كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

علا الشافعى تكتب:

وحيد حامد يفضح «مُخبرين» الصحافة فى «قط وفار»

 

تعيش السينما المصرية هذه الأيام، حالة من الانتعاش الفنى، وهى الحالة التى افتقدتها منذ فترة طويلة، فالموسم السينمائى الحالى يشهد تنوعًا فى الأفلام المعروضة، ويضم ألوانًا سينمائية مختلفة، فمن الدراما الاجتماعية، فى "ريجاتا" و"هز وسط البلد"، إلى سينما التشويق والإثارة "أسوار القمر"، وحتى الكوميديا الاجتماعية والسياسية فى فيلمى "قط وفار" للكاتب وحيد حامد والمخرج تامر محسن، من بطولة محمود حميدة ومحمد فراج وسوسن بدر، وفيلم "يوم مالوش لازمة" للنجم محمد هنيدى، تأليف عمر طاهر وإخراج أحمد الجندى، يصبح أمام جمهور السينما فى مصر كمًا ليس بقليل من الأفلام المتنوعة.

«قط وفار»

دراما كوميدية سياسية ساخرة، تحمل نقدًا لاذعًا يذكرنا بروح أفلام الكاتب الكبير وحيد حامد فى التسعينات، ويقدم الفيلم بشكل ساخر شخصية وزير الداخلية، اسم عائلته القط، يؤدى دوره محمود حميدة، يشغل وزارته بطلباته المتعلقة بحفل خطوبة ابنته والذى من المفترض أن يحضره كبار الشخصيات والمسئولين فى البلد، لذلك فكل شىء يجب أن يكون مدروسًا وبدقة، بدءًا من الورود التى ستزين الحفل وصولًا لمكان ركن السيارات الخاصة بكبار البلد.

اختار وحيد حامد يومًا واحدًا هو عيد الحب لكى يقدم من خلاله معظم مشاهد فيلمه، وما بين العالمين المتوازيين اللذان يعشقهما حامد تدور أحداث الفيلم وهو عالم الوزير والسلطة _الأحداث فى عصر مبارك _ وعالم ابنة عم الوزير تجسدها سوسن بدر وابنها المنتمى لعائلة الفار يجسده محمد فراج.

كوميديا الفيلم السوداء والمبنية على الكثير من المفارقات والثنائيات ومنها مشهد البداية الذى جاء معبرًا عن روح الفيلم، حمادة الذى يشكو من أن والدته الأرملة الجميلة تجسدها بخفة وبراعة سوسن بدر المرغوبة من كل رجال الحارة، ابنه وزير الداخلية التى تدمن المخدرات، حيث نشاهدها وهى تتعاطى الكوكايين قبل حفل خطبتها الفرح والحزن يوم الخطوبة والذى يتحول إلى مأتم بعد أن ماتت ابنة عم الوزير فى منزله، وهى ابنة عمه الفقيرة التى تعيش فى إحدى الحارات الشعبية وتحضرها زوجته _ تجسدها سوزان نجم الدين_ فقط لتزغرد لابنته الدلوعة، ونصبح أمام ثنائية الموت والحياة، القهوة بجوار الشربات، الفساتين السواريه بجوار اللون الأسود لتقديم واجب العزاء، خصوصًا بعد أن تسرب خبر وفاة ابنة عم الوزير بالصدفة عن طريق رئيس تحرير إحدى الصحف القومية، وبات مدعوو الوزير فى حيرة هل يذهبون للتهنئة، أم لتقديم العزاء.

لسينما وحيد حامد ملامح خاصة لا يستطيع أحد أن يغفلها تتمثل فى قدرته على صياغة تلك العوالم وجمله الحوارية شديدة التميز وتعريته للفساد وكشفه لفساد أكبر فى الإعلام وهو الكشف الذى حمل نقدًا لاذعًا لمخبرى الإعلام حتى فى صحافة المعارضة، وهو ما أدركه المخرج الموهوب تامر محسن، الذى قدم فيلمًا يحمل روح الكوميكس، وصراعًا يحاكى تمامًا الصراع بين توم وجيرى من خلال إيقاع يمتلئ بالحيوية، وتميزت معظم عناصر العمل الفنية (تصوير فيكتور كريدى، موسيقى محمد مدحت، مونتاج وائل فرج، ملابس ناهد نصر الله، ديكور على حسام)، وتألق محمود حميدة فى دور وزير الداخلية والذى يحمل عودة مختلفة لحميدة منذ آخر أعماله فى السينما، أما محمد فراج فاجتهد إلى حد كبير فى تقديم شخصية حمادة الفار البسيط الساذج الذى يتحول إلى جيرى الفار فى النصف الثانى من الأحداث ليغلب الوزير القط بمساندة أناسه من البسطاء، أما السورية سوزان نجم الدين أفلتت منها أخطاء فى اللهجة المصرية فى بعض المشاهد.

أجمل مشاهد

من أجمل مشاهد الفيلم الذى أدته المتمكنة سوسن بدر بعبقرية، هو المشهد الذى تزور فيه حمادة ابنها بعد وفاتها حيث تأتيه على شكل روح تزوره وتشرح له لماذا تعددت زيجاتها إلا أنه رغم ذلك يظل هو الرجل الأهم فى حياتها.

مشهد الفنانة الراحلة ثريا إبراهيم وهى تنادى على وزير الداخلية فى أول زيارة له للحارة وهى تصرخ من شباكها "عباس ..ولا ياعباس". 

فيلم "من ألف إلى باء"

يتعثر فى الوصول للجمهور وصناع العمل: فخورون بما قدمنا

كتب محمود ترك

رغم عدم تحقيق فيلم "من ألف إلى باء" إيرادات مرتفعة فى دور السينما المصرية، إلا أن صناعه أكدوا لـ"اليوم السابع" أن الإيرادات لم تشغل بالهم، ولم يفاجئهم الأمر، وعبروا عن سعادتهم وفخرهم بالعمل والتجربة الجديدة التى خاضوها، خصوصا أن الفيلم يعتبر الفيلم خطوة بارزة فى الإنتاج العربى المشترك بين مصر والإمارات، ويضم سينمائيين من مختلف أنحاء العالم العربى منهم شادى ألفونس من مصر، والكوميدى السعودى فهد البتيرى، والسورى فادى الرفاعى، ومن تأليف محمد حفظى بمشاركة أشرف حمدى ورونى خليل، وذلك عن قصة السينمائى الإماراتى على مصطفى مخرج الفيلم. ويندرج فيلم "من ألف إلى باء" تحت قائمة الـrood movies التى تدور أحداثها فى الطريق حيث يتناول رحلة بالسيارة يقوم بها 3 أصدقاء عرب فى أبوظبى، وفاء لصديقهم الراحل "هادى" والذى توفى قبل 5 سنوات خلال الحرب على لبنان فى 2006 ولكن قبل ذلك حاول أن يقنعهم بالذهاب معه فى تلك الرحلة البرية، ولم يوفق فانتهى به الأمر إلى أن يسافر بمفرده. وأوضح السيناريست محمد حفظى لـ"اليوم السابع" أنه شارك فى العمل كمنتج مشارك وأيضا سيناريست، وأن عدم تحقيقه لإيرادات مرتفعة فى السينما ليس أمرا مفاجئا بالنسبة له، لأن الفيلم يعرض فى 3 نسخ فقط، كما أن سوق الفيلم العربى فى مصر يعانى من ركود شديد بسبب اختلاف اللهجة، وأن الأفلام العربية التى تعرض فى مصر غالبا تخاطب فئة معينة من الجمهور. لكن حفظى أشار إلى أن عرض الفيلم فى نسخ كثيرة أمرا لا يشغل باله، والأهم أن تكون القاعات التى تعرض العمل ممتلئة بالجمهور، قائلا "عملنا اللى علينا، ونحاول عرض إنتاجات مختلفة، والباقى على الجمهور". وأضاف محمد حفظى أنه تحمس للفيلم لأنه عبارة عن رحلة تضم الكوميديا وأيضا المواقف الإنسانية وله رسالة هامة، حيث يخرج الشباب من القوقعة التى يعيشون بها ويتغيرون وينموا تفكيرهم تبعا لأحداث الفيلم، ويصلون إلى إدراك ذاتهم، لذا تم اختيار عام 2011 ليكون زمن أحداث الفيلم، رمزا وتعبيرا عما كنا نسميه بالربيع العربى الذى كانت الآمال معلقة عليه لإحداث تغيير أفضل وكانت بدايته بريئة والشعوب كانت تعبر عن رغبتها فى حياة أفضل. أما شادى ألفونس فقد أكد سعادته بالمشاركة فى الفيلم وقال إنه تجربة هامة بالنسبة له، فرغم الثقة التى اكتسبها من وجوده ضمن فريق عمل برنامج "البرنامج" إلا أن الأمر مختلف تماما فى السينما، وأنه تعلم الكثير من المخرج على مصطفى، كما أكد أنه وضع بصمته الخاصة فى العمل، حيث كان السيناريو مكتوبا باللغة الإنجليزية، ثم تم الاستقرار على تحويله إلى اللغة العربية، لذا فإن هناك الكثير من الجمل والإيفيهات الكوميدية لشخصيته فى الفيلم كان يجب أن تكتسب الطابع المصرى، وتكفل بوضع "التاتش المصرى" الخاص به لكى تناسب شخصية "رامى" التى يجسدها ضمن أحداث العمل. وحول تضمن الفيلم لمشاهد كوميديا وأيضا تراجيدية أشار ألفونس إلى أن يشعر براحة كبيرة فى المنطقة الكوميدية رغم أن الكوميديا فى الأساس هى أصعب بكثير من المشاهد التى تبكى الجمهور، لكن ذلك لا يمنع من أنه ممثل مسرحى فى الأساس ويجسد مختلف الأدوار والمشاهد. وتمنى شادى أن يستمر فى مجال التمثيل لأنه حلم حياته، وسعيد بأن أولى تجاربه فى السينما جاءت من خلال فيلم "من ألف إلى باء"، الذى يعد تجربة سينمائية مختلفة عن السائد فى السينما. بينما أكد أشرف حمدى الذى شارك فى كتابة السيناريو إلى أن العمل أغفل وجود شخصيات من المغرب العربى نظرا لأن طبيعة المجتمع الإماراتى لا تتضمن نسبة كبيرة من مواطنى المغرب أو تونس أو الجزائر، فهؤلاء يفضلون غالبا السفر إلى أوروبا وتحديدا فرنسا، والفيلم واقعى بشكل كبير كما أنه لم يجد صعوبة فى رصد الخلفيات الثقافية والعادات لمجتمعات السعودية والسورية فى الفيلم، حيث إن طبيعة الشخصيات فى العمل بعيدة عن جذورها إلى حد بعيد. وأضاف أشرف حمدى أن جزءا كبيرا من عمله كان فى دبى، لذا يعرف طبيعة المجتمع الإماراتى جيد، لأن هناك ثقافات كثيرة ومختلفة، فهى مدينة تشبه نيويورك إلى حد كبير فى تنوع الثقافات واختلافها، لذا فإن الشباب هناك ليسوا مرتبطين بجذورهم إلى حد كبير، وأضاف أن الصعوبة لم تكن فى رسم ملامح الشخصيات الرئيسية فى العمل بل كانت فيما تمر به هذه الشخصيات

اليوم السابع المصرية في

02.02.2015

 
 

"هز وسط البلد".. الصنعة تهزم الجرأة!

محمود عبد الشكور

يعانى فيلم "هزّ وسط البلد" لمؤلفه ومخرجه محمد أبو سيف من مشاكل فنية واضحة هزمت جرأة العمل ونوايا صناعه الطيبة، فمن سيناريو تتوه بين شخصياته الكثيرة، وينتهى الى ميلودراما مزعجة، الى تنفيذ فى ديكورات تفقد الحكاية نبض الشارع وحيويته، ومن أداء إجتهادى مفتعل لتجسيد شخصيات  شعبية نراها ونقابلها كل يوم الى مونتاج لم يستطع ضبط إيقاع أحداث تتم فى يوم واحد، ومن استخدام مباشر للوحات أرقام السيارات الى سذاجة التعبير عن المواقف بكلمات مكتوبة، تراكمت كما ترى المشاكل بصورة أضرت كثيرا بالتجربة التى تشهد على انهيار وفوضى نعرفها منذ سنوات طويلة.

محمد أبو سيف مخرج يقدم دوما موضوعات مختلفة تماما عن السائد والمألوف، بصرف النظر عن مستوى تجاربه، ونصيبها من التكامل الفنى، أفضلها فيلم "خالى من الكوليسترول" بطولة أشرف عبد الباقى وإلهام شاهين، الذى فضح فيه عالم النصب من خلال الإعلانات،  وأكثرها جرأة (بمعايير السينما المصرية طبعا)  هو فيلم "النعامة والطاووس" بطولة لبلبة ومصطفى شعبان وبسمة، وكان موضوعه الثقافة الجنسية المفقودة، يحسب دوما لهذا المخرج المجتهد هذا التنوع، وتلك الجرأة، ولكن ذلك لايعفيه من المحاسبة على الجودة الفنية، الفكرة أو الموضوع لا يكفيان، غالبا ما يكون إنتاج أفلام محمد أبو سيف محدودا، مما يؤثر على صورة العمل فى النهاية، كما أن بعض أعماله لا تأخذ حظها من الكتابة العميقة، فتجىء المعالجات سطحية وسريعة، واقرب ما تكون الى عناوين الصحف ، كما شاهدنا مثلا فى فيلمه "خللى الدماغ صاحى".

فيلم "هز وسط البلد" كان اسمه الأول "وسط هزّ البلد" استلهاما من واقعة حقيقية حدثت فى السنوات الأخيرة من عصر مبارك، عندما استعانت شركة إنتاج سينمائى مشهورة ببطلة الفيلم الراقصة ذائعة الصيت، لكى تفتتح فيلمها الجديد برقصة أمام سينما مترو فى وسط البلد، ونتيجة الزحام والتدافع، سُجلت حوادث تحرش بالفتيات، أصبحت حديث الصحف والرأى العام لفترة طويلة.

نماذج كثيرة

اعتبر أبو سيف إن دلالة الواقعة أهم وأخطر من تفاصيلها، وجد أنها دليل إنهيار تام  سياسيا وأخلاقيا واجتماعيا، احتفظ فقط فى السيناريو بوجود حفلة افتتاح لفيلم جديد يبيع للمتفرج لحم بطلاته، واطلق على الفيلم اسم "الصدر والورك"، وجعل بطلة الفيلم ترقص فى حفل الإفتتاح دون ذكر لعمليات التحرش.

بدلا من التحرش، قدم أبو سيف ما لايقل عن 35 شخصية فى شارع بجوار هذه السينما التى أطلق عليها سينما رويال، الفكرة جيدة جدا كما ترى، فالتحرش لن يضيف الكثير الى حالة الفساد والبيع والشراء التى سنراها من خلال كل الشخصيات تقريبا، انهيار شامل وفى تنويعات مختلفة لنماذج تنتمى بالأساس الى الطبقات الفقيرة، والى بقايا ما كنا نطلق عليه "الطبقة الوسطى" التى تكدس بعض عناصرها فى المقهى.

ينتمى "هز وسط البلد" بذلك الى تلك الأفلام التى تتنبأ بالإنهيار من خلال تفاصيل الشخصيات، ولحظات فسادها وسقوطها، إنه جزء من سينما الفساد إذا جاز التعبير،  التى شاهدناها من قبل فى أفلام جريئة وهامة مثل "المذنبون" لسعيد مرزوق، و"عمارة يعقوبيان" لمروان حامد.

لكن المشاكل تبدو واضحة منذ اللقطات الأولى للفيلم، نفتقد لأول وهلة لمسة ورائحة الواقع التى يفترض أن ينقلها لنا الفيلم، فهذا الديكور الواضح ( فى مدينة الإنتاج الإعلامى على الأغلب) يذكرنا بمسلسلات التليفزيون، وهذه الأرض الملساء لا علاقة لها بشوارع وسط البلد التى نعرفها، بل إن ما نراه من محلات وشخصيات أقرب ما يكون الى جزء من حارة مصرية تقليدية، وليس من شوارع وسط البلد التى يحمل الفيلم اسمها.

فى اللقطات الأولى أيضا سيبدأ تعليق المؤلف/ المخرج على مشاهده بصورة ساذجة ومباشرة من خلال التركيز على لوحات السيارات المارة، والحروف التى اختيرت بعناية على اللوحات لكى تعطى كلمات ذات معنى مثل "طين" و"فُجْر"، بل وصلت السذاجة الى ابتكار المؤلف لكلمات أكثر من ثلاثة أحرف ، تخيلوا مثلا لوحة سيارة كتبت على لوحتها المعدنية كلمة "قوادة" ؟!

هذه الطريقة التعليمية البائسة التى تكشف عن عدم ثقة المؤلف فى صورته أو فى الدراما أو فى ذكاء الجمهور، وهذا الخليط المكانى الغريب  الذى لاعلاقة له بوسط البلد (هناك ساعة معلقة فى قلب الشارع لا أعرف مثيلا لها على الإطلاق) ، كل ذلك كشف لنا مبكرا عن معالجة مرتبكة رغم أهمية وخطورة الفكرة.

جاءت المشكلة الثانية بعد قليل، حيث لم ينجح محمد أبو سيف سوى فى ربط عدد قليل من الشخصيات معا، بينما ظلت بعض الشخصيات تكمل الصورة أو على هامشها، يمكن أن نتحدث عن الشحاذة الفقيرة حورية (إلهام شاهين) التى تفشل فى العمل بسبب وجود أطفالها معها فى كل مكان، فتوافق على عرض حسين مؤنس (فتحى عبد الوهاب) بأن تبيع أحد أطفالها لامرأة ثرية لاتنجب تلعب دورها أنوشكا، ويمكن بالكاد أن نتبين خطا دراميا لراقصة معتزلة تحولت الى صاحبة محل ملابس تحمل اسم انتصار (هياتم)، نشك فى أنها تدير أعمالا مشبوهة، حتى نكتشف بعد طول انتظار أنها أقرب الى قوادة، تبعث الفتيات لمن يطلبهن ، وخصوصا من خلال علاقة مع سيدة خليجية ثرية.

هناك أيضا بالكاد علاقة بين الفتاة ابتسام (زينة) التى تبدو أقرب الى الشراسة دفاعا عن نفسها، وبين كرم (أمير شاهين) الذى يعمل فى مقهى بالشارع، يصر كرم على خطبتها، ثم يتركها بعد أن يسرق أموال الشارع كله.

خطوط مبتورة

ظلت الخطوط مبتورة لكثرة الشخصيات، ولعدم القدرة على رسم معالمها فى يوم واحد فقط تدور فيه الأحداث، كما فشلت حكاية افتتاح الفيلم، وعملية تحضير شاب متزمت يدعى رفاعة (عمر حسن يوسف) لقنابل ستنفجر فى الشارع، فى منحنا ذلك الشعور بمرور الوقت، أو فى تحقيق تصاعد درامى وصولا الى  نقطة واحدة كما حدث مثلا فى فيلم "كباريه" من تأليف أحمد عبد الله.

لم ينجح المونتاج فى ضبط الإيقاع فترهل السرد، وظهرت شخوص ثم اختفت مثل المدرس الذى يعطى دروسا خصوصية فى المقهى، صحيح أننا كنا فى حاجة لبانوراما تقدم تنويعات على نغمة الفساد، إلا أن الحبكة لم تنضبط بالقدر الكافى، هناك أكثر من مقهى فى مكان محدود، فى إحداها تتجاور صور عبد الناصر، وهناك قسم للشرطة تمر الشخصيات من أمامه، وهناك لوحات السيارات المزعجة التى يعلق المخرج من خلالها على ما نراه، فيزيد ذلك من ترهل الفيلم ومن سذاجته.

ثم تأتى المشكلة الثاثلة الأخطر بالوقوع فى فخ الميلودرامأ ، لايكتفى الفيلم ببيع ابنة حورية البائسة، ولكنه يجعل ابنها الثانى يتوه منها فى شارع هو أقرب الى الحارة، ثم يموت ابنها الثالث أمامها فى حادث سيارة، وتقوم هى بنفسها بإلقاء طفلتها الرضيعة فى القمامة، ثم تصاب بما يشبه اللوثة العقلية، لتسير هائمة فى الشارع تطلب العمل، يحدث كل ذلك فى ثلاث ساعات فقط!

كان واضحا أن الحبكة أفلتت، وأن هناك محاولة  يائسة لإغلاق الحكاية بأى وسيلة، لعل أخطر نتائج هذه الصنعة أن قيام الشاب الإرهابى بتوزيع قنابله على أماكن مختلفة من الشارع الفاسد، قد اكتسب منطقا وجيها بعد أن شاهدنا سوقا يباع فيه كل شىء، طبعا محمد ابو سيف لا يقصد ذلك، ولكن الطريق التى سار فيه الفيلم أوصل هذا المعنى غير المقصود، رغم أن رفاعة الإرهابى نفسه هو أحد تجليات الأوضاع الكارثية التى انتهينا إليها.

يضاف إلى ذلك الطريقة التى تؤدى بها الممثلون شخصياتهم، إنهم يهتمون بالأداء الحركى، وليس بالإنفعال الداخلى للشخصيات، منشغلون هم دوما بلمسات تقليدية مفتعلة وخصوصا فيما يتعلق  بالمرأة الشعبية، تكرر ذلك فى أداء كل من زينة وحورية فرغلى وإلهام شاهين، الأداء أصبح يبعث على الضحك، وزاد من لا واقعية الحكاية، ورغم أن مولف الموسيقى التصويرية حسين على اسماعيل كتب جملة موسيقية تثير الشجن، إلا أن المخرج لم يستخدمها إلا بصورة شحيحة ومتباعدة، يدين الفيلم الفساد بلا شك، ولكن بطريقة مباشرة وساذجة أحيانا، كما يفتقد البعد السياسى الذى ساهم بالتأكيد فى أن يكون حاضنا لهذه الفوضى الأخلاقية والإجتماعية.

"هز وسط البلد" ينتهى وقد حملت حورية قنبلة، تريد أن تبيعها للناس اعتقادا منها أنها ساعة، المؤسف أن المشاهد، وقد رأى هذا المجتمع الفاسد، سيتمنى فعلا تفجيره بالقنابل الإرهابية، هذه نتيجة المعالجة المتعسفة لقضية خطيرة، الأفلام ليست مجرد نوايا طيبة، ولكنها ايضا فى حاجة الى احتراف فنى حتى لا نتورط فى تلك الركاكة الدرامية غير المقصودة، والتى لم تنقذها لافتات السيارات المعدنية المضحكة.

عين على السينما في

02.02.2015

 
 

محمود حميدة: لا أشغل نفسي بفكرة رسالة «قط وفأر»

كتب: ريهام جودة, سعيد خالد

قال الفنان محمود حميدة، إنه لا يشغل نفسه بفكرة رسالة فيلم «قط وفأر» الذي يقدمه فهو شىء وكلام غير مفهوم بالنسبة له، موضحًا أن سعادته اكتملت بالعمل مع المخرج محمد سامى فى فيلم «ريجاتا»لأنه عمل مميز.

وأوضح «حميدة» في تصريحات صحفية لـ«المصري اليوم»، أنه لايمانع من تكرار العمل مع طاقم فيلم «ريجاتا» مرة أخرى، وأشار إلى أن الفيلم حقق إيرادات معقولة، وإقبال الجمهور عليه دليل علي اعجابه به.

محمود حميدة: تدخل الممثل في اختيار موعد عرض «قط وفأر» خلط للأمور

كتب: ريهام جودة, سعيد خالد

أكد الفنان محمود حميدة أنه ليس مسؤولا عن اختيار موعد عرض الفيلم لأنها مهمة الموزع وليس المنتج أيضًا، مشيرًا إلى أن تدخل بطل العمل في تحديد موعد العرض مفهوم خاطئ كونه ليس ضالعًا في مسألة التوزيع، وإذا كان يحدث في بعض الأحيان فهو خلط للأمور.

وأشار «حميدة» في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم» إلى أن الفيلم كوميدى من النوع الهادئ، وليس فيه صخب الكوميديا المتواجد في معظم أفلامنا. وشدد على أنه لا يشغل نفسه بفكرة رسالة الفيلم فهو شىء وكلام غير مفهوم بالنسبة له، موضحًا أن سعادته اكتملت بالعمل مع المخرج محمد سامى في فيلم «ريجاتا»لأنه عمل مميز ويختلف من حيث الشكل مع فيلم «قط وفار».

محمود حميدة: مخرج قط وفار فاجأني بأسلوبه ورؤيته في العمل

كتب: ريهام جودة, سعيد خالد

أعرب الفنان محمود حميدة عن سعادته بالتعاون مع السيناريست وحيد حامد في فيلم «قط وفار».

قال «حميدة» في تصريحات لـ«المصرى اليوم»: «وحيد حامد له قدره المعروف وأعتبر حديثى عنه مزايدة، والمخرج تامر محسن فاجأنى بأسلوبه في العمل ورؤيته، وفكره»، وتنبأ حميدة بأن يصبح تامر مخرجا كبيرا ويمثل إضافة كبيرة للسينما المصرية، وتابع حميدة أنه اكتشف أثناء عمله بالفيلم الفنان محمد فراج، ويرى أنه سيكون أحد النجوم الكبار في السنوات القادمة، كما أن سعادته اكتملت بمشاركة الفنانة سوزان نجم الدين من سوريا الشقيقة، في الفيلم، لأنه دائما ما يتطلع لوجود تعاون عربى-عربى مشترك في السينما، وهذا العمل حقق له ذلك، وتمنى أن يكون الفيلم انطلاقة جديدة لها في السينما.

محمود حميدة: تدخل الممثل فى تحديد موعد عرض الفيلم خطأ فادح وخلط للأمور

كتب: سعيد خالد

أعرب الفنان محمود حميدة عن سعادته بالتعاون مع السيناريست وحيد حامد فى فيلم «قط وفار»، وقال فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: «وحيد حامد له قدره المعروف وأعتبر حديثى عنه مزايدة، والمخرج تامر محسن فاجأنى بأسلوبه فى العمل ورؤيته، وفكره»، وتنبأ حميدة بأن يصبح تامر مخرجا كبيرا ويمثل إضافة كبيرة للسينما المصرية، وتابع حميدة أنه اكتشف أثناء عمله بالفيلم الفنان محمد فراج، ويرى أنه سيكون أحد النجوم الكبار فى السنوات القادمة، كما أن سعادته اكتملت بمشاركة الفنانة سوزان نجم الدين من سوريا الشقيقة، فى الفيلم، لأنه دائما ما يتطلع لوجود تعاون عربى-عربى مشترك فى السينما، وهذا العمل حقق له ذلك، وتمنى أن يكون الفيلم انطلاقة جديدة لها فى السينما.

وأكد حميدة في تصريحات للمصري اليوم أنه ليس مسؤولا عن اختيار موعد عرض الفيلم لأنها مهمة الموزع وليس المنتج أيضًا، مشيرًا إلى أن تدخل بطل العمل فى تحديد موعد العرض مفهوم خاطئ كونه ليس ضالعًا فى مسألة التوزيع، وإذا كان يحدث فى بعض الأحيان فهو خلط للأمور. وأشار إلى أن الفيلم كوميدى من النوع الهادئ، وليس فيه صخب الكوميديا المتواجد فى معظم أفلامنا. وشدد على أنه لا يشغل نفسه بفكرة رسالة الفيلم فهو شىء وكلام غير مفهوم بالنسبة له، موضحًا أن سعادته اكتملت بالعمل مع المخرج محمد سامى فى فيلم «ريجاتا»لأنه عمل مميز ويختلف من حيث الشكل مع فيلم «قط وفار».

المصري اليوم في

02.02.2015

 
 

'حافة الغد' فانطازيا سينمائية عن حرب خارج الزمن

العرب/ طاهر علوان

بطل'حافة الغد' يستشرف المستقبل لإنقاذ أوروبا من الفناء من خلال معارك ضارية تدور رحاها في متحف اللوفر مبعث الطاقة التي تمد الميمكس بالقوة.

كالعادة، هنالك أعداء غرباء يتربصون بالحضارة الغربية ويريدون لها الأذى، أعداء أشرار يمتلكون قوى خارقة عجيبة، ولهذا لا بدّ للجانب الآخر من الاستعداد جيّدا لهؤلاء الغرباء والغزاة، والتصدّي لهم في معركة فاصلة وإنهاء وجودهم.

الغزو سيقع هذه المرة على أوروبا كلها تقريبا، لا تبقى إلاّ لندن، ويكون المنقذون هم جنود الإمبراطورية وعسكرها، جنود الولايات المتحدة بعد أن تتهاوى قوى أوروبا العسكرية تباعا، وتصبح باريس وتحديدا متحف اللوفر، هو مبعث الطاقة التي تمدّ أقوام (الميمكس) بالقوة، ولهذا يجب التصدّي لجذوة القوة فيهم هناك.

هذه هي الخلاصة الأولية لفيلم “حافة الغد”، الرائج حاليا في أنحاء العالم والذي حقق أرباحا كبيرة، والمأخوذ عن رواية للكاتب الياباني “هيروشي ساكورازاما” ومن إخراج دوغ ليمان.

تبدأ الرحلة في هذا الفيلم من مشاهد كثيفة لتغطيات إعلامية وصور وثائقية من حروب شتى عصفت بالعالم وسكانه، بما فيها لقطات غزو العراق ومشاهد أخرى لحالات الهلع التي تنتاب البشرية جرّاء هجوم افتراضي بالنيازك، أو قوى خارقة تجتاح أوروبا تباعا، حتى تظهر خارطتها وقد غطاها اللون الأحمر.

على خلفية هذا الهلع والضجيج والشعور ببوادر الهزيمة النهائية أمام القوات الضاربة لـ”الميمكس”، يحل فجأة الضابط وليام كيج (الممثل توم كروز) على الإدارة العسكرية للقوات العالمية في هيثرو بلندن، وهناك يجري تكليفه بمهام قيادة القوات التي سيجري إنزالها لعبور القنال الأنكليزي، وصولا إلى الساحل الشرقي لفرنسا، كمنطلق لتحرير أوروبا كلها.

المخرج ينجح في المزج بين المواقف الواقعية الطريفة التي يعبر عنها البطل، وبين الإسراف في الخيال العلمي

قوات مجهزة بمعدات حربية فريدة من نوعها، والجنود مدججون بالحديد وبالأسلحة الذكية القاذفة التي تستطيع أن توفر للجندي حماية كبيرة. لكن الطريف في الأمر، وسط ذلك الشدّ والتوتر والرهبة والاستعدادات الحربية، هو ذلك الحوار الذي يتمّ بين كيج وبين القائد العسكري الأعلى للعمليات الجنرال بيرغهام (الممثل بريدان جليسون)، إذ يعلن كروز أنه غير مؤهل لقيادة جيوش، ولا يعرف أصلا في قواعد الحرب، ولا يطيق مشاهدة الدم لأنه ببساطة ليس إلاّ ضابط علاقات عامة وتعبئة لا أكثر.

وهنا يتمّ اعتقال كيج ليجد نفسه مجرّدا من رتبته، وقد استيقظ من غفوة في وسط المعسكر فيما الطائرات الحربية تحلق والجنود يتدربون، يصحو على صراخ العريف الذي يصفه بالحشرة، وفجأة يزج به في الكتيبة الضاربة ولكن من دون تدريب، ويحاول بشتى الطرق إقناع رؤسائه الجدد أنه ضابط برتبة رائد وليس جنديا، ولا علاقة له بالقتال المباشر، ولكن من دون جدوى.

إذ يعدونه جنديا جبانا ومتهربا من المسؤولية، ولهذا يزج به عنوة في الحرب ومن خلال إنزال جوي على السواحل الفرنسية، حيث يتم إسقاط كيج مظليا ليجد نفسه وسط معركة هائلة وقصف شديد، فيما كائنات “الميمكس” تفتك بالجنود لينتهي الأمر بخسارة فادحة للقوات الأممية.

فجأة يفيق كيج من غفوته، ليكتشف المتابع للفيلم أن ما شاهده من معارك حامية وطائرات وقصف، ليس إلاّ حلما قصيرا باغت كيج، وتبدأ من تلك اللحظة سلسلة أحلام مفزعة متقطعة، يتمكن كيج من خلالها أن يغوص في الزمن مرات ومرات، ويخوض ذات المعركة ويموت أكثر من مرة، ثم ليعود سيرته الأولى، ليصحو على صوت الآمر “استيقظ أيها الحشرة”.

في هذا السرد المميز الذي يقلب الزمن والتاريخ تباعا، ويوقظ المشاهد أيضا من الاستغراق في الأحداث، سيكون المتفرج إزاء مغامرة لا يتماهى معها كليا

في هذا السرد المميز الذي يقلب الزمن والتاريخ تباعا، ويوقظ المشاهد أيضا من الاستغراق في الأحداث، سيكون المتفرج إزاء مغامرة لا يتماهى معها كليا، ولا يعيش مع أبطالها مكابداتهم، إلاّ ليعود إلى الواقع، واقع البحث عن سرّ قوة “الميمكس”، إنها قوة الأوميغا التي اكتشفها كيج، بما امتلكه من قدرة على العيش في الغد، وكلما جرى تكذيبه والسخرية منه، يروي لزملائه وقائع وأحداثا وأسرارا سبق لهم أن عاشوها، وهو ما يدفعهم أخيرا إلى تصديقه، ومساندته في رحلته باتجاه متحف اللوفر في باريس، حيث يكتشفون أن طاقة “الميمكس” كامنة هناك، وهو ما يتحقق فعلا بعد سلسلة من المعارك الدامية.

ينجح المخرج نجاحا ملفتا للنظر في معالجته التي تمزج بين المواقف الواقعية الطريفة التي يعبر عنها كيج، وبين ذلك الإسراف في الخيال العلمي- العسكري، حيث إدارة المعارك الحربية التي تقع في المستقبل بتقنيات مستحدثة، بما فيها اكتظاظ الفضاء بالطائرات المروحية غريبة الأشكال، وفي كل تلك الرحلة ستساند الضابط كيج زميلته والمؤمنة بقدراته “الخارقة”، الضابطة ريتا (الممثلة إميلي بلونت).

لعل من العناصر المميزة في هذا الفيلم علاوة على المعالجة الواقعية- الغرائبية- الخيالية، هي المؤثرات البصرية عالية الإتقان التي سهرت على إنجازها تسعٌ من أكبر الشركات العالمية لإنتاج المؤثرات البصرية، من ذلك استيلاد كائن “الميمكس” الذي تمّ تصنيعه بصريا في مختبرات هذه الشركات، فيما تمّ التصوير لأشهر عدة في لندن.

العرب اللندنية في

02.02.2015

 
 

في ذكرى رحيلها.. محمود عوض يكتب عن "الست":

أم كلثوم التي لا يعرفها أحد

محمود الغيطاني

ولد محمود عوض في 1942م في مدينة طلخا في محافظة الدقهلية، وكاد أن يتسبب شغفه بالقراءة منذ صغره في إنهاء دراسته برسوبه فيها، لولا قطعه عهداً لأبيه بأن يصير تلميذا متفوقا، وقد حافظ على هذا العهد لأبيه حيث تلقى خطابا أرسله كمال الدين حسين، وزير التعليم آنذاك، لوالده يضم شيكا بمبلغ 25 جنيها لابنه المتفوق، سلمه الوالد لـ"محمود"، ورحل بعدها بيومين مطمئنا على مصير ابنه، وقد اختار له الروائي الراحل إحسان عبد القدوس لقب عندليب الصحافة المصرية؛ مراهنا عليه بأن يكون واحداً من أبرز كتاب الستينيات، وهو الأمر الذي ظهر عندما تأخر أنيس منصور عن إرسال مقاله اليومي، الذي يُنشر في الصفحة الأخيرة من "أخبار اليوم"، وهنا قرر عبد القدوس - وهو رئيس تحرير المؤسسة العريقة آنذاك - تكليف هذا الصحفي الشاب بكتابة الصفحة الأخيرة وحده، وهو الأمر الذي كان عقابا لـ"منصور"، والذي تسبب تأخره المتكرر في عدم إرسال الجريدة للمطبعة في وقتها المحدد، فكتب مقالا بديعا عن أم كلثوم أثار حفيظة، وغيظ الكثيرين من أقرانه، فصار أنيس منصور يرسل مقاله قبل موعده بـثلاثة أيام، وأوكل إليه إحسان كتابة صفحة أسبوعية في "أخبار اليوم" بعنوان "شخصيات"، يُحاور فيها رموز الفكر والثقافة، والسياسة، والدين، والفن في مصر، بطريقته الخاصة وبشكل لم يعهدوه من قبل.

وعن هذه التجربة يحكى عوض قائلا في كتابه "شخصيات": "كان إحسان كبيرا في ثقته، فنانا في أفكاره، رقيقا في لهجته، إنه لا يطلب، ولكن يقترح، لا يفرض، ولكن يثير الحماس، لا يقرر، ولكن يوحي، هذا رجل فنان يريد منك أن تسمو وتكتشف"، خلال مشوار عوض الفني اقترب من نجوم الفن والسينما بشكل أثار حوله الكثير من التساؤلات، حتى إن هؤلاء النجوم كانوا يتكالبون عليه؛ ليكتب عنهم، وعندما طلبت أم كلثوم من مصطفى أمين أن يؤلف كتابا عنها، اعتذر ورشح لها عوض الذي لم تتفاءل كوكب الشرق بالعمل معه في البداية، ولكنها ما أن قرأت كتابه "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" حتى أبدت إعجابا لافتا بهذا الشاب الواعد، الذي استطاع الغوص داخل تفاصيلها.

كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" هو حكاية رواها محمود عوض بنفسه فيما بعد، قال إنه حاول في البداية أن يُجرى معها حواراً عبر التليفون، وبعد عدة مكالمات ظفر أخيراً بالحوار المنشود، وقبل نشره للكتاب سأله إحسان عبد القدوس، رئيس تحرير "أخبار اليوم"  في ذلك الوقت: "هل أطلعت أم كلثوم على الحوار قبل نشره؟"، فردّ على الفور: "منذ متى نسمح لأحد بالتدخل في عملنا؟"، غير أن إحسان عاجله: "إنها ليست أي أحد، إنها أم كلثوم"، وهنا وافق عوض على عرض الحوار على أم كلثوم، وعندما زارها في منزلها أبدت اعتراضاً على جملة يفتتح بها مقدمة حواره معها؛ فغضب وسألها: "من منا يفهم في الغناء أكثر.. أنا أم أنت؟"، فردت أم كلثوم: "أنا طبعاً"، فقال: "إذن فالكتابة هي عملي، وأنا أفهمه جيداً، ولن أغير المقدمة"،  تجاوزت أم كلثوم الموقف، ونُشر الحوار بالطريقة التي كتبه بها عوض، ولم يكد الحوار يُنشر حتى فاجأته أم كلثوم باتصال هاتفي تخبره فيه أن "سعيد فريحة" صاحب دار الصياد مُعجب بالحوار، ويطلب نشره في إحدى مطبوعاته، غير أنها أبلغته أن صاحب الحق الوحيد في الموافقة هو محمود عوض؛ لأنه صاحب الحوار، وليست هي، وهنا فهم عوض الغرض من المكالمة، وهو أن أم كلثوم تسترضيه، وتحاول الاعتذار عن موقفها الأول بطريقة "شيك"، وحتى عندما أطلق على كتابه عنها عنوان "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، وبلغه غضب بعض أقربائها من العنوان، جاء رضاها هي، كنوع من إعلان الاعتراف بكاتب متميز، حتى إن اختلف معه الآخرون. 

وربما لأن أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة يسهر الملايين في أنحاء العالم العربي لسماعها في الخميس الأول من كل شهر، وأنها كانت دنيا بأسرها، كانت موهبة كبيرة، وشخصية، ونفوذاً، وسلطة عاطفية، وتناقضاَ حاداً بين حياتها الخاصة، وحياتها العامة، ولأن أم كلثوم هي التي كان الزعيم جمال عبد الناصر يعشقها وكانت صديقة مقربة من زوجته، والتي يقول الإمام الغزالي عنها: "إنه كان مواظباً على الاستماع إليها"؛ ولأنها المطربة التي قال عنها العقاد: "إنها المطربة الموهوبة التي أثبتت أن الغناء فن رؤوس وقلوب"، وحذر نجيب محفوظ من مقارنتها بغيرها قائلاً: "قل في غناء أسمهان، وليلى، ونور الهدى ما تشاء، إلا أن تقارنه بصوت أم كلثوم؛ فتضره من حيث أردت أن تنفعه، وتهينه من حيث أردت أن تكرمه، وتمرغه في التراب، وقد أرت أن تسمو به إلى السماء"، نقول أنه ربما لجميع هذه الأسباب وكل هذا العشق الموجه لأم كلثوم وافق الصحفي محمود عوض على أن يكتب هذا الكتاب المهم الذي أوضح لنا الوجه الآخر لأم كلثوم، الوجه الذي لا يعرفه أحد من الجمهور المحب لها، إنه وجه الإنسانة، والأنثى العادية، والزوجة في حياتها الخاصة، وهو الوجه البعيد عن الجمهور الذي لا يراها إلا على خشبة المسرح، أو في لقاءاتها التليفزيونية.

وفي كتاب محمود عوض "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" يتحدث عوض الإنسانة التي لا نعرفها عن قرب، فيقول في الفصل الذي عنونه باسم "أم كلثوم في البيت":

(ومن الأمور المُتكررة كل يوم جمعة أن تخرج أم كلثوم في جولة مع زوجها سيراً على الأقدام في شارع النيل، إن أم كلثوم تحب المشي، إنها تسير يومياً لمدة ساعة تقريباً على النيل، ما عدا أيام الصيف؛ لأن الجو بيبقى حر ، وهى تصلي، ومن أحسن أوقاتها تلك التي تجلس فيها ممدودة القامة حافية القدمين، مرددة آيات القرآن الكريم ، إن القرآن، والمشي جزآن من التقاليد الثابتة في حياة أم كلثوم، مواعيد النوم والاستيقاظ أيضاً ثابتة غالباً، في اليوم العادي لا تتأخر في النوم، بالكثير الساعة الحادية عشرة مساءً، ثم تستيقظ في الثامنة صباحاً، لا إفطار، مجرد فنجال شاي، الغداء أيضاً حسب الظروف، أما الوجبة الرئيسية فهي العشاء . 

ولكن، عندما تكون لديها بروفات، أو حفل عام يتغير الجدول، الغداء يصبح هو الوجبة الرئيسية: لحوم طيور وخضروات، "الشعرية" من أحب الأطعمة عند أم كلثوم، بعد الغداء تشرب دائماً عصير فواكه طبيعي، عصير مُعد في المنزل، غالباً عصير جوافة . 

وفي ليلة الغناء لا تتناول أي أطعمة في المساء، لا عشاء، ولكنها قبل الغناء لابد أن تشرب فنجال قهوة بارد عادةً، بعد الغناء ساندويتش، ولا نوم حتى الصباح . 

وحتى سنوات قليلة مضت كانت أم كلثوم تقوم دائماً بزيارة مسجد الحسين، ومسجد السيدة زينب قبل أن تغني، أما الآن فهي تكتفي بقراءة آيات من القرآن الكريم، إنها تتمتم بآيات القرآن في كل خطوة، حتى عندما تسير في الشارع، أو تركب سيارة، لقد ركبت معي السيارة مرة في طريقها من منزلها إلى مبنى التليفزيون، وفي أول خمس دقائق اكتشفت أن عقلها ليس معي، إنها تردد آيات القرآن سراً، بعد لحظات كانت مستعدة للكلام، ساعتها أبطأت السيارة، وبدأت أجرى معها حواراً بالخطوة السريعة .

هكذا أجابت أم كلثوم !

ما هى أكبر خطيئة: أن ترى الخطأ ولا تنتبه إليه .

أحسن صديق: شخص يشاركك ألمك .

أحسن مكان: حيث تنجح .

أقصر طريق للنجاح: العمل .

أحسن عمل: الذى تحبه .

أكبر راحة: أن تؤدى عملك جيداً .

أكبر خطأ: اليأس، إنه موت مبكر !

أسهل شيء: أن تجد خطأ لشخص آخر .

أكبر عيب: الغرور .

أحسن مدرس: شخص يرفض أن يجاملك .

أحقر شعور: الحسد .

أكبر لغز: الحياة .

أعظم شيء في العالم: الحب .

أكبر مقلب: شخص لا يفهم ما تريد .

أكبر عدو: إسرائيل.

أعظم مهمة: أن نفتدي بلدنا بحياتنا .

أكبر أمل: أن تعود فلسطين .

أشرف واجب: الدفاع عن الحق .

أسمى فكرة: الله.).

ولعلنا من هذا الجزء الذي حاولنا اقتباسه من كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" قد لاحظنا أن محمود عوض كان حريصا كل الحرص على أن يكون مرافقا لأم كلثوم الإنسانة العادية في كل خطواتها، وأن ينقل إلينا هذه الصورة بكل وضوح، وحب؛ كي يقرب صورتها أكثر لمعجبيها، ومحبيها من الملايين الموجودين في العالم العربي كله، وليس في مصر فقط؛ ربما لأن الجمهور دائما يحاول النظر إلى من يُعجبون به من الفنانين، او الكتاب نظرة لا تكاد تخلو من القدسية في إحدى تصوراتها؛ ولذلك حرص عوض على أن يزيل قدرا من هذه القدسية لتقريبها من صورتها الإنسانية التي تجعلها تتشابه مع الجمهور أكثر.

كما يحكي عوض في مقدمة الطبعة الرابعة من هذا الكتاب حكاية المشروع المهم الذي فكرت فيه أم كلثوم فيقول: (قامت أم كلثوم بدعوة عدد من أصدقائها الذين تثق فيهم؛ لكي تعرض عليهم فكرتها البسيطة للغاية، فكرة أن تقيم دارا خيرية؛ لتعليم الفتيات اليتامى أشغال التطريز، والحياكة، وما إلى ذلك، يومها.. ونحن نتشاور مع أم كلثوم في جلستنا الهادئة بنادي الضباط بالزمالك في القاهرة، كانت هناك آراء متعددة بقدر تعدد الحاضرين، لقد كان في المقدمة فكري أباظة، وصالح جودت، والدكتورة عائشة راتب (وزيرة الشئون الاجتماعية حينئذ)، وعثمان أحمد عثمان، وأنيس منصور، وحسن زكي (رئيس بنك القاهرة حينئذ)، وحمدي عاشور (محافظ القاهرة حينئذ)، والذي أصبحت الدعوات إلى الاجتماعات التالية ترد إلينا باسمه.

وقالت لنا أم كلثوم: "إنني أفكر في عمل مشروع خيري، قدرت له ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف جنيه- كان هذا في سنة 1972م- وهدفي منه أن يكون مكانا للفتيات اليتامى، يتيح لكل منهن موردا شريفا للعيش، ومكانا آمنا للحياة"، وخلال دقائق كانت الفكرة قد تحولت إلى مجرى آخر تماما، لقد قال عثمان أحمد عثمان: "عشرين ألف جنيه إيه وثلاثين ألف جنيه إيه يا ست؟ بقى أم كلثوم بجلالة قدرها.. أم كلثوم كوكب الشرق.. لما تعمل مشروع تعمله بعشرين ألف جنيه.. ومن جيبها، ليه، خلاص، مفيش وفاء، مفيش خير في البلد؟"،  فردت عليه: "طيب عايز إيه يا عثمان؟"، فقال: "عايز أقول إن أم كلثوم لما تعمل مشروع، يبقى لازم يكون فيه مسرح، ومتحف، وقاعة حفلات، وستوديو، ولوكاندة، وسينما، ووو حاجة كدا لا تقل عن مليون جنيه"، وهنا قاطعه أحد الحاضرين بانزعاج شديد قائلا على الفور: "مليون جنيه؟ طيب.. وأم كلثوم تدفع المبلغ دا منين؟"، لكن جراب الحاوي لم يكن يخلو أبدا من الابتكارات، لقد قال عثمان أحمد عثمان: "ومين قال إن أم كلثوم تدفع مليم واحد من جيبها؟ إحنا نعمل يانصيب.. قيمة التذاكر فيه مليون جنيه.. ونقول داع لشان مشروع أم كلثوم للخير.. وبعدها شوفوا بقى الناس هتدفع كام.. وحتى بلاش الناس.. كفاية الأمراء العرب.. مش كدا يا ست؟"، وتساءل رئيس بنك القاهرة: "لكن مشروع كبير زي دا تلزمه مصروفات في البداية، وتكاليف للدعاية، والطباعة، والإعلان، من سيدفع المصروفات؟"، كان عثمان أحمد عثمان جاهزا للرد: "بنك القاهرة يدفع المصروفات.. ويا سيدي إن كانت المسألة مسألة ضمانات.. إحنا نضمن لك السداد"، وتساءل أحدهم: "إحنا مين؟ المقاولين العرب؟"، رد عثمان: "لالا.. شركة المقاولين العرب تضع التصميمات والرسومات، لكن إحنا.. اللي قاعدين هنا.. أكبر ناس في البلد.. نكون ضامنين للقرض الذي سنحصل عليه من البنك في البداية.. بعدها المشروع يصرف على نفسه"، وهنا صرخ فكري أباظة مقاطعا: "يا عثمان إحنا كلنا لو جمعتنا على بعض دلوقت.. مش هتطلع بمائة جنيه، إنت فاهم مهنة الكتابة زي مهنة المقاولات؟"، لكن صراخ فكري أباظة تبخر في الهواء.. وكان لابد أن يحدث ذلك، وفي اليوم التالي قالت لي أم كلثوم بطريقة تبدو عابرة: "لماذا كنت صامتا تماما أمس؟"، قلت لها ببساطة: "إنني مع الفكرة الأساسية التي بدأ بها الاجتماع.. ولكنني لست مع الفكرة الأخرى التي تطور إليها، فحينما تخرج أم كلثوم إلى الناس لكي تقول لهم: إنني سأقيم مشروعا خيريا بهذه العشرين ألف جنيه من مالي الخاص.. سيتفهم الناس فورا الرسالة التي تريد أم كلثوم أن تقولها، أما حينما تخرج أم كلثوم إلى الناس لكي تقول لهم: إنني أريد أن أقيم برجا ضخما على شاطئ النيل، يحمل اسمي، ولكنه سيتم بأموالكم، فهذا شيء آخر يختلف تماما"، وهو الكلام الذي كانت أم كلثوم مقتنعة به بالفعل؛ ولذلك كانت متململة من اقتراح عثمان أحمد عثمان.

البوابة نيوز المصرية في

02.02.2015

 
 

صمت يفرضه الوسط وبوح تقتضيه الجماهيرية

مذكرات الفنانات مادة ثرية للدراما!

تعد دائماً مذكرات الفنانات مادة ثرية يمكن ان تجذب جمهوراً من القراء يريد ان يقترب من الجانب الانساني للفنانات اللواتي لا يراهم الجمهور الا عبر شاشات التلفاز، لتتحول السطور التي تتناول حياتهن الخاصة قِبلة للكتاب يُريدون ان يذهبوا صوبها، سواء في حياة الفنانات أو بعد موتهن، ولا يعد الكتاب وحدهم هم من يخوضون تلك التجربة، بل قامت الفنانات أنفسهن بكتابة مذكراتهن الخاصة، مفصحين بداخلها عن بعض الأسرار التي يتم نشرها للمرة الأولى داخل أسطر مذكراتهن.

يُنشر للفنانة ماجدة الصباحي مذكراتها التي كتبها الكاتب الصحافي والباحث السياسي السيد الحراني، وذلك بعنوان مذكرات ماجدة الصباحي والصادرة عن مؤسسة الأهرام للنشر، حيث يحوى الكتاب 23 فصلاً يبدأ أولها بطفولة الفنانة وحياتها الأسرية، ثم ينتقل خلال الفصول التالية الى شبابها في مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، متطرقاً الى ثورة يوليو وخروج الملك، وعلى الجانب الآخر بداية حياة ماجدة الفنية ومهدها وتبعاته وأسباب خوض مغامرة الانتاج السينمائي وهى فتاة العشرين عاماً.

وفي وقت سابق نشرت مذكرات اعتماد خورشيد، والتي عملت بمجال السينما من خلال تأسيسها معامل طبع وتحميض الأفلام، وتزوجت بصلاح نصر وهو الضابط المخابراتي الذي تورط بحوادث شرف تخص الفنانات في عهد عبد الناصر، حيث روت اعتماد ما عاشته خلال فترة زواجها التي دامت لأربع سنوات بصلاح نصر، متطرقة الى ما يخص عمله، لتتعدد طبعات هذا الكتاب، ويصبح من أشهر المذكرات الشخصية التي تخص الفنانات على الاطلاق.

وخلال فترات سابقة، أعرب عدد من الفنانات عن نيتهن لكتابة مذكراتهن بأنفسهن أو بمساعدة أحد الكتاب، وهو الأمر الذي كلما تم الاعلان عنه ما يلبث ان يثير حفيظة الوسط السينمائي؛ نظراً للتخوف المستمر من الاعلان عن أي سر قد يضر بغيرها ويفضح ما حجبته الأبواب المغلقة، وتعد أبرز تلك النجمات الفنانة سعاد حسني التي كانت قد كتبت مذكراتها بخط يدها واتفقت مع احدى دور النشر البريطانية على نشرها، ولكن حال موتها دون نشر تلك المذكرات، وكذلك الفنانة مريم فخر الدين التي انتهت من تسجيلها بالفعل لتوافيها المنية قبل اصدارها، ولا يعرف اذا كان ذووها ينوون نشرها أم لا، اضافة الى الفنانة نبيلة عبيد التي تعكف على كتابة مذكراتها من أجل ان تصدرها قريباً.

كما قامت السيناريست فتحية العسال والتي رحلت عن عالمنا منذ شهور قليلة بكتابة مذكراتها والتي حملت عنوان حضن العمر، لتنشرها الهيئة العامة للكتاب منذ أيام قليلة، وقد أوضحت الكاتبة داخل مذكراتها أنها ترددت كثيراً في البوح حتى لنفسها عن الاحساس بالمهانة لما حدث لها في طفولتها ومراهقتها بفعل التخلف الذي كان سائداً في فترة الطفولة والمراهقة والذي طبق عليها بكل جبروته وسطوته، اضافة الى حياتها العملية التي شملت السينما.

يشير كتاب مذكرات ماجدة الصباحي داخل صفحاته، لجوانب الحب في حياتها، ليذكر قصة ارتباطها بايهاب نافع ضابط المخابرات الذي حولته ماجدة الى نجم مجتمع وسينما، ذاكراً أسباب انفصالها عنه، فضلاً عن العديد من الأسماء والتفاصيل الشخصيات التي كانت ماجدة سبباً في تسليط الأضواء السينمائية والاجتماعية حتى ان بعضهم أصبح الآن من أهم الوجوه السينمائية على الساحة الفنية، هذا بالاضافة الى قصة ماجدة مع رؤساء مصر المختلفين، مشيراً الى الأزمات التي خاضتها مع الصحافة، ومعاناتها مع الفقد وموت أحبائها وأصدقائها.

النهار الكويتية في

02.02.2015

 
 

أم كلثوم في ذكراها... حشيش وارستقراطية وفقراء

أحمد شوقي علي

أورد المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار فى ذكر الخِطَط والآثار"، حكاية على لسان أحد التلاميذ لشيخ من متصوفة مصر الإسلامية، الذي اكتشف أسرار الحشيش ونصح مريديه بتناوله ونشره بين الفقراء، يقول فيها ذلك التلميذ: "خرجنا إلى الصحراء، فأوقفنا على النبات، فلما رأيناه قلنا هذا نبات يعرف بالقنب، فأمرنا أن نأخذ من ورقه ونأكله، ففعلنا، ثم عدنا إلى الزاوية فوجدنا فى قلوبنا من السرور والفرح ما عجزنا عن كتمانه، فلما رآنا الشيخ على الحالة التى وصفنا، أمرنا بصيانة هذا العقار، وأخذ علينا الايمان ألا يعلم به أحد من عوام الناس، وأوصانا ألا نخفيه عن الفقراء".

لا صلة بين تلك الحكاية عن الحشيش وكوكب الشرق أم كلثوم، لكن الوصل كله ممدود بين المزاج/الحشيش وبينها. فالمثال الذي ضربناه في بداية المقال يمكن "للست" أن تمر به مرتين، وخلالهما تنزل منزلاً حسناً يليق بقدرها، ولا نقصد بالطبع الإهانة أو أن نضعها بأي شكل من الأشكال في محل للمقارنة بينها وبين مستخرجات نبات القنب، لكن أهل "الصلة" وحدهم هم من سيقدرون تلك المنزلة ويفهمونها.

في المرور الأول، سنجد أن الحشيش، في رواية التلميذ، بهجة لا يجب أن يعرف عنها الدهماء "العوام" لأنهم لن يقدروها حق قدرها بل سيبتذلونها، أما الفقراء/المحرومون، فهم من سيعرف قدر تلك الهبة القادمة إليهم من الجنة

أولم يحدث ذلك مع أم كلثوم نفسها، ولا يزال يحدث؟ فلقد ابتذلت الطبقة الوسطى، الحديثة منها، تراث كوكب الشرق وسجنته في ثلاث أغان هي الأضعف –على مستوى الكلمات- في مشوارها الغنائي، وهي: "سيرة الحب" و"أنت عمري" و"حب إيه".. فلا يكاد يمر برنامج لاكتشاف المواهب إلا ونجد مشاركاً/مشاركة ما، يعرض موهبته أمام لجان التحكيم من خلال أغنية من الثلاث، كما لا تمر جلسة عائلية أو على المقهى أو في أي تجمع يصادف أن يضم إحدى المواهب الغنائية إلا ويقرر أن يقدم أغنية للست ليصدح بأغنية من الثلاث أيضًا. في المقابل فإننا نجد أن الطبقات الدنيا للمجتمع المصري، بوجه الخصوص، ورغم ما قد يشاع عنها من انحدار للذوق العام، وهو أمر غير حقيقي، تسمع أم كلثوم الحقيقية، وتحفط تراثًا هائلا من أغانيها العظيمة. حتى أن مؤدي المهرجانات (وصف يطلق على الغناء الشعبي في الفترة الأخيرة)، عندما أرادوا استخدام إحدى أغانيها في حفلاتهم، اختاروا أغنية "هذه ليلتي"، قصيدة جورج جرداق الشهيرة. وبالرغم من أن أداءهم لتلك الأغنية بدا شديد السوء وقتها، فإن ذلك لا ينفي أن محاولتهم لاستلهام الست كان عبر أغنية بقدر "هذه ليلتي".

المرور الثاني الذي نريد لأم كلثوم أن تعبر خلاله من المثال سالف الذكر، هي تلك الصلة الغريبة، التي وسمت جلسات المزاج الفعلية، وخصوصاً التي يصاحبها الدخان، بالاستماع إلى أغاني أم كلثوم. فلقد ارتبط المزاج المصري، سواء بظهوره في شاشات الدراما أو على أرض الواقع، بأغاني أم كلثوم، فلا يخلو مشهد سينمائي لبار عتيق في وسط القاهرة من أغنية لها، كذلك لا تخلوا جلسة دخان فوق سطح بناية من موسيقاها.

لما مات سيد درويش، وكانت العلاقة الموسيقية لأغانيه قد بلغت ذروتها بالحشيش تحديدًا في نهاية حياته، وجد المصريون أنفسهم - الشيالون والحمالون والبسطاء - منبوذين في حارات الغناء. لم يعد ثمة موسيقي يدنو ليعبر عنهم، فبدأوا البحث بأنفسهم عن ملاذ موسيقي يصاحب مزاجهم، فلم يجدوا شيئاً بعفوية سيد درويش، لكنهم وجدوا حميمية أغاني الست. فالأمر أبعد تاريخياً من ظهور الصورة الملونة على شاشات السينما؛ الشغف المصاحب لحفلة كل خميس - شغف البحث عن مصدر لشراء المزاج. أم كلثوم تظهر لتغني في الليل. لا يطيب السمر إلا بعد العشاء. لحن أنت عمري –تحديدًا- ثم ظهور صوت أم كلثوم؛ إيقاعات كثيرة راقصة لمقدمة موسيقية طويلة، فخفوت تدريجي، ثم يصدح صوت الست من طبقة عالية كأنه يأتي من أبعد نقطة في الذاكرة، مؤكدًا انعدام الزمن "رجعوني عينيك لأيامي اللي راحوا". ثم تعود الموسيقى إلى إيقاعها الراقص مرة أخرى، فيرقص معها صوتها، تماماً كما هو الحال مع نشوة تدخين القنب، حالة من الإيقاع التائه بين نشوة الرقص وانعدام الزمن.

قد ينحسر تأويل المزاج وصوت أم كلثوم، إذا حصرناه في لحن عبد الوهاب العظيم لأغنية "أنت عمري"، لكن الأمر أرحب دلالة من ذلك. إذا لاحظنا أن غالبية المناطق الشعبية القديمة في القاهرة وغيرها من مدن، تعرف جلسات، مزاجها في أغان أخرى، أكثر درامية ورقياً، مثل "هذه ليلتي" و"رقّ الحبيب" و"الأطلال" و"أغداً ألقاك".. وغيرها. حتى أني أذكر مرة، بلغت فيها الغرابة مداها. فقد كنا في جلسة بسيطة في مقهى، أقرب إلى البيت منه إلى الكافيتريا، جلسة مشابهة لما ذكرناه، وطلب أحد الجالسين، وكان كهلاً، أن نشغل أغنية لأم كلثوم، ولما سألناه ماذا يريد أن يسمع، قال: "شمس الأصيل".

بالعودة مرة أخرى إلى مثالنا الأول، سنجد أن الصوفي ما زال يصر على استثناء عديمي التقدير من نعمة المزاج. أما صوت أم كلثوم، فلا يستثني أحداً، بل يفتح صدره رحباً للكل، من دون تفرقة، حتى وإن لم يُقدّر حق قدره، لكن العارف الحقيقي هو وحده من يحظى بالمزاج/النعمة.

(*) تصادف غداً الثلاثاء 3 شباط/فبراير 2015، الذكرى الأربعين لرحيل أم كلثوم. وفي هذه المناسبة يستضيف قصر الأونيسكو في بيروت، غداً، حفلة غنائية، بمشاركة الفنانات نادين صعب (لبنان)، نزهة الشعباوي (المغرب)، يسرى محنوش (تونس)، وكارمن سليمان (مصر)، إضافة إلى 30 عازفاً من الأوركسترا اللبنانية بقيادة المايسترو أندره الحاج. ويتضمن برنامج الحفلة أغنيات: "للصبر حدود"، "أنا في انتظارك"، "هذه ليلتي"، و"الأطلال". وتأتي الحفلة ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي المصري في لبنانن وبالتعاون بين وزارتي الثقافة في مصر ولبنان، ولجنة تكريم رواد الشرق والسفارة المصرية في بيروت.

كما تشمل الاحتفالية، معرضاً للصور الفوتوغرافية والتشكيلية الخاصة بكوكب الشرق، من مقتنيات صحيفة "الأهرام" المصرية.

يشار إلى أن أم كلثوم وقفت على خشبة مسرح الأونيسكو في بيروت، مرتين، الأولى العام 1954 والثانية في 1965.

المدن الإلكترونية في

02.02.2015

 
 

إيران تعرض فيلم "محمّد رسول الله" والأزهر يرفض

القاهرة ــ العربي الجديد

بعد إعلان إيران نيّتها عرض فيلم "محمّد رسول الله" ضمن فعاليات مهرجان "فجر السينمائي الدولي" الثاني في طهران، ودفاع القائمين عن الفيلم بأنّه "يُظهر النبي محمد من دون إظهار وجهه"، ردّ الأزهر الشريف في مصر ببيان إعلامي وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، قيل فيه إنّ "الأزهر يرفض تماما تجسيد النبي (صلّى الله عليه وسلم) في الفيلم الإيراني (محمد رسول الله)".

وأكّد البيان أنّ الرفض "لا يقتصر على منع إظهار وجوههم بشكل واضح في هذه الأعمال"، لأنّ تجسيد الأنبياء صوتًا أو صورة أو كليهما في الأعمال الدرامية والفنية أمر مرفوض؛ لأنّه ينزل مكانة الأنبياء من عليائها وكمالها الأخلاقي ومقامها العالي في القلوب والنفوس إلى ما هو أدنى بالضرورة".

وأضاف البيان أنّ "الأزهر الشريف ليس جهة منع للأعمال الفنية، لكنّه مطالب بإبداء الرأي المستند على الشرع الحنيف في مثل هذه الأعمال، أما قرارات المنع والإجازة فهي مسؤولية جهات أخرى".

الفيلم وصلت تكلفته الإنتاجية إلى 30 مليون دولار، وهو من إنتاج مهدي حيدريان. وقد موّلت جمعية "بوياند مستزعفان" (المستضعفون) الفيلم، وهي جمعية تابعة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران.

"يركّز الفيلم على مرحلة طفولة النبي، تحت إشراف المخرج الإيراني مجيد مجيدي الذي أشار في مؤتمر صحافي، إلى أنّه استشار عدداً من علماء الشيعة والسنّة من أنحاء العالم الإسلامي"

وتمت ترجمة الفيلم إلى ثلاث لغات هي الفارسية والعربية والإنجليزية. ويركّز الفيلم على مرحلة طفولة النبي، تحت إشراف المخرج الإيراني مجيد مجيدي الذي أشار في مؤتمر صحافي، إلى أنّه استشار عدداً من علماء الشيعة والسنّة من أنحاء العالم الإسلامي. وكشف أنّ "القائمين على الفيلم، وأنا، اخترنا مرحلة من حياته لم تكن هناك لا جماعات ولا علماء سنّة أو شيعة، وصنعنا الفيلم من أجل تحقيق الوحدة في العالم الإسلامي".

وأضاف أنّ الهدف من صناعة الفيلم "هو تقديم صورة الإسلام بطريقة جيّدة، فصورة الإسلام اليوم لا تتوافق مع جمالياته. وأنا واعٍ بشكل كافٍ لما قد يتعرّض له من انتقادات لاذعة بعد عرضه. ونحن حسّاسون تجاه الرموز الدينية. لكن لماذا ينتقدون الفيلم قبل مشاهدته؟".

هذا وقد نسبت تصريحات إلى رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، الشيخ سعيد عامر، قوله إنّ أنبياء الله ورسله "معصومون بعصمة الله لهم من النقائض الخلقية، ولقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب". وشدّد على أنّ "تجسيدهم على الشاشة يؤدّي إلى مفسدة"، منتقدا "ما تفعله إيران من سلوك غير لائق ومحرّم لا يراعي مشاعر المسلمين، لعدّة اعتبارات أوّلها أنّ تمثيل الأنبياء فيه كذب على الله ورسله، وقد اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ ما يُحكى عن الأنبياء من أقوال لم يقولوها أو أعمال لم يعملوها لا يمكن نشره، كما أنّ تجسيد النبي يمثّل انتهاكاً للحرمانية".

العربي الجديد اللندنية في

02.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)