كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

السينما المغربية في الوقت الراهن هي الأفضل عربيا وافريقيا..

عبد الكريم واكريم: يجب مواجهة المخرجين بسرقاتهم

والجمهور يتحمل مسؤولية الرداءة

حميد عقبي - باريس ـ «القدس العربي»:

 

نتابع عن قرب سخونة الطقس في فضاء الوسط الفني المغربي، خصوصا السينمائي الذي تعصف به حرائق يوصف بعضها بالفضائح مثل التحرش الجنسي بفنانات والحديث عن مخرجين يسرقون أفلاما أجنبية كاملة ولا يشيرون إلى أن الفيلم مقتبس، وكذا استغلال الفنان وعدم اعطائه حقوقه المادية والمعنوية، الكثير من هذه القضايا نناقشها مع ضيفنا الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، الذي صدرت له ثلاثة كتب سينمائية تناولت المشهد والتجربة السينمائية المغربية.

ينشر حاليا أن مخرجين مغاربة لهم شهرة لم يخرجوا أفلامهم، ويقال ايضا هناك مخرجون في الباطن من المغمورين..ما حقيقة الواقع السينمائي المغربي اليوم؟ 

□ لا يمكن نهائيا الحديث بهذه العمومية وتعميم حالة، خاصة على كل أو جل المخرجين المغاربة، الذين من بينهم من أضاف ولازال على الصعيدين العربي والأفريقي وشاركت أفلامه في كبريات المهرجانات السينمائية في العالم مثل «كان» و«برلين» و«البندقية» مع العلم ما لهاته المهرجانات من شروط فنية وتقنية قاسية لقبول أي فيلم فيها…

والاتهام لهذا المخرج من طرف ممثلة اشتغلت معه في فيلم بأنه ليس من يخرج أفلامه بحاجة لدليل وإلا يظل مجرد اتهام ناتج عن خلاف بين الاثنين.

أما بخصوص الواقع السينمائي المغربي حاليا فالسينما المغربية الآن من بين أفضل السينمات على الصعيد العربي والأفريقي، فمن حيث الكم أصبح المغرب ينتج أكثر من خمسة وعشرين فيلما طويلا سنويا، وسبعين فيلما قصيرا، ويمكن اعتبار خمسة من بين الأفلام الطويلة المنتجة جيدة ومقبولة فنيا وجماليا وسينمائيا، فيما عشرة مستواها الفني متوسط، لكن يمكن لها أن تجلب جمهورا وتحقق إيرادات مهمة في شباك التذاكر، والباقي فيه ما يمكن أن يحقق إيرادات مادية كأفلام سعيد الناصري، صاحب هذه الضجة وأفلام «فركوس»، لكن هذه الأفلام لا يمكن للسينفيليين والنقاد تقبلها لما فيها من إسفاف وذوق رديء، يضاف إليها الآن التهم التي تكال لأصحابها بكونهم (سعيد الناصري على الخصوص) يسرقون الفيلم كاملا من أفلام أجنبية، من دون الإشارة إلى ذلك في الجنريك، رغم أن هذه الحالة معمول بها ومن مدة في مصر والهند وأمريكا، لكنها في هذه الأخيرة تسمى «ريمايك» (إعادة صنع) ، ويُعلن عن ذلك أمام الملأ.

شهد الواقع السينمائي المغربي منذ مدة نقاشا حول مسألة الكم والكيف فهناك من يرى أنه لا يجب دعم سوى الأفلام الجيدة وأن الصناعة السينمائية في المغرب ليست في حاجة لكم فيه الكثير الغث ومن الرداءة لكي تذهب للأمام، أما الجانب الآخر فيرى أن ليست هناك أي صناعة سينمائية في العالم لا يوجد فيها سوى الجيد، فحتى هوليوود نسبة الأفلام الجيدة، التي تنال الجوائز جد قليلة مقارنة بالبقية التي تتأرجح بين المتوسط والرديء فنيا وجماليا…

ما قام به سعيد الناصري بنقل فيلم أمريكي كامل يجب الوقوف في وجهه طبعا، وعلى من يريد نقل فيلم أن يقوم بذلك حسب الشروط المعمول بها عالميا، وباحترام حقوق الملكية الأدبية…

هل كان الجمهور مخدوعا في بعض المشاهير، الذين يطلقون على أنفسهم صفة المخرج السينمائي؟ هل هذا يزعزع ثقة الجمهور في الفيلم المغربي؟ ألا تتحملون أنتم كنقاد بعض هذا الوزر والإثم؟ أليس النقاد هم من ينفخ في هؤلاءِ ويطلقون صفة الفنان والمبدع وهناك من «يخضب المجنونة ويكحل العمياء» عند تناول أفلام قد تكون رديئة؟

□ أظن أن ما وقع سينال بالتأكيد من السمعة الفنية للمخرج المذكور، لكن مرة أخرى لا يجب التعميم، وليس هناك جمهور واحد بل جماهير سينمائية، فكما هناك من يُقبل على أفلام الناصري و»فركوس» يوجد جمهور آخر يقبل على أفلام أفضل وأجود…

لم ينفخ النقاد السينمائيون المغاربة قط في أي فيلم رديء، بل إن حكمهم كان دائما قاسيا حتى مع مخرجين يمكن اعتبارهم من بين أهم المخرجين العرب، فبإمكانك على سبيل المثال أن تجد ناقدا مغربيا يُعبر عن عدم اقتناعه بفيلم أخرجه مخرج بقيمة الجيلالي فرحاتي، بما يحمله من تاريخ سينمائي محترم ويشهد له بالكفاءة نقاد سينمائيون عرب وأجانب..المشكل مع بعض الرداءة في السينما المغربية يتحملها أعضاء لجنة الدعم السينمائي الذين منحوا للناصري 80 مليون سنتيم مغربي، كدعم لما بعد الإنتاج ودعموا فيلما لفركوس جاء برداءة فيلم الناصري أيضا، وهم يدعمون فيلما آخر له الآن… وهنا يمكننا أن نقول إن شيئا ما غير مبرر يحدث يجب وضع حد له… الآن وقد جاءت لجنة جديدة نرجو أن يختلف الأمر عما كان عليه في السابق… المسؤول الثاني عن تشجيع الرداءة هو الجمهور الذي يُقبل بكثافة على أفلام رديئة ويدعمها ماليا، ويمكن صانعيها من الاستمرار في إنتاج أفلام على هذه الشاكلة.

تقول على صفحتك في الفيسبوك «بالرجوع إلى ما فعله ويفعله سعيد الناصري، فهي سرقة موصوفة، لكنني أظن أنه ليس علينا نحن كسينفيليين محاسبته، بل تلك مسؤولية جمهوره». إشرح لنا بالتفصيل ما تريد بقولك «ما فعله ويفعله سعيد الناصري، فهي سرقة موصوفة» ؟

□ كنت وأنا اكتب ما ذكرته في صفحتي الفيسبوكية أحمل حرقة إقبال الجمهور الواسع على أفلام رديئة، وكنت بما كتبت أُحمل هذا الجمهور المسؤولية، أما الناقد فلا يؤثر في مثل هذا الجمهور، الذي أغلبه لا يقرأ على الإطلاق ما يكتب بجدية عن السينما، وحتى إن تابع فهو يتابع أخبار الفضائح والتشهير.

ثم كيف تحمل المسؤوولية الجمهور والعوام المساكين لم تلق باللوم على الجهات الفنية الرسمية أو الجمعوية أو الأكاديمية؟

□ الجهات الرسمية تتحمل المسؤولية، وقد أجبت عن هذا في سؤال سابق بتحميلي المسؤولية كاملة للجنة الدعم السينمائي، التي تجرأت على إعطاء دعم لفيلم دون المستوى بعد مشاهدته وليس فقط كمشروع فيلم وبعد قراءة السيناريو.

قد يوحي كلامك بتبرير الغش والسرقة خصوصا أنك ناقد؟

□ لا أبدا..وقد أجبتك عن هذا لم ولن أكون مبررا للغش والسرقة، كان عليه الإعلان في الجنريك – كما يفعل العديدون – أن الفيلم مأخوذ عن الفيلم الفلاني، لكن هذا كان يُلزمه أداء حقوق الفيلم المأخوذ منه فيلمه… هو لم يفعل هذا فقط… لكن أليس هناك أفلام عديدة (مصرية وهندية وأمريكية أيضا) منقولة من الجلدة للجلدة، من أفلام أخرى؟..لكن إذا كانت في إطار «الريماك» remake يتم تقبلها، وإذا كانت سرقة بدون الإعلان عن المصدر المنقول منه يجب إدانتها.

ألا ترى أن ظاهرة السرقة والغش السينمائي لمخرجين مغاربة مشاهير يكشف هشاشة النقاد المغاربة؟ أليس من الصواب أن تتم مراجعة الواقع السينمائي والاعتراف بالأخطاء وتسمية كل مخرج بصفته مخرجا مبدعا أو مخرجا غشاشا؟

□ هذا ما يتم في الواقع، والنقاد السينمائيون المغاربة لطالما أشاروا للمستوى المتدني لأفلام بعينها وخالفوا رأي لجنة الدعم السينمائي التي ارتأت في الكثير من دوراتها منح دعم لمشاريع أفلام رديئة في ما رفضت دعم مشاريع أخرى لمخرجين متميزين كداوود أولاد السيد وفوزي بنسعيدي وغيرهما… ونتمنى ألا تسقط اللجنة الجديدة التي تم تعيينها مؤخرا في أخطاء اللجنة السابقة نفسها.

تخبط وعشوائية وظلم للعاملين من الكادر التقني والفني السينمائي هل هناك قضايا اكبر مختبئة خلف المستور؟

□ هناك قوانين جيدة في عمومها تحمي التقنيين السينمائيين المغاربة، لكن يستطيع البعض التحايل عليها واستغلال المشتغلين في الميدان، ولهذا يجب أن تكون هناك صرامة في التعامل مع هذا الجانب من طرف المسؤولين.

الكثير من الممثلين والممثلات يقولون لا نشعر بكرامة الفنان بسبب جشع المنتج وأحيانا غرور المخرج كيف تنظر لهذه القضية؟ كيف يمكن وضع حد لها؟

□ هي حالات جد معزولة، ولا يمكن تعميمها على الإطلاق…ويجب فضحها.

إلى أين يسير المشهد السينمائي المغربي؟

□ المشهد السينمائي المغربي يعرف حركية لافتة ناتجة عن النهضة سينمائية شهدها المغرب طيلة العشر سنوات الماضية… لكن سيظل العائق الذي يقف أمام تطور السينما المغربية هو غياب منتجين خواص، إذ لو توقفت الدولة التي تدعم الإنتاج السينمائي عن دعمها اليوم لاختفت السينما أو كادت.. والعائق الثاني هو التناقص المهول للصالات السينمائية على طول التراب المغربي، ويبدو أن المدير الجديد للمركز السينمائي قد انتبه لهذا الجانب ووعد في أول تصريح له أن يهتم به ويجعله من الأولويات.

هل من معالجات عملية ممكنة سريعة لإنقاذ الفن المبدع؟ وما نظرتك للمستقبل؟

□ طبعا يجب التركيز على إنشاء صالات سينمائية على طول التراب المغربي، وليس فقط في المراكز الكبرى، لكن في المناطق النائية أيضا. وتشجيع المستثمرين على الدخول إلى الميدان السينمائي الذي يكون مربحا لهم لو كانت هناك سوق كبيرة، ولو استطاعت الأفلام المغربية تجاوز السوق المغربية والعبور خارج الحدود إلى الدول العربية. وبخصوص المستقبل أنا جد متفائل بالصحوة التي تشهدها السينما المغربية، وما الجوائز التي تحصدها الأفلام المغربية في المهرجانات الدولية والعربية والأفريقية سوى دليل على ذلك.

لك عدة كتب سينمائية حدثنا عنها بإيجاز وعن اهتمامتك؟

□ صدرت لي ثلاثة كتب سينمائية هي «أسئلة الإخراج السينمائي في المغرب» سنة، 2003، و»كتابات في السينما» سنة 2010 و»تجارب جديدة في السينما المغربية» سنة 2013، وقريبا جدا سيصدر لي كتاب «أنا والسينما». اهتمامي الأساسي هو النقد السينمائي، وأنا أشرف على مجلة سينمائية متخصصة هي «سينفيليا» كرئيس تحرير لها، وأعمل كسكرتير تحرير لمجلة ثقافية متخصصة هي «الأدبية»… أشارك باستمرار في مهرجانات سينمائية مغربية وعربية وأجنبية، إما كعضو لجان تحكيم أو في محاضرات وندوات تقام بها أو مشرفا أو مشاركا في تحرير نشرات سينمائية في هذه المهرجانات.

القدس العربي اللندنية في

16.02.2015

 
 

نتذكرهم حين يموتون

حنين عمر

حين يموت أي نجم من نجوم الزمن الجميل، تمتلئ المواقع والصحف بصوره وحكاياته، وتتبارز الوسائل الإعلامية لسرد تاريخ حياته ونبش ماضيه، بكل ما فيه من أخبار وأسرار وإشاعات وزيجات وأعمال وأخطاء وإنجازات.

ولكن ماذا عن الفترة التي سبقت وفاته؟ لماذا لا نتذكره قبل مغادرته هذا العالم؟ فنادراً ما يكلف الإعلام نفسه عناء معايدته في عيد ميلاده أو استذكاره بتحقيق صحافي يُلخّص ما قدّمه قبل أن يغيب، أو حتى تكريمه بشكل يليق بمشواره الفني العريق. لقد طال التهميش عدداً كبيراً من ألمع نجوم الماضي، أولئك الذين كانوا ذات يوم الشغل الشاغل للصحافة.

إن موت فاتن حمامة ، وصباح، ومريم فخر الدين، ووردة، وزهرة العلا، وقبلهم كُثر من نجوم ونجمات الزمن الجميل الذين غادروا بعد أن أطبق الصمت عليهم في آخر أيامهم، يفتح باب التساؤل حول هذه الظاهرة التي تفضح تراجع القيمة الفنية للإنسان بحد ذاته، وللفن الجميل الذي لم يعد وفق المعطيات الحالية يجلب القراء.

فالإعلام اليوم ينشر أخبار العديد من "الفنانين المعاصرين"، الكلمة التي تجمع بين طياتها الغث والسمين، والجيد والرديء، وصاحب الموهبة ومن لا موهبة له. أخبار هؤلاء "الفنانين المعاصرين" وصورهم، وبشكل خاص تلك التي تظهر فيها نجمات ملمّعات بالفوتوشوب وعمليات التجميل، صورٌ توضع على الأغلفة لزيادة التوزيع واستقطاب الإعلانات، مما يذكرنا بأعمال الصحافة الصفراء وما كانت تلجأ إليه في السنوات الماضية قبل انتشار هذا النوع من الصور على الإنترنت، إذ كان يتم وضع صور امرأة عارية على الغلاف لجذب القراء، بغضّ النظر عن محتوى الخبر أو مصداقيته أو قيمته الفنية.

يبدو أن هذا النهج القديم قد عاد إلى الساحة وجدّد نفسه بطريقة أخرى ليُصبح ثيمة سائدة، مع استثناءات قليلة تُحافظ على أخلاقيات المهنة. فحين عادت فيروز إلى الغناء، لم توضع صورها على أغلفة المجلات، ولم تضُجّ المنابر الإعلامية بخبر عودة واحدة من أعظم المطربات في التاريخ إلى الساحة الفنية، بقدر تطبيل تلك المنابر نفسها لتغريدة فارغة على تويتر أطلقها أحد المشاهير خلال تناوله وجبة غدائه أو خلال شجار شخصي مع "مشهور" آخر.

أما الأسئلة التي تتبادر إلى أذهاننا فهي عن الفن: أين الوفاء له؟ هل الجمهور وفيّ أم أن الخطأ يقع على الإعلام الذي يتناسى أهم الوجوه؟ أين الخلل؟ ولماذا تفتقر المواقع الإخبارية لأخبار النجوم الحقيقيين وتتذكرهم فقط يوم وفاتهم أو فور شيوع شائعات عن موتهم؟ تلك الشائعات التي لا يتأكد منها الإعلاميون قبل تداولها وتبنّيها، ويتجاهلون بذلك الألم الذي قد تسببه لصاحبها وهو يُراقب أخبار موته ونعيه والضوء الذي يُسلّط عليه كفنان بسبب وفاته. فهل على الفنان أن يموت لكي يعود إلى الساحة ويتصدّر العناوين الصحافية؟ وما نفع أن نتذكر من نحبهم بعد موتهم، نحن الذين تناسيناهم طويلاً حين كانوا أحياء يرزقون بيننا؟

فيلم "ذيب": طفرة سينمائية للفن بالأردن قبل عرضه عربياً

عمان – محمود الخطيب

كشف المخرج الأردني ناجي أبو نوار حماسه الشديد، لقرب عرض فيلمه الروائي الطويل "ذيب" في دور السينما العربية، اعتباراً من التاسع عشر من شهر مارس/آذار المقبل في الأردن ولبنان والإمارات، وفي السادس والعشرين من الشهر ذاته في مصر، مضيفاً لـ "العربي الجديد": "خلال العشر سنوات الأخيرة، كان حلمنا هو أن نقدم سينما عربية، وأخيراً ننال الفرصة لمشاركة هذا الحلم مع الجمهور العربي"، واليوم يصل الفيلم إلى عين المشاهد العربي، بعد جولة طويلة حافلة بالجوائز التقديرية من عدد كبير من المهرجانات السينمائية العالمية الكبرى.

وفيلم "ذيب" الذي تدور أحداثه في صحراء الأردن أثناء الحرب العالمية الأولى في مجتمع مغلق يفتح عينيه على صدمة التغيير، منحه مهرجان أبوظبي السينمائي الذي أقيمت دورته الثامنة نهاية العام الماضي جائزة أفضل فيلم من العالم العربي. كما فاز في المهرجان ذاته بجائزة أفضل فيلم روائي من الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي). كما نال المخرج أبو نوار جائزة "اوريزونتي" لأفضل مخرج في مهرجان البندقية السينمائي هذا العام، وجائزة (فارايتي) لأفضل مخرج من الشرق الأوسط لهذا العام أيضاً.

 وقال عبد الله الشامي الشريك الإداري في شركة "MAD Solutions"، أن عرض الفيلم على صعيد واسع في الوطن العربي بعد تحقيقه انتشاراً عالمياً كبيراً، يأتي لإتاحة الفرصة للجمهور بأن يشاهد تحفة بصرية فريدة، فالعالم العربي بمثابة بوتقة صهر ثقافية، لهذا لم نصدق أعيننا ونحن نرى كيفية احتضان الجمهور للفيلم خلال عروضه في المهرجانات السينمائية في المنطقة. فالفيلم ليس عن حياة البدو، إنه قصة إنسانية تمسنا جميعاً".

ويقدم فيلم "ذيب" مغامرة صحراوية تدور في الصحراء العربية عام 1916، ويتناول قصة الفتى البدوي ذيب وشقيقه حسين اللذين يتركان أمن مضارب قبيلتهما في رحلة محفوفة بالمخاطر في مطلع الثورة العربية الكبرى. إذ تعتمد نجاة ذيب من هذه المخاطر على تعلم مبادئ الرجولة والثقة ومواجهة الخيانة.

وقد أثار الفيلم ردود أفعال نقدية متحمسة وإشادات فنية في الإعلام والصحافة العربية والدولية، فقد كتب عنه الناقد جاي فايسبيرغ في افتتاح مقاله بمجلة فارايتي "فيلم مغامرات كلاسيكية من أفضل طراز، يقدّم السكان المحليين بشكل لا يُصدق من خلال قصة محكية جيداً عن طفل بدوي يتفوق بدهاء على أعداء محتملين في الصحراء".

وقد حصل مخرج الفيلم على جائزة أفضل صانع أفلام عربي لعام 2014 من مجلة فارايتي، كما أصبح "ذيب" من الأفلام المفضلة للجمهور ولجان التحكيم في مختلف أنحاء العالم. إذ كان أول فيلم أردني يحصل على جائزة أفضل مخرج في مسابقة آفاق جديدة، ضمن مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، كما نال الفيلم تنويهاً خاصاً من مهرجان لندن السينمائي التابع لـمعهد السينما البريطاني، ثمّ جائزة أفضل فيلم من العالم العربي بمسابقة آفاق جديدة، وجائزة فيبريسكي لأفضل فيلم روائي في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، إضافة إلى شهادة تقدير خاصة في مسابقة آفاق السينما العربية ضمن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة أفضل عمل إخراجي أول من المهرجان السينمائي الدولي لفن التصوير السينمائي (كاميريميج) في بولندا، ضمن مسابقة الأعمال الروائية الأولى للمخرجين.

العربي الجديد اللندنية في

16.02.2015

 
 

بياع الخواتم.. حينما يصنع شاهين فيلما مملا

محمود الغيطاني

هل من الممكن القول: أن يوسف شاهين كان يرغب أن يكون مخرجا مسرحيا، لكنه أثبت أنه مجرد مخرج فاشل في هذا المضمار؟

أظن أن كل من سيشاهد فيلمه "بياع الخواتم" 1965م، الذي كتب قصته ولحنه الأخوان رحباني، سيتأكد أن شاهين لم يكن سوى مخرجا مسرحيا فاشلا بالسليقة، حتى أنه حينما حاول تحويل المسرحية التي كتبها رحباني إلى فيلم سينمائي، فشل في مثل هذا التحويل إلى وسيط آخر؛ مما أدى إلى أنه ظل حابسا نفسه في إطار مسرحي من خلال Location أو مكان واحد، وديكور لا يختلف، محاولا أن يقدم لنا عملا سينمائيا غنائيا، إلا أنه باء بالفشل الذريع، بل إنه حينما راهن على وجود المطربة فيروز في الفيلم ظنا منه أنها من الممكن أن تحقق للفيلم شيئا من الحيوية، راهن رهانا خاسرا، جاعلا من فيروز ممثلة شديدة السوء، قدمت لنا أسوأ حالاتها الفنية على الإطلاق؛ حتى أننا لم نحتمل أكثر من خمسة عشر دقيقة من الفيلم، وبالتالي كان تمسكنا بمقاعدنا لمدة ثلاث ساعات متواصلة من أجل استكمال المشاهدة بمثابة العذاب الذي لا يمكن وصفه، وهو الأمر الذي جعلنا نتساءل كثيرا: لم يُصر شاهين على تقديم فيلمه في كل هذه الفترة الزمنية الطويلة، في حين أنه لم يكن في حاجة فعلية إلى كل هذه المدة، بل إذا كان قد عمل على تكثيف الأحداث في 90 دقيقة فقط، ربما بدا لنا الفيلم أكثر تماسكا واحتمالا.

فالفيلم لم يستطع الخروج عن النص المسرحي الذي كتبه الأخوان رحباني بأي شكل من الأشكال، حتى أني تساءلت: لم يُصر شاهين على نفس هذا الشكل المسرحي في حين أنه كان من الممكن تحويل النص الأصلي إلى عمل سينمائي مشوق من خلال سيناريو مكتوب مباشرة إلى السينما مستخدما آلياتها، من فلاش باك Flash Back، وتغيير "اللوكيشن"، وتغيير زوايا التصوير، وديكور، والأهم من ذلك كله عنصر التشويق بدلا من هذه الآلية الرتيبة التي أصر عليها طول مدة الفيلم التي ظننتها أبدية قد لا تنتهي، والتي كان العيب الأساس فيها يعود إلى شاهين سواء من حيث الإخراج، أو عملية المونتاج التي تركها بالكامل تقريبا للمونتير صاحب حداد ليكون فساد الفيلم الذي افتقر إلى الحيوية وعنصر التشويق؟

بل لا يمكن إنكار أن تساؤلاتنا قد ذهبت إلى مدى أبعد من ذلك حينما تساءلنا: هل نستطيع أن نُطلق على فيلم "بياع الخواتم" لشاهين أنه فيلما غنائيا، أو فيلما استعراضيا، أم فيلم مسرحي- إذا جاز لنا التوصيف-؟

في الحقيقة أن الفيلم كان مسخا بين الثلاثة؛ وبالتالي لم يكن فيلما غنائيا بالمعنى المتعارف عليه في السينما العالمية، أو العربية، "فالفيلم الغنائي هو الفيلم الذي يعتمد على عوامل كثيرة في السيناريو، والحوار، والقصة التي تسمح بتوظيف الغناء فيها بشكل أساس، ولا يكون بعيدا عن النسيج الدرامي للسيناريو؛ حتى يؤدي الغناء وظيفته الدرامية التي تواكب تصاعد الأحداث وتتابعها وصولا إلى القمة، أو النهاية بحيث يؤدي المطرب - أو المطربة - الأغاني المرتبطة مباشرة بالحدث، وإلا فما معنى الغناء في الأفلام إن لم يكن كذلك خصوصا"(1)، وهي الأفلام التي قدمها لنا فريد الأطرش، ومحمد فوزي، وعبدالعزيز محمود، وكارم محمود، وشادية، ونور الهدى، وهدى سلطان، وعبد الحليم حافظ وغيرهم من الفنانين الذين قدموا لنا الكثير من الأفلام الغنائية التي كنا نستطيع التمسك أمامها بمقاعدنا حتى ينتهي الفيلم تماما ونحن في حالة طرب حقيقي لما يتم تقديمه من أغان، بل ومتعة حقيقية بالسيناريو الذي يتم تقديمه على الشاشة، بل وهي الأفلام التي كان يقدمها العديد من المطربين من أجل الترويج لبعض أغنياتهم كوسيط جديد من الوسائط التي يقدمون من خلالها أفلامهم، وإن كنا لا ننكر في الوقت نفسه أن السينما المصرية لم تستطع تقديم الفيلم الغنائي كما ينبغي، ولم تستطع تطويره، بل كان الأمر مجرد محاولات من أجل ترويج هذا الفنان أو غيره من خلال السينما.

كما أن شاهين فشل في تقديم فيلما استعراضيا بالمفهوم المعروف عن الأفلام الاستعراضية؛ فالفيلم الاستعراضي المتكامل الذي يُحاكي فيلم ميريل ستريب "ماما ميا"  Mamma Mia  للمخرجة فيلدا لويد 2008م  مثلا، أو فيلم "صوت الموسيقى" The Sound of Music  للمخرج روبرت وايز 1965م، للممثلة جولي أندروز- وهو نفس العام الذي أُنتج فيه فيلم شاهين-، أي الحدوتة المبنية على فكرة غنائية استعراضية راقصة، والاستعراض هنا يعني الغناء، والرقص، والموسيقى، وتعابير الوجه والجسم والملامح والصوت، وحركة الأيدي، والأرجل، ووظيفة الملابس، والمكياج وارتباط كل ذلك بالزمان والمكان من بداية الفيلم حتى نهايته لم نشهده على الإطلاق في فيلم شاهين، كما لم يستطع مثلا أن يصل إلى مستوى أفلام مهمة في هذا المجال مثل فيلم "كباريه"Cabaret  للمخرج بوب فوس 1972م، أو فيلم "الطاحونة الحمراء"

Moulin Rouge للمخرج باز لوهرمان 2001م، هذه الأفلام التي قامت في الأساس على الاستعراض والغناء بشكل أساس لا يمكن أن يقوم الفيلم من دونها، بل ونظن أن السينما العربية على طول تاريخها لم تقدم مثل هذا الفيلم الاستعراضي إطلاقا، وإن كانت قد قدمت بعض الأفلام الغنائية التي خلطت بينها وبين الاستعراض فقط.

فهل كان يُفكر شاهين حينما أقدم على تقديم مثل هذا الفيلم في أن يقدم لنا جنسا جديدا من السينما التي من الممكن أن نُطلق عليها تجاوزا فيلما مسرحيا؟ أظن أنه إذا ما كان يفكر مثل هذا التفكير فلقد خانته الفكرة تماما، وبالتالي وقع في الرتابة الشديدة التي سقطت بفيلمه منذ الدقائق الأولى، وجعلت المشاهد غير قادر على الصبر للمشاهدة حتى النهاية، أو احتمال ما يقدمه شاهين؛ فالحكاية التي كتبها الأخوان رحباني تُقدم شخصية المختار (نصري شمس الدين) الذي حكم ضيعة ما، والذي يخترع شخصية "راجح" (يوسف عازار)، والتي يزعم من خلالها أن "راجح" يُعادي الضيعة ومن فيها، وهو يفعل ذلك من أجل إحكام سيطرته على الضيعة بالخوف الدائم من هذه الشخصية الاعتبارية التي ليس لها وجود في الحقيقة، وهي شخصية راجح؛ لذلك فهو يحمي الضيعة، ويمنع الأذى عن الأهالي، ويعترف المختار لابنة أخته "ريما" (فيروز) أنه قد اخترع هذه القصة؛ كي يسلّي أهل الضيعة، وكي يؤثر فيهم، إلا أن "ريما" التي لم تكن مرتاحة للقصة، اقتنعت أنها مجرد كذبة بيضاء صغيرة، ولن يحصل منها أي أذى خطير، إلا أن "فضلو" (جوزيف ناصيف)، و"عيد" (إيلي شويري) هذين اليافعين المحبين للأذى، شكّا بمصداقية القصة، وقررا استغلالها لتحقيق مآرب شخصية، ووضعا قائمة بجرائم تدعو للشفقة، على أن ينفذاها ويضعا اللوم على راجح؛ لذلك أطلقا الماعز من المزارع، وعبثا بالحدائق، وسرقا أشياء صغيرة، بالإضافة إلى إطلاق المزيد من الشائعات عن راجح بين أهالي الضيعة، إلى أن ظهر راجح الحقيقي في الضيعة في "عيد العزّابي" الذي يتيح لشباب وصبايا الضيعة أن يقترنوا بمن يحبونه طالبا مقابلة المختار لأمر مهم، وتحققت أمنيته عندما ظهر في منتصف الحفلة وتبين أنه بائع للخواتم، وأنه قصد الضيعة؛ ليقدم هدايا من بضاعته للعرسان الجدد، وطلب يد ريما لأحد أبنائه.

علّ هذه القصة التي قدمها شاهين في شكل مسرحي تماما يفتقر للكثير جدا من عناصر التشويق، بل وأصر اصرارا لا معنى له أن يكون الحوار بالكامل في شكل غنائي على طول الفيلم، كان من الممكن أن تُقدم بشكل سينمائي فيه من آليات السينما الكثير، لكنه فضل أن يُقدم فيلما مختلفا، يستخدم فيه آليات المسرح، معتمدا على الغناء، والاستعراض، فأدى ذلك إلى الخلط البين بين الكثير من الأجناس الفيلمية التي لا علاقة لها ببعضها البعض مما أدى في النهاية إلى أننا رأينا مسخا قدمه لنا يوسف شاهين مُطلقا عليه اسم الفيلم السينمائي، الذي لم يكن فيه من آليات السينما أي شيء في النهاية سوى اسمه الذي فضله شاهين، بل وانعكس ذلك بالضرورة على الفنانة فيروز التي كانت تؤدي دورها بقدر غير هين من الضجر؛ مما جعلنا نرى أنها مجرد ممثلة فاشلة لا تصلح للوقوف أمام الكاميرا كي تؤدي، بل ويكفيها الغناء فقط؛ لأنها تؤدي برتابة كانت منعكسة على ملامحها وطريقة أدائها.

ربما كان المخرج يوسف شاهين من أكثر المخرجين على الإطلاق الذين لديهم جموحا فنيا، هذا الجموح الذي لا يمكن مقارنته فيه بغيره، ولعل هذا الجموح الفني والرغبة الدائمة في التغيير والاختلاف هو الذي دفعه لتقديم الكثير من الأفلام المختلفة، والتي تخصه هو شخصيا، بل وأطلقت العنان لأفلامه نحو العالمية، وإعجاب الجميع بما يقدمه، ولكن للأسف فإن هذا الجموح كان هذه المرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فكما أن لكل جواد كبوة، فلقد كان "بياع الخواتم" هو الكبوة التي أوقعت شاهين.

(1) 

أنظر مقال الناقدة "عواطف الزين" بعنوان الغناء والاستعراض في السينما..بين التوظيف والتوليف/ مجلة الكويت/ العدد 372/ أكتوبر 2014م

مجلة "أبيض وأسود" - الـ FaceBook في

16.02.2015

 
 

سيرة "عراب العصر الالكتروني" في فيلمين سينمائيين

احمد ثامر جهاد

أسوة بالكتاب والفنانين تحظى سيّر المشاهير بجاذبية خاصة لمخرجي السينما. اذ شهد تاريخ السينما العالمية محاولات عدة، متفاوتة الجودة، لإنتاج ما يسمى بأفلام السيرة(بايوغرافي)، والتي لم يكن نجاحها متوقفا على شهرة الشخصية المتناولة أو المكانة التي شغلتها وحسب.

ذلك ان الشيء الأهم في السيرة التي يجري تحويلها إلى عمل سينمائي هو توفرها على قدر درامي وبعد انساني، يسوغان اختيار هذه الشخصية دون غيرها، ويسمحان باستثمار ثرائها في عمل فني. ويبدو ان السيرة الأيسر للنقل الى الشاشة هي تلك التي دونت بقلم صاحبها، على شكل مذكرات او سيرة فكرية أو فنية، تعرض لأهم محطات حياته وأعماله، سواء كان كاتبا روائيا او فنانا تشكيليا او شخصية سياسية وسواها. وهناك من يرى ان معظم المشاهير حول العالم يمتلكون الى حد ما، حيوات زاخرة بالتفاصيل والإثارة والمعاني الإنسانية. لكن هذا لن يعني بالضرورة ان عملية تحويل سير المشاهير الى اعمال سينمائية أمر مضمون النتائج، او ان النجاح حليفه دوما، لمجرد شهرة الشخصية وشعبيتها، فثمة مسألة فنية مهمة تتعلق برؤية المخرج لسيرة هذه الشخصية والكيفية التي من خلالها سوف يتم تقديمها سينمائيا

ما الذي سيتم التركيز عليه وما الذي يتوجب حذفه من دون التأثير في مجرى سرد الأحداث أو في رسم أبعاد الشخصية المتناولة؟ أية زاوية يُفضل اختيارها للبدء بسرد الحكاية السيّرية، أية فترة زمنية من حياة تلك الشخصية مناسبة أو كافية لإضاءة جل حياتها ومنجزها؟ ما الدور الذي لعبته الشخصيات الثانوية في صياغة مكانة الشخصية الرئيسة التي يجري تناولها، والى أي حد يجب ان يكون العمل السينمائي وفيا للتفاصيل التاريخية في سير المشاهير؟ وربما الاهم من ذلك كله، هل ان اختيار سيرة شخصية ما لتحويلها الى فيلم سينمائي هو فقط استجابة لدوافع تجارية، ام لنوازع فنية وثقافية أبعد من ذلك؟ اسئلة كثيرة تواجه صناع الافلام، وتلقي بظلالها على اعمالهم، وتحدد تاليا مستوى نجاح العمل السينمائي جماهيريا ونقديا

خلال التسعينيات أقدم مخرج بريطاني على معالجة جانب من حياة الشاعر الاكثر شهرة في بلده ت.اس.اليوت في فيلم سينمائي يتناول حقبة من حياته، لكنه مني بالفشل. ليس فقط لان ليس ثمة من يهتم لمشاهدة رجل انكليزي محافظ يمضي جل وقته في احتساء القهوة والثرثرة مع ثلة من العجائز المحبين للشعر، بل لان الفيلم ذاته افتقد الى الرؤية الحاذقة وكرس صورة نمطية عن الشخصية، ابعدته عما يمكن ان يكون مؤثرا في مسار حياتها ومواقفها وخيباتها ايضا. في الغضون لاقى فيلم المخرج الاسباني ماركوس زورنغا(اختفاء غارسيا لوركا-1996) اداء اندي غارسيا، نجاحا مأمولا بالنسبة لسيرة شاعر شكلت حياته دراما حقيقة اختتمت بمصرعه على ايدي الفاشيين الاسبان. ويمكن التذكير بعدد غير قليل من افلام السير التي نالت استحسان جمهور المشاهدين:فان كوخ، بيكاسو، مودلياني، تشي،كابوتي،فريدا كالوا، تاتشر-امراة حديدية،نيرودا-ساعي البريد،نيكسون...الخ

اجمالا ليست سير الشخصيات التي يتم تناولها هي وحدها من يحدد سبل نجاح نسخها السينمائية، وانما الجهد الذي يبذله السيناريست والمخرج وبقية طاقم العمل لتخليق هذه السيرة سينمائيا، واظهارها بمستوى ادائي وفني متميز.

اسانج: سيرة، إثارة، شهرة

ليس في الفيلمين السينمائيين الذين تصديا لسيرة مؤسس موقع ويكليكس، الاسترالي جوليان اسانج، الرجل الاكثر شهرة حول العالم حاليا، ما يفيد باننا ازاء شخصية درامية تصلح لان تكون مادة مميزة لفيلم سينمائي يسعى الى ان يجتذب الجمهور ويحقق نجاحا يذكر، لكن في المقابل نجد في حياة هذه الشخصية قدرا كبيرا من الاثارة والغموض والمغامرة واللعب الخطر مع الكبار، عبر كشفها المزيد من الوثائق والاسرار التي تدين دول وتفضح مؤسسات وشخصيات دولية متورطة في اعمال نهب وحروب وجرائم ضد الانسانية.

الفيلم الاسترالي الموسوم(Underground The Julian Assange Story-2012) للمخرج روبرت كونولي اكتفى-كما يشير عنوانه- بالوقوف عند حياة اسانج (الممثل اليكس ويليامز)،تحديدا في بدايات ظهور اهتمامه بالتقنيات واكتسابه مهارات التعاطي مع الحاسوب خلال فترة مراهقته. هذا الفيلم الحاصل على خمسة ترشيحات لدى عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، تناول الميول التي تولدت لدى عراب العصر الالكتروني "اسانج" في ظل ظروف من المعاناة النفسية، تعرض لها هو وعائلته واضطرته تاليا للرحيل خارج المدينة، بعيدا عن السلوك العنيف لزوج امه

في هذا الناحية يلمح الفيلم الى ان هناك لحظات زمنية فاصلة تشكل هوية الفرد وتترك اثرها على عقليته لترسم فيما بعد خريطة مستقبله. وشخصية اسانج مثلما بدت في الفيلم تشكلت في سياق هوسه بعالم الكومبيوتر وخباياه، وبراعته في التحكم به وتسخيره لاشباع فضوله وحماسه الذي يتخطى حدود هذه الآلة، وإن على نحو جعل مصادر معرفة الرجل وثقافته التي يستمد منها عزمه على تحدي السلطات، غير مقنعة للمشاهد، فهو بنظر البعض ليس اكثر من قرصان في زمن العولمة(هكرز) يسدد ضرباته بمهارة نحو خصومه، الى درجة ان مغامراته ستقوده لاحقا بمعية اثنين من اصدقائه الى افعال غير قانونية تنذر بعواقب جسيمة، كلما جرى العمل على اختراق موقع حساس او نشر وثائق رسمية. مع ان الحوادث التي يعرضها الفيلم تبدو بالنسبة لـ"اسانج" وكأنها رهان لعرض القدرات العقلية لمستخدمي الحاسوب قبل ظهور الانترنت، عبر ربطه بمودم يؤمن اجراء شبكة اتصالات تخرق انظمة امنية عالية المستوى في استراليا وامريكا ودول اخرى، وستؤدي في النهاية الى القبض على اسانج وايداعه السجن بعد نشره وثائق تعود للبنتاغون وتكشف عن اهداف وتحركات عسكرية امريكية ومواقع حساسة من المتوقع استهدافها في العراق عشية حرب الخليج الثانية

حفل الفيلم بالكثير من المبالغات، وتضمنت بعض مشاهده حيلا تقنية تحاول اقناع المتفرج بالقدرات فوق العادية لاسانج والتي تجعله قادرا على قطع التيار الكهربائي عن احد احياء مدينته بضغطة زر من كومبيوتره الشخصي لمجرد ابهار عشيقته بقوة مهاراته. تتوقف سيرة اسانج في هذا الفيلم عند القاء القبض عليه من قبل السلطات الاسترالية وايداعه السجن. لكن دعواه المتمردة ستظل مستمرة، ملهمة للاخرين ومقلقة في الوقت ذاته اصحاب النفوذ والسلطة

اما فيلم المخرج بيل كوندون الموسومThe Fifth Estate-2013)) الذي انتج بالتعاون بين شركتي "دريم ووركس" و"بارتيسيبان ميديا"  بكلفة بلغت نحو 30 مليون دولار، فلم يحصل خلال عرضه سوى على 4 مليون دولار، واعتبر فشلا ذريعا في تاريخ الشركة المنتجة، حتى ان صاحب ويكليكس صرح للصحافة، بان اخفاق الفيلم يعود لضعف فكرة السيناريو واعتماده على الكثر من التلفيقات المغرضة. لكن اسانج في المقابل ليس متعاونا مع صناع الافلام ولا يثق بحماسهم، وربما يكون محقا في رأيه هذا بالنظر لدوافع الشركات المنتجة التي لا تفكر ابعد من جني الارباح، وقد تكون النتيجة مماثلة لما حصل قبل سنوات مع فيلم(الشبكة الاجتماعية) للمخرج ديفيد فينشر والذي تناول حياة الشخصية الاكثر شهرة في العالم حينذاك، ونقصد مؤسس فيسبوك"مارك زاكربرغ". ربما كانت حياة اسانج مادة مثيرة لفيلم وثائقي، كان قد صنعه المخرج مارك ديفيز عام 2010 واسماه (Inside WikiLeaks).

يبدو اسانج في فيلم المخرج بيل كوندون بمثابة روبن هود عصره، يغامر بنفسه وبما يملك من عزم من اجل اظهار الحقيقة، التي تظل نسبيتها محل جدل هنا، فيحشد حول شخصه المؤثر المئات من المتطوعيين المجهوليين والموزعين في شتى بقاع العالم الذين يرسلون تقارير ووثائق خطيرة تكشف عن حقائق مختلفة لم يتعرفها الجمهور سابقا. يحزن اسانج لمقتل اثنين من اتباعه في كينيا ويتصرف بأبوية ثورية تجاه الآخرين، لاسيما مع اقرب معاونه(الالماني دانيال شميدت) لكنه في وقت اخر يبدو قادرا على التخلي ببساطة عن صديقه الالماني من اجل مبادئه الصارمة، ذلك بعد نشوب خلاف بينهما حول النقطة الحساسة في عمل ويكليكس، ونعني بها الحدود الاخلاقية لما تقوم به المنظمة، فقد يتسبب نشر بعض الوثائق بالحاق ضرر مباشر بحيوات العديد من الاشخاص. وهو ما حصل فعلا عام 2010 عقب نشر ويكليكس وثائق على مستوى من السرية عن المتعاونين مع اجهزة الاستخبارات الامريكية في بلدان عربية واجنبية عدة، مما جعل ذويهم عرضه للتصفية على يد جماعات مختلفة. حينها تبنى دانيال طرح السؤال الاهم في الفيلم، اذا كنا نعلم ان الامر سيؤول الى هذه النتيجة، هل علينا فعل ذلك حينها؟ ربما في هذه النقطة تحديدا يبدو انحياز الفيلم واضحا لموقف دانيال المعتدل، لاسيما ان الفيلم استند اساسا الى جزء من سيرته التي اصدرها بعد خروجه من ويكليكس عام 2010، السنة التي اثارت اكبر ردود فعل بعد نشر نحو 10 آلاف وثيقة عسكرية ودبلوماسية، تسببت بأكبر احراج دولي للولايات المتحدة ولطريقة تعاملها مع زعماء وسياسيين يعدون من بين اهم حلفائها. وكان من بين الحوداث التي فجرت غضبا امريكيا واسعا تجاه ويكيلكيس هو تسريبها فيديو يظهر استهداف عدد من المدنيين العراقيين العزل في احد ضواحي بغداد من قبل مروحيات عسكرية تابعة لشركة الحماية الامنية سيئة الذكر(بلاك ووتر)، فضلا عن حوادث اخرى مماثلة في افغانستان واليمن.

اسانج الذي ادى دوره ببراعة الممثل البريطاني (بنيديكت كامبرباتش) يعي اهمية وسائل المعلوماتية في صياغة عالم اليوم، يؤمن ان تقنية المعلومات هي امضى سلاح يمكن استخدامه بوجه جبروت القوى الكبرى التي باتت متحكمة بعقول ملايين الناس حول العالم. وكان المخرج الاسترالي روبرت كونولي قد المح الى عدم قناعة اسانج بجدوى المظاهرات والحراك الاجتماعي التقليدي لارغام السلطات على تبديل سياستها. لكن لغز الرجل الذي يتحرك بعزيمة لا تلين يبقى احجية لا يوافق الجميع على توصيفها الشائع واعتبارها محض بطولة فردية. وليس خافيا ان سلوك اسانج يجعله احيانا شخصية فريدة "ميتاواقعية" ترسم المستقبل في خضم الحاضر مهما كان الثمن باهضا. في المقابل فان شخصية اسانج كما ظهرت في عدد من مشاهد فيلم"السلطة الخامسة" تبدو اقرب الى شخصية رجل مافيا متغطرس، وغد من عصر العولمة يعرف ألاعيب خصومه ويعد الشجاعة معدية. خاصة وان المزيد من الاتباع اذا ما كنا ملهمين بدرجة لهم، سيقدمون على تخطي الخطوط الحمر، سيغامرون ويدلون بشهادتهم حول الحقيقة التي جرى تلفيقها من قبل السلطات في حوادث وازمات عدة،مثلما يرى صاحب ويكيليكس.        لا مجال للعواطف لدى اسانج، العمل على مشروع ويكليكس هو كل حياته التي بدت مكرسة لتحقيق العدالة ونشر المعلومات في فضاء تدوالي حر. لكن الرجل اللغز الذي ما زال حتى الان لاجئا في سفارة الاكوادور في احدى ضواحي لندن، رجل غموض دولي كما يوصف في الفيلم، لا يعترض على الجهات التي يمكن ان تكون حليفة له او ممولة لمشروعه، لكنه يختار افعاله ومجال تحركاته بذكاء محسوب. تعمد الفيلم ان يلمح الى ان اسانج رجل مهووس بالشهرة وبالصخب الذي يحققه عمله اكثر منه صاحب مشروع سياسي او ثوري

ربما تبدو بعض الجوانب في حياة اسانج اشد سرية وغموضا من الحوادث ذاتها التي يكشف للجمهور النقاب عن اسرارها عبر موقع ويكليكس، وربما يكون هذا الغموض هو نقطة الجذب التي جعلت مخرجين يتناولان حياة جوليان اسانج في فيلمين سينمائيين، كان نصيبهما من النجاح متفاوتا.

مجلة "تاتوو" العراقية في

16.02.2015

 
 

حول مهرجان فاتن حمامة السينمائي

يسرا علي

شهدت مدينة المنصورة المصرية، فعاليات مهرجان فاتن حمامة السينمائي خلال الفترة من 27 يناير إلي 10 فبراير، تحت رئاسة المنتج محمد العدل ومؤسسة المهرجان المخرجة الشابة ماجي أنور.

ضمت الدورة ثلاثة أقسام عهي أولا محتارات من أفلام فاتن حمامة حيث اعتمد علي أعمالها النادرة العرض والقليلة الشهرة عند الجمهور مثل فيلم "أغنية الموت" الذي افتتح به المهرجان وفيلم "كايرو" وفيلم "دعاء الكروان".

والقسم الثاني الأفلام التسجيلية ومعها أيضا أفلام التحريك (الأنيميشن) من خلال فيلمين، ثم قسم الأفلام الروائية القصيرة.

جدير بالذكر أن المهرجان اعتمد في دورته الثالثة علي حضور الشباب من خلال مشاركة الأعمال الشبابية فنحن أمام موازنة بين الجيل القديم وتمثل في أعمال فاتن حمامة والجيل الحديث، واختيار أعمال فاتن حمامة التي صورت بالأبيض والأسود أظهر فكرة أصالة القديم بين أفلام الشباب الحديثة.

الإفتتاح

افتتح المهرجان بالفيلم التلفزيوني القصير"أغنية الموت" بطولة فاتن حمامة وكريمة مختار وعبد العزيز مخيون، وهو مأخوذ عن مسرحية لتوفيق الحكيم ومن إخراج سعيد مرزق. ويلقي الفيلم الضوء علي قضية الثأر المتأصلة في الصعيد والتحول الذي يفعله العلم في نفوس البشرية، فنور العلم يقتل سلاح الثأر ويحقن الدماء، كذلك يُظهر الفيلم فكرة نقد المتعلم للحياة البدائية الصحراوية البسيطة"، ويجسد الفرق بين الحضر والريف أو "الصعيد" وتحول الشخصية نتيجة اختلاف البيئة.

التفاعل في هذا الفيلم جاء من خلال طريقة إلقاء الحوار وتكثيفه وإخراج اللغة الصعيدية بصورة صحيحة واضحة، وتمثيل الحوار مع الإيقاع الموسيقي، واعتمد الفيلم علي الديكور الواحد للمكان الواحد أيضاً، وهو بيت بطلة الفيلم عساكر "فاتن حمامة"، وينبع جمال العمل من ثلاثة زوايا هي المكان الواحد والحوار الدقيق، والتمثيل بالكلمات لإستخراج الشعور المنوط توصيله، كذلك قلة عدد الشخصيات، فالسيناريو يقوم على ثلاث شخصيات رئيسية هي عساكر وولدها والخالة "مبروكة (كريمة مختار) بجانب صوت غنائي لا يظهر علي الشاشة ولكن له تأثير فعال وقوي، اعتمد المخرج علي مفردات مادية بسيطة لإخراج عمل فني جمالي محكم الأركان.

خُصص اليوم الأول للأفلام التسجيلية القصيرة وأفلام الأنيميشن حيث تم عرضت  ستة أفلام تسجيلية وفيلمان من افلام التحريك:

الأفلام التسجيلية هي "سيرة أمل دنقل، حياة طاهرة، صرخة طفولتي، مخبوط، أوني، حلوان أنا.

1- فيلم "سيرة أمل دنقل" المشترك الإخراج بين المخرج المصري أيمن الجازوي والمخرج الإيطالية كريستينا بوكيليني، يحمل التيمة التقليدية لأفلام السيرة الذاتية حيث استضافة الضيوف للحكي عن الشخصية المحورية  وهي شخصية الشاعر أمل دنقل، والضيوف هم الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والدكتور جابر عصفور، والدكتور سيد البحراوي، وكذلك أرملة أمل دنقل الصحفية عبلة الرويني. ويستخدم الفيلم لقطات من الأرشيف عن حياة أمل.

كما تخلل الفيلم أشعار له تترجم ما سرده الضيوف عن الشاعر العظيم  ليكتمل رسم الشخصية أمام المتلقي حيث الإنغماس في بيئة أمل دنقل عن طريق أصدقائه وأهله وصوره وبيئته المكانية وأشعاره بصوته وهذا ما أضفي سمة الحيوية علي السرد أو ما يحكي عنه.

وجدير بالذكر أن هذا ليس أول فيلم عن الشاعر أمل دنقل، بل كانت هناك أفلام أخري كفيلم "سيرة أمل دنقل.. أمير شعراء الرفض" يقوم علي نفس التيمة وغالبا استضاف نفس الضيوف بإختلاف بسيط في بعض الشخصيات.

2- الفيلم  الفلسطيني "صرخة طفولتي"للمخرج أحمد موقدي:

جسد فيه خروج الأطفال الفلسطينين في قرية النبي صالح، غرب مدينة رام الله بالمظاهرات ضد العدو الصهيوني، وذلك من خلال مناقشة فكر هؤلاء الصغار لما يعايشونه من الاحتلال الغاصب لأراضيهم ولحياتهم، وعدم استسلامهم لما يحدث حولهم، و اصرارهم علي المواجهه بالمظاهرات والأناشيد والشعارات الرنانة لفلسطين، أمام الجنود الأسرائيلين يكاد لا يفصل بينهم فاصل، ينددون باستعمار أراضيهم ويغنون ويعلقون الزينات احتفالا بالمناسبات أمامهم. وكذلك يعرض الفيلم لدور الأهالي في الموافقة على خروج الأطفال في المظاهرات فهم يدعمون قضيتهم ويزرعون فيهم الروح الوطنية وعدم الاستسلام للأمر الراهن مهما طال، وذلك حتي لا ينسي هؤلاء الأطفال قضيتهم ولا ينظرون للأمر أنه أصبح شئ عادي يمكن معايشته.

جميع مشاهد الفيلم حية، تعرض للأطفال في مسيراتهم المختلفة، ترصد أفعالهم، وكأنها تصور الروح الفلسطينية، وهذا ما نجده في معظم الأفلام الفلسطينية التي تعرض قضيتها الوطنية، الجميل بالفعل مشاركة هذا الفيلم في المهرجان حيث أضفي نوع من التنوع الثقافي.

3- فيلم "حياة طاهرة": يعمل المخرج مهند دياب علي ثلاثية كفاح المرأة، وكان قد شارك بفلمه "حياة كاملة" في الدورة الثانية للمهرجان، وهو يحاول من خلال أفلامه تقديم صور ونماذج مختلفة تستحق المشاهدة لكفاح المرأة المصرية، ففيلم "حياة كاملة" يعرض لشخصية "كاملة" هذه المرأة التي توفي زوجها وترك لها خمس أطفال، واستطاعت تحويل التراب إلي ذهب كما يقولون، فقد أنجزت الكثير من الأعمال البسيطة إلى أن تمكنت من توفير مائة ألف جنيه قسمتهم علي أولادها الذكور الثلاثة وزوجت ابنتها، ومازالت تجوب البلاد لتجهيز ابنتها الصغيرة.

ابتعد المخرج في تقديم رؤيته لكفاح كاملة عن المليودراما وعن تجسيد ما واجتهه كاملة من صعوبات، بل قدمها بمذيج من البهجة والسرور، فهي بطلة الفيلم وهي الراوي العليم/ السارد لكل تفاصيل حياتها، ترك لها المخرج الميكروفون لتخرج بطولاتها حيث اعتمد علي السرد المفتوح وغير المقيد بزوايا للحديث، حتي خرجت كاملة في صورة إمرأة حديدية لن يصدق المشاهد أنها بعد كل هذا العمر وهذا الشقاء، مازالت تتكلم كفتاة في العشرين بكل طلاقة وثقة في النفس.

نجح المخرج مهند دياب في توصيل رسالته للجمهور. وقد أقيمت ندوة بعد العرض وضح فيها صعوبات التصوير في بلدة كاملة الريفية، وأضاف شيئا طريفا هو أن كاملة بعدما فتحت لأولادها الثلاثة مشروعات يرتزقون منها رفضت مشاركتهم فيها وسافرت إلي القاهرة لتعمل في مصنع في دار السلام حتي تستطيع أن تجهز ابنتها الصغيرة.

فيلما التحريك هما " زير" و"فرخة".  يناقش الفيلم الثاني وهو من إخراج محمود حميدة وأحمد ثابت وإسلام مظهر، قضية التحرش، ويعتمد علي الرمزية في توضيح فكرته من خلال الدجاجة التي تمثل الأنثي في المجتمع وتعتبر رمز الضعف في المجتمع الذكوري الذي يمثله الخفاش أو الجدي  وغيرهم، ونظرة الذكور للنساء وانغلاقها علي فكرة الجسد فقط، عند مختلف الفئات والطبقات.

والفيلم يرفض فكرة المرأة الضعيفة ويجعل الدجاجة في غاية القوة بل والعنف في مواجهة الماوقف الصعبة، فهي لا تخشي أن تواجهه ثعالب المجتمع بل ولا تتوانى في استخدام العنف للدفاع عن نفسها.

وإذا أمعنا النظر سنجد المرأة تلبس ما تريد ولكن لا تعطي الحق للآخر أن يتعدي علي وجودها، الفكرة قاسية للغاية والحل أكثر قسوة لأننا لا نتحول كنساء إلي هذا العنف للدفاع عن أنفسنا، كذلك نحتاج إلي مقاييس خاصة لنقوم بهذا الحل، ولهذا نجد في المشهد النهائي وهي تجلس في عيادة للطب النفسي تنتظر دورها فتدخل علي الطبيب تجده أحد المتحرشين بها فتقوم بضربه!

الأفلام الروائية القصيرة

خصصت بقية الأيام لعرض الأفلام الروائية القصيرة، فقد شارك في هذه الدورة خمسة وعشرين  فيلما متنوع الاتجاهات والأفكار، يظهر في معظمها بساطة التنفيذ وهي تنقسم الى أفلام اجتماعية: "أكثر إنسانية، الحرامي، هياج عام، 130 كم للجنة، أمراض نسا، ساعة في اليوم، سكر ولاد"، وأفلام تجسد فكرة الصراع النفسي والوجداني مثل "حالة انتظار، ثلاث ساعات إلكترونية، عندما تكون، الدكان، الجواب الأخير" نجم كبير.. وغيرهما.

القيمة في هذه الأفلام هي الفكرة وكيفية تنفيذها بأقل الامكانيات حتي خرجت بهذه الصورة الجيدة، فكرة نضال المخرجين الشباب بدون أي امكانيات لإخراج أفلامهم التي نجد في أغلبها النضج الفني للشكل والمضمون.

"فيلم عندما تكون"إخراج محمد العسكري: يجسد حالة اغتراب فتاة ووحدتها، فهي تجلس في جميع الأماكن المليئة بالبشر لكنها لا تراهم ولا تتفاعل معهم، الفيلم جسد هذه الفكرة البسيطة من خلال فتاة كل ما يحيط بها من شخصيات مجرد تماثيل صماء، الوجوه ليس لها ملامح، ليس هناك تواصل بينها وبين الآخر، ولا تواصل علي الإطلاق بين الآخرين وهذه حالة اغتراب عامة، أيضا التعليق الصوتي في الفيلم للمخرج، تماثل  مع الآخر فالإغتراب ليس حالة شخصية للفتاه بل تجمع بين فئتي الشباب ذكورا وإناثا، وليس هناك تسلسلا زمنيا في أحداث الفيلم.

أما "فيلم 130 كم للجنة" إخراج وتمثيل خالد خلة"، فهو يعرض للشباب المسافرين للعمل في منتجع العين السخنة السياحي، ومناطق سياحية أخرى، ويصور الأماني والأحلام المادية التي سيجدونها هناك، وذلك من خلال  شخصية خالد الذي يعيش مع أخيه الكبير يتعارض معه في معظم الأوقات، يعرض عليه صديقه السفر للعمل في العين السخنة، ويمنيه بالأماني والأحلام، يسافر الاثنان لكي يكتشفان حقيقة العمل وهو حراسة طريق صحراوي تسلخ فيه الشمس جلودهم، وعندما يكتشف خالد الحقيقة يتعارك مع صديقه ولكن المشرف يأتي ويضربهما، فيفران هاربان من المنطقة مع زميل لهما.. ويحاولان خلع الملابس التي أعطاها لهم مشرفهم حتي لا يسجنوا بها، مشهد النهاية متميز، هما يجريان بكل طاقة يحاولان التشبث بأمل جديد في مكان آخر.

حاول خالد خله في هذا الفيلم ابراز الصراع الداخلي لشاب تائه يبحث عن مخرج ليستقر فيه. تتخلل الفيلم حوارات بسيطة ساذجة بين خالد وصديقة تكشف عن تفكير الطبقة الفقيرة ومخاوفهما من بعض الأعمال بيع الخمور وتقديمها والتعامل مع لحم الخنزير وهو ما يكشف عن تناقض الشخصية المصرية، فمصطفي الذي يرفض أن يقدم الخمر يعطي لصديقه علكة نعناع حتي يستطيع التعامل مع الفتيات دون أن تنفر منه.

يناقش فيلم "ثلاث ساعات إلكترونية" إخراج يوسف نعمان" صراع فتاة مع حجابها، هي لا تريد ارتداء الحجاب، ولكن لا تستطيع مواجهة المجتمع إذا خلعته، لذا تقضي ثلاثة أيام في إجازة ترسل إلي الله رسائل  إلكترونية تناجيه فيها وتطلب منه أن يرشدها ويهديها، ولكنها في النهاية لا تستطيع مواجهة الأمر أمام الجميع وتضطر إلي ارتداء الحجاب عند الرجوع للعمل، وتطلب من الله أن يسامحها لخوفها من الناس.

معظم الأفلام تمثيل شباب أغلبهم غير معروف ولكن نجد علي سبيل المثال  فيلم كل من " نجم كبير إخراج" روجينا بسامبطولة محمود قابيل، يناقش شعور اللفنان بالوحدة عندما يكبر وتختفي عنه الأضواء، يعيش متحسرا علي الماضي، وفيلم"ساعة في اليوم" تأليف وإخراج بيتر صمويل، وهو من  تمثيل المنتصر بالله ولطفي لبيب. ويلعب هذا الفيلم علي فكرة البصيرة عند الإنسان والأمل الذي يجعله يري الدنيا من منظور مغاير عن فكرة التشاؤم والواقع الذي نعيشه، من خلال مريضين يجتمعان في غرفة واحدة في المستشفي، يريد المنتصر بالله أن يري الدنيا التي حجب عنها نتيجة مرضه، فيقرر لطفي لبيب أن يحكي له عما يراه في الشباك، ثم يموت لطفي لبيب ويكتشف منتصر بالله أن زميله كفيف وأن جميع ما حكي له كان خيال في وجدان زميله.

الفيلم لقي استحسان الجمهور علي الرغم من بساطته، فهو نجح في تحريك مشاعر المتلقي، ولي هنا إشارة بسيطة ألا وهي: أي عمل فني يجيد تحريك جانب المشاعر عند الجمهور أو المتلقي فهو يوضع عندهم في جانب الذاكرة العاطفية، بعيدا عن أي تحليل فني للفيلم، وهنا يصبح الناقد في تعارض مع الجمهور، فالجمهور يشعر ويجعل مشاعره سلاحا للدفاع عن العمل وإذا تحدثت مع الجمهور تجده يدافع عن الفيلم لتأثره بشخصياته وتعاطفه معهم وأي جانب تحليلي من قبل الناقد لا يهم علي الرغم أن الناقد والمحلل لا يهاجم  هذه الأفلام بل يضيئها، حتي لا نعيش متأثرين فقط بالأفكار البسيطة.

في حفل الختام الذي أقيم في سينما زاوية في القاهرة، عرض فيلم ماجي أنور، وهو فيلم تسجيلي قصير مدته 15 دقيقة يستضيف فيه كلا من جميل راتب سمير صبري ويسرا ونيلل، وغيرهم" يتحدثون فيه عن الراحلة فاتن حمامة، ومواقفها معهم، يسردون عن شخصياتها على الشاشة، ويتخلل الفيلم لقطات من أعمالها الفنية، ثم اختتم برسالة بصوت فاتن حمامة، وهذه كانت اللحظة المؤثرة في الفيلم.

الأعمال  الفنية التي حصلت علي جوائز المهرجان: "حلوان أنا"، "فرخة ولكن"، "مخبوط"، "ثلاثة أيام إليكرونية".

عين على السينما في

16.02.2015

 
 

الحرب.. إلى ما أبعد من حذاء فان جوخ !

طارق خميس

مبكّراً  أدخلت السينما الحرب إلى فضاء تناولها؛ فبعد سنتين من عمرها قام المخرج "جورج ميليه" بإخراج وإنتاج أربعة أفلام عن أحداث الحرب اليونانية، ومن يومها دعيت كضيف ثابت على مائدة السينما

والحرب أشد حضوراً من أن تكتفي بدور المادة بيد المخرجين، يشكلونها كيفما تملي عليهم عيونهم السينمائية وتوجهاتهم السياسية، فأخذت تبادلهم التشكيل، على صعيد التقنية  كما حدث مع "ليني رفينشتايل" في تجربتها مع الدعاية النازية، فهذه التجربة عادت بالفائدة على تقنيات السينما ودفعت بها للأمام، وعلى صعيد طريقة التناول؛ حيث ساهمت في إحداث موجات من الأفلام كالسينما التعبيرية الألمانية والواقعية الجديدة في إيطاليا.

لقد سيطرت طريقتين على تناول الحروب في السينما، الأولى: ذهبت نحو إدانتها إنسانياً وإظهار قبائح ما تحدثه من أثر.كما نلاحظ مثلاً مع فيلم " كل شيء هادئ على الجهة الغربية 1930 " حيث اعتبره الناقد "ستيفن جاريت" من أوائل الأفلام التي تبنّت فكرة عداء الحروب. وقد ساهم تكثيف الرؤية البصرية الذي مارسه مخرج الفيلم "لويس مايلستون" لجعل أهوال الحرب تمتلك لغة بصرية بشعة تدين نفسها بنفسها.

 والثانية: وجدت لها مبرراً إما من خلال وضعها في سياق الرواية الرسمية للمنتصر، أو من خلال مساهمتها في بناء وعي الأمة عبر البثّ في رموز حربية. كما نجد في أعمال "كلينت إستوود" الذي كان آخر أعماله فلم "القناص الأمريكي" الذي يروي حكاية " كريس كايل" قناص أمريكي خدم في العراق خلال الفترة من 1999-2009، قتل خلال تلك الفترة ما يقارب من 160 عراقي يتفاخر بقتلهم في روايته ومقابلاته التلفزيونية.

هل يمكننا أن نبحث خارج ثنائية الإدانة والتمجيد، عن الحرب؟! الحرب كموقع لإنتاج المعنى وليس للاستخدام الدعائي المباشر. كونها أقرب المناطق للقاء الفرد بمصيره قبل أن يتحول المصير ذاته لمادة استهلاكية.

هذا هدف المقال الذي سيتناول فيلم "خط أحمر رفيع" وفيلم "نَفَس" ويبين الفروق بين تناول الحرب شاعرياً بهدف وضعها على تناقض مع الطبيعة والحياة كما يظهر مع "خط أحمر"، وبين وضع الحرب في قلب الحياة ليس بغرض تمجيدها وإنما لأنها كذلك، أي بكون الحرب تحدث وتتدفّق فينا ومنا.

"خط أحمر رفيع"

مخرج فيلم " خط أحمر رفيع 1998 " هو الشاعر والفيلسوف تيرينس ماليك، وكما كل المبدعين الذين يحترمون الصمت كاستمرار للعملية الإبداعية، يصمت ماليك كثيراً بين أعماله فهو مُقلّ في الإنتاج

تدور أحداث الفيلم المقتبسة من رواية تحمل العنوان نفسه للروائي "جيمس جونز" بعد معركة "بيرل هاربر" التي خسر الأمريكيون فيها أسطول الباسيفيكي بتاريخ 7 ديسمبر 1942,وتحديدا في خليج جزيرة غوادالكنال, على أرض هذه الجزيرة النائية و البعيدة ستدور أكثر المعارك دموية وشراسة في حروب الباسيفيك, جزيرة كانت قبل أن تلتهمها ألسنة الحرب جنة يعيش فيها سكانها الأصليين الابوريجان على إيقاع زمن دافئ وهادئ.

يتابع الفيلم رحلة كتيبة عسكرية أمريكية (الكتيبة شارلي) التي تحُضِّر لغزو الجزيرة وطرد اليابانيين منها. ثم يتعرضون لهجوم مفاجئ، تتصيدهم النيران دون أن يعلموا مصدرها، وهذا العدو اللامرئي يجعل من الحرب في عيون تيرينس ماليك ليست حرباً بين خصمين بل حرب بين الإنسان ونفسه، إن النيران هنا تحضر لتجعل الصوت الداخلي أكثر وضوحاً، يظهر صوت الراوي المتعالي معلّقا: "هذا الشرّ الكبير، الحرب، كيف تسلل إلى الحياة ومن بثّه في النفوس." هذا الصوت ثيمة حاضرة في أفلام ماليك، ودون أن يتحوّل الراوي منقذا بالحكي لعجز الصورة فإنه يدخل بتكامل تام مع المشاهد البصرية الرائعة وكأنه موسيقى تصويرية، يتنوع الصوت في مستوياته : " لماذا يجب عليّ أن أخشى الموت؟ أنا أنتمي إليك و عندما أسبقك سأنتظرك هناك، على الجانب الآخر للمياه المظلمة ستكون معي الآن".. " ما هذا الشر العظيم؟ كيف تسلّل إلى العالم؟ من أي بذرة نمى؟ و من أي جذع امتدّ؟ من الذي يفعل كل هذا؟ من الذي يقتلنا؟ يخطفنا من الضوء و الحياة؟ "

تتشابه الحوارات مع صوت الراوي وإن كانت أقل منها تكثيفاً، في السؤال الموجّه لإدوارد (شون بين) من ويت، حينما سأله: "هل تشعر بالوحدة على الإطلاق؟ فأجابه إدوارد :فقط عندما يكون الناس حولي."

هل الحرب جعلت الوحدة هي الأمر الوحيد الممكن؟! أم أن الوحدة جعلت الحرب هي الأمر الوحيد الممكن؟! في كلا الحالتين لا يتوقف ماليك عن إدانة الحرب عبر وضعها في تناقض دائم مع قيم الحياة (الحب، الأطفال، السلام، الطبيعة.. الخ ).

"نَفَس"

يحكي فيلم " نَفَس  2009 " قصة مجموعة صغيرة من محاربي تركيا، يواجهون الموت وجهاً لوجه في إحدى المناطق النائية بشرق تركيا بين صراعات الجيش وحزب العمل الكردستانى، يأتي الكابتن ميته (ميته هوروزأوغلي) مع كتيبته لتعزيز وجود هذه الفرقة، التي سرعان ما يظهر أنها تعاني من الإهمال والكسل.

يبدأ اللقاء بين الكابتن " ميته" والمجموعة، عندما يباغتهم وهم يغطّون في النوم، يمسك خنجره ويشرع في تمزيق أربطة حذائه العسكري، وهو يحكي قصة الهجوم الذي تعرضّوا له خلال قدومهم إلى هنا، مشهد يحاكي لوحة "زوج الأحذية" لفان جوخ، حيث يمكننا اقتباس تعليق مارتن هايدجر على اللوحة، لنجعله تعليقاً على مشهد الفيلم دون أن يختلّ المعنى:".. من خلال الفتحة المظلمة للحذاء البالي تبدأ خطى العامل المتعبة... يتخلّل هذه الأداة قلق غير مُتذمِّر من الثقة بالخبز، ويتخللها مرح بلا كلمات من تجربة الثبات أمام الإرادة، والارتعاد أمام سرير طفولة قريب اللحظة وأمام وعيد الموت.., هذه الأداة تنتمي للأرض، ..من خلال هذا الانتماء المصون تنهض الأداة (للبقاء في ذاتها)".

تحلّ الحرب وحذائها العسكرية كقيمة لذاتها، ليست بوصفها حرباً بين أخيار وأشرار وإنما كموطِن أعلى للولادة، حيث توضع كل المشاعر الإنسانية على المحكّ، نختبر محبة الذين ينتظرونا كما نختبر غريزة البقاء عندنا في حدودها القصوى.. " ليست البطولة سوى البقاء على قيد الحياة، أما ذلك المجد الذي ينتظره الجنود فمدتّه 45 ثانية على نشرة الأخبار" هذا ما يقوله الكابتن "ميته" وهو يوبخ جنوده كل باسمه، في مشهد مرعب استمرّ لأكثر من ستة دقائق، بدأ المشهد بغيوم سريعة متحركة وانتهى بها، وهي الغيوم ذاتها التي سترافق الكثير من مشاهد الفيلم، قلق المحاربين من الموت ومن الحياة أيضاً، رافقته على الدوام تلك الغيوم، إنه ما يسميه  أيزنشتاين بالمونتاج المركب، حيث تحلّ اللقطة بقرب لقطة أخرى ليس لتحدث تتابع سردي عادي؛ بل ليصبح مجموع اللقطتين أكثر من اثنين، إنه القفز بالمشهد لما فوق ذاته، حيث تقارب الصور يحيل لما هو أبعد منها .

في حوار يجريه الكابتن مع أحد الجنود من مدينة إسطنبول، يسأله إن كان لديه عشيقة، يجيب الجندي بالإيجاب. يعلق الكابتن بأن الحب قليل في المدن الكبرى، ويضيف: ستخونك، هل أنت مستعد لذلك؟ .. يظن الجندي أنه يقصد حبيبته؛ لكن الكابتن يصحح له: أقصد الحرب يا بني. هذا الالتباس بين الحب والحرب يرافق الفيلم حتى نهايته، وإن كان خط أحمر رفيع هو ما يفصل أبطال ماليك تيرينس عن الحب الذي تركوه هشّاً خلفهم فإن أبطال فيلم "نَفَس"، تدفع بهم الحرب لاصطحاب الحب معهم، في مزج يجعل الحدود بين المفهومين محلّ شك، كما يظهر برسائل الكابتن ومن ثم حركة الكاميرا التي تُعبّر عن استلام رسائله بعد أن اختفى الصوت تماماً، وحضر الصمت محدثاً ضجيجاً يتفوق على الكلام نفسه.  

ليست الحرب هي مهمة ينجزها الجندي ويعود لما كان عليه قبلها، إنها مكان اكتشاف ضمانات جديّة للوجود ذاته، وهو ما دفع "الدكتور" خصم الجيش التركي لترك كلية الطب والالتحاق بالجبال، فيما يسأل "الكابتن" أحد جنوده عن متطلبات حصوله على قرض من البنك الذي يعمل فيه، يجيب الجندي أنه يحتاج لضمانات من أجل القرض، يرد الكابتن أن الجبال هي ضمانه. يرد الجندي، أن البنك يحتاج لأوراق تثبت ذلك. فيعلق الكابتن: ليست لدي أوراق تثبت ذلك، إن الجبال لا تعني شيئاً للبنك.

كلاهما "الدكتور" و"الكابتن" يدركا السرّ الكامن في هذه الجبال، إنها التكثيف الأعلى للحياة، فيما تتخفّف الحياة من كثافتها هناك في المدن، وحين تستلقي مقاتلة حزب العمال الكردستاني تنزف من رقبتها بعد أن أصابها الجنود الأتراك، ينطلق صوت التلفاز في مقابلة لملكة جمال تركيا التي كانت تشكي أن رقبتها لم تعد تعجبها بعد الحمية، وكأنه بين نوعين من الرقاب يقف ذلك التدفُّق الذي نسميه "الحياة" بشكلين لا يشبهان بعضهما، حتى تغدو كلمة واحدة للتعبير عنهما مجرد لغو لا معنى له، بين الحمية والبندقية مسافات من الفراغ ملأتها الحرب وشهدت على بشاعتها وجمالها الجبال في آن واحد

هذه عبقرية فيلم "نَفَس" التي تجعله يقف أعلى سُلّم أفلام الحروب، حيث أنه لم يعالج معنى مركباً؛ بل عالج الحالة التي تنتج عن لقاء معنيين مركبين

بعد انتهائي من مشاهدة الفيلم تذكرت السؤال الاستنكاري الذي طرحه أحد الأصدقاء عليّ؛ حين كنا نتجوّل في الطرق الواصلة بين مدن الضفة الغربية، قال - وهو ينظر للجبال الممتدة - : كيف خسرنا الحرب، وعندنا كل هذه الجبال؟!.

الجزيرة الوثائقية في

16.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)