كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

من دفتر الناقد: أمتع لحظات 2014 السينمائية

أحمد شوقي يكتب لـ«سينماتوغراف»

 

خلال عام 2014، وبين قاعات السينما والمهرجانات العالمية والعربية والمحلية، وشاشة المنزل والإنترنت، شاهدت 185 فيلما طويلا جديدا، بالإضافة إلى 401 فيلم قصير. ساعات وساعات انقضت أمام الشاشات، من بينهما دائما لحظات لا تُنسى، أدونها بتواريخها دائما حتى تظل في الذاكرة. وخلال العام المنقضى، كانت هذه هي أمتع اللحظات السينمائية.

3 ينايراندفاع

كان من الحظ الحسن أن أفتتح مشاهدات العام بواحد من أفضل وأمتع الأفلام التي شادتها خلال الأعوام الأخيرة. «اندفاع» أو «Rush» لرون هوارد، الفيلم الذي يوهم من لا يعرف أنه مجرد فيلم رياضي آخر عن سباقات السيارات، قبل أن يدرك أنه أكثر من هذا بكثير، لا سيما لو كان كنت من محبي الرياضة على أرض الواقع، لتشاهد الصراع الرياضي الكلاسيكي الأشهر على الإطلاق مجسدا على الشاشة في حكاية نيكي لاودا وجيمس هانت بطلي سباقات الفورمولا وان.

بيليه ومارادونا، شيكابالا وأبو تريكة، وكل أشكال الصراع الأزلي بين المهذب المجتهد مازج الموهبة بالتدريب، وبين الموهوب البوهيمي الذي يخرج عن النص بنفس قدرته على الإبهار وخلب العقول. أفضل ما في الفيلم أنه لا ينتصر لنموذج من الاثنين، ويقدم الحقيقة التي يرفضها محللو البرامج الرياضية وجمهور الدرجة الثالثة: كلاهما عظيم، متصالح مع نفسه، يمارس اللعبة من زاويته الشخصية. كلاهما جدير بالحب والاحترام، وهو تصالح لن يدركه إلا من يعرف جوهر التنافس الرياضي الحقيقي.

تتابعات السباق الختامي للموسم، وسط الأجواء الكابوسية الموحية بكارثة آتية في الطريق، على العكس تماما من معظم الأشكال السابقة لتقديم مضمار السباق على الشاشة، تظل واحدة من أمتع لحظات العام السينمائية.

14 يناير: 12 عاما من العبودية

الفيلم الذي شغل ذهني لأطول فترة في 2014، شاهدته في الأسبوع الثاني من العام ولم أكتب عنه إلا في بداية أكتوبر، بعد إعادة مشاهدة لفيلمي المخرج ستيف ماكوين السابقين «جوع» و«عار»، واللذين جاء بعدهما «12 عاما من العبودية» أو «12 Years A Slave» ليكمل ثلاثية من نوع خاص، يطرح فيها المخرج بثلاثة حكايات في أزمان وأماكن مختلفة، هما إنسانيا أصيلا هو العلاقة المعقدة بين الجسد والروح، وكيف يمكن لإنسان أن يعيش صراعا تختبر فيه صلابة روحه في مواجهة القدرات المحدودة للجسد البشري.

 نفوس البشر تتباين، ولكن جسد البطل والشهيد لا يفرق كثيرا عن جسد أي لص حقير، كلاهما محاصر بالهواجس الثلاثة المخيفة التي طرحها ماكوين تباعا: الحاجة والرغبة والألم. الحاجة كانت عدوا بطلا «الجوع»، والرغبة حطمت حياة بطل «العار»، قبل أن يأتي سولومون نورثوب بطل «12 عاما.. » ليواجه الهاجس الأكثر وحشية. «الألم» الذي يجعل الإنسان يوافق أن يعود لنقطة الصفر أو تحتها بقليل، يتوقف عن المطالبة بحريته التي يستحقها، ويخبئ حقيقة كونه قادرا على القراءة والكتابة، بل ويوافق على تغيير اسمه نفسه، فقط ليحافظ على وجوده المادي، وحماية جسده من التمزق ألما بسياط النخاسين والسادة البيض المؤمنين بأن الزنوج هم عبيدهم وممتلكاتهم التي يحق لهم التصرف فيها كما يحلو لهم.

هو أكثر فيلم عظيم تناوله المحيطون باستخفاف، تعلق تحديدا بأقوى عناصره: السيناريو، تلك الحكاية المفزعة عن خروج الروح دائما خاسرة عند أي صدام تخوضه مع قدرات الجسد.

9 فبرايردرب الصليب

هذه متعة لن أنساها ما حييت: صباح اليوم الأول لي في مهرجان برلين الذي طالما حلمت بحضوره، الفيلم الأول الذي أشاهده في قصر البرلينالي، ليأتي عملا عظيما يستحق بشكل مجرد وبدون أي ظروف مساعدة أن يظل محفورا في الذاكرة.

«درب الصليب» أو «Stations of The Cross»، وهي الترجمة الصحيحة وليست دروب الصليب كما يشاع بين النقاد العرب، فهو مصطلح لرتبة طقسية كنسية. الدرب مكون من محطات، 14 محطة تحديدا تروي مراحل عذاب المسيح من الحكم بموته فصلبه وحتى وضعه في القبر. اختار المخرج الألماني الشاب ديتريش بروجمان هذا الطقس كإطار سردي لحكايته عن التطرف الديني: فيلم مكوّن من 14 مشهدا، يحمل كل منها عنوانا لإحدى خطوات درب الصليب، على أن يكون كل مشهد مكونا من لقطة واحدة طويلة، ليكون الفيلم في النهاية عبارة عن 14 لقطة سينمائية فقط.

الاختيار نظريا غارق في أمرين، الذهنية والشكلية، فهو قائم بالأساس على خيار ذهني بحت هو تحويل مراحل الدرب لمشاهد، عبر خيار شكلي بحت هو المشهد أحادي اللقطة. خياران كفيلان في أي حالة أخرى لتحويل الفيلم لتجربة سينمائية خالية من المشاعر الحقيقية. لكن بروجمان تمكن من تحويل صياغته الخاصة إلى عمل فائق الإمتاع، قادر على الجذب من الدقيقة الأولى، مدهش في بنائه وتركيبه وعمقه الفكري. عمق تجسد فيه البطلة الصغيرة حال كل من يشوهه التطرف، حتى لو كان طيب القليب سليم النية. عمل لا يشبه إلا نفسه، وهي نوعية نادرة الوجود.

13 فبرايرصبا

في البرلينالي أيضا شاهدت تجربة ريتشارد لينكلاتر البديعة والفريدة «صبا» أو «Boyhood»، الفيلم الذي تم تصويره على مدار 12 عاما كاملة، ظل المخرج خلالها يقوم كل عام بتصوير بعض مشاهد لحكاية ممتدة، ترصد في مشاهد روائية فترة طفولة وصبا طفل وطفلة من عائلة أمريكية.

المدهش في الفيلم هو تفكيرك في تكوين شخصيتي الطفل والطفلة اللذين لعبا دور الأبناء، وقضيا مراحل تشكيلهما النفسي بينما تعيش داخلهما ـ حرفيا ـ شخصية أخرى، تخرج من حين لآخر لتؤدي دورها أمام الكاميرا. وبينما يعود المخرج ليمارس عمله ويصنع أفلامه، كانت شخصيتي ماسون وسامانتا تكبران وتتطوران داخل الموهبتين الصغيرتين، في خبرة يصعب الإمساك بحدود تأثيرها عليهما.

حميمية التجربة جعتلني كمشاهد أشعر للحظة داخل الفيلم بشعور لم أعتده، وهو أني أشاهد شيئا لا يفترض أن أشاهده، أشاهد جزءا حقيقيا من حياة أفراد، يحمل من الزخم والحراك الداخلي قدرا يوازي خوائه السطحي من الشكل التقليدي للحدث والدوافع الدرامية، حياة حقيقية مكانها خلف جدران المنازل وليست على شاشات السينما، وهو شعور حقيقة مربك حتى لمن اعتاد مشاهدة أكثر الأفلام شططا، لكنه إرباك ممتع ومغلف بمذاق غير معتاد.

21 مارسبستاردو

محسن باستاردو، طفل لقيط يكبر في حي عشوائي مغلق يحكمه جزار أشبه بالفتوة، ويدخل صراعا لتغيير موازين القوة في الحي مع لرنوبة، ابن الفتوة والحاكم الجديد للحي، والذي يتناقض شكله وتصرفاته المخيفة، مع كونه طيب القلب محبا للأرانب التي صار اسمه مقرونا بها. وبين الرجلين تقف بنت السنجرة، الفتاة التي يجتمع حولها الحشرات أينما ذهبت، والتي تحب باستاردو وترغب فيه، لكنها في نفس الوقت تمارس الجنس مع لرنوبة صاحب السلطة والمال!

هذا المزيج الغريب من الشخصيات هو سمة تكاد تجعل المخرج التونسي نجيب بلقاضي صانع أفلام فريدا من نوعه في منطقة اعتادت تقديس الواقعية بتنويعاتها، ليأتي نجيب منذ فيلمه الأول «VHS كحلوشة» بمعادلات جديدة، كلمة السر فيها هي القدرة على رسم عوالم خاصة تجمع بين الفانتازيا والخيال الجامح في شكل الشخصيات وعلاقاتها، وبين ارتباط هذا العالم الفانتازي الوثيق بالواقع.

الوحشية في عالم الفيلم، البشر كالحيوانات على الصعيدين الرمزي والفعلي، حس السخرية العام وهوان كل شيء: الممتلكات والأرواح هينة عند الشخصيات، والشخصيات نفسها هينة عند المخرج. عبثية تليق بفيلم يبقى في الذاكرة.

7 يوليوتحت الجلد

عمل مدهش بصريا، يأخذ فيه المخرج جوناثان جلازر يدك، ليدخلك معه إلى عالم من الهواجس السمعية والبصرية، عالم متخلص من تعقيدات الحكي الكلاسيكية، اختار صانعه أن يقدم معالجة لرواية، فيجردها من كل ما فيها من تفاصيل، ليكتفي فقط بخط عام لفضائية تأتي للأرض لامتصاص أجساد الرجال، فتدخل في مشكلة وجودية تتعلق بتكوينها وهويتها. حكاية غريبة، والأغرب منها اختيارات الصورة: مشاهد المخبأ المجردة من الزمان والمكان والمرجعيات البصرية المعتادة، ومشهد الرجل المشوه الذي زرع أول بذرة للإنسانية في نفس الفضائية الجميلة.

هو فيلم كابوسي بامتياز، حوّل مخرجه مدينة جلاسجو الاسكوتلاندية إلى مسرح للخوف الحقيقي وليس خوف الأفلام المعتاد، خوف الوحدة والضعف والحاجة لأنيس تكون نهايتك بيديه. لقطة الرضيع المتروك وحيدا على الشاطئ بعد أن غرق والداه في البحر الهائج، بالتناقض بين ضعفه وهشاشته، وبين غضب العالم المحيط به، هو كابوس ظل يطارد ذهني لأيام.

13 سبتمبرعمر

أبرز ما يميز سينما هاني أبو أسعد بشكل عام هي استيفاؤها لشرطي الإمتاع والتفكير، فهي من جهة سينما تطرح فكرة مهمة تتعلق عادة بالقضية الفلسطينية التي صار المخرج أبرز المتحدثين عنها سينمائيا، ومن جهة أخرى أفلام ممتعة للمشاهدة بعيدا عن أي حسابات فكرية. «عمر» يتحقق فيه هذا الشرط بوضوح، فيلم يرسم مأساة شكسبيرية كلاسيكية في سياق معاصر، عن انعدام اليقين حتى في أمور يفترض أنها بسيطة ومحسومة لكنها بالطبع ليست كذلك.

عمر الشاب الذي يحاول أن يناضل ضد الاحتلال كمعظم بني وطنه يجد نفسه في مأزق إنساني مخيف، فمن السهل تخيل الشك في خيانة الآخرين، لكن من المرعب أن يشك الإنسان في ذاته، ألا يعرف يقينا إذا ما كان بطلا أم خائنا. عمر هو صورة سينمائية لموقف سياسي واجتماعي يزداد تعقيدا كل يوم، وتتشعب فيه درجات الحقائق الرمادية بعدما كان قبل نصف قرن بالأبيض والأسود. «عمر» فيلم ممتع عن قصة حب وصراع قوى، لكنه في نفس الوقت فيلم مشحون بموقف إنساني نبيل من ضعف الإنسان في مقابل مزايدات السياسيين.

19 سبتمبرجزيرة الذرة

يلتقط جورجي أوفاشفيلي ظاهرة طبيعية نادرة ليحولها لدراما بصرية بديعة. الظاهرة هي الجزر التي تظهر في النهر الفاصل بين جورجيا وأقليم أبخازيا لعدة شهور سنويا في موسم انحسار النهر، ليتجه إليها بعض المزارعين ليعيشوا فيها خلال هذه الشهور، يزرعون الذرة ويحصدونها، قبل أن تهطل الأمطار ويأتي الفيضان لتختفي هذه الجزر من الوجود تماما، حتى تمر الشهور وتعود الكرة مجددا. هذه المرة لم تسر الأمور بصورتها المعتادة للمزارع العجوز بطل الفيلم وحفيدته، بفعل قوى بشرية متمثلة في الدوريات الحدودية التي تشغل المنطقة المليئة بالقلاقل السياسية، وقوى طبيعية أزلية هي الطبيعة الباطشة، بكل عنفها وجبروتها الذي لا يقف في وجهها شيء.

فيلم «جزيرة الذرة» أو «Corn Island» يربط بصريا الرجل بالأرض، التي يمد يده في ترابها ويبذر فيه جهده وعرقه وروحه ليزرع فيه الحياة. صورة تقليدية للعلاقة بالجذور، لكن الجديد هنا أن هذه الجذور هشة يعلم الجميع مسبقا أنها لن تبقى، حتى لو لم يأت الجنود ولم تهب العاصفة، ففي النهاية الجزيرة محكوم عليها بالغرق والرجل محكوم عليه بالرحيل. حقيقة مقبضة تجعل الأمر يتخطى حدود الرمز الكلاسيكي ليصبح ممثلا لحياة البشر على وجه الأرض، المليئة بالشقاء والجهد من أجل العيش، بينما يعلم الجميع أن كل هذا إلى زوال. ولا يوجد ما هو أبدع من مشهد النهاية، الذي تهدأ فيه العاصفة بعد رحيل الرجل وحفيدته، وتبدأ الجزيرة في الظهور من جديد، ليصل إليها مزارع آخر، يدب يده في ترابها، يخرج دمية الحفيدة التي دفنتها العاصفة، ويمسكها ليبدأ دورة جديدة من العبث.

5 أكتوبرالمؤتمر

لو كان هناك مشهد واحد سيعيش في ذاكرتي من العام كله، فسيكون مشهد وقوف الممثلة روبن رايت في دائرة مكونة من مئات الكاميرات تلتقط كل ملليمتر فيها بكل انفعالاتها، كي تحولها لنسخة رقمية تستخدمها الشركات في صناعة أفلام لا تملك حق الاعتراض عليها. فشلها في الالتزام بخطوات عملية المسح، تدخل وكيلها هارفي كيتل وحكايته عن ماضيه ومتاجرته بالتشوهات ـ وهل التمثيل إلا شكل من أشكال التشوه؟ ـ تفاعل روبن وتساقط دموعها الممزوجة بالضحك. هذا مشهد عظيم يصعب أن يخرج من نفس كل من يشاهده ويفهم ما وراءه.

بخلاف المشهد المذكور، يقدم «المؤتمر» أو «The Congress» سببا جديدا لحب سينما المخرج الإسرائيلي أري فولمان، المشبعة بالخيال القاتم، اللقطات الحية قوية التأثير المختلطة بالرسوم المتحركة البدائية. هذه المرة في حكاية عن عجلة التكنولوجيا التي صارت واقعا رغم عن كل الأنوف، عجلة إن لم تقفز فيها ستسحقك تحتها. وسواء قفزت أو سُحقت، تظل السعادة حلما بعيد المنال.

17 أكتوبرزينيا

لحظة مثالية لسب الرقابة، وقبلها العقلية المحافظة المسيطرة على الثقافة المصرية الحالية. هذا فيلم كنت أحلم بعرضه في مصر لكنّي اضطررت لتجاوزه من تلقاء نفسي لعلمي أنه من المستحيل أن يحصل على تصريح بالعرض، ليس لأنه فيلم دموي أو يروج للعنف والعنصرية كعشرات المواد التي تبث يوميا في كل مكان، لكن لأن بطله ليس من النوع الذي يرضى عنه المصريون: شاب مثلي في السادسة عشرة من عمره.

«Xenia» للمخرج اليوناني بانوس كوتراس، حكاية مؤلمة عن عقدة الأب، عن أخين يعانيان اغترابا مزدوجا، تارة لأنهما من أصل ألباني يلقيان تلقائيا معاملة من الدرجة الثانية، وتارة لأن والدهما اليوناني تركهما وهرب، ليصبح مجرد حلم في ذهن الصبي، حلم لصدر مشعر كان يوما ما يساوي الأمان المفقود.

عبقرية الفيلم في تشوش شخصية الابن الأصغر عقليا وجنسيا، في اختلاط بحثه عن علاقة ببحثه عن أب، بالعبثية التي يعيش بها في عالم لم يشعره للحظة بالاحتضان، في تعبيره بموتيفات قد تبدو نظريا مقززة عن مشاعر رقيقة يمكنها أن تمرر أي شيء. فيلم لا يجب أن يعرض إلا في مكان يحترمه ويحترم الإنسان.

25 أكتوبرحمامة جلست على غصن تتأمل في الوجود

في عصر ما بعد الأساطير السينمائية والمدارس الجديدة، لا يزال العالم يضم عددا محدودا جدا من أصحاب البصمة الخاصة، الذين يقدمون سينما تعد بشكل ما اختراعا أو إضافة لطرق توظيف اللغة السينمائية في صياغة فيلم سينمائي. أحد هذه الأسماء المعدودة هو المخرج السويدي روي أندرسون، والذي ختم هذا العام ثلاثيته في الألفية الجديدة بفيلم غريب الاسم، بديع الصنع، نال من التقدير ما يستحقه.

أندرسون العجوز السبعيني يقدم حكمة السنوات ونظرة خاصة عن الموت الذي يعيشه البشر كل يوم في حياتهم الخاوية والاعتيادية، بينما يعتقدون أنهم يقابلونه في نهاية أعمارهم فقط. حكايات تتزواج فيها الكوميديا بالسوداوية بالإعداد البصري المتقن، وتسرد بشكل حداثي ينحو في بعض مناطقه للفانتازيا، مأزق الخواء والموت عندما يصبح حدثا يوميا عارضا، لا على طريق الدول المنكوبة التي يسقط منها موتى بالمئات، ولكن على الطريقة الاسكندنافية الباردة، التي يمثل فيها الركود والرتابة صورة أكثر قسوة للموت. لتكون النتيجة عمل غير اعتيادي على الإطلاق، قد يجد البعض صعوبة في هضمه، ولكن من يتمكن من ذلك سيظل فترة طويلة يشعر بالشبع.

26 أكتوبرذيب

الإنجاز الأكبر للسينما العربية في 2014، ليس لأنه صاحب التتويج الأهم «أحسن مخرج من مسابقة آفاق في مهرجان فينيسيا»، ولكن لأنه عمل ذو قيمة سينمائية مكتفية بذاتها، صاغ فيه المخرج ناجي أبو نوّار حكاية ممتعة على صعيدها الخارجي: ويسترن سباجيتي في الجزيرة العربية، رحلة يخوضها الطفل البدوي ذيب يواجه فيها مخاطر أكبر بكثير من تصوره، والأهم هو قيمة الحكاية على صعيدها النفسي والتاريخي: هذه قصة مكان يعيش ثورة تغيير، يمثله ذيب الذي لم يكن من الممكن أن يتفادى مصير عالمه حتى لو أجل تعرضه لهذا المصير.

وكما هي الحال في أي تحول مفصلي يكون أكثر المتضريين هم أصحاب المكان، وهم هنا البدو الذين أوجدوا صيغة تفاهم تاريخية مع الطبيعة، فلم يخرقوا الاتفاق أو تخرقه الجزيرة، لكن الغزاة الآتين من الخارج أجبروهم على التواجد داخل صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل. طرح كهذا من الممكن أن يحول أي فيلم لثرثرة ثقافية فارغة، لكن المخرج الشاب يحوّل هذا التغيير إلى أسطورة تدور أرجاءها في موقع سينمائي بكر، لم يتم استغلال ماضيه وحكاياته من قبل بالشكل الأمثل حتى جاء أبو نوار ليغير المعادلة.

28 أكتوبربيات شتوي

في حديث سابق أجراه بعد فيلم «حدث ذات مرة في الأناضول» اعترف التركي نوري بيلجي جيلان أنه لا يحب المشاهد الحوارية، ويخاف من تنفيذها، لذلك يحاول أن يجرد أفلامه منها. اعتراف ظل في الذاكرة، حتى سمعت عن حصول فيلمه الجديد «بيات شتوي» على سعفة كان الذهبية، ثلاث ساعات ونصف تدور في فندق بأحد الجبال التركية، فكان من الطبيعي أن يكون التوقع هو فيلم شعري تأملي، يمزج الدراما بالطبيعة كعادته وعادة الموجة التي كان جيلان أهم مطلقيها في تركيا.

لكن عندما حانت فرصة مشاهدة الفيلم في أبو ظبي كانت المفاجأة بأنه أبعد ما يكون عن التوقعات المسبقة. فيلم حواري بحت، ثلاث ساعات ونصف من الحوار الشيق والذكي والمحمل بعشرات الأفكار والتفسيرات، عن الوحدة والعزلة، عن الثروة الصغيرة وفسادها، عن شروخ الأخوة والزواج. أفضل ما في العمل هو كيفية استخدام أداة الحوار التقليدية في خلق شحنات عاطفية بصورة غير تقليدية، جيلان يقدم «مسرحية شديدة السينمائية» إن جاز لنا الوصف. هذا فيلم من الطراز الثقيل، فيلم من أفضل أفلام العام والأعوام السابقة.

29 أكتوبريومان وليلة

المبهر دائما في سينما الأخوين داردِن هو قدرتهما العجيبة على صناعة أفلام عظيمة بأقل تكلفة ممكنة. فيلم «ملتزم» بالمعنى الاجتماعي للكلمة دون أن يفقد سينمائيته، يتحرك اعتمادا على سيناريو محكم يتصاعد بوتيرة لاهثة، مقترنا في نفس الوقت بتطور الحالة النفسية لشخصية البطلة التي تجسدها ماريون كوتيار بأداء مبهر، وبما تكشفه الحكاية من فساد وانعدام للعدالة الاجتماعية في المستوى الذي ينتمي إليه العاملون في المصنع، انعدام يضعهم رغما عنهم في تجربة عسيرة للاختيار بين الإنسانية والقوت، فحتى من يرفض مساعدة البطلة ويهددها، هو في النهاية مجبر على التمسك بالأمل الذي بدا له في حياة أفضل ولو قليلا. تفهم المشاهد لمواقف من يفترض أن يكونوا «أشرار الفيلم» هو أنبل ما تمكن جان بيير ولوك داردِن من تحقيقه في فيلمهما.

10 نوفمبرزي عود الكبريت

مفاجأة العام السارة، فيلم غير متوقع على الإطلاق، فوجئ الجميع بوجوده دون معلومات سابقة عن التحضير عنه، ليكتشفه مهرجان القاهرة، ونكتشف معه أن حسين الإمام اختار قبل رحيله أن يكون أول من يرثي نفسه، ويحتفي بمسيرته على طريقته الخاصة العابثة، يمزج لقطات من أفلام والده حسن الإمام، بلقطات صورها خصيصا لتوضع فتجعل للمشاهد القديمة معنى آخر عبثيا.

تاجر المخدرات يحتار كيف يقوم بتصريف بضاعته، فيختار بين الفتيات الثلاث العاملات في الملهى الذي يمتلكه، أنيسة (ماجدة الخطيب)، لولا (هند رستم)، وليلى (فاتن حمامة). عماد حمدي يتحول بفعل ألاعيب الحوار والمونتاج إلى قاتل محترف، ويتغير مسار حوار عصابي يجريه محمد صبيح عبر الهاتف إلى نقاش حول ضروره قيامه بتغيير البنطلون والكلسون بعد أن «عمل على نفسه» من الرعب!

حسين الإمام الذي كان كتلة من البهجة والسخرية والسعادة تمكن من توديع العالم بصورة تليق به، أما نحن فاستمتعنا بفيلم من نوع غير معتاد إطلاقا في السينما المصرية.

11 نوفمبرباب الوداع

«هناك أشياء ثلاثة يمكن القيام بها مع امرأة، أن تحبها، أن تعاني من أجلها.. أو أن تحيلها إلى مادة للأدب». عبارة لورنس داريل توجز باقتدار إنجاز المخرج كريم حنفي في فيلمه «باب الوداع»: تحويل الهم الخاص جدا إلى مادة للسينما الجميلة، علاقة مركبة بالأم بين الحب والخوف والاحتضان والمعاناة، تتحول إلى فيلم بصري من الطراز الثقيل، الدراما فيه ساكنة سكون من يشتعل في مكانه، وهذا وصف يصعب على الكثيرين تقبله، تماما مثل الفيلم الخلافي الذي انقسم الرأي حوله بين سعيد وكاره.

صورة العروس الصغيرة التي طالما ما شاهدناها في طفولتنا، التي يفترض أن تكون لعبة أطفال جميلة، لكن رداءة صنعها تحولها لمسخ صغير مخيف. صورتها وهي محبوسة في الخزانة وشريط الضوء يمزق وجهها لنصفين، هما أحد كوابيس العام السينمائية، كابوس ثلث قوته فقط آت من الفيلم، وثلثاه من ذاكرة بصرية يشاركنا المخرج في الكثير من تفاصيلها. ربما يعني هذا أن الفيلم موجه لمجموعة محدودة من البشر، لكنّي أؤكد أني واحد من هذه المجموعة.

1 ديسمبرمامي

أغرب ما يميز المخرج الظاهرة زافيه دولان هو مزج سينماه ـ نعم الشاب ذو الخمسة وعشرين عاما صار لديه سينما خاصة جدا ـ بين نقيضين: جديد الابتكار وثقة الخبير. دولان يجرب ما يحلو له، يخترع لغته السينمائية الخاصة، لا يلتزم بأي شيء قياسي، لا زمن الفيلم ولا شكل سرده ولا حتى حجم الكادر المعتاد الذي يتحول في «مامي» إلى مربع صريح. يستخدم مشاهد فوتومونتاج على أغنيات بكثرة تسيء لأي فيلم آخر، باختصار يفعل كل شيء يمكن في الظروف الطبيعية أن يحول الأفلام لكارثة، لكن من قال أن هذا شخص طبيعي؟

هذا صانع أفلام موهوب حقا، موهوب لدرجة أنه يمارس كل هذه الخيارات الغريبة والجديدة بثقة متناهية وإتقان نتيجته ثلاث ساعات أو أكثر من الدراما، دراما نفسية ثقيلة لا تعرف كيف تمكن من وضعها شاب في مثل عمر دولان. لكن مجددا دراما كهذه تحتاج إما لخبرة حياتية كبيرة أو لموهبة استثنائية، وهو لديه الثانية.

10 ديسمبرفينيكس

آخر مفاجآت العام السارة من الألماني كريستوفر بيتزولد في فيلم يختلف عن التصورات المسبقة. فيلم بعنوان «العنقاء» عن امرأة يهودية تنجو من معسكرات اعتقال النازي، لا يوجد أكثر من هذا ليمنحك تصورا عن فيلم دعائي حول قيام اليهود من الرماد. لكن الفيلم يأتي على خلاف المتوقع تماما، حكاية تشويقية مثيرة، نواتها أزمة إنسانية واختبار ضخم تخوضه البطلة المجبرة على التعامل مع ماضيها بأغرب صورة ممكنة: أن تتظاهر أنها نفسها، بمشاركة أقرب الناس إليها وأكثر من أساء لها. تتابعات النهاية الكاشفة مع صوت البيانو وظهور وشم معسكر الاعتقال، هي نهاية تبشر ببداية صراع جديد، سيشغل خيال من يشاهد الفيلم للأيام التالية، وكأنه فيلم عظيم يمهد لآخر أعظم.

بشار إبراهيم يكتب لـ« لسينماتوغراف»

«مهرجان الخليج السينمائي».. عودة النبض إلى البيت الخليجي

عبر سنواته، ودوراته، استطاع «مهرجان الخليج السينمائي» أن يكون بيت السينمائيين الخليجيين، وهم الذين لا بيت سينمائياً لهم.

يحتاج السينمائيون الخليجيون لحاضنة تجمعهم، وترى أعمالهم، وتعرضها، وتضعها في سياق الفعل السينمائي، والمسابقة، والمنافسة

يحتاج السينمائيون الخليجيون لفرصة اللقاء، فيما بينهم، بعضهم البعض

كما يحتاجون للقاء مع سينمائيين، وأفلام، من العالم العربي والعالم شرقه وغربه.

هل هناك أولى من دبي في فعل ذلك؟

وهل هناك أفضل من «مهرجان الخليج السينمائي» في تحقيق هذه الأمنية؟

على مدى سنوات، منذ العام 2007، استطاع «مهرجان الخليج السينمائي» فعل الكثير: لقد تحوّل إلى بيت للسينمائيين الخليجيين، حاضنةً لهم، منبرهم، لحظة تألقهم، وتكريمهم، واستعادة ما تحقق من قبل، وترقب ما ينتظر أن يتحقق

سريعاً… تحوّل «مهرجان الخليج السينمائي» إلى مؤسسة كبرى… لها هيكلها، ونظامها، وآليتها، وبنيتها… كما لها معجبوها، ومنتسبوها، ومشجعوها، وباذلوا كل شيء من أجل استمرارها.

لا أظن أن ثمة فنان خليجي لا يتمنى عودة «مهرجان الخليج السينمائي»… واستعادته.

ودبي لا تخيّب الظن أبداً.

دبي لا تتخلّى عن ريادتها في المجالات كلها.

ودبي تعرف أن «مهرجان الخليج السينمائي» جزء من إبداعاتها.

ودبي تعرف

عندما تشارك أفلام خليجية في المسابقات الرسمية في «مهرجان دبي السينمائي الدولي».

عندما تفوز مخرجة يمنية بجائزة أفضل فيلم روائي في «مهرجان دبي السينمائي الدولي».

عندما تفوز مخرجة إماراتية بجائزة أفضل فيلم وثائقي في «مهرجان دبي السينمائي الدولي».

عندما يكون عدد من أفضل الأفلام العربية التي عُرضت هذا العام، أفلاماً خليجية، لمخرجين أطلقهم «مهرجان الخليج السينمائي»، مثل الإماراتي وليد الشحي، والبحريني محمد راشد بوعلي، واليمنية خديجة السلامي، والإماراتية نجوم الغانم، والإماراتي مصطفى علي، والإماراتي فاضل المهيري

عندها ليس لنا سوى أن نقول:

عودة «مهرجان الخليج السينمائي»، هو عودة النبض إلى البيت الخليجي، عودة الحياة، والحيوية

عودة الالتقاء الذي يجمع الفنانين الخليجيين في مكان هو دبي، وفي موعد هو «مهرجان الخليج السينمائي».

ودبي تسع الجميع، وتتسع لهم، وتتوسع بهم

سينماتوغراف في

22.01.2015

 
 

هل هي «موجة جديدة» حقاً؟

بشار إبراهيم

يكلّف برنامج «موجة جديدة» على قناة «أورينت» نفسه مهمة البحث عن «الجديد» في السينما السورية، اتكاء على مستجدات الحالة السورية، منذ العام 2011، على الأقل، في محاولة منه لإثبات أن جديداً يتقدم في السينما السورية، أو في المشهد البصري السوري عموماً، تعميقاً لقطيعة مع السابق، وتأسيساً لما ينبغي قوله حاضراً ومستقبلاً.

وعلى رغم أن البرنامج اختار اسماً بعيداً عن الثورة والحالة الثورية، وما يرتبط باسمها من تعبيرات ومصطلحات، حتى في الحقل السينمائي، مثلما عرفنا عن سينما الثورة، وسينما المقاومة، فإن «الموجة الجديدة» ارتبطت على الدوام بمنعطفات تاريخية كبرى، ونهض بها جيل امتلك ناصية الجرأة في اقتراح أشكال ومضامين جديدة، حتى لو تصادمت مع السائد على مستوى الفكر والذائقة.

وفي ما قدمه البرنامج من حلقات، أمكن مشاهدتها، ليس من العسير القول إن ما نراه لا ينتمي إلى ما يمكن أن نسميه «موجة جديدة» حقاً، بل إن بعض ما يتعرّض له لا يغدو أن يكون «كليبات» مصوّرة، تخلو من الحرفية والإتقان، كما من البراعة والإدهاش، وتدفعنا للتساؤل: هل هي «موجة جديدة» حقاً؟

سؤال ينبغي أن يكون دائم الرنين في آذان معدي هذا البرنامج، وعليهم أن يسألوا أنفسهم مع كل حلقة، ترى ما هو الجديد الذي يقدمه هذا العمل أو ذاك، ليحظى بفرصة العرض في حلقة من برنامج اسمه «موجة جديدة»؟ هل الجديد آت على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون؟

وإذ ذلك سيغدو نافلاً القول إن البرنامج سيخسر كثيراً مما قدمه من حلقات، لأن ما ورد فيها لا ينتمي إلى أي «موجة جديدة»، ولا إلى جديد. بل لعل استعارته حلقة ما عن «كليبات» مغناة بطريقة هزلية، في محاكاة لكارثة الوضع السوري، ومأساته، تدلّل بوضوح على قلة حيلة البرنامج في العثور على «الجديد».

يمكننا القول إن «الموجة الجديدة» في السينما السورية موجودة في الماضي الذي يبدو أن البرنامج يريد القطيعة معه. موجودة منذ أن قدم نبيل المالح وعمر أميرلاي ومحمد ملص أولى أفلامهم القصيرة والطويلة. ومنذ أن استلم سمير ذكرى الراية مع «حادثة النصف متر»، ومرّرها إلى «أحلام المدينة» و«نجوم النهار».

لا يكفي التاريخ الحديث ليكون العمل جديداً، فكم من الأعمال التي تصنع اليوم إنما تنتمي في الحقيقة إلى القديم شكلاً ومضموناً ومنطق تفكير ورؤية؟ كما لا تكفي الموضوعات المستحدثة ليكون العمل جديداً. ثمة إشكالية حقيقية تجعل البرنامج يخلط بين السياسي والفني، لخدمة السياسي بذريعة فنية. ولكن للأسف فإن هذه الذريعة الفنية ذاتها متهافتة، لأننا أصلاً لم نقع على أعمال «جديدة»، ولم نقبض على تميّز في الصنعة أو الحرفة أو الأداء أو البناء والسرد، ولم نلمس مهارة في التنفيذ ونباهة في التفكير.

الحياة اللندنية في

22.01.2015

 
 

بلد تشارلي.. أداء مُبهر ورؤية إخراجية عميقة

روتردام / عدنان حسين أحمد

يحتفي مهرجان روتردام السينمائي الدولي كل عام بعرض أفلام نوعية تتوزع على برامج احترافية متعددة من بينها برنامج Limelight الذي يضم هذا العام 28 فيلماً لافتاً للانتباه نذكر منها "الخطيئة المتأصلة" للأميركي بول توماس أندرسون، "السماء فوقنا" لليوناني مارينوس غروثوف، "تمبكتو" للموريتاني عبدالرحمن سيساكو، و "بلد تشارلي" للمخرج الهولندي رولف دي هير الذي انتقل إلى أستراليا منذ عام 1959 ودرس السينما هناك، وأنجز 20 فيلماً نال عن بعضها العديد من الجوائز العالمية المرموقة.

لا شك في أن المخرج دي هير ينتقي ثيمات سينمائية دقيقة وحساسة. وقد استعان في كتابة القصة السينمائية بالمواطن الأصلي ديفيد غولبليل الذي جسّد الدور الرئيس في الفيلم وأصبح مشهوراً خصوصاً بعد أن نال جائزة أحسن ممثل من مهرجان "كان" السينمائي عن أدائه المتقن في فيلم "بلد تشارلي"، مدار بحثنا ودراستنا النقدية.

لقد وضعنا المخرج دي هير منذ البداية أمام مشكلة عويصة وقائمة لم تنجح السلطات الأسترالية لحد الآن في إيجاد الحلول المناسبة لها وهي مشكلة السكّان الأصليين من ذوي البشرة السوداء الذين يعتبرون أستراليا بلدهم ولا يجدون حرجاً في اعتبار البيض محتلين وطارئين عليهم. وإذا كان العِرق الأبيض يسكن المدن والحواضر فإن السكان الأصليين لأستراليا يفضلون العيش في كنف الطبيعة تماماً كما يفعل تشارلي "ديفيد غولبليل" أو صديقه بلاك بيت "بيتر ديغير" وغيرهم من المواطنين الأصليين الذين يعيشون في بلدة (آرنهم) التابعة للإقليم الشمالي في أستراليا وعاصمته داروين التي دارت فيها وقائع الفيلم وأحداثه.

تُشكّل المشاهد الافتتاحية للفيلم مدخلاً جيداً للرؤية الإخراجية التي تعول كثيراً على اللغة البصرية التي تقول كل شيء باقتصاد شديد . وقد نجح دي هير في هذا الرهان، فعلى الرغم من شحة الحوار إلاّ أن المتلقي قد أدرك منذ البدء أن المواطن الأصلي مقموع ومطارد ويكفي أن نشير هنا إلى أن الضابط الأسترالي لوك "لوك فورد" قد صادر بندقيتي تشارلي وصديقه بلاك وحجز سيارتهما لأنها غير مسجلة، كما صادر رمح تشارلي الخشبي الذي يصيد به سمك القاروص الأمر الذي اضطره لأن يتوغل في الغابة ويعيش في أعماقها بعيداً عن أعين الأستراليين البيض الذين ضيقوا الخناق على المواطنين الأصليين في محاولة يائسة لمحو تراثهم، وطمس عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية، وتشويه منظومة القيم التي يؤمنون بها. وبما أن هذه الغابات تتعرض للأمطار الشديدة فقد سقط تشارلي مريضاً وتمّ نقله إلى مستشفى في مدينة داروين التي لم ينسجم فيها كثيراً حيث سحب المغذي من ذراعه وغادر المستشفى ليصادف على قارعة الطريق امرأة تشتري الكحول بطريقة غير شرعية وتبيعه للمواطنين الأصليين الذين تطاردهم الشرطة وتحطم أكواخهم الأمر الذي يغيظ تشارلي فيقدم على تحطيم زجاج سيارة الشرطة لينتهي به المطاف في السجن وتبدأ صفحة جديدة من الاستعباد الذي يتعرض له حيث يُحلق شعر رأسه ولحيته وشاربيه بحيث يجد المتابع له صعوبة في التعرف على ملامحة الجديدة وسط عزلته التي لم يألفها من قبل.

ربما تكون رقصة المشهد الأخير من الفيلم هي أنجح خاتمة لهذا الفيلم الذي أراد مخرجه أن يقول بأن عادات وتقاليد المواطنين الأصليين لا يمكن أن يطمسها الأستراليون البيض الذين سلبوا الآخرين حقوقهم، وهيمنوا على كل الوظائف الرسمية في البلد الذي اختصره عنوان هذا الفيلم بأنه "بلد تشارلي" أو بلد المواطنين الأصليين في أستراليا قبل أن يكون بلد المواطنين الجدد الذين انحدروا من أوروبا وغيرها من أصقاع العالم الأوروبي على وجه التحديد.

أثنى العديد من النقاد على أداء غولبليل السلس والمنساب بعفوية كبيرة حيث لم نشعر كمتلقين على مدى 108 دقائق بالرتابة والملل لأن قصة الفيلم البسيطة كانت تهيمن على المشاهدين جميعاً وتحرضهم على التفاعل مع حيثياتها وتفاصيلها الصغيرة التي تناقش موضوعة الحريات الفردية والجماعية، وحق العيش للمواطنين الأصليين بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم دون أن تُقوَّض منظومة قيمهم الاجتماعية والأخلاقية والنفسية. وفي هذا السياق لابد من الإشادة بدور المصور إيان جونز الذي قدّم في خاتمة المطاف لقطات ومشاهد ساحرة أثرت الفيلم وعمقت العديد من دلالاته البصرية والجمالية بعد أن شذبتها رؤية المونتيرة البارعة تانيا نيمة التي قدمت لنا فيلماً أقل ما يُقال عنه بأنه عذب في دفقه وسلاسته على الرغم من ثيمته الدرامية المثقلة بالأحزان.

أنجز دي هير 20 فيلماً نذكر منها "ذيل النمر"، "شكراً يا جاك"، "الغرفة الهادئة"، "العجوز الذي يقرأ قصص الحب"، "مشروع ألكساندرا"، "عشرة زوارق"، "بلد تشارلي". كما فاز بعدد من الجوائز المهمة بينها جائزة النقاد الخاصة في مهرجان "كان" عن فيلم "عشرة زوارق"، وجوائز مهرجان الفيلم الأسترالي لأفضل مخرج وأفضل فيلم وأفضل سيناريو. وجدير ذكره بأن المواطن الأصلي ديفيد غولبليل قد نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان "كان" عن دوره في فيلم "بلد تشارلي" الأمر الذي أمدّه بالشهرة والذيوع ليس في أستراليا حسب، وإنما في المشهد السينمائي الأوروبي على وجه الخصوص.

ذاكرة السينما: الذي يجب أن يموت Who Must Die

عرض: كمال لطيف سالم

تمثيل: سيلتا ميركوري، بيرفانيل، جان جابان.

اخراج: جول داسان.

إنها رائعة نيكوس كازانتزاكي (المسيح يصلب من جديد) التي أخذت عنها قصة الفيلم . وهو من ابرز الكتّاب العالميين الذي اشتهر بروايته (زوربا) التي حولت هي الأخرى إلى فيلم سينمائي وله رواية (الأخوة الأعداء) ومذكراته (الطريق إلى غريكو.)

والفيلم مزدحم باللمسات الإنسانية ، فهي قصة كل عصر وكل زمان . فالمسيح الجديد قتلوه في صحن الكنيسة وضاعت دماؤه على الأرض وعلى الجدران. وتظهر لقطات الفيلم قسيس الفقراء وهو يردد: "لا جدوى يا يسوع لا جدوى مضى على صلبك الف عام وما زال الناس يصلبونك من جديد!"

فيأخذنا الفيلم إلى قرية صغيرة في اليونان وهي تقع تحت جور الحكم التركي ويديرها رجال الدين والتجار حيث صنع الحاكم جواً له مسترخياً محشوا بالفيلمية. وتعكس لنا اللقطة أجواء الاحتفال في صلب المسيح وهي تمثيلية معدة يجتمع فيها بعض الكهنة ليختاروا من يصلح للقيام بدور يوحنا يعقوب، بطرس ، مريم المجدلية، يهودا ثم المسيح. وهنا يتم تقمص بعض هذه الشخصيات وأن يرغموا عليها في النهاية وبعد بروز مشاهد التهيؤ للتمثيل تظهر على مشارف القرية مسيرة جماعية من قرية مجاورة اضطرهم الحاكم التركي للهرب وإحراق ما يمتلكون وعندما يلجأ هؤلاء إلى القرية التي تقيم الاحتفال بالمسيح يتصدى لهم التجار والحكام ويمنعونهم من الدخول بحجة أنهم يحملون مرض الطاعون فيتفرق الجميع من حولهم. وهنا يتحول المشهد الدرامي إلى مشهد حقيقي حيث يتعذب المسيح الجديد وهو يفكر بمصير هؤلاء من الشيوخ والنساء والأطفال ويتجول بينهم ويعرف أن حكاية الكوليرا ملفقة فيأخذ المسيح بمساعدتهم بقدر ما يستطيع ويتحول الأمر إلى قضيته ثم يأخذ مسار الصراع بين تكذيب وتصديق ويستسلم المسيح الجديد لهول ما شاهده من محاربة القساوسة والتجاور وتكون نهاية المشهد القتل.

هذا الفيلم الذي اختاره المؤرخ السينمائي جورج سادول من اهم الأفلام في تأريخ السينما. مثلت فيه ميلينا ميركوري دور مريم المجدلية المرأة التي تفتح قلبها للجميع ولعب دور المسيح الممثل بيير فانيل والقسيس الشرير جان جابان. المسيح في الفيلم هو الذي يجب أن يموت لأن عدوان الأقوياء اعتى وهو أيضا الذي يجب أن يولد من جديد.

المخرج دول داسان يعتبر في طليعة المخرجين المعاصرين ولد في أميركا عام 1911 واستمر في إخراج بعض الأعمال التي أثارت حوله جدالاً مكارثيا مضادا جعله يهاجر إلى فرنسا وظل لخمس سنوات يبحث عن فرصة حتى واتته سنة 1955 عندما قام بإخراج فيمله الكوميدي (ريفيفي) ثم كان فيلمه (الذي يجب أن يموت) عام 1957.

عودة الراحل جيمس دين في "حياة سريعة "..

ثلاثة أفلام فقط جعلت من جيمس دين.. عملاقاً

ترجمة: عدوية الهلالي

لكي يعيد اليه الحياة ، حاول الكاتب فيليب بيسون استذكار النجم الشاب الراحل جيمس دين عبر شهادات أكثـر من ثلاثين شخصية معروفة وغير معروفة... قال عنه تينسي وليامز مثلا انه لم يكن يطيع قوانين عصره وانه لم يكن يعتني بهندامه ولايصفف شعره جيدا لكنه كان يمتلك طاقة شبابية هائلة تترك اثرها في كل من يتعرف اليه وهو ما جعل منه رمزا خالدا للشباب والحيوية والحب ..

لقد عمد الكاتب بيسون الى استذكار المصير المأساوي الذي انتهى اليه الممثل الشاب حين توفي في حادث سير في سن الرابعة والعشرين . وتناول الشخصيات التي مرت في حياته ابتداءً من والدته ميلدريد دين الى دونالد تيرنسبيد ، الطالب المتورط في الحادث الذي كلف النجم حياته ..

ويتذكر بعض الشهود النجم فيتحدثون عنه بصراحة مؤكدين على امتلاكه صورة حية ومشرقة وشخصية لها حضور وتأثير على الآخرين لكنهم ايضا يشيرون الى تهوره وتمرده على الواقع والمألوف ما قاده الى وضع نهاية لحياته بيده ..

لقد حاول بيسون كتابة سيرة جيمس دين دون الوقوع في فخ التقديس فهو مجرد انسان بلغ قمة مجده في سنوات قليلة ثم فارق الحياة جسدا وبقيت ذكراه في نفوس عشاقه ..لهذا السبب حاول الخروج من قالب السيرة الى قالب الرواية مازجا بين الحديث عن شخصية دين والشهادات الخاصة بعمله وموهبته ..

تناول الكتاب محنة والدة جيمس دين التي كانت تعرف انها ستموت من السرطان والتي كان ولدها الصغير جيمي في السابعة من عمره لدى وفاتها وبقي بعدها معذبا حتى وفاته هو نفسه ..بالنسبة لوالده ، فقد كان منزعجا من تحمل مسؤولية ابنه الصبي اليتيم وفضل ان يعهد بتربيته الى شقيقته ، لذا نشأ جيمس دين في منزل عمته في فيرمونت وعبر منذ مراهقته عن شخصية محبوبة ولكن متمردة ..كان أساتذته في المرحلة الثانوية ينظرون اليه نظرة خاصة لشدة موهبته وينتظرون منه الكثير وكان محط إعجاب الفتيات لكنه بدلا من إعجابه بفتيات من سنه لاحق مدرسته وتمكن من ان يجعلها اول عشيقة له !!

في المرحلة الجامعية ، وصفه أستاذ الفن الدرامي بأنه كالعصفور الساقط من العش إشارة منه الى اختلافه عن جيله وكان يشير دائما الى لكنته الغريبة التي تذكرنا بالغرب الأوسط ..وإضافة الى هذا الرأي ضم الكتاب آراء اخرى منها شهادة بائع الدراجات النارية الذي رآه يغادر على دراجته الاولى وهو في سن الخامسة عشرة وكانت من النوع التشيكي الرخيص ، ورافقه ولع الدراجات النارية حتى آخر أيامه ليعود عليه بنتائج عكسية ..

كان يرافقه المخرج ايليا كازان فيذهب في جولة خلفه على الدراجة النارية ..يقول كازان انه كان يسير بسرعة جنونية وحين يصرخ به كازان قائلا : "ستقتلنا"...كان يضحك بشدة ويضاعف من سرعته فيغمض كازان عينيه بانتظار الموت ...ويقول كازان انه لم يكن يسمح لأي شخص ان يمزح معه بهذا الشكل باستثناء جيمس دين ...

المصور دينيس ستوك بدوره خلّد جيمس دين في صور عديدة منها صورته في سيارة للسباق وصور اخرى له وهو يضع يديه في جيوبه دلالة على اللامبالاة ..لهذا السبب اطلق الكاتب فيليب بيسون على كتابه الصادر عن دار جوليار في (252) صفحة عنوان ( حياة سريعة ) مؤكدا على ان شخصية دين من النوع الذي يحب السرعة والتهور في كل شيء فقد كان مولعا مثلا بسباقات السيارات رغم انه صور اعلانا ذات يوم يظهر فيه وهو يقود سيارته ويخاطب المشاهدين قائلا : " كونوا حذرين على الطرق فالحياة التي ستنقذها قد تكون حياتك "...

لقد كان جيمس دين رمزا أميركيا حقيقيا وترك إرثا قيما في هوليوود رغم حياته المهنية القصيرة فقد قدم ثلاثة أفلام فقط ..ولد جيمس دين في الثامن من شباط عام 1931 في مدينة ماريون، انديانا في الولايات المتحدة الأميركية وهو من الفنانين المحبوبين لدى جمهور الشاشة الفضية...

بدأ جيمس دين مهنة التمثيل في عام 1955 ولعب دور كال تراسك في كلاسيكية المخرج إيليا كازان “شرق عدن”. في هذا الفيلم ، أدى دين بإتقان تام دور المراهق بكل ما يعانيه من مشاعر الإحباط والقلق ، وبأسلوب خاص بجيمس دين فقط . براعته في هذا الدور كان مقدمة رائعة لانطلاقه في عالم السينما واعتراف النقاد بولادة نجم موهوب ذي كاريزما عالية جداً. رشح جيمس دين عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل ، وكانت هذه هي المرة الاولى في تاريخ الأوسكار التي ترشحت جائزتها لممثل بعد وفاته 

في عام 1955 ، قدم فيلم (ثائر بلا سبب ) الذي عزز مكانته الأسطورية وجعله واحدا من الممثلين المؤثرين في هوليوود الى الأبد ..أدى دين في الفيلم شخصية المتمرد جيم ستارك بإتقان تام وحرفية عالية وقدم شخصية فريدة وجذابة ولايمكن ان تنسى في تاريخ السينما وشاركه البطولة ناتالي وود ، سال مينو ودينيس هوبر ...فيلمه الاخير كان اسمه ( العملاق ) عام 1956 وهومن اخراج المبدع جورج ستيفنز وكان ملحمة بكل معنى الكلمة وشارك فيه اليزابيث تايلور وروك هدسون مع جيمس دين ..

تدور أحداث الفيلم حول حياة مربي ماشية من تكساس ( هدسون ) وعلاقته مع عائلته والمقربين منه التي يخرجها ستيفنز بأسلوب رائع وشيق جداً تجعل المشاهد لا يشعر بمدة عرضه الطويلة ولا يمل منه ، إنه حقاً فيلم يأخذ المشاهد في رحلة ممتعة لا تنسى …يلعب جيمس دين في “العملاق” دور صاحب مزرعة شاب يكتشف النفط في مزرعته ويصبح بين عشية وضحاها غنياً جداً . لقد كان دين رائعاً هنا وأدى دوراً ممتازاً ، و كان من أهم عناصر نجاح هذا الفيلم الرائع . ترشح دين بفضل هذا الدور لجائزة الأوسكار الثانية كأفضل ممثل ، ايضاً بعد وفاته …

كان اداؤه في فيلم ( ثائر بلا سبب )طبيعيا جدا وكان ناجحا في تقمص الشخصية التي اتسمت بالاكتئاب والارتباك بسلالة وحرفية فتنت جمهوره وادرك وقتها انه مختلف عن غيره بموهبته والكاريزما النادرة التي تميز بها ..

توفي دين نتيجة حادث سير مروع عندما كان في سن الرابعة والعشرين وكانت وفاته خسارة كبيرة لعالم السينما لكن تفاصيل موته صنعت له هالة من التميز...

المدى العراقية في

22.01.2015

 
 

Predestination.. أشياء لا يمكننا تفاديها

جنة عادل – التقرير

“أنا أعلم من أين آتي، فمن أين تأتون أيها الموتى الأحياء؟“*.

عندما ترى ملصقًا لأحد أفلام الخيال العلمي التي تتحدث عن السفر عبر الزمن، تسأل نفسك عن أي جديد قد تحمله لك الشاشة، فنحن الآن في العام 2015 وقد اعتصرت السينما العالمية قصص السفر عبر الزمن تمامًا حتى فقدت تألقها، أو هكذا أرى. قائمة طويلة من الأفلام تضم سلاسل كاملة: لا أقلها شهرة سلسلة “Back to the future” أو “The terminator” أو حتى “Butterfly effect”، لتصبح الفرصة الوحيدة للحصول على فيلم جيد عن السفر عبر الزمن رهنًا بأداء ممثليه، وحداثة تقنياته، فبأي من هذين أتى الأخوان “سبيرج” في فيلمهما الجديد ذي الميزانية المحدودة “Predestination” أو “الحتمية”؛ ليستحق تقييماته الحالية على “IMBD” و”Rotten tomatoes”؟ لنرى.

يدور الفيلم من خلال مجموعة من الوثبات الزمنية بين العام 1992 والعام 1945، عن قصة شرطي تابع لمؤسسة أمنية ما، وظيفته السفر عبر الزمن لمنع الجرائم الضخمة، يقوم بدوره النجم Ethan Hwak “إيثان هوك”، وتبدأ الأحداث أثناء محاولته لمنع جريمة ارتكبها إرهابي تلاحقه المؤسسة وتحاول إيقاف جرائمه مرارًا، تنتهي بوقوعه ضحية انفجار مروّع يؤدي لتشوهه تمامًا، قبل أن يعود لحاضره ليخضع لسلسلة من العمليات التجميلية تغير شكله بالكامل.

ثم تأتي مهمته الأخيرة، التي يتوجب عليه التقاعد بعدها، نظرًا للآثار الجانبية التي يسببها للسفر عبر الزمن بعد عدد معين من السنوات، والتي تتطلب منه العودة للماضي متنكرًا في شخصية ساقٍ في إحدى الحانات، ليقابل شخصًا يعمل ككاتب في إحدى المجلات، تحت اسم مستعار هو “الأم غير المتزوجة” أو “the unmarried mother”.

يتباطأ إيقاع الفيلم هنا لنتعرف على قصة الغريب، الذي يبدأها بتلقائية بـ”عندما كنت فتاة صغيرة”، لنكتشف أن الرجل الذي خضع لعملية تغيير جنس، ولد بمجموعتين كاملتين من الأعضاء التناسلية: ذكر وأنثى، ولكن تمت تنشئته كفتاة باسم “جاين”، التي تقوم بدورها النجمة Sarah Snook  “سارة سنوك”.

نشأت “جاين” في إحدى دور رعاية الأيتام، بعد أن وضعها مجهول أمام باب الدار، يتيمة ومنبوذة اجتماعيًا كانت، ليست جميلة جدًا، كما كانت حريصة جدًا على عدم التورط في أي علاقة عاطفية، ولكنها ذكية جدًا، وقوية جدًا، تفوقت في دراستها بشكل لافت؛ أهلها للالتحاق بإحدى المشروعات التي تنظمها إحدى وكالات الفضاء التي تطلب فتيات للـ “ترفيه” عن رواد الفضاء أثناء رحلاتهم الطويلة خارج الأرض (بالمعني السيء للترفيه). تنجح في كافة الاختبارات، ولكن أداءها المميز يثير حقد باقي المتقدمات، فينشب شجار بينها وبين إحداهن، ينتهي بأن تتعرض كلتاهما للفحص للتأكد من سلامتهما، فتُظهر نتائج “جاين” حقيقتها المزدوجة، ما يتسبب في إقصائها من المشروع، وإن اختار القائم عليه، السيد “روبرتسون” الذي يقوم بدوره النجم Noha Taylor “نوا تايلور” عدم إخبارها بحقيقة حالتها، مع وعدها بمحاولة استعادتها.

تقابل “جاين” بعد ذلك غريبًا تنجذب إليه وتقع في حبه، وتسلمه نفسها قبل أن يختفي تمامًا ليتركها حبلى كسيرة الفؤاد. تحتفظ “جاين” بالجنين وتشعر عندما تلد طفلتها أن أصبح لديها هدف في الحياة، ولكن نزيفًا أثناء الولادة يضطر الأطباء لاستئصال أعضائها الأنثوية، ما لا يدع لها خيارًا آخر سوى إجراء المزيد من العمليات للتحول لرجل.

وتتوالى الكوارث عندما يختطف أحدهم الطفلة، ليدع “جاين” وقد تغيرت حياتها تمامًا وتحولت لـ”جون”، دون هدف في الحياة، حاقدة على الشخص الذي سبب لها كل تلك النكبات واختفى. وهنا، يقترح صاحبنا، شرطي الزمن الذي لا نعرف اسمه حتى هذه اللحظة، أن يمنحها فرصة للانتقام إن هي قبلت العمل معه في تلك المؤسسة التي يديرها السيد “روبرتسون” نفسه. يقبل “جون” العمل الذي لا يفهم طبيعته تمامًا، فقط ليشفي غليله من المجهول الذي دمر حياته، وهنا يصطحبه الشرطي في رحلة إلى الماضي، وتحديدًا إلى الليلة التي تقابل فيها “جاين” الغريب، لتكتشف أن هذا الغريب الذي قابلته لم يكن سوى ذاتها المستقبلية.

هنا يتسارع إيقاع الأحداث سريعًا بما لا يتماشى مع إيقاعها في بداية الفيلم، فبينما يترك الشرطي “جاين” و”جون” ليقررا مصيرهما، يقرر -برغم تحذيرات مشرفيةـ القيام بقفزة أخيرة لإيقاف الإرهابي الذي حاول منعه مرارًا، ولكنه يخفق مجددًا، ويلتقي بذاته المستقبلية التي تعرضت للانفجار، فيعينها على الهرب، وهو ذات المشهد الذي بدأت به الأحداث.

ثم يفاجئه السيد “روبرتسون” بالقفز لذات العام، ليخبره أن قفزاته الغير قانونية ستؤثر ولابد على ذاكرته وسلوكه، ولكنه يمنحه مهمة أخيرة، وهي القفز لمستقبل “جاين” و”جون”، الذي بدءاه معًا بمساعدته، لاختطاف الوليدة، ليضعها أمام الملجأ لتعيد القصة نفسها من جديد، لتكتشف -ما لم تكن خمنت هذا بالفعل- أن “جون” و”جاين” وطفلتهما هم نفس الشخص. تظن أن هذا معقد؟ انتظر حتى تسمع البقية.. فالشرطي الذي قرر التقاعد بالقرب من مكان وزمان الانفجار الذي كان يحاول منعه منذ البداية، يكتشف أن جهاز الانتقال عبر الزمن الخاص به لم يتوقف عن العمل كما كان يفترض به أن يفعل مع انتهاء خدمته، ما يعني أنه مازال قادرًا على السفر عبر الزمن ومنع الجرائم دون الحاجة لإشراف المؤسسة، ولكنه عندما يتتبع ما لديه من معلومات عن مجرمه المنشود، تقوده قدماه إلى حيث يكتشف أنه هو نفسه المجرم الذي ظل يلاحقه لسنوات مثلما يطارد الثعبان ذيله على حد وصفه.

يشرح له المجرم أنه أصبح هكذا بعد أن جرب السفر عبر الزمن مجددًا ورأى الكثير من السيناريوهات المستقبلية التي لم يكن ثم سبيل لمنعها سوى بتفجير هذا المبني، وأنه إن قتل نفسه المستقبلية، ياللخبال!، سيسير في نفس الحلقة من جديد، وسينتهي به الحال مجرمًا من جديد، ولكنه لا يستمع إلى المجرم/نفسه ويرديه قتيلًا، لتتأكد المقولة التي جاءت على لسان البطل مرارًا والتي يمكن التنبؤ بها من اسم الفيلم، أن هناك بعض الأشياء لا يمكن تفاديها، وتنتهي بذلك أحداث الفيلم.

الفيلم الحاصل على أفضل فيلم خيال علمي وأفضل سيناريو في مهرجان Toronto after dark السينمائي، والذي أخذ الأخوان “سبيريج” قصته عن قصة  “روبرت هينلين” القصيرة باسم “all you zombies”، جيد جدًا في الواقع. اعتمد الأخوان “سبيرج” على معالجة مثيرة ومشوقة، أعادا بها إحياء القصة الأصلية في ثوب جديد تمامًا، واعتمدا على قصتهما الجيدة والطابع النوستالجي للفيلم، وعبقرية “إيثان هوك” و”سارة سنوك” التي تألقت في دوريها “جون وجين” في صناعة الكثير بميزانية محدودة لم تتجاوز 5.6 مليون دولار.

حتى الآن، يعتبر “Predestination” هو أفضل أفلام الأخوين “سبيريج”، بعد “Undead” عام 2003 و”Day breakers” عام 2009. أما عن أداء “إيثان هوك”، فكان ممتازًا، لا يمكنك توقع أقل منه من عبقري مثله، أما النقلة الحقيقية كانت من نصيب “سارة سنوك” التي يعد هذا الدور خطوة ضخمة على طريقها المهني.

* الجملة تأتي على لسان إيثان هوك في الفيلم، وهي مأخوذة من النص الأصلي لقصة روبرت هيلين.

التقرير الإلكترونية في

22.01.2015

 
 

“Foxcatcher”.. الطموح المفضي للجنون

محمود سمير – التقرير

الطموح المدمر، موضوع جُسد مرارًا وتكرارًا في العديد من الأعمال الفنية الأدبية والسينمائية. بدءًا من مسرحية ماكبث “Macbeth” لـ “وليام شكسبير”، حتى ذئب وول ستريت “Wolf Of Wall Street” لـ “مارتن سكورسيزي”. صائد الثعالب “Foxcatcher” لـ “بينيت ميلير”: هو أحدث فيلم تناول هذا الموضوع.

المخرج “بينيت ميلر” أبدى إعجابًا يصل لحد الهوس بالقصص الحقيقية في أفلامه الروائية الطويلة.

 قدم “ميلر” ثلاثة أفلام هي: كابوت “Capote” الذي تناول قصة الكاتب الراحل “ترومان كابوت” وقصة كتابته لكتابه الشهير “بدم بارد”، ثم فيلم كرة المال “Moneyball” والذي تناول حكاية المدرب “بيلي بين” وقصة تكوينه لفريق بيسبول قوي بإمكانات ضئيلة للغاية، وأخيرًا فيلمنا صائد الثعالب “Foxcatcher” الذي يحكي قصة الأخوين “شولتز” وتعاقدهما مع المليونير الأمريكي “جون دو بونت” من أجل تدريب وقيادة المنتخب القومي للمصارعة الرومانية.

“مارك شولتز”، مصارع روماني ذو طموحات كبيرة، يتمنى أن يكون من أعظم المصارعين على الإطلاق، وأن يكون قدوة يُحتذى بها؛ مثل أخيه الأكبر “ديف شولتز”.

“مرحبًا. شكرًا لمنحي الفرصة للتحدث إليكم اليوم. اسمي مارك شولتز. أريد التحدث عن أمريكا، وأريد أن أخبركم لم أصارع. هذه ميداليتي الذهبية. فزت بها في أوليمبيات لوس أنجلوس منذ ثلاثة أعوام. هذه أكثر من ميدالية معدنية. جئت أكلمكم عن الفضائل والصفات المطلوبة للفوز والنجاح“: مارك شولتز.

كان هذا جزءًا من خطبة شولتز في إحدى المدارس. أثناء تسجيل اسمه، أخطأت السكرتيرة وظنت أنه أخوه “ديفيد شولتز”.

مشكلة “مارك” أنه لم يكن سوى ظل لأخيه الأكبر. لم يأخذ حقه من الشهرة والتقدير مثله. أثر هذا على علاقته بأخيه وثقته بذاته وجعله ذلك أكثر انعزالًا وانطوائية عن الناس.

لذلك عندما أتته مكالمة “جون دو بونت”، المليونير، والتي طلب منه فيها أن يعمل معه؛ أدرك مارك أن الفرصة التي لطالما حلم بها قد أتت.

“جون دو بونت”، سليل عائلة دو بونت العريقة والمؤسسة لشركة دو بونت الكيماوية العملاقة؛ درس علوم الحيوان وبالأخص علم الطيور، وكان جامع طوابع محترف.

أعجب بالمصارعة الرومانية واتجه لرعاية المصارعين من أجل أن يمثلوا المنتخب الوطني في المسابقات الدولية. وجد غايته في الأخوين شولتز.

“أنا مدرب مصارعة. لدي حب عميق لرياضة المصارعة، وأردت أن أتحدث إليك عن مستقبلك وعما تأمل تحقيقه. ماذا تأمل تحقيقه يا مارك؟“: جون دو بونت

عرض “دو بونت” على مارك الدعم المادي الكامل له وتقديم كل ما يحتاج له من أجل الوصول إلى نهائيات المسابقات العالمية والأوليمبيات، بشرط واحد وهو الانتقال لمزرعته “فوكس كاتشر” والعيش فيها من أجل التدريب والانضمام لفريق دو بونت الخاص المسمى بـ “فوكس كاتشر”.

عاد “مارك” لأخيه وأخبره بالعرض، إلا أن “ديفيد” كان متشككًا في نوايا “دو بونت”. رأى “ديفيد” أنه لن يستطيع الانتقال لـ “فوكس كاتشر” لأنه متزوج ولديه من المسؤوليات والأعباء التي تمنعه من ذلك.

انتقل “مارك” للمزرعة، وبدأ في التدريب والتحضير المستميت للبطولة المؤهلة لأوليمبيات سيول 1988.

ما لم يعرفه “مارك”: أن راعيه “دو بونت” سيكون هو العقبة الكبرى في طريقه للنجاح، وأنه إذا كان عليه الفوز في المسابقات؛ فسيتحتم عليه إزالة “دو بونت” من طريقه.

“دو بونت” عانى من حالة حادة من جنون الارتياب. يرجع ذلك إلى علاقته المتوترة مع أمه؛ فقد نشأ لوحده كطفل، لم يكن له إخوة أو أشقاء. لم يكن له سواها، مع ذلك لم ينل احترامها أبدًا، لدرجة أنها كانت تدفع نقودًا لأطفال كي يصادقوه. كل ما كان يحاول تحقيقه في المصارعة كان من أجل أن يبهرها، إلا أنها كانت تكره المصارعة بشدة وتكره ما كان يقوم به. خيبة الأمل تلك كانت دافعًا لـ “دو بونت” نحو الجنون.

قام بدور “مارك شولتز” الممثل “شانيج تاتم”، الذي اشتهر بأدواره الكوميدية في سلسلة أفلام “21 Jump Street”، بتعاون مع الممثل “جونا هيل”، وبتعاونه مع المخرج “ستيفن سودربج” في أفلام “Magic Mike” و”Side Effects”.

أقل ما يوصف بأداء “تاتم” أنه تحول وليس تمثيلًا. أعترف أني كمشاهد استهنت بقدرات “تاتم” التمثيلية بناءً على مستوى أدائه في أعماله السابقة، لكنه هنا قام بإبهاري. استطاع بنجاح أن ينقل لي مشاعر الوحدة والعزلة والرغبة الدفينة في الوصول للقمة التي كانت تشعر بها شخصية “مارك”.

“تاتم” قال إن هذا كان أصعب تحد له على الإطلاق. الطريف أن المخرج “بينيت ميلر” عرض عليه الدور في 2006، ولكن “تاتم” لم يكن نضج بعد كممثل في ذلك الحين. قال تاتم إنه لم يكن متفهمًا لطبيعة المهنة حينئذ ولا الدور.

المفاجأة الكبرى كانت من جانب الممثل الكوميدي “ستيف كاريل”، والذي اشتهر بأدواره في مسلسل “Little Miss Sunshine”، و”The Office”، وفيلم الرسوم المتحركة “Despicable Me” بجزئيه الاثنين.

لعب “كاريل” دور “جون دو بونت” وحضر له لمدة تجاوزت الستة أشهر. شاهد خلالها شرائط مصورة للشخصية الحقيقية لساعات طويلة، وعمل على تغيير صوته وتقليد كل تفاصيله الشخصية الحقيقية في طريقة الكلام والمشي ولغة النظرات.

نتيجة كل هذا العمل، هي إعادة إكتشاف لـ “ستيف كاريل” كممثل. في رأيي، التحول الذي قام به “كاريل” يماثل التحول الذي قام به الراحل “هيث ليدجر”؛ حينما قام بدور الجوكر في فيلم “The Dark Knight”.

المكياج وطبيعة أدائه للشخصية تجعلك لفترة غير مدرك من هذا الممثل أمامك.

“مارك رافلو” أدى دور “ديف شولتز”. “رافلو” دائمًا يقدم أداءً رائعًا بغض النظر عن الدور الذي يلعبه. حتى في الأفلام السيئة التي ظهر فيها، “رافلو” يكون غالبًا أفضل ما فيها.

شخصية “ديف”، هي العنصر العاطفي الوحيد في هذا الفيلم. “ديف”، رجل متزوج يحب أسرته ويهتم لأخيه، رغم تقلباته النفسية والعدوانية التي يظهرها تجاهه.

لا تملك كمشاهد إلا أن تتعاطف معه وهو يسعى جاهدًا لمساعدة أخيه المضطرب، سواءً في التدريبات أو على الجانب النفسي كأخ.

مشكلة الفيلم الوحيدة تكمن في النص. “ميلر” اتخذ الطريقة الواقعية في الحكي، بحيث إنه يحكي ما حدث في القصة الحقيقية بدون تغيير فيها. أرى أن هذه الطريقة لم تكن الأقوى دراميًا.

كنت أتمنى أن يرينا جوانب مختلفة أكثر لـ “دو بونت” و”مارك شولتز”؛ نعرف تفاصيل أكثر عن خلفياتهم و تاريخهم النفسي.

“ميلر”، كمخرج في أفلامه، دائمًا يخرج أداءً هو أقرب ما يكون للتجسيد الحقيقي من ممثليه. ظهر هذا في كل أفلامه وهي إحدى نقاط قوته كمخرج. أيضًا اعتمد في التصوير على الإضاءة الواقعية بحيث تكون مصادر الإضاءة من داخل الأماكن. الديكورات كانت محاكية للديكورات الموجودة في الواقع، ونجحت في أن تنقل لنا فترة الثمانينيات والتسعينيات التي تدور أحداث الفيلم فيها.

تنوعت لقطات “ميلر” بين المتوسطة والقريبة من أجل التركيز على الأداء وتقريب الشخصيات لنا كمشاهدين.

نافس الفيلم على السعفة الذهبية في مهرجان “كان” العام الماضي. لقي أداء الثلاثي: “ستيف كاريل” و”شانيج تاتم” و”مارك رافلو”، ترحيبًا نقديًا واسعًا، وفاز “بينيت ميلر” بجائزة أحسن مخرج.

المؤكد أن “ستيف كاريل” و”مارك رافلو” سينالان ترشيحات الأوسكار في فئة أحسن ممثل وممثل مساعد، استنادًا لكونهما تم ترشيحهما في جوائز نقابة الممثلين والجولدن جلوب. الفيلم له فرصة كبيرة في المنافسة على جائزة أحسن فيلم ومكياج.

أتمنى أن يرشح “تاتم” للأوسكار، بدلًا من “رافلو”؛ “تاتم” أبهرني. “رافلو” كان رائعًا، لكن ليس مبهرًا.

تقييم الفيلم 7/10

التقرير الإلكترونية في

23.01.2015

 
 

وثائقي مصري يرصد مسيرة الفنان السوداني الراحل محمد وردي

صلاح الدين مصطفى - القاهرة ـ»القدس العربي»

يستعد فريق عمل من القاهرة للبدء في تصوير فيلم وثائقي عن الفنان الراحل محمد وردي، لصالح فضائية نوبية تستعد لتدشين بثها في الفترة المقبلة بالتركيز على الثقافة النوبية في مصر والسودان.

وتقول الإعلامية عبير الأنصاري إن سيناريو الفيلم يرتكز على المراحل المهمة في حياة الفنان محمد وردي، ولكن العمل لا زال في بداياته ويخضع للحذف والإضافة، حتى اللحظات الأخيرة. وتضيف أن الفيلم سيتم تصويره في السودان بالتركز على الأماكن التي عاش فيها ويتناول كذلك فترة وجود وردي في القاهرة في تسعينات القرن الماضي.

المخرج حاتم جاسر يرى أن طبيعة الفيلم تستوجب عدم التدخل في السيناريو، إلا بما تقتضيه الضرورة الفنية، مشيرا إلى أنهم سوف يغطون كل المراحل المهمة في حياة الفنان محمد وردي ويكون الحكم في نهاية الأمر للجمهور المتلقي.

ويقول الإعلامي السوداني الشامل السر قدور، إن قيمة وردي تنبع من كونه يؤثر على الفنانين وليس على الجماهير فقط. ويضيف أن الفنانين يعتبرونه ملهما لهم، لأنه قدم نفسه من خلال الأداء الصوتي عبر أغنيتين في بداية مسيرته الفنية، وهما «الحب والورود» وأغنية «يا سلام منك»، حيث قدم ألحانا بسيطة من دون تعقيد، لكنه أعلن من خلالها أنه فنان حقيقي يجيد فن الأداء الصوتي.

وفي تعليقه على الجوانب المتعلقة بإنتاج الفيلم يرى، أن أهم قيمة يجب التركيز عليها هي الكاريزما التي يتمتع بها محمد وردي. ويقول إن وردي ظل يوظف كل الأشياء المحيطة به لخدمة الأداء ويقول: «إن وردي يختار أشعارا قوية لشعراء مجيدين، ويعزف معه أفضل الموسيقيين السودانيين ويهتم بكل صغيرة وكبيرة، لكنه عندما يبدأ يغني فإن المتلقي ينسى كل شيء ويركز على طريقة الغناء».

ناحية أخرى في حياة وردي الغنائية يلفت قدور الانتباه لها قبل البدء في تصوير الفيلم، وهي موضوع التراث النوبي، خاصة الموسيقي، ويقول إن وردي استوحى العديد من ألحان أغنياته من التراث الموسيقي النوبي وتغنى بها لجماهيره المنتشرة في كل أقاليم السودان، بألحان تضرب في جذور الثقافة الموسيقية للنوبة ويمكن إثبات ذلك بسهولة شديدة.

ويرى قدور أن وردي لم يقلد نفسه أبدا في أي لحن من ألحانه، فكلما يبدع لحنا رائعا يتبعه بلحن أكثر روعة، ويتميز كذلك بالجرأة في تقديم الجديد والثقة المطلقة بأعماله ويقول: «ذات مرة جمعنا ليسمعنا لحن أغنية «عصافير الخريف» وكان عملا كبيرا، وفي الوقت نفسه أسمعنا لحنا جديدا لأغنية اسمها الصورة، فطلبنا منه جميعا أن يؤجل الأغنية الأخيرة لأنها سوف تضيع مع «عصافير الخريف»، لكنه رفض بقوة وقدمهما معا والآن أغنية الصورة تملأ الدنيا».

من النواحي المهمة في شخصية وردي التي طلب قدور من المخرج الالتفات لها، طبيعة شخصية وردي وصراحته في تقديم آرائه لدرجة أن الكثيرين يعتبرونه مغرورا و»مفتري»، ويقول السر إن هذه هي طبيعة الإنسان النوبي على وجه العموم وطريقة حياة وردي العادية، ولا علاقة لها في كونه فنانا أم عاملا في السكة حديد، أما حدته وجديته في الجوانب الفنية، فمردها إلى أنه يعتبرها مسؤولية كبيرة وليست لهوا ولعبا كما يعتقد البعض.

ويرى المخرج أن الفيلم سوف يثير جدلا، خاصة في مواقف وردي السياسية، حيث غنى لأربعة أنظمة «منها نظاما عبود ومايو»، لكن السر قدور يرى أن تعبير وردي في كل مواقفه كان وطنيا وليس سياسيا، بمعنى أنه عبّر صادقا عن لحظات اعتد بها في وقتها، ثم كان شجاعا ورفض تلك المواقف بعد أن تبين له أنها لا تتماشى مع مواقفه.

ويقول الإعلامي السر قدور، الذي عاصر العديد من الحقب السياسية، إن وردي هو الفنان الوحيد الذي ألف أغنية وغناها لطلابه في مدرسة صغيرة في منطقة دغيم في الأول من كانون الثاني/ يناير عندما تم رفع العلم السوداني في القصر الجمهوري إيذانا ببزوغ فجر الاستقلال، مما يدل على حس وطني عميق.

40 فيلما من بلدان أفريقية وعربية وأوربية وآسيوية تتنافس قي «مهرجان السودان للسينما المستقلة»

محمد الخاتم:

في منطقة أثرية مطلة على الشاطئ الغربي لنهر النيل بمدينة أم درمان، غربي الخرطوم، احتشد المئات مساء الأربعاء الماضي للمشاركة في افتتاح الدورة الثانية من مهرجان السودان للسينما المستقلة.

المهرجان الذي تنظمه مجموعة «سودان فلم فاكتوري» (غير حكومية) والتي تضم نخبة من السينمائيين الشباب، يهدف بحسبهم إلى «تطوير صناعة السينما التي تكاد تكون منعدمة في البلاد رغم ازدهارها قبل عقود».

وشارك في حفل الافتتاح الذي أقيم بمنطقة الطابية الأثرية بمدينة أمدرمان غربي العاصمة الخرطوم، مسؤولون حكوميون وسينمائيون عرب وأفارقة وأوروبيون.

والطابية عبارة عن ساحة مطلة على الشاطئ الغربي لنهر النيل، وتطوقها خنادق شيدها ثوار الدولة المهدية من الطين لصد الغزو الإنجليزي للبلاد عام 1898 .

وسيعرض خلال المهرجان الذي يستمر أسبوعا وللمرة الأولى في السودان، أكثر من 40 فيلما من انتاج بلدان أفريقية وعربية وأوربية وآسيوية، حسبما قاله رئيس المهرجان طلال عفيفي خلال كلمته في حفل الافتتاح.

وهو يأمل أن تكون الدورة الثانية للمهرجان «انطلاقة حقيقية للسينما السودانية ومنصة علاقات وثيقة مع الشعوب من خلال فن السينما والفنون المجاورة».

و قال وزير الثقافة السوداني، الطيب بدوي، خلال كلمته في الحفل، إن وزارته «مصممة على أن تعيد للسينما السودانية مكانتها».

ورأى أنه «من المهم جدا أن نعمل سويا لتستعيد الخرطوم تلك الأيام التي كانت تعرض فيها مختلف الأفلام بالتزامن مع عرضها للمرة الأولى في بلدانها».

ويؤرخ لبداية السينما في السودان بالعام 1910، حيث شهد تصوير أول فيلم تسجيلي للمخرج السويسري دم دافيد عن رحلة صيد قام بها وعرض في مدينة الأبيض وسط البلاد في 1912 كأول مدينة تشهد عرضا سينمائيا.

بعدها بدأت السينما في الإذدهار خصوصا بعد إستقلال البلاد من الإستعمار الإنجليزي في 1956 وافتتحت عشرات دور العرض لكنها كانت تقتصر على عرض أفلام مصرية وأوروبية وأمريكية دون أفلام سودانية تذكر. وشهد العام 1970 إنتاج أول فيلم سوداني روائي طويل، بعنوان (أحلام وآمال) للمخرج إبراهيم ملاسي لكن لم يبلغ مثل هذا النوع، 10 أفلام على مدار 40 عاما. ويلقي سينمائيون باللائمة على نظام الرئيس عمر البشير ذو الخلفية الإسلامية، بلعبه الدور الأكبر في تحجيم السينما بعد وصوله للحكم في 1989 حيث حلت حكومته مؤسسة السينما في 1991 وأغلقت أيضا نادي السينما. وغالبية صالات العرض الآن مهجورة وبعضها تم هدمه، وما يعمل منها يقتصر على عرض أفلام هندية قديمة مع مستويات إقبال منخفضة جدا. وسيقتصر عرض الأفلام المشاركة في المهرجان على دور عرض صغيرة بمراكز ثقافية بعضها تابع لسفارات غربية مثل المركز الألماني والمركز البريطاني وهما من الجهات الراعية للمهرجان. وعرض في حفل الافتتاح فيلم «الخرطوم» للمخرج السوداني جاد الله جبارة، وهو فيلم وثائقي مدته 25 دقيقة عن ملامح المدينة في سبعينيات القرن الماضي وذلك لأول مرة في السودان. ويشمل المهرجان أيضا عقد ورش عمل ولقاءات تتناول الإنتاج وصناعة الأفلام وتاريخ السينما، يقدمها متخصصين من سويسرا وايطاليا والسودان.

القدس العربي اللندنية في

23.01.2015

 
 

الدرس المستفاد من أزمة فيلم "حلاوة روح"

بقلم:   د. سعيد توفيق

لا يزال الجدل دائرًا منذ أكثر من نصف عام بعد منع عرض فيلم "حلاوة روح"، وقد اتسع هذا الجدل مؤخرًا بعد منع عرض فيلم "الخروج: ملوك وآلهة"، حتى امتد ليشمل دور الرقابة على الفن. وقبل أن أُبدي رأيي في هذه المسألة، أود أولاً أن أشير باختصار إلى سياق أزمة فيلم "حلاوة روح" باعتباري شاهدًا عليها وطرفًا فيها في الوقت ذاته، إذ كنت أحاول حل هذه الأزمة وتجاوزها، حينما كنت أشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة آنذاك الذي يتبعه جهاز الرقابة على المصنفات الفنية: 

من المعلوم أن السيد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء قد أبدى استياؤه من الفيلم، ورأى إيقاف عرضه بعد أن تزايدت الضغوط والمطالبات بذلك من بعض مؤسسات المجتمع، خاصة الجهاز القومي للأمومة والطفولة. وبالتالي أصبح على وزير الثقافة آنذاك (وهو الدكتور صابر عرب) أن يصدر قرارًا بمنع عرض الفيلم، ولكن الوزير طلب مني أن أُصدِر هذا القرار بحكم أن جهاز الرقابة هو من الجهات التابعة للمجلس الأعلى للثقافة. ولكني - بدوري - قد رفضت الانصياع لطلب الوزير، ليس تنصلاً من المسئولية أو خوفًا من تبعاتها، وإنما لقناعتي بأن دور الرقابة ينبغي أن يكون محصورًا في أضيق الحدود (وهذا ما سوف أتناوله فيما بعد)، فضلاً عن أن الرقابة قد أجازت عرض الفيلم، وبالتالي لو أننا تركنا أمر الفن رهن رضاء كل جهة مجتمعية في الدولة رسمية كانت أو غير رسمية، فلن يكون هناك فن جيد يومًا ما. قلت ذلك كله للوزير، رغم قناعتي بأن الفيلم رديء من الناحيتين الفنية والجمالية، فضلاً عن كونه نسخة مشوَّهة من فيلم "مالينا" الإيطالي! فكان على الوزير أن يُصدِر القرار بنفسه. في إثر ذلك زارني السبكي - منتج الفيلم - في مكتبي، وقدم إليَّ تظلمًا من هذا القرار باعتباري الجهة المختصة، وطلب مني مشاهدة نسخة أصلية من الفيلم لكي أتأكد بنفسي من أنه ليس هناك في الفيلم شيء مما يُروِّجه أناس لم يشاهدوه عما ينطوي عليه من فجور وتحريض للنشء على الفسق. قبلت ذلك على أمل حل هذه الأزمة دون اتخاذ إجراءات قانونية، ولقناعتي بأن السبكي أنتج بعض الأعمال المقبولة فنيًا في وقت توقفت فيه صناعة السينما في مصر. زارني في مكتبي مع ابنته والسيناريست، وجلست بينهم لمشاهدة الفيلم. قلت للسبكي: سأحاول إقناع وزير الثقافة لإجازة عرض الفيلم، إذا قبِلتَ حذف ستة مشاهد حددتها له. لم أحدد هذه المشاهِد باعتباري صاحب سلطة آنذاك، وإنما باعتباري ناقدًا وأستاذًا لفلسفة الفن وعلم الجمال، وعلى هذا الأساس أوضحت للسبكي لماذا يجب حذف هذه المشاهِد من الناحية الفنية. من بين هذه المشاهِد التي طالبت السبكي بحذفها ثلاثة مشاهِد من أربعة تقريبًا، تصور تلصص الصبي على جسد هيفاء وهبي بينما تتقلب على فراشها في رداء نومها، إذ يكفي مشهد واحد من هذا لتأسيس المُرَاد هنا في السياق الدرامي للفيلم، أما تكرار المشهد هنا فسوف يكون من قبيل مشاهِد "البورنو" التي تهدف إلى الإثارة الجنسية فحسب. قال لي السبكي: إن هذا سوف يكبدني خسائرَ جسيمة، خاصةً أنني لم أدفع بعد لهيفاء وهبي أجرها عن الفيلم، فقلت له: إن هذه المشاهِد لا تستغرق سوى بضع دقائق، فقبل ذلك مني، ربما لأنه شعر أنني أريد أن أساعده وأنني أتحدث معه من منطلق فني لا سلطوي. كنت أود أن أُنهي هذه الأزمة المفتعلة حول الفيلم التي لا تفطن إلى حقيقة أزمة السينما في مصر الآن بعد طول تألق وازدهار خلال النصف الثاني من القرن الفائت. أخبرت وزير الثقافة الدكتور صابر عرب أنني أستطيع حل هذه الأزمة وتجاوزها على هذا النحو الذي ذكرته، والذي يُرضي كل الأطراف ولا يجور على الفن في الوقت ذاته، فتردد في الموافقة على موقفي من حل الأزمة، ثم هاتفني في اليوم التالي بضرورة إحالة تظلم السبكي إلى لجنة التظلمات بالمجلس الأعلى للثقافة. فأحلت الموضوع برمته - على غير رغبة مني - إلى هذه اللجنة التي انتهت إلى رفض عرض الفيلم. لجأ السبكي إلى القضاء، فكسب قضيته، وأصبح الفيلم متاحًا لجمهور السينما ولجماهير شبكة المعلومات، فهؤلاء جميعًا قد أصبحوا أكثر حرصًا على مشاهدة هذا الفيلم الذي أثير حوله كل هذا الجدال، وهو الفيلم نفسه الذي كان قد أوشك أن يُرفَع من دور السينما بعد أسبوعين من عرضه، بسبب ضعف إقبال المشاهدين عليه. 

هكذا حال السينما في مصر، وهكذا تكون إدارتها التي لا تفطن إلى أهميتها وإلى ضرورة دعم صناعتها. فليست مواجهة الفن الرديء تكون بالمنع، وإنما بإبداع الفن الرفيع الذي يطرد الفن الرديء، حينما يصبح قادرًا على تشكيل ذائقة الناس الفنية الجمالية. وبما أن إنتاج الفن السينمائي الرفيع أو حتى الجيد، لا يمكن أن يحدث في بلد لا يزال متعثرا في النمو منذ عقود طويلة أو تم تجريفه بحيث لم يعد فيه مؤسسات فنية خاصة قادرة على صناعة الفيلم، فلا بد إذن من أن تتبني الدولة السينما باعتبارها فنًا وصناعة في الوقت ذاته، وباعتبارها رافدًا بالغ الأهمية من روافد الثقافة بمفهومها الواسع. هذا دور الدولة في كل مجتمع - مثل مجتمعنا - يريد أن ينهض من جديد ويلملم أشلاء جسده المبعثرة، إلى أن يأتي الوقت الذي تنهض فيه مؤسسات فنية خاصة قادرة على صناعة كل أشكال الفن السينمائي بحِرفية عالية في سياق تنافسي مع إنتاج الدولة الرفيع. 

وإذا كان من مهام الدولة - بمقتضى الظروف الراهنة - أن ترعى صناعة السينما مثلما ترعى سائر الفنون والآداب، فإن هذا لا يعني اختزال دور الدولة في دور الرقيب، فالراعي لا يُراقب فحسب، وإنما يُنشِئ ويدعم ويطور. ولذلك فإن ما ينبغي اختزاله هو دور الرقيب نفسه ممثلاً في سلطة الرقابة على المصنفات الفنية التي هي جزء من سلطة الدولة. وعلى الرغم من أن هذه السلطة كانت تتبعني بمقتضى منصبي، فقد كنت أراها سلطة غاشمة جهولة فضفاضة، بحيث تتيح للقائمين عليها كافةً أن يكونوا أصحاب سلطة واسعة ومطلقة. ذلك أن أغلب الرقباء هم موظفون يطبقون قانونًا فضفاضًا عقيمًا، وبالتالي يحق لكل منهم أن يكيف أي مادة في القانون بحسب قناعاته الفكرية وربما بحسب قناعاته الدينية المغلوطة، دون أن يكون له أي باع في مسائل الفن والنقد الفني، بل إن القائم على هذه الرقابة قد يتم اختياره دون أن يكون له باع في ذلك أيضًا، والأمر كله عبث! ولذلك فقد سبق أن اقترحت مشروعًا لإعادة هيكلة الرقابة على المصنفات الفنية، وهو الأمر الذي أصبح يتخذه كل وزير أو مسئول عن الثقافة شعارًا له، فكل مسئول أو غير مسئول أصبح يرفع شعار "إعادة هيكلة الرقابة على المصنفات الفنية" دون أن يقول لنا شيئًا مفيدًا أو يتخذ إجراء عمليا. هذا المشروع يعني ببساطة أن يختص بعمل الرقيب أهل الاختصاص من المؤهلين، وأن تقتصر سلطة الرقابة في المنع وعدم إجازة الأعمال الفنية (السينمائية وغيرها من فنون العرض) على ثلاثة محاذير أساسية فقط، وهي: 

- ازدراء الأديان أيًا كانت، بما في ذلك ازدراء رموزها ومعتقداتها. 

- ازدراء الآخر، سواء تمثل هذا الآخر في جنس بشري أو شعب أو عِرق. 

- البورنو (أو الجنس الصريح)، أي توظيف أجزاء من العمل الفني لا تخدم السياق الدرامي، وإنما تهدف إلى الإثارة الجنسية فحسب. 

هكذا ينبغي أن يُصاغ القانون في بضعة سطور أو في نصف صفحة على الأكثر، وما دونها فينبغي أن يقتصر على الإجراءات الإدارية التي تكفل عدم مخالفة صناعة العمل الفني لهذه المبادئ المهنية، بدءًا من صياغة السيناريو، حتى إخراج العمل في صورته النهائية. أما الإجراءات الإدارية الأخرى من قبيل استيفاء المستندات والاستمارات ودفع الرسوم المقررة في كل خطوة، فهذا شأن الموظفين من غير المختصين بشئون الفن. وهكذا يمكننا اختزال قانون الرقابة على المصنفات الفنية في صفحتين أو ثلاث، لأن الأصل في الفن هو الحرية والخيال الطليق، ومن ثم لا ينبغي محاولة كبح جماحه إلا إذا جار الفن على قيم إنسانية عامة أخرى، ذلك أن العمل الفني الرفيع يبقى دائمًا منطويًا على معانٍ وقيم إنسانية عليا. ولذلك كله أرى أن هيئة الرقابة على المصنفات الفنية ينبغي إعادة هيكلتها بدءًا من اسمها، بحيث يصبح اسمها "هيئة حقوق الإبداع والملكية الفكرية" (مع تفعيل قانون حماية حقوق الملكية الفكرية)، لأن الأصل هو حماية الفن والإبداع، لا الرقابة عليه ومحاصرته. 

الأهرام اليومي في

23.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)