم “عيسى” و”الدكتور فيصل عبدالله- Homayoun Ershadi” الذي يعيش بألمانيا، ويعمل على جمع التبرعات الخيرية ومنحها لجهات إسلامية، من بينها جهة تُدَعِّم القاعدة بالأسلحة.

هنا يظهر الصراع الداخلي للأبطال؛ فالأمر لا علاقة له بالحريات وتحقيق الديمقراطية قدر ارتباطه بمواطنين يرون أُمَتَهُم تُمتهن وتُقمع دون أي أمل لتغيير ذلك، فيُحاولون بَذل قصارى جَهدهم لمُساعدة أوطانهم بطُرق رُبما تكون خاطئة، لكنهم لا يَهدفون منها سوى رد المعروف للوطن.

وقد جاء أداء الممثلين مُناسبًا في أغلب الأدوار، وإن كانت “رايتشل ماك آدامز” ظهرت كما لو أنها تتحسس منطقة جديدة في التمثيل غير معتادة عليها. أما “جريجوري دوبريغن”، بالنسبة للصراعات التي من المفترض أنها تدور بداخله؛ فبدا أداؤه باهتًا بعض الشيء.

أما “فيليب سيمور هوفمان” فلقد قام بتأدية دوره باحتراف وسلاسة، وبمظهر غير متوقع؛ حيث قدم شخصية ضابط مخابرات بعيدة كل البُعد عن الصورة المُتعارف عليها لرجال الجاسوسية الوسيمين، المُتهَافَت عليهم من النساء، ويقودون سيارات أحدث موديل. فظهر لنا شخصًا عاديًا، بدينًا، مُدخنًا، سكيرًا معظم الوقت، كما جاءت حركته بطيئة وثقيلة؛ كما لو أن إنسانيته تُرهقه، وخذلان العالم لبعضه يُثقل خطواته.

يُعاب على الفيلم أن رِتم الأحداث جاء بطيئًا بعض الشيء؛ ما جعله مُملًا، خاصةً فى النصف الأول. أما الإخراج فكان جيدًا، وإن لم يكن به ما يُميزه. ولعل ما يُحسب لصُناع الفيلم هو أنهم لم يتناولوا الجاسوسية بشكلها التقليدي؛ حيث الدماء والقتل وتصادم السيارات، بل عرضوها بشكل أكثر عُمقًا وإيضاحًا.

فالكاتب والمُخرج لم يهتما بوجود الإثارة قدر اهتمامهما بعرض الفكرة من كل جوانبها، طارحين، دون ضجة، زاوية جديدة ومُلهمة لرؤية ما يحدث؛ تاركين للمُشاهد العديد من الأفكار والأسئلة التي عليه أن يبحث عن إجاباتها بنفسه.

التقرير الإلكترونية في

20.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)