كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

قط وفار الصراع على جثة أم حمادة «مصر سابقا»

(تحليل نقدي)

كتب: رامي عبد الرازق

 

تأليف: وحيد حامد

عن قصة: عبدالرحمن فهمي

إخراج: تامر محسن

تمثيل: محمود حميدة – محمد فراج

إنتاج: دولار فيلم (نيوسنشري)

مدة الفيلم: 100ق

في ثاني تعاون بينهم بعد مسلسل«بدون ذكر اسماء»من إنتاج 2013 يقدم الكاتب وحيد حامد والمخرج تامر محسن تجربتهم السينمائية«قط وفار»متخذين من الشكل الكرتوني اطارا لصراع عباس القط وزير الداخلية وحماده الفار المواطن الغلبان حول جثة«أم حماده»بنت عم الوزير التي تصبح رمزا لبلد جميل الكل يرغب فيه ولكنه في النهاية سوف يسقط من طوله مصابا بأزمة قلبية مفاجئة ليبدأ الصراع حول من احق بدفن الجثة.

ولكن ماذا يعني الشكل الكرتوني؟ ولماذا لجأ إليه صناع الفيلم؟

يعني أن تصبح الصياغة الدرامية والبصرية للفيلم أقرب إلى نوعية أفلام الكارتون بكل ما تحمله من سخرية وطرافة وجنوح نحو الفانتازيا-الأجتماعية والسياسية-بداية من اسماء الشخصيات عباس القط وحماده الفار مرورا بأداء الممثلين الكاريكاتوري ووصولا إلى ذروة الفيلم بالأنتقام من الوزير عبر افشال الجنازة التي يعتمد عليها لبقائه في الوزارة على اعتبار انه ابن الشعب.

وعادة ما يلجأ صناع الأفلام إلى هذا الشكل في محاولة لتمرير مساحة النقد الأجتماعي والسياسي الموجودة في الفيلم من تحت أنف الرقابة خاصة إذا ما كان الفيلم يتعرض لاحد افراد السلطة بشكل مباشر ولاذع ووحيد حامد نفسه هو أكثر مؤلف سينمائي تعرض للوزراء ورجال السلطة في أفلامه خاصة في الربع قرن الأخير وعقب 2011 لم تعد مسألة التعرض للوزراء بأمر يحتاج إلى أي قدر من الألتفاف أو المواربة بل صار من السهل أن يتعرض العمل الفني إلى شخصية رئيس الجمهورية ذاته وبالأسم الصريح.

ان اختيار الشكل الكرتوني لتقديم معالجة للقصة القصيرة التي كتبها الكاتب الراحل عبدالرحمن فهمي سببه الأساسي والواضح هو الوقوف على حجم العبثية والهزل التي وصل إليها واقع المجتمع المصري والذي بالمناسبة لم يعد يرتبط تحديدا بحقبة مبارك الذي نرى صورته في خلفية مكتب وزير الداخلية لكي نتعرف على زمن الأحداث ولكنه اقرب لجين من العبث اصبح كائنا في شخصية المجتمع المصري أي باختصار لو أن احداث الفيلم تدور في الحقبة الحالية فان ما حدث بين عباس القط وحماده الفأر من صراع طبقي اجتماعي سياسي سوف يحدث بالتفصيل مع اختلافات بسيطة.

أن زمن الأحداث الحقيقي هو زمن معنوي وليس مجرد حقبة مبارك لاننا في النهاية لسنا أمام واقعة فساد من تلك التي كانت منتشرة ولا تزال في أورقة السلطة ولكننا أمام رؤية لطبيعة العلاقة ما بين قط السلطة وفأر المواطن.

محمد فراج هو حماده الفأر بأداء كرتوني يحاكي شكل وطريقة الفأر لو أنه اتخذ ملامح بني ادم مواطن بسيط أزمته في الحياة أن أمه سيدة جميلة«سوسن بدر»وأن كل رجال الحتة يريدون الزواج منها بل أننا نكتشف أن عباس القط نفسه وزير الداخلية وابن عمها كان يرغب فيها قبل أن يتزوج من ابنة احد البورجوازيين«سوزان نجم الدين».

يمنح الشكل الكرتوني شخصية الفأر وأمه مساحة من التعاطي مع أنواع أخرى كالبارودي أو المحاكاة الساخرة فحماده على سبيل المثال يحلم بأمه في فستان أحمر ورجال كثيريون يريدون اشعال سيجارتها تماما مثل البرومو الشهير لفيلم«حلاوة روح»بل أن الكثير من لقطات أم حماده في الحارة وهي تقوم نشر الغسيل مستعرضة قوامها الفاتن-مع فارق السن والشكل بالطبع-تذكرنا بمشاهد الأغراء التي قدمتها هيفاء وهبي في نفس الفيلم في حين نسمع صوت حماده الفأر وهو يحادث أحدى المذيعات التي تستمع لأعترافاته الليلية وهو يشتكي عذابا من وضع أمه الشهواني وسط رجال كلهم يريدون اقتناصها.

وبالمناسبة فأن الشكل الكرتوني ليس أن يقوم الممثلون بالمبالغة الكاريكاتورية طوال الوقت في الأداء وان يصبح لدى كل شخصية معادل حيواني أو فانتازي بل يكفي أن تصبح الشخصيات الرئيسية هي محط التصور الكاريكاتوري على أن تتسم بقية الشخصيات بالأنسجام والتفاعل مع اداء الشخصيات الرئيسية. مثل اهل الحارة أو زملاء حماده في العمل في جريدة الأهرام، وحتى محمود حميدة نفسه قدم شخصية عباس القط بالكثير من النضج والتوازن دون هزل في الأداء بل جاءت الطرافة والتعبير عن روح القط عبر التفاصيل الدرامية وردود الأفعال والقرارات التي يتخذها في محاولة للأستفادة من وفاة ابنة عمه التي اخذت الصحافة عنها خبر. بينما نجد الاداء الهيستيري لسوازن نجم الدين زوجة الوزير وكذلك الأداء القريب من خليط هانا مونتانا وباربي لأبنة الوزير كلاهما يتسق مع الأداء الكرتوني لحمادة الفأر على مستوى الشكل والمضمون فنحن في النهاية أمام واقع عبثي تُرسم فيه ملامح الشخصيات بضخامة مضحكة ولكن لكي نتأمل ملامحها الداخلية التي تشكل واقعنا المعاش.

وبدون أن يضع المخرج خطة بصرية للتعاطي مع اداء الشخصيات الكاريكاتوري فأن أي شكل أو نوع بصري يفقد نصف قيمته تقريبا وكل تأثيره تقريبا ويتحول إلى هزل سمج وليس اداة توصيل فكرية وشعورية، فأختيار زوايا الكاميرا المواجهة للشخصيات وأحجام اللقطات المتوسطة والقريبة والعدسات التي تمنح وجوه الممثلين خاصة الرئيسيين منهم شكلا مقعر كوميديا كل هذه العناصر هي جزء من النوع الكرتوني، وهي المساهمة البصرية الأساسية في التعاطي مع سياق الدراما الهزلي والعابث.

أن الوقوف على شكل الفيلم وطبيعة النوع الذي يقدم الفكرة من خلاله هو ما يجعلنا نحدد إذا ما كان الأداء يميل للمبالغة الغير فنية والأحداث تميل للسطحية والتفاهة والامنطقية أم أن كل هذه المبالغة تصب في صالح توصيل الفكرة واحداث التأثير المطلوب على المشاهد.

ينتمي الفيلم دراميا إلى ما يمكن أن نطلق عليه(دراما كرة الثلج)اي تلك الدراما التي تنشأ من حدث صغير جدا وعابر (كأن تطلب زوجة الوزير من ام حمادة أن تأتي إلى قصرهم يوم خطبة ابنتها من أجل أن تزغرد) فتموت أم حمادة بأزمة قلبية ويكتشف مدير الأهرام أنها ابنة عم الوزير فيبلغ رجالات السلطة من أجل التعزية ليصبح الوزير بين عشية وضحاها في موقف لا يحسد عليه ما بين الأعتراف بقرابته لهذه الخادمة والغاء خطبة ابنته وإقامة جنازة تصلح لأن يحضرها مندوب من رئاسة الجمهورية أو تجاهل الامر كله والمخاطرة بالطرد من الوزارة مع أول تغيير.

وبالتالي عند اختياره للحل الأول تتطور الأحداث وتتضخم الأزمات ما بين تهريب الجثة من القصر ثم استعادتها من الحارة ثم اصرار حمادة على جنازة شعبية واستبدال الجثة بأخرى ثم هرب حماده واقحامه لمجموعة من أهل الحارة البلطجية والشمامين لجنازة الوزير وافساد لحظات الحزن المفتعلة والتمثيلية التي كل الغرض من ورائها المحافظة على الكرسي.

هذا هو المقصود بدراما كرة الثلج أن يبدأ الحدث صغيرا ثم يتطور كأنه كرة ثلج كلما تدحرجت نحو الأسفل بقوة الدفع كلما ذاد حجمها وتحولت إلى صخرة ثلجية ضخمة لا تلبث ألا ان ترتطم بوجه احدهم فتحطمه. وهنا يصبح من الطبيعي أن نرى عباس القط في لقطة اخيرة والصحافة تصوره وهو مندهش ومذهول من هجوم ابناء الحارة الشعبية عليه اثناء الجنازة وادعاء احد البلطجية الشمامين أنه حماده الفار قريب الوزير وذلك بالتعاون مع حمادة لأفشال الجنازة والأنتقام من احتجاز الوزير لجثة أمه.

عادة ما تدور دراما كرة الثلج في زمن قصير نسبيا على المستوى الطبيعي فأحداث الفيلم تقريبا تدور في حوالي 48 ساعة وهو ما يعطي الأيقاع العام قدر من الرشاقة والحيوية في الانتقال من أزمة إلى أخرى وفي نمو الشخصية التي تتعرض مع الدراما إلى تحولات هامة تؤثر على واقعها ومستقبلها وهو ما حدث مع حمادة الفأر الذي حولته أزمة استيلاء الوزير على جثة أمه من شاب ضعيف ووهن وخائف طوال الوقت حتى من مصارحة زميلته في العمل بحبه ومشاعره إلى ثائر على سلطة الوزير ومدبر لمؤامرة من اجل فضحه أمام الجميع.

وبما ان الفيلم يتخذ الشكل الكرتوني على مستوى الدراما والصورة فمن المنطقي أن تبدأ كل الازمات التي سوف تواجه الشخصيات بسبب عنصر طريف وعبثي جدا وهو ان ابنة الوزير تحتاج إلى أن تسمع زغرودة حية في القصر لتشعر بالسعادة يوم خطبتها وبما انها مدللة لدرجة مقززة فأن استدعاء ام حمادة خصيصا من أجل الزغرودة يجعل الأحداث تتقدم بأتجاه مزيد من العبث خاصة عندما تقع من طولها وتموت في قصر الوزير.

ويحافظ الفيلم تقريبا على هذه المساحة من العبثية طوال الوقت لضمان وصول الرمز إلى مستحقيه من المتلقين، فالفيلم يتجاوز فكرة الصراع التقليدي بين السلطة والمواطن إلى تحليل طبيعة السلطة عندما تتحول إلى كيان مطلق الأرادة ولكن تلك الأرادة المطلقة لا تتجسد في عملية دفع حضاري واجتماعي وسياسي للدولة ككل ولكنها تسخر لتلبية مطالب ورغبات بل واهواء اصحاب هذه السلطة(مجرد زغرودة بسيطة يمكن أن تتسبب في ازمة انسانية واجتماعية وسياسية ضخمة) بل أن ام حمادة تتحول إلى رمز للبلد التي تتصارع عليها السلطة المطلقة مع المواطن الغلبان، ولكن اذا كانت البلد هي بنت عم السلطة إلا أنها في النهاية أم المواطن فأيهما احق بها إذن؟ ولماذا لا تشترك السلطة مع المواطن في تكريمها بدلا من النزاع حول جثتها بعد أن ماتت بالسكتة القلبية نتيجة استهلاك الجميع لها – من ارادوا الزواج بجسدها أومن ارادوا أن ترقص لهم وتزغرد في افراح انجالهم-.

يعود وحيد حامد للكوميديا السياسية بقوة والتي تخلى عنها طوال سنوات لصالح تجارب لم تتسم بعمق الرؤيا أو طزاجة التحليل أو تجلي المختلف كما عودنا خلال تجارب سابقة، هنا يبدو الفيلم موصولا مع أفلام«الأرهاب والكباب»و«اللعب مع الكبار»و«المنسي»و«النوم في العسل»- ثلاثة منها على الأقل تحمل سمات دراما كرة الثلج لو اننا دققنا قليلا فيها، حيث الموقف الذي يبدأ بسيطا عابرا ويتحول إلى ازمة ضخمة كما في الأرهاب والكباب والمنسي والنوم في العسل-.

ويمكن بالنظر إلى طبيعة السلطة في الأفلام الثلاث التي اشرنا إليها وطبيعتها في فيلم قط وفأر أن نرصد الكثير من تطور رؤية وحيد حامد للمجتمع المصري والعلاقة ما بين السلطة والمواطن خلال السنوات الأخيرة.

ويكفي أن نقارن ما بين اللواءات المحيطين بوزير الداخلية في«الأرهاب والكباب»أو«النوم في العسل»وبين اللواء بدين القوام ومجموعة اللواءات الأخرين الذين يتسمون بمنتهى الثقل والكسل وكأنهم لم يكونوا ضباطا ذات يوم وفي قطاع عسكري يستلزم الرشاقة والصحة البدنية.

ان شكل مساعد الوزير البدين وهو يلتصق بالوزير اينما ذهب بكل ما فيه من كاريكاتورية لهو تلخيص درامي وبصري بديع لحال السلطة المترهلة والثقيلة والبدينة في البلد، فهم قطط سمان لا يغادرون مكاتبهم إلا من اجل رغبات كبيرهم والذي نراه يعيش في قصر فخم اسطوري وحين ينام فهو لا يحلم بالدولة ولا الامن ولا القانون بل يحلم أنه يمسك بالصاجات ليراقص عشرات الفتيات كأنه سلطان في عصر الحريم.

وهل يوجد عبث اكثر من أن يستدعي وزير الداخلية أحد رؤساء تحرير صحف المعارضة لكي يستشيره في كيفية ادارة أزمة جثة أم حمادة!! إذن فالعبث الحقيقي في الفيلم ليس لعبة الكاريكاتورية الهزلية في رسم ملامح الشخصيات وبيان العلاقات بينها ولكنها قادم بالاساس من الواقع المعاش الذي يفوق أفلام الكارتون طرافة ولا معقولية.

على مستوى التجسيد فأن محمد فراج في افضل حالاته بعد أن خذلنا بشكل غير متوقع في«القشاش»ولكنه هنا يستعيد لياقته الأدائية التي عودنا عليها منذ ظهوره في مسرحية«قهوة سادة»مرورا برجب الفرخ في«بدون ذكر اسماء»مع الثنائي تامر ووحيد- نلاحظ أنه يرتبط في الشخصيتين بنموذج حيواني يؤديه شكلا ومضمونا بأسلوب ناضج وبلا ابتذال فهو اقرب للفرخ الصغير المنكوش في بدون ذكر اسماء وهو اشبه بالفأر المذعور في قط وفأر وهي قدرة على التقمص تحسب لموهبته الواعدة-.

أما محمود حميده المخضرم في حضرة الشباب محسن وفراج ووحيد حامد نفسه-وهو الكاتب الأكثر شبابا من كثيرين في نصف عمره-يؤدي عباس القط بصيغ ملامحيه واساليب في النطق وردود الأفعال تبدو للوهلة الأولى نمطية شاهدناها على وجهه من قبل لكنها يعرف جيدا كيف يدير تلك النمطية لصالحه، فيجعلها بصمة محببة واسلوب خاص به سواء في مشاهد الأستسلام للأزمة أو الصراخ نتيجة التفاقم العنيف. وهنا ايضا نؤكد على أهمية الفيلم في عودته مرة أخرى إلى ساحة الأداء الناضج بعد العديد من الأدوار التي مرت مرور الكرام خلال السنوات الأخيرة.

سوازن نجم الدين اكتشاف كوميدي لامع من الصعب تصور ممثلة أخرى اكثر اتساقا وتفهما وتقمصا للدور منها خاصة مع طبيعة الملابس التي اختارها تصميم الأزياء لكي تجعل صدرها كبيرا وحركتها مفتعلة فبدت بالفعل شخصية كرتونية أقرب لشخصيات الساحرات الشريرات في أفلام ديزني.

اما تامر محسن فقد استطاع أن يقدم نفسه في أولى تجاربه الأخراجية ضمن سياق مختلف عن كل ما يعرض حاليا من تجارب حيث اختار منطقة الفيلم الكرتوني لكي يلعب في مساحتها الواسعة بشكل حر. وهي منطقة متاخمة للمنطقة التي اختارها الثلاثي فهمي وشيكو وماجد أو«سمير وشهير وبهير»ومن قبلهم مكي في«طير أنت»و«لا تراجع»وهي منطقة المحاكاة الساخرة/البارودي، لأن الساحة السينمائية المصرية متخمة بتركيبة السبكية الهزلية التي تقوم على مطرب المهرجانات والراقصة والأفهيات الجنسية أو الكوميديا الجسدية المعتمدة على الصفع والشلاليت، أو الكوميديات الرومانسية التي ليست سوى تمصير ساذج للأفلام الأمريكية وإعادة إنتاج للكوميديات المصرية في الأربعينيات والخمسينيات. ولكن محسن يفسح لنفسه مساحة خاصة وسط كل هذا بصيغ إخراج كرتونية لم تُفقد الفكرة عمقها ولم تجنح للتجارية الفجة التي تحط من شأن أي تجربة ناضجة وتقصف عمرها.

المصري اليوم في

26.01.2015

 
 

«نداء الكوكو» لروبرت غالبريث.. متعة الأدب البوليسي

نديم جرجوره

لا أعرف سبباً يدفع كاتبة، لها حضور كبير وطاغ في المشهد الأدبي ـ الثقافي الدولي، إلى استخدام اسم مستعار لرواية جديدة لها. ج. ك. رولينغ (1965) ـ صاحبة السلسلة الروائية الخيالية «هاري بوتر»، المتحوّلة إلى سلسلة سينمائية أنتجت مليارات الدولارات الأميركية كإيرادات دولية ـ تُصدر، باسم آخر، رواية بعنوان «نداء الكوكو» (نقلها من الإنكليزية عمر سعيد الأيوبي، «منشورات نوفل، دمغة الناشر هاشيت أنطوان»، بيروت، 2015، علماً بأن النصّ الأصليّ صادر في العام 2013)، هي الثانية لها بعد «هاري بوتر». الأولى بعنوان «منصب شاغر» (2012 للطبعة الأصلية، 2013 للترجمة العربية عن الدار نفسها بتوقيع دانيال صالح. «السفير»، 10 أيلول 2013): قراءة أدبية سَلِسة عن بيئة اجتماعية إنكليزية بمشاكلها ومتاهاتها وقلق ناسها وعلاقاتهم الملتبسة والغامضة والضائعة بين صرامة تقليد وشيء يُشبه العنصرية، بالإضافة إلى خراب فظيع يُصيب الجميع، نفسياً وروحياً ومعنوياً وإنسانياً.

مارغريت ألفان توضح ـ في مقالة لها منشورة في الصحيفة الفرنسية اليومية «لو فيغارو» (26 تموز 2013) ـ لماذا اختارت رولينغ اسم روبرت غالبريث لـ»نداء الكوكو». تقول إن 3 أسباب كامنة وراء الاستعانة باسم مستعار: رغبة الكاتبة في انطلاقة جديدة كلّياً بعد «هاري بوتر»، وإن ظلّت محتفظة باسمها الحقيقي على غلاف روايتها السابقة «منصب شاغر». ميلها إلى هوية جديدة، خصوصاً أنها أرادت دائماً أن يكون اسمها إلاّ غالبريث، بينما اختارت روبرت كاسم اول لها كتحية للسياسيّ الذي تُحبّه كثيراً: روبرت ف. كينيدي (1025 ـ 1968). المنحى التجاري، لاعتقادها بقوّة الاسم المستعار، مؤكّدة أن محطّتين تلفزيونيتين أعلنتا عن رغبة في اقتباس الرواية قبل معرفة الاسم الحقيقي لـ»كاتبها»، علماً بأن 8500 نسخة بيعت قبل أن تُعلن الصحيفة الإنكليزية اليومية «صانداي تايمز» الهوية الحقيقية لغالبريث.

بعيداً عن هذا كلّه، فإن «نداء الكوكو» مختلفٌ تماماً عن الأعمال السابقة لرولينغ. لكن، ليكن اسم مؤلّفها روبرت غالبريث، كما على الغلافين الإنكليزي والعربيّ. رواية بوليسية بامتياز. لكنها أيضاً رواية ترسم ملامح شوارع ومدن إنكليزية، وتقدّم صُوَراً عن معانٍ مختلفة للحبّ والعلاقات «السرّية» في كواليس عائلات ثرية، وتُبرز جوانب من الحياة البائسة لأفراد يتامى يُصبحون أبناء عائلات ثرية بالتبنّي. المحور الرئيسي: انتحار عارضة أزياء سوداء تُدعى لولا لاندري. أخوها بالتبّني المحامي جون بريستو يُشكّك في فرضية الانتحار، فيُكلّف المحقّق الخاصّ كورموران سترايك نبش «حقيقة» الحادثة. المُساعِدة الموقتة لسترايك تُدعى روبن إلاكوت. هذه الشخصيات أساسية. هناك أناس عديدون يستكملون المشهد. معنيون بالضحية مباشرة أو غير مباشرة. معنيون أيضاً بالشخصيات الأساسية. مرتبطون بعضهم ببعض، بشكل أو بآخر. لكل شخصية حكايتها، سواء مع الضحية والانتحار الملتبس أو مع غيرها. لكل شخصية مسارها، عبر الحادثة أو حولها أو خارجها. المحقّق طالعٌ حديثاً من أزمة عاطفية حادّة. روبن مخطوبة، وخطوبتها «الجميلة» تعاني قلقاً وارتباكاً وتوتراً بسبب عملها مع سترايك تحديداً. المحامي عنصرٌ فاعل ومؤثّر في اللعبة كلّها، واللحظة التي تنبني عليها الحكايات كلّها. هناك أيضاً والدته المريضة، وخاله المثير حوله ألف غموض والتباس. هناك المحيطون بلولا في العمل والمبنى السكنيّ والحياة اليومية: مصمّمو أزياء، ومساعدون ومنتجون وجيران، وأصدقاء وأحبّة. هناك أيضاً عوالم متفرّقة: الأزياء والمخدرات والأعمال والمال، والصراعات المنبثقة منها.

«هذه الرواية تذكّرني لمَ عشقتُ الأدب البوليسي في الأساس». تعبير متعلّق بـ»نداء الكوكو» للكاتبة البوليسية الإسكتلندية فال ماكدورميد (1955). قراءة الرواية، بترجمتها العربية المتماسكة (على الرغم من هنات قليلة جداً في صوغ جملة من هنا، أو في تعبير لفظي من هناك)، متعة حقيقية تُعيد للأدب البوليسي شيئاً من حيويته وبراعته في الوصف والتنقيب ومعاينة النفوس والقصص، كما في جماله السرديّ في رسمه ملامح أناس وبيئة وتفاصيل. الانتحار بحدّ ذاته مدخلٌ إلى العوالم المتفرّقة هذه. مدخلٌ إلى سيرة التبنّي والعلاقة القائمة بين سود وبيض في طبقة اجتماعية بورجوازية وثرية، وفي عائلة ممزّقة داخلياً، فإذا بالانتحار (هل هو انتحار فعليّ، أو ماذا؟) يكشف حقائق ويفضح خفايا. سلاسة السرد مُضافة إلى بناء متماسك للحبكة ومساراتها، وللشخصيات وتفاعلاتها وانفعالاتها، وللمناخ العام (النفسي والجسدي والمعنوي والبيئي) وتبدّلاته. المفردات البوليسية في الكتابة الأدبية حاضرة أيضاً: تحقيق، بحث وتنقيب، لقاءات، مطاردات، تنظيم مكائد لتبيان مسألة أو أكثر، تحريات سرية، احتيالات مدروسة لبلوغ مُراد ما، إلخ.

كشف حقيقة الحادثة الأساسية متروكٌ للنهاية طبعاً. لكن متابعة حكاية كورموران سترايك (المحور الرئيسي للرواية، التي تبدأ بالانتحار، وبتقديم شخصية أساسية أخرى هي المُساعِدة الموقتة له روبن) في حياته المهنية والذاتية دعوة إلى شعور بمتعة الاسترخاء أمام نصّ مبنيّ على أصول الكتابة البوليسية، المطعّمة بتحليل نفسي اجتماعي متنوّع أحياناً، وعلى أسئلة الفرد في صراعاته اليومية.

السفير اللبنانية في

26.01.2015

 
 

بغاية الحب

بيار أبي صعب

فرنسوا تروفو في بيروت. للمرّة الثانية غالباً. المرّة الأولى كانت في حياته، عشيّة الحرب الأهليّة حين شارك في مهرجان سينمائي دولي احتضنه «البستان» في بيت مري آنذاك، لتقديم رائعته «الليلة الأميركيّة». اليوم يشارك السينمائي الفرنسي «غيابيّاً»، بُعَيد الذكرى الثلاثين لرحيله، من خلال استعادة استثنائيّة تنظّمها جمعيّة «متروبوليس».

صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» التي تستضيف تظاهرات لمخرجين وتجارب عالميّة، هي واحدة من الفسحات النادرة التي يترقّبها جمهور آخذ في التقلّص والانقراض نُطلق عليه تسمية «هواة السينما». أما زال هناك اليوم في بيروت من يهتمّ بالأفلام الإبداعيّة، الهادئة الإيقاع، الإنسانيّة الأبعاد، العميقة المغزى، المشغولة جماليّاً وأسلوبيّاً على مستوى التمثيل والحوار والتصوير والمونتاج. إلخ. أفلام ليس فيها خوارق وخرافات وإثارة وعنف، وتحطيم آليات وتدمير مدن وكواكب، وإيقاع لاهث، وبطل أميركي ينقذ العالم كل مرّة، وينتصر للخير على الشرّ، ويعيد العدالة إلى نصابها؟ المنارة الأخيرة تنتصب بصعوبة وسط أدغال الأفلام الضخمة الإنتاج التي تضرب الإحساس، وتشوّه الذوق، وتسطّح تقاليد المشاهدة، وتفسد متعة التلقّي والإصغاء والفهم والانفعال. عبر دفاعها عن سينما المؤلف، وتقديمها أعمالاً طبعت تاريخ الفنّ السابع، تحمل «متروبوليس» مشروعاً «مقاوماً»، ساعيةً إلى إعادة توازن إلى حياتنا الثقافيّة (تلك المهمّة مسؤوليّة الدولة أساساً، ووزارة الثقافة تحديداً، لكن ما هم!). وبين الأسماء الكثيرة التي تحتفي بها هذه الصالة، يحتل الضيف الحالي مكانة خاصة جدّاً: فرنسوا تروفو. أمس انطلقت تظاهرة استعاديّة لأفلامه تحت عنوان «تروفو… بغاية الشوق» (إحالة إلى آخر أفلامه Vivement Dimanche). إنّه سينمائي الحميم والخاص، وشاعر الكاميرا، غيّر طريقة النظر إلى السينما خلال حياته القصيرة (٥٢ عاماً. ٢٦ فيلماً). مسيرة بدأها مجهول الأب مشرّداً، بين جدّته وزوج أمّه والإصلاحيات والسجون، هارباً مثل بطله أنطوان دوانيل من المدرسة ليشاهد الأفلام الأميركيّة ويقرأ روائع الأدب ويحلم… إلى أن وضعه الناقد أندريه بازان على السكّة المناسبة. لم يدرس السينما، بل تعلّمها من مشاهدة الأفلام ونقدها، في ظلّ معلّمين مثل جان رينوار، وروبرتو روسلليني، وألفرد هيتشكوك، خصوصاً هيتشكوك الذي خصّه بكتاب مرجعي عام ٦٦. تروفو أتى إلى السينما من النقد مثل غودار زميله اللدود، ومعظم رفاقه الذين بدأوا في مجلّة «دفاتر السينما»، قبل أن يؤسسوا تياراً إخراجيّاً رائداً هو «الموجة الجديدة». ترك الأدب للإخراج، وترك لحياته أن تقتحم بعض أهم أفلامه منذ «تسرّب»Les 400 coups. ورغم إعلانه قطيعة صارمة في بداياته مع «النوعيّة الفرنسيّة» والسينما السائدة حينذاك، فهو اليوم، يبدو مكمّلاً لتلك الحالة الفريدة في الفن السابع التي هي السينما الفرنسية. خلافاً لجماعة «الموجة الجديدة» لم يعلن قطيعة شكليّة، ولم ينحُ إلى التجريب الأسلوبي، بل واصل السرد الكلاسيكي المنساب، وصوّر مشاهد خاصة وحميمة من الحياة الإنسانيّة، الحوار فيها أساسي، والحبكة مغمسة بالأدب، والديكورات طبيعية. إنّه «الرجل الذي كان يحبّ النساء». حَوْلَهنّ بنى أفلامه، وشبك قصص حبّه في الوقت نفسه. إنّه سينمائي الطفولة الضائعة، سينمائي الحب، والقصص الصغيرة المنسيّة في «دوامة الحياة» التي غنّتها جان مورو في «جول وجيم». قليل من مشاهده قد ينفع ترياقاً في هذا العالم المسموم الملوّث.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويترPierreABISAAB@

الطفل «الأزعر» من مشاغبات الورق إلى «الموجة الجديدة»

علي وجيه

استعادة فرنسوا تروفو (1932 ــ 1984) واجبة من وقت إلى آخر. الذكرى الثلاثون لرحيله المبكر بسبب ورم في الدماغ، جعلت العالم كلّه يركب آلة الزمن من «السينماتيك الفرنسية» إلى «مهرجان أبو ظبي» الأخير، مروراً بعواصم أوروبيّة ونواد سينفيلية. الكل راح يلبّي واجب إعادة الاكتشاف والبحث في سينما المخرج والناقد والصحافي الفرنسي.

منذ يوم أمس حتى 6 شباط (فبراير)، نحن على موعد مع 13 فيلماً في «متروبوليس أمبير صوفيل» تحت عنوان «تروفو... بغاية الشوق» بالتعاون مع «المعهد الفرنسي في لبنان». إرث ساحر يغوص في تيمات الطفولة والعلاقات الرومنطيقية المتشابكة والأجواء البوليسية. أيضاً، سنشاهد وثائقي «اثنان من الموجة» (2010) عن العلاقة بين تروفو وجان لوك غودار كأهم اسمين في «الموجة الجديدة» (راجع المقال المقابل). تروفو كوكب سينيفيلي قائم بحد ذاته. كل شيء يرجع إلى أيام الطفولة والمراهقة. في باريس المحتلة، عانى الصغير من إهمال الأبوين بعد وفاة جدته. «لم يكونا سيئين، بل كانا عصبيين ومشغولين دائماً». لاحقاً، اكتشف أنّ أباه ليس والده البيولوجي وسط تجاهل الأم وتذمّرها الدائم. الطرد من المدارس والهروب منها صارا عادةً. الأعذار الكاذبة أمام الإدارة باتت أكثر تعقيداً وميلودراميةً: «لقد اعتقل الألمان والدي». في باكورته الطويلة «تسرّب» (الهروب من المدرسة Les 400 coups ـ 1959 ـ 31/1 ـ س:20:00)، لفّق الطفل أنطوان دوانيل (جان بيار ليو) عذراً أشدّ قسوة، هو وفاة الأم. مع صديقه روبير لاشني الذي أصبح ناقداً سينمائياً، جاب تروفو شوارع باريس وأزقتها. نام في ملاجئ المترو، وسرق مقابض الأبواب المصنوعة من الفضّة لمبادلتها بالخمر من أجل بيعه. تسلّل إلى صالات السينما مراراً. شاهد «أولاد الجنّة» (1945) لمارسيل كارني، و«غضب في الجنّة» (1941) للأميركي و. س. فانديك، و«آدم لديه أربعة أولاد» (1941) للروسي الأميركي غريغوري راتوف، و«المواطن كاين» (1941) لأورسون ويلز (الفيلم ألهم ألان رينيه، وكيوبريك وآخرين).
نعم، تأثّر تروفو بجان رينوار، وروبير بروسون، وروسلليني وسواهم، إلا أنّ هيتشكوك حكاية أخرى. لقد سحر بأفلام المعلّم الإنكليزي، بل تشبّه بعالمه المشحون بالخوف والاضطراب. أنجز عنه كتاباً حوارياً «هيتشكوك/ تروفو» صدر عام 1966 ليصبح أساساً في مكتبة أيّ سينيفيلي. هكذا، تشكّل وعي تروفو الصغير في ظلام الصالات. فُتن بالسينما الأميركية، وقرّر أن يصنع أفلاماً بجودتها. أسّس مع روبير لاشني «نادي عشاق السينما» الذي افتتح عروضه بنسخة 16 ملم من «متروبوليس» (1927) فريتز لانغ. لاقت العروض في الحيّ اللاتيني في باريس فشلاً جماهيرياً ذريعاً. لقد كان الناس يفضّلون نادي أندريه بازان في «البرودواي».

إرث ساحر يغوص في تيمات الطفولة والعلاقات المتشابكة والأجواء البوليسية

بكل ثقة، ذهب إليه تروفو طالباً تغيير مواعيد العروض لتتناسب مع برنامجه. حدث التعارف، وصار بازان عرّابه الفعلي وملاكه الحارس. أخرجه من سجن الأحداث، وأنقذه من تبعات هروبه من العسكرية، ووضعه على سكّة النقد. في مجلة «دفاتر السينما»، تعرّف تروفو إلى جان لوك غودار، وكلود شابرول، ولوي مال وغيرهم. من مشاغبات الورق، انطلقت «الموجة الجديدة» لتصنع التغيير في فرنسا والعالم. سينما اليوم تدين بفضل لا لبس فيه لهذه الشلّة. كان تروفو الناقد مقاتلاً شرساً. هاجم السينما الفرنسية الكلاسيكية بضراوة، منتقداً روتينها ونجومها وركونها إلى أساليب بائدة، وساخراً من واقعيتها النفسية الزائفة. سمّى «أعداءه» بوضوح، منهم منتجون ومخرجون أمثال إيف أليغريه، وكلود أوتان لارا الذي وصف تروفو بـ«الزنديق، وأزعر الصحافة». «مهرجان كان» نال نصيبه من الرصاص. في عام 1958، كتب تروفو مباشرة: «الشلة التي تسيطر على المهرجان عصابة ثرثارة ومكروهة في الأوساط النقدية الفرنسية. فقدت القدرة على النقد، وخسرت كل ميزة فنيّة وتجارية. إذا جاء العام المقبل من دون حلول جذريّة، أنا متأكد أنّ المهرجان الثاني عشر سينطلق بمقاعد فارغة».

نقل تروفو حدّته إلى أفلامه الأولى، متأثراً بروسلليني ومقارباً الأسلوب الوثائقي في الروائي القصير Les Mistons (1957). مع عرّاب الواقعية الإيطالية، عمل مساعداً في التحضير لثلاثة مشاريع لم ترَ النور (بينها «كارمن»). بعدها، ضرب تروفو بقوّة في «تسرّب». انتقى جان بيار ليو لأداء أنطوان دوانيل الذي أصبح أناه الأخرى. الطفل يعيش في محيط عائلي مشوّه. يفتعل المشاكل في المدرسة ويهرب مع صديقه إلى السينما. هنا، صبّ كل شيء في مصلحة تروفو. الكتابة المختلفة المعتمدة على الذاكرة. تحرير الكاميرا، وتسخير الضوء الطبيعي، والجرأة في التوليف والانتقال بين المشاهد. الـ«ترافلنغ» الأخير كان كنزاً لا يقدّر بثمن، وصولاً إلى البحر وكلمة النهاية على لقطة ثابتة. دورة «مهرجان كان» التي حذّر تروفو من خلوّ مقاعدها، شهدت الاحتفاء بولادته كأفضل مخرج. هذا منحه شهرةً واستقلاليةً وقدرة ماديّة، خصوصاً مع زواجه بابنة منتج شهير هي مادلين مورغنستيرن، فتمكّن من تأسيس شركته الخاصة. الفشل التجاري لشريطه الثاني «أطلق النار على عازف البيانو» (1960) بحضور شارل أزنافور أمام الكاميرا، جعله أكثر حذراً وتقويماً لقراراته. لم يعد بالتشدد نفسه تجاه الحلول الكلاسيكيّة، من دون أن يتخلّى عن مكتسبات الموجة الجديدة. رافق أنطوان دوانيل في سنوات مراهقته، وشهد على حبّه الأوّل في «الحب في العشرين» (1962) و«قبلات مسروقة» (1968 ــ 31/1 ـ س: 22:00)، ثم زواجه في «عش الزوجية» (1970 ــ1/2 ــ س:20:00) وانهيار الحب في «الحب يهرب» (1979 ــ 1/2 ـ س: 22:00). وَلَع تروفو بمثلثات العلاقات أخاذ بالفعل. حب امرأة لرجلين في «جول وجيم» (1962 ــ الليلة 20:30). حب الرجل لامرأتين في «فتاتان إنكليزيتان» (1971). الأول فكاهي، والثاني ميلودراما تعبّر عن نضوج فنّي. الحيرة بين العاطفة والجنس ينتصر للأخير في «البشرة الناعمة» (1964 ــ27/1 ـ س:20:30) الذي أصرّ فيه تروفو على نهاية هيتشكوكية. وضع شخصية رينوارية في مناخ هيتشكوكي من ألعابه المفضّلة. في «المترو الأخير» (1980 ـ 4/2 ـ س:20:30)، تمسك ماريون (كاترين دونوف) يدي زوجها (هاينز بينيت) وحبيبها (جيرار دوبارديو) في قرار واضح. هكذا المرأة بنظره. فاتنة، مستقلة، قويّة، ناضجة، وصاحبة قرار الحياة والموت. إنّها النعومة الشاعريّة التي يغلّف بها المعلّم سينماه ببراعة مدهشة. الفتنة البهيّة لحسناوات الأرض اللواتي مررن في حياته وأمام عدسته. حتى الدونجوان دفع الثمن في «الرجل الذي كان يحبّ النساء» (1977). لطالما لجأ تروفو إلى الاقتباس الأدبي عن روايات مفضّلة. كان بالزاك نجمه المفضّل أيام الصبا. هو قادم إلى السينما من سوق الورق أصلاً. «العروس كانت ترتدي الأسود» (1968 ــ 29/1 ــ س:20:30) و«حورية المسيسيبي» (1969 ــ 2/2 ـ س:20:30) اقتباسان عن الأميركي كورنيل وولريتش، لم يخرجا بالجودة المعتادة. في المقابل، حقق تحفةً من الخيال العلمي بعنوان «فهرنهايت 451» (28/1 ــ س:20:30) عن رواية الأميركي راي برادبري رغم الفشل التجاري. الأستاذ لم يخفِ إعجابه بالثقافة الأميركية يوماً. حتى انتقاده السابق لجون فورد سحبه لاحقاً، مقرّاً بأنّه رينوار أميركا. كان سبيلبيرغ من معجبيه المخلصين. أسند إلى تروفو دور العالم الفرنسي لاكومب في تحفته العبقرية «لقاءات قريبة من النوع الثالث» (1977). هنا، التزم تروفو الممثل تعليمات زميله، وحافظ على هدوئه المعتاد. هذه المرّة الأولى، هو أمام عدسة سواه، بعدما لعب مرتين في «الطفل المتوحش» (1970) و«الليلة الأميركية» (1973 ــ 3/2 ـ س:20:30). مهلاً، لنتوقف عند هذه الرائعة. لقد تفوّق تروفو على نفسه في هذا العمل. لم يخشَ كشف أسرار صناعة السينما. في وداع أخير، جمع شخصياته السابقة في لوكيشن تصوير فيلم داخل الفيلم. تجاوز مرحلة التحضير التي رأيناها في 8½ (1963) لفيلليني، ولم يكترث لعمليات البوست. لعب هو نفسه تحت اسم مختلف. مخرج هادئ، منعزل، من دون قصة أو ماضٍ. عليه أن يضبط كل تفصيل، ويجيب عن كل سؤال. العلاقة العاطفية ممنوعة إلا مع الشريط نفسه. الذكريات تعود إلى سرقة صور «المواطن كاين» من الصالة. في هذا الكشف، أجاب عن سؤال أرّقه طويلاً: «هل السينما أهم من الحياة؟». نعم، هي كذلك. يقولها لجان بيار ليو، فيما تؤكّد مساعدته بكل إيمان: «يمكن أن أترك رجلاً من أجل فيلم، ولكن لا يمكن أن أترك فيلماً من أجل رجل». موسيقى جورج ديليرو لا تُنسى عبر الحقب.

نعم، استعادة تروفو واجبة دائماً. نستحضره كثيراً في أفلام مارتن سكورسيزي، وجيم جارموش وروبرت ألتمان وويس أندرسون والعديد من المستقلّين حول العالم. هو الرجل الذي تتمثّل فيه عبارات إنشائية على غرار «السينمائي لا يموت». الطفل الملحمي الذي صنع من الكوكب مكاناً أكثر حميميةً وجمالاً في 21 فيلماً.

13 فيلماً على البرنامج:

تأريخ الشخصي وبحث قلق عن الحبّ

بانة بيضون

الفيلم الأول الذي عرض أمس ضمن تظاهرة «متروبوليس أمبير صوفيل» هو «الرجل الذي كان يحبّ النساء» (1977) من بطولة شارل دينيه المؤثر بأدائه شخصية برتران الذي يحب جميع النساء من دون أن يشبه تماماً شخص الدون جوان أو الكازانوفا. برتران ليس ساحراً بالمعنى التقليدي للكلمة. لكنه في وحدته وبحثه القلق عن الحب، يمثل إحدى الثيمات التي هيمنت على أعمال المخرج منذ باكورته «تسرّب» (31/1 ـ س:20:00) الذي سيعرض أيضاً ضمن المهرجان. مع العلم أن تروفو مجهول الأب، تخلت عنه أمه في سنواته الأولى.

وقد يجسد شارل دينيه الأنا الآخر لتروفو، كما جان بيار ليو في شخصية أنطوان دوانيل في «تسرّب» التي تابعها المخرج في أعماله اللاحقة. وفي «جول وجيم» (1962 ــ الليلة 20:30)، تابع تروفو عبر عشرين سنة قصة ثلاث شخصيات تبدأ قبل الحرب العالمية الأولى وتنتهي بصعود النازية. كاثرين وحبيبها جول وصديقه جيم يعيشون ضمن مثلث عاطفي متنازع. يُعَدّ هذا العمل أحد أهم الأفلام التي طبعت الأسلوب السينمائي المختلف للموجة الجديدة في السينما الفرنسية من خلال لغته السينمائية التي مزج فيها تروفو بين الفوتوغرافيا والـ«نيوزريل» (ما كان يعرف بجرائد السينما) والكاميرا المتحركة والمحمولة. أما «البشرة الناعمة» (1964 ــ27/1 ـ س:20:30) الذي تلاه، فيتناقض مع أسلوب الخفة المرحة الذي يعتمده في «جول وجيم». لم يلقَ الإقبال نفسه من الجمهور رغم ترشيحه للسعفة الذهبية في «مهرجان كان».

«حورية المسيسبي» تحية لجان رينوار الذي كان تروفو شديد التأثر به

الشريط يروي قصة كاتب متزوج يقيم علاقة سرية مع مضيفة طيران. يصوّر تروفو العلاقة من وجهة نظر المراقب عبر كاميرا هيتشكوكية بتلصصها على الشخصيات. «فهرنهايت 451» (28/1 ــ س:20:30) المقتبس عن رواية لراي برادبري هو الفيلم الوحيد لتروفو الناطق باللغة الإنكليزية والأول بالألوان. يصوّر الشريط ضمن إطار الخيال العلمي نظاماً ديكتاتورياً يوظف البرامج التلفزيونية لإحكام سيطرته وتخدير عقول المواطنين، ويعتبر المعرفة محرمة، فيوظف قوة للعثور على كل الكتب وحرقها. يعرض كذلك «العروس كانت ترتدي الأسود» (1968 ــ 29/1 ــ س:20:30) المقتبس عن رواية بوليسية للأميركي كورنيل وولريتش. يروي الشريط قصة العروس التي تسعى إلى الانتقام من خمسة رجال سببوا موت زوجها يوم زفافها من بطولة جان مورو إلى جانب شارل دينيه الذي سيطور لاحقاً المخرج شخصيته في «الرجل الذي كان يحب النساء». في هذا الشريط، أدى دينيه دور الفنان العاشق للنساء. يعكس الفيلم تأثر تروفو بهيتشكوك ضمن أسلوب التشويق الذي يعتمده في الشريط، ولو أنه لا يُعَدّ أفضل أعماله. كذلك اقتبس تروفو رواية أخرى لوولريتش هي «حورية المسيسبي» (1969 ــ 2/2 ـ س:20:30) من بطولة كاترين دونوف وجان بول بلمندو. يُعَدّ الفيلم في أسلوبه بمثابة تحية لجان رينوار الذي كان تروفو شديد التأثر به. تشمل هذه التظاهرة السينمائية كذلك ثلاثية «قبلات مسروقة» (1968 ــ 31/1 ـ س: 22:00)، و«عش الزوجية» (1970 ــ1/2 ــ س:20:00) و«الحب يهرب» (1979 ــ 1/2 ـ س: 22:00) الذي يتابع فيها المخرج حياة أنطوان دوانيل بطل فيلمه الأول «تسرّب». نتابعه طفلاً وعلاقته بكريستين التي تصبح زوجته وتطور علاقتهما عبر السنين حتى طلاقهما. يروي تروفو عبر هذه الرباعية تاريخه الشخصي ممزوجاً بشخصية أنطوان دوانيل وشخص جان بيار ليو ضمن لعبة درامية معقدة، تتلاشى فيها الحدود بين الممثل والدور حتى يصبحا واحداً. كذلك هي محاولة لتأريخ الحياة الشخصية بكل تفاصيلها البسيطة والاعتيادية. يعرض أيضاً (1973 ــ 3/2 ـ س:20:30) الحائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي. إنّه عبارة عن فيلم داخل فيلم حيث تروفو يؤدي دور المخرج في الفيلم، ويلعب على المسافة بين شخص الممثل والدور الذي يؤديه والسينما والواقع. أما «المرأة الساكنة بجوارنا» (1981 ــ 5/2 ـ س:20:30) من بطولة جيرار دوبارديو وفاني أردان، فهو واحد من أجمل أفلام تروفو. يروي قصة ماتيلد التي تنتقل وزوجها للسكن في حيّ جديد لتكتشف أن جارها المتزوج أيضاً، هو برنار الذي كان حبيبها منذ سنوات. تدريجاً، تبدأ كل الحياة التي بناها الاثنان أثناء انفصالهما بالتفكك، ويعود الشغف، لكن كذلك الألم. تعاني ماتيلد بصمت، إلا أنّها تفقد قدرتها على الاحتمال، فتتهاوى وتسقط أرضاً في إحدى اللقطات المؤثرة والقاسية الذي تؤديها فاني أردان ببراعة. يكون ذلك بداية الانهيار العصبي الذي سيزعزع كل بناء الشخصيات. يعرض كذلك فيلم «المترو الأخير» (1980) مع كاترين دونوف وجيرارد دوبارديو الذي تدور أحداثه في باريس الخاضعة للاحتلال الألماني حيث تسعى ممثلة فرنسية لإخفاء زوجها اليهودي. ويختتم المهرجان بالكوميديا السوداء «الأحد بغاية الشوق» (1983 ـ 6/2 ـ س:20:30) الفيلم الأخير لتروفو.

غودار وتروفو: علاقة إشكالية

بانة بيضون

يتناول وثائقي «اثنان من الموجة» (2010 ــ 30/1 ــ س: 20:30) لإيمانويل لوران وأنطوان دو باك الذي يعرض ضمن تظاهرة «متروبوليس» العلاقة التي جمعت فرنسوا تروفو وجان لوك غودار (1930) اللذين أسسا لتيار الموجة الجديدة في السينما الفرنسية إلى جانب جاك ريفيت، وكلود شابرول، واريك رومير. ينطلق الشريط من بداية الصداقة التي جمعت الاثنين إثر لقائهما في عروض أفلام «السينماتيك الفرنسية» بإدارة هنري لانغلوا.

تشاركا الشغف بالسينما ثم عملا في مجلة «دفاتر السينما» التي كان يترأسها أندريه بازان. نشأتهما كانت مختلفة وفق الشريط، فتروفو آت من عائلة متواضعة وثقافته عصامية، بينما غودار من خلفية برجوازية، ولو أنّ البرجوازية ستكون لاحقاً التهمة الموجهة من غودار لتروفو بعد عرض فيلمه «الليلة الأميركية» (1973 ـ 3/2 ـ س:20:30). الاثنان اتفقا حول رؤيتهما النقدية إلى السينما الفرنسية الكلاسيكية التي حددت معالم الموجة الجديدة التي ستنشأ لاحقاً، بخاصة مقال تروفو الشهير «ميل ما في السينما الفرنسية». في هذا النص، انتقد السينما الفرنسية وأسلوب الواقعية النفسية الذي تعتمده، وميلها إلى السوداوية وتعليب الشخصيات ضمن الأحكام والمثل الأخلاقية والسيناريوهات الأدبية التي تستخدم الصورة كواسطة لسرد القصة ولا تفرض رؤيتها الخاصة. هذا بعكس سينما المؤلف كما عند جان رينوار، وجان كوكتو، وفريتز لانغ، وروسلليني... وجوه احتفت بها الموجة الجديدة بخاصة هيتشكوك الذي كان تروفو شديد التأثر به، وأيضاً انغمار برغمان وبراعته في تصوير العالم النسائي.

باكورة تروفو الروائية الطويلة «تسرّب» (1959 ـ 31/1 ـ س:20:00) التي حصدت جائزة أفضل مخرج في «مهرجان كان»، أسهمت في تعريف الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، والاعتراف بها جماهيرياً، تلاها تعاون مشترك بين تروفو وغودار في «مقطوع النفس» (1960) حاز عنه غودار جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في «مهرجان برلين». كذلك، شارك الاثنان في إخراج الفيلم القصير «قصة عن الماء» (1958) الذي صوّره تروفو إثر سيول غمرت باريس وأعاد غودار توليفه وكتابة النص الروائي الذي رافق الشريط. لكن الثورة الطلابية والعمالية في أيار (مايو) 1968 هي المنعطف في العلاقة بين غودار وتروفو. مع أنّ الاثنين دعما هذه التظاهرات، إلا أن غودار ذهب أبعد من مجرد التأييد وانخرط كمخرج في التغيير الحاصل.

هكذا، صوّر «فيلم كما البقية» الذي استعاد تظاهرات 1968. في أعماله اللاحقة، بدأت تتبلور رؤية غودار الأكثر شمولاً وتفكيكية معاً، واضعةً الصراع السياسي والطبقي كجزء من بنية السرد السينمائي. وتعتبر السينما والصورة جزءاً من الصراع الحاصل لا مجرد عين تصوّب من الخارج. أما تروفو، فلم يكن معنياً بكل ذلك وفق غودار. تقوقع داخل نمط أكثر شاعرية وحتى تجارية إلى درجة صار يشبه السينما الفرنسية الكلاسيكية التي كان ينتقدها. أما القطيعة النهائية، فحدثت إثر فيلم «الليلة الأميركية» لتروفو الذي حصد أوسكار أفضل فيلم أجنبي. حينها، بعث غودار رسالة قاسية لتروفو يدعوه فيها بالكاذب، مضيفاً أنّ ذلك لا يهدف إلى إهانته، بل هو رأي نقدي في الفيلم. رد تروفو متهماً غودار بأنّه كاذب بدوره يصر دوماً على لعب دور الضحية، وليس أقل منه اهتماماً بجذب الجمهور، مشيراً إلى إصراره على استخدام جاين فوندا في «كل شيء ما يرام». ووصفه بالمنافق في ادعائه حمل الهم الاجتماعي أو السياسي، فالمناضلون الحقيقيون كما يراهم تروفو أشبه بعاملة التنظيف في دأبها، بينما غودار يشبه بأسلوبه النجمة أورسلا أندريس كما وصفه ساخراً.

نجوم لبنان يتضامنون مع الجيش... وأنتَ؟

زكية الديراني

يمكن القول إنّ الإعلانات الداعمة للجيش اللبناني التي تبثّها القنوات المحلية حالياًَ، يصلح عرضها في أيّ مكان وزمان. قبل شهر تقريباً، قرّرت «مديرية التوجيه في الجيش اللبناني» بمساعدة المخرج طوني معلوف الاستعانة ببعض الوجوه المعروفة سواء مغنين أو ممثلين، لتصوير عمل يدعم الجيش ويُعلن ولاءه له. يتضمّن الإعلان جملة قصيرة يصرّح بها الفنان عن أسباب دعمه للجيش، وتختتم بعبارة «أعلن ولائي للجيش اللبناني... وإنت؟» التي كانت بمثابة عنوان الحملة.

انطلاقاً من هذا المبدأ، سجّل 11 فناناً، كل واحد على حدة، إعلاناً قصيراً وهم: مايا نعمة، ونادين ويلسون نجيم، وطلال الجردي، وألين لحود، وميرفا قاضي، والفرسان الأربعة، وعمّار شلق، وداليدا خليل، ودارين حمزة، وعمر ميقاتي، وتقلا شمعون، إضافة إلى المخرج طوني معلوف. وقد أشرف الأخير على كتابة سيناريو الإعلانات، مستعيناً بلغة شعبية يسهل حفظها، مستوحياً عباراته من المناخ العام في البلد. بدأ عرض تلك التسجيلات قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، وتبثّ في الفواصل الاعلانية على الشاشات اللبنانية على اختلاف انتمائها السياسي والحزبي. تجلس داليدا خليل على كرسي عالٍ وسط العلم اللبناني وتقول بحزم «لأنه يعطي من دون مقابل، ولأنه عنيد في وجه الخطر حتى الشهادة، أعلن ولائي للجيش وإنتَ؟».

رأى عمّار شلق أنّ هذه المؤسسة رمز الوطن رغم التجاذبات السياسية في البلد

تلك الخطوة الداعمة للجيش لم تكن الأولى من قبل «مديرية التوجيه في الجيش اللبناني». سبق للمديرية أن سجّلت سابقاً بعض الدعايات ضدّ الإرهاب، وأخرى تحثّ على الولاء للجيش ولقيت صدىً طيّباً بين الناس. لكن هذه المرّة، أحبّت المديرية أن يكون عدد التسجيلات كبيراً وتعتمد على عدد كبير من الوجوه المعروفة ويمكن للناس مشاهدة التسجيلات على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي. في هذا الإطار، تقول نادين ويلسون نجيم لـ «الأخبار»: «عندما يُطلب من الفنان أن يكون إلى جانب الجيش، فعليه أن يلبّي النداء فوراً، ليوصل رسالة واضحة بأن الجيش خطّ أحمر وبأنه داعم أساسي له». وتضيف «ملكة جمال 2007» السابقة: «في هذه الظروف الحسّاسة التي يمرّ بها لبنان، من الجميل أن يشارك الناس في أجواء التضامن، بعيداً من أخبار الفتنة والقتل». من جانبه، يعتبر الممثل عمّار شلق في حديث إلى «الأخبار» «أنه رغم التجاذبات السياسية الحاصلة في البلد، إلا أن الجيش هو رمز الوطن. كمواطن حاولت أن أعبّر عن دعمي للمؤسسة العسكرية بعيداً من الأحزاب السياسية والطائفية التي تحاصرنا. بفضل الإعلان الذي صوّرته، آمل أن يتذكّر اللبنانيون أهمية الجيش ودوره الفاعل في الوطن».

الأخبار اللبنانية في

26.01.2015

 
 

Mortdecai  أبو الشنب في ورطة

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

موضة الشنب التي اجتاحت الازياء والاكسسوارات في الفترة الاخيرة، ترى هل هي من وحي شريط النجم جوني ديب الاخير Mortdecai؟ قرصان الكاريبي وذئب Into the Woods الشهير بحبه للتنكّر وتغيير شكله، فرح كثيراً بشخصية الارستوقراطي البريطاني الخبير باللوحات الفنية شارلي موردوكاي التي تم اقتباسها من احدى روايات سلسلة ادبية من تأليف كيريل بونفيغليولي صدرت في السبعينات. والسبب أن لموردوكاي شنباً خاصاً جداً، صممه جوني ديب بنفسه (تم تصنيع 30 نموذجاً منه لدواعي التصوير)، وخصوصاً أسنان "فرق" تم تلوينها لإحداث فراغ بينها، بدل الاستعانة بأسنان اصطناعية قد تحوّل الشخصية كاريكاتورية بشكل مبالغ.

هذا الخبير الأنيق والطريف والجبان والمعتاد عقد صفقات مشبوهة، يجد نفسه في مأزق مالي خطير. عندها يكلفه المحقق البريطاني مارتلند (ايان ماكريغور) البحث عن لوحة غويا الشهيرة التي سرقت بعد قتل المرأة التي كانت ترممها، في مقابل عدم اشهار افلاسه. مجبراً، شارلي يوافق وينطلق في مغامرة محفوفة بالأخطار والاكشن والضحك برفقة خادمه الوفي جوك (بول بيتاني) للبحث عن اللوحة بين لندن وموسكو ولوس انجلس.

وراءه تنطلق المافيا الروسية، والمخابرات البريطانية، وارهابي عالمي، اضافة الى زوجته جوانا (غوينث بالترو) التي تكره شنبه الجديد...

نحن ايضاً قد نكره شنبه، لكن لا يمكننا إلا ان نحب جوني ديب صاحب الموهبة الاستثنائية في تركيب شخصيات كاريكاتورية وغريبة وخارجة عن المألوف، عودنا إياها دائماً وباتت بصمته الخاصة. شخصية موردوكاي الظريفة والحاضرة في كل مشاهد الفيلم تقريباً، والتي تقمّصها ديب بكل ارستوقراطيتها واناقتها ولامبالاتها وجبنها وانانيتها وحبها لملذات الدنيا، هي سر نجاح هذه الكوميديا البوليسية التي تعتمد على سحره وجنونه بشكل كبير.

الفيلم كوميديا كرتونية الأجواء، مليئة بطرافة عبثية، وأناقة راقية في الديكورات والازياء، وهي من اخراج الاختصاصي في السيناريوات دايفيد كويب (Jurassik Park و Mission: Impossible و Spider-Man)  الذي سبق وأخرج فيلم Secret Window من بطولة جوني ديب أيضاً. لكن كويب البارع في الكتابة اكثر من الاخراج، ترك مهمة النص على عاتق مبتدئ يدعى اريك ارونسون، ولهذا السبب يعاني السيناريو الضعف، والاخراج الدينامية والابتكار. لكن ما ينقذ الفيلم هو حتماً ممثلوه النجوم العالميون الذين برعوا وتألقوا وتسلوا في خلق شخصيات كاريكاتورية نافرة ومضحكة، مثل جوني ديب وايان ماكريغور التحري البريطاني المغرم بجوانا، وخصوصاً بول بيتاني الذي يسرق الاضواء حتى من ديب بادائه الظريف لشخصية الحارس الشخصي المتفاني. اضافة الى الممثلة غوينث بالترو في دور الزوجة الارستوقراطية جوانا التي تشبه بأناقتها ورقيها الاميرة غريس دو موناكو، والتي تشعر بالغثيان والرغبة في التقيؤ كلما اقترب منها ليقبلها بشنبه، مما جعل تصوير هذه المشاهد اصعب ما قامت به خلال مسيرتها الفنية. لماذا؟ تقول غوينث: "لأني لم اكن استطيع ان اسيطر على نفسي وابقى جادة، وقد اعدنا هذه اللقطات عشرات المرات بسبب ضحكي المتواصل في كل مرة".

"عمر" من قلب المعاناة الفلسطينية

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

بعد 8 أعوام على "الجنّة الآن" الذي رشح لاوسكار افضل فيلم اجنبي وحاز الغولدن غلوب عن الفئة نفسها عام 2006، شريط المخرج وكاتب السيناريو الفلسطيني هاني أبو أسعد "عمر" رشح أيضاً لاوسكار افضل فيلم اجنبي عام 2014.

الحبّ والصداقة والمقاومة ومواجهة الاحتلال والذل والاهانة والمستقبل المبهم والخيانة، كلها موضوعات يعالجها فيلم أبو اسعد الدرامي بجرأة من خلال عرضه حكاية ثلاثة اصدقاء طفولة: عمر (آدم بكري) وطارق (أياد حوراني) وأمجد (سامر بشارات) الذين يواجهون معاً المحتل الاسرائيلي ويناضلون من خلال تنظيمهم خلية مقاومة. عمر يقيم في الضفة الغربية وهو مغرم بناديا (ليم لوباني) شقيقة طارق التي تبادله المشاعر نفسها في السر. من اجل الزواج بها يعمل ويخاطر بحياته بتسلق جدار الفصل لرؤيتها هي وصديقيه، متحدياً رصاص المحتل الإسرائيلي. لكن العملية الاولى للاصدقاء الثلاثة ضد الاسرائيليين تؤدي الى مقتل جندي والى القاء القبض على عمر. في السجن يتعرّض عمر للتعذيب ولأصعب موقف عندما يعرض عليه الاسرائيليون تحريره في مقابل الاعتراف بالحقيقة وخيانة اصدقائه وتدمير ايّ مقاومة. هل يعترف بالحقيقة التي تبرئه، أم يتحمل المسؤولية ويحمي صديقيه ويخسر عمره وحبيبته التي يتبيّن ان امجد مغرم بها أيضا؟

"عمر" دراما قوية وواقعية، تدين الوضع الفلسطيني الراهن، على خلفية مأساة حميمة قد تصيب أيا من الفلسطينيين. قوة الفيلم في السيناريو الصلب، والتوتر الدرامي المتجدد محطة بعد محطة، والحبكة المتينة التي تزرع الشك وتدمر الثقة وتسحق المشاعر والصداقات. لكن الفيلم لا يخلو من محطات طريفة تخفف حدة المأساة في شريط يدخلنا الى قلب الوضع الفلسطيني بكل تعقيداته وسوداويته ودوامة العنف والتطرف التي تغرقه. بدورها الحوارات مؤثرة وطبيعية، والمواقف واقعية، والتصوير عابق بالمناخات القمعية، وقد تم بمعظمه في فلسطين. فبسبب شهرته، تمكّن المخرج هاني ابو اسعد من الحصول على تراخيص للتصوير داخل فلسطين، لكن تسلق الجدار الفاصل لم يكن مسموحاً، فتم استبداله بحائط آخر في الناصرة.

بدورهم الممثلون لافتون بصدقيتهم المقنعة، مع العلم أن ابو اسعد اختار الاعتماد على مواهب جديدة تشارك للمرة الأولى في فيلم سينمائي، لأنه رغب في مجموعة من الشباب لديهم العفوية والدينامية. وفعلاً تألق هؤلاء الشباب المبتدئون باداءات طبيعية وتلقائية وتمكنوا من اظهار انفعالات عميقة ومؤثرة، وخصوصاً آدم بكري الذي سمع ان ابو اسعد يبحث عن مواهب جديدة فارسل له شريطاً مصوراً له.

النهار اللبنانية في

26.01.2015

 
 

سينما "تحت الجلد" في "حضارة السلوك" الكبرى

عن افضل 10 أفلام في حصاد العام 2014 السينمائي

(1 من 2) بقلم صلاح هاشم

وصلني  في باريس مكتوب من مطبوعة عربية تطلب مني المشاركة في إستفتاء عن أفضل الافلام التي شاهدتها في عام 2014، وإختيار أفضل عشرة أفلام من بينها ، لأكتب - إن كنت أرحب - عنها.

هناك بالطبع - هكذا فكرت- عشرات الأفلام الجديدة التي شاهدتها، بل ومئات من الافلام التي التهمت - بنهم وشغف-  في المهرجانات السينمائية التي حضرتها ،وفي دور العرض الفرنسية ،وفي المكتبات العامة في فرنسا التي تخصص ركنا للأفلام الجديدة والأفلام الكلاسيكية، ولايمر يوم من دون أن اشاهد أكثر من 3 أو 4 أفلام.وفكرت قبل أن أرد، بخصوص الأفلام الجديدة التي خرجت للعرض التجاري لعام 2014 في فرنسا

 أن أبحث بداية عن الوشائج التي وثقت من علاقتي بالسينما ، من عند  قاعة عرض "سينما إيزيس" في حي السيدة زينب في القاهرة ، ولحد "سينماتيك "باريس الذي يعتبر أهم وأعظم " أرشيف " سينمائي في العالم، وبيني - حيث اسكن في باريس- وبينه خطوة.

عن ذلك النهم المعرفي والشغف بالسينما

هناك بالطبع مئات من افلام العام 2014 التي شاهدتها، بل "التهمتها" - أجل التهمتها ولاغرابة.حيث استشعر دائما في نفسي نوعا من "الجوع" الحقيقي تجاه تلك الافلام -من النوعين الوثائقي والروائي- التي تخبرنا دوما عن العالم، وتقربنا أكثر من إنسانيتنا ، وتجعلني هكذاالتهمها في التو. يجعلني أنا الذي أذهب الى الأفلام ،ولا أجعلها "هي" تأتي الي.

هذا الشغف المعرفي بمعرفة "صورة" العالم،  في مرآة السينما، ومد يد دوما الى الجاروالتوق الى فهمه و معرفته ، يساعد في جعلنا أكثر تسامحا مع الآخر ، ومع أنفسنا والعالم من حولنا.

فوظيفة السينما أيضا هي أن تجعلنا نعلي من قيمة "التسامح"، ضمن كل الفضائل التي يفاخر بها الإنسان. وظيفتها أن تجعلنا في كل لحظة أكثر ثقة بالعالم وأحلامنا وطموحاتنا، ونبذ  الخراب والدمار والشر، ولذلك فهي تستحق منا كل الكتابات العظيمة عن السينما.

ولا أعرف إن كان ذلك النهم الى السينما والتهامها، له صلة بالنشأة وطبيعة الحياة التي عشتها في  حي السيدة زينب، احد أفقر وأجمل وأعرق الأحياء الشعبية في مصرالتي تتسم بروحانيتها العميقة.

وهل لذلك صلة بالكتابة عن  السينما والأفلام، والانحياز دوما تلك "الحياة السحرية" التي نتخيلها- صورة "المدينة الفاضلة" - حتى لو كانت الأفلام بديلا قاصرا لما نطمح أن نكونه،ونتمثله، و..نحارب به أيضا "الظلم" في العالم.

 حين تتسامق الأفلام بشموليتها الفنية،ويصبح الفيلم أداة أو "سلاح" في معركتنا المتصلة والمستمرة، ضد النظم الشمولية، وقهرالإنسان في كل مكان، و ذلك "الوحش" الذي يسكن - تحت الجلد-  داخلنا.

وقد كان المخرج الامريكي الكبير ستانلي كوبريك  صاحب "سبارتاكوس" و"أوديسة الفضاء" و"بريق" shining  يقول عنه أنه يريد بكل الأفلام التي صنعها أن.. يروضه فقط.

كلنا "شارلي" في سينما إيزيس، وفي السينما "حضارة السلوك" الكبرى كما احب أن أسميها، وأطلق عليها.

فلا قيمة لأي مذهب لايعلمنا أن نكون احرارا، ولا بقاء لأية ايديولوجية، لاتؤمن بقدرة  "العقل" فقط على أن يختار بنفسه، ويدافع عن قناعاته، ولاقيمة لأية كتابة عن السينمالاتجعلها  في المحل الأول ممارسة لاقصي حرياتنا في أن نفكر ونبدع، ونشارك أيضا في ترويض ذلك "الوحش" الذي يسكننا ..

في " تحت الجلد " : " روبوت"  يجعلنا نعيد الإعتبار الى إنسانيتنا

ولذلك جاءت قائمة الاختيار التي اعددتها لأفضل عشرة أفلام من إنتاج عام 2014 تضم الأفلام التالية التي يتصدرها فيلم "تحت الجلد" الانجليزي بطولة النجمة الامريكية  سكارليت جوهانسون ومن إخراج جوناثان جلازر، وجاء الفيلم من نوع "أفلام الخيال العلمي ويذكرك من أول مشهد في الفيلم بفيلم "أوديسة الفضاء" للامريكي ستانلي كوبريك، جاء متضمنا لكل تلك القيم التي تحدثت عنها، ووثقت دوما من علاقتي بالسينما والكتابة عنها وعن أفلامها.

يحكي فيلم "تحت الجلد"  under the skin عن مخلوق أو كائن فضائي في صورة فتاة سمراء ساحقة الجمال تهبط الى كوكب الأرض، وتخالط  البشر، وتلعب دورها في الفيلم سكارليت جوهانسون، في أحد أفضل الأفلام التي مثلتها في حياتها. وربما تكمن القيمة الأساسية في الفيلم، أنه حول تلك الممثلة الفاتنة، مثل شقراوات هوليوود، اللواتي يكفي أن يظهرن فقط بجمالهن، مثل جريتا جاربو أو مارلين مونرو، كي ينجح الفيلم، ويحقق أعلى الايرادات على مستوى شباك التذاكر.

يجعلنا الفيلم  - تحت الجلد  - نبتهج لاكتشاف ان سكارليت هي أكثر من "جميلة" فحسب. يجعلنا نكتشف انها إضافة الى جمالها الساحق، ممثلة رائعة أيضا. ونكتشف ونحن نعجب بتمثيلها واداءها، ونتابع أحداث الفيلم، إنها ساحقة الجمال  ليس بشقرتها إن صح العبير، بل  بسمرتها أيضا، عندما تمثل دور شابة "سمراء" تسوق الرجال من البشر الى حتفهم، وتجعلهم

من فرط جمالها يتبعونها مأخوذين ومسحورين، ويغرقون في موت محقق.

 لكن المفارقة الكبرى في الفيلم، هي في انه يجعل ذلك الكائن الفضائي الروبوت من خلال رحلته على ظهر كوكبنا، يريد أن يغير جلده، ويصبح إنسانا.

يجعلنا الفيلم من خلال ذلك "الروبوت" الذي يطمح مثل كل البشر أن يكون له "قلب" ويحب، نعيد النظر في إنسانيتنا، ونتأمل في واقعنا، ونتألم لذلك الواقع المهمل العبثي الغث، وبكل ضغوطاته، الذي يحرمنا أحيانا من ممارسة أبسط حقوقنا، حتى لو كانت الاستمتاع فقط بشمس الحياة، ودفء الحب، وتوهج الحياة بكل جمالها في حضن حبيبة.. 

وللحديث عن فيلم "تحت الجلد" و"سينما تحت الجلد" في حصاد عام 2014 السينمائي.. بقية..

سينما إيزيس في

26.01.2015

 
 

مجدي الطيب يكتب ل "مصر المحروسة" من مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية

دقيقة حداد على روح العاهل السعودي في افتتاح الأقصر المصري الأوروبي

في لفتة طيبة تعكس عمق العلاقة بين الشعبين المصري والسعودي، والتأكيد على الدور "السياسي" الذي يلعبه الفن،والسينما على وجه التحديد،افتتحت الدورة الثالثة لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية مساء السبت بالوقوف دقيقة حداد على روح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود؛ وبعدها بدأت مراسم الحفل،الذي أقيم في بهو معبد الأقصر، وقدمته هنا شيحا، التي بدت مرتبكة بدرجة ما، لكنها نجحت،على أية حال،في الخروج بالحفل إلى بر الأمان .

عانى الحفل من الإفراط الشديد في الكلمات التي ألقاها المسئولون،وأثارت حالة من الضجر والملل لدى الحضور؛حيث  تحدث د.محمد كامل القليوبي رئيس مؤسسة فنون للثقافة والفنون المنظمة للمهرجان عن السعي الحثيث من إدارة المخرجان إلى إقناع رجال الأعمال في محافظة الأقصر لبناء دور عرض لخدمة أهالي المحافظة،ونوه إلى أهمية فيلم الافتتاح "زوجة الفرعون" (ألمانيا 1922) الذي يعرض المخرجان نسخته الوحيدة شبه المتكاملة،بعد ترميمها،بينما ألقى الدكتور علاء الدين عبد الوهاب كلمة هشام  زعزوع وزير السياحة،التي جاءت أشبه بالمقالة الصحفية،التي ؤكد على الدور الذي تلعبه وزارة السياحة في خجمة السينما،وناشد السينمائيين بالتصوير في المناطق السياحية،التي تعطي رسالة للعالم بأن مصر تعيش مجتمع الأمن والاستقرار، وهو أول من يعلم،وكذلك وزير السياحة،أن أجهزة الدولة،ومن بينها وزارة السياحة،تضع العقبات أمام تصويرالأفلام عندما تفرض رسوماً باهظة على أطقم العمل وشركات الإنتاج  !

بدوره ألقى محمد عفيفى أمين المجلس الأعلي للثقافة كلمة بالإنابة عن الدكتور جابر  عصفور وزير الثقافة اعتذر فيها عن عدم حضوره حفل الافتتاح بسبب ظروف خاصة واعداً بحضوره في حفل الختام،وأعلن مجموعة من المفاجآت السارة التي تعد الوزارة لتنفيذها على أرض الواقع في الأيام المقبلة،مثل إعادة النظر في وظيفة الرقابة،ودعم صناعة السينما،مؤكداً أن ثمة إرادة جديدة لكنه لم يقل إن كانت الإرادة ستستمر في حال التغيير الوزاري المقبل أم ستصبح إستراتيجية ثابتة للوزارة لا تتغير بخروج د.جابر عصفور من منصبه أو استمراره (!) أما محافظ الأقصر اللواء طارق سعد الدين فاكتفى بالترحيب بضيوف المهرجان،وأعلن افتتاح الدورة الثالثة للمهرجان .

لفتة رائعة أخرى تضمنها حفل الافتتاح تمثل في اختيار الفنان التشكيلي أدم حنين رئيساً شرفياً الدورة الثالثة،وألقى كلمة مؤثرة عن تأثير مدينة طيبة" ـ الأقصر ـ على تكوينه،وثقافته،وشخصيته الفنية بينما أكدت لبلبة أن جائزة تكريمها أعادت أمامها شريط ذكرياتها،وطفرت الدموع من عينيها،وهي تهدي 

الجائزة إلى روح والدتها .

كان الحفل قد شهد الإعلان عن إهداء الدورة الثالثة إلى فاتن حمامة،وتقديم أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الدولية بينما أعلن عن حضور المخرج الفرنسي الشهير إيف بواسيه في وقت متأخر من ليلة الافتتاح ليترأس اللجنة. وعقب انتهاء المراسم رشاهد الحضور الفيلم الألماني النادر "زوجة فرعون" (110 دقيقة) إخراج إرنست لوبيتش،ويدور حول ملك الحبشة الذي أراد أن يتحالف مع الفرعون المصري فأهداه ابنته ليتزوج منها لكن مشاكل تعطل إتمام العرس،ويغادر ملك الحبشة غاضباً ليشن حرباً ضد الفرعون والمصريين ! 

مصر المحروسة في

26.01.2015

 
 

لبنان.. من انقسام إلى انقسام

قيس قاسم

لفهم أفضل لمنجز المخرجة الكندية اللبنانية كاتيا جرجورة الأخير "لبنان من انقسام إلى انقسام" ومعرفة أسباب طغيان الأسلوب التلفزيوني "الصحفي" عليه كان لا بد من مراجعة سريعة لمسيرتها المهنية وأسلوب عملها الناجم عن تأثيرات دراستها للصحافة في جامعة كونكورديا وتختصصها بالدول العربية، ولعملها لسنوات كمراسلة لراديو كندا من لبنان، وكتاباتها عن المنطقة لصحف كندية. هذا الجانب "الصحافي" عندها له أثر واضح في شغلها السينمائي الذي يعتمد على المسح وتقديم المزيد من المعلومات للمتلقي دون تدخل مباشر منها، ويتجلى في؛ "نداء كربلاء" (2004)، "آخر معركة" (2006)، "وداعاً مبارك" (2011) وكلها لصيقة بالحرب وكأنها قد اختصت بهذا الجانب، حتى في أفلامها الروائية لم تبتعد عن هذا الهم السياسي وظهر في باكورة أعمالها "بالروح بالدم" عام 2009. على خلفية منجزها السينمائي وطبيعة فهمها للوثائقي يمكن قراءة "لبنان من انقسام إلى انقسام" الطامح بدوره لقراءة واقع لبنان بعد الحرب الأهلية السورية وتداعياتها عليه.

لا تخفي جرجورة تشاؤمها من مستقبل البلد، الذي كُتب عليه وفق ما يُدونه تاريخه الحديث وتعيد تقديمه في فيلمها، ومن احتمال دخوله حرباً أو صراعاً مسلحاً جديداً من الصعب تجنبه لكونه إفرازاً منطقياً لطبيعة التركيبة السياسية وتمظهراتها الطائفية المشجعة على الدوام لظهور تيارات من داخلها لا تجد حلاً لخلافاتها مع الآخر إلا بالسلاح، وهذا ما يفسر المشهد الأول من الوثائقي وتظهر فيه مجموعة من الطائفة الشيعية تُشيِّع قتيلاً لها بهتافات غاضبة مُحمّلة بدلالات من الموروث الشيعي ومخلوطة بهدير الرصاص المتعالي.

تُجري كاتيا مسحاً للتاريخ والسياسة من خلال توثيق ما خلّفته الحروب الأهلية من دمار على جسد العاصمة بيروت على مدى عقود. فبعض جروح بناياتها تعلن حتى اليوم أن حرباً أهلية قد جرت هنا قبل خمسة وعشرين عاماً وآثارها في نفوس اللبنانيين لم تنتهِ بعد، ولن تنتهي مادام النظام السياسي للبلد قد تأسّس ومنذ البداية على أساس طائفي، كرسه اتفاق عام 1943 وصار مثل القدَّر؛ رئيس الجمهورية ماروني، رئيس الوزراء سني مسلم والبرلمان للمسلمين الشيعة. هذه التشكيلة السياسية العاكسة لحجم الطوائف الكبيرة ومصالحها ستكون على الدوام سبباً قوياً لنشوب حروب أهلية جديدة الغالب فيها يتحدّد وفق متغيرات سياسية داخلية وتأثيرات خارجية قوية، وما تُقدمه جرجورة في وثائقيها من شروحات وافية عن اللحظة الراهنة التي يسيطر فيها "حزب الله" عملياً على مقاليد السلطة السياسية في البلاد يعزز رؤيتها إلى القادم من الأيام.

قبل دخولها مدينة طرابلس التي ظهرت في فيلمها كـ"مختبر" حيوي لتفاعلات المشهد السياسي، راجعت بدايات الصراع السياسي المسلح الذي تشهده الجارة سوريا وكيف انعكس منذ بروزه عام 2011 على الأوضاع الداخلية اللبنانية وأدى تدخل "حزب الله" المباشر فيه إلى شدّ أوتار التحزب المذهبي بشدة باتت تُهدِّد السلم الأهلي الهش في البلاد. في طرابلس يتكثف الصراع بين المؤيدين لبشار الأسد ومعارضيه وينعكس بأشكال مختلفة على عموم لبنان الذي يشهد بدوره تصادماً بين مشاريع دول المنطقة، إيران والسعودية على الخصوص، واستثماراً من قبل المنظمات الاسلامية المتطرفة التي تريد الاقتراب من الحدود اللبنانية عبر تغذيتها مخاوف "السنة" من هيمنة "شيعية" وجرهم البلاد إلى أُتون حرب لا مصلحة لهم فيها. تستعيّن جرجورة في رسم المشهد السياسي في لبنان وبخاصة ما يجري في منطقتي جبل محسن وباب التبانة في الشمال بسياسيين وخبراء أمثال؛ رومان كاييه الباحث والمستشار في القضايا الإسلامية، ولقمان سليم الخبير السياسي وزياد ماجد أستاذ تاريخ الشرق الأوسط إلى جانب النائب عن تيار المستقبل أحمد فتفت وإمام السنة أحمد عسير والعلامة الشيعي الراحل هاني فحص إلى جانب مطران زحلة وعصام درويش ثم تقوم، على ضوء ما يقدمه هذا الحشد من مادة بحثية قيمة تعزز من مصداقية صورتها ومن موضوعية قراءتها ذات الطابع "الصحفي"، بالدخول التدريجي إلى عمق الأزمة التي تضع البلاد على مشارف حروب متوقعة. قوة حجج وتشبث كل طرف بمواقفه يقوّي نظرية احتمال ظهور صراع مسلح جديد في لبنان والذي يتخذ هذه المرة طابعاً إسلامياً لأن بقية القوى السياسية المسيحية قد توزعت على جبهاتها وتخندقت معها.

تسجل كاتيا ظهوراً واضحاً لرجال دين من الطائفة السنية يطالبون علناً بتسليح شبابهم "دفاعاً" عن النفس، وهو شعار سيستخدمه أيضاً غلاة "حزب الله" لتبرير تدخلهم في الجوار السوري. أهم ما يسجل لجرجورة في ملاحقتها لما يجري في طرابلس قدرتها على عرض درجة الاحتقان وارتفاع منسوب الكراهية بين الأطراف المتصارعة هناك، مع شدة حرصها على ربط السياسي بالاجتماعي وبخاصة تسجيل مستويات الشعور المتنامي عند السنة بتقليص حجمهم السياسي ومعاملة القوة المتنفذة على الأرض بقوة السلاح لهم كمواطنين من الدرجة الثانية ما يزيد باستمرار من إحساسهم بالمظلومية، والذي يعكس داخله تحولاً شديداً في الموقف من حزب الله الذي بدأ بخسارة شعبيته التي حصل عليها خلال حرب تموز 2006، وهذا ما سيدفعه للتعامل مع بقية الأطراف على أنهم خصوم يريدون الإيقاع به. عودتها إلى اجتياح الحزب لمدينة بيروت قبل سنوات يأتي في إطار رغبتها في رسم المشهد اللبناني الداخلي بعناية: "حزب الله" المدعوم من إيران يسيطر عملياً على مقاليد الحكم دون ادعاء ذلك والتشدُّد السني يتصاعد عبر دعم المعارضين للرئيس بشار والسماح لهم في الدخول إلى لبنان من بوابات كثيرة من بينها اللاجئين السوريين.

تعطي لوجود اللاجئين في المناطق الحدودية المتاخمة للبقاع قسطاً وافراً من فيلمها إيماناً منها بأهمية الإحاطة به كعامل جديد يُحفِّز على التوتر الداخلي لأن سكان المنطقة وأغلبيتهم من الشيعة يشعرون بأن وجود السوريين الهاربين بين ظهرانيهم يشكل خطراً عبر تسريبهم المسلحين المتشددين وهذا ما يفسر حرص صاحبة العمل على تناول ظاهرة السيارات المفخخة التي دخلت الى معاقل حزب الله وما رافقها من تغذية مخاوف القوى المسيحية والدولة من خطر الإسلام المتشدد والذي تبلور بشكل صارخ منذ سيطرة "داعش" على مساحات كبيرة في العراق وسوريا. لا تغفل جرجورة معاناة اللاجئين وبحصافتها الصحفية والسينمائية تسجل تفاعلات وجودهم بين اللبنانيين والمنافسة الحاصلة بين الطرفين على فرص العمل ناهيك عن المزاج العدائي والعنصري ضدهم والذي يؤطر بدوافع الخوف من القادم معهم.

على مستوى ثانٍ وفي طرابلس يستثمر المتشددون من وجود واقتراب "النصرة" و"داعش" لتشجيع شبابهم على رفع نبرة أصواتهم عالياً ضد "حزب الله" الذي يجد نفسه مضطراً للتعامل بشدة مع كل ما يُهدِّد وجوده ومكاسبه السياسية، ويزيد من اندفاعه الذي يخسر فيه كل يوم عشرات من مقاتليه إلى درجة يبدو فيها متورطاً في مستنقع جرّه الإيرانيون إليه وظّلوا بعيدين عنه. فتدخل "حزب الله" في سوريا، كما يظهر من خلال أحاديث المحللين، يشبه إلى حدٍ ما التدخل الأمريكي في فيتنام، ما يزيد من قلقه وعصبيته واللذان سيفضيان حسب قراءة الوثائقي إلى مأزق سياسي يجعل البلاد ومستقبلها مفتوحاً على كل الاحتمالات وأشدها شؤماً.. الحرب. عند هذه النقطة يقف الوثائقي متأمِّلاً حصيلة ما جمع وكلها تفضي إلى ذات النتيجة: لبنان منقسم دوماً ومقبل اليوم على انقسامات جديدة وربما صراعات وتمزقات عرضت أطرافها كاتيا جرجورة في عمل ثلثه الأول غلب عليه النفس الصحفي والزمن المتبقي منه وثائقي خالص يصلح للتلفزيون وهذا لا يقلل من أهميته بل يضعه في الإطار المناسب له.  

الجزيرة الوثائقية في

26.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)