كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

مايسترو السينما العالمية

95 عاماً على ميلاد فيلليني.. 95 عاماً من الفن

24 ـ محمد هاشم عبد السلام

 

لا يوجد في تاريخ السينما منذ نشأتها مخرج انفعالي ومُعَبِّر مثل الرائد الكبير فيدريكو فيلليني، ذلك العملاق الإيطالي العظيم، الذي مرت أمس الثلاثاء، الذكرى الخامسة والتسعين لميلاده.

إن مخرجاً عظيماً بقدر فيلليني ليس بحاجة إلى تقديم، أو أية إشادة من أي نوع بعمله أو بموهبته، لكن ذلك لا يمنع من أن نمر سريعاً على سيرته ومسيرته الفنية منذ أن كان في بلدته الساحلية "ريميني"، التي أطلقت على مطارها مؤخراً اسم مطار فيدريكو فيلليني، وحتى وفاته في مستشفى "بوليكلينيكو" في روما، مروراً بفترة شبابه وتعرفه بزوجته الممثلة القديرة "جوليتا ماسينا".

ولِد فيلليني، في 20 يناير 1920، بمدينة ريميني، التي كانت بالنسبة له بمثابة كون خاص به وبأصدقاء طفولته وبالشخصيات الثرية التي جسدت أفلامه الكثير منها. كانت عائلته من طبقة بورجوازية متوسطة ولم يعان فيلليني أو عائلته في صغره وحتى إنهائه لتعليمه الثانوي من البؤس أو الحاجة إلى المال. سافر فيدريكو إلى روما بعد انتهاء دراسته الثانوية ليبدأ عمله، الذي استهله أولا بالصحافة، ثم رسم الكاريكاتير، وكتابة الأعمدة، والموضوعات الصحفية، إلى آخره، وما لبث أن أخذ يكتب النصوص والاسكتشات الإذاعية الفكاهية، والنصوص المعدة من أجل امتحانات الممثلين المتقدمين لاختبارات الإذاعة.

عن تلك الفترة، يحدثنا فيلليني في كتابه، "كيف أصنع فيلماً"، فيقول: "كصبي اعتدت قضاء الساعات محاولاً نسخ تلك الرسوم. كان لديَّ دائماً ميل للخربشة أو الشخبطة على أي سطح أبيض – إنها العادة التي أحافظ عليها عندما أعد لفيلم، ولأنني لم يعد لديَّ ذكريات سينمائية للكلاسيكيات العظيمة، يظهر الفيلم لي أولا عبر الرسوم التخطيطية، الإسكتشات، التي أرسمها.

هذه الاسكتشات تمكنني من أن أفهم منظورياً، وأتوصل إلى فضاءات مكان التصوير، والأزياء، وتحديد أي وجه للشخصية سوف أحتاجه – بالفعل، عندما أبدأ تحضير فيلم جديد تكون الخطوة الأولى هي الرسم. إنها أيضاً طريقة للقول لنفسي إنني أعمل، وأن الأمر كله على ما يرام وفي إطاره المرغوب. أثناء سنواتي الأولى في روما عملت أيضاً كرسام كاريكاتوري، من أجل لقمة العيش أو لكيلا أستدين: كنت أحياناً أدخل إلى المطاعم وأسأل بجرأة إن كان أي شخص يريد أن أرسم له رسماً كاريكاتورياً".

في تلك الأثناء تعرّف فيلليني على الممثلة الجميلة والفذة في أدائها وزوجته في المستقبل "جوليتا ماسينا"، التي كانت تقوم بالتمثيل في الإذاعة في تلك الفترة ومالبثا أن تعارفا، ثم، تزوجا في عام 1943، وقد ألهمت ماسينا فيلليني، وهو ما اعترف به أكثر من مرة، الكثير من أفلامه وكان تأثيرها عليه لا ينكر، وقد أشاد فيلليني بها وبموهبتها كممثلة، والمعروف أن ماسينا قد فارقت الحياة حزناً على وفاة المايسترو بعده بخمسة أشهر.

كان فيلليني في هذه الفترة قد بدأ كتابة السيناريو وكان هذا سبباً في تعرفه على المخرج الإيطالي القدير، الذي وُصِفَ برائد الواقعية الإيطالية الجديدة، "روبيرتو روسيلليني"، وبدأ أول عمل معه في فيلم بعنوان "روما مدينة مفتوحة" عام (1945)، ثم بعد ذلك فيلم "مناظر طبيعية" (1946).

وقد أخرج فيلليني أول أعماله عام (1950)، وبعد كتابته لسيناريوهين أو أكثر (1951– 1952)، كلاهما من إخراج "بيترو جيرمي"، قدّم ثاني أعماله، وأولها كمخرج مستقل وكان بعنوان "الشيخ الأبيض" (1952). وفي عام (1953)، كان موعده مع الشهرة وذيوع وانتشار اسمه بعدما أخرج تحفته الأولى "العجول السمينة"، لينطلق فيلليني بعد ذلك محلقاً في سما الفن والإبداع بإيطاليا وأوروبا والعالم أجمع، ويحصد إلى جانب الجوائز والمديح والإطراء العديد من الألقاء مثل الأستاذ، والحالم، والمايسترو، وهو أكثر الألقاب التصاقاً به، وأيضاً النقد العنيف والاستهجان واللعنات من جانب النقاد والجمهور.

يعترف الكثير من النقاد العالميين ليس فقط بصعوبة التحدث عن أفلام فيلليني أو على الأقل تقديم فكرة عامة عمّا تدور عنه أحداث كل فيلم منها، بل أيضاً صعوبة تلقيها. وهي صعوبة ليست ناجمة من طبيعة الأفلام ذاتها أو توجهها لنخبة معينة من الجمهور، وإنما مردها للمايسترو نفسه، الذي أراد ونجح من خلالها في تقديم نوعية جديدة من الأفلام ليست للحبكة أو الحكاية وتتابع السرد والمشاهد دوراً كبيراً فيه، بقدر ما للرؤية البصرية من دور أكبر.

هذا بالإضافة إلى تلاشي الخط الفاصل بين الحقيقة "الواقع" والخيال "الوهم" في أفلامه، إنها، إن شئنا الدقة، محاولة لحكي أحلامه. وهل هناك صعوبة أكثر من هذا؟ فالمرء يعجز عن هذا فيما يخص أحلامه ذاتها ولو لمرة، فما بالنا بهذا العملاق الذي لم يكف عن الحلم لما يزيد عن أربعين عاماً من العمل الإخراجي. وما يزيد الأمر صعوبة قوله: "أفلامي ليست للفهم. إنها من أجل الرؤية". 

هذا من جهة، من جهة أخرى إذا سألناه عن أفلامه، ما الذي كان يعنيه هذا الفيلم أو ذاك نجده يقول: "لمدة أربعين سنة كنت أحاول تفسير شيء ما لا أستطيع تفسيره. أسمع فقط أسئلة ليس بإمكاني الإجابة عنها". أي أن عملية البحث في أفلام فيلليني عن إجابات معينة حتى لما طرحه هو وليس لأسئلتنا نحن، أمر بلا شك تحفه المخاطر، وأيضا بمثابة استخفاف بأفلامه، والوقوع في أسر التلقي السيئ، أو على الأصح سوء الرؤية البصرية.

فقد أتت أفلام فيلليني بمستوى شديد الجدة والخصوصية فيما يتعلق بالسينما الذاتية بصفة خاصة والسينما الإيطالية بصفة عامة، خصوصاً تلك النقلة بين سينما ما قبل الحرب وما بعدها، بل إنه واحد من أكثر المخرجين في عصره تعلقاً بسيرته الذاتية، وكثيراً ما تضمنت أفلامه مشاهد عديدة مستوحاة منها، وتلك هي التهمة التي كثيراً ما اتهمه النقاد بها وأخذوها عليه وعلى أفلامه، "الذاتية الشديدة التي تصل حد الإغراق". وهذا هو ما نفاه المايسترو مراراً وعارضه كمنهاج لتناول أفلامه. لكنه عاد في إحدى المقابلات الصحفية واعترف صارخاً ذات مرة في وجه أحد الصحفيين: "أنا مرتبط دائماً بسيرتي الذاتية، حتى لو كنت أحكي قصة عن حياة الأسماك".

والمثير في الأمر أن شخصية بحجم فيدريكو فيلليني في تاريخ السينما العالمية والإيطالية ومكانته آنذاك، وعدد أفلامه التي بلغت أربعة وعشرين فيلماً تقريباً، نجد أن عملها في صناعة السينما لم يكن سهلا بالمرة، ومر بالكثير من الصعوبات والعقبات على نحو متفاقم على امتداد تاريخه، سواء من حيث الحصول على المساندة المالية من قبل المنتجين أو من جهة الموزعين. ومن ناحية أخرى، تقلص النقد المتناول لأفلامه وادعاء البعض أن كثيراً من أعماله تافهة ولا أهمية لها، وأنها تؤكد ما عُرف عنه وهو أنه مخرج سيري، أي منغمس في سيرته الذاتية. وذلك برغم كل تلك الجوائز العالمية التي نالها ولم يسبقه لها أحد من قبل، فعلي سبيل المثال، ترشح اثنتي عشرة مرة لجوائز الأوسكار، فاز منها بأربعة جوائز أوسكار لأحسن فيلم أجنبي، وأوسكار خامس تكريمي لإسهامه الفذ في تاريخ صناعة السينما في عام 1993، هذا غير جوائز الجولدن جلوب والبافتا، وجوائز عدة في كان وبرلين وفينسيا وغيرها من المهرجانات العالمية.

لكن جزءاً من هذا مرده بالطبع لمهاجمة فيلليني لكل ما هو تافه وسحطي وفاسد، وكثيراً ما شنّ المايسترو حملة شعواء ضد التليفزيون ومحطات الشبكات، كما رفع العديد من القضايا ضدها، بسبب كثرة قطع الإعلانات لأفلامه. وخاصة الشبكة التي يملكها إمبراطور الإعلام الإيطالي "لويجي بيرلسكوني"، الذي اشترى معظم أفلام فيللني واحتكرها إلى الأبد، ولم يستطع المايسترو أن يفعل شيئاً إزاء هذا السطو على إبداعه وخسر القضايا التي رفعها، ولم يستطع بالطبع أن يوقف هذا التدخل السافر والسخيف للإعلانات.

يقول المايسترو عن هذا في إحدى المقابلات: "إن ممارسة القطع الإعلاني في سياق عرض جاد هي جريمة فكرية، لأن معناها تنمية عملية تقطيع مسار التفكير وتعويد الناس على عدم الاصغاء إلى أي شيء أو مشاهدة أي شيء. وهي وسيلة، تبدو ناجحة جداً، للحيلولة بين المتفرج والتفكير الجدي والعميق والمفيد فيما يشاهده. وليس فقط مجرد منعه من متابعة الحكاية التي يشاهدها أمامه".

من ناحية أخرى، لا يستطيع أحد أن ينكر أن أفلام المايسترو، في أغلبها، على وجه الدقة، تهيمن عليها بجلاء عملية تصوير الحلم الخيالي بطريقة واضحة، بلا حدود فاصلة محددة بين الحقيقة والخيال. هذه البصمة التصويرية والإخراجية المنفذة وفقاً لمنطق الأحلام، أي منطق التدفق السريع، المضطرب، اللامعقول، الذي يحكم تدفق الأحلام ولا منطقيتها، هي قوام سينما فيلليني. وقد كانت بالقطع في زمنها شديدة الصعوبة على النقاد والمتخصصين وبالطبع الجمهور العادي.

لكن وبالرغم من كل ذلك، فليس ثمة شك في أن أفلام هذا المايسترو الساحر قد صنعت علامة مميزة، واستشرفت ذرى غير مسبوقة في تاريخ الفيلم وصناعة السينما. وسواء كانت هذه الأفلام قد أثني عليها أو تم تجاهلها، فإن كل واحد منها يعتبر محاولة لإعادة اكتشاف جوهر الفن السابع، هذا الفن الغامض والساحر دائماً.

وفي النهاية ليست تلك سوى محاولة للاقتراب من عالم هذا المخرج الفذ، الذي رحل عن دنيانا في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 1993، وهو في الثالثة والسبعين من عمره، بسبب أزمة قلبية. وقد صدرت عنه بالعديد من لغات العالم، ولا تزال تصدر، مئات الكتب التي تتناول سيرته ومسيرته الفنية وأفلامه، وسيناريوهات أفلامه ورسوماته واسكتشاته، وقد ترجم منها الكثير إلى لغتنا العربية.

من الطريق إلى القافلة تسير

هذه هي أهم أفلام فيدريكو فيلليني

24 ـ محمد هاشم عبد السلام

أخرج فيلليني أول أعماله عام (1950)، وبعد كتابته لسيناريوهين أو أكثر (1951– 1952)، كلاهما من إخراج "بيترو جيرمي"، قدّم ثاني أعماله، وأولها كمخرج مستقل بعنوان "الشيخ الأبيض" (1952). 

عام (1953)، أخرج تحفته الأولى "العجول السمينة"، عن العجول كما تشير الكلمة الإيطالية أو كما نقول نحن "العاطلين بالوراثة"، الشباب الذين يقضون إيامهم ما بين الكازينو والمزاحات الصبيانية رغم أنهم لم يعودوا بعد مراهقين، لكنه الخمول والكسل وحياة البطالة التي يحيونها هي التي تجعلهم يبدون كذلك. وحتى محاولتهم للتحرك من أجل الخروج من الوضع الذي هم فيه كانت سرعان ما تنتكس ويعود كل شيء مثلما كان عليه، ما عدا أحدهم ويدعى "مورالدو" أصغرهم سنًا وكانت كل رغبته تتمثل في الهجرة للعاصمة، وقد تمكَّن بالفعل من الفرار من هذا الإيقاع المميت. هذا الفيلم فاز عنه فيلليني بالأسد الفضي لمهرجان فينيسيا، وحظي بتوزيع وإقبال عالمي كبير.

الفيلم الذي صنع اسم فيلليني وأكد موهبته ووضعه بين العظماء هو، "الطريق" (1954)، الذي حاز أيضاً على جائزة الأسد الفضي، وأوسكار أحسن فيلم أجنبي وقرابة خمسين جائزة أخرى من أنحاء العالم. نجاح هذا الفيلم جلب له ولزوجته النجمة "جوليتا ماسينا" شهرة كبيرة مستحقة. وهو عن الغجري "زمبانو" والشابة المسالمة الضعيفة "جيلسومينا" (أنتوني كوين وجوليتا ماسينا). 

ذلك الشخص القوي البنية الذي يقدم استعراضاته البدائية في القرى والميادين الصغيرة، والذي يبتاع من إحدى الأسر المعدمة جيلسومينا دافعًا فيها قدرًا ضئيلا من المال، وسرعان ما تصبح مساعدة وعشيقة له في نفس الوقت، لكنها بالنسبة له ليست سوى أحد أشيائه، فهو لا يعبأ بها على الإطلاق ويعاملها بقسوة تصل حد العنف، أما هي فلفرط طيبتها وسذاجتها لم تحاول الاعتراض أو الشكوى أو حتى الفرار، فقط كانت تنفذ ما تؤمر به.

لكن الأحداث تتصاعد بظهور المهرج المتشرد اللطيف (ريتشارد بازيهارت) والذي تهيم جيلسومينا به حبًا لرقته وعطفه عليها. كان هذا المهرج كثير السخرية من زمبانو لفرط استعماله القوة، وفي إحدى المشادات بينهما يقتله زمبانو، وسرعان ما تفقد جيلسومينا عقلها إثر الحادث، الأمر الذي يدفع بزمبانو لهجرها، بعد عدة سنوات يكتشف بالصدفة أنها قد ماتت، عندئذ يدرك ما هو عليه من وحدة وتزداد وطأة الأمر عليه بتذكره لها، الأمر الذي يفضي به في النهاية إلى البكاء الهيستيري الحارق عند أحد الشواطئ وحيدًا مهجوراً

"ليالي كابيريا" (1957) هو عن مأساة كابيريا (ماسينا) العاهرة الشقية الساذجة التي تكاد تفقد حياتها على يد أحد أصدقائها طمعًا في مالها، والباحثة بلا جدوى عن الحب والأمان والتي ما تلبث أن تنتهي من مشكلة أو مصيبة أومحاولة لقتلها حتى تعود مرة أخرى بسذاجتها المعهودة لنفس الفخ ثانية، لدرجة أنها تبيع منزلها الذي ليس لها غيره من أجل أحد عشاقها الذي أغراها بالحب وبالزواج، رغم إدراكها أنه كاذب، لكنه التعلق بالأمل والتوق للحب والأمان، وقد أفلتت من الموت على يديه بأعجوبة. لكن هل أدركت بالفعل أن سذاجتها هي سبب شقائها؟ وما أهمية هذا بالنسبة لها مادامت ستواصل الطريق نفسه ثانية! هذا الفيلم استحق عنه فيلليني ثاني أوسكار له.

عام (1960) أخرج فيلليني "الحياة الحلوة"، أحد أشهر أفلامه، والذي تألق فيه النجم ماستورياني، في دور الصحفي "مارشيلو" الذي يأمل أن يصبح يوماً ما كاتباً ذا شأن بدلاً من كونه مجرد محرر للفضائح المجتمعية بإحدى الصحف الصفراء. هذا الفيلم الذي يطوف بنا خلال صفوة الطبقة الاجتماعية الصاعدة في إيطاليا بعد الحرب، أو مجتمع النخبة، الذي يفضحه فيلليني عن طريق مجموع من الحكايات والشخصيات المنفصلة. لكن ذلك يتم بطريقة إخراجية غاية في التميز حيث بدأ فيلليني المُجدد في تلمس طريقه للخروج من الأطر الضيقة للواقعية الإيطالية، والسينما المعتمدة على الحبكة والخط الدرامي والزمني المتصاعد دومًا بشكل ضروري، كأنه لا غنى عنه.

هذا الفيلم قوبِلَ بكثير من النقد في إيطاليا، ليس لطريقة تناوله الإخراجي. وعند عرضه الأول بميلانو، صاحت الجماهير مستهجنة الفيلم ومزدرية إياه. وتلقى الفيلم الكثير من الإهانات وكذلك المخرج، فهو يصور الانتحار وحياة الانحلال والجنس بمجتمع روما الذي هو رمز للمجتمع الإيطالي بصفة عامة، وبرغم كل الهجوم الذي تعرض له الفيلم، فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان "كان"، وترسخت مكانته كواحد من أعظم الانجازت في تاريخ السينما.

الفترة من 1960 وحتى 1963 لم تشهد سوى إنتاج بسيط للمايسترو، وهو ما سبب له الكثير من الإزعاج والإرهاق الشديد لفرط بحثه المضني عن فكرة فيلم. وكان بالفعل قد وقع العقد وتقاضى مقدمًا واتفق مع الممثلين والعاملين وبدأ تشييد الديكور، وفي اليوم الذي جلس فيه لكتابة خطاب للمنتج لفسخ العقد، وبعد أن انتهى بالفعل من الخطاب، إذ بالفكرة تأتيه، الأمر الذي قاده في النهاية لإخراج تحفة أخرى، يعتبرها كثير من النقاد من أعظم أفلامه، "ثمانية ونصف" (1963). وهو عن المخرج المعروف "جويدو" (ماستورياني). كان جويدو يستجم بإحدى مصحات الحمَّامات المعدنية، محاولا قدح زناد فكره للخروج بفكرة فيلم سيقوم بإخراجه، ولا يدري كيف سيتسنى له هذا ولا وجود للفيلم. وبدلا من التركيز للعثور على الفكرة تبدأ المشاكل تتعقبه، تحضر زوجته، ثم عشيقته، ثم الممثلة التي من المفترض أن تقوم بدور في الفيلم، وتبدأ الهواجس في محاصرته بشكل مرعب ولا يدري إن كانت الأمور والأشياء والأشخاص حقيقة أم خيال، المنتج، العاملين، والدته المتوفية التي تحكي له عن قبر أبيه المتوفي وتريه إياه، المدرسة الداخلية وهو صغير، كل هذا يجعله يفكر في التخلي عن الفيلم نهائيًا، لكن سرعان ما تظهر كل شخصيات حياته في حلبة التصوير، ويبدأ هو بإعطاء إشارة بدء الفيلم. هذا الفيلم فاز عنه فيلليني للمرة الثالثة بالأوسكار، بالإضافة للجائزة الكبرى في مهرجان موسكو وعدة جوائز أخرى.

"ساتيريكون" (1969)، وصف النقاد هذا الفيلم بأنه أكثر أفلام المايسترو إغراقاً في السريالية والهذيان. فيلليني نفسه وصف الفيلم ذات مرة قائلا: "إنه خيال علمي من الماضي". وبالطبع الفيلم بالكامل يتحرك بالمنطق الذي يحكم الأحلام، متشظيًا، مبهمًا في أجزاء كثيرة منه. ولسنا هنا بالطبع إزاء قصة بالمعنى المتعارف عليه، حتى ولو قارناه بأفلامه السابقة أو التالية، بل مجموعة قصص متعددة ومواقف كثيرة ومشاهد متنوعة لا يربط بينها جميعًا سوى ظرف تاريخي معين، إنها اللحظة التي انهارت إثرها الحضارة الرومانية.

وكل ما نستطيع تبينه بعد مشاهدتنا لهذا الفيلم، أن فيلليني حاول المقارنة بين الماضي المتمثل في انهيار الحضارة الرومانية بسبب الانحلال والفساد والعنف ورفض مواجهة المشاكل وغياب القيم وانهيار الإنسان بسبب إطلاق العنان لغرائزيته، وبين المجتمع الإيطالي بصفة خاصة الذي كان قد بدأ مرحلة جديدة من الانتعاش الاقتصادي وما صاحب هذا الانتعاش من مظاهر اجتماعية وإنسانية سلبية. إنه فيلم بصري تهكمي لاذع تغلب عليه السمة الفانتازية، والرؤية السوداوية البشعة للنفس الإنسانية عندما تنحط وتُعلي من شأن الغرائز في مقابل تراجع الدور القيادي للعقل.

إنه رحلة تقدمية تمثل ذروة سنوات الستينات، وتعليق أساسي جوهري على الحاضر عبر استنطاق الماضي وفحصه من خلال الحاضر. وقد انقسم النقاد حول الفيلم ما بين مادح له كنوع جديد من السينما غير المعتادة، التي لا تسير بخط منتظم، أو كما قال عنه آخرون أنه من نوعيه أفلام فيلليني المعتادة في ذاتيتها وغموضها وشهوانيتها ومجونها وسرياليتها المجانية.

بعد "المهرجون" (1970) و"روما" (1972) أخرج فيلليني أحد أكبر وأقوى أعماله، وهو تحفة سينمائية أخرى، "أماركورد" (1973) (أنا أتذكّر، باللهجة المحلية)، الذي نال عنه الأوسكار الرابع والأخير كأفضل فيلم أجنبي. وتدور أحداثه خلال الثلاثينات أثناء الفاشية، بمدينة فيلليني الساحلية ريميني، ويتمحور حول عائلة بها ابن مراهق مهووس بالجنس "تيتا"، الذي ينشأ وسط أسرة متسلطة أفرادها غير طبيعين، ويتلقى تعليمًا كاثوليكيًا خطابيًا فاشيًا، الأب ملاحظ عمال سريع الغضب فوضوي معارض للفاشية، والأم بليدة مُسيطرة، أحد أخواله في مستشفى المجاذيب، والخال الآخر عاطل وفاشي، الجد دموي وبه حيوية وطاقة غريبة، الأخ الأصغر متمرد وغير مهذب. والفيلم عبارة عن مزج لطيف بين الوهم الخيالي الفنتازي، والسخرية اللذيذة المؤلمة، الزائدة في هذا الفيلم والواضحة فيه عن بقية أفلامه.

إنه مجموعة من المشاهد والصور السريعة المتلاحقة المتراوحة، بين الميلودرامية والحميمية، والسخرية، والكاريكاتيرية. وبالفيلم العديد من المشاهد الشيقة، التي هاجم فيها الفاشية وقام بتشريحها بلا مباشرة. ليست فقط الفاشية بمفهومها العام، السياسي، بل كحالة من حالات النفس الإنسانية بوجه خاص، والتي يرى أنها موجودة بأعماق كل منا بدرجات متفاوتة، متوارية عن الأنظار، حيث الطاعة والخنوع والموافقة الدائمة، والاستسلام التام للسلطة في كل صورها، حيث تجري معاملة الفرد كطفل صغير غير بالغ ولا يراد له ذلك البلوغ.

"كازانوفا" (1976)، بهذا الفيلم الصادم لقطاع عريض من الجماهير، قدّم فيلليني كازانوفا آخر مغايرًا تمامًا لما في أذهاننا من صور ارتسمت لهذا العاشق، زير النساء الذي صار اسمه محفوظًا ويضرب به المثل، حتى عند الذين لم يقرؤوا مذكراته أو يشاهدوا الأفلام المصنوعة عنه. وها هو المايسترو يأتي بفيلم يقدمه وقد شاخ وهرم، وصار وجهه مهزومًا، ونظراته هيستيرية قلقة، ذو ضحكات مشدوهة، وقد انتهى به الأمر أمينًا لمكتبة. صحيح أنه يقوم بمغامرات، لكن ليست كلها ناجحة.

يظن كازانوفا أنه مصاب بالزهري ويفكر بالانتحار! لكنه ينصرف عن هذا ويصاب بما هو أسوأ، الشيخوخة، وانطفاء سحره وبريق جاذبيته، ويصير في النهاية مهملا من جانب البلاط، وسرعان ما يسقط في دوامة ذكرياته عن الماضي، وينتهي به المطاف يراقص دُمية ميكانيكية. هذا الفيلم الذي يقول عنه المايسترو إنه مجرد فيلم شكلي عن "اللا – حياة"، مازال معترفًا به كإنجاز عميق في مهنة فيلليني.

بعد ثلاث سنوات من التوقف عاد الأستاذ بفيلمه "القافلة تسير" (1983) أو حرفياً "وتمضي السفينة". تبحر السفينة "جلوريا" من نابولي، إبان الحرب العالمية الأولى، بعد صعود المسافرين إلى "إريمو". يجمع لنا فيلليني في هذه السفينة نماذج مختلفة وشديدة التباين، مغنيين، مديرو فرق أوركسترالية، صحفي، نبيل إيطالي، رماد مغنية شهيرة سينثر في المياه، خرتيت، صربي انتشلته السفينة بعد أحداث سراييفو، يلقي بقنبلة على باخرة نمساوية/مجرية، ترد بدورها وتغرق السفينة جلوريا. ينجو الصحفي، ونشاهده وهو مستقل قاربًا ويجدف مسرورًا، وفي مقدمة القارب الخرتيت الذي نجا بدوره ويجتر غذاءه في سلام وهو يتطلع لعرض البحر.

إنه حقًا فيلم غريب، قال بعض النقاد إن فيلليني في هذا الفيلم يصفي حساباته مع فن الغناء الأوبرالي ونجومه، ويزعم أن المايسترو كان لا يستسيغه كفن على الإطلاق! كل ما يمكن قوله عن هذا الفيلم، أن المايسترو أثبت فيه أن ميله للوصف اللافت المتوهج لم يفقد مهارته الكوميدية أو التهكمية.

اعتبر بعض النقاد "صوت القمر" (1993)، آخر أفلام المايسترو، هذا العمل المليء بالإشارات والأفكار الحنينية، فيلم غريب وحزين. صوت القمر هو الذي ربط كل الهواجس والموضوعات التي كانت تشغله منذ فيلم "ثمانية ونصف"، بالإضافة إلى سلسلة المشاهد الغرائبية والفنتازية كعهدنا مع فيلليني، لكن في هذه المرة يكاد العرض يماثل رقة وعذوبة الشعر نفسه.

إننا إزاء تمكن ثلاثة قرويين من اصطياد القمر، الذي يقال إنه يصدر أوامر إلى صغار الشياطين على الأرض، وتقييده داخل أحد العنابر. "إيفو" (روبيرتو بينيني)، الذي تقول له جدته مقولة رائعة تلخص فيها فلسفة فيلليني الحياتية برمتها "إن الذكرى أجمل بكثير من الحياة نفسها"، يبقى في نهاية الفيلم يثرثر مع القمر بناء على دعوة منه بذلك.

موقع "24" الإماراتي في

21.01.2015

 
 

كلاسيكيات الأفلام الدينية

كتاب سينمائي مصري أهمل موجة الأفلام الجديدة متوقفا عند الستينات

لندن: أمير العمري

أصدر الباحث السينمائي سامح فتحي، على نفقته، كتاب «أنبياء في السينما العالمية»، الذي زينه بمجموعة كبيرة من الصور وملصقات الأفلام (الأفيشات) التي حصل على معظمها بمراسلة عدد من شركات السينما العالمية ودفع مقابلها مبالغ باهظة، ففتحي أيضا من هواة جمع الملصقات والصور القديمة.

يشمل الكتاب 14 فصلا، يتناول كل فصل فيلما واحدا من كلاسيكيات هوليوود الشهيرة، من الفيلم الصامت «ملك الملوك» (1927) وحتى فيلم «الكتاب المقدس» أو «في البدء» الذي عرض عام 1966. وقد بذل الباحث جهدا كبيرا في إعداد مادة الكتاب، سواء المعلومات الكثيرة عن كل فيلم، أو العرض التفصيلي لمشاهد الفيلم وأحداثه، ثم ملاحظاته على الجوانب الفنية في الفيلم، والتوقف بعد ذلك أمام علاقة الفيلم بما ورد في الكتب المقدسة، والمقارنة بينها.

إلا أن عنوان الكتاب يوحي بأننا سنقرأ كتابا عن كل الأفلام التي أظهرت الأنبياء في السينما، خصوصا السيد المسيح وسيدنا موسى وسيدنا نوح (عليهم السلام جميعا) وغيرهم، لكننا نجد أن اهتمام المؤلف ينصب فقط على مجموعة منتقاة من الأفلام الكلاسيكية القديمة التي تتوقف عند عام 1966، وكان حريا به في هذه الحالة أن يطلق عليه «كلاسيكيات الأفلام الدينية»، خاصة أنه لا يشمل ما ظهر حديثا من أفلام أثارت جدلا كبيرا حولها مثل «نوح» و«الخروج: آلهة وملوك» وغيرهما، وهي الأفلام الأكثر قربا من ذاكرة القارئ.

ويرجع المؤلف السبب في ظهور ما يطلق عليه «موجة الأفلام الدينية في الخمسينات والستينات» إلى الرغبة في «جعلها نبراسا وعظة للشباب بعد أن ظهرت الكثير من الموجات الإلحادية والسلوكيات الشاذة، والعلاقات الجنسية غير السوية، والأخلاقيات المنحرفة»، مما دفع صناع السينما في رأيه إلى محاولة «إعادة الشباب إلى النبع الذي من الممكن أن يستقوا منه العبرة والموعظة». وخلاصة هذا الرأي الذي يسهب فيه أن هوليوود الأميركية كانت مدفوعة بدوافع أخلاقية لمواجهة موجة من الإلحاد والانحراف الأخلاقي في الغرب، في حين أن هوليوود التي أنتجت كل هذه الأفلام التي يتضمنها الكتاب كان دافعها الأساسي، ولا يزال، هو تحقيق أكبر قدر من الإيرادات. وكانت هوليوود تواجه في الخمسينات والستينات تحديدا الانتشار الكبير للتلفزيون الذي هدد بإصابة صناعة السينما بالكساد، فلجأت إلى الإنتاج الضخم المبهر الذي يعتمد على المناظر الكبيرة والمجاميع الضخمة والمعارك الأسطورية ومشاهد المعجزات، في أفلام مصورة بالألوان وللشاشة العريضة (سكوب) لكي تبهر المتفرج وتعيده إلى دور السينما بعد أن كان الكثير من هذه قد أُغلق.

يقول دوغلاس غومري، في دراسته بعنوان «ظهور التلفزيون وجمهور السينما المفقود» (نشرت في جورنال الفيلم والفيديو - 1985)، إنه «مع نهاية الخمسينات بلغ عدد أجهزة التلفزيون في منازل الأميركيين 50 مليون جهاز، وتفوق التلفزيون على السينما كوسيلة اتصال جماهيري». وحتى منذ أن بدأ إنتاج الأفلام الدينية في هوليوود في العشرينيات، كان الهدف الرئيسي لهوليوود هو «تقديم مشاهد الفرجة المبهرة، ومناظر الإغواء المثيرة»، وكانت أفلام سيسل دي ميل - كما يقول ليستر فريدمان في كتابه «الصورة اليهودية في هوليوود» (نيويورك 1982) «تكتسب قيمتها الوحيدة من اهتمامها بالديكورات والفساتين المكشوفة عند الصدور، أكثر من تصويرها للجوانب التاريخية والدينية».

يقول المؤلف في معرض تقييمه لفيلم «ملك الملوك» (1926) إن سيسل دي ميل أراد «إعطاء صورة أقل حدة عن اليهود الذين تسببوا في صلب المسيح كما هي عند المسيحيين فيقدمهم بطريقة أقل حساسية في هذا العمل». وكان سيثري الكتاب دون شك، لو أن المؤلف عاد إلى ما أثير من جدل حول هذا الفيلم وغيره، أثناء تصويره. تذكر باتريشيا إرنز في كتابها «صورة اليهودي في السينما الأميركية» (نيويورك 1984) أن منظمة «بناي بريث» أو «أبناء العهد» وهي منظمة يهودية تأسست عام 1843 ولها فروع في جميع أنحاء العالم، ومهمتها الدفاع عن المصالح اليهودية ودعم إسرائيل، دعت إلى مقاطعة فيلم «ملك الملوك» بدعوى أنه يتعامل مع المصادر اليهودية «بازدراء».

باقي الأفلام التي يتناولها الكتاب من إنتاج الخمسينات والستينات، وهي «داور وبتشبع» و«كوفاديس» (الفيلمان من إنتاج 1951)، و«سالومي» و«الرداء» (كلاهما من إنتاج 1953)، و«ديمتريوس والمصارعون» (1954)، و«الوصايا العشر» (1956)، و«سليمان وملكة سبأ» و«بن هور» (كلاهما من إنتاج 1959)، و«ملك الملوك» الذي أعادت هوليوود إنتاجه من إخراج نيكولاس راي عام 1961 بالألوان، و«باراباس» (1961)، و«سادوم وعمورة» (1962)، وأخيرا «الكتاب المقدس» (1966).

ورغم المعلومات الكثيرة التي يسوقها المؤلف، فإن ما يقلل كثيرا من قيمتها أنه لا يذكر قط مصادرها، فهو يقول في معرض نقد فيلم «سليمان وملكة سبأ»: «على الرغم من أن بعض النقاد لم يدرجوا هذا العمل ضمن الأفلام الدينية المميزة، وعدوا أداء بول برينر من الضعف في هذا العمل بدرجة أن أخرجه من أعمال برينر العظيمة وأداءاته الناجحة، فإن العمل يستحق الإشادة والمتابعة..». ولا يذكر لنا المؤلف من هم هؤلاء النقاد الذين قللوا من شأن الفيلم وأداء الممثل، كما أن الصياغة اللغوية للكتاب كله، كما تفصح هذه العبارة كمثال فقط، كانت في حاجة ليس فقط إلى مراجعة لغوية دقيقة بسبب وجود الكثير من الأخطاء، بل وإلى إعادة الصياغة لتفادي التكرار والاستطراد وضعف صياغة الجمل بشكل عام.

وتفتقر الكثير من الأحكام النقدية في الكتاب إلى الدقة، وربما يكون هذا ناتجا عن إساءة استخدام التعبيرات والكلمات، ففي معرض تقييمه أحد أشهر المشاهد في تاريخ السينما، وهو مشهد انشقاق البحر الأحمر حسب المعجزة الشهيرة التي يلجأ إليها موسى (عليه السلام) باستخدام عصاه في فيلم «الوصايا العشر»، يقول المؤلف «وعلى الرغم من أن مشهد انشقاق البحر يعد من أقوى مشاهد السينما (كذا) فإن مشهد خروج بني إسرائيل يزيد عليه (كذا)، فهو المشهد الذي يشعر المشاهد بطبيعة بني إسرائيل وحركتهم وحياتهم (كذا)، فهو مشهد مفعم بالحياة، ولا يميل للأداء المسرحي كما في مشهد انشقاق البحر..».

ومعروف أن دي ميل استخدم المؤثرات الخاصة في تصوير مشهد انشقاق البحر بحيث جاء مشهدا سينمائيا خالصا يعتمد على الصورة والحركة والتكوين والمؤثرات والموسيقى، ولا علاقة له بالمسرح، بل يبدو نابضا بالحياة، وذروة الفيلم قبل مشهد العبور مباشرة.

ولعل تحمل المؤلف جهد الإصدار على نفقته الشخصية يغفر له الكثير من الأخطاء.

الشرق الأوسط في

21.01.2015

 
 

تأملات ذاتية في المسألة السينمائية الثورية

كتب - أحمد يوسف - ناقد سينمائي مصري

أكتب هذه السطور بعد أيام قليلة من صدور الحكم "القضائي" على مبارك وأعوانه، وسط حالة من الفوران الذي لا يدل في حقيقته على أن شيئا حقيقيا يغلي في القدر، بقدر ما يدل على اقتراب الماء فى الوعاء من الجفاف. أربعة أعوام ونحن "محلك سر"، ولا جديد تحت الشمس، سوى مزيد من الحوار الذي يكاد يقترب من أن يكون لغطا ولغوا، وأشعر ـ وهذا شعوري وحدي على الأقل ـ أن هناك كلمات لم تفقد معناها فقط، بل إنه لم يكن لها معنى محدد في ذهن معظم أصحابها أصلا.

فالقليل من وقائع ثورة يناير معروف أو شائع، لكن هناك الكثير تم إخفاؤه عمدا، وما يزال خافيا لأنه يفضح رؤية العديد من الأطراف لمعنى الثورة، الكثير من التحالفات، الداخلية والخارجية، من أجل "تفطيس" هذه الثورة بأي ثمن، والكثير من الصراع حول الفوز بها، كأنها غنيمة على طاولة قمار، الكل يلعب عليها إما بنوع من المقامرة الانتحارية بالغة الخطورة، أو على طريقة "فيها لأخفيها"، أي أفسحوا لي مكانا وسط المقامرين، وإلا عكرت عليكم صفوكم. والخاسر الوحيد من هذه اللعبة هو الوطن.

تذكرت كيف أن السينما المصرية، في أكتوبر ونوفمبر 1953، احتفت واحتفلت بثورة يوليو، وبرغم أن بعض أهل اليسار انتقدوا ذلك الاحتفاء، باعتباره نوعا من التملق، وحشر فقرات لا علاقة لها بموضوعات الأفلام الهزلية، فإننا ننسى أن السينما كانت آنذاك هي "وسيلة الإعلام" الأكثر تأثيرا في الناس، لكن الأكثر أهمية هو أن هذا الاحتفاء يشير إلى أن ثورة يوليو 1952 كانت قد حددت معظم أهدافها من اللحظة الأولى، لذلك شهد فيلم مثل "الحموات الفاتنات" في نهايته نشيد "على الإله القوي الاعتماد"، الذي كان تعبيرا عن شعار "الاتحاد والنظام والعمل"، كما غنى إسماعيل ياسين "لنجيب وإخوانه" في فيلم "اللص الشريف"، في مونولوج كان عنوانه "عشرين مليون وزيادة"، وهو يقصد "الضباط الأحرار".

قارنت ما صنعته السينما المصرية بعد ما يقرب من أربع سنوات من ثورة يناير فلم أجد أثرا لأي احتفاء، بل مزيدا من الغموض الواعي أو غير الواعي، ربما لأنه في الحقيقة ليست هناك حتى الآن ترجمة سياسية واضحة لهذه الثورة، أخذت أي نوع من التطبيق العملي الذي ينعكس على حياة الناس، وربما لأن شركاء هذه الثورة لا يملكون إلا صورة غائمة عن تغيير ما، يبدأ وينتهي بـ"إسقاط النظام"، الذي كان عند البعض يعني التخلص من سنوات طويلة من الهوان الوطني على كل المستويات، دون أن تكون هناك صورة واضحة عن "نظام جديد"، بينما كان يعني عند البعض الآخر إسقاط الدولة ذاتها، وخلق فراغ سياسي ليكون البديل المتاح الوحيد هو قفزهم إلى مقاعد السلطة.

لذلك بدت الثورة عند البعض حلما طوباويا، تمثل في "كوميونة" ميدان التحرير، التي جمعت العديد من الفرقاء، لكنها بدت عند البعض الآخر كابوسا خانقا، لأن هذا الميدان ذاته تحول في مراحل لاحقة إلى ما يشبه ساحة الصراع بين مجموعة من "البلطجية" المتناحرين.

تأملت فيلما تسجيليا مثل "الميدان"، الذي سبق لمخرجته جيهان نجيم أن صنعت فيلما بعنوان "غرفة الأخبار" عن قناة الجزيرة. ووصل فيلم "الميدان" بشكل ما إلى التسابق على جائزة الأوسكار للفيلم التسجيلي، ليتاح له أن يشاهد على نطاق واسع، حتى لو لم يكن ـ كفيلم ـ مستحقا لهذه الشهرة، لكنه استحقها لأنه تحديدا يروج للرؤية الأمريكية للثورة المصرية، برغم أنه يبدو في الأغلب الأعم منه "موضوعيا" على نحو ما، إذ يعرض لوجهات نظر مختلفة وإن لم تكن متعارضة، ليقودك في آخر لقطاته إلى حيث يريد تحديدا.

وحين يجمع "الميدان" بين الفتى أحمد، القادم من قاع المجتمع، ذي النزعة الثورية الفطرية، وخالد عبد الله، المصري الأصل بريطاني الجنسية، المنتمي لطبقة المثقفين من الشريحة العليا للطبقة المتوسطة، ويعمل ممثلا لكنه أتى ليشارك في الثورة ويكون شاهدا عليها، وأخيرا مجدي عاشور، ذي الخلفية الإخوانية، الذي يتحدث كأنه ليس جزءا من جماعة تؤمن بالسمع والطاعة، ويتصرف بوحي من إرادته، حين يجمع "الميدان" بين هذه الشخصيات الثلاث (بالإضافة لشخصيات فرعية أخرى)، يصور لك كيف أن الشعب المصري يقف صفا واحدا أمام "النظام" من أجل إسقاطه.

يمضي الفيلم كأنه يسجل الوقائع بشكل محايد، بدءا من حكم "المجلس العسكري"، مرورا بفزورة "الدستور أولا"، ولا ندري إن كان الفيلم يعي ذلك حقا حين يصور موقف بعض المثقفين الذين يختارون "الانتخابات أولا"، لإيمانهم بفكرة مشوشة يدعونها "الديمقراطية"، حتى لو أتت بالإخوان إلى مقاعد السلطة. (للأسف هكذا نحن في الأغلب، سلفيين ويساريين، يحكم أفكارنا "نص" جاهز، دون أن نضع اعتبارا للسياق). وبالفعل يستولي الإخوان على كل شيء، ويدرك جانب من الثوار أن الإخوان قد تخلوا عنهم، لتشاهد لقطات خاطفة لمذبحة الاتحادية، وحركة تمرد، ليقفز الفيلم في النهاية إلى جوهر رؤيته أو رؤية من ساعدوا في إنتاجه، فحين يختلق الإخوان اعتصام ميدان رابعة، يصور لك الفيلم قتلاهم في "مذبحة" الحرس الجمهوري، ليقرر أحمد الانضمام إليهم ضد الدولة، ويؤكد: "الدور على اللي جاي، ها افضل في الشارع"، وبالطبع لأن "الثورة مستمرة"، من أجل ماذا بالضبط؟ لا إجابة.

إنك لو تأملت أسلوب الفيلم لتبين لك قدر ما فيه من اصطناع، الذي يبدو في التعليق على لسان الشخصيات، بطريقة تخلو من الحس التسجيلي العفوي، لكنها تقترب من الخطاب الإعلامي الموجه، كما أنك لن تدري (ولعلك تدري) لمن يتوجه الفيلم، والكثير من مشاهده ناطقة بالإنجليزية، حتى على لسان المثقفين المصريين ، أو يفترض أنهم كذلك. كما أنك لو تأملت مضمونه، لاكتشفت أنه ينطق بنصف الحقيقة فقط، ويستخدم عبارات لها وجاهتها، لكن لها وجهتها أيضا، ولعل أخطر ما فيها التلميح إلى أن الإخوان أصبحوا بعد الثورة "مختلفين"، أو بالعربي الفصيح أنهم "فصيل ثوري"، يجب الوقوف معه ضد السلطة، أي سلطة، ولتنس الجوهر الفاشي فى الفكرة الإخوانية والتنظيم الإخواني تماما.

بنفس القدر من التشويش ـ الذي أراه غير مقصود هذه المرة ـ يأتي فيلم يسري نصر الله عن الثورة "بعد الموقعة"، وكل أفلام نصر الله "تتمتع وتستمتع" بهذا التشويش، الذي يعكس دائما رؤية ذهنية تماما لواقع يتم اختزاله إلى "شخوص" ولا تقول شخصيات، تمثل رموزا يكون على المتفرج أن يحل شفرتها. ماذا في جوهر "بعد الموقعة"؟ رجل يدعى محمود من أهالي نزلة السمان (باسم سمرة)، الذين نزلوا إلى ميدان التحرير بجيادهم وجمالهم ليفضوا الاعتصام، ونراه كأنه البطل التراجيدي، الذي تكمن أزمته في قيام أهل البلدة بالسخرية منه، لأنه وقع من فوق حصانه في الميدان!!

وهكذا يصبح علينا أن نتوحد معه، وننقذه من أزمته النفسية والمادية، وتلك هي مهمة البطلة ريم (منة شلبي)، التي تأتي إلى نزلة السمان بصحبة من تقوم بدور "السنيدة" في الفيلم (فيدرا)، التي ليس لها أي ملامح سوى أن تتبادل الحوار مع البطلة، لعل المتفرج يفهم ما يجري، ولكن هيهات لي على الأقل أن أفهم شيئا! جاءت ريم أيضا من الشريحة العليا من الطبقة الوسطى المستريحة جدا، ويبدو أنها على حافة الطلاق من زوجها لسبب لا ندريه (ابحث عن الرمز في الانسلاخ عن الطبقة)، لكنها تشاركه الشراب والفراش عندما يزورها، كما تقضي لحظات سرية ملتهبة من العشق مع محمود، لأنها أعجبت بطريقة ركوبه الحصان (هل هنا رمز جنسي أيضا؟ لا أدري).

وشيئا فشيئا، ومن خلال محمود ـ أو علاقتها السرية به ـ تتعرف على مشكلات أهل نزلة السمان، وتنقذ محمود من أن يصبح بلطجيا بسبب البطالة، لكن السبب الأهم هو إنقاذه مما أشرنا إليه سابقا من احتقار أهل القرية له. لكن أرجوك أن تقف قليلا أمام موقف فاطمة (ناهد السباعي)، زوجة محمود، التي تشعر بالإعجاب المتبادل والعلاقة السرية بين زوجها وريم، فتطلب من البطلة أن تتزوج زوجها!! لم يتوقف "بعد الموقعة" لحظة واحدة أمام أية مشاعر تصطرع داخل فاطمة باعتبارها إنسانة، قد تنتهي إلى هذا القرار تحت ضغط نفسي هائل، لكنها لم تستطع أن تخرج على أوامر صانع الفيلم، فهو يريدها رمزا للشرائح الدنيا من المجتمع، التي "يجب" عليها أن ترضى بالتحالف مع المثقفين، الذين يقضون أوقاتهم في الفيلم في الكلام والتدخين وشرب البيرة (بالمناسبة، لن تعرف أبدا من أين يكسب هؤلاء قوت يومهم، ويعيشون حياة فاخرة).

الغريب أن يسري نصر الله، صاحب الثقافة السينمائية الأجنبية، يستخدم قاعدة أحمد بدرخان التي وضعها في نهاية الثلاثينيات أو بداية الأربعينيات لصنع فيلم ناجح، وهي أن يدور حول امرأتين ورجل، أو رجلين وامرأة، وقد قام نصر الله بالجمع بين الاختيارين. هذا هو "وعي" بعض سينمائيينا بالثورة، وبصرف النظر عن العدد الهائل للشركات الأجنبية المنتجة في كليهما، كما تظهر في "التيترات"، فإنني لم أشعر لحظة أن هذه الأفلام تخاطبني، وتجعلني أقرب لروح الثورة بأي معنى. وربما كان السينمائيون معذورين إلى حد ما، لأن الثورة لم تجد حتى الآن معنى محددا، سوى "النزول إلى ميدان التحرير"، وأننا لا نريد "حكم العسكر"، ومواربة الباب من جانب السلطة والقوى السياسية معا أمام الإخوان برغم الحقيقة البديهية حول فاشيتهم، والأهم هو عدم ترجمة معنى الثورة بأي شكل ـ حتى في حد أدنى ـ في الواقع اليومي لحياة الناس.

ما أزال أنتظر الثورة، ليس بمعنى المظاهرات التي يحولها الإخوان دائما إلى ساحة دموية، وإنما الثورة التي تعني الممارسة السياسية الجادة، التي تطرح فيها السلطة رؤيتها السياسية الواضحة (حتى الآن لا نعرف لنا نظاما اقتصاديا متماسكا)، وتعني ألا تنتظر فيها القوى السياسية من السلطة أن تعطيها نصيبا من الغنيمة، فهي لن تفعل أبدا عن طيب خاطر، لكنها سوف تفعل إذا تحولت هذه القوى إلى كتل جماهيرية حقيقية، تعمل على تغيير هذا الواقع الكابوسي الذي نعيش فيه، لا أن تحوله إلى كابوس أكثر قتامة.

وما أزال أنتظر من السينمائيين الاقتراب الحقيقي الحميم من أحلام الناس، لا أن يروا الواقع من خلال رؤية ذهنية، أو وجهة نظر غربية.... ما أزال أحلم بميلاد حقيقي للثورة المصرية. 

الهلال المصرية في

21.01.2015

 
 

يوسف شاهين:

“العصفور” يحكي “حدوتة مصرية” عن “الآخر” و”المصير

محمد حمدي – التقرير

“في كل أفلامي لغز غامض لا يقوى على فهمه الكسالى الذين يريدون -بحكم التعود- فهم الأشياء مسبقًا قبل التفاعل معها”.

ربما لو أردنا تلخيص رحلة المخرج المصري العالمي يوسف شاهين (1926-2008)، لن نجد سوى تلك العبارة التي صاغها بنفسه، تاركًا المهمة صعبة لكل من يحاول التفاعل مع سينما المخرج المصري صاحب البصمة المميزة، والأسلوب الإخراجي القائم على الرمزية في معظم أعماله، والقدرة الفذة على نقد المجتمع والذات حتى في أحلك اللحظات.

يمكن تلخيص فيلموجرافيا “شاهين” في 3 فترات: فترة ما قبل فيلم “الأرض” 1969، وفترة ما بعد هذا الفيلم، مع الاحتفاظ بأفلامه عن سيرته الذاتية في تصنيف خاص، كسلسلة متسقة بذاتها تؤرخ لحياة فنان، شاء أن يكرم نفسه بنفسه، وأن يحكي عن نفسه بنفسه، قبل أن يتسلق المتسلقون جثته سعيًا لإنتاج الأفلام التي لا تنتهي عن مسيرته الحافلة.

لكل منا نصيب من اسمه وتاريخ ميلاده، وهذا المولود في 25 يناير سيظل على موعد مع الثورة، وسيتنبأ بها في آخر أعماله “هي فوضى” 2007، الذي أخرجه بالاشتراك مع تلميذه النجيب “خالد يوسف”. الفيلم الذي يحكي عن محاولة “حاتم”، أمين الشرطة الفاسد، الاقتران بـ “نور”، فتاة الحي الشعبى الجميلة. قلب الفتاة مُعلق بوكيل النيابة الوسيم “يوسف الشريف”، فلا يجد “حاتم” سوى اغتصاب الفتاة البريئة، ما يشعل ثورة عنيفة تحطم قسم الشرطة في محاولة الشعب تطبيق القانون بيده. إنه سيناريو ثورة 25 يناير التي اشتعلت في مصر بعد سنوات من عرض الفيلم، فقط لو أدرك المشاهد الرسائل المشفرة عبر الشريط السينمائي، فـ”حاتم” إسقاط مباشر على الـ”حاكم” المتمثل في الرئيس مبارك آنذاك، في فترة من أقسى فترات حكمه، و”نور” المغتصبة هي مصر التي فشل “حاتم” في الوصول الشرعي لها، لتصدي القضاء له ممثلًا في شخصية وكيل النيابة، ما أدى لاغتصاب السلطة في 2005 من مبارك ورجاله.

وإن كان “هي فوضى” واحدًا من أكبر الأمثلة على الرمزية في أعمال “يوسف شاهين” السينمائية، لكن الفيلم ليس أفضل أعماله على مستوى الرمز، ففي فيلم “المصير” 1997، يتناول “شاهين” قضية حرية الرأي في واحدة من أحلك فترات موجات الإرهاب الديني التي ضربت مصر في تلك الأونة.

يمتزج الرمز بالتاريخ في مزيج لا يقدر عليه سوى “جو” كما يطلق عليه المقربون، يحكي عن المفكر الشهير “ابن رشد” الذي يحارب التطرف الفكري في عصره، في آخر عصور ازدهار المسلمين في الأندلس.

يحيط المتشددون بالخليفة الضعيف “محمود حميده”، والذي يسعى لنقل الحكم لواحد من أولاده: “هاني سلامه وخالد النبوي”، وهنا الرمز يتجلى واضحًا كالشمس؛ فالخليفة الضعيف هو الرئيس مبارك، الساعي لنقل السلطة لأولاده “جمال وعلاء”، في ظل انتشار التطرف الديني ومحاولة قتل مطرب الغجر المدعوم من ابن رشد “محمد منير”، وكأن في مشهد ضربه بالرمح إسقاطًا قويًا على محاولة اغتيال المفكر العالمي “نجيب محفوظ” من قبل راديكالين إسلاميين، على خلفية روايته “أولاد حارتنا”.

يقدم “شاهين” حلوله الغنائية من خلال معظم أفلامه، يمتاز أسلوبه الإخراجي بالتركيز على الموسيقى التصويرية والغناء والاستعراض في أعماله. يحكي الملحن العبقري “محمد نوح” والذي تعاون مع “شاهين” في أعماله الأشهر: “إسكندرية كمان وكمان” 1990، و”المهاجر” 1994. يحكي نوح كيف كان شاهين يوقظه فجرًا ليخبره عن مقطع موسيقي يجب تضمينه الفيلم، أو جملة موسيقية ألحت على عقل “شاهين”، أصر بعدها أن يضمنها الاستعراضات.

تعتبر الاستعراضات الفنية التي قدمها في “إسكندرية كمان وكمان” من أفضل ما قدم في هذا المجال، وتحمل رقصة الفنان الوجه الجديد آنذاك “عمرو عبد الجليل”، إسقاطًا مباشرًا على المعاناة التي قابلها عندما فشل في الحصول على جوائز مهرجان “كان” السينمائي، ويصور المقطع الغنائي حوارًا معاتبًا بين الممثل والمخرج حول مسؤولية كل منهما عن عدم الحصول على الجائزة.

حتى في أفلامه التي لا تحمل في طياتها رمزًا أو إسقاطًا، مثل: “سكوت حنصور” 2001؛ حمل الاستعراض الذي يتعرض “شاهين” من خلاله للشخصية المصرية، وحمل نفس الاسم “المصري” استطاع المخرج العالمي توظيف إمكانيات العبقري “عمر خيرت” في تقديم لحن لايزال حيًا في وجدان عشاق السينما والغناء حتى اليوم، وبأداء قوي ومتقن من المطربة “لطيفة” التي جاء صوتها كمسك الختام للاستعراض المتميز.

استعمال المطربات كبطلات لأفلامه، يعد من أكبر هواياته وبصماته السينمائية، شاهدنا: داليدا في “اليوم السادس” 1986، فيروز في “بياع الخواتم” 1965، لطيفة في “سكوت حنصور”، وغيرها من الأعمال والاستعراضات التي تظهر اهتمامه بتفاصيل الموسيقى في كل أعماله.

وبينما حرص العديد من المخرجين على الظهور في أفلامهم، استأثر “شاهين” لنفسه فيلمًا كاملًا قام ببطولته وإخراجه في آن واحد، وهو فيلم “باب الحديد” 1958، والذي جسد فيه شخصية “قناوي” بائع الجرائد الأعرج الفقير المحروم جنسيًا، والذي يطارد “هنومة” بائعة الجرائد، حتى يتطور الأمر لجريمة قتل تشهدها منطقة محطة القطار في القاهرة العاصمة. واستمر ظهوره في باقي أعماله كومضات خافتة ينتظرها عشاقه في معظم أعماله.

تحمل رباعيته السينمائية عن سيرته الذاتية طابعًا خاصًا ومحببًا لمتابعي سينما “يوسف شاهين”، بدأها بفيلمه الأول “إسكندرية ليه”، حيث ظهر الشاب ذائع الشهرة آنذاك “محسن محيى الدين” في دور “يحيى شكري”، ولا يخفى على المشاهد أن “شاهين” رمز لنفسه بالأحرف الأولى في الاسم الأول والأخير في الدور الذي لعبه “محسن”، وكيف أظهر “شاهين” أسلوب الحياة في مصر خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وكيف جاهد أهله لتعليمه تعليمًا لائقًا به، علاقة “شاهين” بـ “محسن محي الدين” ستظل غامضة وغير مألوفة في تاريخ السينما المصرية، حتى يناقشها، فيما بعد، تفصيليًا في “إسكندرية كمان وكمان”، وكيف مل الشاب المعجزة من الذهاب للمهرجانات بصحبة “شاهين” ويعود بخفي حنين، فانطلق لآفاق السينما التجارية حتى غيبه الاعتزال عن الساحة الفنية، التي عاد لها مؤخرًا ببعض أعمال ضعيفة المستوى.

في “حدوتة مصرية” يجري (شاهين) محاكمة فانتازية لنفسه وأسرته، وحتى أبطال أفلامه! بداية من مشهد الأزمة القلبية التي يتعرض لها في بداية الفيلم، فتحيلنا الكاميرا المحترفة لداخل قلب “شاهين”؛ حيث تعقد المحاكمة العلنية للجميع بلا استثناء، يُبدع الفنان “نور الشريف” في تجسيد شخصية “يحيى شكري” مجددًا، مهزومًا تائهًا، محاولًا الوصول بسفينته المضطربة في محيط العمل السينمائي المصري للأمان.

في فيلمه الأخير عن قصة حياته “إسكندرية نيويورك”، يحكي شاهين قصة انتقاله من الإسكندرية إلى نيويورك للدراسة، وكيف التقى “جنجر” صديقة دراسته وحبيبته فيما بعد، والتي قامت بدورها الفنانة “لبلبة” والوجه الجديد آنذاك “يسرا اللوزي”.

يستعرض شاهين خلال أعماله، علاقته المعقدة بالولايات المتحدة الأمريكية، أحد جوانب “شاهين” لا يرى في الولايات المتحدة سوى دولة الحرب والدم، عديمة التاريخ التي سيطرت على الحاضر والمستقبل، حتى إنه شبهها في أحد أفلامه بفتاة ليل بحجم تمثال الحرية، تضحك ضحكة ماجنة وتغمز بعينها، ومن ناحية أخرى، يرى الولايات المتحدة بالمكان الذي درس فيه، وتعلم تكنيكات السينما وأساليب الإخراج، وعاد لمصر ليبدأ في تقديم إنتاجه الفني، إنه الصراع العقلي العاطفي بين الولايات المتحدة كدولة وإدارة لا تتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم، وبين الشعب الأمريكي المسالم بطبعه، والذي استقبل “شاهين” في بداية دراسته في الولايات المتحدة.

الحديث عن “يوسف شاهين” لا ينتهي، لكننا دخلنا لمحراب المقاتل السينمائي الذي حارب منفردًا في معظم أعماله، وقدم للسينما المصرية مجموعة من أفضل أعمالها على الإطلاق، ولنا عودة قريبة مع أعمال منفردة، أو تقارير أكثر تفصيلًا وتناولًا للرجل الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ السينما في مصر والعالم العربي.

هل كتب نبيل فاروق فيلم Interstellar منذ 15عاما؟

نورا ناجي – التقرير

المقال قد يحوي بعض التفاصيل الهامة لأحداث فيلم Interstellar

هذا هو فيلم العام بكل المقاييس، يكفي مشاهدة الفيديو الدعائي له لتعرف أنك أمام فيلم: ضخم الإنتاج، مبهر المؤثرات، ذي قصة معقدة مبنية على أسس علمية، دفعت كريستوفر نولان الكاتب والمؤلف لأخذ دروس في الفيزياء الكمية بإحدى جامعات كاليفورنيا طيلة 8 أشهر كاملة، ليخرج هذا الفيلم إلى النور.

الحقيقة أن مشاهدة الفيلم صعبة جدًا، فهو ليس من تلك النوعية التي يود الناس مشاهدتها من أجل الاستمتاع فقط، أو قضاء الوقت مع أصدقائهم في السينما، لمشاهدة هذا الفيلم يجب أن تدخل إلى قاعة العرض بذهن يقظ، تحرص ألا يفوتك ولو ثانية من الأحداث وإلا فاتتك القصة كاملة.

كعادة أفلام نولان يأخذنا في رحلة إلى بُعد جديد من التفكير، مجهود عقلي مفيد؛ يجعل كل خلاياك في حالة تأهب للاستيعاب. وبالرغم من أن أفلامه السابقة، لعل أشهرها Inception، كانت تلعب على أفكار خيالية بحتة لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع؛ يأتي هذا الفيلم ليقرر نظريات واضحة مثل: النسبية، والفجوات الزمانية، وأبعاد الزمان والمكان.

كل هذه الأمور المعقدة، ستستطيع بالتأكيد فهمها أكثر لو كنت من قراء سلسلة ملف المستقبل للكاتب الشهير د.نبيل فاروق، والتي تدور أحداثها حول فريق ينتمي للمخابرات العلمية المصرية، جهاز مستقبلي يعنى بالقضايا العلمية البحتة، مكون من خبراء، كل في مجاله؛ يحارب هذا الفريق الكثير من الظواهر الغامضة التي بوسعها إنهاء عالمنا تمامًا.

يعرف قراء السلسلة جيدًا أن الضابط نور وفريقه، يتمكنون من السفر عبر الزمان والمكان عدة مرات على مر أعداد السلسلة، كما يتنقلون في الفضاء بفعل التكنولوجيا الحديثة في زمنهم، عبر نور وفريقه من قبل فجوة سوداء في قصة شهيرة تحمل ذات العنوان، ليذهبوا إلى عالم مختلف تمامًا ويتمكنوا من العودة مرة أخرى.

كما يعرف كل شخص قرأ هذه السلسلة الممتعة، ما الذي يعنيه بقاؤه على كوكب يختلف في سرعة دورانه عن كوكب الأرض، وكيف يؤثر ذلك على الفارق الزمني الرهيب بين الكوكبين، كما يستطيع بسهولة فهم مصطلحات مثل: الزمكان، والنفق الدودي الذي يعمل عمل الطريق المختصر في الفضاء بين مجرة وأخرى.

البحث عن كوكب جديد في رحلة أشبه بالأوديسا

يناقش الفيلم الذي يدخل ضمن تيمة أفلام نهاية العالم، كيف أن كوكب الأرض لم يعد صالحًا لعيش البشر بعد الآن، بفعل عدو غير متوقع وهو الغبار، الغبار والتربة اللذان كانا يومًا مصدرًا لخيرها في الزراعة، تحول إلى شر مستطير: يهلك النباتات والحيوانات ويقضى على رئتي البشر؛ ليموتوا من الاختناق أو الجوع أيهما أقرب.

في نفس الوقت تعمل ناسا بصفة سرية في محاولات إيجاد كوكب بديل للبشر المتبقين، يقود القدر البطل كوبر، أو ماثيو ماكونهي، في دور بالتأكيد سيترشح عنه للأوسكار هذا العام، ليقود مركبة فضائية في رحلة أشبه برحلة الأوديسا، ملحمية وخطيرة، يترك فيها كوبر أولاده بهدف اتباع طموحه وأيضًا لإنقاذهم و إنقاذ الأرض.

ومثل الأوديسا، يحط كوبر في عدة محطات/كواكب، ليصادف فيها المتاعب والمخاطر، ففي أولى محطاته على كوكب يدور بسرعة أبطأ من سرعة الأرض، تعادل الساعة فيه 7 سنين أرضية، يتعرض للكثير من الأهوال غير المتوقعة، يستلزم للفرار منها أكثر من 3 ساعات، الأمر الذي يجعله يفوّت 23 سنة كاملة من عمر أولاده على كوكب الأرض، يعود إلى المركبة ليرى رسائلهم التي أصبحوا فيها بمثل عمره عندما غادرهم، يصمم على استكمال رحلته؛ لتتوالى الأحداث المعقدة التي يمكننا أن ندين بالفضل في فهمها لهذا الرجل، نبيل فاروق.

فبالمثل، لعب نبيل فاروق على تيمة الزمان النسبية في عدة روايات من السلسلة، الجميع يعرف أن نشوى، ابنة الرائد نور، وزوجته سلوى، تتعرض لشيء مماثل يجعلها تنمو 20 عامًا في دقيقية واحدة، لتصبح في عمر أبويها بعد ذلك، يعرفنا نبيل فاروق أيضًا على الآليين الذين يتمتعون بذكاء حاد وقدرة على إنقاذ الموقف مثل س 18، كما تنقلنا السلسلة إلى الحدث الهام جدًا والذي يغير من مسار الأحداث.

تشابه فكرة الاحتجاز بين الزمان والمكان

ففي العدد رقم 100 الذي حمل عنوان “الزمن=صفر”، يتعرض الفريق للسقوط في بحر الزمن، البعد الذي يتوقف فيه الزمان والمكان ليصبحا أبعادًا ملموسة مثل: الطول والعرض والارتفاع في عالمنا، يحيط بهم البعدان الجديدان فلا ينقذهم سوى رفيقهم محمود، الذي يقرر التضحية بنفسه لشحن الآلي س18 بإعطائه الأمر باستغلال طاقته الجبارة لإنقاذ باقي الفريق من هذا الوضع.

أما محمود فيظل عالقًا بين الأبعاد، يراقب الجميع وكأنه وراء ستار سميك، يمكنه التواصل معهم عبر الحلم، ليعطيهم بعضًا من الإشارات والمساعدات؛ فموقعه الغارق بين الأزمنة يؤهله لمتابعة الأحداث الماضية أو المستقبلية دون قدرة على التدخل الفيزيائي.

في فيلم Interstellar، يتعرض بطلنا “كوبر” لذات الشيء، يعبر “كوبر” ثقبًا أسود برفقة الآلي الذكي المصاحب له، في تضحية منه لإنقاذ رفيقته آن هاثاواي، التي تستمر في طريقها للبحث عن كوكب جديد؛ فيسقط في ذات البعد “الزمكان” كما يسمونه أو بحر الزمن كما سماه نبيل فاروق منذ أكثر من 15 عامًا، يستطيع كوبر مراقبة ابنته في الماضي بل وإرسال رسائل وإرشادات لنفسه ليتمكن من المضيّ في ذات الرحلة واتخاذ نفس القرارات، يساعد ابنته العالمة الشابة بعد ذلك في حل نظرية تمكنها من حل معادلة الجاذبية الأرضية لإنقاذ الكوكب.

يتمكن كوبر من الخروج من هذا الوضع بمساعدة الآلي، تمامًا مثل محمود الذي يتمكن في الأعداد الأخيرة من السلسلة من العودة إلى عالمه بمساعدة س18.

هل كان نبيل فاروق يقرأ المستقبل إذن؟ بالطبع لا، النظريات المستخدمة في كل من الفيلم والسلسلة العربية معتمدة ومعروفة في كل مناهج الفيزياء الكمية، وتدرس هذه النظريات منذ عشرات السنين، لكن ما يجمع بين نبيل فاروق وكريستوفر نولان هو العقل القادر على تحويل هذه النظريات الجافة العلمية إلى فن مقروء أو مرئي، وهنا تظهر قيمة الأديب/الفنان في العالم.

بالطبع تأتي نسخة نولان أكثر إبهارًا بالمؤثرات والصورة ثلاثية الأبعاد في قاعات السينما المجهزة، لكنني مؤمنة بأن قراءة روايات الجيب هذه في الشرفة صباحًا، بورقها الرمادي الشاحب وأسلوب نبيل فاروق المحفور في عقولنا، وانتظار صدور الأجزاء الجديدة بين فترة وأخرى، كان أكثر إمتاعًا وشغفًا من كل مؤثرات السينمات المتقدمة.

أريد أن أرفع القبعة للدكتور نبيل فاروق الذي تعلم على يده أجيال كاملة، ربما لم ينتبه قراؤه بعد إلى قيمة التغيير الذي أحدثه أدب نبيل فاروق في أعماقهم، لكن رؤية هذا الفيلم أعادت إلى ذهني كل ما تعلمته ولا أزال من هذا الأديب الكبير. يكفي بأنني كنت من بين قلة في قاعة العرض هذه الذين استطاعوا مواكبة الأحداث وفهمها وعدم المغادرة في منتصف العرض بدعوى أن الفيلم معقد ويصعب فهمه. أنا أعلن امتناني لهذا الرجل على الكثير من الأشياء التي أضافها لي، ومن بينها نعمة التفكير والاستيعاب.

للدكتور نبيل فاروق إذن أهدي هذا المقال.

التقرير الإلكترونية في

21.01.2015

 
 

تباينت آراء النقاد بتفسير مفهوم العالمية واتفقت على نجاح عمر الشريف

هل حقق واكد والنبوي وأبوالنجا العالمية بأعمال أجنبية؟

مصطفى القياس

لاشك أن العولمة في العصر الحديث قد قربت الشعوب من بعضها بعضاً وفتحت أبواب تبادل الحضارات وعززت المشاركة الفنية للعرب في الأعمال الأجنبية، حيث ازدادت نسبة استعانة المخرجين الأجانب بنجوم من مصر والعالم العربي، لكن هل حقق هؤلاء العالمية بمشاركتهم في الأعمال الأجنبية؟

القاهرةلا شك أن ظهور الفنانين المصريين والعرب في الأعمال السينمائية الأجنبية ليس بأمرٍ جديد، إلا أن مشاركتهم في الأعمال الأجنبية لا تعني وصولهم للعالمية. فهناك الكثير من التجارب الفنية لنجوم مصريين وعرب قدموا بطولات في أوطانهم، إلا أنهم ظهروا بٍأعمال أجنبية وأدوار لم تتجاوز مدتها الدقائق، وكانت أدوارهم بمعظمها تقارب دور "الكومبارس". في هذا السياق تستعرض "إيلاف" بعض آراء النقاد السينمائيين، فيما يلي:

أحمد رأفت بهجت: كل تجارب الفنانين العرب في الميادين الأجنبية إرتبطت بالإساءة للعرب والإسلام:

وذكّر الناقد الفني أحمد رأفت بهجت الذي لديه الكثير من المؤلفات حول السينما الأجنبية ومشاركة النجوم العرب فيها، أن هذه التجربة بدأت منذ فترة طويلة. فأول فنانة مصرية شاركت في أعمال عالمية هي "كوكا" في فترة الثلاثينات، حيث تم تقديمها على أنها أميرة أفريقية تعيش قصة حب مع جندي أمريكي هارب، وكان الفيلم الأول والأخير لها. وأضاف: بعد ذلك ظهر الكثير من الممثلين العرب في الأعمال الأجنبية ومنهم رشدي أباظة الذي كان مجرد كومبارس وسامية جمال في فيلم "وادي الملوك" وتم وضع إسمها على الكثير من الإعلانات، ولكن لو رجعنا للدور، سنجد أنه لم يتجاوز الدقيقة الواحدة وكان هذا الدور مجرد شيء من لا شيء. وفي نفسى الفترة ظهرت "كاميليا" في بداية الخمسينات في فيلم "طريق القاهرة"، وكان الدور صغيراً للغاية ولم يتجاوز الخمسة دقائق، ولذلك فكل هذه الأدوار كانت مجرد أسماء على الإعلانات والتترات ولم تكن أدواراً حقيقية بإسثناء الدور الذي لعبته "كوكا".

ورأى أن التجربة الحقيقية للمشاركة في الأفلام الأجنبية هى تجربة الفنان عمر الشريف الذي قدم أول أعماله بمساحاتٍ جيدة إلى أن أتته الفرصة للمشاركة بدور رئيسي في فيلم "لورانس العرب" رغم وجود فنانين مميزين ولهم إسماً كبيراً في هذا العمل. وإستمر  عمل "الشريف" بالتقدم في إطار شخصيته لكن ضمن السياسة التي يطبقها الغرب، حيث أنه حين ظهر مع ممثلة يهودية في فيلم أمريكي، أثارضجةً كبيرة آنذاك. وإستطرد قائلاً: "إذا نظرنا للشخصيات العربية التي شاركت في الأفلام الأميركية وخاصةً أعمال عمر الشريف سنرى أنهم يظهرون بأدوارٍ أجنبية وليس بدور المواطن الأميريكي، وللأسف كل الشخصيات العربية التي ظهر بها عمر الشريف كانت موازية تماماً لكل النمطية السلبية التي قُدِّمَت عن الشخصية العربية والإسلامية حيث ظهر في فيلم "الفرسان" بدور أساء للشخصية الإسلامية. فحتى عندما لعب دور البطولة، ساهم بتشويه صورة الشخصية العربية. فبغض النظر عن الديانة كان لابد من وجود حدود فاصلة للشخصية العربية، حيث أنهم لديهم رغبة في استغلال الممثل العربي لإظهار الشخصية بالشكل الذي يريدونه، وبالرغم من كل ما وصل له عمر الشريف من نجومية ورغم ترشيحه لجائزة الأوسكار، إلا أنه كان يسير طبقاً للقواعد القاسية التي تضعها صناعة السينما الأميركية وضمن كادر الصورة السيئة التي كانوا يريدون تقديمها عن العرب والإسلام". و"أيضاً، عندما ظهر الكثير من الممثلين العرب والمغاربة بأدوار البطولة، ظهروا بشخصياتٍ عربية في أعمالهم وطبقاً للقواعد الغربية. وبدون تحديد أسماء فحينما كنت أسمع أن هناك بعض الأسماء العربية التي تشارك في أفلام أجنبية، كنت أستنتج دائماً أن أدوارهم تحمل إساءة كبيرة للعرب".

وألقى "بهجت" الضوء على تجربة غسان مسعود وخالد النبوي في فيلم "مملكة الجنة" الذي تم تقديمه منذ تسعة أعوام، فقال: "مؤخراً وفي عام 2005م ظهر الممثل السوري غسان مسعود والممثل المصري خالد النبوي في فيلم "مملكة الجنة"، وأعتقد أن الفيلم قد ارتبط بإهانة ضخمة للعرب والإسلام لأن القضية الحقيقية للفيلم والتي كانت مختفية ما بين سطور الفيلم هي "من يملك القدس؟" حيث كان المخرج ريلى سكوت يسعى لإظهار أن من يملك القدس هم الأقدم وبالتالي فهم "اليهود"، ولكن في النهاية في وسط الأدوار التي قُدِّمَت في هذه الفترة كان هناك دور قيّم وحقيقي من خلال فيلم كندي حول شخص عربي يُشتبه بأنه إرهابي، وهذا الفيلم لعب فيه خالد ابوالنجا دور البطولة، وشعرت بقيمة حقيقة من خلال هذا الفيلم وأداء خالد أبوالنجا، لأنه بالرغم من أن الفيلم لم يجزم بأن شخصية خالد أبوالنجا العربية التي ظهر بها في أحداثه إرهابية أو لا، إلا أن مخرج الفيلم كان يدفعك للتعاطف معه.

وإختتم "بهجت" حديثه قائلاً: أعتقد أن ظهور الممثل العربي في الأفلام الأجنبية قد يحقق له بعض الشهرة في إطار مقتضيات ما تطلبه هذه السينما وليست وفقاً لمقتضيات الممثل العربي وخاصة عندما يؤدي دور الشخصية العربية، فقبل أن نحلل دور الممثل العربي في أي فيلم أجنبي فلابد من تحليل الفيلم نفسه أولاً، ولكن في النهاية نجاح الممثل يتوقف على موهبته، وكما ذكرت فإن حصولهم على هذه الأدوار يكون في الغالب وفقاً لمقتضيات الجهة التي تهيمن على صناعة السينما في الغرب.

ماجدة خيرالله: عمر الشريف هو الوحيد الذي وصل للعالمية

ورأت الناقدة ماجدة خيرالله أن عمر الشريف وحده وصل للعالمية. وشرحت أن العالمية لا تعني المشاركة بدورٍ صغير أو كبير في فيلم أجنبي، ولكنها تعني أن تتجاوز شهرته حدود المنطقة التي يعمل الفنان فيها ، فحينما نسأل أي مواطن أجنبي في هولندا أو فرنسا أو غيره عن عمرو واكد الذي قدم فيلم "لوسي" مع سكارليت جوهانسون لن يعرفه أحد، ولكن لو سألنا مواطن في أفريقيا وفي الأدغال والغابات عن عمر الشريف فسيقولون أنهم يعرفونه، والسبب أن شهرته تخطت حدود المنطقة العربية وليست فقط في مصر. فالشهرة العالمية تعني أن يكون للفنان حضورا يفرض وجوده من خلال شخصية تثبت أهميته بحيث يكون غيابه عن العمل أو مشاركته فيه عاملاً مؤثراً لنجاح العمل وانتشاره وتحقيق الأرباح.

وأضافت: أعتقد أن مشاركة الفنانين المصريين والعرب في أعمال أجنبية شيء جيد، ولكن هذا لا يعني أننا سنطلق عليهم لقب ممثلين عالميين. وأتذكر على سبيل المثال أن الجمهور كان يتحدث عن المخرج يوسف شاهين في مهرجان "كان" رغم أننا كنا نضع "بادج(شارة)" مصر، إلا أن الناس والجمهور كانوا يتحدثون عن يوسف شاهين رغم وجود مخرجين كبار في هذه الفترة مثل صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وغيرهم. ولكن شهرة "شاهين" تجاوزت حدود منطقته، ولذلك نقول أن تفسير صفة "العالمية" يعني أن تتعدى شهرة الفنان حدود وطنه الذي يعيش فيه مثل المخرج مصطفى العقاد الذي قدم "عمر المختار" و"الرسالة"، وكذلك هناك ممثلين مميزين ويُطلق عليهم صفة العالمية من الجزائر والمغرب وكذلك من لبنان، مالمخرجة والممثلة نادين لبكي سواء في الأفلام التي أخرجتها أو التي شاركت في تمثيلها في مهرجانات كثيرة، ولقد أصبح إسمها مطروحاً. وأضافت: "أرى أن المشاركة في الأفلام الأجنبية لا تعني تحقيق العالمية، فهناك الكثير من الفنانين الذين شاركوا في أفلام أجنبية ولم يحققوا العالمية مثل خالد ابوالنجا وسامية جمال قديماً، وغيرهم، ولكن يقال عن هذه المشاركات أنها مجرد تجارب فقط وليست وصولاً للعالمية".

وردت "خيرالله" على تصريحات الناقد أحمد رأفت بهجت بشأن الإساءة للعرب والإسلام التي رافقت ظهور الفنان العربي في الأعمال الأجنبية قائلة: "ربنا يديله الصحة". هو يعيش في مشكلة المغامرة الكونية علينا، فقد قدم مؤلفات كثيرة عن اليهود والصهيونية العالمية، ولديه عقدة من التآمر على الشخصية العربية، وأعتقد أن عمر الشريف قدم أعمالاً كثيرة لم تحمل أي إساءة للشخصية العربية على الإطلاق، بل على العكس، لأن فيلم "مسيو ابراهيم وظهور القرآن" كان يحمل تمجيداً للشخصية التركية المسلمة التي ظهر بها، بالإضافة إلى أن عمر الشريف لم يظهر بشكل دائم بالشخصية العربية، وكان يظهر بشخصيات أجنبية مثل الرجل الإسباني وغيره.

طارق الشناوى: عمرو واكد على طريق العالمية

من جهته الناقد طارق الشناوي، رأى أن الممثل عمرو واكد هو الفنان المصري الوحيد الذي يسير على طريق العالمية، وقال: ليس مهماً أن يحقق عالمية عمر الشريف بالرغم من أنني أراه يعمل بجدية نحو العالمية. ورداً على ظهوره بمشاهد قليلة في فيلم "لوسي"، أجاب: "هو على الطريق ولديه جدية في الوصول للعالمية على عكس الباقيين مثل خالد النبوي الذي يسعى للإستعراض الإعلامي فقط. فالوصول للعالمية يكون من خلال المنطق والتراكم، وأرى أن عمرو واكد هو أكثر فنان لديه تراكم، بالإضافة إلى أنه يتواجد بشكلٍ كبير سواء من خلال "الأب والغريب" أو "لوسي" أو غيرها من الأعمال التي قدمها، ولكن خالد النبوى حينما شارك في  "مملكة الجنة" مع المخرج ريدلي سكوت قد أثرت هذه المشاركة عليه سلباً، لأنه ظهر بمشهد صامت وتم إختياره لأن ملامحه عربية، ولكن عمرو واكد يتم إختياره بشكلٍ منطقي وليس على أساس السحنة والشخصية العربية، والدليل على ذلك هو ظهوره بشخصية ضابط فرنسي في فيلم "لوسي". وأوضح "الشناوى" معنى العالمية بمفهومه قائلاً: "العالمية هي أن يتم بيع الأعمال الأجنبية باسم الفنان، وعمر الشريف هو الوحيد الذي حقق ذلك، ولكن عمر واكد وهو الوحيد ايضاً الذي يسير على هذه الخطى".

بدوره علق الشناوي على تصريحات أحمد رأفت بهجت شارحاً: "أعتقد أنه لدينا تعنت في فكرة أن الأميركيين يريدون فرض سيطرتهم على الشخصيات العربية. والدليل على ذلك أن ريدلى سكوت حينما قدم فيلم "مملكة الجنة" قدم غسان مسعود بدور صلاح الدين الأيوبي الذي كان لصالح الشخصية العربية، وأعتقد أن الخط الدرامي والفكري هو أن القدس ملك لكل الأديان رغم طموح العرب بذلك، ففكرة "مملكة الجنة" لا يملكها أحد، ولا أرى أن المقصود بها ما رآه بهجت من انحياز لصالح اليهود".

إيلاف في

21.01.2015

 
 

خالد أبو النجا: أشارك بفيلم "الحسن بن الهيثم" في الاوسكار.. ولا اهتم بمساحة الدور بقدر قيمته

حوار : آية المصري

* العمل مع داوود عبد السيد متعة ويفاجئني بافكاره جديدة

* لست راضيا عن موعد عرض "ديكور" واعتبره تجربة فريدة

* "عيون الحرامية" فيلم فلسطيني يحمل بعد انساني بحت

يتميز الفنان خالد أبو النجا باختياراته المتجددة والتجارب السينمائية الفريدة التي يحاول من خلالها ارضاء اذواق جمهور السينما والمهرجانات معا.. فرغم سعادته بحصوله على 5 من اهم جوائز التمثيل داخل مصر خلال عام 2014 الا ان هذه الجوائز التي قد لا تتكرر على حد قوله مما جعله أكثر تدقيقا في اختياراته لاعماله السينمائية والادوار التي تعطي ثقل ومعنى بغض النظر عن حجمها، ويستعد أبو النجا لخوض مسابقة الاوسكار بفيلم قصير من انتاجه كما ينتظر انطلاق فيلمين مختلفين بالسينما المصرية خلال الاسابيع القليلة القادمة وعن أحدث اعماله ومشاركته بالاوسكار تحدث أبو النجا في الحوار التالي..

·        في البداية حدثنا عن مشاركتك بالاوسكار لهذا العام؟

اشارك بمسابقة الافلام القصيرة التي تقيمها الاوسكار بفيلم "الحسن بن الهيثم" للمخرج الشاب نور زكي وانا قمت بانتاج الفيلم ودور البطولة، وذلك لتحمسي لفكرة الفيلم والذي يحكي عن لحظة غيرت تاريخ البشرية عندما اكتشف العالم العربي القديم الحسن بن الهيثم فكرة الكاميرا التي نستخدمها حاليا وذلك من خلال علم البصريات الذي قام بجمعه الهيثم في كتابه الاشهر.. وتدور احداث الفيلم خلال تواجد الهيثم في احد السجون المظلمة واكتشافه لدخول الضوء من خرم صغير بالحائط ليجد الصورة معكوسة ويكتشف بعدها علم البصريات والكاميرا التي كانت تسمى بالعربية "القُمرا".

·        وكيف جاء تحضيرك للفيلم؟

تعرفت على مخرجه وهو سينمائي شاب وشرح لي الفكرة ووجدت انها مناسبة لتقديم معلومة الكثير من العرب لا يعلمونها وهو ان الكاميرا اختراع عربي مصري من الاساس.. فقمت بتولي عملية الانتاج معه وبطولة الفيلم وتم اطلاق دقيقة ونصف من وقته الاصلي تم ارسالها لمسابقة الاوسكار وحصل على الموافقة.

·        وماذا عن ردود الفعل حول فيلم "ديكور" الذي يعرض حاليا بالسينمات؟

لا بأس بها حتى الان وأنا على تواصل مع الفانز على الفيس بوك وتويتر وأجد ان اغلب الاراء متقبلة لفكرة الفيلم الجديدة والغريبة، والبعض لم تصل له الفكرة بعد.. فمشكلة ديكور انه تجربة خاصة يعرض بالابيض والاسود وهناك توهان بين الحقيقة والخيال، ولكن بشكل عام عندما حضرت عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وجدت الجمهور قد تجاوب معه وقاموا بالتصفيق عندما ادركوا في لحظة فكرة وهدف الفيلم الاساسي.. ولكني بشكل عام لست راضيا عن الايرادات ولا عن موعد طرحه.

·        فما هو الموعد الذي كنت تتمنى طرحه به؟

لم اكن سأتدخل في تحديد الموعد ولكن فكرة الفيلم تدفعنا للابتعاد عن اي مواسم سينمائية معروفة مثل الاعياد وموسم الصيف لان تيمة الفيلم تختلف عن الافلام الباقية، وعلى كلا انا لم ارضى يوما عن موعد عرض لاي فيلم من افلامي ولم اسعى لتحديد اي موعد سوى مرة واحدة في فيلم "ميكروفون" حيث كنت مشارك بالانتاج وقتها وندمت على اختياري حيث طرحته بدور العرض في 25 يناير عام 2011.. ففي النهاية اترك هذا الامر للمنتج والموزع فهم ادرى مني بعمليات السوق والتوقيت المناسب وعدد دور العرض.

·        وما الذي جذبك لخوض تجربة فيلم "ديكور"؟

الفيلم يعتبر حالة فنية مختلفة وما جذبني فيه هو التوهان في تفاصيله والانتقال بين كل مشهد والاخر وكأنه فيلم مختلف.. حتى يصل الجمهور لمراحل المتاهة في التفاصيل بين اذا كان "شريف" من نسج خيال البطلة ام هو زوجها بالفعل أم هو خطيبها السابق، والجمهور يتعاطف معه مرة ومع شخصية "مصطفى" التي يقدمها ماجد الكدواني مرة اخرى ومعها هي نفسها وتظل الفكرة الرئيسية للفيلم وهي انه لا يجب علينا الاختيار ما بين الخيارين اللذين تفرضهما علينا الحياة مابين الاسود والابيض بينما هناك الوان ودرجات رمادية لا نهائية من الممكن ان نأخذ الوان أخرى ونكون بها اختيار جديد.

·        تظهر في فيلم " من الأف إلى الباء" في مشهد واحد الم تعترض على قلة حجم الدور؟

على العكس فهذا الدور  جذبني بشدة وعملت على كتابته مع السيناريست محمد حفظي لكي يظهر بهذا الشكل، وهو دور ضابط سوري يقابله الثلاث شباب الابطال ضمن رحلتهم من أبو ظبي إلى بيروت وفي رأيي الدور مهم جدا بالفيلم لانه يحوله من حالة الكوميديا الموجودة به إلى حالة اصطدامهم بالواقع الخاص بسوريا في عام 2011 ورغم انه ينتهي ايضا بشكل كوميدي الا انه كان تحديا كبيرا بالنسبة لي ودور مؤثر بالاحداث.

·        هل من الممكن ان تشارك بمشاهد قليلة مجاملة لأحد اصدقاءك؟

الامر ليس مجاملة ولكني كنت ارغب بالفعل في الوقوف بجانب هذه التجربة السينمائية التي يقودها شباب لديهم وعي ورؤية فنية واضحة، وخلال رحلتهم يقابلوا عدد كبير من الفنانين المشاهير وأنا اخترت الضابط السوري بشكل خاص حتى اظهر بشكل مختلف عن الادوار التي اقدمها.

·        المثير من النجوم يرفضوا الظهور كضيوف شرف بعد حصولهم على ادوار رئيسية فكيف تقيم هذا؟

هذا الفكر عفا عليه الزمن فالوصول لمرحلة النجومية تجعل الفنان غير متخوف من حصره في ادوار صغيرة مرة أخرى بل على العكس فلو الدور اعجبه يجب ان يقدمه.. وانا عن نفسي لا افكر في حجم الدور او تقديم عملا من الجلدة إلى الجلدة كما يصفونه بقدر ما افكر اني اكون صادق توصيل احساسي للجمهور.

·        يعرض لك اكثر من عمل في وقت قصير فهل هذا يضايقك؟

لا اولا الاعمال لن تعرض كلها معا فحاليا يعرض بالسينمات "ديكور" وتم طرح فيلم "من الافل إلى الباء" بدور العرض منذ ايام وأنا اشارك به كضيف شرف فقط.. وبعد رفع ديكور من دور العرض سوف يطرح الفيلم الفلسطيني "عيون الحرامية" وبعده باسابيع قليلة سيتم طرح "قدرات غير عادية" للمخرج داوود عبد السيد.. ولست متضررا في شيء لأني اسعى لتغيير التابوهات الخاصة بالسينما فلماذا اتضايق من عرض اكثر من فيلم حتى لو في موسم واحد طالما كلا منهما يحمل قصة وشكل ومضمون ودور مختلف اتحدى به نفسي.

·        كان من المقرر طرح فيلم "قدرات غير عادية" خلال الشهر الحالي فما سبب تأجيله؟

اضطر المخرج داوود عبد السيد لانهاء عملية مونتاج الفيلم والتقدم بنسخة نهائية للمشاركة بمهرجان "دبي السينمائي الدولي" ليحمل العرض العالمي الاول ويشارك بالمسابقة الرسمية هناك ولذلك اشتملت هذه النسخة على الكثير من النواقص ويجب انهاءها بشكل جيد لتعرض بالسينما.

·        وماذا عن العمل مرة اخرى مع المخرج داوود عبد السيد؟

قدمت مع استاذ داوود في بداية مشواري فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" ولكن رغم الخبرة التي اكتسبتها الا ان عالم داود عبد السيد يجعلك في حالة من الغموض الدائم ورغم اننا كنا نستوعب سيناريو العمل والمشاهد بشكل جيد الا اننا كنا نكتشف فكرة ومعنى حتى اثناء التصوير.. فالافلام التي يكتبها عبد السيد مثل الاعمال الادبية التي تحمل في طياتها معاني كثيرة مختلفة فنحن مثل تالجمهور الذي يكتشف عدة افكار داخل الفكرة الواحدة ويكتشف الفيلم مع مرور الوقت والمشاهد. وبشكل عام العمل معه متعة حقيقية.

·        ما الذي جذبك في القيام ببطولة  فيلم "عيون الحرامية" الفلسطيني  ؟

قبلت التحدي فور عرض فكرة الفيلم علي ففكرة اني سأصور على الاراضي الفلسطينية واتحدث بلهجتهم شعرت انها تجربة صعبة يجب تحدي نفسي بها .. وهذا العمل يختلف عن باقي الاعمال التي تناقش القضية الفلسطينية حيث ان اغلبها يتناول الامر من فكرة الجهاد والاستشهاد والنضال من اجل القومية العربية وحرية الارض وغيرها، ولا ننكر ان الهدف من وراء الفيلم هو نفس القضية ولكن بتغليفها في اطار انساني بحت من خلال قصة رجل يبحث عن ابنته بعد خروجه من المعتقل.

·        هل ترى ان مناقشة البعد الانساني يفيد القضية الفلسطينية اكثر؟

هذا يعتبر من عبقرية السينما والاحساس والمشاعر هي التي تسافر بلغة السينما لتصل لكل العالم، حتى لو شاهدها العدو نفسه قد يتعاطف معها .. فكل فرد يتعاطف مع "طارق" وما وصل إليه الحال من انطواء وعزلة حتى انه لا يستطيع ان يتعامل مع ابنته جيدا وذلك بسبب اعتقاله لعشر سنوات.. كما انه يشعر بأن المقاومة عبء عليه و السبب في تفريق اهله ولكنه لا يستطيع ان يترك العدو في بلاده  لذلك كنت اعمل على اظهرا "طارق" طول الوقت وكأنه يحمل هم كبير وحمل ثقيل على اعناقه.

·        وهل قابلتك صعوبات اثناء تصوير الفيلم؟

المخرة نجوى النجار تحدت الظروف وقررت التصوير على ارضها وكان فريق العمل اغلبه من الخارج لذلك كانت هناك مشكلات في استخراج تصاريح دخولنا للبلاد، فأنا من مصر وسعاد الماسي من المغرب وفنانين آخرين من الاردن بالاضافة إلى فريق العمل الذي اتى من ايسلاندا.ورغم الظروف الا انه كان هناك تحدي كبير بيننا ان نقدم فيلم يجمع اغلب الدول العربية. ولكن اهم المشاكل التي قابلتني هي اللهجة فكنت احاول التركيز مع نطق الكلمات مع من حولي من العاملين بالفندق والجيران ولكني اكتشفت ان كل قرية وكل شارع لديهم لكنة مختلفة  حتى ان وصل الامر بينهم في النهاية إلى الخناقات.لذلك قمت بتعيين فتاة من نابلس مهمتها الاساسية هي الاستماع لحواري اثناء التصوير والتصحيح لي.

·        وما شعورك بعد حصولك على اغلب جوائز المهرجانات المصرية لعام 2014؟

لا انكر اني اعتبر نفسي محظوظ فأنا حصلت على 5 جوائز عظيمة من اكبر المهرجانات المصرية ومن لجان تحكيم اشرف بتكريمها لي خصة وانها تحتوي على نجوم كبار مثل الفنانة يسرا التي ترأست لجنة تحكيم مسابقة مهرجان القاهرة الدولي او الفنان د. يحيى الفخراني الذي كان يترأس لجنة تحكيم المهرجان القومي للسينما.. ولكن هذه الجوائز جعلت على عاتقي التركيز بشكل اكبر في ادواري خاصة وان هذه الحالة لم يمر بها الكثير من الممثلين وقد لا يمر علي عام احصل فيه على كل الجوائز مثل هذا.

بوابة روز اليوسف في

21.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)