كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

شادية ونجيب محفوظ .. الحب من أول مشهد

هشام لاشين يكتب لـ «سينماتوغراف»:

 

لم تكن العلاقة بين الفنانة شادية واديب نوبل الكبير نجيب محفوظ مجرد علاقة ممثلة بأديب عرف طريقه للسينما وخلدها وخلدته تماما مثل رواياته الأخري التي لم تتحول لهذا الوسيط الجماهيري. وإنما يتجاوز الأمر الي نوع خاص من الحب والإعجاب المبني علي تقدير الكاتب الكبير لقيمة وجه شادية وأداءها الدرامي المفعم بالتعبير والحيوية وفي المقابل تقدير الفنانة الحساسة بدفئ سطور الاديب الكبير وصدقه البارع في معالجة موضوعاته وشخصياته.

وقد ترجم هذا الحب منذ اول مشهد جمع شادية بسطور نجيب في محفوظ  في فيلمي «زقاق المدق»  لحسن الإمام و«اللص والكلاب»  لكمال الشيخ عام 1963 لتتوالي في «الطريق» لحسام الدين مصطفي و«ميرامار» 1969 لكمال الشيخ أيضا، واخيرا قصة كتبها لها خصيصا للسينما يعنوان «ذات الوجهين» ليصبح مجموع ماقدمته شادية لمحفوظ 5 شخصيات مع 3 مخرجين ينتمون لمدارس سينمائية مختلفة..

ورغم اختلاف المخرجين وتنوع الروايات يظل هذا الخيط المشدود بين الأديب والممثلة التي قال عنها محفوظ  بعد زقاق المدق «شادية جعلتني أشاهد (حميدة) على الشاشة.. لقد كنت أشعر بكل خلجة من خلجات حميدة متجسدة أمامي، على الرغم من تخوفي الشديد من قدرتها على تجسيد الدور عند ترشيحها له».

وأضاف: «شعرت لأول مرة أن الشخصية التي رسمتها على الورق نجحت في الخروج منه وأصبحت شخصية حقيقية من لحم ودم تتحرك أمامي على الشاشة، وكانت (حميدة) في «زقاق المدق» صورة لقدرة فائقة لا أتصور غيرها قادرا على الإتيان بها».

وفي هذا الفيلم الذي يرصد الواقع المصرى خلال الحرب العالمية الثانية نري حميدة  المتمردة الجانحة يتيمة ممتلئة بالغرور والطموح والجرأة في مواجهة الامور الصعبة، وصفها نجيب محفوظ بانها تتعمد ابرازا مفاتن خطوط جسدها المستديرة لتستر عيوب ملابسها الفقير وهي كما يقول غالي شكري.. لم يعرف الحب طريقا لقلبها، هى تعشق المال .. المال فقط … هو القوة وهو النفوذ.. كل شئ.. وعندما فاتحها عباس الحلو فى شأن الزواج لم تغلق الباب فى وجهه، فهو الوحيد المناسب لها على الاقل مرحليا، قبل ان تلتقى بالقواد وتسلك طريقها البائس .. شخصية ادتها شادية بنفس المهارة والفهم ولم تغفل البعد النفسي لها .. تاملها وهي تمضغ اللبان، وتتمايل في مشيتها، تخرج الكلمات من فمها بميوعة مصطنعة، وتغني في الكباريه بإفتعال المحترفات وسط سلوك متمرد يسعي للوصول باي ثمن.. حتي تلقي حتفها.

في الرواية الثانية لشادية مع نجيب محفوظ «اللص والكلاب» نري شخصية (نور) امرأة تمتهن الدعارة وتقدم الدعم والعون لسعيد مهران إلى حد المخاطرة بحياتها، فهي الخلاص الآمن لسعيد قبل أن تصبح عاملا معاكسا بغيابها الذي عجل بنهايته، انها  الواحة التي تمنحه فيضانا من الرحمة والحب والامان.. ولذا منحته كل شيء وحمته من الشرطة ومن الرغبة في الانتقام ومن نفسه، ولم يقدم لها شيئا في المقابل .. هنا لم نري عاهرة تقليدية علي نحو حسي معتاد وإنما نحن بصدد إمرأة أحبت وهي مستعدة للتضحية حتي بحياتها مقابل إسعاد الرجل الذي ملأ عليها كل حواسها.. هي ضعيفة نعم.. مستسلمة لظروفها ربما.. لكنها في النهاية ضحية لمجتمع يحاصره العفن وترتع فيه الرذيلة.. نموذج مختلف لحميدة المتمردة القاسية الطموحة، ولكنها تبقي بمثابة النور مثل (اسمها) للحبيب الذي ضل الطريق.

وحين نصل لشادية في فيلم «الطريق» نراها تشبه حميدة من حيث العمق فهي جامحة، مثيرة وطموحة أيضا، إنها (كريمة) حتي في الجنس ناضجة، جميلة، متزوجة من صاحب فندق عجوز،  تأملها وهي تحيك بعض الثياب علي سلم الفندق لحظة وصول صابر الممتلأ بالشباب والحيوية وكيف تتفحصه بطرف عينها وهو يصعد سلم الفندق قبل ان تستدير بحسرة ناحية الزوج العجوز الذي يسعل بشدة ويكاد تخرج انفاسه خلف مكتب الاستقبال .. مزيج من الحسرة الذي يمهد لرغبة جامحة بعد ذلك .. إنها الانثي الذكية التي تعرف متي تمنح ومتي تتمنع حتي تدفع الفريسة الذي ظن انه ذئب إلى قتل زوجها العجوز.. وكإسلوب شادية المعتاد في الاداء سوف نراها تستخدم نظرات عينيها بكل الاشكال والاوضاع دون إنفعالات جسدية مبالغة لتوصيل المطلوب.. نظرات تلغرافية وأداء رصين يتغلغل كالسحر.. وهكذا قادت صابر لمصيره ومصيرها التراجيدي في إطار لعبة محفوظ القدرية الوجودية التي تشبه إسم روايته «عبث الاقدار».

اما شخصية (زهرة) في فيلم «ميرامار» فهي الفتاة التي جاءت إلى الإسكندرية هاربه من بلدتها لرفضها الزواج من عجوز غني ضغطت عليها اسرتها للزواج منه، ولكن زهرة الشخصية القوية وصاحبة الإرادة رفضت ذلك وهربت إلى الأسكندريه وعاشت في بنسيون ميرامار ..حيث يتصارع عليها نزلاء «البنسيون» الخمسة.. انها نموذج نسائي مشدود إلى الإيجاب رغم قتامة الواقع الاجتماعي، وتقلص مساحات الحراك الاجتماعي وقد حاولت شادية، بكل طاقتها، أن تحافظ على التوازن بين وضعها البسيط كعاملة فى البنسيون من ناحية، وفى ذات الوقت، الارتباط بالحلم الكلاسيكي في الإستقرار وربما الحب ولكن دون ان تفقد كرامتها وطموحها في التعلم السريع .. ان (زهرة) كما في الفيلم وقبله الرواية رمزا فهي زهرة مصرية متطلعة للتفتح ومشبعة بالقيم التراثية مع تطلع لمنجزات ثورية حقيقية في هذا الزمن، لايحكمها النفاق والإنتهازية، وقد بحثت في البنسيون عن الحب والتعليم والنظافة والأمل، ولكنها بدأت تصطدم تدريجيا بشخصيات واقع بائس .. هنا نلمح شكلا أخر لإمرأة جادة.. محترمة.. غير عابثة.. طموحة في حدود القيم والفضيلة .. وهي في ادائها هادئة كالبركان الذي ينتظر اللحظة المناسبة ليلقن من حوله الدروس والعبر.

وبدوره قال عنها نجيب محفوظ أن «شادية أكثر الفنانات اللاتي نجحن في تقديم روح الشخصيات التي كتبتها في الروايات على الشاشة الكبيرة».

وأضاف: «هي كذلك أيضا في غير أعمالي فقد رأيتها في بداياتها في دور الأم المطحونة المضحية في فيلم «المرأة المجهولة» وتصورت أن بمقدورها الحصول على جائزة الأوسكار العالمية في التمثيل لو تقدمت إليها».

وربما تكون شادية هي الوحيدة التي قال عنها محفوظ في حوار إذاعي: «شادية استطاعت أن تعطي سطوري في رواياتي لحما ودما وشكلا مميزا لا أجد ما يفوقه في نقل الصورة من البنيان الأدبي إلى الشكل السينمائي».

وربما لهذا السبب كتب لها فيلم بعنوان «ذات الوجهين» خصيصا للسينما واخرجه حسام الدين مصطفي  عام 1973 وتقدم فيه شادية شخصية كريمة تعيش مع زوجها قدري وابنتها الهام حياة سعيدة ومستقرة، ولكنها في الايام القمرية تتبدل شخصيتها فتتحول الي شخصية بدوية بسبب محاولة رجل اغتصابها في ليلة قمرية .. والفيلم من النوع التجاري الذي لم يحقق نجاحا رغم مناقشته لموضوع ازدواج الشخصية ذو البعد النفسي المركب، ولكنه يكشف عن اعجاب نجيب محفوظ الشديد بشادية الذي أوقعه في هوي ادائها التمثيلي من اول مشهد مثلما وقعت هي في هوي سطور رواياته من أول صفحة.

«دلوعة السينما» التي عبرت عن الروح المصرية

شادية .. في ذكرى ميلادها الـ 86

«سينماتوغراف» ـ محمود درويش

«ياعينى ياعينى ياعينى ع الولد.. الواد ابو قلب لين صبح غير الولد.. ضاع منه قلبه الطيب وسط صراخ البلد».. بهذه الكلمات في فيلم «شئ من الخوف» والتي كتبها الشاعرالكبير عبدالرحمن الأبنودي، ولحنها الموسيقار الراحل بليغ حمدي، .. استطاعت المطربة الكبيرة «شادية» بصوتها الأخاذ أن تعبر عن مضمون الفيلم وتحول بطله طيب القلب إلى وحش كاسر ليخسر حبها الكبير.

ويعد دور «فؤادة» في هذا الفيلم أهم أدوار «شادية» على مدار تاريخها في السينما، التي اقتحمتها بقوة كمطربة احيانا وممثلة قديرة أحيانا أخرى، وجامعة بين الاثنين في أحيان كثيرة.

وقد أحسن مخرج الفيلم حسين كمال توجيه شادية ومحمود مرسي وكامل أبطاله ليعزفوا سيمفونية رائعة بادائهم العالي حيث نجحوا في نقل رسائله إلى المتلقين بسهولة كبيرة.

استحقت بالفعل فاطمة أحمد كمال شاكر المعروفة باسم «شادية»، لقب «دلوعة السينما»، وكانت المطربة المرحة خفيفة الظل، التي تبدأ اليوم الثامن من فبراير عامها السادس والثمانين، حيث ولدت في مثل هذا اليوم عام 1929.

وتعد شادية أكثر المطربين- الرجال والنساء- الذين استفادوا من السينما وأفادوها، حيث دخلتها لأول مرة في عمر الثامنة عشرة وذلك في عام 1947 في فيلم «العقل في اجازة» من إخراج حلمي رفلة بعد ان كانت قد سبقتها أختها «عفاف» إلى الأستوديوهات للعمل مع المجاميع.

وقد ذهبت «شادية» إلى ابعد مدى بقبولها تحدي تقديم أفلام دون غناء أي كممثلة فقط، ومنها على سبيل المثال «اللص والكلاب»، و«ميرامار»  وغيرهما.

ومنذ بدايتها، كان لها خطها الواضح من خلال تأدية أدوار البنت الدلوعة خفيفة الظل. وخلال فترة الخمسينيات تعاونت شادية عدة مرات مع الفنانة فاتن حمامة من خلال أفلام «موعد مع الحياة، أشكي لمين». وبدأت بالتدريج في التغلب على نوعية الأدوار التي تقدمها في السابق لتقدم أدوارا مختلفة كليا عما سبق من خلال عدة أفلام مثل: «بائعة الخبز، ليلة من عمري، دليلة، المرأة المجهولة».

 وفي الستينيات كونت ثنائيا ناجحا للغاية مع الفنان صلاح ذو الفقار – زوجها في ذلك الوقت- من خلال مجموعة من الأفلام منها: «عيون سهرانة، أغلى من حياتي، كرامة زوجتي، مراتي مدير عام، عفريت مراتي». كما قدمت في نفس الحقبة أربعة أفلام مقتبسة عن أربع روايات لنجيب محفوظ، وهى: «اللص والكلاب، «ميرامار، «الطريق، «زقاق المدق».

وكان محفوظ دائما ما يقول«إنها افضل من تعبر عن الروح المصرية. وقد حاولت طوال مسيرتي الأدبية أن اعبر عن هذه الروح من خلال الرواية والقصة، وشادية تعبر عنها غناء وتمثيلا».

لم تدرس شادية التمثيل، لكن موهبتها الفطرية الطاغية جعلتها تشق طريقها إلى السينما بسرعة الصاروخ.

ويحكي الموسيقار الراحل محمد فوزي الذي كان من بين مكتشفيها أنها دخلت الاستوديو ذات مرة حين كان يجري بروفة على احد الحانه واذا بها تستوقفه وتبدي ملاحظة على اللحن بخفة روح وتغني الجملة المقترحة بطريقة افضل. ويضيف إن أذنيها تلتقط الموسيقى أفضل من بعض الملحنين.

في أواسط الخمسينيات وطيلة فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مثلت شادية، كما قال الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، الروح المصرية الجديدة وكانت افضل تعبير عن تطلع المجتمع لقيم جديدة تجعل المرأة أكثر مشاركة وانفتاحا وتحررا من قيم بالية.

وفي السبعينيات تناقص عدد الأفلام التي شاركت بها، وكان آخر أفلامها هو «لا تسألني من أنا» عام 1984مع يسرا، ثم اعتزلت شادية الفن وارتدت الحجاب في منتصف الثمانينيات. وقالت عن اعتزالها: «لأننى فى عز مجدى أفكر فى الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرنى الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدا رويدا… لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز فى الأفلام فى المستقبل بعد أن تعود الناس أن يرونى فى دور البطلة الشابة.. لا أحب أن يرى الناس التجاعيد فى وجهى ويقارنوا بين صورة الشابة التى عرفوها والعجوز التى سوف يشاهدونها.. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلنى الأضواء وإنما سوف اهجرها فى الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى فى خيال الناس».

قدمت شادية ما مجموعه 117 فيلما، من بينها مجموعة من الأفلام الكوميدية الناجحة مثل «انت حبيبي» مع فريد الأطرش، «مراتى مدير عام»،  مع صلاح ذوالفقار، و«عفريت مراتى» مع ذوالفقار أيضا، و«نصف ساعة جواز» مع عادل إمام ورشدي أباظه، و«الزوجة رقم 13 » مع أباظة أيضا.

سينماتوغراف في

08.02.2015

 
 

كل سنة وأنتِ طيبة يا "حبيبة مصر"

أمجد مصباح

لابد أن نتوقف كل يوم أمام رموز مصر الفنية التى قدمت أرقى أنواع الفن على مدى عشرات السنين لأنهم ثروة هذا الوطن. اليوم عيد ميلاد شادية الـ80 وعندما نذكر اسم هذه الفنانة العظيمة نتذكر كل ما هو جميل،

فنانة أجبرت الجميع على احترامها، ورغم احتجابها عن الظهور منذ 30 عاماً إلا أنها مازالت حاضرة بصوتها الرائع فى كل مناسبة وطنية وفى الأيام الصعبة التى نعيشها حالياً نغنى معها «يا حبيبتى يا مصر».. وهى أغنية لها سحر خاص عند جميع المصريين نغنيها دائماً فى الأفراح والأحزان.
الأغانى الوطنية لشادية حاضرة فى كل المناسبات منذ أن غنت لبورسعيد فى حرب 1956 «يا مسافرين بورسعيد» و«الوطن الأكبر» 1965، وعندما عبرت عن شجون المصريين عقب نكسة 1967 بأغنية «يا ام الصابرين» وألهبت الحماس عام 1971 برائعتها «يا حبيبتى يا مصر»، وفى نصر أكتوبر 1973 عبرت عن هذا النصر العظيم بأغانى «عبرنا الهزيمة» و«رايحة فين يا عروسة» ولا ننسى رائعتها «أقوى من الزمن» عام 1977 ألحان عمار الشريعى وغنت بعد استشهاد السادات 1981، مصر نعمة ربنا.. وعندما عادت سيناء 1982 غنت «مصر اليوم فى عيد» ثم «ادخلوها آمنين»، وكان من الطبيعى أن يطلق عليها «صوت مصر».

وللأسرة والأم والطفل أبدعت شادية مجموعة من الروائع، من ينسى «سيد الحبايب» و«ماما يا حلوة» و«يانور عنية وأمى» و«برجالاتك».

وبالطبع أغانيها العاطفية وأفلامها السينمائية مازالت حاضرة بقوة لسنا فى حاجة لسردها، وعبرت خلالها عن البنت والسيدة المصرية كأروع ما يكون.

اعتزلت الغناء والفن وهى فى قمة المجد، بعد أن أبدعت رائعتها «خد بإيدى»، تأليف علية الجعار ألحان عبدالمنعم البارودى وبالتحديد فى الليلة المحمدية التى أقيمت مساء الخميس 13 نوفمبر 1986 على مسرح الجمهورية، فى هذه الأغنية زلزلت القلوب، وكان قرارها النهائى بالاعتزال عصر اليوم التالى منذ ذلك اليوم احتجبت تماماً ورفضت الظهور حتى فى مناسبات التكريم.
اعتزلت شادية تاركة صوتها يصدح فى أفراح وأحزان مصر، المرة الوحيدة التى سمعناها بعد الابتعاد كان فى مداخلة تليفزيونية مع عمرو الليثى فى 2011 حينما شعرت بأن معشوقتها مصر تمر بحالة خطيرة تهدد مستقبلها خرجت لتقول للجميع: حافظوا على مصر، كل سنة وأنتِ طيبة يا حبيبة مصر.

الوفد المصرية في

08.02.2015

 
 

الدلوعة.. تغيب عن العين ولا تغيب عن القلب

أفنان فهيد – التقرير

غنتها بنفسها وقالت: “إن راح منك يا عين هايروح من قلبي فين؟“.

وانطبقت عليها الجملة عندما اعتزلت الفن وتورات عن أعيننا، وعن الكاميرات واللقاءات الإعلامية والصحفية، إلا أن هذا أبدًا لن ينسينا أن نحتفل بعيد مولدها في هذا الشهر.

“فاطمة أحمد شاكر”، هذا هو اسم مولدها إلى أن عملت بالفن واتخذت اسم الشهرة “شادية” وأُطلق عليها فيما بعد “دلوعة السينما المصرية”. تنوعت أعمالها بين التمثيل والغناء، فكان رأي البعض أنها أفضل مطربة مَثّلت، وكان رأيي أنها أفضل ممثلة غَنّت؛ فأداء “شادية” التمثيلي فاق صوتها -وإن كان صوتها لا يوصف- إلا أن أداءها المميز كان خاليًا في معظم الأعمال من الاصطناع والافتعال الزائد عن الحد الذي نراه في معظم الأفلام الكلاسيكية، فتمتعت بالأداء الطبيعي التلقائي الذي يعتمده معظم الممثلين وأنجحهم في وقتنا الحالي.

تنوعت الأدوار التي قامت بها “شادية” ما بين المظلومة والطيبة والشريرة، قدمت 120 فيلمًا للسينما المصرية، منها أفلام في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، ففي المركز التاسع عشر حلّ فيلم “شيء من الخوف” رائعة الكاتب “ثروت أباظة” وإخراج “حسين كمال”، وفي المركز التاسع والعشرين جاء فيلم “ميرامار” رائعة “نجيب محفوظ” والمخرج “كمال الشيخ” والذي قامت ببطولته، ولها بعد ذلك في نفس القائمة، فيلما “مراتي مدير عام” و”الزوجة13″.

كان اكتشافها على يد المخرج “أحمد بدرخان”، ثم تنقلت بعد ذلك بين المخرجين والأدوار.

فؤادة المدافعة عن الحق..

مَن منّا لم يشاهد فيلم “شيء من الخوف” ويتذكر أسطورة “عتريس وفؤادة” الخالدة إلى يومنا هذا.

قصة الحب الأولى بين الفتاة التي لا تخشى أحدًا، “فؤادة” والولد البريء “عتريس”، التي ما لبثت أن تحولت إلى علاقة كره من ناحية “فؤادة” بعد أن تحول عتريس إلى نسخة دامية تمامًا كجده. “فؤادة” مخلّصة القرية، التي تفتح لهم الهويس في مشهد من أشهر مشاهد السينما العربية، فـ”فؤادة” تسير ببطء ناحية الهويس ثم تنظر إلى حال أهل القرية والدمار الذي حل بها، فتدير الهويس ببطء، فتتوجه الوجوه إليها ببطء أيضًا، وتنساب المياه ضعيفة، فتدير الهويس بشكل أسرع، فتنظر العيون لها بشكل أقوى.. قوة تمتد إليها وتدفعها إلى السرعة في العمل، وتنظر إلى يديها كأنها تراها لأول مرة، كأنها تفاجئت مثل أهل القرية تمامًا بالقوة والجرأة اللتين خرجتا منها ودفعتها إلى هذا العمل الخطير. يتراقص أهل القرية ويتراقص قلب “فؤادة” وتقفز الفرحة من عينيها بما صنعت بنفسها.

عائشة السيدة الفقيرة، تبيع ابنتها ولا تستطيع أن تقتل ضميرها

أما في فيلم “لا تسألني من أنا”، خرجت علينا “شادية” سيدة فقيرة تضطر تحت سطوة الاحتياج وضغط الزوج أن تبيع طفلتها إلى إحدى السيدات الثريات التي حُرمت من نعمة الأطفال، ثم تعود وتعمل عندها كمربية لابنتها. في المشهد الشهير الذي جمع بين شادية ويسرا، عندما تسألها ابنتها من تكون أمها وإن كانت ابنة حرام؟ لتصدمها المربّية بأنها تلك الأم، لتخبرها الابنة أنه من المستحيل أن تكون أمًا بعدما تخلّت عن طفلتها وباعتها مقابل النقود.

في هذا المشهد، تتكون الدموع في عيني “شادية” لكن دون أن تذرفها، وتصرخ بها: “أنا فقيرة.. فقيرة.. عارفة يعني إيه فقيرة؟ طول مافيه فقر الناس بس مش هاتبيع عيالها.. الناس هاتبيع لحمها!”.

الأم الحائرة بين منزلها وأولادها، وبين المنزل الذي تقيم به ابنتها الصغيرة، تُتهم بأنها من المستحيل أن تكون أمًا، ليزيد ذلك من عذاب ضميرها الذي لم يصمت يومًا عن تأنيبها وتقريعها لأكثر من عشرين عامًا. ويظهر ذلك العذاب جليًّا في أكثر من مشهد في الفيلم.

زُهرة الفتاة القروية المخدوعة باسم الحب

في فيلم “ميرامار”، قامت شادية بدور “زهرة” الفتاة القروية التي هربت من سلطة الأهل إلى الإسكندرية للعمل عند السيدة صاحبة بنسيون “ميرامار” بمحطة الرمل. البنسيون رواده كلهم من الرجال، وتتنوع نظرتهم تجاه “زهرة”؛ فبين النظرة الأبوية الصادقة، ونظرة الأخ الوفيّ، والحبيب الخادع، والرجل الماجن، وقعت “زهرة” فريسة في شباكهم، وخصوصًا شبكة “سرحان البحيري” الذي خدعها باسم الحب.

لعبت “شادية” الشخصية وتطورها بإتقان واضح، بداية بالفتاة القروية الرافضة لأمر زواجها من رجل طاعن في السن، ثم وقوعها في غرام “سرحان البحيري”، ثم محاولاتها لبلوغ مقامه وحرصها على التعليم، ثم صدمتها بالخدعة التي وقعت فيها. يعتبر دور “شادية” في هذا الفيلم من أفضل أدوارها، ليس فقط لأنها رائعة “نجيب محفوظ”، فالرواية تختلف كثيرًا عن الفيلم، بل لتمكّن “شادية” من تمثيل دور شابة في العشرين من عمرها، بينما كانت قد تخطت الأربعين.

نوال الشيطانة الجميلة

أما في فيلم “ارحم حبي”، فخرجت علينا “شادية” بدور الفتاة الأنانية الطماعة والتي يمكن اختصار سوء طبعها بلفظ “الشريرة”. تلك التي خطفت حبيب أختها عندما اكتشفت ثراءه، ثم وقعت في غرام صديقه، وتركت زوجها وابنتها من أجل الصديق، وحين ينكشف أمرها، ترمي تهمة العلاقة على أختها.

يقع الجميع في شباكها بسهولة؛ فالوجه الجميل، والنظرات التي توحي بالبراءة لم تفصح يومها عن سواد القلب، ولولا أنها “شادية” معبودة الجماهير بحق، لكان الجمهور قد كرهها بسبب هذا الدور.

سيدة تزرع الورود فتجني الأشواك

رواية “نحن لا نزرع الشوك” للكاتب “يوسف السباعي” تم تحويلها عام 1970 لفيلم من إخراج “حسين كمال”، ولعبت “شادية” دور البطولة.

“سيدة” الفتاة المقهورة اليتيمة الذي عاملها زوج أمها بقسوة، ثم بعد وفاة أمها تعاملها زوجة صديق والدها بقسوة أشد كأنها خادمة، وتقع في شباك ابنها “عباس”، فتهرب للعمل كخادمة عند أسرة أخرى، وتقع في غرام ابنهم الذي سيتزوج فتاة أخرى، فتضطر للعمل كفتاة ليل، وينتهي بها الأمر إلى زواجها من “عباس” وموت ابنها ثم طلاقها من عباس وتوجهها للعمل كممرضة. تنقلات عديدة تحدث لشخصية سيدة في الفيلم، وتنقلات عديدة أجادتها “شادية” في أدائها.

قدرة بعض الممثلات الكلاسيكيات، وقدرة شادية على وجه التحديد، على لعب دور الفتاة الشابة رغم أن أعمارهن قد تجاوزت الأربعين؛ قدرة فائقة. ولا يمكن أن نُرجِع ذلك للتصوير الأبيض والأسود وجودته الأقل من الألوان؛ بل السبب في ذلك هو الأداء المقنع نفسه، فربما تبدو الملامح الكبيرة في السن واضحة للمُشاهِد، إلا أننا أغفلناها بسبب الأداء القوي الذي أخفاها وراءه.

تجربة مسرحية وحيدة وفريدة

لا يوجد أحد في الوطن العربي عمومًا ومصر خصوصًا لم يشاهد مسرحية “ريا وسكينة” بطولة “شادية” و”عبد المنعم مدبولي” و”سهير البابلي”، والتي خرجت لأول مرة على المسرح سنة 1984. كان عمر “شادية” وقتها قارب على الستين إلا أن هذا لم يمنعها من التألق على المسرح، في إحدى أفضل المسرحيات التي قُدمت على الإطلاق. المسرحية تدور في أصلها في إطار كوميدي، إلا أنها لا تخلو من الطابع الإنساني الذي يدفع للتعاطف مع السفاحتين “ريا” و”سكينة”؛ فظلت أحداث المسرحية متعلقة بأذهان الجمهور واعتقدوا أنها القصة الحقيقية، حتى خرج علينا مؤخرًا مسلسل “ريا وسكينة” المأخوذ عن كتاب “رجال ريا وسكينة” الذي احتوى على تحقيقات النيابة.

وقد أعربت “شادية” في لقاء تلفزيوني عن سعادتها الغامرة بقبولها لدور “ريا” في المسرحية، وأكدت أنه خطوة كبيرة جدًا في مشوارها الفني الذي كانت ستخسر جزءًا كبيرًا منه لو لم تشارك في هذا العمل.

تعاطَف الجمهور مع السفاحتين “ريا” و”سكينة”؛ بسبب العمل الذي ركّز على الجانب الإنساني من حياتهما والدافع لارتكاب أول جريمة قتل، ومن ثمّ تحوله لهواية. ثم تنتهي المسرحية بقتل “سكينة” لابنة “ريّا” بالخطأ لينالا جزاء أفعالهما.

وإلى جانب تألق “شادية” التمثيلي، فإننا لا نغفل أبدًا الجانب الغنائي الذي سار جنبًا إلى جنب في مشوارها التمثيلي.

غنت “شادية” فأطربت الآذان وتربعت في القلوب، فـ”شادية” معبودة الجماهير فعلًا، فنادرًا ما تجد كارهًا لها، فإن لم يكن الجميع من محبيها فإن البقية على الأقل لا تبغضها. أجمع الكثيرون على قوة صوتها ونعومته في الوقت ذاته، كما لا يوجد وصف محدد له؛ فأجمع النقاد على جماله كوصف شامل.

غنت “شادية” في معظم أفلامها. كما غنت في حفلات خارجية، أغاني للحب، وأخرى للطفولة والأمومة التي حرمت منهما، وأغاني للوطن والوطنية. واشتركت في أكثر من أوبريت وطني، ورغم ذلك لم تفقد لمستها الناعمة فبقيت حتى في أحلك الظروف “الدلوعة”، ولم يأنف أحد من وصفها بذلك. فقد تميزت بالدلال الهاديء وليس المفتعل.

كما قدمت “شادية” أغاني وطنية أخرى في هيئة أغانٍ للأطفال، كأغنية “بلد السد” اسمع من هنا.

ربما اعتزلتنا “شادية” منذ ثلاثين عامًا أو أكثر إلا أنه من المؤكد أننا لم نعتزلها أو نعتزل أعمالها. واليوم، نتمنى لها عيد ميلاد سعيد، وعمرًا مديدًا.

التقرير الإلكترونية في

08.02.2015

 
 

فيلم «الزيارة» التونسي نهاية درامية لرحلة بحث عن الهوية

تونس – من إيمان الساحلي:

تابع صحافيون تونسيون العرض الأول الخاص بوسائل الإعلام للفيلم التونسي «الزيارة» للمخرج «نوفل صاحب الطابع» الأسبوع الماضي بقاعة «الريو» في قلب العاصمة تونس، قبل بدء عروضه للجمهور الاسبوع الجاري.

الفيلم من إنتاج تونسي جزائري مغربي مشترك، شارك في بطولته كل من غازي الزغباني، ونادية والي، صلاح مصباح، لطفي الدزيري، صلاح مصدق ومنال عبد القوي.

«الزيارة» يدوم ساعة و41 دقيقة عن سيناريو مشترك بين المخرج «صاحب الطابع» و طارق بن شعبان ويطرح الفيلم مسألة الهوية من خلال رحلة شاب يبحث عن ذاته وذاكرته المفقودة.

الفيلم يتحدث عن قصة شاب يعيش الحياة وحيدا بعد أن تعرض في طفولته لمأساة أفقدته ذاكرته. يوسف يحيا ممزقا بين واقعه اليومي وماضيه الذي لا يعرف عنه غير وجه أمه وصوتها وهي تناديه باسمه.

يتعرف مصادفة على فتاة غامضة أمام منزل مهجور داخل المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، تأخذ الفتاة بيده وتقوده إلى حيث دفنت ذاكرته.

يعيش بطل الفيلم يوسف سائق التاكسي حالة انفصام في الشخصية، جعلته يخوض صراعا بين عالم الجن (الخيال) والإنس (الواقع) من أجل بلوغ الحقيقة.

وزادت الفتاة المجهولة من حالة التمزق الداخلية التي يمر بها ودفعته نحو مواصلة البحث عن الحقيقة من جديد نحو المنزل المهجور داخل أزقة المدينة القديمة وسيتعرف على «العم سعد» منشد القرآن ومغني السطنبالي (السطنبالي: موسيقى روحية من أصول أفريقية مرفقة برقصات زنجية) والذي يسكن بالقرب من منزل الفتاة الغريبة.

وقال مخرج الفيلم إن «الفيلم هو رحلة درامية في النبش في الماضي، شاهدنا إصرار يوسف بطل الفيلم على جمع المؤشرات والتفاصيل إصراره هذا دفعه للنزول داخل بئر عميقة أي أسفل الأرض لمعرفة ماضيه وتاريخه».

بعض الصور الفوتوغرافية ستميط اللثام عن بعض الحقائق ولن تنفع محاولات العم سعد من إثناء يوسف من دخول المنزل والنبش في الماضي الذي أرقه لسنوات ولن تجدي محاولات القول إن المنزل تسكنه الأشباح.

سيصطدم بطل الفيلم فجأة بحقيقة أسرته انطلقت بسقوط أخته داخل بئر عميقة داخل المنزل ومقتل والدته بعد معرفة زوجها بخيانتها له مع رجل إيطالي.

اتخذ الفيلم مسارا دراميا من بداية الفيلم حتى نهايته من خلال المشاهد القاتمة وتصوير اغلب اللقطات في الليل و تداخل الألوان الداكنة مع الأمطار وموسيقى السطنبالي الزنجية.

الحقائق المزعجة لم تتوقف بمعرفة مقتل أمه وأخته بل باكتشاف وجود والده داخل أسوار المنزل المهجور الذي لم يبرحه لثلاثة عقود من الزمن متواريا عن أعين رجال الشرطة.

رحلة البحث الدرامية ستنتهي بقتل الابن يوسف لوالده عامر أمام البئر نفسه الذي لقيت فيه أمه وأخته مصرعيهما.

«قتل الأب في نهاية الفيلم ليست درامية بل هو قتل للسلطة التي قمعت الهوية واخفت حقيقتنا وماضينا يتضمن جراحا نخجل منها ويتضمن زوايا قاتمة نخجل منها أيضا، فنحن نريدها صورة ناصعة»، هكذا علقت حياة السايب صحفية وناقدة سينمائية حول نهاية الفيلم.

وأضافت السايب: القتل في النهاية هو قتل لمن قام بدفن الهوية وجعلها في بئر يصعب الوصول اليه.

الفيلم صور في ديكورين مختلفين: في أزقة مدينة تونس العتيقة حيث الحقيقة التي يفتش عنها يوسف وفي شوارع تونس العصرية حيث يعيش البطل حياة الصخب اليومي ويقتات من عمله كسائق لتاكسي.

الأب رمز للسلطة والسبب الرئيسي في حالة التفكك والتمزق الاجتماعي وقتل الأب في النهاية هو قتل لقاتل الهوية.

وفي هذا الصدد، قال كاتب السيناريو طارق بن شعبان: المجتمع الذي لا يعرف ماضيه وتاريخه لن يستطيع أن يتقدم خطوة نحو الأمام فسيظل يدور حول نفسه وحول ذاته المكبلة والفيلم هو إسقاط لمجتمعنا التونسي الباحث عن ذاته وعن تاريخه والصراع من اجل الهوية موجود وهو مؤرق جدا ومتواصل.

القدس العربي اللندنية في

08.02.2015

 
 

ثورة هشام العسري السينمائية

سليمان الحقيوي

لم يكن صعباً على الجمهور، الذي تعرف إلى هشام العسري مع أفلامه القصيرة "وشم العذاب" (2002) "على جناح" (2004)، "بخط الزمان" (2005)، "محطة الملائكة" (2009)، التيقّن من أنه أمام تجربة سينمائية تدعو إلى الإنصات والتفكير، على غير ما جرت عليه العادة.

تجربة صادمة، تدهش في كل مرة، بوسائل مختلفة أو غير اعتيادية. تعزّز هذا المنحى، بسلسلة من الأفلام الروائية الطويلة وضعها المخرج المغربي الشاب (1977) في السنوات الأخيرة: "النهاية" (2011)، "هم الكلاب" (2013)، وأخيراً، "البحر من ورائكم" (2014)، المشارك حالياً في "مهرجان برلين السينمائي الدولي" (يستمر حتى الـ 15 من الشهر الجاري)، بعد مشاركته في النسخة الأخيرة من "مهرجان دبي السينمائي الدولي".

هذا التراكم أثبت أن للمخرج هموماً سينمائية ومشروعاً شخصياً عازماً على تحقيقه، ولذلك يخوض معركته مع الكاميرا، يروّضها، ويسائل لغتها، ولا يكتفي أبداً بما تقدمه له. يمكن القول إن تجربة العسري تحمل بصمة خاصة، تميزها عن كثير من تجارب السينما المغربية. تجربة ترسم سحابة قاتمة للواقع العربي، تريد أن تسائله عن وجهته. من أبرز ما يلفت الانتباه في أعمال هذا المخرج الشاب هو حرصه على كتابة نصوص أفلامه بنفسه.

"على المخرج أن يخلخل لغة الكاميرا، كما حصل مع الشعر والنثر"

نسأله عن هذا الخيار، وابتعاده عن محاورة الأدب المغربي العالمي والاقتباس منه، أو إسناد نصوص أفلامه إلى كتّاب سيناريو، فيقول: "إنجاز الفيلم بالنسبة لي عملية معقدة، لا تعتمد على القصة وحدها. وعلى اللغة السينمائية أن تنسجم مع هذه القصة. أدّعي أنني قارئ جيد للأدب العالمي والمغربي، ولكن إعجابي بالنص الروائي أتركه داخل حدود الأدب. النص الروائي الناجح لا يعني أنه قد يكون ناجحاً في ما لو حوّلناه إلى الشاشة الكبيرة. الفيلم الناجح يحتاج إلى قصة سيئة، كما يقول هيتشكوك".

ويصف العسري ولعه بالكتابة قائلاً: "أكتب مجموعة من النصوص وبشكل متواصل كل سنة. وفي النهاية، أختار منها فقط ما أراه معبّراً بشكل أكبر عن تصوري للفيلم الذي أريد الاشتغال عليه. وربما، إن صادفت نصاً روائياً يحقق هذه الغاية فسأشتغل عليه بكل تأكيد"، نافياً أي حكم مسبق تجاه العلاقة بين السينما والأدب، أو بين المخرج وكتّاب السيناريو.

معنى النجاح لدى صاحب "هُم الكلاب" يختلف عن التصور العام لنجاح الفيلم. فهو يفضل العمل "ذا النفس الطويل الذي يجد طريقاً للذاكرة". لذلك يبحث عن "الجمهور الذي يعطي للفيلم استمراره في الزمن، ويتناقله عبر ذاكرته وحديثه عنه".

هذا المتلقي بحسب العسري "هو الذي يعطي الحياة للفيلم السينمائي، الحياة الأفقية وليست الحياة العمودية". يضيف: "يعنيني من يبحث عن الفهم الصعب الذي يحتاج إلى الاستعداد الفكري". فكلما كانت القصة صعبة، بالنسبة إلى هذا الجمهور، زاد رضاه عن نفسه أكثر عند فهمه لها، وهذا يخالف الاتجاه السائد الآن تجاه السطحية والاستسهال. يقول: "أنا كمتفرج أو كمخرج أفضل دائماً الأفلام التي تعيش بشكل أفقي، وليس الأفلام التي تثير الضجة والنجاح ولكن تموت بسرعة".

أنجز هشام العسري ثلاثة أفلام في ظرف ثلاث سنوات؛ "النهاية" (2011) و"هُم الكلاب" (2013)، ثم "البحر من ورائكم" (2014)؛ وهي مدة قياسية بالنظر إلى الجودة التي تمتعت بها هذه الأعمال: "لا أقيس أبداً إنجاز الفيلم بمدة زمنية معينة. لديّ مبدأ واحد أحترمه، هو الاشتغال بشكل يومي ومتواصل". وحتى لو اختفى المخرج مدة طويلة، فإن هذا، كما يرى العسري، لا يعني اختياره الراحة، بل بحثه الحثيث عن قصص وأفكار مختلفة، إذ إن على المخرج "أن يحقق ذاته من خلال تراكم يحمل بصمته الخاصة، يضيف من خلاله شيئاً إلى تجارب السينما في العالم".

"لا نريد أن نشاهد استنساخاً لقصص أفلام مغربية ناجحة ونعيد تكرارها"

حتى إن لم ينجح أحد أفلامه، فهذا أمر لا يزعج العسري: "اؤمن بالاختلاف، والعلاقة بين الناقد والمخرج علاقة استفادة". يضيف: "على الفيلم أن يترك خلفه الاختلاف، ولا يمكن أن يتكلم الجميع لغة واحدة حوله". وعن التناقض الذي تعيشه السينما المغربية بين الرهان على الإنتاج وعدم وجود قاعات للعرض من الأساس، يرى صاحب "البحر من ورائكم" أن الفيلم يجب أن يُنجز، سواء وجدت القاعة أم لا:

"الفيلم وثيقة للتاريخ، نرصد من خلالها تغيراتنا الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، ولا يمكن أن ننتظر وجود قاعة لكي ننجز فيلماً. هناك أفلام خالدة لم تعرض قط في القاعات، والجمهور تعرّف عليها بعد زمن طويل من إنتاجها". أما بالنسبة إلى مشكلة ندرة القاعات، فالعسري يفضل البحث عن صيغة مناسبة لدعمها لكي تصبح وجهة استثمارية مغرية. في المقابل، لا يعني كمّ الأفلام المنجزة والمعروضة خلال السنة "توافرها على الجودة بالضرورة".

لا يمكن الحديث عن تجربة هشام العسري من دون ذكر التجريب، فالكاميرا طيّعة بين يديه، خصوصاً في أفلامه الثلاثة الأخيرة. يقول عن صراعه مع الكاميرا: "للسينما لغتها التي تتمثل في وسائلها التعبيرية المتاحة، ودور المخرج يأتي في مساءلة هذه اللغة. علينا أن نثبت أن الكاميرا ليست تسجيلية فقط، وعلى المخرج أن يخلخل لغتها ويختبر تخوماً بعيدة فيها، كما حصل للغة الشعر والنثر تماماً. وأنا دائم البحث عن وسائل تلائم تصوري للقصص التي أعمل عليها".

يحضر الواقع المغربي في جميع أفلام العسري بصور قاسية وصادمة، وهو إذ يتناوله فإنه يقدمه بشكل مخالف لما تم تقديمه في أفلام مغربية سابقة كمادة للمتاجرة. يشرح هشام العسري تصوره للاشتغال على الواقع بالقول: "إن السينما المغربية يجب أن تحمل في سماتها الواقع المغربي، ولكن هذا لا يعني أن يكون المغرب قفصاً. القصص يجب أن تجعلنا نحلم ونتخيل أشياء لاحدود لها".

ويضيف بلهجة حاسمة: "أنا أحارب اتجاهاً سائداً في السينما المغربية والعربية والأفريقية عموماً، فقد أصبح نمطياً تقديم قصص متعلقة بالهجرة أو الفقر، أو معاناة المرأة. هذا توجه يتاجر بقضايا الشرق، وهو اتجاه يقدم مادة سهلة للآخر تحقق ربما شهرة ولكنها لا تقدم سينما حقيقة. الفيلم يجب أن يتميز بجانبه الفني".

ويرى أيضاً أن "هناك من يحاول إسقاط قصص أجنبية على المغرب سينمائياً، من دون أن يكون له احتكاك بهذا البلد ولا معرفة به. على المخرج أن يبحث عن خصوصيته وقصص تميزه عن غيره. لا نريد أن نشاهد استنساخاً لقصص أفلام مغربية ناجحة ونعيد تكرارها". "بالنسبة لي"، يقول هشام العسري، "لدي صراع مع السينما نفسها: أحاول رصد تناقضات المجتمع: من التخلف، إلى السياسة، مروراً بالخوف، وانتهاء بانتظارات المواطن المغربي ووجهته الضائعة. هذه الأسئلة المهمة هي التي تشغلني أكثر من أي شيء".

دمشق إذ تنسى السينما

مالك عمارة

مع مطلع العام الجديد، دفعت "المؤسسة العامة للسينما" في دمشق، بتظاهرتين في الصالات السورية بهدف "تحريك" الوسط الثقافي، والسينمائي تحديداً، هما "المهرجان الدولي لأفلام المقاومة" و"أفلام خارج السرب الهوليودي".

قامت الأولى في "دار الأوبرا" الشهر الماضي، وعُرضت فيها خمسة أفلام إيرانية لم تتمكن من جذب الجمهور السوري الذي كانت "دار الأوبرا" شبه خالية منه على مدار أيام العرض. يرجع ذلك إلى الصبغة "التشبيحية" للتظاهرة ككل.

هنا، لا تُقدم أفلام مجيد مجيدي وجعفر بناهي وغيرهما من المخرجين الإيرانيين الكبار، بل تقتصر الفعالية على أعمال سينمائية تخدم فكرة "المقاومة" التي ما فتئ النظام السوري يدّعي تبنيه إياها ويروّج لها.

مشكلة هذه الأفلام (وهي "أيام الحياة"، "الاستعادة"، "الذهب والنحاس"، "الطفل والملاك"، "التراب والمرجان") مؤلفة من شقين، يتساوى السياسي والفني فيهما. فمن ناحية، لا تقوم هذه العناوين على لغة فنية بصرية عالية تدعو إلى البقاء أمام شاشة عرضها.

"أفلام أكشن، وأخرى رومانسية، تأتي في آخر أولويات المواطن السوري اليوم"

إذ إن هذه الأفلام، من ناحية أخرى، حامل بصري لأيديولوجيا سياسية لا أكثر، طالما أن الهدف الأساسي من وراء عرضها سياسي. إنها أفلام تضرب بالسينما عرض الحائط في مسعاها إلى تقديم صورة ناصعة للسياسة الإيرانية في العقدين السابقين.

الحركة السينمائية الثانية في المدينة لم تكن أفضل حالاً. فتظاهرة "أفلام خارج السرب الهوليودي" التي تعرض في صالة "كندي دمشق" (حتى الرابع عشر من الشهر الحالي) لم تنجح، حتى الآن على الأقل، في إضافة جديد. ثمة عشوائية عالية في اختيار الأفلام الـ41 التي لا يجمع شيء بينها سوى أنها "تغرد خارج السرب الهوليودي"، أو أنها ليست أميركية. هكذا، تقتصر هذه الفعالية على تقديم أفلام ذات مستوى متواضع فنياً، في الغالب.

الحديث هنا عن أفلام أكشن، وأخرى رومانسية، تأتي في آخر أولويات المواطن السوري اليوم. وحتى هؤلاء الذين يتكبدون عناء الذهاب إلى الصالة لتمرير الوقت بعيداً عن القصف، فإن سوء الحظ قد يلاحقهم إما بانقطاع الكهرباء في منتصف العرض أو في عدم وجود ترجمة لأفلام هي في الغالب أوروبية.

وعلى أي حال، فإن ما يساهم في عجز هذه التظاهرة عن النجاح أيضاً هو ضحالة حضورها الإعلامي، إذ تكاد تنتهي من دون أن نجد إعلاناً لها في الشوارع، أو دون أن تنجح في تشكيل حضور أو حالة سينمائية ما.

هذا الحال ينطبق أيضاً على فيلم عبد اللطيف عبد الحميد، "العاشق"، الذي عُرض في "سينما ستي" عرضاً خاصاً اقتصر الجمهور فيه على العاملين في الفيلم وبعض الفنانين والإعلاميين الذين ينتمون إلى الخط السياسي الذي ينتمي إليه المخرج و"الشركة العامة للسينما" المنتجة لشريطه.

هذه البداية السينمائية لـ 2015 تنبئ، على أي حال، بسنة ضحلة على مستوى الفن السابع. ولا يبدو أن "المؤسسة العامة للسينما" ستسعى إلى اتخاذ خطوة تجاه الفن السابع أوسع من تلك التي تتخذها تجاه خطاب النظام السياسي القائم.

ثلاث قصص "بتوقيت القاهرة"

القاهرة - عبد السلام الشبلي

عبر ثلاث قصص، يسعى فيلم أمير رمسيس (1979) "بتوقيت القاهرة" إلى وضع مشاهده في صميم شخصياته التي تحمل كل منها مشكلتها الخاصة مع محيطها، مع الماضي والحاضر، محاولةً حلّها عبر الهرب مما يريد المجتمع، إلى ما تسعى إليه من متطلبات ذاتية لا يستطيع غيرها إدراكها.

حكايات الشريط تبدأ مع يحيى شكري (نور الشريف)، العجوز المصاب بالزهايمر، المتعلق ببعض ماضيه، عبر ساعة زوجته التي لا يتركها، وصورة المرأة التي لا يعرفها لكنه يشعر نحوها بعاطفة تدفعه إلى البحث عنها، متخلصاً من واقعه المتمثل بابن عاق، وابنة لا تملك له سوى الدموع والصبر. هكذا إلى أن يلتقي بتاجر الممنوعات "حشيش"، الذي يقلّه إلى القاهرة بحثاً عن ماضيه الضائع.

في نفس التوقيت، تظهر الممثلة ليلى سماح (ميرفت أمين)، الراغبة بالزواج، والتي تتعارض رغبتها مع الفتوى الشرعية القائلة بأن أيّ زواج يقع في التمثيل هو حقيقي، ما يدفعها للذهاب إلى زميلها الممثل سامح كمال (سمير صبري) ليطلقها، الأمر الذي يرفض أن ينصاع إليه معتبراً إياه تخريفاً.

أما الحكاية الثالثة فتدور في شقة صديق وائل (كريم قاسم)، التي استعارها منه ليختلي فيها بحبيبته سلمى (أيتن عامر)، اللذين لم يستطيعا الزواج رغم مرور ثلاثة أعوام على علاقتهما.

"حوارات تفتقد للتشويق، ونصّ غير ناضج تماماً"

كل هذه الأحداث تدور في توقيت واحد، إلا أنها لا تشكل فيما بينها أي رابط يثير المتابع، باستثناء ما يمكن أن نعده ربطاً لا يمكن توظيفه في الجو العام للشريط، حول كون سلمى هي ابنة ليلى سماح، أو الصدفة التي تجمع يحيى مع ليلى في منزل سامح.

يظهر واضحاً العجز في حوارات الشريط التي افتقدت للتشويق، والقائمة على نصّ غير ناضج تماماً، ما أفقد كثيراً من أحداث الفيلم إمكانيتها على جذب المشاهد إلى الحكايات وعوالم شخوصها. ويمكن القول إن شخصية يحيى شكري (نور الشريف) كانت الوحيدة التي تسنى لها تقديم نفسها بصورة شبه متكاملة أمام المشاهد، عبر تفاصيل دقيقة وُظّفت لإظهار ملامحها.

تقنياً، عانى الفيلم من تفكك قصصي أجهد الكاميرا، التي ظهرت تائهة بين ثلاث قصص لا أرضية مشتركة لها، فكان التنقل المشهدي غير الممهد بينها، والقطع غير المنطقي في بعض اللقطات، فضلاً عن البداية والنهاية المفاجئة في أحداث الشريط على نحو غير مريح للمشاهد.

وعلى أي حال، يبدو أن الفيلم احتاج جهداً أكبر من مخرج "يهود مصر"، خصوصاً في ما يخص الاشتغال على جدل قصصه الثلاث وعلى إدارة الممثلين، سيما الشباب منهم، الذين ظهر أداؤهم أقرب إلى التلفزيون منه إلى السينما.

أكثر من حصار

صالح ذباح

لم تقتصر آمال الكثير من الشباب على تغيير الواقع السياسي والاجتماعي مع بداية الانتفاضات والثورات العربية في المنطقة، بل راهنت الطليعة المبادرة للحراك الثوري، وسوادها الأعظم من الشباب، على إنتاج ثقافيّ يعبّر عن الروح الثورية الجديدة، سواء كانت في مضامين هذا الإنتاج أو تقنياته، ولا سيّما في الأعمال السينمائية.

وما من شكّ أن ما نعرّفه اليوم على أنّه "سينما شبابية" واعدة، هو خروج عن المألوف والتجاريّ لصالح الجودة الفنية. ومعظم ما ينتجه شباب السينما المستقلة في الدول العربية المختلفة، ومن أهمها مصر وتونس وسورية والمغرب، يبقى محصوراً في الأفلام التسجيلية وعروضها المتاحة في المهرجانات السينمائية، ولا ترحّب بها دور العرض والقنوات التلفزيونية في العالم العربي.

ذلك على نقيض الأفلام الروائية الطويلة، والتي تحتاج إلى إنتاج ماديّ ضخم، لا تغامر به أيّ جهة منتجة إن لم يكن العمل مندرجاً تحت فئة الأفلام الاستهلاكية، والتي تخصّص لها دور عرض عادة ما تكون تابعة للجهة المنتجة في شبه احتكار للإنتاج والتوزيع.

أمام مطرقة التكاليف المادية العالية وسندان ظروف السوق السينمائي، يبقى التحدي الأكبر هو تعديل مسار الثورات التي حُيّدت عن طريقها؛ كي لا يكتشف المبدعون، بعد حين، أن مجتمعات العالم العربي الممزّقة بين حكومات الفاشية العسكرية أو التنظيمات الوحشيّة، ما عادت بيئة حاضنة لحريّة التعبير والتشكيك في المسلّمات: أهم أسس الإبداع.

"هزّ وسط البلد".. يعيد المحرّمات إلى السينما المصرية

مروة عبد الفضيل

تعرّض فيلم "هز وسط البلد" لهجوم شديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن قبل العديد من الصحافيين والجمهور بسبب أحد مشاهد التلميح إلى السحاق. إذ صدرت جملة عن لسان الممثلة حورية فرغلي في أحد المشاهد، قالت فيها "ستات كتير بيعملو كده".

وفي تعقيب لمنتجة الفيلم وبطلته إلهام شاهين للهجوم على هذا المشهد، قالت في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد": "لا يوجد مشهد صريح للسحاق على الإطلاق. فلا أنا ولا الرقابة ولا أي من الفنانين المشاركين في الفيلم يقبلون بعرض مشهد صريح للسحاقية. ولو افترضنا وقبل الفنانون، فهل الرقابة تستطيع أن تمرّر المشهد؟ طبعاً، لن تقبل".

وأضافت إلهام، أنّه يمكن مناقشة أكثر القضايا سخونة وجرأة وغير المقبولة اجتماعياً، بشكل محترم وراقٍ من دون خدش الحياء. وهي ما تعتمده إلهام - على حد قولها - في كل أعمالها سواء كممثلة فيه أو منتجة.

من ناحيته، قال رئيس لجنة المشاهدة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية عبد الستار فتحي لـ "العربي الجديد": "لو شعرت بأي خدش للحياء في المشهد، لما وافقت عليه. إذ لا يتضمّن ألفاظا حوارية جريئة أو مناظر غير لائقة. وأنا مع مناقشة القضايا الشائكة بجدية ولياقة، من دون الخروج عن الآداب العامة".

وكانت آخر مشاهد السحاق الذي تعرض إلى هجوم شديد، المشهد الذي جمع الفنانتين سمية الخشاب وغادة عبد الرازق، ضمن أحداث فيلم "حين ميسرة" للمخرج خالد يوسف، وردّت غادة حينها على هذا الهجوم، موضّحة أنّها لا تقوم بأيّ شيء.

وفي إحدى الدراسات التي قام بها الناقد الراحل رفيق الصبّان حول العلاقات الخاصة في السينما المصرية، أوضح أنّ من أولى المحاولات التي شهدتها السينما في هذا الإطار، كانت في فيلم "الطريق المسدود" لصلاح أبو سيف، إذ تضمّن مشاهد عن الحب المثلي النسائي بإيحاء غير مبتذل، قامت بها الفنانة ملك الجمل. إذ جسّدت شخصية مدرّسة تعيش في قرية محافظة، لا تجد منفذاً لعواطفها الجنسية المكبوتة سوى زميلاتها المدرّسات اللواتي يخضعن لها.

لكنّ سنوات السبعينيات كانت بمثابة الحقل الذي نمت فيه هذه النوعية من الأفلام البالغة الجرأة، تماماً مثلما حدث في فيلم "جنون الشباب" للمخرج خليل شوقي. إذ مُنع لسنوات كثيرة، وعند عرضه تجارياً لم يلق نجاحاً يذكر. وجسدت شخصية المثلية "سناء يونس" التي تحب إحدى صديقتها بجنون، وترفض سناء أي علاقة لصديقتها بأحد، وعندما تخطب هذه الأخيرة، تنتحر سناء. 

"على مدار تاريخ السينما المصرية، لم يعرض مشهد واحد صريح للسحاق. بل تمت مناقشة القضية، غير إيحاءات وإيماءات فقط"

وعام 1978، قدّم أشرف فهمي فيلم "رحلة داخل امرأة"، وتلجأ فيه بطلته إلى النساء بعد خيانة زوجها. وفي عام 1977 قدّم المخرج كمال الشيخ السحاقية بشكل واضح وبارز في فيلم "الصعود إلى الهاوية"، وكأن السحاقية هنا بمثابة وصمة عار اتّسمت بها الجاسوسة عبلة كامل، الفتاه المصرية التي تم تجنيدها في باريس من قبل الموساد، وكان السحاق بمثابة وسيلة لتجنيد فتاة مبهورة بالنموذج الغربي.

وكان المخرج داوود عبد السيد قد تعرض لهجوم شديد، بعدما قدّم السحاقية في فيلمه "رسائل بحر" الذي عُرض منذ سنوات، لكنّه برّر وقتها المشاهد بأنّها تتماشى مع الواقع، خصوصاً مع عدم إحساس المرأة بالأمان مع الرجل وافتقادها إلى المشاعر، الأمر الذي يُلجئها إلى امرأة مثلها، مشدداً على أنّ "العري يعبّر عن البراءة أحيانًا"، وأنّه قصد من مشهد الشذوذ الذي جمع فتاتين على السرير، لفت الانتباه فقط إلى هذا المرض.

وفي عام 2009، قدّمت الممثلة المصرية علا غانم شخصية السحاقية بشكل واضح وصريح، حتى إنّها استخدمت نظراتها بشكل فج. وعلى الرغم من أنّ هذه العلاقة من المفترض أن تكون سرية، إلا أنّها كانت قد أعلنتها حتى لأصدقائها الرجال. وأقيمت دعاوى قضائية في ذلك الوقت ضدّ علا بتهمة التحريض على الفسق والرذيلة، إلا أنّها كانت تدافع عن نفسها، مؤكّدة أنّها تقدم نموذجاً من نماذج الفتيات المصريات، وطالبت بعدم دفن الرؤوس في الرمال، بل على السينما كشف الواقع بكل ما يحمله من سلبيات وإيجابيات.

أخيراً، وعن الرأي النقدي حول وجود مشاهد السحاق في السينما المصرية ورفضها اجتماعياً، قال الناقد لويس جريس لـ "العربي الجديد": "هناك مشاكل اجتماعية عديدة موجودة في المجتمع المصري، لا بدّ من التطرق إليها، لكن مع مراعاة العادات والتقاليد والأعراف الموجودة في مجتمعنا العربي، وتوضيح ما يتضمّنه الفيلم، وإذا كان لا يجدر أن يراه الصغار، فليرفع شعار "للكبار فقط".

وأضاف الناقد: "على مدار تاريخ السينما المصرية، لم يعرض مشهد واحد صريح للسحاق. صحيح أنّه تمت مناقشة القضية، لكن بشكل غير فج وكان عبارة عن إيحاءات وإيماءات فقط"، موضحاً أنّ جهاز الرقابة هو المنوط بهذا الموضوع، وهو المسؤول عمّا يجب حذفه.

العربي الجديد اللندنية في

08.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)