كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

زعيمة المراهقات 4ـ4

حكاية جميلة بوحريد ومحاولات اغتيالى فى بيروت

حلقات كتبها: السيد الحرانى

 

«تفكير ناضج في سن صغير .. حسن اختيار لما تقدمة للجمهور .. البحث وعدم الكلل أو الملل .. جرأة في اتخاذ القرار والتنفيذ» كل هذه صفات كانت ومازالت تتمتع بها ماجدة الصباحي تلك الفنانة التي غاصت بأعماقها في بحار ومحيطات الفن المصري الأصيل الذي فرض ثقافة ولغة الشعب المصري علي المنطقة العربية وجزء كبير من العالم .. كانت حريصة دائما علي صناعة فيلم ناجح، خاصة بعد أن أصبحت أفلامها وأول خطوات إنتاجها يقبل عليها الجمهور ، وهنا تستكمل ماجدة مذكراتها قائلة ....

 في تلك المرحلة بدأ يشغلني كثيرا أن أقدم علي إنتاج فيلم ضخم عن قصة حياة عمر الخيام وهو «عالم فارسي ولد في مدينة نيسابور في إيران عام 1038 وتوفي فيها 1131 ، فيلسوف وشاعر تخصص في الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ والخيام هو لقب والده حيث كان يعمل في صنع الخيام وهو صاحب رباعيات الخيام المشهورة» .. وأرسلت مدير مكتبي سعد صيام إلي الهند لأتواصل مع بعض شركات الإنتاج الهندية ليدخلوا في شراكة معي في الإنتاج، لان عمر الخيام سيحتاج إلي ميزانية إنتاج ضخمة جدا لكونه سيتم صناعته ليتناسب عالميا مثل فيلمي «عمر المختار والناصر صلاح الدين» وجرت المفاوضات بيني وبين الشركات الهندية لمدة ستة اشهر ،وكان سيقوم بدور البطولة أمامي الممثل الهندي الكبير الذي كان يتمتع بشعبية عالمية أن ذاك «أبي تبت شان» ولكن تعطل المشروع بسبب بعض الخلافات التي نشبت بيني وبين سعد ، وأرسلت لأخي توفيق وكان يقيم ويعمل في الخليج في ذلك التوقيت وطلبت منه أن يحضر ليعمل معي ويسوى لي حساباتي ، وطلب مني الانتظار حتى يصفي أعمالا قد كان مرتبطا بها بالخليج والتي استغرقت حوالي ستة اشهر، وفي هذه المدة كان يجب أن يأتي شخص يتولى إدارة المكتب والتوزيع فعينت«تاكفرو أنطونيان» الذي أنتج بعد ذلك فيلم «خلي بالك من زوزو» وهو أرمني الجنسية، وتولي إدارة المكتب حتى عاد أخي توفيق من الخارج وأعطي جميع موظفي المكتب أجازة وأغلق المكتب حتى يعيد هيكلته ومراجعة حساباته ووجد أنني كنت أسرق نتيجة للتسيب وعدم الرقابة ورفد بعض الموظفين الذي تورطوا في هذه السرقات وعين موظفين جدد ،وعاد «تاكفور انطونيان» لتولي إدارة الإنتاج والتوزيع وأصبح هناك رقابة من أخي توفيق دائمة علي أعمال المكتب وشعرت بالاطمئنان بعد ذلك لوجود أخي بجواري وتحدث إلي تاكفور حول أن أجدد عرضي مع الهند لإنتاج عمر الخيام ولكني كنت تراجعت عن الفكرة لكونها ستكون مكلفه والشركات الهندية قالت بأنها ستساعد بنصف التكلفة فقط وكان علي أن أدفع النصف الأخر وهذا لم يكن في إمكانياتي حين ذاك وفكرت في إنتاج موضوع فيلم ديني عن القرآن وكيف كان تأثيره علي البشرية ولكن لم ينفذ أيضا ، فكنت دائما أحاول أن أصل لأفضل المواضيع التي ستهم الناس وتحمل رسالة للمجتمع ولهذا كنت مطلعة وأقرأ الأدب المصري والأدب العالمي وكنت أتعاون في شراء الكتب مع محمد مدبولي وكان مازال صغيرا ودائما يتواجد في ميدان سليمان باشا ..

وأصبحت بعد ذلك مشغولة بكل كياني في البحث والتحضير لموضوع فيلمي الجديد وعرض علي مواضيع كثيرة ولكني كنت أتراجع عنها في اللحظات الأخيرة لأني لا أشعر بأنها ستضيف لي ووجدت أنني مشغولة طوال الوقت سواء بالتحضير أو الإنتاج أو التوزيع ففي سن صغر أصبحت مسئولة عن مؤسسة ماجدة الفنية وهذا كان يحرمني من الاختلاط ويجعلني دائما انطوائيه وكان نادرا عندما أقابل زملاء وزميلاتي وكانت مقابلتنا إن تمت خارج الأستوديو تكون في حفلات رسمية والمؤتمرات والأعياد ....

وتضيف الفنانة الكبيرةوجدت أن اليأس أصابني لعدم عثوري علي قصة جديدة أشعر بها ، وفي صباح أحد الأيام وأنا أتناول الإفطار وأتصفح الجرائد قرأت خبرا مستفزا يقول أن السلطات الفرنسية المحتلة للأراضي الجزائرية قامت بالقبض علي المناضلة الجزائرية «جميلة بوحريد» وأعجبتني جميلة وكفاحها الذي أصبحت أتابعة وأداوم علي قرأته يوميا من خلال الصحف بل طلبت من بعض أصدقائي أن يأتوا لي بالصحف العربية والعالمية التي تنشر قصة جميلة وما ترتب علي عملية القبض عليها من تعذيب وإهانة وتدخلات الصليب الأحمر لحماية جميلة من وحشية الفرنسيين ومن هنا جاءت الفكرة وقلت في نفسي «لماذا لا أقدم حياة جميلة في فيلم كرمز للنضال الوطني العربي ضد الاستعمار ؟» خاصة وأن مصر كانت تساند الجزائر سياسيا واقتصاديا للصمود أمام المستعمرين الفرنسيين، وبالفعل جمعت كل ما لدي من صحف وذهبت بها إلي يوسف السباعي لتكون تلك مادة يكتب من خلالها قصة فيلم أحداثة حقيقية، ورحب السباعي واثني علي الموضوع ومن خلاله حصلنا من اللجنة العلية للجزائر «التي كانت موجودة في مصر بأمر الرئيس جمال عبد الناصر» علي بعض المواد العلمية عن قصة حياة جميلة وما كتب عنها بالجزائر لتساعد السباعي في كتابة القصة التي بدأ يكتبها من خلال منظور اجتماعي وعندما أنتهي منها ، لجأت بها إلي أعتي الكتاب حين ذاك «نجيب محفوظ وعلي الزرقاني وعبد الرحمن الشرقاوي» ليكتبوا السيناريو والحوار وأيضا رحبوا وفي فترة وجيزة استطاعوا إنهاء ما كلفتهم به وبقيت المرحلة الأخيرة والأصعب والتي واجهت فيها مشاكل كثيرة وهي المخرج والإخراج للفيلم .. اتفقت مع عز الدين علي أن يخرج الفيلم وكان في حينها من كبار مخرجي مصر ويعيش بكيانه في أفلامه وأعطيته نسخة من السيناريو ليقرأها ولكنه غير بعض المشاهد وكتبها بنفسه من خلال رؤيته الخاصة وأراد أن يربط بين جميلة والجزائر وما يحدث في مصر وعندما أبلغني باقتراحاته رفضت لأنه سيكون هناك خلل في بناء الفيلم بالفروق التي ستظهر جيدا علي الشاشة بين فكرة المخرج وفكرة كتاب السيناريو وفي جلسة مناقشة بيننا قلت له«لقد أتيت بكبار الكتاب في مصر ليكتبوا السيناريو والحوار فكيف تعترض عما كتبوه وما تحاول إقحامه عن مصر في السيناريو سيضعفه لأنه لا يتناسب مع إيقاع الفيلم الذي يتكلم عن قصة كفاح الشعوب العربية من خلال كفاح الشعب الجزائري من اجل تحرير واستقلال أوطانهم و«جميلة» ليست جميلة فقط بل هي رمز تمثل كل مناضلة ومناضل يدافع عن تراب وطنه وجميلة قصة حقيقية وهي تاريخ لا يمكن أن أسمح بتحريفه فماذا تريد أن تقوله أكثر من هذا» فقال «أنا المخرج ومتمسك برأيي» وأنا قلت «أنا المنتجة والبطلة ومتمسكة برأيي» فقال «التعديلات الموجودة بالصفحات كذا وكذا قوية وستضيف للفيلم» فمسكت السيناريو ومزقت الصفحات التي أشار إليها والتي كانت مشاهد قد كتبها وأضافها للسيناريو وألقيت بها من شباك مكتبة الذي كنت موجودة به وحدي وكان هو معه أثنين من مساعديه وفي حينها كان عز الدين ذو الفقار هرم رابع لا يستطيع أحد أن يقف في طريقة أو يرفض له طلب فقال بعصبيه شديدة «جرئتي علي الإلقاء بكتاباتي من الشباك» فقلت بقوة وفي تحدي «وألقي أي شيء يقف أمام هذا العمل الضخم الذي يجسد تاريخ وطن ومزقت كتاباتك لأنها كتابات مؤلفة وأنا معي كتابات كلها من الحقيقة تكفي لصناعة عشرات الأفلام وليس فيلم جميلة فقط» وحدث الخلاف الشديد بيننا وأنسحب من اخرج الفيلم في محاولة منه للضغط علي فكنت قد بنيت الديكورات علي ثلاثة أفدنة من أستوديو مصر وتكلفت الديكورات حوالي مائة ألف جنيه وكان هذا رقم ضخم في حينها وكانت الديكورات هي بناء كامل لحي «القصبة الجزائري» كما هو بالضبط علي الحقيقة وكما صوروه لنا لجنة تحرير الجزائر بمرتفعات ومنخفضات والطرق والسلالم والمنازل ..

وكنت قد أمرت بإخراج أمر بداية التصوير بعد خمس أيام فظن عز الدين بأنني أقع تحت ضغط وسأنفذ ما يريد أو أن ينسحب من العمل، ولكني فاجأته بقولي «وأنا أوافق علي انسحابك لأني علي حق وصوت الحق دائما عالي» فقال «أنتي يا اللي لسه مطلعتيش من البيضة تقفي أمامي وتتحديني» فقلت له «واقف أمام جبل من تكون أنت؟» وهنا تظهر «ابتسامات وضحكات ماجدة وتقول للشباب جرأة وحماس» ولم أفكر فيما سيحدث وما سيترتب علي قراري هذا خاصة وأن فيلم جميلة كان ثالث إنتاج لي، ولكني في نفس الليلة اتصلت بيوسف شاهين الساعة الثانية ليلا ـ علي عكس ما كان يقوله يوسف شاهين في لقاء تليفزيوني بعد ذلك بأن عز الدين ذو الفقار هو الذي أتصل به ولكن هذا كان كذب من يوسف ـ .. وطلبت منه أن يأتي لمكتبي في الصباح وقد حضر وعرضت عليه أن يخرج الفيلم وأعطيته نسخة من السيناريو، وبعد أسبوع عاد واستطاع أن يقنعني بتغيير بعض المشاهد متعللا بأنه لا يوجد شخص يولد وطني ورافع الراية وأن الفيلم يجب أن يبدأ بشخصية البنت الهادئة المسالمة التي ليس لها علاقة بالعالم والحرب والنضال ثم يحدث التحويل في شخصيتها تدريجيا وكان الفيلم مكتوبا بطريقة أنها عادية ثم أصبحت وطنية فجأة ،ولكن يوسف شاهين قال يجب أن تكون هناك أسباب لان تكون وطنية، فالوطنية بذرة داخل الإنسان وأحداث يتعرض لها ويفجرها موقف وجلس يوسف مع الكتاب وتناقشوا ووافقوا علي رأيه .. وكان يوسف شاهين في تلك الفترة مشهور بأن أفلامه لا يصيبها النجاح ولا يستطيع فهمها الجميع ويرجع ذلك لكونه هو صاحب الفكرة وكاتب السيناريو والحوار والمخرج ويتحول كل الفيلم من وجهة نظر شخص واحد وبالتالي لا يفهمه غيره ..

وذهبت لزيارة الفريق محمد عبد الغني الجمسي في مكتبه لأطلب منه بعض المساعدات التي تساهم بها القوات المسلحة في الفيلم ورحب بشدة، وكان رجلا كريما ويتمتع بأخلاق النبلاء وكلف مجاميع وفرق من الجنود لتكون معنا في التصوير وتمثل دور جنود الجيش الفرنسي وجيش الفدائيين وكان مساعدته لأن مصر كانت في ذلك التوقيت تعمل دائما علي مساعدة الجزائريين .. وبدأنا في التصوير وبدأ الخلاف الأكبر الذي كنت أتوقعه ينشب بيني وبين يوسف شاهين فكان كلما أجده فقد السيطرة علي التعبير «بتهتهته المعروفة» أعرف أنه يمارس تطبيق أفكاره البالية فأقول له «أرجوك أريد فيلما ناجحا يشاهده الناس ولا أكون أنا جمهوره الوحيد»وكان ضمن أسباب الخلاف الدائم أنني درست الإخراج وفن التصوير والعدسات وهذا شيء يتسبب في متاعب للممثل والمخرج فعندما وجدت يوسف يوظف الحركة داخل الفيلم لتتسم بالسرعة غير الطبيعية بمعني «أني أسير بخطوات عادية ويشاهدني الناس وكأني أهرول ومثال ذلك عندما كنت ذاهبة في أحد المشاهد لنسف وتفجير مطعم للفرنسيين فأنزل من السيارة وفجأة يجدني المشاهد أمام باب المطعم» فرفضت هذا الأسلوب في التصوير الذي يبتعد عن الواقعية فمن الطبيعي عندما أذهب لأفجر مطعم أسير بشكل طبيعي حتى لا يلتفت وينتبه أحد لما سأقوم به ..

وأيضا ازدادت مشاكلنا وكان شاهدها الراحل المصور الكبير عبد العزيز فهمي فكان يوسف يهتم دائما بالعمق الموجود داخل الكادر والذي من الممكن أن يكون ضوءا ينعكس علي الشجرة وهذا يكون في خلفية الممثل الموجود أمام الكاميرا وبالتالي سيتحول وجه الممثل الموجود ليس له قيمة فقلت له «يوسف أنا أرفض هذه الطريقة في التصوير فأنت تصور بعدسة 28 وهذه لا تظهر طبيعة وجه الممثل ومن أجل هذا صور بعدسة 35 وهي مناسبة وتظهر الممثل والعمق الذي يريده المخرج» ولكن يوسف صرخ وأعتبر أن هذا تدخل في عمله، ولكن لم أهتم لصرخاته وذهبت لعبد العزيز فهمي وأشرت له أن يصنع ما أريد ولكن يوسف أشار إليه بأن يصنع ما يريده هو وهكذا تبادلنا علي المصور عدة مرات حتى فوجئنا بأنه يصرخ وقال لنا «حرام عليكوا أنا بشر جننتوني» ووقع علي الأرض فاقد الوعي وتوقف التصوير يومان ولم يعود التصوير إلا وأنا منتصرة ووضعت العدسة التي أريدها وطوال فترة التصوير كنت أتناول أدوية مهدئة بسبب خلافاتي مع يوسف شاهين ...

ومن أكثر المشاهد التي أرهقتني كان مشهد المستشفي حيث قال يوسف شاهين لرشدي أباظة «ستقوم بالضغط علي زراعها الذي من المفترض أنه مكسور ثم تقوم بلفها في غطاء السرير وتلقي بها علي الأرض فقلت له «نعم ، أنت تريد أن تتخلص مني ، خليك علي طبيعتك وأخرج ما بداخلك» ثم جاءوا بممثلة بديلة «دوبليره» نفذت المشهد ولكن أصعب المشاهد الذي مررت بها والتي لم تمر به ممثلة أخري هو عملية «قص الشعر» فلم تكن باروكة أو ديكور بل قصصت شعري حقيقتا من اجل أن أتقن دوري في «جميلة» فلم يكن هناك بديل أخر وقص الشعر كان للتطابق مع الشخصية الحقيقية لكونهم فعلوا بها هذا ضمن وسائل تعذيبها وكنت علي استعداد أن أفعل أي شيء لإتقان الدور الذي قادر علي تخليد وللأبد من يقوم به ولكني كنت أبكي كلما أنظر لنفسي بالمرآة بعد أزالته ، وجلست في المنزل فترة كبيرة بعد ذلك وكنت دائما أضع علي رأسي الأغطية وأصبح عملية قص شعري هذه مضرب الأمثال للمخرجين وجميع الزملاء والزميلات بالوسط الفني ، والفيلم كان اكبر بكثير من موضوع قص الشعر والدليل علي ذلك أن الجمهور لم يهتم بمعرفة مخرج الفيلم«وستجد علي الإنترنت ألان كثيرون يتساءلون عن من هو مخرج فيلم جميلة؟»فجميلة ارتبطت بماجدة وهذا اغضب يوسف شاهين بشده وفي كل أحاديثه التي كان يجريها قبل رحيله كان يتكلم عن كل أفلامه ولا يتحدث عن جميلة وفي احدي المرات سألوه عن جميلة قال لهم «ليس فيلمي ولكنة فيلم ماجدة» وإذا كان يستطيع مهاجمته فكان لن يتهاون لأن يوسف شاهين كان يعشق ومغرم بيوسف شاهين وليس أي شيء أخر في العالم ..

ولكني كنت أريد المشهد الأخير في نهاية الفيلم يضم مجاميع مختلفة للثورة والثوار في العالم كله يتكلمون عن أزمة جميلة التي هي أزمة الجزائر وكل الأراضي العربية المحتلة وكل ضحايا الاحتلال في كل بقاع العالم ولكن الدكتور ثروت عكاشة وكان وزير الثقافة والإرشاد في حينها أشار أن يكون مشهد النهاية يضم مجاميع تظهر فيها أفريقيا فقط ونفذ يوسف شاهين ما أراده ثروت عكاشة وكنت ولازالت غير راضية عن هذا المشهد .. وأنتهي تصوير الفيلم وحضر فتحي الديب واللجنة العليا للجزائر وأحمد بن بلة الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس للجزائر في عام 1962 لمشاهدة الفيلم في الأستوديو ووقفوا في نهايته وأدي «بن بلة» ومن معه التحية العسكرية الجزائرية وصفقوا بشدة وشكروني علي تلك الهدية التي وثقت بها جرم الاحتلال الفرنسي للجزائر وخرج الفيلم وعرض في سينما «راديو» في عام 1960 «وهو العام الذي كان تقرر فيه إعدام جميلة» وقامت مظاهرات من داخل السينما وعلت الهتافات لتحرير الجزائر ولتحرير جميلة ولتحرير الأوطان العربية ولكن فيلم جميلة في النهاية أضاف لكل من عمل فيه وقدمهم وكأنه يكتشفهم لأول مرة وتحول إلي فيلم عالمي صنع المظاهرات في كل بلد عرض فيها وخاصتا «أفغانستان وروسيا» وكانت فرنسا تحتج في كل بلد يعرض فيها الفيلم وكتب الفيلسوف العالمي الفرنسي الجنسية «جان بول سارتر» بعد مشاهدته للفيلم قائلا «أنني شاهدت هذه الممثلة الصغيرة الكبيرة التي انتزعت مني الدموع وأنستني جنسيتي» وكتبت حبيبته «سيمون دي بوفوار»الفيلسوفه الفرنسية عمود في الفيجارو تمدح في فيلم جميلة الذي هز كيانها .. لقد تسبب الفيلم في ضجة عالمية كبري وضغط علي الرأي العام العالمي فتراجعت فرنسا عن إعدامها وكتب نزار قباني قصيدة شعر بعد مشاهدته للفيلم قائلا «الاسم جميلة بوحيرد .. رقم الزنزانة تسعونا .. في السجن الحربي بوهران .. والعمر اثنان وعشرونا .. عينان كقنديلي معبد .. والشعر العربي الأسود .. كالصيف، كشلال الأحزان .. أربعة للماء وسجان .. ويد تنضم على القرآن .. وامرأة في ضوء الصبح .. تسترجع في مثل البوح .. آيات مزقت الأوثان .. من سورة مريم والفتح .. اسم مكتوب باللهب .. مغموس في جرح السحب .. في أدب بلادي في أدبي .. العمر اثنان وعشرونا .. في الصدر استوطن زوج حمام .. والثغر الراقد غصن سلام .. امرأة من قسطنطينة .. لم تعرف شفتاها الزينة .. لم تدخل حجرتها الأحلام .. لم تلعب أبدا كالأطفال .. لم تغرم في عقد أو شال .. لم تعرف كنساء فرنسا .. أقبية اللذة في «بيغال» .. أجمل أغنية في المغرب ..أجمل طفلة أتعبت الشمس ولم تتعب .. يا ربي هل تحت الكوكب .. يوجد إنسان .. يرضى أن يأكل أن يشرب .. من لحم مجاهدة تصلب .. أضواء «الباستيل» ضئيلة .. وسعال امرأة مسعولة .. أكلت من نهديها الأغلال .. أكل الأنذال .. «لوكوسف» وآلاف الأنذال .. من جيش فرنسا المغلوبة .. انتصروا ألان على أنثى .. أنثى كالشمعة مصلوبة .. القيد يعض على القدمين .. وسجائر تطفأ في النهدين .. ودم في الأنف والشفتين .. وجراح جميلة بوحيرد .. هي والتحرير على موعد .. ومقصلة تنصب والأشرار .. يلهون بأنثى دون إزار .. وجميلة بين بنادقهم .. عصفور وسط الأمطار .. الجسد الخمري الأسمر ..تنفضه لمسات التيار .. وحروق في الثدي الأيسر .. في الحلمة .. في ، في .. يا للعار .. الاسم جميلة بوحيرد .. تاريخ قرون بلادي .. يحفظه بعدي أولادي .. تاريخ امرآة من وطني .. جلدت مقصلة الجلاد .. امرأة دوخت الشمس .. جرحت أبعاد الأبعاد .. ثائرة من جبل الأطلس .. يذكرها الليلك والنرجس .. يذكرها زهر الكباد» .

لقد ساهم فيلم جميلة من الناحية الفنية في أن يغزو وينافس الفيلم المصري بعد ذلك جميع أسواق العالم وكان من المعروف أن الأفلام التاريخية والوطنية لا تعود بإيرادات ولكن أستطاع هذا الفيلم أن يغطي تكلفته ولقد طلب فيلم «جميلة بوحريد»للعرض في كل أنحاء العالم ورشح لجوائز عالمية ولقد سافرت إلي العاصمة السوفييتية وقضيت ثلاث أسابيع في حركة دائبة شاهدت المهرجان السينمائي وأثار عرض فيلمي جميلة ضجة كبري هناك وقابلت كثيرا من الفنانين السوفيت وأعجبتني فكرة بيت الفنانين العجائز وزرت استوديوهات موسكو وخالطت الشعب السوفييتي وكنا ثلاثة «أحمد علي ناصف مندوب وزارة الثقافة والإرشاد ، ويوسف شاهين المخرج وأنا» وكان واضحا منذ اللحظة الأولي التي هبطت فيها ارض المطار أننا موضع حفاوة وتكريم من الشعب السوفييتي الصديق لم يكن يضايقنا شيء سوي نظرات أعضاء الوفد الفرنسي وكانوا خمسين عضوا يمثلون مائه عين تطاردنا في كل مكان نذهب إلية وتتطلع إلينا حائرة وفجأة احمرت هذه العيون وتطاير منها الشرر وازدادت بحلقتها لنا عندما علمت أن فيلم «جميلة» المجاهدة الجزائرية سيعرض في المهرجان واحتج أعضاء الوفد الفرنسي والسفير الفرنسي لدي السلطات السوفييتية علي عرض الفيلم ولكن هذه السلطات رفضت الاحتجاج وسمحت بعرض الفيلم وازدادت بحلقت العيون وبدأ الحقد يأكل قلوب أعضاء الوفد الفرنسي عندما استقبل الشعب السوفييتي فيلم «جميلة» بالتصفيق وبالهتاف بسقوط الاستعمار والبصق علي أعمال العنف الفرنسي في الجزائر ! .. وانتهزت الفرصة وضربت ضربتي الثانية وأعلنت أنني سأكافح في سبيل دخول فيلم جميلة إلي قلب فرنسا نفسها وعرضه هناك قلت أنني سأعمل كل جهدي بمعاونة محبي السلام في العالم لعرض الفيلم في باريس نفسها وما كدت انتهي من كلمتي حتى اقترب مني احد أعضاء الوفد الفرنسي وللوهلة الأولي ظننت أنه سيقتلني ولكني لم أخشاه وصمدت شامخة أمامه فوجدته يقول لي «بالرغم من أني فرنسي إلا أن الفيلم هزني وأبكاني وجعلني احقد علي قلوب الفرنسيين القاسية» .. ولكن في موسكو لفت شيء انتباهي بشدة وتمنيت في وقتها أن يصبح لدينا مثله وهو «بعيد عن فيلمي وأحداثه» وهو أن كل ممثل يصل سنة الستين يهرع إلي قصر عجائز الفنانين يعيش هناك بقية أيامه في جو مشبع بالراحة والرعاية فالدولة تدفع له اجرا معينا كل شهر يدفع منه ثم الطعام فقط ولا يدفع الإيجار .. وفي البيت أشياء كثيرة تشجع علي الحياة «كل المتع» المسرح والفكاهة والموسيقي والتسليات المختلفة وبالقرب من القصر مستشفي كبير لعلاج المرضي من الفنانين ومكتبة زاخرة بكل أنواع الكتب الدسمة وللفنان العجوز بعد ذلك حق دخول كل دور السينما والمسارح وصالات الموسيقي دون أن يدفع مليما واحدا وبيت الفنانين العجائز قبلة لكثير من الزوار من طلبة المعاهد الفنية وهناك يتلقى الطلبة دروسا خاصتا في التمثيل علي أيدي الفنانين العجائز ويستمعون إلي محاضرات تحوي كل تجارب رواد القصر ومن وراء هذه الدروس والمحاضرات يجني الفنان العجوز مبالغ طائلة تمنحها الدولة له وتذكرت الممثل الكبير عبد العزيز خليل وأنا اسمع هذا الكلام وودت لو أن زملائي الفنانين كلهم معي ليسمعوا هذه القصة العجيبة .. ووجدت أيضا في موسكو أن لديهم استوديوهات ضخمة وإمكانيات التصوير والإخراج متوفرة بشكل ملحوظ أنهم كانوا يحرصون علي الإنتاج المشترك مع الدول الأخرى وقال لي احد المخرجين أن الفيلم السوفيتي عبر الحدود ووجدت أن الناس في موسكو مغرمين بالموسيقي يسمعونها في كل مكان في البيت والنادي وصالات الاستماع ونادرا ما تجد واحدا من الشعب السوفيتي لا يملك «بيك اب»ويحتفظ بمجموعة ضخمة من الاسطوانات حتى أننا عندما سرنا في شارع يبلغ عرضة ستين مترا قال يوسف شاهين ضاحكا «أية هو ده أحنا حنمشى في الحواري ولا أية» والفت نظري وأنا أسير في شوارع موسكو أن الشباب من الجنسين يعملان بنشاط وهمة في رصف الشوارع وغرس الأشجار بعضهم يحمل الأحجار علي كتفيه والبعض الأخر يدق الأخشاب والابتسامة تعلو وجوه الجميع .. وشاهدت وأنا أسير إلي جانب يوسف شاهين منظر شاب وفتاه وقد غابا في قبلة حارة ورجل البوليس علي بعد أمتار منهم ولكنة لا يحاول أن يتدخل في منع القبلة وقلت لرجل البوليس لماذا لا تدخل فقال الرجل علي الفور ولماذا أتدخل هل امنع الحب وعرفت بعد ذلك أنهم هنا يقدسون الحب طالما انه ينتهي دائما بالنهاية الطبيعية الزواج والشاب في موسكو لا يقول للفتاه أني احبك إلا إذا كانوا سيتزوجها ..

ثم طلب الفيلم للعرض في لبنان وذهبت إلي هناك تملأني الفرحة الشديدة لما صنعة الفيلم من ضجة عالمية وجهت أنظار الجميع إلي ما يحدث في الجزائر وإلي قضية جميلة وذهبت إلي بيروت وقوبلت بحفاوة عالية وتم التمهيد لعرض الفيلم ولكني فوجئت بأن حفلة العرض تلغي خشية أن يتم تفجير دار العرض بسبب الفيلم بعد التهديد بذلك كما أن حياتي أصبحت مهددة بالخطر نتيجة لمطالبات بعض السياسيين الفرنسيين بمحاكمتي وإعدامي لم أذنبت في حق فرنسا والشعب الفرنسي الذي أصبح يحتقره العالم كله بسبب فيلم «جميلة» وما أن أصبح الفرنسي يخرج هويته في أي مكان في العالم حتى يشار إليه بأنه مغتصب واستعماري والدليل جميلة بوحريد وبالفعل تأكدت الحكومة اللبنانية أنني مهددة بالاغتيال من قبل بعض المتعصبين الفرنسيين وكانت هناك شكوك في حينها أن ما يحدث بدافع من الإسرائيليين الذين علموا أنني نويت أن أتناول قصة حياة الأطفال الفلسطينيين الذين عاشوا الحرب والدم والدمار في فيلم سينمائي بعد جميلة وخشوا أن يحدث لهم ومعهم ما يحدث للفرنسيين وكلفت حراسة مشددة ترافقني دائما طوال وجودي في لبنان وعرض الفيلم رغم أنف الفرنسيين الذين احتجوا بشده علي عرضة ولقي قبول هائل وخرجت المظاهرات في شوارع بيروت بعد العرض تنادي بسقوط فرنسا وتحرير الجزائر .. لقد ظل الاحتلال الفرنسي قابع في الجزائر تحت دعاوى أنها ولاية له منذ مائه وثلاثون عاما ولكن صمود الشعب الجزائري ودعم الحكومة المصرية وفيلمي جميلة أستطاع أن يساهم في تحريرها من قبضة الفرنسيين وخرج الاحتلال من الجزائر بعد عرض الفيلم بثلاث سنوات وكان «بن بيلا» أول رئيس للجزائر وظلت السفارة الجزائرية في القاهرة توجه لي دعاوى لحضور حفلات أعياد تحرير الجزائر علي مدار خمسة عشر عام وكنت أرفض الحضور في كل عام تأتيني الدعوة ولكن بعد كل هذه السنوات من الرفض زارني سفيرهم ومعه وفد من الخارجية ليعرف السبب وراء هذا الرفض الذي طال فقلت له «أنتم توجهون كل عام دعاوى للشخصيات العامة في المجتمع المصري والفنانين وأنا من ضمنهم لحضور عيد تحرير الجزائر وأنا أرفض الحضور لأنه مع احترامي لكل من توجهون لهم الدعوات فأنا كنت أعتقد أنني لي مكانة خاصة لديكم وهذا ليس تعاليا وإنما اعتزازا لقد قدمت للجزائر الكثير بفيلمي«جميلة» وساهمت في تحريرها كما ساهم المجاهدين الجزائريين علي الجبة وعرضت حياتي للخطر فكنت أظن أنني عندما أدعي لزيارة الجزائر لأول مرة بعد تحريرها أن يكون هناك احتفال خاص بي وليست توجه لي دعوه ضمن دعاوى كثيرة توجهونها كنوع من الدبلوماسية الخارجية لدولتكم .. لقد تأخرت دعوتكم التي كنت أنتظرها طويلا» فقال لي الرجل وبوجهه حمرة الخجل «لديك كل الحق وسوف نعمل علي رد جميلك علينا» وبالفعل تحقق ما كان يجب أن يتحقق منذ تحرير واستقلال الجزائر وكانت أول مرة في حياتي أزور فيها الجزائر، وفي المطار فتحت لي قاعة كبار الزوار والفدائيات استقبلنني بالورود ووجدت أن معظمهن مشوهات بعاهات الحرب مثل «بتر الأرجل والأذرع» وشعرت بقشعريرة جسدي وبكيت من التأثر بالمشهد وبكت المجاهدات وأيضاالمسئولون الذين كانوا جميعا في استقبالي، ونزلت والوفد المرافق معي وكانوا مجموعة كبيرة من الصحفيين والإعلاميين المصريين في أفخم الفنادق وكانت هناك حراسة دائما معي وأسير في موكب كرؤساء الدول وبدأ تنفيذ برنامج رسمي يومي زرت من خلاله كل المعالم السياحية والتاريخية بالجزائر وكان من أهمها مقابر الفدائيين وأقام كل وزير احتفالا خاصا بي وألقيت الخطب والكلمات ونظموا لي لقاء تليفزيوني وقابلت رئيس الوزراء الذي شكرني وشكر مصر من خلالي علي ما قدمته للجزائر وأقاموا لي احتفالا رسميا ،وتم تكريمي ومنحت درع المجاهدين الجزائريين ولكني شعرت بشيء غريب جدا وهو أن الاحتفال كان بـ«ماجدة» وفيلمها وليس بجميلة وقصة نضالها، ولكني عرفت أن الخلافات نشبت بين جميلة والسلطات الجزائرية بعد زواجها من المحامي الفرنسي«جاك فير جيس» بعد خروجها من السجن وبعد اعتناقه الإسلام وكان من أشد المؤمنين بقضيتها وحق الشعوب في تقرير مصيرها فكان عقبة في وجهه الاستعمار الفرنسي الذي كان يريد إعدام جميلة ودفن قضيتها للأبد ولذلك جاء الزواج بعد قصة حب نشبت بينهما وهذا ما اعتبره الجزائريون خيانة من مناضلتهم الكبيرة فغضبوا منها ونحوا الإعلام عنها وكان هذا سبب في أنهم لا يعرضون فيلم جميلة بالتليفزيون الجزائري..

الأهرام اليومي في

16.01.2015

 
 

محمد نجاتي: «زجزاج» بطولة جماعية ولا أحب لقب «النجم الأوحد»

كتب الخبرأمين خيرالله

لم يتعجل البطولة السينمائية رغم بداياته الفنية المبكرة، والتي أتاحت له الوقوف أمام كبار النجوم مثل أحمد زكي وشيريهان ونجلاء فتحي وغيرهم... محمد نجاتي بطل فيلم «زجزاج»، الذي يعرض راهناً في دور العرض السينمائية، أكد خلال حواره مع «الجريدة» أنه لا يؤمن بمصطلح «النجم الأوحد»، ويرى أن الفن عمل جماعي يتطلب مجهود الجميع.

·        ألم تقلق من تأجيل عرض فيلم «زجزاج» مراراً، خصوصاً أنه يعتبر أولى بطولاتك السينمائية المطلقة؟

لم أقلق على الإطلاق، فاختيار الوقت المناسب يبقى الأهم، وهو دور المنتج والموزع معاً ولديهما الخبرة والحق الكامل في ذلك. ثانياً، لا أعتبر «زجزاج» بطولة مطلقة لي، لأنني لا أؤمن بهذا المصطلح من الأساس، وأعتبر أي عمل هو بطولة جماعية يشارك فيه أبطاله كلهم، فإذا لم يشعر كل فنان بأنه بطل في الفيلم الذي يقدمه فإنه لن يقدم أفضل ما لديه، وهذا هو الفرق بين البطولة الجماعية والمطلقة.

·        هل كنت ترغب في أن تبدأ بطولاتك السينمائية بعمل جماعي؟

في الأساس أفضل البطولات الجماعية، لأني لا أنظر إلى أعمالي من خلال عدد مشاهدي فيها. وفي نهاية الأمر، يكون النجاح للجميع بدءاً من أكبر ممثل إلى أصغر شخص في موقع التصوير.

·        هل ستستمر في تقديمها أم ستتمرد عليها؟

وافقت على البطولة الجماعية لأن السيناريو تطلب ذلك، والفكرة أيضاً تلزمها بطولة جماعية. العبرة عندي في الفكرة والسيناريو، فإذا توافر لديَّ نص مثل «زجزاج» مجدداً لن أتردد في القبول به، وسأقدمه من دون أي مشكلة أو قلق. عموماً، المشاهد يهتم  بالفيلم أو العمل الفني عندما تجذبه فكرته وأحداثه ولا يلتفت إلى عنصر البطولة الجماعية أو نجم الشباك.

·        لماذا تم تأجيل عرض «زجزاج» فترة طويلة جداً حتى اعتقد البعض أنه لن يرى النور أبداً؟

للأسف بدأنا التحضير لـ «زجزاج» وتصويره في فترة صعبة جداً، وتم إيقاف التصوير مراراً، حيث كانت أوضاع البلد غير مستقرة، وعندما انتهينا من تصويره ومونتاجه انتظرنا فترة أخرى طويلة حتى نجد توقيت العرض الملائم، فعرض العمل والبلد مستقر أفضل كثيراً من عرضه في أي وقت.

·        لماذا اخترتم أزمة الزواج العرفي كي تكون محور الفيلم، خصوصاً أنها ليست جديدة على المجتمع المصري؟

الزواج العرفي مشكلة قديمة متجددة في أوساط الشباب، وإن هدأت فترة فإنها سرعان ما تعود مجدداً، وهذه المشكلة نجدها متفشية في أوساط الطلبة والطالبات في الجامعات والنوادي والشباب، وفي الملاهي الليلية وأماكن تجمعهم، وهو ما يحدث في الفيلم، حيث أجسد شخصية «رامي دي جي» الذي يعمل في ملهى ويريد إيقاع الفنانة ريم البارودي في حبه كي يتزوجها عرفياً بسبب إمكاناته الضعيفة وحبه اللعب بعقول الفتيات وعواطفهم.

·        هل دور الفن هو تحذير المجتمع من الأخطار المحيطة به؟

يجب على الفنانين أن يختاروا أفكاراً تناسب المجتمع وتحذرهم من المشاكل والأزمات الموجودة حولهم، ويكون ذلك في إطار درامي سينمائي حتى لا يشعر المشاهد أن ثمة أفكاراً مقحمة أو أنه يدخل دور العرض السينمائي كي يأخذ درساً في الأخلاق. لكن المهم فعلاً هو الحبكة الدرامية التي تساعد المتلقي على تقبل الفيلم والاقتناع بالأفكار التي يقدمها.

·        هل توقيت العرض يؤثر سلباً أو إيجاباً على الإيرادات بدرجة كبيرة؟

بالتأكيد، فاختيار الوقت المناسب يساعد في زيادة الإيرادات، خصوصاً خلال الأعياد أو الإجازات الرسمية مثل أعياد الفطر والأضحى والميلاد ورأس السنة. أتوقع نجاح الفيلم لأننا بذلنا فيه مجهوداً كبيراً، وانتظرناه فترة طويلة، وواثق أن الله سبحانه وتعالى سيعوضنا خيراً.

·        من وجهة نظرك، ما هي عيوب السينما المصرية؟

للأسف السينما المصرية نمطية جداً، وتسعى وراء الأعمال الناجحة، فإذا قدم فنان شخصية مواطن شعبي ونجح فنجد أن الجميع يقدم الشخصية نفسها، وعندما تحدثت السينما عن الإرهاب وجدنا الجميع يسير في الاتجاه نفسه، كذلك أغاني المهرجانات التي اجتاحت السينما في الفترة الأخيرة، ولا ننسى أيضاً الأفلام التي تناقش قضايا العشوائيات والبطلجة والمناطق العشوائية التي أصبحت تسيطر على السينما المصرية في الفترة الأخيرة.

·        هل ترى عيباً في مناقشة قضايا العشوائيات من خلال السينما؟

إطلاقاً، لكن ثمة نماذج كثيرة جداً في المجتمع العربي عموماً والمصري خصوصاً يجب البحث عنها ومناقشة قضاياها. لكن الأزمة الحقيقية في أننا لا نريد أن نفكر في أنماط جديدة لتقديمها، ومن يقدم نموذجاً ناجحاً نجد بعده عشرات الأعمال المشابهة له في حين أن ثمة نماذج مهمة لا يلتفت إليها أحد وهذا ينطبق أيضاً على الدراما التلفزيونية.

·        يرى البعض أن تجسيده دور الشرير قد يحصد كره الجمهور، ألم تخش من ذلك، خصوصاً أنك قدمت دور الشرير أكثر من مرة؟

المشاهدون ليسوا بهذه السذاجة كي يكرهوا الفنان بسبب تقديمه دور الشرير، بالإضافة إلى أن لي أدواراً عدة أيضاً ظهرت فيها بشخصية الطيب، فالتنوع مطلوب كي يحدث توازن وكي لا يصبح الفنان في قالب واحد، وللعلم أفضل أعمالي كنت فيها شريراً.

فجر يوم جديد: مئوية {أبو الواقعية}!

كتب الخبرمجدي الطيب

كنت أعرف أن الناقد الكبير سمير فريد يُعد، مع انعقاد الدورة 37 لمهرجان القاهرة السينمائي، لاحتفالية ضخمة بمناسبة مئوية ميلاد المخرج الكبير صلاح أبو سيف (10 مايو 1915 - 22 يونيو 1996)، وخشيت أن تتسبب الاستقالة التي تقدم بها فريد من منصبه كرئيس للمهرجان في تجاهل المناسبة، وغض الطرف عن الاحتفال بالمخرج الكبير، الذي لُقب بـ {أبو الواقعية} في السينما المصرية!

من هنا كانت فرحتي كبيرة لحظة إعلان السيدة ماجدة واصف، رئيسة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، أن الدورة الثالثة للمهرجان، التي ستقام في الفترة من 24 إلى 31 يناير الجاري، ستحتفل بمئوية ميلاد {الأب الروحي} للسينما الواقعية المصرية، وستعرض له ستة من أفلامه هي: {شباب امرأة} (1956)، {الوسادة الخالية} (1957)، {أنا حرة} (1959)، {بين السماء والأرض} (1959)، {القاهرة 30} (1966) و}الزوجة الثانية} (1967). وكنت أتمنى لو أصدر المهرجان كتاباً عن الراحل، الذي لم يفوتَ مناسبة من دون القول إن اعتراف الغرب به تأخر مقارنة بالمخرج يوسف شاهين، لكنه كان يستدرك قائلاً: {قد يكون هذا ناتجاً عن تقصير مني}، ويُضيف: {المسألة كانت تحتاج إلى علاقات عامة افتقرت إليها} (حواره مع الناقد سمير نصري).
لم يندم صلاح أبو سيف على فيلم أنجزه، بما فيها فيلم {حمام الملاطيلي}، الذي تعرض بسببه لهجوم قاس لكنه دافع عنه بقوله: {قلت من خلاله إن الحل للهروب من نكستنا ووكستنا (يُشير إلى هزيمة يونيو 1967) أن نحارب إسرائيل بأي شكل، وهذا ما حدث فعلاً، إذ عُرض الفيلم عام 1972 وفي عام 1973 اندفعنا إلى الحرب}، وكان يُكرر القول: {لم أقدم على فيلم رغم أنفي، وكل الأفلام التي حققتها أنا مسؤول عنها، واخترت موضوعاتها}. لكنه كان شديد الاعتزاز بأفلام: {الزوجة الثانية}، {السقا مات}، {بداية ونهاية}، {القاهرة 30}، {الفتوة} و}شباب امرأة}. وعلى عكس الكتابات التي تقول إنه لم يحب الدراما التلفزيونية اعترف أنه {كان على وشك الإقدام على إخراج مسلسل ولكن الأمور تعثرت وتم إرجاء المشروع}!
ليست مصادفة أن يُطلق البعض على صلاح أبو سيف لقب {نجيب محفوظ السينما المصرية}، فقد ربطت بينهما علاقة صداقة وطيدة، وكان عضواً في جماعة {الحرافيش}، التي أطلق عليها الكاتب والقاص خيري شلبي {أبناء الشعب المغلوب على أمره}، وكانت تضم: الأديب نجيب محفوظ، المخرج توفيق صالح، الفنان أحمد مظهر، المذيع إيهاب الأزهري، الشاعر والفنان الشامل صلاح جاهين، الموسيقار سيد مكاوي، الكاتب الساخر محمد عفيفي ورسام الكاريكاتور بهجت عثمان... وغيرهم. ومع نجيب محفوظ أنجز عدداً من الأفلام المهمة مثل: {شباب امرأة}، {لك يوم يا ظالم}، {ريا وسكينة}، {الفتوة}، {القاهرة 30} و}بداية ونهاية}، وتمنى، في حياته، لو أخرج فيلماً بعنوان {كيف تتزوج وتعيش سعيداً}، الذي شارك في كتابة السيناريو له مع لينين الرملي، لكن الرقابة وقفت له بالمرصاد بحجة أنه {فيلم جنسي}، رغم تأكيده أنه لا يحتوي على مشهد جنسي واحد، وأنه يعتمد على دراسات علمية تؤكد أن تسعين في المئة من أسباب فشل الوفاق الجنسي وحالات الطلاق ترجع إلى الجهل بالثقافة الجنسية. وبعد وفاته قيل إن فيلم {النعامة والطاووس}، الذي أنجزه ابنه المخرج محمد أبو سيف، هو نفسه {كيف تتزوج وتعيش سعيداً}، بدليل أنه كتب على الملصق سيناريو لينين الرملي وقصة صلاح أبو سيف!

المفاجأة التي جاءت على لسان صلاح أبو سيف، في حواره مع نصري، أنه كان يستعد لإخراج فيلم عن سيرة حياة رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي، ونوه إلى أن بشير الديك يكتب السيناريو، وهو ما يشير إلى أنه الفيلم نفسه الذي أخرجه المخرج عاطف الطيب، الذي اختار نور الشريف للبطولة وهو الترشيح عينه الذي أعلن عنه أبو سيف، وهي مناسبة للقول إنه كان شديد الاعتزاز بالشاب عاطف الطيب، وكان يرى فيه شبابه، ربما بسبب تشابه أسلوب عاطف الطيب مع أسلوبه، واهتمامه الواضح بتقديم قضايا الواقع أكثر من اهتمامه باستعراض {عضلاته السينمائية}!

لم يكن صلاح أبو سيف يتفق مع النقاد في فهمهم لمذهب الواقعية، ففي حين كان يؤمن أنها {الصدق والأمانة في اختيار المشكلة وعلاجها وأن يكون لك رأي صريح وصائب على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي}، عاب على النقاد اتهامه بأنه حاد عن الواقعية في الأفلام التي أخرجها عن قصص الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، وكأن الواقعية مقصورة على حي بولاق الشعبي، الذي قدمه في فيلم {الأسطى حسن}. والتصق أبو سيف بالناس طوال حياته، بل إنه رفض اقتناء سيارة ليكون قريباً وواحداً منهم!

«لغة الأفلام القديمة»...

لماذا لا تلقى رواجاً بين «الأجيال الجديدة»؟

كتب الخبرأحمد بركات

«لغة الأفلام القديمة تثير الضحك»... عبارة شبابية تعبر عن شيوع روح عامة بين شرائح واسعة من الجيل الراهن، تصطدم بكلاسيكيات السينما حيث تغلب المبالغات في التفخيم اللغوي، عبر تراكيب ومصطلحات لا تلقى رواجاً في جلسة نرى فيها المشاهدين منهمكين في التدوين عبر أجهزتهم اللوحية ونشاطهم التقني الحديث.

يقول بعض الخبراء والنقاد إن لغة السينما انعكاس واضح للعصر الذي تعبر عنه، لذا يجد الجيل الجديد أن لغة السينما القديمة مثيرة للضحك، فيما يعزو البعض الآخر هذا الأمر إلى تطور صناعة السينما منذ ظهورها كصامتة. وثمة من يشدد على ضرورة احترام نصوص الأفلام الكلاسيكية كجزء من تاريخنا الذي لا يمكن التنصل منه، حتى لو لم يشبه معطيات الواقع الحالي في بلاغته وتصويره للأشياء والأمور.

من جانبها، ترى الناقدة خيرية البشلاوي أن التطور الذي طاول حركة السينما لم يقتصر على لغتها، وإنما امتد إلى مضمونها، فتغيّر التراكيب اللغوية والمصطلحات المعتمدة في السيناريو والحوار يواكبه استحداث مزيد من القضايا والمشكلات والخطوط الدرامية التي تمثل انعكاساً للعصر، ذلك بالإضافة إلى الوسائط التي تعرض من خلالها أيضاً، في إشارة إلى النوافذ الرقمية الجديدة من سينمات ثلاثية الأبعاد وأقراص مدمجة ومحطات فضائية.

وأشارت البشلاوي إلى أن السينما انعكاس للعصر الذي تعبر عنه وتظهر فيه، وأنها كصناعة تخضع باستمرار لحركة تطور وتغيير، وذلك منذ ظهورها في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الآن، فقد ظلَّت الأفلام صامتة لفترة طويلة، لتساعد بعدها أحداث الحرب العالمية الأولى في تطور الأفلام في أميركا وازدهارها، وتوسعت لاحقاً في أنحاء العالم في مسيرة تخللتها قفزات عدة على مستوى الصورة والصوت والانفعالات والألفاظ أيضاً.

أما الناقد السينمائي عصام زكريا فيرى أن التطور التقني الرهيب الحادث الآن يشكّل مسافة من العزلة بين {كلاسيكيات السينما} وبين المتلقي الحالي أو المشاهد الجديد ضمن شرائح الأجيال الحديثة، والتي تتعاطى بنوع من {السخرية} مع خط الأحداث الدرامية الذي يمتاز ببطء شديد وغياب لأي وسائل للترابط المجتمعي أو التواصل والمصطلحات المعاصرة .

ويقول زكريا إن تقييم المشاهدين، خصوصاً جيل الشباب منهم، للأعمال لا يقتصر على {السيناريو}، لأن كلاسيكيات السينما تتمتع بكثير من عناصر القوة التي نفتقدها اليوم، مضيفاً: {أعتقد أن المشاهد الواعي لن يعتمد على شكل وطريقة نطق الألفاظ فحسب، بقدر ما يتحتم عليه التركيز مع قيمتها وأهدافها والأبعاد الرامية إليها الأعمال السينمائية القديمة التي لا تتغيَّر باختلاف الوسيط أو التكنولوجيا التي تعرض من خلالها}.

واختتم حديثه بأنه لا تعتبر سخرية الأجيال الجديدة من لهجة تلك الأفلام {إهانة}، ولكنه أحياناً يعتبر لوناً جديداً من الفن، فبعيداً عن إبداع مواقع التواصل الاجتماعي في تقريب المسافات بين الأجيال السينمائية، ثمة نوعية جديدة من الأفلام التي عرفتها هوليوود أولاً تعتمد على تقليد النسخة الأصلية من فيلم ما بطريقة ساخرة، ومحلياً قدمها أحمد مكي بشكل لافت في فيلم {طير أنت} حينما برع فريق العمل في تقليد لغة الفنان يوسف شعبان كضابط للمخابرات في دراما الجاسوسية.

ويرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية سعيد صادق أن اللغة وطريقة التعبير من أهم الوسائل التي نستنبط منها ملامح حياة الشعوب في فترة ما، ونستدل من خلالها على ما يعانونه من مشكلات أو عادات تتغير بتغير الأزمان، معتبراً أن الطريقة التي كان يتحدث بها الناس تعكس أوضاعهم وأحوالهم، وقال: {اللغة في الأساس جزء من نشاط الناس المعرفي، والسينما إحدى أدوات إثراء التواصل والمعرفة وتخضع لقواعد اللغة، وأن التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تشهده المجتمعات يوثر على السينما كاختراع}.

ويتابع صادق أن القرن الحادي والعشرين اتسم بزيادة حركة التطور وظهور تقنيات واختراعات حديثة، مشيراً إلى أن تطور المجتمعات يصاحبه تطور اللغة، والتي تنعكس في ألوان الإبداع كافة التي يتأثر بها المجتمع كالسينما والمسرح وحتى الأدب. واعتبر أنه ليست اللغة وحدها التي نلمس فيها فجوة واسعة بين ما كان يردده الممثلون وقتها وبين ما نردده الآن، ولكن في طبيعة المشكلات التي كانوا يناقشونها، مطالباً بعدم السخرية من تلك المواد الفيلمية القديمة لاعتبارها {مرجعاً كلاسيكياً} لأنماط حياتنا آنذاك.

نجوم يحلقون شعرهم ويغيِّرون شكلهم خدمة لأعمالهم

كتب الخبرهند موسى

تأكيداً لمصداقيتهم، يعمد النجوم إلى إجراء تغييرات على صعيد الشكل خدمة للشخصيات التي يجسدونها في أعمالهم الفنية، تتنوع بين حلق شعرهم بالكامل أو جزء منه، أو إنقاص وزنهم أو ربما زيادته، وغيرها من أشكال التغيير، التي لا بد من أن يقدرها المشاهد، ويظل يتذكرها حتى بعد مرور سنوات على عرض العمل، لأن هؤلاء النجوم لم يستخدموا وسائل معينة أو ماكياجاً للظهور على هذا النحو بل أجروا فعلا هذه التغييرات.

في مقدمة النجوم الذين غيروا في شكلهم خدمة لدورهم إلهام شاهين التي تظهر حليقة الشعر وفقاً لما يتطلبه دورها في {ريجاتا}، المتمحور حول امرأة ترتدي حجاباً لرغبتها في إخفاء مرضها عن المحيطين بها، لذا تطلّ بهذا المظهر في مشاهد قليلة.

يذكر أن إلهام شاهين تعكف على تصوير الفيلم مع المخرج محمد سامي، والفنانين: عمرو سعد، فتحي عبد الوهاب، أمير شاهين، أحمد مالك...

بدورها وضعت فردوس عبدالحميد شعراً مستعاراً بلون الجلد لتظهر صلعاء في مسلسل {السائرون نياماً} (إخراج محمد فاضل، بطولة علي الحجار)، الذي تدور أحداثه في فترة حكم المماليك، وتجسد فيه شخصية {زليخة} التي تكوّن خلية من المقاومة الشعبية، وهي في الأساس من المقربين لله الذين يرتدون الخيش ويقصون شعرهم بهذا الشكل.

مفاجآت وغرابة

في كليب {شكلك ما بتعرف} فاجأت مايا دياب الجمهور بإطلالة غريبة وغير متوقعة، خصوصاً أنها معروفة باهتمامها بمظهرها الخارجي، مؤكدة أنها اقترحت هذه الإطلالة على فريق العمل، لرغبتها في إثبات أن أنوثة المرأة لا تكمن في جمالها وشعرها، بل في شخصيتها.

ضمن إطار شخصية هيام التي تجسدها ياسمين رئيس في {فتاة المصنع}، لم تجد ما قد يمنعها من قص جزء كبير من شعرها على يد جدتها، عقاباً لها على عيشها  قصة حب مع مدير المصنع الذي يتنصل منها بسبب الفرق الاجتماعي بينهما، مع ذلك ظن العاملون في المصنع أنهما أقاما علاقة سوياً.

{هذا المشهد أحد أصعب المشاهد التي قدمتها في الفيلم} توضح ياسمين في تصريح لـ {الجريدة}، وتضيف: {بعدما جلست مع فتيات وتحدثت إليهن، واستمعت إليهن تأكدت من صحة تنفيذ هذا العقاب على العاشقات، وهو معروف في المناطق الشعبية؛ إذ يقص أهل الفتاة شعرها، أو يزيلون حاجبيها كنوع من الأذى المعنوي والنفسي لها، حتى لا تكرر فعلتها.

تضيف أن الشعر الذي تم قصه في الفيلم هو شعرها بالفعل، ولم يكن شعراً مستعاراً، والدليل الفراغات والثقوب التي كانت موجودة فيه، ويستحيل تصميمها في أي بديل عن الرأس والشعر الطبيعي، حتى في مشهد النهاية خلال رقصة «هيام» يتبين ذلك من عدم تناسق شعرها، فهو طويل من جهة، وقصير من أخرى، لافتة إلى أنها لم تحزن لقبولها بهذا الأمر إذ لم يكن ثمة بديل عنه.

تتابع: «كان يجب إخراج المشهد بهذه القسوة ليؤثر في المشاهد، ورغم علمي بأنني أمثله إلا أنني شعرت فيه بالإهانة، مع أن الممثلة التي جسدت شخصية جدتي قدمت لي اعتذاراً قبل التصوير وبعده لأنها وضعت قدمها على رأسي بعنف، وتبين ذلك للمشاهد بوضوح من خلال تدقيقه في ملامح وجهي، إذ كان عليها أن تضغط على رأسي بقوة ليبدو المشهد طبيعياً، وتزيد مصداقيته.

تشير إلى أنها حاولت الاندماج مع الفنانات المشاركات في هذا المشهد من خلال الإفلات من أيديهن، لذا قيّدنها بالفعل، فشعرت بإهانة شديدة لها ولبنات جنسها، مؤكدة في هذا المجال أن هذا المشهد سيثير غضب أي فتاة تتابعه.

جراحات خدمة للدور

أثناء تصوير «حديد» أجرى عمرو سعد جراحة في عينه اليمنى، بغرض إحداث تغيير فيها، وبعد انتهاء التصوير أجرى جراحة أخرى لنزع العدسة، وعودتها إلى وضعها الطبيعي، لكنه ظل يعاني ألماً في عينه رغم نزع العدسة، وشعر بأنها أضيق من عينه اليسرى.

الفيلم من إخراج أحمد البدري، إنتاج محمد السبكي، يشارك في البطولة: درة وأحمد عبد العزيز.  

في «الإكسلانس» الذي عرض في شهر رمضان الماضي، أنقص أحمد رزق وزنه وأطلق لحيته وأطال شعره ليبدو في شخصية وزير الاستثمار في عهد الإخوان. المسلسل من إخراج وائل عبد الله، يشارك في البطولة: أحمد عز، نور اللبنانية، ومنة فضالي.

كان رزق حلق شعره تماماً ليجسد شخصية مريض نفسي في مسلسل «الإخوة الأعداء» المأخوذ من الرواية العالمية التي تحمل الاسم نفسه، مؤكداً ألا شيء يمنعه في تغيير شكله ما دام يخدم دوره في النهاية.

عمد أحمد السقا إلى زيادة وزنه في «إبراهيم الأبيض» إذ كان عليه أن يظهر كذلك حتى يجد صعوبة في التحرك بوزنه المترهل هذا. الفيلم من إخراج مروان حامد، يشارك في البطولة: هند صبري، محمود عبد العزيز، نضال الشافعي.

توجه محمود حميده إلى طبيب أسنان ليخلع أحد أسنانه في مقدمة فمه، لأداء دوره في فيلم «جنة الشياطين»؛ إذ جسد شخصية رجل ميت طوال الأحداث، وهو ما تسبب له في عاهة مستديمة، احتاجت إلى وقت لعلاجها.

الجريدة الكويتية في

16.01.2015

 
 

ديكور”.. هوس السينما الكلاسيكية

أفنان فهيد – التقرير

فيلم مصري غير ملوّن -أبيض وأسود- يُنتج في عام 2014. تعد تلك سابقة وخطوة جريئة للمخرج الشاب “أحمدعبد الله”، بالرغم من أن هناك أفلامًا حديثة قدمت لنا بالأبيض والأسود؛ إلا أن كلها كانت أجنبية. وما يتقبله الجمهور من فيلم أجنبي غير ما يتقبله من فيلم عربي مصري.

هذا هو السبب الرئيس الذي حمّسني لمشاهدة الفيلم، ثم جاءت أسباب أخرى، وهي أن المخرج “أحمد عبد الله” الذي أخرج لنا أكثر من فيلم مختلف عن نوعية الأفلام التي نشاهدها غالبًا، فأفلامه تحتوي على فكرة. مثل فيلم “ميكروفون” الذي ضمن حوارًا بين “خالد أبو النجا” و”منة شلبي” فأخرج لنا الحوار من نهايته  إلى بدايته.

فيلم “ديكور”، تدور أحداثه عن مهندسة ديكور أفلام لديها هَوَس بالسينما المصرية الكلاسيكية، تشاهد أفلام فاتن حمامة يوميًا وعلى وجه الخصوص فيلمي “الليلة الأخيرة” و”نهر الحب”. تلك هي القصة الرئيسة التي ستعرفها قبل أن تدخل الفيلم، كما أنه يمكن أن تدرك من الإعلان الرسمي للفيلم أن البطلة مصابة بنوع من أنواع المرض النفسي وأن أحد الرجلين في الفيلم من خيالها.

قصة الفيلم والسيناريو كتبتهما “شيرين دياب” بالاشتراك مع شقيقها “محمد دياب”، قصة سهلة في أساسها، ولكن قدمت بشكل صعب، وتلك هي الفكرة في الفيلم والتي تظهر مدى براعة الكتّاب والمخرج والمونتيرة “سارة عبد الله”.

“مها”/”حورية فرغلي” مهندسة ديكور تعشق السينما الكلاسيكية كما وضحت سابقًا، متزوجة من “شريف”/”خالد أبو النجا” مهندس الديكور أيضًا، يعيشان في القاهرة. يعملان سويًا في فيلم غير راضيين عنه.

“كل ما أدخل الديكور بتخيل نفسي الشخصية اللي بتمثلها شهيرة“.

تلك الجملة هي مربط الفرس؛ فالشخصية التي تمثلها “شهيرة” في الفيلم كانت ستكون شخصيتها لو كانت قد تزوجت من جارها “مصطفى” والذي قام بدوره “ماجد الكدواني”. يعيشان سويًا في الإسكندرية مسقط رأسها، وتعمل كمدرسة رسم في إحدى المدارس متزوجة من شخص لا تحبه وهو يحبها، وينجبا طفلة. وقد تضطر أيضًا لبيع الأتيليه الخاص بأبيها لحل أزمة زوجها المالية.

تدخل “مها” فجأة في تلك الحياة الموازية دون أي تمهيد، كما استيقظت “فاتن حمامة” في فيلم “الليلة الأخيرة” على أنها أختها الكبرى ومتزوجة من زوجها ومنجبة لابنتها، لا تتذكر أي شيء من الخمس عشرة سنة الماضية.

يقتنع المشاهد أن حياتها مع “مصطفى” هي الحياة الحقيقية وأن حياتها مع “شريف” هي حياة تخيلية، تريد أن تهرب إليها من مرارة الواقع الذي تعيشه.

لكن، ما نلبث أن نعود إلى حياتها مع “شريف” لنقتنع مرة أخرى أن حياتها مع “مصطفى” كانت محض تخيلات؛ لشدة إرهاقها.

يظل المتفرج في حيرة طوال عرض الفيلم. نفس الحيرة التي تقع فيها “مها”. فأي العالمين هو عالمها الحقيقي وأي العالمين هو العالم الموازي؟

تعود “مها” مرة أخرى إلى حياتها مع “مصطفى”؛ إلا أنها تظل بها فترة طويلة، وفي خلالها ذهبت إلى الطبيب النفسي الذي ذهبت إليه سابقًا مع “شريف” ليقنعها أنها لن تعود إلى العالم الآخر؛ لأنه محض تخيلات، وأن السبب في وجودها وسطهم تلك الفترة الطويلة أنها توقفت عن مشاهدة الأفلام الكلاسيكية والتي كانت تساعدها في الهرب.

تتقبل “مها” حياتها مع “مصطفى” وتحاول السير معه، إلى أن وجدت صورة لـ”شريف” في إحدى المجلات؛ لتذهب إلى موقع التصوير المذكور بالمجلة لتجد “شريف” زميل الدراسة يعمل كمهندس ديكور للأفلام ومتزوجًا من الممثلة “شهيرة”. تعود “مها” إلى منزلها وتخبر “مصطفى” أنها تريد الانفصال ليحدث ذلك فعلًا. ثم تسافر إلى القاهرة وتخبر “شريف” بأمر طلاقها وأنهما يجب أن يتزوجا ويبدءا حياتهما سويًا، لخبرها بأن هذا من الماضي وأنه لن ينفصل عن زوجته وابنه. يحضر “مصطفى” إلى منزل “شريف” ليأخذ “مها”، تصرخ بهما “مها” أن هذا ليس حقيقيًا وكل تلك خيالات. تقود سيارتها في أحد الشوارع لتتعطل على شريط سكة حديد، لتتخيل نفسها كـ”فاتن حمامة” في “نهر الحب” والقطار قادم ليدهسها؛ إلا أن القطار الذي تخيلته “مها” كان نفس القطار في فيلم “نهر الحب”، ذلك القطار القديم كتلك القطارات في الخمسينيات.

يوقظها “شريف” بعد أن فقدت وعيها في تلك السحابة من التخيلات ويصطحبها إلى المنزل؛ لتنتظر حتى ينام وتأخد كل الصور المتعلقة بالفيلم وكل الأفلام الكلاسيكية المتبقية في منزلهما، وتتوجه للديكور وتشعل النيران به.

في اليوم التالي، تذهب في إجازة مع زوجها “شريف” إلى الإسكندرية، وفي خلال تلك الإجازة تتصل بـ”شريف” كي يعود؛ لأن الديكور قد حُرق وهناك بعض التحقيقات.

يتم استجوابهم في النيابة على أنهما الضحية؛ لأنهما مهندسا الديكور. تفقد “مها” وعيها عند “خروجها” من النيابة وتُنقل إلى المستشفى، وعندما تستيقط تكتشف أنها أجهضت حمل أربعة أشهر؛ ليصب “شريف” غضبه عليها وأنها لم تخبره وأن قرار الحمل قد اتفقا عليه من البداية وأنه ليس من حقها أن تختار له.

تخرج “مها” من المستشفى وتذهب مع “شريف” إلى أحد المطاعم الذي اعتادا الذهاب إليه، لتصارحه بمشاعرها وأنه من حقها أن تختار بين الحياتين حتى لو كانت الحياة الأخرى بائسة وغير راضية عنها. وتوضح له من خلال حديثها بعض شكوكها في أن حياتهما سويًا قد تكون محض تخيلات أيضًا.

“مش شايف إنها حاجة غريبة أوي.. مرت سنين طويلة بيني وبينك وأنت شكلك زي ما هو ما بيتغيرش أبدًا؟“.

تسافر “مها” إلى الإسكندرية وتتوجه إلى المنزل الذي كانت تراه في مخيلتها لتجده على حاله، وتطرق الباب ويفتح لها “مصطفى” بدهشة وابتسامة مرحبة، لتسأله إن كانا تزوجا وأنجبا من قبل. ليخبرها أنه كان هناك مشروع زواج وفشل وهو لم يتزوج بعدها؛ لتقتحم منزله وتدخل إلى الغرفة التي كانت في خيالها مخصصة لابنتيهما لتجدها ملئية بالأسطوانات القديمة وجهاز (بيك أب) به أسطوانة لعبد الوهاب. يحضر “شريف” ليسألها ما الذي جاء بها هنا، ثم يوجه كلامه لـ”مصطفى” بالاعتذار؛ لأن زوجته متعبة ويجب أن يجيبها عن الأسئلة التي وجهتها له بأنه لم يتزوجها ولم ينجبا، ليجيب “مصطفى” بالإيجاب على تلك الأسئلة، ثم يصمت عن إجابة سؤال أنه لم يحبها يومًا.

تدخل “مها” مصحة نفسية للعلاج من التهيؤات ويحضر “شريف” و”مصطفى” ليخبرها “شريف” أن في إمكانها الاختيار بينهما إن كان ذلك سيحل أزمتها؛ لتختار “مها” بأن ترفضهما معًا وأن تبدأ حياة جديدة بعيدة عن كل هذا.

هنا ينتهي الفيلم، ولكن كانت هناك إضافة مشهد أخير عبارة عن الفنانين والمخرج في العرض الأول، ثم يخرج الجمهور من الصالة لتصطدم سيارتان وتتحول الصورة لصورة ملونة. لم أر أي داعي للمشهد الأخير، وإن كان القصد منه أننا نعيش بفيلم داخل فيلم.

طريقة الإخراج ركزت على النظرات؛ فالنظرات كانت طريقة التمثيل الأساسية في الفيلم. نظرة الإجهاد والتعب على وجه “مها” عندما تعمل كمهندسة ديكور في فيلم غير راضية عنه، ثم نظرة الحيرة والحزن التي تعلو وجهها أثناء حياتها مع “مصطفى”.

نظرة الزوج المجهد من مرض زوجته التي يحبها على وجه “مصطفى”، ونظرة الغضب وعدم الفهم التي ارتسمت على وجه “شريف” من تلك التغيرات الطارئة التي حدثت في حياة زوجته.

عدم وضع أي نوع من أنوع المكياج على وجه “حورية فرغلي” منطقي جدًا؛ حيث إنها كانت تجسد شخصية المهندسة المهملة في شكلها التي لا تنام لأيام وشخصية الزوجة المريضة نفسيًا.

الإضاءة لعبت دورًا مهما في الفيلم للفصل بين الحياتين؛ فالإضاءة مشرقة في حياتها مع “مصطفى”، وقاتمة في حياتها مع “شريف”.

المونتاج الذي قامت به “سارة عبد الله” أداؤه جيد جدًا في الدمج بين الحياتين.

أداء “حورية” في الفيلم نقلها نقلة جديدة؛ فالدور ليس فقط جديدًا عليها بل وصعبًا أيضًا، فتعبيرها عن شخصيتين في آن واحد كان ممتازًا. فقد قبلت بالتحدي الذي عرضه عليها المخرج وهو أن تقدم نوعًا جديدًا من الأفلام لم تقدمه من قبل. فكثير من المشاهدين لم يكونوا مؤمنين بقدرة “حورية” التمثيلية؛ إلا أنني كنت مؤمنة دومًا بقدرتها تلك، وأنها فقط تختار الأدوار السيئة التي لا تظهر موهبتها.

 أما عن “ماجد الكدواني” فكان رائعًا وليس هذا بجديدٍ عليه بعد دوريه في فيلمي “678” و”أسماء”، وإن كنت شعرت في بعض الأحيان أنه متقمص أداء “محمود مرسي” في “الليلة الأخيرة”.

قد يبدو أداء “خالد أبو النجا” باهتًا إذا ما قورن بأداء “ماجد الكدواني”؛ إلا أنه في حد ذاته جيد، وإن لم يكن قد أضاف جديدًا إليه.

أن يُقدم فيلم كهذا في السينما المصرية يعد خطوة كبيرة، ليس فقط أنه قُدم إلينا في صورة من الأبيض والأسود؛ بل القصة نفسها التي دمجت الهَوَس المَرَضي بالأفلام الكلاسيكية، وأحقية المرأة في التراجع عن حياتها وخوض حياة جديدة والاختيار بين مَن تُحب ومَن يحبها.

لم أكن أتوقع ماهو أقل من السيناريست والمخرج الذي اعتدنا على أفكارهما الجديدة. الفيلم قد يتطلب مشاهدة ثانية من بعض المشاهدين حتى يدركوا الفكرة تمامًا أو أن يكونوا على دراية بقصتي “الليلة الأخيرة” و”نهر الحب” حتى يدركوا بعض الإسقاطات التي حدثت في حياة “مها”. الفيلم رائع بالنسبة لي ويستحق المشاهدة، وهو الأمر الذي لم يجمع عليه كل المشاهدين الذين أُصيب بعضهم بالملل أثناء الفيلم.

شاهد الإعلان الرسمي للفيلم

أغنية شبابيك بصوت هاني عادل, أغنية الفيلم.

التقرير الإلكترونية في

16.01.2015

 
 

وداعًا للغة تثوير السرد السينمائي

محمد صبحي – التقرير

بعد إعلان فيرنر هيرزوج وفيم فيندرز عن دخولهما مجال الثري دي في أفلامهما القادمة؛ ظهر في مايو 2012 خبر عن نية المُعلم الكبير جان لوك جودار إنجاز فيلمه القادم بالتقنية الجديدة، وتبع ذلك إشارة من جودار عن اهتمامه بالتقنيات الجديدة التي تدخل في صناعة السينما؛ لأنها “لا تملك أي قواعد وبالتالي يمكن للمرء أن يفعل بها أي شيء“.

قبل ذلك في 2010، تحدث جودار عن مشروع الفيلم “إنه عن زوجين لم يعودا يتحدثا نفس اللغة، وكلبهما الذي يأخذانه للتريّض يصبح متكلّمًا. كيف سأصنع ذلك؟ لم أعرف بعد. الباقي سهل وبسيط“. البعض حاول استباق الحدث وتندّروا على المخرج الكبير الذي نضبت أفكاره، فصار يبحث عنها في تقنية جديدة رائجة سوف يُهدر فيها الكثير من المال وهو المخرج المعروف بأعماله التي تتناول تأثيرات الميديا (أفلام جودار في الثمانينيات)، والبعض الآخر تكهّن بتحدّث الكلب بصوت مسموع غافلين عن تجربة جودار السابقة في “فيلم اشتراكية” وترجمته المكسّرة عمدًا لحوار الفيلم المتطرّف في تجريبيته.

تلك الإشارات المحيطة بالفيلم أوحت بتجريب أكبر قادم في الطريق، وربما إحداث ثورة للوسيط أكثر من تقديم “فيلم فنّي” يحاكي أفلام القطط والكلاب المتكلمة والتجارب الهوليودية لاستغلال التقنية في أفلام ترفيهية. فما الذي فعله جودار؟

زورق يبحر في مرفأه. ماري شيلي، مؤلفة فرانكشتاين، تخدش كتابها بريشة. الحركة الثانية من سيمفونية بيتهوفن السابعة تبدأ لتتوقف فجأة، ثم تبدأ من جديد. امراة عارية تتذمر صارخة بينما عشيقها يصرخ ببذاءة لاعنًا: “البدين اللعين” في سلسلة أفلام “أوستن باور”. كلب يجري للغابة، ثم يعود. الزورق يترك المرفأ. الشاشة تنبض فجأة بحياة ألوان الخريف الحمراء والصفراء. لقطة مقرّبة للكلب وهو ينظر مباشرة إلينا.

هذه بعض الأصوات والصور التي ستختبرها في فيلم يلعب فيه جودار بالوسيط السينمائي ويتحاشى السرد المبسّط والمستقيم للفيلم، مضمنًا إياه موجة من الإشارات والتلميحات البصرية واللفظية كذلك؛ كاشفًا عن مستويات متعددة من الأحداث يستحيل الإحاطة بها كلها دون النظر في جميع الاتجاهات في وقت واحد. كولاج من اللحظات الكاشفة المنثورة بطول فيلم الذي لا يخبرنا قصة بعينها؛ بل يجمع الكثير من القصص في لعبة دائرية تؤكد وفاء جودار الدائم للتجريب، وتحيلنا إلى وعده وأمله السابق في أن يفعل بالتقنية الجديدة كل شيء بدون قواعد.

يبدو الكلب في تنقله الحر والهائم أكثر حرية من الزوجين اللذين يشاهد ذبول حياتهما الحسّية وحيويتها تحت وطأة التزام الألفة بين شخصين: “إننا نتحدث عن لا شيء. نحن لم نعد نحب بعضنا البعض“، وادراكهما لهشاشة فكرة المساواة بين الجنسين أو بين شخصين: “لا يكون المرء حرًا حين ينظر لعين الآخر“. ولكن كيف يمكن أن تكون حرًا بدون أن تكون وحيدًا ككلب هائم بين البرية والمدينة، بين الغابات والبحار. حتى ذلك لا يبدو كافيًا لتحقيق السعادة والرضا؛ فالكلب يبدو أحياناً حزينًا وربما يبحث هو الآخر عن واقع جديد.

“عندما يفشل الخيال، على المرء أن يجد العزاء في الواقع” يخبرنا النص على الشاشة في مفتتح الفيلم. ولكن ما الذي يأتينا به الواقع الضائع؟ شلالات لحظية من الصور في أكبر مذبحة للأفكار في التاريخ. صور في كل مكان وفي أي وقت. على انستجرام وفيس بوك، على شاشات التليفزيون والسينما، على الهواتف الذكية واللابتوبس، على الطرق والكباري.

إذن، فالعودة إلى استصلاح الواقع الذي تم تبويره هي عودة للحرية، ووداعًا لتلك اللغة السينمائية القديمة التي تعمل كمترجم أو وسيط تواصل. اللغة التي يعجز الرجل والمراة عن التواصل بها فيما بينهم. الصور تُحذَف من لغتها لتحصّلها على شرط التحقق في واقع ثلاثي الأبعاد: الكتاب، الزهرة، الطاولة، الهاتف جميعها يشعّ بألوانه المشبعة على الشاشة. الصورة ثلاثية الأبعاد لا تعترف بالحدود، مفتوحة على المجاز: كيف ترى صورة وهي أصلًا منقسمة إلى صورتين؟ تنظر لليمين، لليسار. تغلق عينًا وتفتح الأخرى. تحدّق تجاه مركز الصورة إلى أن تتعب.

ثم أخيرًا، تصبح الصورة “واحدة”. الكلب في تجواله، في تردده بين الذهاب والعودة، الاستمرار والتوقف، إنه لا يؤدي دورًا بل يصنع “واقعًا”. الصور التي نراها بعين الكلب، وصور الكلب التي نراها، تبدو لعبة تبادل أدوار بين رجل وكلب في كيان واحد. سينما. واقع. واقع مقابل واقع، وبينهما جسر جديد يجب عبوره. تلك سينما جديدة تمامًا يخترعها جودار الذي لا يكفّ عن الابتكار حتى وهو في الثالثة والثمانين من عمره في عزلته الاختيارية في جبال الألب السويسرية.

عندما يخبرنا جودار عن “بساطة” فيلمه الذي يحكي عن “امرأة متزوجة ورجل وحيد يلتقيان ويقعان في الحب. يتشاجران. كلب شارد بين الريف والمدينة. تتعاقب الفصول، يلتقي الرجل والمرأة من جديد ويجد الكلب نفسه بينهما، وأحدهما في الآخر. يصبحان ثلاثة. الزوج السابق يحطم كل شيء. الوضع كما كان في البداية. لكنه ليس كذلك. من الجنس البشري نمضي إلى المجاز. وينتهي هذا بالنباح، وصرخة طفل”؛ فلا يعني ذلك بالضرورة أنهم نفس الشخصيات أو وجودهم في نفس الفترة الزمنية. فقط ذلك الكلب الذي يسرق الكادر (لعب الدور كلب جودار الأليف: روكسي) يبدو متحصلًا على كينونته الفريدة، شاهد صامت على العلاقة الصاخبة بين الرجل والمرأة.

في لقطة لكلبنا هذا وهو نائم على أريكة، يأتي من خارج الكادر صوت جدال محتدم فتبرق في الذهن ملاحظة عباس كياروستامي (من مخرجي جودار المفضلين): “أحب تلك النوعية من الأفلام التي تسمح لك بقيلولة لطيفة”. ذلك لا يعني أن هناك فرصة للنعاس في تلك السبعين دقيقة المضطربة (مدة عرض الفيلم) التي تستدعي أيضًا: حلّ هتلر الأخير، اقتباسات من ألكسندر سولجنستين، صامويل بيكيت، جاك إيلوي، داروين، أفلام هوليوودية قديمة تعرض على تليفزيون الشاليه حديث التجهيز بينما الرجل والمرأة يحاضر كل منهما الآخر.

عند نقطة معينة تلاحظ إحدى شخصيات الفيلم مدى كراهيتها لـ”الشخصيات” (مع الوضع في الاعتبار تحرّر الفيلم الكامل من مهمة نشر رسالة ما). يتسائل جودار في ظهور نادر على شريط الصوت مقتبسًا من رواية فرانكشتاين حيث يتساءل الدكتور إذا ما كان السماح للحيوانات البرية بمرافقة الإنسان خطيئة؟ خطيئة تجعل الإنسان وحيدًا. ثم هناك ذلك البعد الثالث المضاف الذي يستخدمه جودار الصانع الماهر بطريقة مذهلة تصل ذروتها في منتصف الفيلم تقريبًا حين يأتي ذلك المشهد الذي يباعد بين منظورين للصورة ثلاثية الأبعاد ثم يدمجهما معًا في أورجازم بصري يجعل المشاهد نفسه منتشيَا ومضطرَا للوقوف لتحية ذلك المغامر العظيم.

بالمناسبة، كان “وداعًا للغة” هو الفيلم الوحيد الذي نال تصفيقًا من جمهوره أثناء عرضه في مهرجان كان الماضي.

مع تلك النشوة تأتي عقبة واحدة: هذا الإبداع الكبير الذي يثير الأرواح يسبب صداعًا نصفيًا -وليس في الأمر مبالغة أدبية- وتلك هي طبيعة الحال مع جودار الذي يتمرّد في أحلامه مرتادًا الطريق الصعب لسينما جديدة، متعمدًا إحداث النتائج الغامضة والمحبطة للتصوّرات المسبقة في فيلم يزعزع أرض اليقين من تحت أقدامنا ويضعنا وجهًا لوجه مع يأسنا وإحباطنا وتشوّشنا الوجودي اليومي. عبثًا أحاول إخبارك عزيزي القارئ ما تعنيه دراسته الباذخة بصريًا والمتأملة بحكمة من جاوز الثمانين للتاريخ والخلود، الوجود والعدم، الرغبة والموت. ولايمكنني تحديد موضع “وداعًا للغة” في مجمل أعماله، أو كيف سيكون شعوري تجاهه بعد أيام أو سنين من الآن. ولكنني أستطيع نسج فيلمي الخاص من المشاهدة (مشاهدة واحدة لا تكفي أبدًا تلك التحفة السينمائية)؛ ولذلك، أنا ممتن للتجربة التي ليست بالضرورة صالحة للجميع.

المُعلِّم يلجأ للمجاز

في لحظة ما أثناء مشاهدة الفيلم سيطرت عليّ فكرة مزدوجة: فمن ناحية تبدو تلك القصيدة البصرية المستقبلية التي أشاهدها وكأنها بداية جديدة لطريق سيمشيه جودار وينجز فيه أفلامًا قادمة، ومن ناحية أخرى يمكن رؤية الفيلم  كفصل أخير في سِفر ذلك الفيلسوف العظيم.

 صوّر جودار الفيلم بخمس كاميرات بينها كاميرا هاتف محمول، كما استخدم تقنيتي العرض الثنائي والثلاثي الأبعاد بشكل متواز أحيانًا؛ ليخلق تجربة سردية غير مريحة بصريًا، ولكنها تمنحنا تلك الحالة البصرية والنفسية التي يسعى لتوصيلها إلينا (هل جودار مهتم أصلًا بنا كمشاهدين بعد كل هذه السنين؟). قارب جودار في أعماله التي تزيد على مئة عمل فني (ما بين أفلام سينمائية وتليفزيونية، روائية ووثائقية، طويلة وقصيرة، بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين) الحروب العالمية وذلك الجنون الذي يحكم العالم، ودرس كثيرًا الجسد البشري وتمثلاته، ووسائل الاتصال والإعلام وتأثيراتها.

كل أعماله تتناوبها تيمتان أساسيتان: الإنسان والتاريخ. يبدو مرتاحًا في لعبته المستمرة بتقليب وجهي عملته ولا أعتقد أن “وداعًا للغة” -على تجريبيته الشديدة- أفلت من موضوعيه الأثيرين، فجودار يبدو مهتمًا بالإنسان في زمنه وثقل وجوده وعجزه عن التواصل (في نبرة رثائية تقول المرأة لشريكها الجالس على قاعدة التواليت: أنا أتحدث بالمساواة وأنت تتكلم بالخراء)، عن ضرورة اللغة وورطتها (كيف أن اللغة تصبح ضدًّا للوجود الإنساني)، يتساءل عن الكيفية التي تجعله يصنع تلك الوحوش البشرية التي يمجدها باسم الحرب والانتصارات الوهمية ويصير وحشًا هو الآخر (هتلر حاضر على الدوام)، ومهتمًا كذلك بالتعريفات المراوغة لـ”التقدم” و”التطور” التي تسيطر جدالاتها على أوربا اليوم (يعود إلى ألمانيا كعادته لوضع حفنة من الأفكار الشائكة على مائدة أوروبا).

يستخدم أصوات شخصياته للتعبير عن تلك الأفكار وغيرها، مضيفًا تعليقًا صوتيًا هو المعادل لصوته كفنان حاول طيلة حياته السينمائية التي امتدت لأكثر من خمسين عامًا استغلال الصورة لتقديم رؤيته للحياة؛ تلك الرؤية التي تبدو تشاؤمية وأقرب لرثاء للذات وللفن الذي لم يعد يقدّره أحد. وهنا لا يمكن إغفال ظلال علاقة جودار برفيقته آن ماري ميفيل على الفيلم.

 ربما ذلك “النَفَس الذاتي” هو ما جعلني أحب فيلمي جودار الأخيرين؛ فهما عملان يمكن مقاربتهما لـ”السينما الشخصية” لجوناس ميكاس وكريس ماركر أكثر مما يمكن إلحاقهما بأفلام جودار “الملتزمة بالكفاح الثوري” في الماضي، التي تبدو وكأنها بيانات حزبية متطرفة. نعم، ماركس وماو وتروتسكي لا زالوا حاضرين كمرجعيات في بال جودار، ولكن كجزء من إدراك أكثر حكمة، يلمّح ولا يصرّح، يلجأ للمجاز لعرض ما يريده. تلك الشاعرية بالغة الدلالة في التركيز على ديمومة الحيوان والطبيعة في مقابل هشاشة وجود الإنسان جعلت الكلب بطلًا للفيلم؛ تتابعه كاميرا جودار وهو يلعب في جدول مائي كما لو أن حركاته أحداث هامة في التاريخ. هل يريد جودار أن ينبهنا إلى فكرة الفيلم الرئيسة؟ هل هذا فيلم عن المساواة؟

 “بعد أن ثارت النساء للمطالبة بمساواتهن مع الرجال، تبعهم الأطفال وقاموا بثورتهم الخاصة لمساواتهم مع البالغين، ثم جاء الدور على الحيوانات فأعلنوا حقهم في المساواة مع البشر” هذا ما تكلّم به جودار منذ عدة سنوات في حديث صحفي، وأورده هنا للتأكيد على راديكالية جودار في طرحه لفكرة المساواة، ففي التكوين البصري لمشهد الكلب روكسي وهو يلعب في الماء لا ينبهنا فقط المخرج إلى مساواته مع الإنسان في الفيلم، ولكنه أيضًا يمدّ سقف المساواة هذا على الماء الذي يتشاراكانه.

كل شيء/شخص له نفس الحق في الحضور أمام الكاميرا، وكأن جودار يتمثل مقولة روزا لوكسمبرج (الفيلسوفة الماركسية والنسوية) عن مصير تلك الحشرة المؤثر بنفس قدر تأثير الثورة الشاملة.

 في البدء تعلّم قابيل كيف يدفن أخيه حين رأى غرابًا يحفر في الأرض قبرًا لصديقه. يحيلنا الفيلم إلى ريلكة “إن ما هو باطني لا يحسّه سوى الحيوان”. يقدم جودار الأجساد البشرية العارية دون حرارة، يعبرها سريعًا، بينما يتابع الكلب باهتمام وحنو بالغين. بمثل هذا التفاني ينبهنا جودار إلى حاجتنا للحيوان كي نتعرف على ذواتنا من خلاله. أن نتبع أصغر الأشياء التي قد تساعدنا في تحقيق الرضا والانسجام.

الفيلم: Adieu au langage 

تأليف وإخراج: Jean-Luc Godard 

سنة الإنتاج: 2014

التقرير الإلكترونية في

17.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)