كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

عزلة الضحية وسأم الجلاد

عدنان حسين أحمد

 

أنجز المخرج الأميركي الشاب لوك موران فيلمه الروائي الأول "أولاد أبو غريب" كما ساهم في كتابة قصته السينمائية وتجسيد شخصيته الرئيسة جاك فارمر، إضافة إلى قيامه بإنتاج هذا الفيلم بالإشتراك مع كرو إينيس آخذين بنظر الاعتبار أن المُنتجَين المُنفذَين لهذا الفيلم هما المخرجان المشهوران إدوارد زويك ومارشال هيرسكوفيتش. وعلى الرغم من احتشاد الفيلم بأسماء فنية لامعة مثل جون هيرد، شون أستِن، سارة باكستون إلاّ أن الفيلم لم يحقق النجاح المطلوب الذي يوازي نجومية هذه الأسماء وشهرتها الواسعة.

لعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن المتلقي هو: ما السبب الذي يقف وراء فشل الفيلم؟ هل أن الخلل يكمن في القصة السينمائية، أم في أداء الممثلين، أم في الرؤية الإخراجية؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى بعض الأفلام الوثائقية التي تناولت فضيحة سجن "أبو غريب" ونجحت نجاحاً باهراً مثل "أشباح أبو غريب" للمخرجة الأميركية روي كيندي التي اعتمدت على نظرية "التفاحة الفاسدة" التي تُسبِّب فساد الصندوق وتَعفُّنه بالكامل، وفيلمي "عُرِفَ المجهول" و "إجراءات التشغيل القياسية" للمخرج الأميركي أيضاً إيرول موريس الذي عرّى نهج الإدارة الأميركية في تعاطيها مع قضايا الشعوب الأخرى

ربّ سائل يسأل مُحاججاً إيانا بالقول: "إن نجاح هذه الأفلام الوثائقية قد يعود إلى الحقائق الدامغة التي كشفتها وأقنعت بالنتيجة المتلقين الذين شاهدوا هذه الأفلام وتمثلوها جيداً؟". والجواب على هذا التساؤل المشروع هو أن فيلم "أولاد أبو غريب" الروائي يعتمد بالأساس على قصة حقيقية غير مُختلَقة وهي الصور الفظيعة التي سُربت من سجن أبي غريب وعلى رأسها صورة علي شلال القيسي، المُجلل بالسواد والذي كان يتعرض إلى الصعق الكهربائي في الزنزانة رقم 49 لكن الفيلم لم يحقق النجاح المطلوب على الرغم من الكادر الشهير الذي ذكرناه قبل قليل.

القصة المسطّحة

لا ينصح النقاد أن يقوم كادر الفيلم كالمخرج والمؤلف بأدوار مزدوجة إلا في حالة "سينما المؤلف" التي تتيح للمخرج أن يكتب النص ويجسد رؤيته الإخراجية بالطريقة التي يراها مناسبة. ومن المبكر جداً أن نضع فيلم "أولاد أبو غريب" ضمن تصنيف "سينما المؤلف" التي تأتي في الأعم الأغلب بعد تجربة إخراجية طويلة نسبياً. إذن، ثمة مشكلة حقيقية في القصة السينمائية التي سقطت في البساطة والتسطيح و "السذاجة" لأن كاتبها أبقى القصة ضمن إطارها الخبري الذي استهلكته كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ولم تُبقِ من مضمونها إلاّ النزر اليسير الذي يحتاج إلى ذهنية إبداعية تعيد صياغة الحدث وتقدمه للجمهور على وفق مقاربات جديدة ورؤى فكرية غير مطروقة من قبل. وهذا ما لم يفعله المخرج والمؤلف والممثل والمنتج لوك موران نتيجة لأسباب عديدة من بينها قلّة الخبرة، والرغبة في الاستحواذ، واستعجال الشهرة والذيوع على أصعدة فنية متعددة.

تدور أحداث هذا الفيلم في أثناء الاحتلال الإنكلو- أميركي للعراق عام 2003 حيث يتطوع جاك فارمر "لوك موران" هو ومجموعة من الشباب لتأدية خدمة الاحتياط في الجيش الأميركي لأسباب وطنية وشخصية أبرزها أن يكون شيئاً أكبر مما هو عليه الآن، وأن يغيّر من مجرى حياته الرتيبة ضمن أسرة ميسورة الحال، وأن يؤكد ذاته على أقل تقدير. علماً بأنه قد حظي بمباركة الوالد سام فارمر "جون هيرد" الذي تمنى له السلامة، وبدعم صديقته بيتون "سارة باكستون" التي ودعته على أمل أن تقترن به حينما يعود سالماً من هذه المغامرة غير مأمونة العواقب.

استعمل المخرج تقنية (الفويس أوفر) للحديث عن هذه الرحلة إلى العراق ولا بأس في ذلك لكن الاستمرار في استعمال هذه التقنية لاحقاً سوف يضر بالفيلم وخصوصاً حينما يتحدث الراوي عن السأم ولا يستطيع أن يجسّده على أرض الواقع. يمكن اختصار القصة السينمائية برحلة جاك فارمر إلى العراق التي يُفترض أن تستغرق ستة أشهر لكنها تطول لمدة عام أو يزيد حيث يسقط هو وأقرانه في خانق الضجر والعزلة والفراغ، ويتحوّل من سجّان إلى سجين حتى وإن كان طليقاً، كما يُصبح عرضة للصدمات النفسية الناجمة عن القصف الذي يتعرض له سجن بو غريب يومياً

وبما أن جاك قد طلب من آمره النقيب هايس "سكوت باترسون" أن ينتقل إلى قسم العقوبات المشددة ويصبح على تماس مباشر مع السجناء الخطرين للنظام السابق فإن حياته ستنقلب رأساً عقب حيث يتعاطف مع السجين غازي حمود "أوميد أبتاهي" ويبدأ بالكلام معه مُنتهكاً القوانين الصارمة التي تقضي بعدم التواصل مع السجناء والإبقاء على عزلتهم، فالعزلة هي واحدة من الأسلحة القوية التي تستعمل ضد النزلاء وهي مثلها مثل الحرمان والإذلال والحطّ من الكرامة الإنسانية. سوف يتعرف جاك على غازي ويقتنع بأن هذا الأخير بريء ولا علاقة بالإرهاب فلا غرابة أن يدافع عنه حينما يكتشف أنّ المحققين الأميركيين قد عذبوه وأساؤا إليه كثيراً إلى الدرجة التي دفعتهُ للقيام بمحاولة الانتحار شنقاً داخل الزنزانة.

وعلى الرغم من أن جاك قد تعرض هو الآخر إلى إساءات كثيرة من قبل بعض السجناء إذ رشقه أحدهم بالغائط مغطياً وجهه بالكامل، فيما حاول سجين آخر طعنهُ بآلة يدوية صغيرة على هيئة سكين لكن جاك تفاداها بسرعة إلاّ أنه لم يغيّر موقفه من كل السجناء الذين ينظر إليهم كبشر بخلاف كل القائمين على قسم الأحكام المشددة الذين يعاملون السجناء "كحيوانات وقتلة وكائنات شرّيرة"، لكن شيئاً ما يطرأ على تفكير جاك فارمر فيغيره كلياً حيث ينقلب إلى كائن عدائي لا يختلف كثيراً عن أقرانه السجانين، بل إنه بدأ يتلذذ بتعذيبهم بواسطة تشغيل الموسيقى المعدنية التي تسبب انهيارات عصبية وحرمان من النوم في أقل تقدير هذا ناهيك عن الضرر الذي تسببه لخلايا الدماغ. وإذا ما دققنا جيداً في أسباب هذا الانقلاب المفاجئ من كائن رقيق رحيم إلى شخصية عدوانية شريرة لوجدنا أن حرمانه من الإجازة بعد ستة أشهر وتطويل مدة بقائه إلى ستة أشهر أخرى هي السبب الأول في انهيار معنوياته، كما لعبت قنبلة الهاون التي سقطت بالقرب من المرحاض المتنقل الذي كان في داخله وسببت له اضطراب ما بعد الصدمة الذي سيرافقه لمدة طويلة بعض الشيئ، هذا إضافة إلى إحساسه بالعزلة والفراغ واللاجدوى. ونظراً لحاجته النفسية والجسدية للجانب الجنسي فإنه كان يضطر لممارسة العادة السرية من خلال استرجاع اللحظات الحميمة مع صديقته بيتون التي كان يعانقها، ويقبلها، ويمارس معها الحب.

لم يستطع المخرج وكاتب النص لوك موران أن يطور هذه القصة السينمائية التي ظلت عالقة في مفاصل متعددة من بينها سبب تحول جاك فارمر من شخصية حميمة إلى شخصية عدائية متوحشة لا تجد ضيراً في أن تدفع رأس الضحية غازي حمود في سطل البول والغائط أو في استعماله الموسيقى القوية المتعبة لأعصاب السجناء؟ لقد استغل أحد الحراس هذا المشهد المروع فصوره على عجل، كما صور لقطات أخرى اشتهرت بعد نشرها مباشرة وأحدثت ما سُميّ بفضيحة "سجن أبو غريب" وكان من بين اللقطات المروعة صورة لجاك فارمر وهو يصرخ بوجه غازي ويعنفه الأمر الذي يلفت انتباه صديقته بيتون التي تفغر فاها دهشة حينما تشاهد هذه اللقطة التي ينتهي فيها الفيلم.

 وحسناً فعل المخرج موران حينما ترك للمتلقي إمكانية تخيل النهاية الدرامية لقصة الحب التي كانت تربط بين جاك وبيتون والتي ستنتهي نهاية صادمة حيث ترفض حتماً الزواج برجل كان يعذِّب الناس ويحطّ من كرامتهم البشرية.

هشاشة البناء

يعتمد بناء الفيلم على هيكيلة القصة السينمائية، فكلما كانت القصة رصينة محبوكة كلما كان البناء قوياً أو خالياً من بعض العيوب الرئيسية. فالمشهد الأول الذي رأينا فيه سجن أبي غريب لم يُحِلنا إلى سجن أبي غريب الذي نعرفه في العراق حيث الأرض المحيطة ببغداد سهلة منبسطة على العكس من السجن المكسيكي الذي كان مُحاطاً بمرتفعات وجبال واضحة المعالم شاهدناها في اللقطات العامة الأمر الذي يصيب المتلقي بنوع من الخيبة أو الصدمة الأولية. ولو تجاوزنا هذا الخلل وذهبنا إلى بناء القصة نفسها لوجدنا أن شقها الذي يحدث داخل السجن لم يتطور على مستوى الأحداث والشخصيات إذا ما استثنينا شخصية جاك فارمر الرئيسية بوصفها شخصية مهيمنة تلتف حولها مجمل الأحداث، لكن هذه الشخصية كانت تفتقر إلى النموّ العضوي.

فلقد جاء هذا الشخص بحثاً عن المغامرة والمعنى الجديد لحياته التي كانت رتيبة مملة من قبل، لكننا في واقع الحال لم نرَ مغامرة واضحة أو معنىً حقيقياً، فلقد بلغ عدد الجنود نحو 150 ألف جندي أميركي قد يصادف معظمهم مغامرة هنا أو هناك لأنهم مقاتلون تتربص بهم المفاجآت لكن ما الذي يراه حُرّاس أبو غريب سوى التعذيب الممنهج الذي لا يترك آثاراً على أجساد الضحايا؟ ربما تكون المفاجأة الوحيدة هي تحول جاك فارمر من شخصية إنسانية إلى شخصية همجية متوحشة سوف تنال عقابها على أكثر من صعيد، الأول تأنيب الضمير، والثاني رفض صديقته بيتون الاقتران به، والثالث موقف الأسرة التي ستكتشف أن ولدها الذي ربّته على منظومة القيم الاجتماعية الأميركية قد خيّب ظنها ووضعها في موقف لا تُحسد عليه أبدا.

هل أراد المخرج أن يقول من خلال هذه الشخصية الهشة أن عدد الناس الأميركيين الذين يرفضون فكرة التعذيب الممنهج هم قلة نادرة لا تشكّل شيئاً ضمن التعداد السكاني للولايات المتحدة الأميركية، وأن هذه الشخصية سوف تعود إلى طبيعتها الأصلية لتمارس عنفاً مضاعفاً على السجناء الذين مازالوا في طور الاتهام؟ وهذا الأمر ينسحب على النساء الحارسات في السجن أيضاً إذ رأينا امرأة واحدة في لقطة مبتسرة بينما تستقر في أذهاننا صورة صورة المجندة الأميركية "ليندي إنغلاند" وهي تؤشر بيديها إلى سجناء عراقيين عرايا ومضرجين بالدماء، إضافة إلى صور الترويع بالكلاب البوليسية التي لم تفارق أذهاننا حتى الوقت الراهن

قد يكون السأم فكرة ثانوية مؤازرة في هذا الفيلم لكن المخرج لم يجسدها بطريقة فنية ناجحة خصوصاً وأن الشخصية الرئيسة التي تبدو وكأنها معنية دون غيرها بالسأم قد قالت في أثناء الروي:"نحن لا نقاتل الإرهابيين وإنما نقاتل السأم"! ولهذا رأيناهم غير مرة وهم يرفعون الأثقال أو يتبارون في حلبة الملاكمة، فلقد صُوِّر السجن كمكان موحش لا ماء فيه ولا كهرباء ولا وسائل إتصال حديثة فلابد أن يكون السجناء والسجانين ضحايا سهلة للسأم المروع والفراغ المخيف.

نخلص إلى القول بأن الخلل الأساسي في هذا الفيلم إنما يكمن في قصته السينمائية التي أسفرت عن هشاشة في البناء على الرغم من أنّ أداء الممثلين كان مقنعاً ومستوفياً لكل شروطه الفنية حيث أدى العريف تانر "شون أستِن" دوراً مشابها في وحشيته ولا إنسانيته كما يؤديه أي سجّان ضالع في مهنته، وكذلك بقية الجنود الذين جسدوا بدقة الأدوار التي أسندت لهم. فلا خلل في التصوير أو الأداء أو المؤثرات الصوتية والبصرية وإنما في ضعف القصة السينمائية، وهشاشة بنائها المعماري الذي أسفر بالنتجية عن رؤية إخراجية مشوشة تستدعي المخرج أن يعيد النظر في هذين المفصلين اللذين لا يستقيم من دونهما أي فيلم سينمائي يريد أن يكون ناجحاً فنياً و مؤثراً في أذهان المتلقين ومشاعرهم الإنسانية على حد سواء.

PK مخلوق فضائي يحطّ في الهند .. بلد العجائب

ندى الأزهري

فيلم يثير الجدل في الهند، الاحتجاج والغضب، التظاهر و إحراق ملصقات الفيلم  أحيانا، وبحسب جريدة هندية،  فإن ثمة "حرب افتراضية" قامت كذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الملايين تتدافع لرؤيته.

الممثل النجم عامر خان يقوم بالدور الرئيسي في" PK". 

 مخلوق فضائي على شكل إنسان إنما مع بعض تفاصيل مميزة: أذنان أطول من المعتاد مثلا، عينان لامعتان ببريق غريب... يهبط ليكتشف الأرض وعالمها العجيب فيحطّ به المقام في... الهند! و يالهول ما يكتشف وما يقع عليه بصره من تناقضات مثيرة!

في مكان ساحر غني كشبه القارة الهندية حيث تتعايش ثقافات وأديان وأعراق متعددة، لن يكون مستغربا في شيء كثرة  ما سيثير حيرة هذا المخلوق بل  ذهوله. لكن تركيز الفيلم على النواحي الدينية  وممارسات أتباع الديانة الهندوسية بالذات أثار احتجاج الحركة القومية الهندوسية و لجوء ناشط فيها إلى العدالة في دلهي. لكن المحكمة العليا رفضت الاتهامات التي تصف الفيلم بأنه " دعوة إلى كراهية مجموعة ( محددة)".

أيضا اغتاظ البعض  من قصة الحب التي ربطت بين مسلم باكستاني وفتاة هندوسية من الهند وربما من تلك القبلة بينهما فوق جسر على قناة في بروكسل، وهو أمر غير معهود في السينما الهندية حيث "الايحاء" بالقبلة هو الأكثر شيوعا.  

هذا الجدال والاعتراض لم يمنعا الفيلم الذي أخرجه راج كمار حيراني أن يكون من أكثر الأفلام التي حققت الإيرادات في تاريخ السينما الهندية ( 99 مليون دولار بعد حوالي شهر ونصف من عرضه). كما بلغ الإقبال عليه درجة اتُّهمت معها دور عرض باللجوء إلى أسلوب البيع بالسوق السوداء وتعليق لافتة" كامل العدد" بعد عشر دقائق من فتح كوة البيع وهذا لتسهيل بيع البطاقات بأسعار مبالغ بها .

بلد العجائب

تحط عربة الفضاء بـه في إقليم راجستان، في هذا القسم  من الفيلم  تتمّ أول مواجهة مع لا أخلاقية البشر وشرورهم فتسرق منه ميداليته التي توصله بعالمه الفضائي.. تبدو الشخصية هنا بعينينها شديدتي اللمعة بخضرتهما الزجاجية وأذنينها النافرنين ، وعضلاتها المفتولة والمنفوخة، بريئة في نظراتها ساذجة في سلوكها وهي ترى العجب في بلد العجائب وفي هذه المخلوقات التي أمامها والتي تعجز عن فهمها

في القسم الثاني يتغير المكان ليصبح العاصمة دلهي بكل فورانها وصعوبة الإحاطة بها حتى لساكنيها فكيف لهذا المخلوق " البريء"؟

الشخصية  تثير التعاطف  طوال الفيلم بحركاتها الساذجة واندهاشها و سذاجتها أمام المكر البشري... إنما يفهم سريعا أن الهدف من الفيلم والذي حقّق له كل هذا الإقبال الجماهيري ، ليس دراسة الشخصية، فهي على أية حال مفتعلة وأي فعل صادر عنها مقبول سلفا نظرا لغرابتها. الهدف  كان إبراز تناقضات البلد والممارسات فيه، الدينية منها على وجه الخصوص.

PK لا يفهم الناس المفتونين بطقوسهم، المشغولين بها. فهو لا يستطيع التمييز بين الهندوسي والمسلم والمسيحي والسيخ و الجايين... ولا يفهم لما يطالب رجال الدين أتباعهم بدفع الفلوس ويندهش لهذه المواجهات التي تحصل بين " مؤمنين" و"مؤمنين"! ويذهب بكل براءة إلى مستشفى الولادات ليرى هل ثمة فروق في هذه المخلوقات الجديدة تحدد  انتمائها الديني منذ الولادة؟ كل هذا يتم في إيقاع سريع، لاهث يستغني بالصورة أحيانا عن أي حوار.

وتُميّزُ الفيلم بضعة مشاهد ذات دلالات  قوية.  فحين يراقب البطل الناس في مراكز العبادة يحاول التصرف على شاكلتهم للتقرب منهم. لقد لحظ في الكنيسة أن الناس يقدمون النبيذ وهو لا يفهم فيما بعد  لما قام بعضهم بمطاردته لضربه حين حمل زجاجة من النبيذ وذهب بكل نية حسنة لتقديمها في المسجد! و المشاهدون لا يكفون عن الضحك، مواقف كتلك امتلأ بها الفيلم فهو اعتمد الكوميديا لتمرير خطابه القاسي تجاه الممارسات الدينية واستثمارها لظاهرة الخوف من الإله لدى الفرد كي يحقق البعض أرباحه وسيطرته.

ولم يوفر الفيلم أي دين لكنه ركزّ على ظاهرة " الغورو"( رجل دين مؤثر وله أتباع) في الديانة الهندوسية، كما لعب على وتر حساس في الهند وهو العلاقات الهندية الباكستانية عبر قصة الحب التي جمعت بين الباكستاني والفتاة الهندوسية (الصحافية التي ساندت رجل الفضاء في صراعه مع البشر وشرورهم) و أظهر السيناريو الباكستاني كشاب مخلص أخلاقي، ما يناسب العلاقات الحالية بين البلدين كما علق ناقد بمكر.

الفيلم لا ينكر الأديان ولا الرب بل كان على العكس حريص على القول بأن الإله بريء من تأويلات عباده والدين بريء من سلوكهم. وهو لا يمكنه أصلا سوى مسايرة المشاعر الشعبية في هذا الخصوص. المسايرة كانت كذلك في اعتماد الخلطات السحرية للفيلم الهندي الشعبي من قصة حب رومانسية مع الاستعانة بالموسيقى و ببضعة أغان ورقصة على الأقل مع  كاميرا تلهث وراء أبطالها.

عامر خان من الممثلين الذين يقال هنا أنهم يفكرون جيدا قبل قبول الدور. وهو، كما صرح في مقابلة لجريدة هندية لا يبحث عن المضمون الاجتماعي أو الرسالة التي يقدمها الفيلم بل عن الشخصية التي يجسدها ويعبر عن ذلك بقوله" الكاتب والمخرج هما من يريد قول رسالة ما وأنا أنضم إليهما". وفي معرض رده على الاحتجاجات التي طالت الفيلم اعتبر أن لابد أن تحتج مجموعة ما على كل فيلم" وأن هذه هي الديمقراطية و"من له رأي فليكن ومن لم يحب الفيلم فليس عليه مشاهدته".

اتهم الفيلم أيضا بأنه لم يركز على أحوال المسلمين، ولو بيّنها كما فعل مع الهندوس" لكانت فتوى ربما ستقضي عليه" كما علّق أحدهم!

الجزيرة الوثائقية في

17.02.2015

 
 

دلالات فلسفية في السينما المعاصرة

محمد الغريب

تثار اسئلة كثيرة حول علاقة السينما بالفلسفة، والعكس، وليس هناك اجابات شافية، لهذا الجدل الذي لا ينتهي، أننا بصدد دراسات وابحاث حول السينما الفلسفية، او فلسفة السينما، وليس نظريات او اقترابات، حيث هناك حالة عدم نضج هذه العلاقة علي الاقل نظرياً، حيث الكتابات تحاول فك الشفرات، والاقتراب قليلاً من هذه العلاقة الشائكة، ولكن واقعيا في صناعة الافلام، سنجد العديد من المخرجين الكبار، يتجادلون مع الفلسفة، ويصنعون رؤي خاصة بهم، تدل علي مخرجين مفكرين، وفلاسفة عظام لديهم قدرة التعبير عن افكارهم الجادة بالصورة السينمائية.

تأتي العلاقة بين السينما والفلسفة علي اكثر من صعيد، منها تأثير السينما علي الفلسفة، وتفاعل الرؤي والافكار بينهما، وسنجد الكثير من ذلك في العديد من الافلام ذات الطابع الفلسفي، والتي قد يكون البعض منها له تأثير علي الفلسفة ذاتها، أو علي التفكير الانساني العادي، والنقد الفلسفي للسينما، بالاضافة إلي علاقة الخطاب الجمالي بالخطاب الفلسفي داخل السينما وأيضا المساحة الجمالية وعلاقتها بالسينما التجارية، وهو ما يستعرضه المقال.

علاقة السينما بالفلسفة

ساعد كثير من الافلام في تقديم رؤي فكرية حول عدد من المسائلات والجدليات الفلسفية، حتي اصبحت هناك افلام تساعد في فهم الخطاب الفلسفي وتعقيداته، علي أكثر من مستوي، وهو ما  يستوجب تحليلاً باطنياً عميقاً. ويري الفيلسوف المعاصر ادغار موران أن السينما حالمة ومستيقظة في نفس الوقت وأنها تجمع بين الحلم والواقع. ورغم كونهما منبثقتين من عالمين مختلفين فإن السينما والفلسفة تتقاسمان لغة مشتركة داخل عالم محايد.

والسينما ليست انعاكسا حرفياً للواقع، فالمخيلة الابداعية السنيمائية، تعطي للمادة الفيلمية القدرة علي تخيل الواقع، وخلق عوامل فلسفية متعددة، وهي بذلك تخلق مساحات جديدة للتأمل الفلسفي والفكري، مثلها مثل الادب والفنون الاخري، هي ايضا لديها مساحتها الجديدة بعيدا عن الواقع المفرط والمصمت.

والتفكير بالصورة عبر السينما، مختلف عن التفكير الانساني العادي، او التفكير الفلسفي،  وليس لأحد ميزة عن الأخر، انما هناك حالة اختلاف بينهم، فالافلام ذات الطابع الفلسفي، اصبحت تقدم رؤي فكرية جديدة، وتعبر عن تفوق السينما احيانا علي الفلسفة، فالمخرج  الروسي اندرية تاركوفسكي استطاع عن طريق المجاز الفلسفي والادبي والشعري أن يخلق مجاز سينمائي بصري رائع، في افلامه، وغيره من المخرجين الكبار مثل برجمان، وانطونيوني وأخرين.

النقد الفلسفي للسينما

الفلاسفة اللذين تناولوا السينما في موضوعاتهم، وجهوا نقدا للسينما، ومن ابرزهم فلاسفة مدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة فلسفية المانية، تسعي الي توجيه النقد الاجتماعي لكل الافكار التي تخص المجتمع والافراد، وكان النقد لهذه المدرسة حول ان السينما بها كثير من الصور والتخيلات البعيدة عن الواقع والحقيقة، فهي صورة مزيفة، وكان هذا النقد موجهاً بالاساس الي الافلام الدعائية والتجارية، فكان هناك تخوف من تحول السينما إلي صناعة استهلاكية لصالح جهات معينة تريد الترويج عن افكار محددة، وذلك تبتعد السينما عن رسائلها الفنية والاخلاقية والتوعوية.

وعلي محور أخر، وجه النقد للسينما بأنها غير قادرة علي التفكير والتفلسف بالصورة، وأنها غير ناضجة لهذه المهمة الجادة، وذلك لعدم الثقة في الصورة والحكاية علي خلق عالم تأملي وفكري، وأن اذا حاول الفيلم التفلسف، سيفقد كثير من جمالياته المتعددة، وذلك غير صحيح، حيث استطاع عدد من المخرجين الكبار مثل تاركوفسي وبرجمان وجودار، أن يترجموا افكارهم الفلسفية الي بصريات تأملية، صور سينمائية رائعة، فأصبحت السينما مصدر تفلسف،  فمثلا المخرج الفرنسي جودار انتقد الفلسفة الوجودية، وتنبأ بانهيارها قبل ان تظهر مظاهرات مايو 1968 في فرنسا، وذلك خلال فيلمه "تعيش حياتها".

اشكالية تجاوز السينمائي ما هو فلسفي 

اما تجاوز السينما للخطاب الفلسفي، وليس النقد الفلسفي، هو تجاوز غير شامل، فمازال الابن السينما يحتاج الي الاب الروح الفلسفية، وذلك لاسباب عدة، أن التفلسف نفسه يأتي من كلمة فلسفة، فالخطاب الفلسفي السينمائي نفسه يخضع لعقلية مخرج متفلسف يملك الروح النقدية، والتأمل الفلسفي، وذلك يعتبر من روح الفلسفة، وايضا يستعين المخرج بالافكار الفلسفية، علي اكثر من مستوي، بجانب الروح النقدية للافلام ذات الطابع الفكري تجاه الخطابات الفلسفية المتنوعةـ فالتجاوز هنا لا يقارن بالتجاوز في البصريات والافكار الخيالية وعالم الاحلام اكثر من التجاوز في الفكرة، حيث تصبح الذاتية اكثر هنا، رغم نظريات الجمال والفن في الفلسفة، الا ان اكثر فعل ذاتي يملكه الفيلم هو البصريات، والجماليات.

وايضا يتسمعالمنا الحالي بأنه عالم مابعد حداثي بامتياز، وأن الاعلام والصورة تتحكم في حياة البشر، ففي الشكل العام للفلسفة لا تستطيع تجاوز هذه الشروط والسمات التي تغلف روح العالم، وذلك ينعكس علي تجاوزات السينما الفلسفية فيما يتعلق بالتفلسف، والواقع يتميز بالافراط، ويشكل الانسان نفسه، الذي يصفه الفلاسفة بأنه مات امام الاشياء والعالم، وما تبقي منه سوف يفكر بالصورة ، التي تسيطر عليه.

وسيحتاج الانسان الي الخيال والاحلام، وهي سمات السينما الاساسية، فستكون المعالج الروحي له، خاصة الافلام ذات النزعة الجمالية الفكرية، او الافلام ذات الطابع التأملي والفلسفي،  ليري نفسه المفكرة في الصورة، وفي الخيال، وليجد ذاته المفكرة هناك تناديه، وتنتظره بشغف، وترممه مرة أخري، حتي يصبح انسانا مرة أخري، فتفاعل الصورة الجمالية والبصريات مع الفكر سيجعل الذهنية المشهدية تعيد حساباتها مرة أخري بعد ان خسرت معركتها مع الاشياء والواقع والعقلانية.

الخطاب الجمالي والخطاب الفلسفي داخل السينما

بالنظر الي اعمال المخرجين الكبار، نجد ان المضمون الفلسفي للفيلم، صنع وحدات جديدة للجماليات، هناك تجزئة جمالية، خطابات متنوعة، وذلك يرفض بالضرورة مقولة أن الفكرة الفلسفية تفسد التلقي الجمالي للصورة، فالفكرة الفلسفية نفسها تصنع جماليات مضمرة في متاهة جديدة، فهناك ربط بين ما يحدث بين الصورة والفكرة داخل ذهن المشاهد، فالخطاب الجمالي يظل أسير وجوديته. فلدي جودار التواصل الذهني للفكرة الفلسفية تصنع جماليات تخص الفكرة الفلسفية، هو يناقش قرار الانسان وحريته والوجودية، فتجد ان التواصل حول الفكرة يصنع جمالاً خاصاً بهذه المناقشة الذهنية لدي المشاهد، وهذا التواصل ليس تمظهراً، انما هو مضمراً لدي اللقطة ولدي المشاهد.

وهناك عامل متعلق بالجماليات الذاتية للمخرج، فالنظرة الاخراجية شديدة الجمالية بالتمازج مع المضمون الفلسفي، تصل الي حدا ما بالكمال السينمائي، وهذا ما نجده لدي انطوينوني الذي جمع بين الجماليات والمضمون الفلسفي، وايضا لدي جارموش. اذا النظرة الجمالية لا تتنافي مع الفكرة الفلسفية.

من الممكن ان يتميز المخرج بذاتية فكرية عميقة، تولد خطاباً فلسفيا خاصا في الفيلم، وبذلك ليس هناك حاجة للقول بأن الفيلم طبق نظرية او فكرة فلسفية معينة موجودة، ونوع أخر من الافلام قد تأثرت بفلسفة ما، أو توجه أدبي أو قصص أدبية معينة.  

الجماليات توجد كما سبق الاشارة بالتواصل والجدلية بين ذهنية المشاهد والفكرة الفلسفية، والعقلية الفلسفية الفيلمية المستقلة مثل لدي جارموش وانطونيوني وارنوفسكي تصل الي الجمالية الكلية، حيث الاستقلال الفلسفي للفيلم لا يعطي مساحات للتناقض في الجماليات او جدلية جمالية فلسفية متناقحة، تستلزم ارباك وتعقيد ما يستعدي خطابات الرغبة والغيرة والغربة.

المساحة الجمالية والاستهلاك السينمائي

المساحة الجمالية المستقلة وغير المستقلة للعقل الفيلمي الفلسفي تتميز بالتذوق النخبوي دائما، وانها خالية من التشويق وتسير في طريق الملل، وتبعد عن التأمل الشعبي، وهذا صحيح الي حد كبير، ولكن لا يعني ان هذه الافلام غير مؤهلة لعدد غفير من الجمهور العادي، الذي يتعين عليه التخلص من الميل السطحي والتجاري في الافلام العادية، التي لا يمكن مقارنة جماليتها بجماليات الافلام الفلسفية،

واذا تخلص المشاهد العادي من الفيلم الاستهلاكي ، ستستقل جماليته استقلالا جيدا، ويتجه في الحال الي الافلام ذات الطابع التأملي الفكري، التي تتضمن، دعوة الي التحرر الجمالي ودون وجود وصاية واداة هيمنة علي المتلقي، حيث يحصل المشاهد علي المتعة الجمالية بشكل مرهق ومجهد، وهذا المجهود يؤكد علي استقلالية الذائقة الجمالية واختلاف درجاته من مشاهد الي مشاهد أخر، حيث مساحات التأويل والتفسير تملئ المشهدية الفلسفية، مما يعطي مساحات حريات في التفسير والذائقة الجمالية.

ويجب أن تكون أداة التفكير متوفرة لدي وعي المشاهد، وان تنتهي السلطوية السينمائية المتمثلة في الجانب التجاري للافلام، التي تستبعد الذائقة الجمالية لدي المشاهد إلي اقصي درجة، وتكون المتعة السريعة هي الهدف، والاساس، وهنا تكون وظيفة الفنون هي الاستهلاك التجاري، والعبودية الجمالية للمخيال والحسية البشرية، والحرية الجمالية مكلفة، ولكنها تستحق يبذل ورائها المشاهد كل جهده، حتي يحصل عليها، ليقول علي نفسه أنه يشاهد فناً وفيليما سينمائياً ناضجا ورشيداً.

وبعد انا استعرضنا الخطاب الفلسفي والجمالي، وانقسام العقل الفلسفي الفيليمي الي مستقل جزئي، ومستقل شامل، نستعرض بعض شروط العمل الفلسفي الفيلمي: من خلال شرطين فنيين هما الصورة البطيئة والكادرات الواسعة.

العقل الفيلمي الفلسفي والصورة البطيئة

كلما زادت اللقطات البطيئة في الفيلم،  يحدث التحرر الجمالي، بشكل طردي، حيث التحرر من سلطوية الزمن نفسه، يعطي تحررية ذاتية للمشاهد، وهذا يحدث تلقائياً، لان المشاهد يشعر أنه يعيش الحدث نفسه وأنه جزء من كينونة الزمنية الفيلمية، فليس هناك حاجز زمني بينه وبين الفيلم.

كما أن الصورة السريعة والتلاعب بالزمن من اجل التشويق لا يعطي فرصة للتفكير، ويصبح المشاهد يريد فقط اللهاث واللحاق بالفيلم والاحداث، وذلك، لزيادة مساحات الاحداث المتلاحقة والميل الدائم للشغف الجمالي السريع، حيث تتوغل الصورة السينمائية، داخل الفكر، دون مساحة للتفكير الذاتي، ويكون الفيلم علي رأس المشاهد، يشاهده في وقته المحدد، فالسيطرة الفيليمية تكون شاملة ليس فقط في الذائقة الجمالية، فهناك هيمنة علي الفكر، المساحة المحددة للمشاهدة، الخيال، الاحلام.

الصورة البطيئة تعطي كل الفرص والمساحات للمشاهد، حيث المكان يبقي كما هو، فتكون الرؤية واضحة وملمة بكل التفاصيل المكانية، فيتحرر استيعاب المشاهد لتفاصيل المكان في الفيلم، ويصبح الخيال والوعي الحلمي في اقصي نشوته، ويتأملها جمالياً بصرياً وخيالياً، وتزداد النشوة، كلما اصبحت التفاصيل فوق بعضها البعض، يعني وجود رمزيات في الصورة البطيئة المحملة بالتفاصيل الغير المتلاحقة، لتكون هناك عوالم جديدة ومتنوعة من عالم واحد في الفيلم، هذا التوليد يأتي فقط مع تحرر وعي وذائقة المشاهد في الصورة البطيئة.

عمق الكادرات

بالتوازي مع الصورة البطيئة، وتوقف الزمن، تأتي اهمية اللقطات ذات العمق الطويل التي تحتوي تفاصيل كثيرة من الاشياء وشخصيات الفيلم، وخاصة اللقطات التي تزداد اتساعا تدريجيا، وذلك اتساقا مع قدرة الفرد علي رؤية الاشياء وادراكها بصرياً، بمعني أن العين اذا دخلت حجرة ونظرت للتفاصيل، تزداد الاشياء ادراكاً مع مرور الوقت حتي تستوعب العين كل التفاصيل. وهذه اللقطات تؤثر ايضا علي حسية المشاهد، ويكون هناك فرصة للتأمل، واثارة البعد الفكري، بالاضافة الي الابعاد الجمالية الغير محدودة.

فمثلا المخرج المجري بيلاتار، استطاع أن يتلاعب بالاتساع التدريجي، في لقطاته الواسعة والمتوسطة، فالشخصيات والتفاصيل تزداد، وتكون في علاقات مراقبة او مشاهدة، او صدفة، او علاقات مكانية وزمانية، حتي تكتمل الصورة السينمائية في ذهنية المشاهد، وايضا لدي المخرج الفرنسي تريفو الذي تميز باللقطة المتوسطة، حيث يتابع المشاهد الحدث بحميمية، وتأتي اهمية الاتساع التدريجي بأنه عصب الكادرات الواسعة والمتوسطة، او بمعني اصح هو رمانة الميزان، فيتماشي مع مقاسات الكادرات الفلسفية بأنواعها.

بجانب تداخل الاتساع التدريجي في الكادرات الواسعة والمتوسطة، يأتي منطق وجود اللقطة القريبة ضمن هذه الكادرات الفلسفية، ليكون هناك تداخل بين ثلاثة انواع من الكادرات، حيث يحدث نوع من الهدوء والتخفيف الدرامي ويقلل من الارهاق البصري، ويعطي مساحات من التشويق للحدث، ولكن يجب أن تكون الكادرات الفلسفية في التداخل لها الاولوية، حيث مساحاتها اكثر في الفيلمية الفكرية.

خلاصة حول الجماليات والتفلسف الفيلمي

وبالنظر الي فكرة الفيلم الفلسفي المستقل الذي يعتمد علي ذاتية المخرج كما سبق شرحه، والذي يولد جماليات غير جزئية وكاملة، بعكس الفلسفية الفيلمية غير المستقلة، نجد أن فلسفة الكادرات الواسعة والصورة البطيئة تتحقق بشكل مريح دون اي عوائق، حيث يمازج المخرج بين ذاتيته الفكرية والجمالية الخاصة وبين التعامل مع الكاميرا، وتنخفض المساحات الفلسفية الخارجية، كما عند انطونيوني وبيلاتار وبعض افلام لارس فون تريير، وتاركوفسكي، فتكون الكاميرا هي المساحة الاكبر لتفكير المخرج، وتكون البصريات هي المكون الرئيسي لفلسفة الفيلم.

ويكون الامر مختلفا مع الافلام التي تركز علي الفكر الفلسفي اكثر من الحكاية بالصورة، حيث يميل الفيلم الي العنف البصري، بالمونتاج القاسي مثل بريسون وجودار، حيث تزداد مساحات الرقعة الفلسفية، وتكون الجماليات البصرية جزئية، ويكون استخدام الكادرات الواسعة والصورة البطيئة صعبا حيث تغلب السمة الفلسفية المباشرة، ومساحات الافكار الكثيفة، والمضغوطة في المشهدية، وتنسحب مساحات اللقطات الجمالية الفلسفية المتضمنة للكادرات الواسعة والاتساع التدريجي لصالح الفكر الفيلمي العميق، لتعتمد الجماليات علي تواصل الذهنية الفرجية لدي المشاهد والفكرة الفلسفية للفيلم بالاساس.

عين على السينما في

17.02.2015

 
 

بالصور ..قيثارة الغناء العربي .. محطات ليلى مراد

بالصور.. ليلى مراد ..قيثارة الغناء العربي.. من "قلبي دليلي" إلى "من بعيد يا حبيبي بسلم"

عبد الرحمن بدوي

يا تُرى هل كانت بنت الريف، أم بنت الأكابر، أم بنت الفقراء، أم ليلى مراد؟، أبرز نجمات السينما المصرية الكلاسيكية في فترة الأربعينيات، والتي نحتفي اليوم بذكرى ميلادها الـ 97، حيث نرصد مشوار حياتها بالصور. 

من حي محرم بك في الإسكندرية ولدت "ليلى مراد" واسمها الحقيقي "ليليان زكي مراد موردخاي" في مثل هذا اليوم من عام 1918م، لأسرة يهودية الأصل فهي ابنة الملحن المعروف "إبرا هام زكي موردخاي" أو "زكي مراد"، وشقيقة الفنان "منير مراد".

يعد فيلم "غزل البنات" الذي شاركها فيه أنور وجدي ونجيب الريحاني وسليمان نجيب، من أهم أفلام السينما المصرية، وتم اختياره كتاسع أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

زكي مراد، وداود حسني، ومحمد عبد الوهاب، ويوسف وهبي، محطات رئيسية في مشوار " قيثارة الغناء العربي"، فالأول والدها الذي تعلمت على يده الغناء عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها، بصحبة داود حسني الذي وصلت من خلاله إلى الغناء في الحفلات الخاصة والعامة، كما تقدمت للإذاعة المصرية التي نجحت بها كمطربة عام 1934م لتسجل بعد ذلك اسطوانات بصوتها, وكانت أولى الحفلات الغنائية التي قدمتها في الإذاعة موشح بعنوان "يا غزالاً زان عينه الكحل"، لتبدأ المرحلة الثالثة عندما تعرفت على الموسيقار محمد عبد الوهاب، خلال حفلاً غنائياً أقامه لها والدها على مسرح القاهرة عام 1932م، فكانت بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمشوارها الفني، حيث اتفق مع والدها على أن تكون هي مشروعه الفني، فوقع معها عقداً لتلعب دور البطولة عام 1937م في فيلم "يحيا الحب" ثم وقعت معه عقداً بعشر اسطوانات ليكون بذلك أول من فتح لها باب الشهرة والمجد.

جمال صوتها كان سببًا رئيسيًا في عدم ظهور موهبتها في التمثيل حيث لم ترق أدوارها في بداية مشوارها السينمائي، إلى روعة صوتها، إلا بعد أن تعرفت على المسرحي الكبير يوسف وهبي، الذي طلب منها المشاركة في فيلم "ليلة ممطرة"، لتصبح بعد ذلك من أشهر نجمات السينما المصرية، حيث بلغ رصيدها الفني حوالى 27 فيلمًا.

وعندما نتكلم عن الشخصية الأكثر تأثيرًا في حياة الفنانة ليلى مراد لا بد أن نتذكر الراحل أنور وجدي الذي لم يكن أحد أزواجها فحسب وإنما كان ثنائيها في العديد من الأفلام التي أثرت الشاشة العربية، حيث قدمت ليلى مراد واحدا من أنجح الثنائيات السينمائية التي ظهرت في الأربعينات عندما تعاونت مع الفنان الكبير أنور وجدي والذي كان فتى الشاشة الأول لفترة كبيرة من الوقت بلا منازع حتى انقطعت علاقتهما بالطلاق في أوائل الخمسينات وأصبحت أغاني تلك الأفلام من أشهر ما قدمت ليلى مراد على مدار تاريخها الفنى.

وقد تزوجت الفنانة ليلى مراد من الفنان أنور وجدي عام 1945 واعتبرت هذه الزيجة واحدة من أشهر الزيجات الفنية زواج أمير الانتقام من ليلى بنت الأغنياء، ويقال أن أنور وجدى طلب يدها أثناء قيامهما ببطولة فيلم "ليلى بنت الفقراء عام 1945وتحديدًا أعلن أنور وجدى نبأ الزواج بعد مشهد زفة للعروسين في نهاية الفيلم، واستمر زواجهما حوالي السبع سنوات حتى انفصلا.

وجاء زواجهما بعد أن قاما معا ببطولة عدد من الأفلام هي "ليلى بنت الريف" عام 1941 و"ليلى" عام 1942 و"ليلى في الظلام" عام 1944 و"ليلى بنت الفقراء" عام 1945. أما الأفلام التي جمعت بين أنور وجدى وليلى مراد بعد زواجهما فهي لاتتعدى 6 أفلام هي "ليلى بنت الاغنياء" عام 1946 و"قلبي دليلي " و"عنبر" عام 1948 و"غزل البنات" عام 1949 و"حبيب الروح" عام 1951 و"بنت الأكابر" عام 1953، ثم تزوجت من وجيه أباظة الذي أنجبت منه ابنها "أشرف"، ثم فطين عبد الوهاب وأنجبت منه زكي فطين عبد الوهاب.

كما شكل حسين صدقي وليلى مراد ثنائياً جميلاً، حيث اشتركا في عدة أفلام تحمل طابعًا رومانسيًا لعل أشهرها فيلم "ليلى في الظلام" عام 1944.

وفي العام 1950 قاما ببطولة فيلم "شاطئ الغرام"مع تحية كاريوكا ومحسن سرحان وسميحة أيوب والذي حقق نجاحا كبيرا بأغانيه وأشهرها بحب اثنين سوا، كما سميت الصخرة التي غنت عليها هذه الأغنية باسم ليلى مراد في مرسى مطروح وقدما في عام 1951 فيلم "آدم وحواء" مع ماري منيب وإسماعيل يس، وعام 1955 كان آخر أفلام ليلى مراد في السينما فيلم "الحبيب المجهول" مع حسين صدقي وانطلقت خلال هذه الفترة، الكثير من الشائعات عن أن هناك قصة حب كبيرة بين البطل والبطلة تدور على أرض الواقع خاصة بعد حدوث مشكلات كبيرة بين ليلى ومراد وزوجها أنور وجدي أدت إلى الطلاق. 

قدمت "ليلى مراد" حوالي 1000 أغنية، ومن أهم الأغنيات التي تغنت بها: (يا أعز من عيني- قلبي دليلي- يا شاغلني وأنا شغلاك- حيران- أتمخطري يا خيل– شحات الغرام- قلبي لقلبك مال- من بعيد يا حبيبي بسلم- عيني بترف- طيار- بتبص لي كده ليه).

ومن أبرز المحطات في حياة الراحلة "ليلى مراد" هو إعلان إسلامها عام 1946م حيث توفيت مسلمة، بالإضافة إلى اتهامها عام 1956 بالتبرع ماديًا لإسرائيل إلا أن التحقيقات أثبتت براءتها من كل ما نسب إليها من اتهامات. 

وفي 21 نوفمبر عام 1995م توفيت ليلى مراد عقب سنوات من اعتزال الحياة الفنية والإعلامية حيث اكتفت بالعيش وحيدة تربى ابنيها، بعيدة عن العيون والشائعات حوالي أربعين عامًا.

بوابة الأهرام في

17.02.2015

 
 

محمد أبو سيف: لم يخطرني أحد بسحب "هز وسط البلد" من بعض دور العرض.. ولا يوجد دور للنقابة أو الغرفة

سارة نعمة الله

"لم يخطرني أحد بشيء.. وليس لدي تفسير للأمر لأن السينما ملهاش صاحب". هكذا علق المخرج محمد أبو سيف على سحب فيلمه "هز وسط البلد" من بعض دور العرض السينمائية، بعد طرحه نهاية يناير الماضي. 

وأضاف أبو سيف في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" أن صناعة السينما أصبح كل شخص فيها يتصرف حسب مزاجه الشخصي، وأنه لا يوجد دور لأحد سواء نقابة المهن السينمائية أو غرفة صناعة السينما رغم كونها المسئولة عن حماية وتطوير صناعة السينما. 

وبسؤال أبو سيف حول ردود الأفعال عن فيلمه، وعما إذا كان سحبه من بعض دور العرض سيجعله يصرف النظر عن العودة للسينما من جديد، قال: الحمد لله ردود الأفعال كانت إيجابية، ومن غير المعقول أن أصرف النظر عن السينما وأحبط وأتجه إلى العمل التلفزيوني، لأنه إذا فعلنا جميعنا ذلك فإن الصناعة ستنهار. 

جدير بالذكر أن فيلم "هز وسط البلد" بطولة إلهام شاهين وزينة وفتحي عبد الوهاب.

بوابة الأهرام في

18.02.2015

 
 

أحلام الناقد السينمائي وأخطاؤه

محمد بنعزيز

تتحدث الصحافة عن الأفلام، لكن نادرا ما يتم تحليل طبيعة هذا التناول الإعلامي. في هذا المجال يمكن التمييز بين الخبر السينمائي والنقد السينمائي.

يكتفي الخبر بإعادة نشر الملف الصحفي للفيلم. أي اسم مخرجه ومنتجه وكاتبه وأسماء الممثلين الرئيسيين والسينوبسيس ثم المهرجانات التي عرض فيها الفيلم والجوائز التي حصل عليها، وقد تضاف أحيانا ملاحظات عن درجة حضور الجمهور... فالجمهور هو المعيار الأول لنجاح الأفلام، والمعيار الثاني وهو جوائز المهرجانات. أما المعيار الثالث الذي يحمي الأفلام من الشيخوخة فهو الكتابات النقدية عنها. فالنقد يخلد الأفلام التي يركز عليها، كما حصل لأفلام أوسن ويلز "المحاكمة" و"المواطن كين".

فمن هو الناقد السينمائي وكيف يفعل ذلك؟

"الناقد السينمائي هو الذي يذهب ليشاهد الفيلم ثم يجلس ليضع وجها لوجه: العمل الفني وذاتيته التي ستلْهم كتابته" هكذا يجيب جون ميشيل فردون في كتابه "النقد السينمائي". أما عن كيف يفعل ذلك فيشرح الكاتب أن النقد السينمائي يهدف إلى وصف الأفلام وتقويمها وفق معياريْ الذوق والمعنى. وبذلك يصير الناقد وسيطا بين المتفرج والعمل الفني بغرض تسهيل تلقي الفيلم. كما أنه يبرز جماليات السينما ويكشف مظاهر التجديد فيها.

لذا فالنقد أساسي في حضارة الصورة التي نعيشها خاصة وأنه ينبه للإثارة السلبية التي تصيب المتفرجين الذين يفتقدون الحس النقدي.

وحين يتحقق هذا، فإن الكتابة النقدية تكون غنية لأنها مبنية على منهج ومفاهيم.

وهذه الكتابة تنجز وظائف: تدفع المخرجين للبحث والتدقيق، تساعد الممثلين على الإبداع، وتمكن المتفرج من التصالح مع الشاشة... حين أكتب عن الأفلام أحلم بهذا، وحين تتاح لي الفرصة لمشاهدة الفيلم مرتين وأكثر أشعر أني اقتربت من الهدف. وقد تشكل تصوري للنقد السينمائي من مطالعة كتب أساسية في تاريخ النقد السينمائي الذي لعب فيه نقاد ومخرجو الموجة الجديدة في فرنسا دورا كبيرا.

أولها "ما هي السينما؟" 1962 لأندري بازان منظر الموجة الجديدة، مؤسس مجلة دفاتر السينما، كان يحلل الأفلام بدل أن يقول هذا فيلم جيد أو سيئ... في كتابه يتحدث بازان بتفصيل عن علاقة الرواية والسينما، عن الواقعية الإيطالية ويستخلص أن الواقعية أسلوب لا موضوع. يناقش كتابة السيناريو وضرورة أخذ معارف رجل الشارع بعين الاعتبار وذلك لكي يخرج المتفرج من قاعة السينما أفضل مما دخل... يدقق بازان بشكل هائل في خصائص اللغة السينمائية، يميز بين الكادر الثابت في الرسم والكادر المتحرك في السينما. يحيّي ثورة التقطيع لدى أورسن ويلز ويميز بين التقطيع الوصفي والتقطيع التحليلي، يميز بين المونتاج الجدلي والموازي.

يفحص طريقة إدارة الممثل والسبب الذي يجعل الكاميرا تتبعه، يتساءل عن الصلة بين أسلوب المخرج وذهنية البطل. يؤكد على دور الديكور في نجاح الأفلام وعلى دور الفكاهة في السيناريو والإخراج... ويتساءل إلى أي حد يعكس أسلوب الإخراج وبنيته وجهة نظر المخرج.

هذه هي قضايا النقد السينمائي. ولا مكان لهذه القضايا في أخبار السينما التي غالبا ما تكتفي بالإشارة لموضوع الفيلم. لذا لم يكن بازان الناقد المرجعي الكبير يتحدث عن القصة فقط وبالتالي ينسب الفيلم للسيناريو بل كان يتحدث عن الديكور والإضاءة والأداء ومواقع الكاميرا... وبذلك ينسب الفيلم للمخرج. وهذه نقلة هائلة من الموضوع إلى الشكل في مجال النقد السينمائي.. هكذا ساهم بازان في تشكيل ذوق الجمهور وترقيته فنيا. بل إن إن فرونسوا تروفو يذهب إلى أن توجيهات بازان قد أثرت على المخرجين الذين عاصروه والذين جاؤوا بعده... حين يتحدث يبدو المخرجون الكبار جون رينوار ولويس بونويل وربيرتو روسيليني كتلاميذ أمامه... إن من يطالع بازان يتعلم تقنيات الإخراج أيضا. وسيتعلم أشياء تغيب حتى عن المخرجين الذين يحاولون تقديم ماستر كلاس بئيس.

ثاني الكتب هو "النقد السينمائي" 2001 الذي بدأت به. وفيه يحدد فرودون مهام الناقد، فهو يرى أن النقد السينمائي أساسي وبفضله تساهم العقول المسلحة بالحس النقدي في تمكين كل مشاهد من إضاءة أفكاره الخاصة عن الفيلم. ويضيف فرودون أن من مهام الناقد إبراز جماليات السينما والتحريض على التفكير انطلاقا من العمل السينمائي لفهم الذات والعالم المحيط بنا. وبذلك يفتح النقد متخيل العمل الفني ولا يقمعه. كما أن الكتابة النقدية المستقلة تشجع المخرج الشاب عبر شرعنة عمله، حتى لو لم ينجح جماهيريا، مما يشجع المنتجين السينمائيين على دعمه أيضا.

هكذا يقدم فرودون - الذي كان رئيسا لتحرير مجلة دفاتر السينما الصادرة في باريس - تفصيلا شاملا لمهام الناقد السينمائي.

أما الكتابان الثالث والرابع فمن تأليف فرونسوا تروفو وهو ناقد سينمائي انتقل للإخراج وكان من رواد الموجة الجديدة في فرنسا وحصل على جائز الإخراج في مهرجان كان 1959 عن فيلمه "أربع مائة ضربة". كناقد يعتقد تروفو أن "كل فيلم يشبه مخرجه"، يشبهه حتى حين يحاول المخرج أن يكون فيلمه اللاحق مخالفا، بل نقيضا للفيلم السابق.

في كتابه "أفلام حياتي" 1973 يتساءل تروفو: بم يحلم الناقد السينمائي؟

يجيب بانه يحلم بالجلوس قرب الشاشة، بالفرجة، بأن يعيش مرحلة إبداع الفيلم أثناء الكتابة عنه. بأن يكون وسيطا بين الفيلم والجمهور. يحلم بالجمال على الشاشة، والجمال لا يشترى ولا يتعلم، إنه يوجد أوْ لا يوجد في الفيلم. يحلم بأن يشاهد فيلما ذكيا...

على أمل الحصول على هذا يقدر الناقدُ المخرجَ المتطلب، الذي يصر أن ينجز عمله كما تخيله... كما أن الناقد يعجب بالمخرج الذي يبدع وهو يضع نفسه مكان الشخصية لا مكان المنتج او الجمهور...

لإنجاز هذا الحلم، يمتلك نقاد السينما القادمين من الأدب فرصا أكبر للنجاح لأن من تعود على سيولة الكتابة وطالع "فن الشعر" لأرسطو و"نظرية الأدب" كما شرحها ريني ويليك وواستن وارين يسْهل عليه أن يميز الأنواع الفيلمية. ومن لا يميّز يستحسن أن يطبق نصيحة برنارد شو "لا تقل إن شيئا كهذا سيء، إذا لم يكن بمقدورك أن تضع يدك على موضع هذا الشيء السيئ". إن مهمة الناقد ليس أن يقول إن الفيلم سيء أو جيد، يكفي أن يدلل على ذلك بتفصيل.

حين لا يتمكن الناقد من هذا فهو يعاني من واحدة أو كل أخطاء الناقد التي شرحها تروفو في كتابه "متعة العينين" 1975، وهذه الأخطاء هي:

أولا الجهل بتاريخ فن السينما الصامتة والناطقة. ثانيا الجهل بتاريخ تطور تقنيات السينما، جهل بالكادرات وسلم اللقطات ودلالاتها. ثالثا ضعف التخييل، لذا يحتقر الناقد جهد التّخَيّل لدى غيره، خاصة إن كان المخرج من مواطني الناقد. وهنا يعترف تروفو أن معرفتنا بشخص الفنان تقلل من تقديرنا لعمله، تصير معرفتنا له شخصيا عائقا. يحصل هذا للمخرج وللناقد ابن البلد. والسبب حسب تروفو – وهو يستشهد بالروائي مارسيل بروست - هو أن الناس لا يتقبلون فكرة أن موهوبا منهم ويعيش بينهم. بينما يتقبلون بسهولة أن يكون الموهوب من بلد آخر. ومن هنا يصل تروفو إلى أن الجمهور يقدر أكثر ما يختلف عن نمط حياته، ويقدم كمثال قلة تقدير أعمال الرعب الهتشكوكية في أمريكا، لأن الدم والمسدسات أمر يومي في الحياة الأمريكية، بينما يقدر الأمريكيون الرومانسية الفرنسية والكوميديا الإيطالية.

الخطأ الرابع هو التعصب للإنتاج السينمائي الوطني، بدافع الانتماء لا بدافع جودة الصورة على الشاشة. (وقد يصير القرب من الناقد عائق بطريقة مختلفة. فقد فسر ناقد مغربي توقفه عن الكتابة بالقول: "جل المخرجين صاروا أصدقائي فكيف أنتقد أعمالهم؟" إن التورط في شبكة علاقات واسعة تعرقل حرية الكلمة حول الصورة. لا يلتقي النقد والعلاقات العامة. لذا حرصت أن أبقى معزولا أطول مدة ممكنة). خامسا أن يتفضل الناقد باقتراح أحداث إضافية ونهايات أخرى للفيلم. وهنا يتورط يقترح على القراء فيلما آخر غير الذي شاهده المتفرجون.

سادسا الحكم على المظاهر فقط، على نوايا مبدعي الأفلام وليس على ما أنجزوه، نوايا يلتقطها من ملصق الفيلم ومن باب السينما. سابعا الكسل الذهني للناقد، عندما لا يبحث بل يكتفي بالملف الصحفي للفيلم أو للمهرجان، يسمع انطباعات الجمهور فيكتبها. بل هناك نقاقيد - ينتحلون صفة نقاد - كتبوا عن أفلام لم يشاهدوها.

هكذا تقدم الكتب الأربعة مهام الناقد، أحلامه ومزالقه. وبخلاف النقاقيد، فالناقد الحقيقي هو الذي يمتلك وسائل التحليل والتفسير قبل إصدار حكم ذوق لا حكم مصلحة. حين تتوفر هذه الشروط، يضاهي جهد مشاهدة وتحليل الفيلم جهد كتابته، تصويره... حينها يسمي الناقد ما يشعر به المتفرجون ولا يستطيعون التعبير عنه.

(مقدمة كتاب سينما العالم في المهرجانات المغربية 2009-2014)

benaziz12@gmail.com

هسبريس المغربية في

18.02.2015

 
 

داعش وفن صناعة الصورة المتوحشة

فالح فليحان (البحرين)

سيول من التذمر وندب الحظ وشتم العالم وازدراء الدنيا وذم الكون، يتساءل أحدهم: أين هذا الاهتمام بحرق أسير الأردن من مأساة بورما، وثانٍ يزيح بورما ويكتب مكانها العراق، وثالث يزيح بورما والعراق ويكتب مكانهما مصر، ورابع يرى أن سورية وضعها أشد وأنكى من الثلاث، وخامس يستحضر أرواح الدول سالفة الذكر جميعها ويزيد عليها فلسطين وليبيا واليمن ليمارس نوعاً من العويل والبكاء واللطم على كل ما يجري وجرى، ولا يفوته بالطبع لعن الظالمين آلاف المرات والنظام الدولي والمستبدين والصامتين والمتخاذلين والمتآمرين والمنافقين والمطففين، وربما أبقى القليل ليوجهه إلى نفسه البائسة!

سؤال، لماذا أخذت تلك الحادثة كل هذا الزخم، في حين غاب الضوء عن حوادث أخرى قد تكون أبشع وأكثر تأثيراً على المشاهد وبقيت في العتمة، هذا السؤال معقد ومتراكب وله العديد من زوايا الرؤية التي لا يتسع المجال للخوض فيها، خصوصاً أن العديد منها مرتبط بأسباب لا يمكن أن يمتلك الموثق البسيط التأثير عليها، وسيُكتفى بالإشارة إلى زاوية واحدة من الرؤية تتعلق بالمصور الموثق نفسه وقدرته على صناعة التأثير المتنامي، كما تفعل أجنحة الفراشة على المدى البعيد.

وحجر الزاوية في حادثة حرق الطيار الكساسبة يكمن في العدد الكبير من المقالات واللقاءات التحليلية لمختصين حول سينما داعش، وفن صناعة الصورة المتوحشة الصادمة التي تمكنت من أسر المشاهد وجعله ذبيحاً افتراضيا لعملية ذبح حقيقية. لقد أتقنت داعش صناعة الصورة وإبرازها وتوريط المشاهد فيها، وجعله جزءا من التفاعل الوحشي الحاصل، في حين غاب هذا التأثير وهذه الصناعة عن ملايين الصور والمقاطع التي نشرها ناشطون وحركات وجماعات في كل تلك البلاد التي تعاني وتمر بظروف قاسية غير آدمية، فكانت صوراً ميتة لا حياة فيها، ولا يمكنها أن تصنع التفاعل المتنامي، وربما انحصر تأثيرها في أحاسيس سلبية تتمثل في الإحباط والحزن والتذمر والشعور بالعجز ومحاولة الهرب من الواقع، وربما البلادة المتولدة عن كثرة مشاهدة الموت والدمار كما في صور الأشلاء والدماء والجثث التي غادرتها الحياة دون أن ترصدها الكاميرات!

إن المشاهد يحتاج أن يتفاعل مع تفاصيل الحياة التي تسبق الموت، وأن يتفاعل مع عيون الضحايا السابحة في الفضاء، وأياديهم المرفوعة إلى السماء، مع تنهداتهم، مع تألماتهم، مع تأوهاتهم. إنها القوة التي كمنت في مشهد محمد الدرة، وفي ذلك الطفل الأفريقي الذي ينتظر الموت ويقف بجانبه نسر يريد الانقضاض عليه، في مشهد الفتاة الفيتنامية التي تركض عارية بعد أن أحرقتها قنابل النابالم الأميركية، في مشاهد التعذيب في أبو غريب.

إنها القوة التي كمنت في مشهد معاذ الكساسبة يسير بين الحطام، شاخصة عيناه، ربما تتصارع الأفكار في رأسه، يقوده سجانوه إلى المحرقة!

"إنها القدرة على فتح الكاميرات في الوقت المناسب لصناعة القصة الدرامية الدامية"

ما القاسم المشترك في كل تلك الحوادث؟! إنها الحياة التي سبقت الموت، إنها القدرة على تفاعل الجمهور خلف الشاشات، على إحساسهم العظيم بآلام المعذبين، على تمني القدرة والقوة من أجل إنقاذهم. إنها فن صناعة الصورة من خلال حبكة المأساة. إنها القدرة على فتح الكاميرات في الوقت المناسب لصناعة القصة الدرامية الدامية، إنها القدرة على إدماج المشاهد ليعيش التجربة المتوحشة بنفسه، إنه الموت حينما تنبض عروقه بالحياة.

إن من يستطيع اليوم صناعة الموت النابض بالصورة والمشهد الحي يمكنه أن يصنع التفاعلات والانشطارات الإنسانية، يمكنه أن يجبر المشاهد على التحرك، والمجتمع على القيام، إن الجهات الإغاثية اليوم بحاجة إلى دراسة الصورة وإتقان صناعتها، إن المصلحين في المجتمعات عليهم ذلك أيضاً، إن العشوائية ونظام "الفزعات" لم يعد يجدي نفعاً، وربما أضر أكثر مما ينفع، فهل لنا أن نتعلم من صورة داعش الوحشية صناعة الحياة!

العربي الجديد اللندنية في

18.02.2015

 
 

(رباعي موسيقي)..

فيلم يصور أصداء الذكريات الحزينة

عمان-الرأي

يجمع فيلم «الرباعية» الذي عرضته لجنة السينما بمنتدى شومان أول من أمس بين الأفلام الكوميدية والدرامية، وهو أول فيلم من إخراج الممثل دستن هوفمان الذي يشتمل رصيده السينمائي على أكثر من 70 فيلما روائيا وقصيرا ومسلسلا تلفزيونيا وعلى فوزه باثنتين من جوائز الأوسكار وست من جوائز الكرات الذهبية.

يستند سيناريو الفيلم للكاتب رونالد هاروود إلى مسرحية من تأليفه عرضت على مسارح لندن. ويضم هذا الفيلم عددا من الممثلين البريطانيين المخضرمين في السبعينيات من العمر، والذين يؤدون أدوار شخصيات في الثمانينيات، وبينهم الممثلة القديرة ماجي سميث الحائزة على اثنتين من جوائز الأوسكار وتوم كورتني وبيلي كونولي وبولين كولنز.

تدور أحداث الفيلم « في منزل للموسيقيين الموهوبين المسنين المتقاعدين يقع في مدينة لندن. ويشترك نزلاء المنزل في إحياء حفلة أوبرا سنوية في ذكرى عيد ميلاد الموسيقار ومؤلف الأوبرا الإيطالي الشهير جيوزيبي فيردي الذي عاش في القرن التاسع عشر. وقد بني هذا المنزل على غرار منزل أسسه فيردي في مدينة ميلان الإيطالية لإقامة مغني وموسيقيي الأوبرا.

ويخصص ريع حفلة الأوبرا لتغطية جزء من نفقات المنزل الذي يهدد بالإغلاق بدون إحياء هذه الحفلة، كما تشتمل نشاطات نزلاء المنزل على تقديم دروس للزوار الشباب في موسيقى الأوبرا وفي العزف على الآلات الموسيقية.

تصل فجأة وعلى غير توقع إلى المنزل نجمة الأوبرا السابقة جين هورتون (الممثلة ماجي سميث)، وهي الزوجة السابقة لأحد النزلاء، وهو مغني الأوبرا السابق ريجينالدباجيت (الممثل توم كورتني)، التي كانت قد هجرته قبل سنين في ظروف صعبة، وانشقت آنذاك عن الفريق الرباعي الذي كان يقدّم رباعية ريجوليتو للموسيقار فيردي، والذي يضم ثلاثة من نزلاء المنزل بينهم زوجها السابق.

يثير وصول جين غضب زوجها السابق، وتحاول بادىء الأمر أن تصلح ذات البين معه وتعترف له بندمها على أعمالها السابقة وتطلب منه الغفران، إلا أنه يرفض ذلك. ويحاول الآخرون أن يوافقوا بين الزوجين السابقين لإشراك جين في حفلة ذكرى فيردي بالغناء في رباعية ريجوليتو، التي يستمد الفيلم عنوانه منها، والتي كانت قد سجلت بمشاركة جين قبل سنين، إلا أنها ترفض ذلك بشدة لأنها اعتزلت الغناء منذ أن تعرضت لهجوم النقاد قبل عدة سنوات وقررت أن لا تغني مرة أخرى. وبعد سلسلة من التطورات التي تجمع بين المواقف المرحة والمواقف التي يسودها التوتر أحيانا توافق جين على الاشتراك في رباعية ريجوليتو. وتنتهي قصة فيلم «الرباعية» نهاية سعيدة، حيث يطلب ريجينالد الزواج من زوجته السابقة جين وهما يستعدان لدخول المسرح للاشتراك في حفلة الأوبرا.

يتميز فيلم «الرباعية» بالإخراج لهوفمان في باكورة أفلامه، ويجمع بين مجموعة من الممثلين المخضرمين القديرين أن يتميز ببراعة التمثيل. كما يتميز الفيلم بدفء القصة التي تجمع بين المشاهد الحزينة والمرحة والمواقف العاطفية المؤثرة والمشاهد التي تنبض بالحيوية لمجموعة من المسنين والصداقات والعلاقات الإنسانية التي تربط بينهم من حب ومضايقات وخيبة أمل وبالمشاهد الجميلة لمنزل النزلاء الفخم وحديقته الغناء. وتلعب الموسيقى دورا محوريا طوال عرض الفيلم وتستخدم بشكل متكامل ورقيق وتشكّل جزءا أساسيا من الحياة اليومية لشخصيات القصة. ولا تخلو قصة الفيلم من المواقف المرحة والنكات المتعلقة بالتقدم بالسن والتي تتسم بالاحترام والتعاطف مع المسنين، بحيث يرتبط المشاهد بهذه الشخصيات ويتعاطف معها.

عرض فيلم «الرباعية» في 14 مهرجانا سينمائيا. ورشح الفيلم لست جوائز بينها جائزة الكرات الذهبية لأفضل ممثلة في دور رئيس للممثلة ماجي سميث، وفاز بثلاث جوائز هي جائزة مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي لأفضل فيلم ومهرجان هوليوود السينمائي لأفضل مخرج جديد للمخرج دستن هوفمان وجائزة المجلس القومي الأميركي لاستعراض الأفلام السينمائية ضمن أفضل عشرة أفلام مستقلة.

الرأي الأردنية في

18.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)