كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الفنانة فاطمة وشاي:

السينما المغربية هدفها إفساد الذوق وإشاعة الانحلال

وهناك من يتقاضى أجراً مقابل ذلك

فاطمة بوغنبور - الرباط – «القدس العربي» :

 

تلبس شخصياتها بتقمص شديد فتبدو وكأن الدور فصل على مقاسها تماما. أحبها الجمهور من خلال عدة أعمال تلفزيونية كـ»دواير الزمان» و«احديدان» و«رمانة وبرطال» متواجدة أيضا سينمائيا وعلى الركح. غير أنها فنانة تشذ عن قاعدة الصمت وشعارات «العام زين» فهي معروفة أيضا بوضوحها وجرأتها ومواقفها الصداحة. يتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة بكثير من الإعجاب والنشر فيديوهات تعبر فيها صراحة عن قضايا فنية وسياسية بكثير من الجرأة والوضوح. وما لا يعرفه الكثير من جمهورها أنها ورثت «لوثة» الجهر بالحق، كما تقول من والدها وعائلتها المناضلة. ما لا يعرفه جمهورها أيضا أنها شاعرة وفنانة تشكيلية وقارئة نهمة.

لك مواقف قوية في سلوكات مجتمعية وقضايا فنية وسياسية؟

□ كل إنسان هو سلوك وموقف ورأي، ورأيي دائما كان ضد الفساد أيا كان نوعه وضد كل التجاوزات الهدامة لقيمنا المجتمعية الأصيلة. كلما رأيت سلوكا أو ظاهرة تحيد عن الصواب وعن أصالتنا المغربية إلا وتكلمت بأعلى صوت فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ولا أخشى في ذلك لومة لائم..

جزء من انتقاداتك موجهة للسينما؟

□ السينما المغربية للأسف في العشرية الأخيرة اشتغلت وفق إيديولوجيات هدفها الوحيد تخريب المجتمع بقيم دخيلة هدفها إفساد الذوق وإشاعة الانحلال الخلقي دون الاهتمام بقضايا وهموم المواطن المغربي البسيط والعميق إلا من استثناءات قليلة لا أدري كيف شذت عن السائد، لكني مع ذلك متفائلة بالنفس الجديد الذي يعرفه المركز السينمائي المغربي بعد تعيين إدارة جديدة فربما سيكون تغيير نحو الأفضل نسترجع معه بعض ما خسرناه وافتقدناه خلال السنوات الماضية.

لكن السينما المغربية مع ما تقولينه فرضت نفسها عالميا وتفوقت عربيا في مهرجانات وتظاهرات فنية عالمية؟

هم يكافئونها فقط على التوجه والإيديولوجية، التي أريد لها الاشتغال وفقها. هو توجه صهيوني علماني يشجع الكلام المبتذل واللغة السوقية والمشاهد الفاحشة بهدف إفساد الشباب والذوق العام وهي جرأة على القيم والأخلاق، فالشاب أصبح حين يدخل قاعة سينما يخرج بعدها وكأنه قد التقط فيروس ينخر بداخله مبادئ الاحترام والأخلاق. أقولها وأتحمل مسؤوليتي هي سياسة مقصودة وهناك من يتقاضى أجرا مقابل إفساد الأوضاع وتخريب الشباب عن طريق السينما والصورة الأكثر تأثيرا في عملية بناء شخصية الأجيال الجديدة.

ألم تسبب آراؤك انحسارا أو تراجعا من طرف المخرجين في التعامل فنيا معك؟

□ أنا أساسا لا رغبة لي في التعامل مع تلك العينة التي سيزعجها رأيي فتوجهي مخالف لخططهم. لا رغبة لي في التواجد في أفلام فارغة المحتوى إلا من قلة الأدب والوقاحة الأخلاقية، اختار أدواري بدقة تلك التي تلامس قضايا المجتمع المغربي والمواطن المغلوب على أمره بمشاكله وهمومه اليومية والمعيشية فهناك شرفاء في الميدان لهم غيرة ومبادئ وهم من يشرفني التعامل معهم وحضوري لم يثأتر فأنا متواجدة سواء سينمائيا أو تلفزيونيا.

في رأي هؤلاء السينما جرأة واستعمال لغة الواقع دون تجميل ومساحيق أخلاقية: الجرأة أن تقول لا للفساد الإداري والسياسي، الجرأة الحقيقية أن تعري قضايا نهب المال العام والرشوة والمحسوبية أن تنصف المواطن الفقير الأمي الجاهل والذي لا يملك قوت يومه، الجرأة أن تكشف كل من افترس الوطن وسرقه ونهبه. الجرأة أن تقول لا للاستبداد والظلم بكل أنواعه. هم فقط لأنهم غير قادرين على تخطي الخطوط الحمراء وغير قادرين على النبش في قضايا هامة ومصيرية كهذه يعرضون جرأتهم في العري والقبلات الرخيصة المجانية ومشاهد غير أخلاقية، ثم إن السينما هي فن الارتقاء بالذوق هي شيء نبيل وراق جدا.

إضافة إلى الإيديولوجيات الخارجية التي تستهدف ضرب قيمنا، جل المشرفين على السينما هم وسطاء وأصحاب أموال لا علاقة لهم بالفن، لهذا علينا أن نتوفر على إرادة تغيير حقيقية للضرب بيد من حديد على من يتطفل على ميدان هو عامل مهم في بناء الذائقة الفنية والأخلاقية للأجيال.

الراحل محمد البسطاوي قال في حوار مع «القدس العربي» إن في حلقه غصة حول تاريخ المغرب الغني بالشخصيات التاريخية التي لم تكتشف سينمائيا وتلفزيونيا؟

□ هي غصة حد الاختناق فجل من بيده السينما الآن في المغرب ليست لهم ثقافة مغربية ولا يحملون هم المغربي البسيط وفاقد الشيء لا يعطيه فجلهم درس وتدرب في الغرب ويطبق قيم الغرب وما شاهده في المجتمعات الغربية سينمائيا فهو غير أهل للبحث في التاريخ المغربي أو لفهم كنه شخصية مواطن المغرب العميق. هناك أيضا من اغتنى بالفن والفن في قبضة الأثرياء وليس المثقفين.

يجمع الكثير من الفنانين والمهتمين بالمجال الفني في المغربي أن الأزمة أيضا أزمة كتابة وسيناريو؟

□ لا أتفق مع هذا القول الأزمة هي أزمة «جدية» هناك سيناريوهات جيدة لا تقبل وتركن في الرفوف. مقابل مرور سيناريوهات أخرى بسلاسة ويسر. هناك عوامل تحول دون مرور الجيد ما زال منطق «أباك صاحبي» أي الزبونية والمحسوبية هو الذي يشتغل. حين نتوفر على الجدية والشفافية سنكتشف طاقات ومواهب كثيرة في الكتابة لا تمنحها فرص الظهور.

نلاحظ قلة حضورك في «السيتكومات» والأعمال الرمضانية التلفزيونية المثيرة للجدل والانتقادات؟

□ لأني أدقق في اختيار الأعمال الفنية مع أن وضعي الاجتماعي لا يسمح لي كثيرا بالاختيار لأني مسؤولة عن أسرة من خمسة أفراد ومع ذلك يهمني أكثر أن أحافظ على صورتي واحترامي وصورة وطني وقيم مجتمعي. مع إني مثلت مثلا دور «شيخة» أي مغنية وراقصة شعبية. لكن برقي وبدون ابتذال لأني أناقش المخرج وأعطي رأيي بما يتوافق ومبادئي.

شخصيات تحلمين بأدائها؟

□ الشخصية المغربية بكل أبعادها النفسية والاجتماعية خصوصا الشخصية البسيطة في حياتها والقوية في مواقفها. أما الأسماء التاريخية فهي كثيرة منها أسماء طبعت تاريخ المقاومة ولو كنت أصغر قليلا لقلت دور «ثريا الشاوي» أول ربانة طائرة مغربية.

«الحرامي والعبيط».. رسالة خالد صالح الأخيرة لإنقاذ الغلابة

كمال القاضي - القاهرة – «القدس العربي»:

لعب المهمشون والمتسولون والبلطجية أدوار البطولة في العديد من الأفلام، وشغلت قضاياهم حيزا واسعا على الشاشة، لكن القليل من هذه الأفلام هو ما إقترب دون حذر من مجتمع العشوائيات ورصد عن كثب تداعيات الأمراض الاجتماعية المستعصية والتغيير الجذري في هوية الشخصية المصرية النابتة في الفقر والجهل والمرض.

لم تعبر ظاهرة البلطجة الدرامية عن عمق المأساة، فقد ركز أغلبها في الشكل السلوكي ولغة التخاطب والعدوان الناشئ عن الأطماع والإختلالات النفسية والإجتماعية، بيد أن صنفا آخر من الأفلام التراجيدية غاص تحت الجلد ليرصد ويصور ما هو أبشع من جرائم القتل والسرقة والإرهاب لافتا النظر الى تنامي الجريمة وابتكاراتها وما تنطوي عليه من انتهاكات أدمية أكبر من السطو والإختلاس والقتل مع سبق الإصرار والترصد.

يكشف فيلم الحرامي والعبيط للسيناريست أحمد عبد الله والمخرج محمد مصطفى عن الوجه الأكثر قبحا في المجتمع العشوائي من خلال بطولة ثنائية لطرفين أساسيين في الأحداث الطرف الأول يمثله خارج على القانون ومجرم عتيد في الإجرام «صلاح روسا» أو «خالد الصاوي»، والطرف الثاني يمثله «فتحي العبيط» «خالد صالح» وبتداعي الجواز في البيئة العشوائية المتدنية في الأخلاق والخدمات والمستوى الثقافي تبدأ العلاقة في تنافر ملحوظ وواضح بين من يمتلك القوة ومن لا يمتلك شيئا ويعيش عالة على الأسر الفقيرة في إلماح إلى خلفية حياته وخيانة زوجته التي جعلته ضحية بعد أن فقد العقل والصواب والقدرة على التمييز.

هنا إشارة ذكية في السيناريو إلى أن المجتمع يفرز عاهاته وضحاياه ويتشكل بالصدفة السيئة ففتحي الشاب المسالم يتحول الى معتوه ومتسول بفعل الفقر الذي دفع زوجته للخيانة لقاء المال وزج به في أتون الغياب الذهني والعقلي عن الحياة، بينما يفرض صلاح روسا قانونه ويمارس البلطجة على نطاق واسع زعيما مهابا في دائرته فهو يسطو بالسلاح ويسلب الفقراء قوتهم اليومي ويغتصب الحب من فتاة أكثر فقرا وضعفا «روبي» الممرضة في المستشفى العام والتي تنقاد له فتتحول إلى سمسارة أعضاء بشرية وعضو في عصابة يتزعمها تاجر وطبيب.
يجمع أحمد عبد الله مكونات الجريمة وأطرافها في إطار واحد ليرسم صورة قاتمة لبانوراما الحياة القاسية في مجتمع أسس على مبدأ القوة وساد فيه الظلم سيادة القانون الوضعي بتشكيل تتجانس فيه الأضداد زعيم العصابة والطبيب والممرضة واللص والهجام والعبيط وربة البيت كوكتيل غريب جمعته الحاجة ووحد بينه الجوع والفقر، بينما يدفع الثمن فيه الضعيف أو من سلبه الله نعمة العقل وهو الشخصية المحورية في الصراع الدامي « فتحي» الذي أمن للحرامي وعاش في كنفه فباعه حيا بالقطعة دون علم أو إرادة، حيث خدره وأخذ منه قرنية العين والكلية ثم استباح بقية جسده وقبض عربون الأجزاء الأخرى من شرايين ونخاع وكبد وخلافه قبل أن يستبد له بضحية أخرى هي الممرضة ذاتها التي شربت من نفس الكأس وتمزق جسدها في مشرحة التجارة الحرام.

انتقال سريع بإيقاع منضبط يحافظ عليه المخرج محمد مصطفى في اجتهاد موفق للتعبير عن السيناريو الشائك الدامي إلى نزع القشرة الضعيفة عن المجتمع الطاعن في القسوة والمتزين بغلاف براق بينما هو غارق حتى النخاع تحت السطح يعيش أفراده حياة أخرى العصمة لمن يقود ويمتلك الحرامي والعبيط شخصان يتحركان طوال الأحداث في خطوط متوازية ومتعرجة ولكنهما لا يلتقيان إلا في نهاية المطاف وقت تصفية الحسابات في المعركة الربانية التي يديرها القدر بعناية وينتصر فيها لذلك العبيط حيث تخرج رصاصة طائشة من مسدس البلطجي بضغطة عفوية على الزناد فيلقي صلاح روسا مصرعه في الحال فينال الجزاء نفسه الذي كتبه على كثير من ضحاياه فأرادهم قتلى، سواء بالقتل المباشر أو غير المباشر.

تبقى صورة خلفية حية لم يظهرها المخرج محمد مصطفى بالشكل الكافي يشكلاها الممثلان القديران سيد رجب وعايدة عبد العزيز اللذان لعبا دورين ثانويين لكنهما يختزلان معاني كثيرة عن فكرة التغييب والتوهان والتبلد ويعكسان ملمحا رئيسيا للشخصية السلبية الانتهازية المهزومة طوال الوقت وهو نفسه المفهوم والملمح العام لكل الشخصيات تقريبا في المجتمعات التحتية التي تعيش وتتكاثر وتتناسل وتنتحر تحت الأرض بعيدا عن سطح المدينة البراق.
الفيلم شهادة موثقة لموهبة الغائب الحاضر خالد صالح تركها لنا قبل رحيله لتذكرنا بإبداعه المتميز وأدائه الفريد.

«الأكشن» والكوميديا والإبهار «طعم» السينما الأمريكية الذي يبتلعه الجمهور العربي

كمال القاضي - القاهرة ـ «القدس العربي»:

تمثل السينما الأمريكية عصب الاقتصاد في الدخل القومي للولايات المتحدة، ومن ثم فهناك عناية فائقة بالمؤسسات الإنتاجية. وتعد هوليوود واحدة من قلاع الصناعة السينمائية الذهبية في العالم، وقد أشار لذلك الرئيس أوباما في كثير من خطاباته للتحفيز على الإبداع والرقي بمستوى التقنيات التي تعد من أهم دعائم السينما الأمريكية، فهي العنصر الرئيسي في الإبهار والدهشة.

ويكمن الاهتمام بالسينما على هذا النحو لكونها لغة مؤثرة ونافذة وقادرة على التأثير الجماعي في أزمنة قياسية، ويتم استخدامها وفق الهوى والغرض، حسبما تقتضي الظروف والمراحل.

وعلى هذا تولي الدولة والمؤسسات الرسمية، النجوم عناية فائقة بوصفهم أدوات التأثير والتعبير المباشرين والقادرين على إحداث التغيير المطلوب. وهناك نماذج كثيرة لأفلام ونجوم ومخرجين أحدثت دويا هائلا في المجتمعات، من بينها ميل جيبسون ومايكل مور وأعمال مهمة مثل، «آلام المسيح» و»إسكندر الأكبر» و»فهرنهايت»، وأيضا على المستوى الرومانسي مثل «تايتنك» وغيرها، وهذا يقودنا إلى النظر بعيدا عما هو مجرد رؤية بصرية تهدف إلى الاستمتاع والتسلية.

لدينا في هذه الدراسة الموجزة من الأفلام المهمة «كاست أواي» أو «المنبوذ» للنجم الكبير توم هانكس والنجمة هيلين هانت والمخرج روبرت زيمليس، وهو تجربة فريدة في المضمون والرؤية تعتمد بشكل أساسي على البطولة الفردية والمغامرة، حيث تدور الأحداث حول عامل في شركة لتوصيل البريد السريع تسقط به الطائرة في إحدى رحلاته على جزيرة معزولة فيبقى وحيدا ويظل هكذا لفترة، لكنه سرعان ما يحاول التعايش والتكيف مع الوضع القاسي إلى أن يجد من ينقذه فيعود إلى حياته الطبيعية ولم تكن هذه الأحداث لإثارة، ولكنها تأخذ أبعادا أخرى تهدف إلى نقل تجربة البطل إلى الحياة الواقعية كي يدرب المتلقي نفسه على حسن التصرف والاستفادة من القصة بشكل إيجابي، فالرفاهية لا تتوافر بصفة دائمة لإنسان وعليه لابد أن يتأهل للتجارب الصعبة والقاسية، وربما رأينا في أفلامنا المصرية نوعيات مشابهة، في فيلم «الطائرة المفقودة» وفيلم «البداية» للمخرج الكبير صلاح أبو سيف الذي ناقش من خلاله قضية الديمقراطية بشكل رمزي، ليؤكد حاجة الإنسان للتعايش الطبيعي بعيدا عن أجواء العزلة..

«المنبوذ» أو «كاست أواي» للمخرج روبرت زيميكسي يصور حالة افتراضية للإنسان بعيدا عن بيئته الطبيعية ويستلهم فكرة الخلاص من البطل البسيط، الذي يحاول التغلب على أزمته من خلال إعمال ملكاته الإنسانية وطرق البحث عن وسائل للتسلية وملء الفراغ للحيلولة دون وصوله إلى الإحباط واليأس وفقدان الأمل في الغد الأفضل الذي يدخر له كل ما يدنو إليه ويطمح فيه، فدائما ما يأتي الفرج في أحلك ظروف القنوط والضيق فيغير حياة البشر إلى أفضل مما كانوا يحلمون به.

هذه هي الفكرة الكلية العامة المستفادة من الأحداث والدور المهم للبطل توم هانكس، الذي تفوق على نفسه وهو صاحب البطولات الناجحة في أفلام «فورست جامب» و»الكبير» وغيرهما، والحاصل على جائزتي الأوسكار كأحسن ممثل. وقد رشح عن فيلمه هذا «كاست أواي» للجائزة نفسها، ولكنه لم يحصل عليها، وإنما حصل على جائزة الغولدن غلوب.

بدأ توم هانكس حياته الفنية في مسرح الجامعة، كما هو معتاد، وسرعان ما توجه للسينما بعد التخرج وفشل في أولى تجاربه ولكنه عاد مجددا يطل على الجمهور من خلال الدراما التلفزيونية في مسلسل بعنوان «بوزا بادز» كان سببا في ترشحه لبطولة فيلم «الكبير» عام 88 وتوالت بعده البطولات والأدوار لتتحول حياة الممثل الباحث عن دور مهم إلى أسطورة فنية. وللنجم الكبير توم هانكس إسهامات مهمة في الكتابة والإخراج والكتابة والتمثيل الصوتي وأيضا الإنتاج.

ولد هانكس في كونكورد في ولاية كاليفورنيا وعاش حياة مضطربة، حيث انفصل أبواه وهو في سن صغيرة فدفعه ذلك إلى الإصرار على النجاح، وخلق منه شخصية قوية وصلبة. والغريب أنه قدم أفلاما كوميدية استعراضية أتصور أنها كانت رد فعل لحياة قاسية امتلأت بالعقبات والمشاكل، فأراد أن يعوضها بأدواره التي أدها بشكل إنساني ارتقي بها فوق الأزمات الشخصية.

أدت الممثلة هيلين هانت دورا متميزا في هذا الفيلم فقد ظهرت في الجزء الأول من الأحداث لتلعب دور الحبيبة التي يهديها حبيبها خاتم الخطوبة، وهو ظهور أقرب إلى ظهور ضيفة الشرف، ومع ذلك بدا الدور محورا للارتكاز وخلفية مهمة لتكوين البطل وحياته وطبيعته. الفيلم يؤكد قدرة الممثل الجيد على أداء كل الأدوار حتى لو كان ممثلا كوميديا أو استعراضيا وهو الدرس الثاني في فن الأداء ووهج الحضور.

لم يأت عرض هذه النوعية من الأفلام داخل مصر صدفة أو محاولة لتوسيع دائرة التوزيع لزيادة نسبة الإيرادات، ولكنها تطبيق عملي لإغراق السوق بأعمال موجهة تبث أفكارا وترسخ مفاهيم وتكون ثقافات تراكمية لدى الشعوب المستهدفة، لتسهيل حرث التربة الثقافية لإمكانية زرعها من جديد، ويتساوى هنا نوع المنتج السينمائي، سواء كان تراجيديا أو كوميديا، أو أكشن، فكل النوعيات مطلوبة وضرورية لغزو العقول، حيث كل شيء مدروس ومدون مسبقا في الأجندة الأمريكية، ولا فرق بين العمل التعبوي المباشر الصريح والعمل المغلف بغلاف إنساني عاطفي بديع، وتكفي الإحاطة بالعلم أن معظم شركات الإنتاج السينمائي العالمية تتحكم فيها رؤوس أموال مشبوهة، تفرض شروطا سياسية مقابل التمويل وتضع معايير غير أخلاقية أحيانا للعبة الإنتاج الضخمة، بل وتتدخل في كبرى الجوائز فتمنحها لمن يلتزم وتمنعها عمن يتمرد أو يحاول التمرد، وهناك واقعة شهيرة في هذا الصدد حدثت منذ سنوات ومثلت فضيحة لجائزة الأوسكار، حيث تم سحب الجائزة من الفيلم الفلسطيني «الجنة الآن» قبل ساعات من إعلانها، بعد ضغوط عنيفة مارسها اللوبي اليهودي على لجنة التحكيم، ولم تكن هذه حالة استثنائية ولكنه إجراء جاء في سياق نظام يحكم حصارا على الإبداع العربي كله ويحاكمه محاكمة سياسية غير عادلة في ازدواجية فاضحة بين الشكل الدبلوماسي الظاهر، والمؤامرات التي تدبر بليل في كواليس الساسة والسياسيين.

في فيلمه المنتظر «خط اللامكان»: البريطاني لوكاس شرانك يسجل معاناة طالبي اللجوء في أستراليا يلجأون إلى الموت غرقا أو الحياة المذلة بين جدران الاعتقال

آية الخوالدة - عمان ـ «القدس العربي»:

في فيلمه الجديد الذي لم ينته بعد، يلقي المخرج البريطاني لوكاس شرانك الضوء على قضية جديدة تلقى جدلا كبيرا بين الأوساط السياسية والحقوقية، وهي مأساة طالبي اللجوء إلى أستراليا وما يواجهونه من موت واحتجاز وظروف معيشية صعبة. 

ولد لوكاس شرانك وترعرع في لندن وأصبح مخرجا للأفلام ومصمما للرسوم المتحركة، يتناول في معظم أعماله الموضوعات الدقيقة والحساسة مثل، العزل والاحتواء، كما حصل عام 2009 حين قدم عمله «بلو بيتر» الرسوم المتحركة على قناة «بي بي سي» في يوم ذكرى الهولوكوست، والتي قدم من خلالها حياة فريدا ونيمان الناجية الوحيدة. 

أما في فيلمه الذي حمل عنوان «خط اللامكان» فهو يدور حول قصة شابين في جزيرة مانوس التابعة لجزيرة بابوا غينيا الجديدة، التي تستقبل طالبي اللجوء إلى أستراليا وسط ظروف معيشية صعبة جدا وحرية تنقل مقيدة بصورة بالغة يغلب عليها الاحتجاز المفتوح والإلزامي وحتى التعسفي، كما أن السلطات لا تسمح بدخول أي أحد لهذه المراكز، سواء أكان شخصا عاديا أو صحافيا أو من المنظمات غير الحكومية. إلا ان لوكاس تمكن من خلال بعض المساعدة إجراء مكالمة هاتفية مع اثنين من اللاجئين هناك، وبنى عليها قصة هذا الفيلم. 

في مقابلة أجرتها منظمة حقوق الإنسان الاسترالية معه حول فيلمه المتوقع صدوره قريبا، يقول:» لقد بنيت أحداث الفيلم على مكالمة هاتفية أوردتها ضمن الفيلم، على الرغم من رداءة جودته، إلا أنها أضافت الواقعية واللمسة الحقيقية لما يعيشه طالبو اللجوء في مانوس التي ما تزال مستمرة حتى الآن. هذان الرجلان و2198 غيرهم ما يزالون يفتقرون إلى أقل مطالب الحياة الكريمة والإنسانية وهي حريتهم، ناهيك عن الغياب التام للطعام والشراب ومستلزمات النظافة الشخصية، حيث يضطر أن يعيش ما بين 8 و 11 رجلا في مكان واحد في جو عالي الحرارة والرطوبة». 

ويعتبر لوكاس الفيلم مهما جدا لأن موضوعه يحيط به الكثير من الضوضاء، خاصة بعد أن اصبح الناس منزوعي الحساسية تجاه الطرق التي تصور بها وسائل الإعلام قضية اللجوء، ويأمل من خلال فيلمه أن يجلب النقاش حول هذا الاحتجاز الإلزامي جهودا اكبر لاستعادة بعض العناصر البشرية لطالبي اللجوء في هذا البلد. 

وفي سؤال عن الشخصين الذين تحدث معهم، يقول: «لا أستطيع أن أقول أكثر مما ورد عنهم في الفيلم من أجل حمايتهم، حيث تحدثت مع اثنين من طالبي اللجوء في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذين منحتهم في الفيلم اسمي «أسعد وبهنام» وكلاهما فاران من الاضطهاد السياسي في إيران. الأول بهنام حاول مرتين القدوم إلى أستراليا من إندونيسيا، انتهت المحاولة الأولى بغرق القارب الذي كان قادما عليه وفقدانه المأساوي لصديقه سعيد، وفي حينها تم انقاذ 60 شخصا من الغرق واعتقال بعضهم ومن بينهم بهنام الذي تمكن من الهرب بعد حوالي اسبوع وانتهى في قارب آخر تائها لمدة 8 أيام في البحر قبل أن يتم إيجاده ونقله إلى جزيرة كريسماس، حيث تعرف على رضا بيراتي الذي شاركه غرفته ووصفه بأنه رجل هادئ ولطيف، لمدة شهر ومن ثم تم ترحيله إلى جزيرة مانوس. 

بينما أسعد الذي كان يدرس في الخارج قرر أن يعود إلى ايران لزيارة عائلته، ومثل بهنام قام برحلته من إندونيسيا حيث وصل إلى جزيرة كريسماس بعد ثلاثة أيام في التاسع عشر من تموز/يوليو، إلا أن البحرية احتجزت قاربهم، حيث أنهم وصلوا بتاريخ فرض سياسية إعادة التوطين الإقليمي وبالتالي نقلوا إلى جزر مانوس وناورو. 

وأضاف لوكاس: «خلال المقابلات وطوال عملية صنع الفيلم، كان الشابان مفيدين جدا وكريمين معنا بخصوص ما نرغب معرفته عن تلك الأوضاع إلا ان الوضع برمته كان مربكا لأنهم كانا محتارين ماذا بالضبط أريد منهما، فيما كانت المهمة الأصعب تقع على كاهلي، إذ من الصعب جدا أن تحول ما تسمعه عبر الهاتف إلى رسوم متحركة. 

لقد كنت أعلم الكثير عن الواقع الوحشي الذين كانوا يعيشونه إلا ان سماعه مباشرة منهم أمر لم أكن مستعدا له، وهذه هي قوة المكالمة الهاتفية التي استخدمتها بنصها الأصلي وطقطقة الخط بسبب طول المسافة ورداءة الاتصال. 

بهنام وأسعد كانا محتجزين خلال أعمال الشغب التي حصلت في شباط/فبراير الماضي والذي هو في الحقيقة كان نقطة محورية في الفيلم، أدت إلى مقتل ريزا بيراتي وجرح المئات. وخلال الحوارات التي أجريتها أدركت أنني حصلت على مواد كافية لتقديم هذا الفيلم، وبدلا من محاولة ضغطه في دقائق معدودة، ركزت على التجربة الإنسانية «كيف سيكون شعورك لو كنت هناك، الهستيريا والرعب الذي يجتاح المركز. فهنالك بعض الأخطار إذا تم تبسيط قصتها تفقد سلامتها كسجل للحقيقة. لذلك كنت حذرا جدا في تصوير هذه المشاهد». 

وأكد أن رواية القصص من المعتقلين أمر حساس للغاية وعلى صناع السينما أن يكونوا حذرين في تناول مثل هذه المواضيع وعدم الكشف عن هويات أصحابها فهنالك العديد من المعتقلين الذين يعانوا من الإجهاد الشديد والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، ويقع على عاتق أي صحافي أو مخرج ان يتأكد من أن هذه المقابلة لا تؤثر على سلامته وحياته. 

ومن الأمور التي أثارت استغراب لوكاس كمية المعلومات الخاطئة التي تقدم حول هذه القضية، حيث انتقل إلى أستراليا العام الماضي ودهش من البساطة التي تحاول الجهات الحكومية فرضها حول هذه المشاكل والتعتيم الكبير الذي يحيط بطلبات اللجوء وأصحابها من خلال استخدام مصطلحات «المهاجرين غير الشرعيين»، «قوائم الانتظار» و»توقف القوارب». 

وفي نهاية حديثه أشار لوكاس إلى أن الهدف من حملة جمع الدعم التي رافقت الفيلم، الحصول على 3000 دولار على أقل تقدير من أجل إرسال المواد الضرورية لهولاء المحتجزين، وقد بدأ التواصل مع الجمعيات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان. 

وبحسب لوكاس إذا غير الفيلم المفاهيم الخاطئة عند شخص واحد فقط، سيكون بذلك قد حقق نجاحا كبيرا، والهدف هو القدرة على التأثير وتغيير المفاهيم النمطية، موضحا «كل ما بذلته من جهد هو صنع فيلم جيد ورواية قصة بكل صدق وإنسانية، قصة ستكون سجلا ودليلا على ما يحدث اليوم بعيدا عن أنظار العالم. ليتساءل الإنسان في المستقبل حين يراه «هل حدث ذلك حقا؟». 

يذكر أن هذا الفيلم جاء بعد قرار الحكومة الأسترالية في أيلول/سبتمبر الماضي بإبعاد جميع طالبي اللجوء الذين يصلون بالقوارب إلى مراكز الاحتجاز التي تقع على الشواطئ في ناورو وبابوا غينيا الجديدة، مشيرا إلى أنه سيتم إعادة توطين هؤلاء الذين يتم تقييم حالاتهم على أنهم لاجئون حقيقيون في بابوا غينيا الجديدة، أما من يرفض طلبه، فسيتم احتجازه هناك إلى أجل غير مسمى. 

وظهرت بخطاب لا يشجع على طلب اللجوء إلى أستراليا طبع بسبع عشرة لغة ويقول «أبداً. فلن نجعل أستراليا وطنا لك» إلى جانب صور للتهديد كقارب صغير تتقاذفه الأمواج الهادرة. 

ولاقت هذه الحملة انتقادات كبيرة من جانب المنظمات الإنسانية، خاصة بعد ارتفاع نسبة الوفيات جراء الغرق في البحر، وذلك كله بسبب استجابة خدمات البحث والإنقاذ في أستراليا الذين قيل لهم إن أولوياتهم وقف القوارب وليس إنقاذ الأرواح».

القدس العربي اللندنية في

18.02.2015

 
 

الفيلم والعمارة

العرب/ أمير العمري*

العمارة فن يقوم على الجمال، والفيلم الجيّد يجب أن يقوم على العقل الهندسي، بل حتى في تجسيد الفوضى.

فن الفيلم مثل فن العمارة، فمن غير بناء ليس هناك فيلم، والبناء السينمائي معناه وجود سيناريو مسبق -مهما كان- يسمح بنوع من الارتجال أثناء التصوير.

والبناء الجيّد هو أساس الفيلم الجيّد، أي معرفة من سيفعل ماذا، وأين، وكيف، ومع من؟ وكيف سيتجه مسار الحكي في الفيلم، بشكل صاعد أو متعرج أم على شكل دائرة مغلقة تعود إلى نقطة البدء، أم سيعتمد على تكسير وحدتي الزمان والمكان، أي الانتقال في الزمان، بين الماضي والحاضر وربما القفز أيضا إلى المستقبل، والانتقال من مكان إلى آخر، دون التسلسل أو الخضوع لمنطق تقليدي، بل للغة الشعر الحرّ؟

ثم نأتي إلى تساؤلات مثل: أين سأضع الكاميرا، وكيف سـأحركها، وأين ستتوقف اللقطة، وأين تبدأ اللقطة الأخرى، وما العلاقة بينهما، وما الذي سأتركه إلى مرحلة القص واللصق وإعادة الترتيب، أي المونتاج؟

يجب أن تكون لدى مخرج الفيلم معرفة بالتصميم المعماري وأنواعه، من الكلاسيكي إلى ما بعد الحداثي. ومن المؤكد أن المخرج لا يحدّد شكل الفيلم مسبقا، أي قبل أن تكون لديه قصة أو حتى خاطرة معينة، يمكنه أن يبني عليها السيناريو التخيّلي، في ذهنه أولا، ثم على الورق، وأخيرا أثناء التنفيذ.

إن شكل البناء يأتي تلقائيا مع وضوح الموضوع تدريجيا، زمانه ومغزاه ونظرة الفنان إليه، وكما تفرض المواقف زوايا النظر إليها بالكاميرا، يتحدّد شكل البناء السينمائي طبقا لموضوع الفيلم كما يراه صاحبه، أو المخرج صاحب الرؤية الذي لا يكتفي فقط بتنفيذ السيناريوهات التي يكتبها غيره، بل يتدخل ويعيد الصياغة كما يرى، وهذا هو المخرج-المؤلف، الذي يتجاوز الجانب الحرفي، ويعلو بالعملية الإبداعية إلى مستوى الفن التشكيلي والأدب والشعر.

كان السينمائي الفرنسي الكبير، جون لوك غودار، يقول «إن زاوية الكاميرا “قطع” في الواقع، مثل القارب في الماء»، فهي ذات علاقة بالشكل، لكن المضمون في صلبها؛ فالقارب يقطع في الماء، لا لكي يلعب دورا شكليا مع الماء، بل لكي يؤدّي غرضا ووظيفة، والزاوية تولد مع النظر إلى الواقع الموجود حول الكاميرا.

والفيلم العشوائي مثل البناء العشوائي، لا أصل له ولا فصل، لا تعرف مبتداه من منتهاه، ولا كيف تتعامل معه جماليا، فهو نتاج عقل مضطرب، مشوّش، يريد أن يسدّ الخانات بأيّ شكل وبأية طريقة، حتى لو بدت النوافذ غير متساوية في منسوباتها وأوضاعها، واحدة على الجانب، وأخرى في الوسط، وثالثة إلى أعلى.

ولساكن البناء العشوائي الحق في التحايل والتغيير والتبديل والهدم وإقامة السواتر والشبابيك كما يحلو له. وفي الفيلم العشوائي يكون التمثيل كيفما اتفق، أي أن المخرج لا يملك أن يفرض طريقة أو أسلوبا محددا على الممثلين، خاصة إذا كانوا من المشاهير.

العمارة فن يقوم على الجمال، والفيلم الجيّد يجب أن يقوم على العقل الهندسي، بل حتى في تجسيد الفوضى، فهي تكون فوضى ظاهرية فقط، تخفي في طياتها، تنظيما دقيقا للأشياء.

*ناقد سينمائي من مصر

العرب اللندنية في

18.02.2015

 
 

"أصوات ممنوعة" يكشف صدمة إسرائيل بعد حرب 67

أمير العمري

شهد مهرجان برلين السينمائي في طبعته الـ65 عرض فيلم وثائقي طويل من إسرائيل بعنوان "أصوات ممنوعة" Censored Voices للمخرجة مور لوشي.

وكشف الفيلم للمرة الأولى عن عدد من التسجيلات الصوتية التي نجحت لوشي في الوصول إليها، وكانت قد أجريت مع عدد من الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في حرب يونيو/حزيران 1967 بين العرب وإسرائيل.

كان المؤرخ الإسرائيلي أبراهام شابيرا، والكاتب عموس عوز، قد أجريا تلك التسجيلات في عدد من الكيبوتزات الإسرائيلية بعد انتهاء الحرب بأيام قليلة (من أسبوع إلى أسبوعين) لمعرفة رد فعل الجنود على ذلك النصر الكبير الذي تحقق على الجيوش العربية الثلاثة في مصر وسوريا والأردن، وكيف استقبل الجنود "صدمة" النصر، وكيف ينظرون إلى مشاركتهم في الحرب، وبوجه خاص، ما اكتنفها من أعمال قتل جماعي بلغت ضراوتها في سيناء، حيث قتل عدد كبير من الجنود المصريين ووقع عدد آخر في الأسر.

صدمة نفسية

ويبتعد الفيلم تماما عن الصورة الشائعة في الوثائقيات الإسرائيلية التي تركز عادة على البطولة والنصر والشجاعة، والقدرات الخاصة على الاقتحام والمناورة وتبرير الحرب.

صحيح أن الفيلم، من خلال التعليق الافتتاحي الصوتي المصاحب، بصوت المخرجة، يرى أن الحرب كانت ضرورية، فهي تتبنى النظرية السائدة في إسرائيل التي يتعلمها التلاميذ بالمدارس وتقول إن إسرائيل كانت مهددة بالزوال، وإن عبد الناصر كان قد حشد قواته في سيناء لمحو إسرائيل من الوجود، كما حاول خنقها اقتصاديا بعد إغلاق مضيق العقبة.

لكن الفيلم يرى، في الوقت نفسه، أن الحرب، التي تحقق فيها نصر فاق كثيرا ما كان متوقعا، قد أحدثت صدمة نفسية شديدة للجنود الذين شاركوا فيها وكانوا شبابا يافعين وقتها.

وسعت المخرجة لاكتشاف كم كانت الحرب -رغم كل مبرراتها- أمرا بشعا، فهي لم تتسبب فقط في تدمير جيوش "العدو" بل وفي تدمير الروح المعنوية لكثير من الجنود الذين لم يتوانوا عن الحديث عما شاركوا فيه من فظائع بعد أيام قليلة من انتهاء الحرب، وفي الوقت الذي كان الشارع الإسرائيلي يحتفل بالنصر الكبير ويعتبر هؤلاء الجنود "أبطالا قوميين".

"يقول أحد الجنود الإسرائيليين في الفيلم تعليقا على "تحرير القدس" إن القدس كما رآها في تلك الليلة لم تكن مدينة محررة بل مدينة تحت الاحتلال"

شهادات الجنود التي نستمع إليها في "أصوات ممنوعة" تقول إن الصدمة جاءت بعد أن أصبحت إسرائيل قوة احتلال، وأصبح مطلوبا منهم قمع وترويع وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية مثلا، وممارسة كل أنواع التفرقة والاضطهاد، مما ولد لديهم صورة كئيبة لمعنى الحرب ومعنى الاحتلال، وأن الهدف لم يعد حماية الدولة اليهودية بل سلب الآخرين حريتهم.

ويقول أحد الجنود في الفيلم تعليقا على "تحرير القدس" إن القدس كما رآها في تلك الليلة "لم تكن مدينة محررة.. بل مدينة تحت الاحتلال"!

وكان من المفترض أن تنشر تلك التسجيلات في الكتاب الذي أعده أبراهام شابيرا بعنوان "اليوم السابع" إلا أنها تعرضت للرقابة العسكرية في إسرائيل التي منعت أكثر من 70% منها من النشر.

وقد سعت المخرجة للحصول على التسجيلات الأصلية التي تبلغ مائتي ساعة من شابيرا الذي كان مترددا في البداية، ثم وافق على أن تستخدم المخرجة الشرائط الأصلية، كما وافق على الظهور مع عموس عوز بالفيلم والتعليق على الشهادات التي نستمع إليها في حضور الكثير من أصحابها الذين تغيرت مواقفهم ونظرتهم للحياة وللعالم، وأصبح معظمهم اليوم من دعاة السلام أو على الأقل من رافضي استمرار السياسة الإسرائيلية الحالية ضد الفلسطينيين.

هولوكوست ضد العرب

ويحتوي الفيلم على عدد كبير من الوثائق المصورة التي حصلت عليها المخرجة من بريطانيا والولايات المتحدة وأرشيف الجيش الإسرائيلي أيضا، تصاحب التسجيلات الصوتية وتوازيها، ومنها لقطات كثيرة بالأبيض والأسود لم يسبق أن عرضت في إسرائيل نفسها من قبل.

"يتحدث جندي عن الطرد والتهجير الجماعي للفلسطينيين من بلدات الضفة الغربية، ويشبّه ما وقع هناك بما وقع لليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية"

وتضمنت الصور مشاهد لحملة سيناء واقتحام القدس وغزة، وتجميع الفلسطينيين في مجموعات، وإطلاق الرصاص على الرجال وقتل الأسرى المصريين، وتحول الجنود من دورهم الذي لقنوا إياه إلى قوة احتلال تمارس القهر والقمع والقتل يوميا، وما نتج من تأثير نفسي عليهم، وشعور بنوع من المرارة والرفض والتمرد الذي ربما ظل مكتوما حتى اليوم.

ويتذكر أحد الجنود كيف مارس الضباط أمام عيونهم قتل الأسرى، ودفعوهم دفعا للقتل تنفيذا لتعليمات القيادة التي كانت تطالبهم بعدم استخدام الرأفة مع الجنود المصريين في سيناء.

وفي مشهد طويل يستغرق نحو ثلاث دقائق، نرى في لقطة تتابع فيها الكاميرا من مروحية صفا طويلا ممتدا من حطام المعدات والدبابات والمصفحات المصرية على طريق طويل داخل سيناء، بينما تناثرت جثث الجنود من حولها في الصحراء.

ويتحدث جندي عن الطرد والتهجير الجماعي للفلسطينيين من بلدات الضفة الغربية، ويشبّه ما وقع هناك بما وقع لليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. ويقول إنك عندما ترى سكان قرية كاملة قد أرغموا على الرحيل دون أدنى مقاومة، عندئذ تدرك معنى الهولوكوست.

ويقول جندي آخر إنه أدرك أن الحرب قد حولته وزملاءه إلى مجموعة من القتلة.

مأزق إسرائيل

بعض الجنود يستدركون، ويقولون إن الجانب الآخر -العربي- ربما كان سيستخدم نفس القسوة معهم إذا كانت نتيجة الحرب قد انتهت لصالحهم، إلا أنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون تبرير ما ارتكب بحق العرب في الأراضي المحتلة، ومعظمهم من الآباء والأمهات، ويطرحون الشكوك حول مثاليات الفكرة الصهيونية وفكرة البطولة نفسها.

هل المقصود من الفيلم تقديم صورة "إنسانية" لجنود الجيش الإسرائيلي، ونقل صورة عن شعورهم بالذنب، وهل تصوير مثل هذا الفيلم الآن يعكس نوعا من "التكفير" ولو عن طريق استعادة المقابلات المسجلة في الماضي وتجمد وجوه الجنود السابقين الذين تتجمد أيضا الدموع في عيون الكثيرين منهم وهم يستمعون إلى أصواتهم المحجوبة لسنوات طويلة؟

أم أن المعنى الذي يمكن أن يخرج به المشاهد أبعد من ذلك، إذ يصل إلى الوعي بوجود إدراك مبكر - كما يقول عموس عوز- بفداحة المأزق الذي ستجد إسرائيل نفسها فيه في المستقبل، أي عجزها حتى اليوم عن تحقيق السلام رغم الانتصار في الحرب!

وإذا كانت مخرجة الفيلم مور لوشي تقول إنها مستعدة لأن تقاتل من أجل السلام، فلاشك أن الواقع القائم على الأرض يظل أقوى من كل الكلمات.. ومن كل الأفلام! 

المصدر : الجزيرة

الجزيرة نت في

18.02.2015

 
 

داعش أعداء الإسلام والإنسانية

الفنانون: جيشنا درع وسيف وواثقون من النصر

حسام حافظ

عادل إمام: الإرهاب لا دين له 

نادية لطفي: لا فرق بين مسلم ومسيحي

هاني رمزي: "السيسي دمه حامي" وكلنا معه في خطواته لدحر قوي الشر

سارع فنانون وإعلاميون بالمشاركة في رثاء المصريين ال21 الذي قتلوا علي يد تنظيم ¢داعش¢ الإرهابي في ليبيا مطالبين الجيش المصري بمواصلة الثأر للشهداء بضرب التنظيم الإرهابي في عقر داره حتي تهدأ أرواح الضحايا التي تصرخ مطالبة بالقصاص. 

أكد الفنان عادل إمام إن الإرهاب لا دين له ومقدما التعازي لأهالي الضحايا. 

وأضاف المخرج السينمائي خالد يوسف ان شعبنا الصابر المثابر مصمم علي الانتصار بسيفه ودرعه من أبنائنا في القوات المسلحة الذين سيشفون غليلنا قريبا جدا قائلا: كان الله في عون من بيده الأمر ولتعلم أن كل أبناء مصر مصطفون وراءك.. محتشدون واثقون من النصر علي جهالات الماضي وعصابات الظلام¢. 

وأوضحت الفنانة حنان شوقي ان الدين الإسلامي وكل الأديان بريئة من هؤلاء المرتزقة تجار الدين الذين يرهبون الناس وينشرون جرائمهم لنشر الفوضي والفساد في العالم العربي والإسلامي. 

ودعا الفنان أحمد بدير إلي التعامل مع الإرهابيين بالقوة لإبادة هؤلاء الكلاب الذين استحلوا دماء أبنائنا وقتلوهم غدرا بطريقة بشعة مؤكدا أن الإرهاب لا دين له وجميعهم مرتزقة يحصلون علي الأموال لتنفيذ مذابح هدفها تعطيل مسيرة التقدم المصري. 

وقال انا مع محاربة هؤلاء الكفرة بالقوة ولا يوجد هنا ما يسمي بالحياد أو التفاوض ومن يحب مصر كثيرون وربنا يبعد عنا من يكرهها. 

وقال الفنان هاني رمزي إن الضربة الجوية التي نفذهاجيشنا رد فعل قوي وسريع علي مقتل المصريين في ليبيا مضيفا أن دم المصري ¢مبقاش رخيص¢ وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي ¢دمه حامي¢ علي المصريين ويثأر لهم وهو ما يزيد الثقة. 

وأشار إلي أن الجيش قادر علي محاربة الإرهاب وعلينا التكاتف ونكون بجواره في تلك الحرب والعمل علي دعمه معنويا دائما لاسيما وأن جميع حدود الوطن محاطة بالكثير من المخاطر لأن الجميع يريد أن يدمر استقرار مصر والنيل منها ولكن هذا لن يحدث لأن الله معنا. 

وسيطر الحزن علي الفنانة الكبيرة نادية لطفي وقالت قلبي تمزق علي هؤلاء الشهداء¢لافتة إلي أنها ستتجه للكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتقديم واجب العزاء في الشهداء موضحة أنها تنسق حاليا مع نقابة الممثلين لاصطحاب وفد فني للذهاب للكاتدرائية. 

وشددت النجمة علي أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي وكلنا مصريون ننتمي لوطن واحد. 

وقالت الفنانة وفاء عامر إن الشعب لن يقبل بأقل من القضاء عليهم تماما لأنهم ليسوا علي دراية بطبيعة المصريين حينما يتحدون ويقررون تنفيذ شيء لا يستطيع أحد الوقوف أمامهم. 

وأكد الفنان ايمان البحر درويش ان العصابات التكفيرية والمتطرفة لا ينتمون للإسلام. 

وقال إن نسيجنا واحد نحيا به طوال السنوات الطويلة من المحبة والود والإخلاص ولن يستطيع أحد أن يفرقنا أبدا. 

أعرب الفنان أحمد فلوكس عن بالغ حزنه للمجزرة مشيرا الي أن ما حدث لا يرضي به الله ورسوله ومناف تماما للإنسانية. 

وأعلنت المطربة شيرين عبد الوهاب الحداد وقالت ستحيا مصر رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين¢. 

نادي السينما تكتبه هذا الأسبوع: د.أمل الجمل*

"تفتيش" الروسي.. إرادة لا تنهزم

كليرمون فيران- فرنسا

كان الفيلم الروسي "تفتيش" أحد أجمل الأفلام التي عرضت في الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان كليرمون فيران أعرق مهرجان سينمائي في العالم للفيلم القصير "30 يناير-7 فبراير". الذي استقبل نحو ثمانية آلاف فيلم كانت تسعي للمشاركة لكنه انتقي منها فقط نحو ستمائة فيلم للعرض في الأقسام المختلفة. كان من بينها ثلاثة أفلام عربية منها الفيلم المصري ¢ربيع شتوي¢ للمخرج محمد كامل ونجح الفيلم التونسي بإنتاجه المشترك ¢الأب¢ في اقتناص جائزة الجمهور وتنويه خاص من لجنة التحكيم الدولية. 

أنتج فيلم "تفتيش" عام 2013 ومدته 16 ق. إخراج جالا سوكانوفا التي قدمت من قبل "المنطقة الخلفية" و"الأخ الأصغر". 

يبدأ الشريط من لقطة متوسطة الحجم لامرأتين بزيهما الميري في السيارة وإحداهن ضخمة الحجم تثرثر عن ابنتها ومشاكل الحياة. بينما المرأة الآخري نحيفة منهمكة بجدية صارمة في تدوين بعض الأشياء. بعدها ندرك أن بصحبتهما مصور يحاول ضبط كاميرته الديجيتال. تصل السيارة إلي بناية متهالكة ويصعد الجميع إلي إحدي الشقق. تفتح لهم طفلة صغيرة. ويبدأ الاستجواب عن الأم. فتخبرهم الطفلة أنها في العمل. ولن تعود قبل المساء. تبدأ المرأتين في فحص محتويات الشقة بأثاثها الرث المبعثر. وأثناء ذلك تدور كاميرا المصور. تلاحقهم الصغيرة بالكلام. بأن أمها أصبحت تقوم بتنظيف الشقة بالكامل. وتقوم بإعداد الطعام لها وتبادر بكشف غطاء الإناء لتريهم المعكرونة المطهوة. ثم بخفة الطائر تصعد علي المنضدة لتؤكد لهم أن النافذة تم إصلاحها. وعندما تعترضان علي وضع الدولاب تستجديهم الطفلة بأنه سيتم صيانته قريبا. وكلما حاولت المرأة فتحه ألقت الطفلة بنفسها عليه بتوسل واستمامة مَنْ يقاوم الغرق ويتشبث بالنجاة. تنتهي المرأتين من الفحص. وتكتبان التقرير. وتؤكدان علي الطفلة بضرورة أن تخبر والدتها بأنهم سيعودون قريبا وعليها مواصلة الإصلاحات. وقبل أن تهما بالخروج تطلب المرأة النحيفة الدخول للحمام لغسل يديها بعد أن أمسكت بالأشياء القذرة في الشقة. هنا تقول الطفلة أنها أصبحت متفوقة في المدرسة وأنها تغني. وتحضر لهم كراسة المدرسة لتريهم الدرجات وتبدأ في الغناء بصوت عالي: أريد أن ألعب وأمي متعبة. أنا وحيدة لكن شعاع من الشمس يظهر فجأة.. كل ذلك بينما المرأة النحيفة تغيب داخل الحمام. وعندما طال غيابها دخلت عليها الطفلة لتجدها وقد رفعت ستارة البانيو وتقف مشدوهة ترمق الأم الراقدة علي أغطية كثيرة بداخله تغط في النوم وتتنفس بعمق. 

تتبادلان النظرات ثم بحسم وبنظرات تملؤها الإرادة تمد الطفلة يدها وتعيد الستارة إلي مكانها لتختفي الأم خلفها. صمت طويل مربك بين الطفلة والمرأة التي أصابها الذهول والدهشة إذ تُدرك أن هذه الصغيرة هي التي تُدير البيت وتتدبر أموره وأنها هي التي ترعي الأم. صمت طويل تقطعه تلك الصغيرة بخروجها من المكان. وبعد قليل تتبعها المرأة التي أصابها مس من الحنان والإشفاق. فتقول لها في لغة تصطنع الصرامة حتي لا يشك رفيقيها في شيء: "أخبري أمك أننا سنعود قريبا لإعادة التفتيش. معك رقم هاتفي. اتصلي بي إذا احتجت أي شئي" ثم تخرج. 

نقطة الإضاءة القوية بالفيلم مصدرها أداء الطفلة. ودقة التفاصيل. بمحاولاتها المتشبثة بأن تقنع المفتشات بأن أمها أقلعت عن الكحول حتي لا يأخذونها لتعيش في ملجأ. 

يبث الفيلم في المتلقي شحنة عاطفة قوية مؤلمة. وذلك من دون أي موسيقي. من دون أي ابتزاز عاطفي أو غيره من الأمور المبتذلة فنياً. ومن دون أن يتخلي عن لغته السينمائية الآسرة. 

*ناقدة سينمائية

أبيض وأسود

عودة السينما

بقلم:حسام حافظ

اللقاء الذي تم بين د. فايزة أبوالنجا مستشارة الرئيس للأمن القومي ومجموعة من السينمائيين دليل جديد علي اهتمام الدولة علي أعلي مستوي بضرورة دعم صناعة السينما في مصر وتطويرها. ولكن كما يقولون العاقل من اتعظ من التجارب السابقة ومصر علي مستوي الإنتاج السينمائي مرت بمرحلة الإنتاج الخاص "1923 1963" ثم مرحلة القطاع العام "1963 7191" ثم عودة الإنتاج الخاص ثم ظهور كيانات تابعة للدولة مثل قطاع السينما وأفلام التليفزيون وإنتاج المركز القومي للسينما وغير ذلك.. حتي ظهور تجارب السينما المستقلة. 

ليس عيبا أن نتعلم من تجارب الآخرين بل تجربتنا نحن كمصريين في الإنتاج السينمائي الذي شهد طفرة نوعية بعد إنشاء طلعت حرب لاستديو مصر عام 1935 وطبيعي عندما تعود الدولة إلي الاهتمام بالسينما أن تعيد الحياة إلي استديوهات السينما المتوقفة وهي الطريقة التي اتبعها العالم من قبلنا ومن الضروري أن ننسي عودة القطاع العام أو عودة الدولة لانتاج الأفلام لأن العاقل كما ذكرنا يتعلم من تجاربه وهي كانت تجربة فاشلة في الماضي البعيد والقريب أيضا وعقارب الساعة لن تعود أبدا إلي الوراء. 

الحل في إعداد 10 استديوهات كبري للعمل منها استوديو للرسوم المتحركة وآخر للسينما التسجيلية وأن تدار الاستديوهات كما أدير ستوديو مصر في الثلاثينيات بفكر عصري ويكون الانتاج مشتركا بين القطاع الخاص والدولة وأن يكون لكل استوديو خطة عمل للسنوات الخمس القادمة ومسموح الانتاج المشترك مع أطراف عربية وأوروبية وقنوات تليفزيون وأن يكون لكل استوديو مجلس إدارة مسئول أمام الدولة بالحفاظ علي أموال الانتاج وتنفيذ خطة العمل 
و"ياريت " يكون لكل ستوديو شخصيته الفنية أي نوعية معينة من الأفلام يبرع في تقديمها. 

وأحلم بأن تعود الإسكندرية إلي سابق عهدها وأن تكون القاهرة والجيزة والإسكندرية والأقصر "علي سبيل المثال" مراكز للانتاج السينمائي المصري بدلا من التكتل والتزاحم في العاصمة وأتمني أن تنتشر دور السينما في جميع المحافظات وأن نتبع أسلوب الاشتراكات الشهرية ونصف السنوية لمشاهدة الأفلام في دور العرض وأن يعود احترامنا للجمهور الذي لم يعد ساذجا بل يقبل علي الأفلام جيدة الصنع وانظروا إلي إيرادات .2014 

hafezhossam@gmail.com

الجمهورية المصرية في

18.02.2015

 
 

"رعي السماء" .. حالة سينمائية مدهشة

محمد البحيري

قليلة هى الأفلام التى تأسرك تماما وتبقى فى وجدانك وذاكرتك بعد انتهائها. تلك الأفلام التى تتساءل معها عن علاقتك بالسينما او تعيد اكتشاف السينما من خلالها فهي تلامس جوهر الروح و جوهر الفن.

والفيلم التسجيلي  "رعي السماء" Grazing the Sky  للمخرج المكسيكى هوراشيو الكالا، هو إحدى هذه التحف السينمائية المدهشة التى ننتظرها طويلا ونحتفى بها كثيرا، وتصبح الكتابة عنها أمرا شديد الصعوبة، فكيف تحكى قصيدة ؟ وكيف تذكر المشاعر التى لامست روحك؟ ولكن ربما هناك سؤال اكثر منطقية وهو إذا لم نكتب عن تلك الافلام فعما نكتب؟!

السيرك كما لم نشاهده من قبل

يبحر بنا فيلم "رعى السماء" فى عوالم السيرك من خلال حكايات بعض فنانى السيرك من أكثر من دولة متناولا حكاياتهم مع السيرك وعلاقتهم به وعلاقتهم ببعضهم البعض بصورة لم نراها من قبل، فالفيلم يجعلنا نرى السيرك بصورة جديدة ورؤية مبتكرة تغدو فيه المشاهدة فعل اكتشاف وتأمل.. وقد بدأت فكرته من باتريك فلاين مدير شركة "سيرك دو سولى" وكانت الفكرة عن كيف يبدو السيرك الآن، وكيف تغيرت الكثير من مفاهيمه وطرائقه بشكل يختلف كثيرا عن الماضى، وكيف كان منذ 20 عاما حكرا على الذين نشأوا فى عائلات تعمل فى السيرك فقط ؟ وقد تأثر المخرج هوراشيو الكالا بالفكرة، خصوصا وهو من عشاق السيرك، فبدأ العمل عليى تطوير الفكرة ليخرج لنا هذه التحفة الأثيرة.

يبدأ الفيلم بشخصية "ايريكا نجويان" وهى تحكى عن حياتها الروتينية فى الماضى و تقول بنبرة كئيبة "كنت هنا عندما تداعى كل شىء"، ثم تغوص فى حوض الاستحمام ويغوص معها خطها الدرامى الى منتصف الفيلم إلى ان تظهر فى النهاية وتخرج رأسها من المياه لتقول " لنبدأ من جديد"، ثم يقطع المخرج على مشهد تبحر فيه الكاميرا فى السماء ومع عناوين الفيلم تبدأ موسيقى الكمان بالتبادل مع موسيقى المارش، وتظهر لقطات قريبة ذات ايقاع بطىء وشاعري للاعبي سيرك يتهيأون للعرض وكأنهم يمارسوا طقسا يدخلون معه فى حاله روحانية ويدخلنا معه المخرج فى جو سحرى مثير. تلك هي الافتتاحية المبهرة التى تأسر المتلقي.

يبدأ بعدها الفيلم فى سرد حكايات لاعبى السيرك بشكل متوازٍ، قام بتوليفها بشكل لافت المونتير ناتشو رويز، فها هو "جوناثان" ذلك الشاب الذى درس الفلسفة والاجتماع و الأدب يتوقف فجأة عن الدراسة و يستسلم لقلبه وشغفه بالسيرك ليبدأ التعرف على ذاته والتواصل معها بشكل مختلف، ويكتشف ذاته من خلال الحركة التى قال عنها: "فى لحظة محددة وفى مكان محدد تمتلىء الحركة بالرموز والعلامات والحكايات.. حكاياتى أنا". وهو الذى راوده حلم الطيران منذ كان طفلا "أنا اطير الآن" ودائما ما تحدث "جوناثان" وهو على المسرح ويتوسط الكادر تماما وكأنه مركز الكون، هذا الشاب الباحث عن التحقق وجد ضالته فى السيرك .

ثم هناك "فادى" الشاب الفلسطينى، عاشق السيرك، الذى يواجه واقعا يومىا قاسيا من الاحتلال والتخلف والقهر كما يواجه خيار الهرب أو المواجهه، والذى عبر عنه المخرج بصريا في مشهد بديع يلخص حكاية "فادى" كلها فها هو فى قبو مظلم نسبيا يتوسط الكادر هو وصديقته التى تشده بحبل و فى الخلفيه براح الطبيعة فى ضوء النهار. وبالفعل يستجيب "فادى" لغواية السيرك ويتابع المخرج رحلته الى تورينو، لتعلم فنون السيرك ثم يعود الى فلسطين و ينشىء مدرسة لفنون السيرك ويقول فادى عن علاقته بالسيرك "أحيانا أمارس اللعب لأشعر بجسدى واتخلص من كافة الضغوط وأشعر بالحرية" ويظهر فادى فى مشهد يتكرر كموتيف بصرى خاص به وهو على قمه جبل يمارس اللعب والتأمل و يحلق حتى يلامس السماء. وفى مشهده الأخير يبدو وهو يضع التراب على جسده وكأنه توحد مع مفردات الطبيعة مع موسيقى شجية اقرب الى انغام الناي، تعزفها آله غربية، وكأنه فى حضرة الإله وفى جو صوفى رائق.

فرقة مدهشة

من أجمل الحكايات واكثرها عمقا وخفة ظل حكاية مجموعة من لاعبى السيرك يعيشون فى قرية، معظمهم فرنسيين، تلك الفرقة المدهشة التى يقدمها المخرج من خلال لقطات قريبة تظهر رؤسهم وهم يتحدثون للكاميرا وتوضح مدى الحميمية والترابط بينهم فيلخصون علاقتهم في عبارة " الفرد ليس ملكا". إنها مجموعة مبهرة تحيا من اجل اللعب والسعاده فقط،  يتكلمون جميعا بنبرة طفولية وعروضهم مليئة بالمتعه والطرافة والضحك، وهم يرقصون مع العالم ويلعبون مع الحياة ويتشاركون فى كل شىء "اذا شعر فرد منا بالسعاده فنفرح جميعا".. ما هذه الدرجة من الصدق والانسانية!

وهناك أيضا حكاية "مارى لى" و"فيليبس" ذلك الثنائى الجميل من كندا الذى يركز المخرج على علاقتهما الجميلة، فنرى لحظات دخولهما العرض وهما ممسكان بيد بعضهما البعض ثم "مارى" وهى تتحدث عن ثقتها الكبيرة فى "فيليبس" وعن صعوبه ثقتها فى أى شخص آخر، وعن مدى الترابط و الحس المتبادل بينهما وعلاقتهما بالسيرك التي بدأت كهواية إلى ان احترفا واصبحت مهنتهما، ولكنها مهنة محببة للقلب. ويتابع المخرج العروض الجميلة التي يقدماها فى مونتريال.

وهناك ثنائى آخر من بروكسل هما "انتونيو" و"ماكس" يبدأ المخرج قصتهما من لحظة درامية قوية عند اصابة "انتونيو" بكسر فى الفقرات اثر حركة خاطئة لم يستطع حينها الامساك بيد صديقة "ماكس". وقد قدمها المخرج بشكل حزين وفي مشاهد أقرب الى الاعتراف، يشوبها الشعور بالذنب، فى إضاءة خافتة ولون رمادى كئيب يعمق الاحساس بالاسى والحزن.

ويكرر المخرج مشهد السقوط على موسيقى حزينة وينهى المشهد بالاظلام ونتابع حكايتهما إلى ان يتعافى "انتونيو" ويعود من جديد يلعب مع صديقه وقد عادت الثقة من جديد فى مشهد مفعم بالحميمية والصدق خصوصا عندما يركز المخرج على تشابك أيديهم مؤكدا عمق العلاقة بينهما.

وها هى "ساره" تلك الفتاه التى تظهر فى أولى مشاهدها، متساءلة عن ذاتها وصورتها وعمن تكون وهى التى عشقت السيرك وتقدمت اليه دون علم والدها.. كما أنها تعشق الحبال واللعب بها فنراها فى برشلونة وهى تواجه تحدى اللعب مع اشخاص لم تعرفهم من قبل وامامها يوم واحد فقط لتقول" لابد ان اثق فيهم" أو وهى تلاعب الحبال على خلفية سماوية صافية وكأنها تحلق بعيدا.. وقد ابدع المخرج فى تصوير المشهد وكذلك المشهد الاخير لها الذي يعد احد اقوى مشاهد الفيلم، عندما نراها وهى ترقص على الحائط بالحبل والذى صوره المخرج بعدد هائل من اللقطات ومن زوايا تصوير متنوعة و مبتكرة واحجام مختلفة للقطات. إنه مشهد مبهر لايتكرر كثيرا لينتهى بها وهى معلقة على الحائط تصرخ فى وجه الوجود.

وهناك "داميان استريا" الذى قدم عروضا فى معظم دول العالم.. تلك العروض الكرنفالية المبهجة التي يغلب عليها الطابع المرح. وقد اجاد المخرج و مهندس الاضاءة تقديمها بشكل مميز.

وهناك أخيرا حكاية "ايريكا" التى بدأت الفيلم والتى من الواضح انها عاشت حاله نفسية صعبة ودخلت فى نوبات اكتئاب وانعدام للثقة فى النفس، وغلبت على مشاهها اضاءة كئيبة وملابسها دائما سوداء، وهى تتحدث بشكل مختلف عن جنون العالم المعاصر ومشاكل الاقتصاد والبطالة والحروب والتهديد النووى والكوارث المزمنة وهى فى حكيها تشى بحس عدمى وروح مهزومة. وقد وظف المخرج والمونتير حكايتها بشكل ذكى ليصبح الفيلم وكأنه لحظة فى حياة "ايريكا" لحظة ما بين غوصها فى حوض الاستحمام وخروج رأسها وكأنه حلم سريع فى لاوعيها تلك اللحظة الفاصلة ما بين انعزالها ودعوتها للبدء من جديد.

خارج التصنيف

من الصعب تصنيف الفيلم كفيلم تسجيلى رغم فوزه بجائزة جمعية النقاد فى مهرجان الاسماعيلية كأفضل فيلم تسجيلى، فالفيلم مفعم، ليس بروح السينما الروائية، وانما بروح الشعر فهو قصيدة بصرية مذهلة فى عشق الانسان، تتأمل الروح والجسد الانسانى، تحتفى بالصداقة والعلاقات الجميلة، وتدعو للامل والسعادة والتحقق والبحث عن الذات، وتطرح سؤال الوجود، فكل الشخصيات اضطرت فى لحظات ان تختار وان تشعر بالاختلاف وتكتشف معنى لحياتها. ونجح الفيلم في الاقتراب الحميمى من الشخصيات وكشف أعماقها ومشاعرها بصورة فنية جميلة، كما اختار المخرج لحظات ومشاهد تكثف معنى الحكاية لكل شخصية وهو ما صبغ الفيلم بشاعرية رقيقة جعلته عصى على التصنيف.

تكامل العناصر الفنية

رغم تقليدية جملة تكامل العناصر الفنية الا انها فى مكانها الصحيح فى فيلم "رعي السماء" فمثلا كل شخصية قدمت من زاوية معينة وبإضاءة مختلفة وموسيقى مختلفة تبرز عالمها وعلاقتها بالسيرك بصورة مختلفة عن غيرها، فمع براعة المصور ومهندس الاضاءة ،نجد ثراء غير عادى في شريط الصوت وكأن الموسيقى الخاصة بكل شخصية هى صوتها الخاص.. هذا الثراء حول الفيلم الى سيمفونية سمعية وبصرية انتهت نهاية مدهشة من المونتير الذى استخدم الفوتومونتاج فى المشهد الاخير مع موسيقى واحدة وايقاع واحد لكافة الشخصيات، وكأنة يقول انها تنويعات على لحن واحد، وكأن الشخصيات توحدت وتحققت اخيرا، كما ان اختيار جمل الحوار كان له اثر جيد فى تلقى الفيلم فالمخرج اختار لحظات وجملا دالة مكتفية بنفسها بعيدا عن الثرثرة. ولا ننسى ايضا اخراج عروض لاعبى السيرك والذى تميز بإضاءة ممتازة وحركات مبهرة اضفت على العرض طابعا سحريا كما ان كل الخيارات البصرية من أحجام اللقطات وزوايا التصوير وتنوعها كانت ملائما لكل شخصية.

عين على السينما في

18.02.2015

 
 

استشهاد المخرج حسن عبد الله

بعدما اختار توثيق بطولات المقاومين في أعماله الوثائقية، استشهد المخرج في قناة "المنار" حسن عبد الله اليوم في اشتباكات في حلب أثناء تصويره فيلماً عن حصار نبل والزهراء.

ترك عبد الله بصمته على العديد من الأعمال الاخراجية في قناة "المنار" منها الفيلم الدرامي "طيف اللقاء" الذي تعرضه «المنار» غداً في مناسبة يوم الشهيد، ويتناول حقبة أواخر التسعينيات.

كما أنجز شريطاً ثانياً بعنوان «نقطة فداء» كتبه عدي الموسوي. يختلف الفيلم تماماً عن الأعمال التي تطرّقت سابقاً إلى تاريخ الصراع اللبناني الإسرائيلي، ويتناول مرحلة دقيقة من تاريخ الصراع خلال عام 2006. وفي رصيد عبد الله العديد من الانتاجات والأفلام الوثائقية الأخرى، إضافة الى عمله في مجال التصوير. وقد شارك في تصوير العديد من العمليات العسكرية للمقاومة ابّان احتلال العدو الاسرائيلي للبنان.

وكان الإعلام الحربي لـ "حزب الله" أعلن في بيان أنّه بـ"مزيد من الفخر والاعتزاز يزف الاعلام الحربي في المقاومة الاسلامية الشهيد المجاهد حسن عبدالله بعد تأثره بجروح اصيب بها خلال تأديته لواجبه الجهادي وتغطيته للمعارك الدائرة بين الجيش السوري والجماعات التكفيرية وتصويره لفيلم وثائقي لقناة "المنار" في حلب شمالي سوريا". واشار البيان الى أنّ موعد التشييع يحدد في وقت لاحق. علماً أنّ عبد الله من بلدة عيترون الجنوبية ومقيم في جبشيت وأب لثلاثة اولاد.

الأخبار اللبنانية في

18.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)