كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

... ورحلت أسماء البكري الجريئة المشاكسة

القاهرة - أمل الجمل

 

تكشف تجربة المخرجة المصرية الراحلة أسماء البكري (1941 – 2015) والمقارنة بين ردود الفعل النقدية بعد عرض فيلميها الأساسيين – «شحاذون ونبلاء» 1991 و»كونشرتو درب سعادة» 1998 - ثم ردود الفعل المشيدة بأعمالها، والتي أكدت على أنها «كانت معبرة عن الواقع المصري»، عقب خبر وفاتها أخيراً، أن أعمال الفنان أبقى مهما كانت قليلة العدد، وأن النقد السلبي – غير الموضوعي والمتطرف - أحياناً تذروه الرياح مع مرور الزمن. أسماء البكري مثل معظم مخرجي أفلام الإنتاج المشترك – خصوصاً في نهاية التسعينات ومستهل الألفية الثالثة عندما كان التمويل الأجنبي للسينما المصرية والآتي خاصة من فرنسا محل تشكيك وإدانة وخاضع لنظرية المؤامرة – وقتها نالت البكري حظها من الهجوم الشديد واللاذع. وكانت إحدى التُهم الجاهزة المُوجهة إلى أفلامها أنها: «مثل أفلام هذا التيار المصُنوع بتمويل فرنسي، موضوعاتها لها نصيب من القتامة الفكرية والمعنوية التي تسيء للمجتمع المصري فتسلط الضوء على الفقر والجهل والمرض وتنشر غسيله القذر». يومها تمادى البعض في «نقد» الفيلم إلى حد وصف سيناريو «شحاذون ونبلاء» – المأخوذ عن رواية ألبير قصيري – «بالمفكك، والحوار بالغامض، والشخصيات بغير المفهومة»، مؤكدين وجود خلل غير متوقع في السياق الدرامي للأحداث، مايوصل الى القول ان «رؤية المخرجة غربية في جوهرها لا تعبر عن الواقع المصري في تلك الفترة». واعتبروا أن الشخصيات تبدو وكأنها مستوردة من عالم آخر إذ يخيم عليها الشذوذ، وتبدو أقرب إلى فئران التجارب بل إن سلوكها أقرب إلى المسوخ البشرية،» مع انه لا يتعين علينا ان ننسى هنا أن عددا ليس بالقليل من الأفلام المصرية من الإنتاج المحلي الخالص فيها مشاهد تزخر بعشرات الشخصيات السلبية الممسوخة وعوالم المهمشين، ودون أن ننسى أن الواقع ذاته يتفوق على السينما.

شهادة ميلاد مبدعة

وعلى رغم كل ما كتب وقيل يومها، من المؤكد ان فيلم «شحاذون ونبلاء» كتب شهادة مولد مخرجته بأجوائه المصرية شديدة الخصوصية في عام 1945 والمحمّل بالدلالات الرمزية للواقع الحالي، بإيقاعه وتشكيلاته البصرية والسمعية، وبأداء أبطاله. فهو يدور حول ثلاث شخصيات رئيسية: جوهر (صلاح السعدني) أستاذ التاريخ الذي ترك التدريس بالجامعة عندما اكتشف أن العالم مليء بالكذب والزيف، بما في ذلك دروس التاريخ والجغرافيا، مستنتجا ان الدول الكبرى تُحاول باستمرار تغيير خريطة العالم بالاستيلاء على أراضي دول أخرى. وإذ يرى كنتيجة لهذا ان القنبلة الذرية والحروب قتلت الملايين ونشرت الخراب، يستولي عليه الزهد ويكتفي بالإقامة في غرفة قذرة لا تحتوي إلا على أوراق الجرائد والجرذان ومخلفات مياه تغسيل الأموات. الشخصية الثانية: يكن (أحمد آدم) الشاعر الحالم والفقير المعدم، الرافض هو الآخر للواقع شديد القسوة، فيعيش بصحبة أشعاره في عالم الخيال، ويُحب أستاذه (جوهر) إلى درجة الهوس. أما الكردي (محمود الجندي) فهو موظف في وزارة الأشغال تشغله قضايا الشعوب المضطهدة، ومَنْ يضطرون إلى ممارسة أعمال لا يحبونها ولا يرضون عنها، ومن بينهم فتيات الليل اللائي يتردد عليهن وينوي الزواج من إحداهن. يسعى الفيلم إلى تصوير هؤلاء الشحاذين على أنهم نبلاء بأخلاقهم وبتصرفاتهم، ببحثهم عن المعنى الحقيقي للحياة وللوجود. أما الشخصية الرابعة في الفيلم فليست محورية لكنها لا تقل أهمية عن الأخرى وهي: ضابط البوليس نور بك (عبد العزيز مخيون) إنسان غير سوي ومليء بالتناقضات والزيف، يسعي إلى كشف الحقيقة، وكل ما يهمه هومطاردة المجرمين وتطبيق القانون.

رقابة وجوائز

قبل تصوير الفيلم حصل السيناريو الذي أُعطي عنوان «جوهر» على ترخيص الرقابة 1989 ثم تغيير الاسم إلى «شحاذون ونبلاء» 1991. رُفض السيناريو في البداية، فلجأت المخرجة إلى صديقها الناقد مصطفى درويش وذهبا معاً إلى مسؤولي الرقابة وقالت لهم، على حد تصريحها لكاتبة هذه السطور: «إذا رفضتم رواية ألبير قصيري وسيناريو أسماء فيجب أن تسحبوا كل روايات نجيب محفوظ من الأسواق، لأن ما هو موجود عند محفوظ موجود في هذه الرواية».. فكانت حجة الرقباء أن السيناريو يذكر وجود بيت دعارة سنة 1945 وفي ذلك العام كانت هناك مقاومة شعبية في البلاد، فأجابهم درويش: «أسماء ليست مؤرخة، إن فيلمها عن رواية يحدث مثلها في أماكن كثيرة»، فانتهى الموضوع، ووافقت الرقابة، لكن بالطبع بعد حذف بعض الألفاظ واللقطات.

عندما عُرض «شحاذون ونبلاء» في فرنسا قامت إحدى الجامعات بتدريس القصة فكان الطلبة يقرأون الرواية ويشاهدون الفيلم. كذلك حصل الفيلم على أربع جوائز من مهرجان «مونبلييه» في فرنسا هي: جائزة النقاد، جائزة الجمهور، جائزة السينما التجريبية، وجائزة الجمهور لأقل من 18سنة. لكن البعض اتخذ من تلك الجوائز مبرراً جديداً للهجوم قائلين: «الفيلم اعتبرته بعض المهرجانات الدولية في الغرب نوعا من التبشير بسقوط رموز الشرق وانهيار مقوماته فرحبوا به ومنحوه الجوائز.» وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل: إذا كان الاتهام السابق صحيحاً فيما يتعلق بجائزة السينما التجريبية فبماذا نُفسر حصول الفيلم على جائزة الجمهور، والنقاد، والجمهور تحت 18 سنة؟!

كونشرتو

أما فيلم أسماء الروائي الثاني «كونشرتو في درب سعادة» - المأخوذ عن قصة قصيرة بعنوان «الأنغام» كتبها حسام الدين زكريا ونُشرت عام 1972 - فيتحدث عن تصدع المرء تحت وطأة المعرفة، عن المشكلة الناجمة عن الهوة السحيقة بين القدرات الحقيقية للإنسان وبين أحلامه وطموحه، عن الكارثة المتحققة عندما تُصبح الطموحات أكبر من القدرات الفعلية للإنسان. مع ذلك اتهم الفيلم هو الآخر بأنه فيلم للمثقفين، وأنه يُخاطب المشاهد الغربي ووضع في اعتباره مهرجانات الغرب، وأنه «يُعظّم ثقافة الغرب على حساب حضارة الشرق». وظل التساؤل يطارد المخرجة: لماذا المبالغة في تجسيد الفقر داخل الحي الشعبي المصري في عملها؟ وكان دوماً ردها: «لم أبالغ أبداً، بل قدمت الصورة كما هي في الواقع، لكنني راعيت جماليات مواقع التصوير وقمت - بمشاركة الأهالي وبعد دفع رسوم إدارية للحي - بتنظيف تلك المواقع ورفع تلال القمامة من أماكن أثرية تحولت إلى مقالب زبالة ومبولة. أما الشخصية التي جسدتها عائشة الكيلاني والتي نالت نصيبها من الهجوم، فهي نموذج للمرأة المصرية التي لم تنل حظاً من التعليم، وتُقيم في الأحياء الشعبية لتُنجب عدداً كبيراً من الأبناء، وتحشر نفسها في كل شيء، وتقحم أنفها في حياة جيرانها، ففي الأحياء الشعبية لا تُوجد أسرار، الجميع يعرف كل شيء عن الآخرين».

بعد رحلة طويلة مليئة بالشغب، وبالجرأة في التعبير عن رأيها، ومحاولاتها الدؤوبة للحصول على تمويل لأفلامها التي رفضها المنتجون والموزعون في مصر، وقدرتها على ممارسة سياسات تقشفية في الإنتاج واللجوء إلى أصدقائها في أحيان أخرى لدعم أفلامها، فجأة وجراء أزمة قلبية، رحلت المخرجة المصرية فتحية محمد سيف الدين، الشهيرة بأسماء البكري، يوم 5 كانون الثاني (يناير) الحالي عن عمر يبلغ 67 فهي من مواليد العام 1947. رحلت دون أن يعرض في دور العرض السينمائية فيلمها الثالث «العنف والسخرية» الذي انتهت منه 2006 والمأخوذ بدوره عن رواية لألبير قصيري. رحلت أسماء البكري وفي أدراج مكتبها وفي خيالها تسكن مشاريع وأحلام سينمائية كبيرة بعضها عن الحضارة الإسلامية، وعن التسامح بين المسلمين والمسيحين.

تخرجت أسماء في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية جامعة الإسكندرية عام 1970. بدأت حياتها الفنية مساعد إخراج منذ عام 1973 مع المخرج سعد عرفة، ثم مع يوسف شاهين في «عودة الابن الضال»، و»وداعاً بونابرت»، ثم مع خيري بشارة. عملت مع عدد من المخرجين الأجانب منهم الأميركي جون غليرمن في فيلم «جريمة على النيل»، ومع المخرج الأميركي فرانكلين شافنر.

أخرجت البكري عدداً من الأفلام التسجيلية منها: «قطرة ماء»، الذي حصل على ثماني جوائز، و»بورتريه» والفيلمان من إنتاجها الخاص، أما فيلم «دهشة» فتحقق بدعم الأميركية ماري دوجن ويتحدث عن صناعة المراكب الخشبية التي تُوشك على الانقراض في النيل، فالمراكب المصنوعة من الحديد والتي تسير بالجاز حلت محلها. كما أخرجت أسماء للتلفزيون المصري ثلاثة أفلام: «الرخام»، عن تاريخ الرخام في مصر، و»الضاهر»، ثم «الفاطميون».

وأنتجت لها السفارة الفرنسية في القاهرة فيلم «بيت الهراوي» الذي يرصد مراحل ترميم هذا المشروع الفرنسي المصري المشترك، ثم فيلم «النيل» من إنتاج القناة الثانية الفرنسية ضمن سلسلة عن الأنهار العظمى في العالم. أما فيلم «المتحف اليوناني الروماني» بالإسكندرية والذي تم إنتاجه لمناسبة مرور مئة عام على إنشاء المتحف (1893ـ 1993) فأنجز بدعم مصري - فرنسي مشترك، إضافة إلى إخراجها بعض العروض في الأوبرا المصرية.

فلاح فلسطيني يدير «قهوة لكل الأمم»... ويموت

دبي - بشار إبراهيم

تبني المخرجة الفلسطينية وفاء جميل فيلمها الوثائقي «قهوة لكل الأمم» على اتكاءات متعددة بصرياً وسمعياً، تتكامل في ما بينها، لتؤثث فيلماً وثائقياً فلسطينياً بديعاً، إذ نجد على المستوى البصري اعتماد تيمة إعداد القهوة، وحرق السجائر، في شكل مستمر، بما يتوافق مع الصور النمطية (وربما الواقعية) للفلسطيني، بينما يتردّد على المستوى السمعي صوت الجرافة (البلدوزر) الإسرائيلية، التي قلّ أن نراها مباشرة، ولكننا ندرك حضورها المدمّر على الأرض الفلسطينية، مع تقدّمنا في التعرّف على حكاية الفيلم وبطله.

سنوات من المتابعة

«قهوة لكل الأمم»، وثائقي متوسط الطول (52 دقيقة)، يرصد حكاية الفلاح الفلسطيني عبد عبدربه، اللاجئ من قرية الولجة، إلى مخيم الدهيشة، قرب بيت لحم. هذا فلاح فلسطيني لا يريد التخلّي عن أرضه، ويعمل على التمسّك بها، بكل ما أُوتي من قوة (على ضعفه، وقلّة حيلته)، حتى لو كان ثمن ذلك باهظاً على المستوى العائلة، إذ سنرى تذمّر زوجته وتبرّمها من موقفه، أو على المستوى الشخصي، عندما نرى تهالك صحته وتهاويها، إلى درجة أنه سيموت بالتزامن (للمُفارقة المُفجعة) مع العرض العالمي الأول للفيلم في «مهرجان دبي السينمائي الدولي».

اشتغال المخرجة وفاء جميل على وثائقي «قهوة لكل الأمم»، يُفصح عن درايتها وحصافتها منذ اللقطات الأولى، في حركات وانتقالات تبدو مدروسة على مستوى السيناريو: تأثيث المكان، وتقديم الشخصية، وعرض أصل الحكاية، والانطلاق من ثمّ في القصة التي ستتنامى من خلال المحايثة ومتابعة دامت سنواتٍ، وفي أماكن عدة.

هذه أساسيات لازمة في صناعة الفيلم الوثائقي الناجح. ووفاء جميل تتأنى وتتمـهل، بذكاء، في الانتقال بينها. يساعدها في ذلك رونق حضور الفلاح عبد، الذي يبدو تماماً أنه يتعامل مع الكاميرا بتلقائية وعفوية، على مستوى الصورة والصوت. ولعل من حُسن الحظّ أن حضوره على الشاشة يبدو أليفاً إلى درجة كبيرة، كأنما هو واحد من المشاهدين كلّهم، على تنوّعاتهم، وأن صوته يمتــلك نبرة رهيفة تترك أثراً طيباً، ببحّتها ونبرتها وانسيابيتها.

بهدوء تدخلنا المخرجة وفاء جميل عالم الفلاح الفلسطيني عبد. مكانه، وطقوسه اليومية، وحكايته، قبل أن يبدأ صوته المشروخ قول ما ينبغي لنا أن نعرفه: «عم يحاولوا يبنوا 20 ألف وحدة سكنية». يُخبرنا الفلاح الفلسطيني عبد أنه مُحاط بالمستوطنات الإسرائيلية من أربع جهات، هي: «هار جيلو»، و«جيلو»، و«الجورا»، و«كريات مساعا». هم لا يريدون بقاءه في أرضه. وجوده منع إنشاء منطقة مستوطنات إسرائيلية خالصة، على أرض فلسطينية خالصة. والفلاح الفلسطيني عبد، يرفض ويقاوم بطريقته.

لقد بنى بيتاً من الطوب، أولاً، ومن ثم أحضر براكية معدنية (كونتينر)، وبعدها أنشأ عريشة من خشب، وإذ دمّر الاحتلال ذلك، وأحرقه، انتهى إلى قرار بأن يقيم في كهف كنعاني عمره خمسة آلاف سنة.

التأســـيــس الســـينــمــائي البصري، والبحثي المعلوماتي، سيقودنا إلى ما هو أبعد من فكرة «إننا هنا باقون». بنباهة وصراحة كاملة تذهب المخرجة وفاء جميل بكاميرتها الحيوية والحــاضــــرة، ومـــونتـــاجــها المتدفق، إلى زوجة عبد، «أم محمد» الملولة والمتأففة (على ظرافتها). إنها زوجة وامرأة فلسطينية تقيم في مخيم لاجئين. تريد من رجلها أن يبقى معها في بيت، وقد صار لديهما أولاد وصبايا، باتوا في ريعان الشباب. إنها فاقدة الأمل، وتريد أن تعيش، لا أكثر!... ولكن عبد مهجوس بهموم أخرى، عنوانها أرضه، التي لن تبعده عنها معاناة أكثر مضاضة، وممارسات أكثر قسوة ولؤماً: الداخلية الإسرائيلية تريد هدم الكهف، على رغم أنه كنعاني منذ آلاف السنوات، والانجرار إلى الغوص في التيه القضائي، عبر أروقة محاكم ستمتد لمدة 7 سنوات، ما سيأخذه إلى أمكنة أخرى. إسرائيل تعتبر أن وجود هذا الفلاح الفلسطيني في أرضه، حتى لو كان في كهف كنعاني، خطر على أمنها. تتلكأ في محاكمته، وتماطل، وتستمر في اختراع وسائل لتعذيبه نفسياً وجسدياً وإدارياً.

لا يريد الفلاح الفلسطيني عبد إلا أن يعيش في أرضه. إنه لا يريد أن يكون مجرد لاجئ في مخيم الدهيشة. لا يريد أن ينسى أرضه. ولا يريد أن ينتمي إلى القطيع (الذي قطع الأمل أصلاً). الفلاح الفلسطيني هذا لا يريد ذلك. إنه يؤمن أن من حقه أن يعيش في أرضه. يذكر حرص والدته عليه، وعنايتها بسلامته. تحضر صورة شقيقه عيسى عبدربه؛ عميد الأسرى الفلسطينيين. صورة والده الراحل. وحديث والدته (التي لا يكفّ عن تقبيل يديها) عن أهمية بقائه في أرضه. اقتناعه بأن أرضه هي حياته ومصيره ووجوده.

جماليات المكان

يشتغل وثائقي «قهوة لكل الأمم»، على استثمار جماليات المكان الفلسطيني، على رغم الصعوبات التي يلاقيها عبد في معيشته. المعاناة من الممارسات الصهيونية: سدّ الطرقات، وإقامة سواتر ترابية، وأكوام من الحجارة، ووضع أبواب، وتخريب المزروعات، ورمي القمامة والنفايات (تلك التي حوّلها إلى أسمدة، ونعمة بدل نقمة)...

وعبد، الفلاح الفلسطيني الناحل العود، والأعزل إلا من إيمانه بأرضه، وحقّه في البقاء، يحاول الاستعانة بالمتطوعين الأجانب لإزاحة الحجارة، وتحويل قطعة الأرض التي يمتلكها إلى ملتقى ومقصد للمتطوعين والداعمين والمساندين، وبيع منتوجات قد تبدو نافلة ليعتاش منها.

لا ينسى وثائقي «قهوة لكل الأمم» رصد وقــائع عمـل عبد اليومية في أرضه. العناية بها. تربية الطيور والحيوانات الداجنة والأليفة. الذهاب إلى القدس. من أجل حضور المحكمة. هناك حيث سيقول: «أنا في القدس... وهذه أمنية كل فلسطيني أن يكون في القدس».

ليس من المستغرب أن تأجيل قرار محكمة سيكون مما يزيد في تعبه، ومعاناته، حتى في مشقة الوصول من أرضه إلى قاعة المحكمة. الغريب أن عبد يتوقّع أنه ربما لن يأكل من ثمار مزرعته. قال هذا منتبهاً إلى بناء الجدار العازل... ولم يكن يعلم أن الموت سيكون له بالرصاد.

سيتمنى الفلاح الفلسطيني عبد عبدربه، في حال رحل أو أُقصي عن أرضه، أن يأكل من ثمار أرضه كل من يحبّهم، وسيقول: «حتى لو أنا ما أكلت منها، أكون مبسوطاً»... ولكن وثائقي «قهوة لكل الأمم» يعيدنا إلى السؤال الجوهري عن جدوى الأفلام.

هذا فيلم اشتغلت عليه المخرجة وفاء جميل ســـنوات عدة (6 سنوات) في متابعة ومحايثة لتجربة فلاح فلسطيني شاء أن يقول عبر الممارسة اليومية، والمواقف الحياتية، إنه لن يتخلى عن أرضه، ولن يتوانى عن ممارسة كل وسيلة وطريقة ممكنة، للبقاء فيها.

ليس السؤال هنا إن كان الفلاح الفلسطيني عبد قد نجح في مسعاه حياً. ولا السؤال إن كان قد استطاع الحصول على حق الدفن في أرضه، وهو ما لم يقدر عليه. السؤال الذي يبقى هو ذاك الذي وجهته إحدى الحاضرات في صالة العرض للمخرجة وفاء جميل: إن مات عبد فمن سيحمل رسالته، ويستكمل مسيرته؟ فقالت المخرجة إنه أعدّ أحد أبنائه لذلك. ساعتها لم تكن المخرجة وفاء جميل تعلم أن عبد قد مات فعلاً، في تلك الساعات... وحتى دون ذلك، فإن وثائقي «قهوة لكل الأمم» يثبت أن للسينما والأفلام جدواها.

«قهوة لكل الأمم»، للمخرجة المبدعة وفاء جميل، وثائقي مؤثر يستنقذ بطله عبد عبدربه من الغياب، ويمنحه الحضور، ما حضرت الصورة.

كيم باسينجر: لست قنبلة إغراء بل زوجة وأم

باريس – نبيل مسعد

لمعت كيم باسينجر في أدوار مختلفة اعتباراً من عقد الثمانينات من القرن العشرين، وبينها «أبداً لا تقول أبداً مرة ثانيةً» إلى جوار شون كونري في دور جيمس بوند، و»تسعة أسابيع ونصف» الجريء الذي جلب لها لقب «قنبلة هوليوود»، ثم «موعد أعمى» الفكاهي إلى جانب بروس ويليس، و»أحمق الحب» العاطفي، و»بلا رحمة»، و»كارن ماكوي» ، و»المفر» الذي تقاسمت بطولته مع زوجها في ذلك الحين أليك بولدوين والمتضمن مجموعة من اللقطات العاطفية الحميمة التي أكدت سمعة باسينجر في ميدان الإغراء، غير إن الأفلام الثلاثة الأخيرة المذكورة هي من نوع المغامرات العنيفة التي دمجت فيها النجمة بمهارة بين عنصري الجاذبية والحركة. وفي آخر عمل من بطولتها استقبلته صالات العرض وهو «الشخص الثالث» من إخراج بول هاغيس، تظهر باسينجر إلى جوار النجم ليام نيسون مؤدية شخصية زوجته التي تظل مرتبطة به رغم خيانته المستمرة لها مع إمرأة تصغرها سناً. والفيلم شارك في إنتاجه اللبناني المقيم بين هوليوود وباريس جورج إده.

ولمناسبة العرض الإفتتاحي لـ «الشخص الثالث» في العاصمة الفرنسية، التقت «الحياة» كيم باسينجر وحاورتها.

·        من الواضح أنك تميلين إلى أداء شخصيات نسائية ذات طابع مميز، مهما كان اللون السينمائي الذي تشاركين فيه، فكيف تنجحين في العثور على هذه الأدوار؟

- أحب أداء دور امرأة تعرف ما تريده وتكافح من أجل تحقيق هدفها. وقد أديت في أكثر من مرة شخصية امرأة تعاني مشكلات عائلية أو عاطفية أو إجتماعية كبيرة وتحلها في النهاية بطريقة أو بأخرى، حتى لو كان ذلك في شكل مأسوي. وللرد على سؤالك، أنا أرفض الأدوار الضعيفة وأعبّر عن رغبتي الدائمة في تقمص شخصيات قوية ترفع من شخصية المرأة ومن صورتها الإجتماعية حتى وان كانت ضحية زوجها الذي يخونها، مثلما هي الحال في «الشخص الثالث»، ذلك أنها ضحية بمحض إرادتها وتختار البقاء إلى جانب شريك حياتها الخائن وتحمّل تصرفاته فضلاً عن مغادرته. أنها أنبل منه في النهاية وتؤمن بمبادىء سامية.

·        هل تشبهين بطلات أدوارك في حياتك الخاصة؟

- لا فليست هناك علاقة بين ما أمثله والحقيقة. أنا قوية وأتميز بشخصية تجعلني أسعى فعلاً الى تحقيق أهدافي، لكنني لا أتصرف مثل بطلات أفلامي ولا أدمج بين الخيال والحياة الواقعية، ولم أكن أبداً «قنبلة إغراء» في حياتي اليومية مثلما قيل وكُتب عني في الماضي، فأنا زوجة وأم قبل كل شيء.

·        ساهم اللبناني جورج إده في إنتاج فيلم «الشخص الثالث»، فهل تعرفينه شخصياً؟

- تعرفت إليه لمناسبة مشاركتي في هذا الفيلم بالتحديد، وعلمت أنه سبق وشارك في إنتاج أفلام في هوليوود، مثل «ساعة الإزدحام» بأجزائه الثلاثة، ثم فيلم أخرجه النجم دون جونسون وصور بين باريس والولايات المتحدة. أنه يعد من المنتجين البارزين حالياً في السينما الهوليوودية، مثلما كان عليه اللبناني ماريو قصّار في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهو كان قد أنتج «غريزة أساسية» أي الفيلم الذي أطلق شارون ستون إلى سماء النجمات العالميات.

لا أندم على تصرفاتي

·        هل صحيح أنك كنت مرشحة لبطولة فيلم «غريزة أساسية»؟

- نعم وهكذا تعرفت إلى ماريو قصّار، لكنني رفضت الدور بسبب كثرة اللقطات الجريئة في الفيلم، وبالتالي ورثته شارون ستون.

·        هل ندمت على هذا الرفض في ما بعد؟

- لم أتعود الندم على تصرفاتي أبداً، فأنا أقدم عليها مقتنعة بما أفعله ومستعدة لتحمل نتيجة قراراتي في كل الأحوال.

·        كنتِ متزوجة من النجم أليك بالدوين المتخصص في أفلام المغامرات، فما رأيك في هذه الشخصيات النسائية الهوليوودية التي تستخدم عضلاتها وتجيد المصارعة على الطريقة الرجالية في أفلام من نوع المغامرات؟

- أنا خضت هذه التجربة أربع مرات حتى الآن، وأعترف بأن المسألة عبارة عن غمزة عين أكثر من أي شيء أخر، علماً إن أفلام المغامرات ستظل ملكية خاصة لأرباب العضلات البارزة وليس للنساء. إن هوليوود تريد تقديم نسخة مختلفة من لون المغامرات، وأنا شخصياً لن أتخصص أبداً في هذا اللون لأن تخصصي هو التنويع ولا شيء غيره وهذا ما أفعله منذ بداية مشواري في السينما. ومن ناحية ثانية لا بد من أن نعترف بكون المغامرات النسائية، مثل «لارا كروفت» و»كات وومان» و»ساكر بانش» و»إليكترا»، تلقى الرواج في صالات السينما، الأمر الذي يدل على أن الجمهور العريض متعطش الى رؤية بطلات شجاعات ينقذن العالم من الأشرار مثلما يفعله الرجال عادة، فربما أن المسألة عبارة عن مواكبة للظاهرة الإجتماعية التي ترغب في أن تتساوى المرأة مع الرجل في كل الميادين تقريباً.

لا أحب الغش

·        هل تؤدين المواقف الخطرة بنفسك في أفلام المغامرات التي تشاركين فيها أم تلجئين إلى بديلة؟

- أنا أعتبر بعض هذه المواقف كنوع من التحدي فأصمم على التدريب عليها والقيام بأدائها أمام الكاميرا بنفسي، لكن شركات التأمين المسؤولة عن الممثلين ترفض قيامي بتنفيذ كل اللقطات الخطرة وتصر على اللجوء إلى بديل متنكر في زي إمرأة يفعل الكثير من الأشياء بدلاً مني.

·        لماذا رجل بديل بما أن المرأة قادرة على فعل كل ما يفعله الرجل؟

- قلت «تقريباً» كل الميادين، ويبدو أن أداء المواقف الخطرة لا يزال من تخصص الرجل في أكثر الحالات.

·        وماذا عن المواقف الجريئة؟

- أمثلها بنفسي لسبب بسيط هو انني لا أحب الغش أو خداع المتفرج.

·        هل كان من الصعب تأدية المشاهد الغرامية الجريئة في صحبة زوجك حينذاك أليك بالدوين في فيلم «المفر»؟

- لقد بات الأمر سهلاً إلى حد ما لأننا كنا نعرف بعضنا البعض جيداً بطبيعة الحال، كما عرفنا كيف نفصل بين العمل والحياة الخاصة، وأنا كنت في الأستوديو مجرد ممثلة تنفذ أوامر مخرج الفيلم، ما لم يمنعني من مناقشة أليك (زوجها) في البيت طوال الوقت وحتى في منتصف الليل في شأن دوري والطريقه الواجب اتباعها في تقمص الحب أمام شخص آخر.

·        إقتنيت قرية برازلتون الصغيرة التي ولدت فيها، فما هو الدافع وراء هذه النزوة؟

- إنها ليست نزوة بل مجرد حنين تجاه المكان الذي شهدني صبية ومراهقة. وأنا أعرف جميع أهل هذه القرية وأعود إليها في شكل دوري، واقتنيتها بهدف تغيير بعض الأشياء فيها وتحويلها جنة سياحية تعود بالخير على سكانها. وأمام الصعوبات المادية التي واجهتها وقلة إدراك بعض الأشخاص لما كنت أسعى إلى تنفيذه، إضطررت إلى بيع القرية وانتهى الموضوع بإنتصار الغيرة والحقد على العقل والحكمة.

·        ماذا عن حكاية إنغماسك في عالم الليل قبل تقمصك شخصيتك السينمائية في الفيلم البوليسي «لوس أنجليس سري»، فهل تقلدين داستين هوفمان وروبرت دي نيرو وغيرهما من الذين يميلون إلى الإحتكاك بعالم الإجرام مثلاً لاكتشاف حقيقة خباياه وبالتالي زيادة فاعليتهم أمام الكاميرا فيما بعد إذا مثلوا الشر؟

- نعم. ولا أرى لماذا يكون الأمر من تخصص الرجل فقط، فأنا أضفت اسمي إلى قائـــمة الفنانين الذين يدرسون أدوارهم «في ميدان المعركة» وقضيت سهرات طويلة في النوادي الليلية إلى درجة إن بعض زبائن هذه الأماكن المشبوهة تصوروا أنني من فتيات الليل، وكان الموقف حرجاً إلى أبعد حد في كل مرة. وهذا شيء لا يحدث للرجال مثلاً ويدل على أن المرأة تعاني من قلة الإنصاف تجاهها في مواقف كثيرة من الحياة العملية.

·        هل من خوف على مستقبل الرجل في السينما الأميركية بسبب دفاعك في هذا الشكل عن شخصية المرأة؟

- لا أتخيل ان الرجل في موقف خطر أبداً، ويكفي النظر إلى العدد الأكبر من الأفلام في هوليوود للتأكد من إحتلاله ربما أكثر من 90 في المئة من سوق السينما. وأنا لا أنوي إلتهام الرجال أو حرمانهم من البطولات السينمائية لكنني مستمرة في السعي وراء محاولة تنفيذ مطالب المرأة عن طريق لفت أنظار أصحاب النفوذ إليها وإلى قلة الإنصاف التي ذكرتها تواً والتي أراها شائعة في عالم السينما الهوليوودية.

... أين السينما الأخرى؟

باريس - ندى الأزهري

جاءت أرقام المركز الوطني للسينما في فرنسا لتثلج قلوب الفرنسيين وأولهم المسؤولون عن السينما (هذا قبل الاعتداء على صحيفة شارلي ايبدو الذي صدم الجميع بوحشيته وجعل كل الاهتمامات الأخرى ثانوية)، فقد تجاوز عدد البطاقات المباعة في دور السينما خلال العام المنصرم الـ 208 مليون.

وإذا استثني عام 1967 فهذه النتيجة تعتبر الأفضل من سبع وأربعين سنة، وهي ليست الخبر المفرح الوحيد في هذا المضمار، إذ إن نسبة المترددين على مشاهدة الفيلم الفرنسي ارتفعت بمقدار عشرة في المئة قياساً بالعام الفائت وغدت حصة السينما الفرنسية مقاربة جداً للأميركية ( 44 في المئة و45 في المئة على التوالي). أيضاً، احتلت تسعة أفلام فرنسية لائحة الأفلام العشرين الأكثر مشاهدة في فرنسا، وتربعت ثلاثة منها في المراتب الأولى.

جاء « ماذا فعلنا بحق الإله؟» لفيليب دوشوفرون في المركز الأول مع أكثر من اثنتي عشرة مليون تذكرة مباعة، تلاه «سوبركوندرياك» للنجم داني بون الذي حصد أكثر من خمسة ملايين تذكرة، ثم فيلم «لوسي» للوك بيسون. وبفارق تجاوز المليون بطاقة حلّ الفيلمان الأميركيان»الهوبيت» و»كوكب القرود: المواجهة».

حنين إلى فرنسا التقليدية

بعيداً من الأرقام، تنتمي نوعية الأفلام التي تجذب الفرنسيين سنة تلو أخرى إلى الكوميديا الاجتماعية فرنسياً، وأفلام المغامرات ذات التأثيرات المثيرة أميركياً. لكن هذه الأفلام التي يتهافت الفرنسيون على مشاهدتها لا تنحصر قيمتها بالفكاهة، إنها أفلام لها علاقة بفرنسا التقليدية، فرنسا المدن الأخرى غير باريس أو الأرياف، وهي تمثل حنيناً لدى الفرنسيين لأمة كانت فيما مضى أكثر وحدة وسكينة، مزدهرة وواثقة وذات جذور راسخة. وهو ما بات محل شك اليوم.

فالفيلم الفرنسي الأول «ماذا فعلنا بحق الإله؟»، الذي توجه لمشاهدته الصغار والكبار من جميع الفئات الاجتماعية والمهنية، أتى في سياق اجتماعي واقتصادي وسياسي فرنسي كئيب ومحبط، فقدم للفرنسيين نظرة متسامحة عن التعايش بين كافة الأديان والأعراق المتواجدة على الأرض الفرنسية (في نظرة مشابهة لفيلم «المنبوذون» والذي تهافت الفرنسيون عليه عام 2011 على نحو قياسي). إنه قصة عائلة بورجوازية كاثوليكية من مدينة فرنسية أخرى غير باريس (وهذا مهم أيضاً كما سبق وذكرنا) تجد نفسها أمام امتحان عسير، فالفتيات الأربع اخترن للزواج أزواجاً مغايرين تماماً لأجوائهم التقليدية المحافظة. فكان هناك العربي واليهودي والآسيوي والأسود. ومع كل ما يمثله ذلك من مواقف إنسانية محرجة ومضحكة، مسّ الفيلم قلوب الجميع.

إذ تميز العام الفائت بعودة الفرنسيين لمشاهدة السينما الفرنسية، ما انعكس تراجعاً بنسبة عشرة في المئة في الإقبال على السينما الأميركية بالرغم من وجود إنتاجات كبرى. هذه الخيبة لم تلحق فقط بهذه السينما إنما أيضاً بالسينما الثالثة التي تأتي من بقية العالم، والتي لم تتجاوز حصتها في السوق السينمائية الفرنسية 11في المئة. هذا مع أن عدد تلك الأفلام غير الأوروبية والأميركية لم ينخفض، ومع أن فرنسا هي البلد الأكثر انفتاحاً على السينمات الأخرى والذي تعرض شاشاتها القدر الأكبر والأكثر تنوعاً من هذه الأفلام (مقابل 2388 شاشة توجد1088 ،صالة « الفن والتجربة» تعرض أفلاماً لا تنتمي للإنتاجات الضخمة).

غياب السينما العربية

من ضمن من تأثر بضآلة هذه النسبة السينما العربية. ففيما عرض منها في صالات « الفن والتجربة» وفي الصالات التجارية الكبرى عام 2013 أكثر من عشرة أفلام، فإن عددها لم يتجاوز الخمسة عام 2014، وهي على التوالي « جيرافاضة («زرافاضة» جمع لكلمتي زرافة وانتفاضة) للفلسطيني راني مصالحة و» جيش الرحمة» للمغربي عبدالله الطايع و»مي في الصيف» للفلسطينية شيرين دعيبس و»الوهراني» للجزائري ليث سليم.

هذا الرقم الضئيل نسبياً لإيرادات «السينما الأخرى»، كما الابتهاج بالرقم الضخم للتذاكر المباعة أثار بعض الانتقادات. جان ميشيل فرودون أحد كبار نقاد السينما الفرنسيين (رئيس تحرير «كراسات السينما» سابقاً)، قلّل في مقالة له على موقع مجلة إلكترونية من أهمية ارتفاع التردد على دور العرض لمشاهدة الأفلام، فالنتيجة برأيه «مستقرة وثابتة على مدى عقد برقم ممتاز يتراوح حول المئتي مليون تذكرة مباعة سنوياً».

كما أن عدد هذه التذاكر، وإن أشار إلى تعلق بالسينما فإنه ليس كل شيء في اقتصاد السينما وليس «ترجمة لجهد مكثف وفعال للسلطة العامة والقائمين على السينما».

وذكّر فرودون بأن ثمة عاملاً أساساً في ارتفاع المردودية عام 2014 يعود إلى إجراء جديد تجاه الجمهور الشاب وضعه المركز الوطني للسينما وهيئة المستثمرين في السينما بتحديد سعر موحّد لا يتجاوز الأربعة يورو للتذكرة (الأسعار عادة متفاوتة وتتراوح بين 12 و7 يورو) لليافعين تحت سن الأربعة عشر. كما انتقد «ابتهاج» المسؤولين عن السينما بالإحصائيات الأخيرة التي لا تتناول النوعية التي يشاهدها الفرنسيون.

وأسف الناقد لوضع السينما الأخرى. فأفلامها، قال، ما إن تخرج للعرض حتى تطرد فوراً من الصالات بحجة ضعف الإقبال في الأسبوع الأول وهو ما يضع سياسة « التنوع الثقافي» التي تنتجها فرنسا موضع تساؤل «فإن كانت هناك سياسة عامة للسينما وللثقافة في هذا البلد فهي كي تصحح هذا الوضع وتحافظ على التعدد».

وطالب كذلك صالات « الفن والتجربة» مثل «لا كليه» بالدفاع عن التنوع الثقافي في فرنسا، فهم وبرغم جهودهم ورغبتهم العميقة بعرض هذه الأفلام التي لا توزع على نطاق واسع، يضطرون أحياناً وبكثير من الأسف، لتجاوز مبادئهم وعدم عرض بعض منها رغم اقتناعهم بقيمته حفاظاً على التوازن في الميزانية في مؤسساتهم الهشة مادياً.

هذا الوضع ينسحب أيضاً على الأفلام الفرنسية ذات الميزانية القليلة والأميركية المستقلة التي لا تجد الوقت الكافي للوصول إلى الجمهور، فنسخها قليلة بما لايقاس بالإنتاجات الكبرى، ودعايتها أقل بكثير وبالتالي تحتاج وقتاً كي يسمع بها المشاهد وحين يحصل ذلك يكون عرضها قد توقف. فإن كان ثمة 36 فيلماً فرنسياً استقطب أكثر من مليون مشاهد في السنة، فإن مئتين وعشرة منها بقيت بعيدة من المنافسة التجارية.

«يلا عقبالكن»... كوميديا العنوسة الضائعة للضحك بأيّ ثمن

بيروت - محمد غندور

لا يؤثر التوتر الأمني والانقسام السياسي في بيروت، على النشاط السينمائي. فمهما بلغت حدة «التفجيرات» والمشادات الكلامية بين الزعماء، ومهما حصل من قطع طرق واعتصامات، ما أن تنتهي فعالية سينمائية حتى تبدأ أخرى بزخم أكبر. والملاحظ ازدياد عدد الأفلام اللبنانية المنتجة، فمع بداية السنة الجديدة ظهر فيلمان لبنانيان روائيان طويلان هما «فيتامين» لإيلي ف. حبيب، و»يلا عقبالكن» لإيلي خليفة. لن نتوقف عند الفيلم الأول لتدني مستواه الفني، ومشاكله الكثيرة، هو الذي من المؤكد انه أقرب إلى حلقة تلفزيونية من مسلسل ما. وفي المقابل سنحاول استعراض بعض مشاكل العمل الثاني نظراً إلى تأرجح مستواه ما بين الجيد أحياناً، والسيء في فترات زمينة طويلة، ونظرتنا إلى أن لمخرجه مكانة لا بأس بها في مسار السينما اللبنانية الجديدة عبر أفلام قصيرة ومتوسطة الطول لفتت الأنظار خلال السنوات الفائتة.

تدور أحداث «يلا عقبالكن» حول أربع فتيات لبنانيات عصريات، تجاوزن سن الثلاثين ولا تزلن عازبات. محاولاتهن الحثيثة للارتباط والزواج، تُعالج في الفيلم في قالب كوميدي خفيف ومتنوع، إذ لكل منهن شخصيتها المختلفة عن شخصيات رفيقاتها. فهناك المتحررة تالين (ندى أبوفرحات) والمبالغة في تحررها، والتي تحاول أن تعيش ما يعيشه الذكور من تعدد العلاقات والتحكم بها، محاولة دائماً أن تكون الطرف الأقوى والمسيطر في العلاقة. وهناك ياسمينا (دارين أبوحمزة) المغرمة بشاب مصري، فتكتشف بعد مرور سنة على العلاقة بينهما أنه متزوج ولديه ثلاثة أولاد. وزينة (مروى خليل) الفتاة المثالية التي تبحث عن فارس أحلام مثالي، ولايانا (نبال عرقجي - المنتجة وكاتبة السيناريو) المغرمة برجل متزوج على أمل بأن يترك زوجته ويرتبط بها.

قصص بعض الواقع

قصص من واقعنا، لكنها روايات فئة صغيرة فيه. تكمن المشكلة الأســاسية في الفيلم بالسيناريو، وهذه مشــكلة غالبية الأفلام اللبنانية، في حين أن الممثلات بالغن في أدائهن، وهي نقطة ضعف في العمل. الجُمَل منمقة أكثر من اللازم والحوارات تدور في شكل لا يوحي بالعفوية بل بالتصنع.

ثمة كلام واقعي كثير لم يقل حول موضوع العنوسة في مجتمعنا، وإن كانت الممثلة جوليا قصار التي لعبت دور الأم لأحدى الفتيات، أظهرت مدى تقليدية مجتمعنا وخوفه على الفتاة التي تتخطى سن الثلاثين ولم تتزوج بعد، مبيّنة كم تغدو ثقلاً على عائلتها ومصدراً للأخبار السيئة.

لكن الفتيات تفاوت أداؤهن بين واحدة وأخرى، كندى أبو فرحات، التي بالغت كثيراً في تقديمها شخصية الفتاة المتحررة، على رغم إمكاناتها التمثيلية الجيدة على المسرح، ولكنها بدت في الفيلم، كما لو أنها تتقمص شخصية لم تتقنها أو ليست على مقاسها. في حين بدت عفوية دارين أبو حمزة مصطنعة وغير مقنعة. في المقابل بدا ماريو باسيل الذي لعب دور الجار الذي يتحول إلى حبيب لندى أبوفرحات، موفقاً في أدائه، كما في غالبية الأدوار التي يقدمها في أفلام لبنانية، خصوصاً أن الأدوار الموكلة إليه بسيطة لكنها معقدة.

بداية الفيلم كانت موفقة للمخرج إيلي خليفة، حيث اعتمد إيقاعاً سريعاً في تقديم كادراته ومشاهده، في شكل يشعر المشاهد أنه سيرى ما هو جديد، لكن الخيط الذي أمسكة خليفة في البداية، أفلت منه لاحقاً. حاول المخرج التعامل مع السيناريو بحركة مشهدية سريعة على ايقاعات موسيقية راقصة أحياناً، في محاولة لإضفاء جو من المرح والسعادة على الفيلم. لكن قصص الفتيات غالباً ما كانت تنتهي بمأساة، وإن تحسن وضعهن في نهاية العمل.

الصورة جميلة في العمل، والكادرات الخارجية تظهر أناقة المدينة، ولكن هل الصورة الجميلة تكفي لنجاح فيلم ما؟ إضافة الى ما تقدم، حاول خليفة، تقديم عمله على الطريقة الأميركية العصرية والشبابية. وتبقى النقطة الأهم ان القيمين على العمل، يقولون عنه انه كوميديا ذكية وخفيفة، لكن من خلال متابعتنا، لم نلحظ أيّاً من المواقف الكوميدية الذكية والموفقة، كانت النكات والطرف التي ترميها الفتيات، باردة ويتمحور غالبيتها عن الجنس، وهذه مشكلة دائمة في لبنان، على قاعدة أنك إذا أردت أن تضحك شخصاً، إرمِ بطرفك وغلّفها بإيحاءات جنسية، كما يحصل في كثير من البرامج تلفزيونية وبعض المسرحيات.

فالكوميديا فن صعب، والأفلام اللبنانية حول هذا الموضوع قليلة جداً، علماً اننا شعب يعيش على الاستهزاء بواقعه، والضحك على رغم كل مشاكلنا.

بين الذاكرة والنسيان

لا شك في أن الفيلم مسل لمن يريد قضاء بعض الوقت في السينما وهو يتناول البوب كورن والمشروبات الغازية وبعض المأكولات الخفيفة، ولا شك في أنه سيستقطب جمهوراً أنثوياً جيداً، ولا شك في أن سيتفوق في شباك التذاكر على أفلام تجارية كثيرة، لكن السؤال: هل سيبقى هذا العمل أو غيره في الذاكرة السينمائية اللبنانية؟

غالبية الأفلام التي قدمت خلال السنوات العشر الأخيرة، لا تؤسّس لسينما جدية، ولن تبقى في الذاكرة، علماً أن كثيراً منها نال جوائز في مهرجانات عربية وأجنبية. لكن الجوائز في زمننا لم تعد مقياساً لنجاح الفيلم أو فشله.

يبتعد مخرجو السينما في لبنان عن مشاكلنا الحقيقية، فلا نرى فيلماً يعبّر ببساطة عن حالنا أو واقعنا. ما زال هؤلاء يدورون في فلك ما يريده جمهور محدّد مفترض. وقد يكون الفيلم السخيف «بيبي»، الذي قدّم السنة الماضية، حقق أعلى نسبة مشاهدة لفيلم لبناني، لكن من شاهده: أطفال وعائلات ومراهقون، قصدوه للضحك فقط. لا نقول هنا ان السينما يجب ان تكون دائماً ملتزمة قضية ما، لكن في استطاعتنا تقديم فيلم خفيف وذكي وأداء تمثيلي راقٍ.

المحاولات الدؤوبة لتأســـيس سينما جدية في لبنان مــعدومة لأسباب كثيرة أهمها عدم وجود كاتب سيناريو قادر على تقديم نص متين وبسيط في الوقت ذاته، ولكن حتى يحين ذلك الوقت «يلا عقبالكن».

للفن وقت وللسياسة وقت آخر

دمشق – بندر عبدالحميد

حينما تلتقي مع فانيسا ريدغريف تكتشف أنها امرأة قوية وبسيطة معاً. إمرأة غير محكومة بنظام النجومية الذي يرسم الحواجز الشائكة بين الفنان العالمي وعامة الناس، وهي غنية بثقافة فنية وفكرية واسعة، إضافة إلى الموهبة التي صقلتها التجربة الطويلة في التمثيل المسرحي والسينمائي في أكثر من ستين عاماً. وفي لمسة تشير إلى تقديرها للعلم اقتبست فانيسا في صدارة مذكراتها فكرة من كتاب « الثقوب السوداء والكون الوليد « للعالم البريطاني ستيفن هاوكينغ، يقول فيها : « إن الكون محكوم بنظام لا نستطيع إدراكه الآن إلا جزئياً، لكننا قد نستطيع فهمه كاملاً في مستقبل ليس بعيداً جداً...» .

قال عنها تنيسي ويليامز وآرثر ميلر: «إنها أعظم ممثلة في زماننا»، وهذا القول يلتقي مع النبوءة التي أطلقها السير لورنس اوليفييه من خشبة مسرح اولد فيك في لندن عشية ولادة فانيسا في 30- 1- 1937، على هامش عرض مسرحية «هاملت»، حينما كان مايكل ريدغريف - والد فانيسا - يؤدي دور لايرتس، فأعلن اوليفييه أمام الجمهور أن لايرتس تلقى الآن خبر «ولادة نجمة عظيمة» .

فن وسياسة

يتفاعل الفن مع السياسة في حياة فانيسا، التي وُصفت في طفولتها بأنها « دودة كتب»، لولعها الشديد بالقراءة، وهي تنتمي إلى عائلة فنية كبيرة، من الممثلين والممثلات البارزين، ومنهم أبوها مايكل وأمها راشيل وأختها لين وأخوها كارين وابنتاها جويلي وناتاشا، وزوجها المخرج السينمائي توني ريتشاردسون الذي عاشت معه خمس سنوات انتهت بالطلاق عام 1967، وكان ريتشاردسون موعوداً بالزواج من النجمة الفرنسية جان مورو، لكن مورو غيّرت رأيها وتخلت عنه، وفي العام نفسه انضمت فانيسا إلى صديقها الممثل الإيطالى فرانكو نيرو الذي اشترك معها في بطولة فيلم» كاميلوت»، وأنجبا كارلو غابرييل نيرو .

عانت فانيسا في طفولتها المبكرة من الظروف الصعبة التي عاشها سكان لندن في سنوات الحرب العالمية الثانية، وهي تتذكر المتاعب التي رافقت انتقال العائلة من مكان إلى آخر، حينما تتزايد حدة القصف النازي على أحياء لندن.

ومنذ عام 1961 قدمت فانيسا خمسة وثلاثين دوراً مسرحياً في لندن وبرودواي، ومنها أدوار شيكسبيرية مبهرة، وأكثر من سبعين دوراً سينمائياً، إلى جانب أدوارها التلفزيونية، وتركزت أدوارها المسرحية في أهم أعمال شيكسبير وتشيخوف وابسن ويوجين اونيل ونويل كاوارد وتنيسي ويليامز.

درست فانيسا الدراما في معهد الموسيقى والرقص في لندن، وكان دورها السينمائي الأول عام 1958، في فيلم « خلف القناع « إلى جانب أبيها، لكن ذلك الدور لم يرض طموحها فاتجهت نحو المسرح، ونجحت في تأسيس فرقة مسرحية خاصة اشتهرت بتقديم أعمال شيكسبير، وتواصلت بعدها أدوارها السينمائية منذ عام 1966 في حزمة من الأفلام البارزة منها «بحار من جبل طارق» و «رجل لكل الفصول» ثم «مورغان» الذي حصلت عن دورها المميز فيه على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان»، وجاءت أفضل أدوارها الأخرى في أفلام: «انفجار»، «ايزادورا»، «ماري ملكة سكوتلاند»، «جريمة في قطار الشرق السريع»، «جوليا»، البوسطونيون، «هاوارد إندز»، «السيدة دالاوي».

وتنفرد فانيسا بجمع عدد متنوع من الجوائز، هي الأوسكار، السعفة الذهبية لمهرجان كان، إيمي، توني، اوليفييه، الكرة الذهبية .

مع مصر وفلسطين

وتتوازى في مذكرات ريدغريف تفاصيل نشاطاتها الفنية مع نشاطاتها الاجتماعية والسياسية التي برزت في مواقفها العنيفة ضد الغزو الثلاثي لمصر عام 1956، والحرب الأمريكية في فيتنام، وحصار كوبا، وانضمت إلى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في نشاطه المناوئ للتسلح النووي حيث تقول عن هذا: «حققت قفزة، كممثلة. أما الآن، فقد اتخذت قراراً لا رجعة عنه بإجراء قفزة في الحياة السياسية كذلك، كان برتراند راسل وأعضاء في لجنة المئة قد اعتقلوا واتهموا بالتحريض على مخالفة القانون عندما تحدثوا في تجمع عام في الهايد بارك في سبتمبر 1961، وفي أحد الأيام، اتصل بي جون موريس، أحد أعضاء اللجنة ومنظميها، وسألني عما إذا كنت أرغب في الانضمام إليهم للتعويض عن الذين تم توقيفهم، فوافقت».

ووقفت فانيسا إلى جانب العمال البريطانيين في إضراباتهم المتواصلة، وكانت من أبرز الشخصيات المكافحة ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا والمتضامنة مع نيلسون منديلا حينما اعتقل وكان مهدداً بالإعدام، وفي الوقت نفسه وقفت مع حركة تحرر الأميركيين السود التي قادها مارتن لوثر كنغ، وقضايا أخرى في كل أنحاء العالم، ومنها مواقفها ضد اشتراك بريطانيا في الحرب على العراق. ولكنها انخرطت أكثر فأكثر في القضية الفلسطينية في كل المراحل التي مرت بها، وكانت تتردد إلى بيروت في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، وتحاور كبار الشخصيات الفاعلة في تسعير تلك الحرب أو إطفائها، وعام 1977 أنتجت وكتبت سيناريو الفيلم الوثائقي «الفلسطيني» فواجهت حملة واسعة من المتطرفين في لجنة الدفاع اليهودية التي شنت تظاهرات صاخبة قي الولايات المتحدة، وأحرقت دمى كثيرة تمثل شخصية فانيسا، وقاد هذه المظاهرات الحاخام رابي مائير كاهانا الذي نذر جائزة خمسة آلاف دولار لمن يقتلها، وأصدر كتاباً بعنوان «اسمعي فانيسا، أنا صهيوني»،.

ومرة أخرى تصاعد الضغط لمنع فانيسا من الفوز بجائزة الأوسكار عام 1978 ولكنه لم يفلح، إذ فازت فانيسا بالجائزة عن دورها الثانوي في فيلم « جوليا « إلى جانب جين فوندا، التي كتبت في مذكراتها تقول عن فانيسا: « كان صوتها يبدو كأنه قادم من مكان عميق مشحوناً بكل الآلام والأسرار، وكأنك ترى حركتها من خلال طبقات زجاجية، كل طبقة منها تحمل صورتها مرسومة بلون سحري أسطوري، طبقة فوق أخرى، يتشكل منها لون معتم لا يمكنك رؤية قراره..».

منذ سنوات حضرت فانيسا لعرض فيلم « الفلسطيني» في مهرجان دمشق السينمائي، والتقيت بها في ممر الفندق وطلبت منها تحديد موعد لحوار صحافي، فنظرت في دفتر مواعيدها وقالت إنها ستغادر صباحاً باكراً ولديها عدة مواعيد متقاربة، واقترحت أن أكتب لها ورقة الأسئلة، فكتبت لها ستة أسئلة، وغادرتها دون أن أتوقع أن تجيب عليها. ولكن في صباح اليوم التالي وجدت مدير فندق الشيراتون يبحث عني بإلحاح، ولما وجدني بصعوبة، أعطاني رسالة من فانيسا وأخبرني أنها ستتصل به مساءً لتتأكد من استلامي الرسالة، مضيفاً أنها أنذرته بأن تعاقبه إذا لم أستلمها. وكان في الرسالة التي وصلتني منها أجوبة ذكية ودقيقة، نشرتها آنذاك في العدد الثاني عشر من مجلة «الحياة السينمائية». وذكرت فانيسا في رسالة مرفقة أنها استطاعت أن تكتب الأجوبة قبل النوم.

الحياة اللندنية في

16.01.2015

 
 

مهرجان الأقصر السينمائي يعيد الحياة لـ'زوجة فرعون'

العرب/ القاهرة

فيلم 'زوجة فرعون' تميز بتجسيد الحياة في مصر الفرعونية بشكل مبهر وقد نافست به ألمانيا حينذاك هوليوود في إنتاج الأفلام العالمية.

أعلنت الناقدة الفنية ماجدة واصف، رئيسة “مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية” أن المهرجان سيعرض الفيلم الألماني “زوجة فرعون”، في حفل الافتتاح في 24 من الشهر الجاري.

قالت ماجدة واصف: “‘زوجة فرعون’، هو فيلم ألماني تم إنتاجه عام 1922، ولم يعرض منذ ذلك الحين بسبب التلفيات الكبيرة التي لحقت بنسخة الفيلم الأصلية”.

واستدركت: “لكن إدارة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية نجحت في استخدام التكنولوجيا الرقمية لمعالجة المادة الأصلية للفيلم، كي يعرض عالميا لأول مرة ضمن فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان التي تستمر حتى 31 يناير الجاري”.

والفيلم من بطولة أميل يانينجز وبول بينسفدلت، وسيناريو نوربرت فولك وهانس كرالي، ومن إخراج إرنست لوبيتش الذي يعتبر من أشهر مخرجي ألمانيا الذين حصلوا على جائزة الأوسكار.

والفيلم تميز بإنتاجه الضخم والذي مكنه من تجسيد الحياة في مصر الفرعونية بشكل مبهر، وذلك لأن ألمانيا أرادت حينذاك أن تنافس هوليوود في إنتاج الأفلام العالمية، فكان “زوجة فرعون” عنوان هذه المنافسة.

مخرج الفيلم إرنست لوبيتش ممثل وكاتب سيناريو ومنتج ومخرج ألماني أميركي، ولد في عام 1892، وأفلامه الكوميدية أكسبته سمعة كأكثر مخرجي هوليوود أناقة وتطورا، ومع نمو مكانته، تم الترويج لأفلامه باعتبار أن لديها “لمسة لوبيتش”، وفي عام 1946، حصل على جائزة الأوسكار الفخرية لمساهماته المتميزة في فن السينما، كما تم ترشيحه ثلاث مرات لجائزة أفضل مخرج.

وسيتم عرض 66 فيلما من مصر ودول أوروبية في الدورة الثالثة من المهرجان، أما الأفلام التي ستشارك في مسابقتي المهرجان فتنقسم إلى 12 فيلما روائيا طويلا و16 فيلما روائيا قصيرا من دول أوروبية مختلفة، بالإضافة إلى 4 أفلام مصرية، من بينها فيلم “بتوقيت القاهرة” الذي يقوم ببطولته نور الشريف وميرفت أمين.

كما أن السينما الفرنسية سيكون لها حضور لافت كونها ضيف شرف هذه الدورة من عمر المهرجان، وذلك من خلال تنظيم مائدة مستديرة بعنوان “الثقافة في مواجهة الإرهاب”، وذلك تضامنا من مهرجان الأقصر مع ضحايا حادث “شارلي إيبدو” الذي وقع مؤخرا.

أما عن التكريمات فستكون الفنانة لبلبة على موعد مع التكريم في فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان، على أن يتم تكريم السيناريست الراحل فايز غالي، وكذلك الاحتفاء بمئوية المخرجين صلاح أبوسيف وكامل التلمساني.

وكشف المهرجان عن وجود برنامج “ليالي السينما المصرية” الذي سيعرض من خلاله مجموعة من الأفلام التي لا يسمح السوق السينمائي بعرضها خلال طرحها في الأسواق، من بينها أفلام “الجزيرة 2”، و”ديكور” و”قط وفار”.

العرب اللندنية في

16.01.2015

 
 

صباح السبت

وداعا صديقي «البرنس»

بقلم : مجدى عبد العزيز

تلقيت ظهر الثلاثاء الماضي خبر رحيل صديقي المنتج الكبير محمد حسن رمزي وبصراحة لم يكن مفاجئا بالنسبة لي فقد كنت أعلم بحقيقة مرضة الخطير وكنت أحترم رغبته في عدم نشر أو إذاعة أي شيءعن هذا المرض اللعين حتي لا أغضبه فقد كان كعادته دائما يرفض أية مجاملات أو عبارات الثناء والإشادة بل كان يسعده كثيرا أن يستمع إلي من ينقده بأسلوب علمي هادف وكان يري أن ذلك يفيده كثيرا في عمله، وهو في ذلك كان صورة طبق الاصل من والدة المنتج العظيم الراحل حسن رمزي والذي تعلم الكثير علي يديه وعاش عاشقا لصناعة السينما مثله بل ويشاء قدره أن يرحل وهو جالس علي نفس مقعده رئيسا لغرفة صناعة السينما فقد كان واحدا من الجيل الذهبي الذين أثروا بأعمالهم كمنتجين وكصناع للافلام الروائية ضمير هذه الأمة وأسهموا بجهدهم المتميز في تثقيف الناس بمختلف مستوياتهم وتياراتهم الفكرية والسياسية ويكفيه انه لم يقدم كموزع أو كمنتج عملا واحدا يمكن ان يصفه النقاد بأنه دون المستوي :

كان محمد حسن رمزي أو البرنس كما كنت أطلق كما كنت أطلق عليه صاحب فكر مبدع وراق وتتسم تصرفاته بكل مفردات الشهامة والرجولة ونجح في أن يجعل لنفسه مكانة خاصة كموزع وكمنتج سينمائي ولم يستخدم أمواله في تقديم الافلام المتدنية أو التجارية التي تغازل أفيشاتها جيوب البسطاء والمراهقين ولطش فلوسهم أمام شباك التذاكر، فقد كان يري أن من يفعل ذلك ليس سينمائياً ولكنه لص يفسد الذوق العام ويجب محاسبته بقانون رادع، فتخريب العقول أبشع مليون مرة من تخريب المنشآت والكيانات الاقتصادية والصناعية وبالتالي كان دائم البحث عن تحقيق المعادلة الصعبة بين متعة العقل ولغة الارقام في فن يقوم علي الصناعة والتجارة والشطارة ولكنه لا يقوم علي فهلوة لاعبي الثلاث ورقات، وهي فئة تسللت إلي السوق السينمائي في مصر وراحت تبث سمومها في كل مكان دون ضابط أو رابط حتي دمرت شبابنا واغتالت عقولهم.

وأشهد الله ان البرنس محمد حسن رمزي كان يعمل ليل نهار رغم ظروفه الصحية السيئة للعمل علي محاربة القراصنة ومواجهة مافيا سرقة الافلام وكان لا يهدأ في سفرياته ورحلاته للبحث عن القانون الغائب لمحاصرة عصابات محلية وعالمية تخصصت في أمور البلطجة وشيدت إمبراطوريتها علي «عرق» الغلابة من المبدعين المصريين خاصة بعدما تعرض له  فيلمه الرائع «الجزيرة٢» لأكبر سرقة شهدها السوق السينمائي في السنوات الخمس الاخيرة مع العشرات من الاعمال الاخري السينمائية والمسرحية والغنائية.

وعندما زرته في مكتبه و نحن نحضر لجلسات مؤتمر «أخبار اليوم عن صناعة الابداع ومستقبل مصر» الذي أقامه كاتبنا الكبير ياسر رزق رئيس مجلس ادارة أخبار اليوم  ورئيس تحرير شقيقتنا «الأخبار» تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وكان وقتها يعاني من مشاكل في الرئة قال لي بصوت عال: يارب ساعدني علي اداء واجبي وأقول كلمتي وشهادتي أمام مؤتمركم لإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل ما أمشي.

وبكل أسف لم أفهم ما يقصده بعبارة «قبل ما أمشي» فقد تصورت أنه كان يقصد أنه يريد حضور مؤتمرنا قبل سفره إلي لندن للعلاج من مشاكل الرئة خاصة وقد علمت منه قبل سفره بساعات أن الاطباء قد أبلغوه بوجود نسبة «تليف» تشكل تهديدا علي رئتيه!!

وعلي الرغم من تلك الظروف الصحية السيئة بل والقاسية فقد جاء صوت البرنس محمد حسن رمزي مفعوما بالأمل من اجتيازه لهذه المحنة لدرجة أنه أو صاني بعدم الحديث أو الكلام أو النشر عن مرضه وتفاصيله مؤكدا أن ذلك أمر شخصي يخصه ولا يهم أحداً سوي أسرته وأصدقائه المقربين فقط.

ونجح البرنس محمد حسن رمزي في أن يكتم سر إصابته بتليف الرئة ومهاجمة المرض اللعين - السرطان - له علي مدي ٤ شهور كاملة ليرحل بمفرده في لندن وتصعد روحه الطاهرة إلي بارئها راضية مرضية وبجواره زوجته وابنه «صلاح» ويتركنا نحن هنا بلا كلمة وداع  وبلا عباراته وقفشاته ومداعباته الساخرة وخفة ظله وابتسامته المشرقة التي كانت لاتغادر وجهه أبداً حتي في أشد لحظات غضبه.

رحم الله الصديق والأخ والمبدع البرنس محمد حسن رمزي صاحب القيمة والقامة العالية في صناعة السينما المصرية وياليتنا جميعا أصدقاءه وزملاءه ومحيبه وعشاق فنه نفكر بصوت عال مع نقابة السينمائيين وغرفة صناعة السينما ووزارة الثقافة في كيفية تكريمه والاحتفاء به بشكل يليق بأسمه ومكانته وسجله المزدحم بأعماله السينمائية المحترمة وخالص عزائي لزوجته وللعزيزه «هدي» شقيقته وتوءم روحه ولأدلاده شريف وصلاح وحسن وشهد وكل أفراد أسرته بل ولكل سينمائي عاش إلي جواره ووداعا يا صديقي البرنس.

magdeabdlaziz@gmail.com

قلم علي ورق

صاحبة السعادة

بقلم : محمد قناوى

اسعاد يونس.. هي بالفعل اسم علي مسمي، فلا ينكر أحد انها اسعدتنا جميعا بأدوارها الكوميدية علي مدار تاريخها الفني فعلي شاشة السينما قدمت ادوارا كوميدية وفي نفس الوقت تحمل قيمة فنية رسمت من خلالها بسمة علي الوجوه مثل ادوارها في «امهات في المنفي وشعبان تحت الصفر والافوكاتو وليلة القبض علي بكيزة وزغلول  وفوزية البرجوازية» وعلي شاشة التليفزيون «حكايت ميزو و بكيزة وزغلول والسقوط في بير سبع ويا نساء العالم اتحدوا «اما علي خشبة المسرح فحدث ولا حرج عن ادوارها الكوميدية الرائعة ومؤخرا انتقل هذا التوهج الفني ورسم السعادة علي الوجوه الي شاشة التليفزيون من خلال تجربتها الاولي كمذيعة تليفزيونية في برنامجها «صاحبة السعادة» لتصبح بالفعل صاحبة السعادة التي تصنع البهجة علي الوجوه ولتثبت من خلال هذا البرنامج للجميع ان العملة الجيدة ترد كل ما هو ردئ وتؤكد ان الجمهور يمتلك وعيا كبيرا يجعله يختار الافضل دائما.. وسر نجاح اسعاد في تجربتها الاولي كمذيعة تليفزيونية يعود الي قدرتها علي الخروج في كل حلقة من حلقات برنامجها بحوار مختلف مع ضيفها ايا كان نجما او غير ذلك ؛ فلا يمكن ان ينسي المشاهد حوارها غير التقليدي مع النجم الكبير سمير غانم وربما يكون السبب معرفتها بسمير وهي التي شاركته بطولة «حكايات ميزو» ، كما لا يمكن ان ننسي حلقاتها عن يوسف شاهين او حلقة الفن الشعبي، كما أنها استطاعت ان تعيد المشاهدين الي طفولتهم عندما استضافت ماما نجوي وحكاياتها مع بقلظ، كما اعادت بوجي وطمطم مرة اخري للحياة واخيرا حلقاتها الرائعة مع صاحبة الصوت الدافئ عفاف راضي

اسعاد يونس كسبت الرهان كمذيعة بعد ان كسبته لسنوات طويلة كممثلة ومنتجة.. فشكرا اسعاد بعد ان اسعدتي الملايين من المشاهدين.

kenawy212@yahoo.com

خارج النص

رحيل رجل مهم

بقلم : مصطفى حمدى

مكتوب علينا ان تكتب عاصمة الضباب مشهد النهاية في حياة كثير من الأسماء اللامعة في تاريخ الفن بداية من العندليب والسندريلا ووصولا الي المنتج والموزع الكبير محمد حسن رمزي.

رحيل مفاجيء بعد مشوار قصير مع الام المرض اللعين، ملخص قصة قصيرة أنهت مشوار رجل أعطي للسينما المصرية الكثير والكثير وأفني عمرة في خدمة صناعة هي الاهم في هذا الوطن وربما لانملك غيرها.

أعرف محمد حسن رمزي كغيري من الصحفيين المهتمين بالفن والسينما، عهدته دائما حاضرا للرد والإجابة، واسع الصدر، لايكل ولايمل من الحديث عن عمله بقدر اهتمامه وتقديره لهذا العمل.

محمد حسن رمزي واحد من الكبار قيمة وقامة في هذه المهنة وهو صاحب أيادي بيضاء علي كثير من الممثلين والمخرجين والمؤلفين وربما زملاؤه المنتجين أيضا، وأشهد أنه رغم خلافة الأخير والشهير مع المنتج محمد السبكي إلا أنه كان من أوائل من اعترضوا علي منع فيلمه «حلاوة روح» خوفا علي الصناعة وعلي أموال منتج تفتح مئات البيوت حتي لو اختلفنا مع مايقدمه.

اوراق الشجرة تتساقط واحدة تلو الأخري، الرموز في هذا الوطن يستقلون أقرب عربة في قطار الرحيل الي العالم الآخر وكأن ما يحاصرنا من عبث لم يعد مناسبا لاستمرار مشوار هؤلاء الكبار، واحسب الأستاذ محمد حسن رمزي واحدا من هؤلاء.

الحقيقة أن السينما المصرية فقدت واحدا من أهم اعمدتها، والحقيقة المُرة أن رحيلة صعب التعويض وتبقي صناعة السينما المصرية علي المحك أمام الكثير من أزماتها ومشاكلها التي تحتاج الي مائة رجل بعقل وقلب محمد حسن رمزي.. رحمة الله عليه.

Mostafahamdy 2009 @yahoo.com

أخبار اليوم المصرية في

16.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)