كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

//ملف//

الإغراء العربي في صوره المتعدّدة

المدن - ثقافة

 

هنا سلسلة مقالات نشرتها "المدنفي ملف عن الاغراء ونجومه في العالم العربي، سواء في السينما أو في المجتمع، إضافة إلى الإغراء العربي، في بعض البلدان، ومقارانات مع الإغراء الغربي.

سعاد حسني بستان الغواية - أحمد شوقي علي

الممثلة إغراء "عارية بلا خطيئة" - أحمد خليل

حجاب اليمن و"قات"ـه وسلاحه - فتحي أبو النصر

نساء السينما أول العشيقات - حسن داوود

الإغراء العربي المنقوص - أحمد زعزع

في مديح نساء الإعلانات - محمد أبي سمرا

أسمهان الحارقة مُرتاحة الضمير - هشام أصلان

جورجينا رزق ذلك الجمال الناجز - محمد حجيري

الإغراء الكردي: هوليا أوفشار.. أو "شيركو" مكان حسين فهمي - مروان علي

صافيناز الأرمينية: أنثى رجراجة تضرب الرقص في "مصريته" - أحمد ندا

"الرقّاصة".. "أفعى النيل".. أو "تنويم مغناطيسي" - محمد حجيري

إغراء البدانة: أينما مددتَ يدك.. - روجيه عوطة


الجمعة09/01/2015

الاغراء العربي في صوره المتعدّدة: سعاد حسني بستان الغواية

أحمد شوقي علي

"حورَّيَةٌ لَو رآها عابِدُ للها/ مَرَّت بِحارسِ بُستانٍ فَقالَ لَها/ سَرَقتِ رُمانَتَي نَهديك من شَجَري/ قالَت وَقد بَهَتَت من قَولِهِ خَجَلا/ فَتش قَميصي لكي أَن تَذهَبَ الوَجَلا/ فَهمَّ أَن يَقبض النهدين ما مَهلا/ فَصاحَ مِن وَجنَتيها الجُلَّنار عَلى قَضيب قامَتِها لا بَل هَما ثَمَري"، لعل الشاعر الدمشقي أمين الجندي (1758-1835 مـ)، لم يدر وهو يصيغ تلك الخماسية الشعرية، أنها ستصلح بعد مائتي سنة، ولعلها ستصلح للأبد، أن تقدم أدق وصف لسندريلا السينما المصرية سعاد حسني (1946-2001).

ليس المجاز الذي استخدمه الشاعر هو مصدر الجمال في الأبيات السابقة، لكن الجمال الذي رمى إليه الجندي يقبع في تلك الصورة البصرية التي غلفت الرحلة القصيرة للفتاة بين مرورها بحارس البستان وإجابتها الصاعقة على اتهامه، تلك البراءة العفية بين "فتش قميصي كي أن تذيب الوجلا" حتى "بل هما ثمري"؛ هي المجاز الشعري الذي تمخضت عنه سعاد حسني.

يمكننا ببساطة وفق هذا المفهوم الشعري، أن نصنف سعاد كفنانة إغراء من الدرجة أولى، لكنها تمتلك إغواءً من نوع خاص، ذلك الذي يستطيع أن يهز أكثر النساك تورعًا فيجعله يلقي بنفسه من خلوته بأعلى قمم الجبال تحت أقدام براءتها العفوية، فمن يستطيع أن يخذل "جلنار وجنتيها" إذ نطق ثغرها بـ "بل هما ثمري"!

فخلال مشوار السندريلا، الذي ضم 82 عملًا سينمائيا، انفلتت الغواية، من بين عينين بريئتين ملأى بالشقاوة وثغر باسم ينادي "يا حسين" – عمر الشريف في فيلم "إشاعة حب"، تلك المعزوفة الموسيقية المسرسبة من بين شفتيها هي التي تفوقت بحلاوتها على الحضور الأنثوي الطاغي لهند رستم في الفيلم نفسه، ولعلها ليست مفارقة أن يكون لعمر الشريف ردة الفعل –التمثيلية- نفسها المليئة ببلاهة الخجل والاندهاش عند سماعه "يا حسين" منها، أو عند رؤيته هند رستم لأول مرة وهي ترقص على المسرح في فيلم "صراع في النيل".

من ذلك، قد يختلط الأمر على المشاهد الذي آلف سعاد حسني، بعد انطلاقتها الهادئة في فيلمي "حسن ونعيمة" و"إشاعة حب"، فتاة شقية يحمل أداؤها مسحة تحررية، بل وأحيانا نسوية، خاصة في فيلم "خللي بالك من زوزو" الذي قدم ما يمكن اعتباره تصورًا معكوسًا لقصة سندريلا، لا تنتظر فيها البطلة "المغلوبة على أمرها" المخلص الذي سينقذها من بؤسها، وإنما تشاغله هي وتبادئه الغرام، لكن من يتعقد ذلك يغفل عما تحمله عيني سعاد من تعابير رغم نوع الدور الذي تؤديه، كما أنه يتغافل أيضًا عن تخيل التاريخ الشخصي لحورية "حارس البستان" ويكتفي –فقط- بما قد يهمه في واحد من عناصر ذلك المشهد: الخجل/ العفوية/ التحدي/ عبث الحارس بالقميص، وهم العناصر الأربع الذين يكوّنون مجتمعين إغواء السندريلا.

 

لذلك فإن المشاهد الذي يراقب فيلم "زوجتي والكلب"، بعينين قلقتين/ فاحصتين، لن يقتنع كثيرًا بمشهد اللقاء المتخيل بين "نور" –نور الشريف- و"سعاد" –سعاد حسني-،  رغم الابتذال الذي ظهرت عليه البطلة في صوت مضغها للعلكة أو الجذ على شفتها لإغواء صديق زوجها، ثم ما تلاه بعد ذلك من إثارة اللقاء الحميمي بينمها، لكن أكثر المشاهد التي ستترك في نفسه أثرًا، ولعلها أكثر ما يميز الفيلم -حتى للمشاهد المراهق-، من حيث الإغراء، هو ذلك المشهد الحميمي الذي جمعها بمحمود مرسي أثناء الاستحمام، وكل تلك الحيوية والعفوية التي تبدت بها الزوجة (الإطار البريء) في معاكسة زوجها "الريس مرسي" وانتهت بعناق وقُبل أسفل الدش.
لا نقصد من الإشارة الأخيرة، أن نقول أن هناك إطار ما بريء للإغراء، هو صاحب التأثير الأقوى، فالأمر بالنسبة إلى ظاهرة سعاد حسني أكثر اختلافًا من ذلك، لعله أكثر اقترابًا من تركيب الجملة الشعرية، الرصينة، وإنه من الطريف في الأمر أن لقب السندريلا مأخوذ من قصة كلاسيكية صاغها شاعر هو الفرنسي شارل بيرو، ولقبها به أيضًا شاعر هو صلاح جاهين، وهو الأمر الذي لم يفطن له أي ممن حاولن تقليدها أو إلصاق أنفسهم عنوة بذلك اللقب!

فالشاعر حين يبدأ في قصيدة ما، يحتفظ بصوته الأصلي في حين يتماهى مع مشاعر إنسانية عدة، وطيلة 32 عامًا هم عمر سعاد حسني في التمثيل، لم تتخل أبدًا عن "نعيمة" التي صاغها هنري بركات في ملحمة حب شعرية هي "حسن ونعيمة"، تلك الفتاة في جلبابها الريفي، والذي لا يعدم الإشارة إلى البراءة والعفوية أولا وأخيرًا ثم إلى إغواء "كشف المستور"، فهي  الصوت "نعيمة" حتى وإن كانت "ثريا" في "ثلاث رجال وامرأة"، و"سلوى" في السبع بنات"، أو "عزيزة" في "السفيرة عزيزة"، وحتى أنها لم تنس أن تكون "نعيمة" عندما واجهت رشدي أباظة في مشهد تلقيها العزاء منه في فيلم "غروب وشروق"، وهي أيضًا نعيمة عندما تلبست ثوب السندريلا "زوزو".

وكان يمكن لسعيد مرزوق، أن يجعل بطله مستمرًا في رحلة شكه في زوجته في فيلم "زوجتي والكلب"، حتى نهاية الأحداث مع إبهام موقف الزوجة، ولعل ذلك كان سيفيده بالتأكيد في أن ينقل حالة عدم اليقين تلك إلى المشاهد نفسه، لكنه أثر أن تظهر براءة "سعاد" عند لقائها بنور، فقط، حتى يحفظ لها "صوتها/ نعيمة"، ثم يضع المشاهد، أي مشاهد، في موقف حارس البستان الذي استمتع بنضارة فتاته/ حوريته في احمرار "الجلنار" في وجنتيها، ثم في عفويتها المتحدية لإثبات براءتها عندما قالت "لا"! "بل هما ثمري".

فلنفتش إذن عن صوت سعاد حسني في عينيها، وفي وسع ابتسامتها، وتناغم أكتافها مع حركة رأسها في الرقص، مسترجعين صورتها من سميحة "في إشاعة حب" حتى وفاء في "الراعي والنساء"، ثم نسجلها واحدة من أكثر الفنانات اللواتي عرفتهم السينما المصرية إغراءً

(*)ابتداء من اليوم ستنشر "المدن" سلسلة مقالات عن الاغراء ونجومه في العالم العربي، سواء في السينما أو في المجتمع، وحتى سنتطرق الى اللاغراء في بعض البلدان. هنا حلقة أولى عن سعاد حسني، وغدا حلقة عن هند رستم.

 

الأحد11/01/2015

الإغراء العربي في صوره.. الممثلة إغراء "عارية بلا خطيئة"

أحمد الخليل (دمشق)

شكلت الفنانة السورية إغراء (اسمها الحقيقي ناهد علاء الدين) في النصف الثاني من الستينيات من القرن الماضي وطوال عقدي السبعينيات والثمانينات رمزاً للإغراء في السينما السورية، ولقبت "بريجيت باردو العرب"، وكانت الأكثر جرأة في السينما العربية في تجسيد المشاهد الساخنة والإباحية(للكبار فقط) على الشاشة الكبيرة.

نضجت إغراء كممثلة في زمن "الميني جيب" العربي الذي ترافق من النهوض القومي وموجة أحلام الستينات، المطعّم بقليل من العلمانية والمصاحب لشعارات "التحرر" البراقة، وبعض الأفلام المصرية والسورية المشتركة في ذلك الزمن حوت العديد من مشاهد التعري والجنس والقبل السينمائية الطويلة، كما كان البحر أحد مواقع التصوير المفضلة لدى بعض المخرجين، لذلك كان لا بد من جذب المشاهد الى الأفلام الرومانسية بهذه المشاهد بغض النظر إن كانت ضمن سياق منطقي للأحداث والقصة أم لا، فحتى فيلم كـ"الفهد" إخراج نبيل المالح عن قصة حيدر حيدر، تضمن مشاهد تعرٍ لإغراء رغم أن القصة عن مناضل سوري (أبو علي شاهين) ضد الاستعمار الفرنسي، وكلنا يذكر مشهد إغراء وهي تستحم عارية تماماً قرب أحد شلالات الماء في منطقة الربوة بدمشق، في مشهد اباحي مع الممثل أديب قدورة، عندما يتمدد فوق جسدها وهي عارية تماماً، وفي فيلم "عروس في دمشق" كشفت اغراء صدرها أمام الكاميرا ليقوم الممثل خالد تاجا بدهنها بالكريم وهي مسترخية على الفراش...

ومشاهد الإغراء والعري كانت جزءا من "تقاليد" السينما العربية والبهارات التي لا يكتمل الفيلم إلا بها، وسبق للفنانة إغراء في بدايتها السينمائية إن قدمت مشاهد جريئة في فيلم "عاريات بلا خطيئة" وكان معها في بطولة الفيلم المطرب السوري فهد بلان، دلال الشمالي، محمد خير حلواني... وفي هذا الفيلم شهدنا أول مشهد تعرٍ جريء في السينما السورية... وصرحت إغراء للصحافة بعد انتهاء تصوير "الفهد" (1972): "عندما انتهينا من تصوير الفيلم حضر إلي في ذلك الوقت مخرج الفيلم ومدير إنتاجه من المؤسسة العامة للسينما منتجة الفيلم، وطلبوا مني تصوير هذا المشهد إنقاذاً للفيلم، ويومها لم أجد من مناص لإنقاذ هذا الفيلم، وقبلت بالتعري كاملاً...". ومن أبلغ تصريحات إغراء وأقواها قولها الشهير: "ليكن جسدي جسراً تعبرُ عليه السينما السورية..."، إذا كان الإغراء في السينما السورية وخاصة الأفلام التي عملت فيها ناهد علاء الدين (إغراء) صريحا غير موارب.

أفلام إغراء وزميلاتها المصريات مديحة كامل، نجلاء فتحي، ميرفت أمين، ناهد شريف وناهد يسري... جاءت في سياق اجتماعي وسياسي، يشجع السينما والرومانسية ومشاهد الحب وحتى العري، فقد كانت الأحزاب القومية واليسارية لها اليد الطولى في شؤون الحكم، والاستبداد السياسي الذي أنتجته الحركات اليسارية والقومية حين وصولها للحكم توازى مع  "تساهل" اجتماعي وفني لا بل وتشجيع للفنون عامة كونها تدعم بشكل غير مباشر العدة الايديولوجية للسلطات التي هيمنت في بعض الدول العربية كمصر وسورية والعراق. لذلك ليس غريبا أن يكون جسد إغراء جسرا "تحرريا" لرواد صناعة الفيلم السوري المحمي بالورم الشعاراتي القومي...

ومع تراجع بريق زمن الستينات والسبعينات وانكشاف زيف شعارات التنموية والحداثة ومناهضة الاستعمار وذوبان الثلج القومي وظهور خراب الأرض وهشاشة المجتمعات، بدأت السينما تنحو نحو المحافظة والتقية و"الخجل"، وبخاصة بعد أن امتلك التيار الديني زمام المبادرة بعد انهيار الأحلام الاشتراكية والقومية وفشل المشاريع الحداثية، حيث بدأت فتاوى التكفير والتحريم تشكل العصا المؤدبة لكل من تسول له نفسه الخروج عن "أخلاق الأمة" وطاعة أئمتها، فالفضائيات التي حلت محل البث الأرضي المحدود، شكلت منبرا للتهديد والوعي، فكان لابد للسينما من أن تتحجب بعد بضع عقود من زمن التعري (القومي) والساداتي(نسبة إلى أنور السادات)... كل ذلك ترافق مع هيمنة النمط الإسلامي وتجلياته المتعددة والذي أفرزته ثورة الخميني والتأثير الكبير المفروض على كل الفنون، ما أدى إلى تغير في الذائقة الفنية والمزاج الشعبي العام، فالانكماش المحافظ والانغلاق المعرفي والثقافي أمام الآخر المختلف و(المخيف) صار هو العنوان الأبرز في الفنون عامة والسينما خاصة. مع تكريس دور التلفزيون كحامل وكمنبر إعلامي للأيديولوجيات السائدة ونظمها السياسية... وفي حين كانت الأسرة في الستينات والسبعينات تخرج للسينما كسيران جماعي طقسي فيه دهشة ومغامرة ومتعة. أصبح مع الألفية الثالثة (الطقس) الجلوس في غرفة مغلقة أمام التلفزيون لمتابعة مسلسل "باب الحارة" وبطولات معتز وأبو عصام البهلوانية في الحي المغلق المتشح بسواد الملاية والعنتريات الماضوية.

الأعمال التركية وبعكس الأفلام السورية المعتمدة على الإغراء العاري نحت باتجاه الإيحاء الجنسي المغلف بالرومانسية والعواطف الملتهبة، حيث تكثر فيها مشاهد المقاهي على بحر مرمرة اللازوردي مع النوارس البيضاء والتأوهات والانتظار وصدمات العشاق، كما تكثر مشاهد غرف النوم والعناقات الحارة في أحضان طبيعة خلابة ساحرة، ورغم كل الفتاوى التي تحرض ضد المسلسلات التركي (فتاوى مفتي السعودية وفتاوى السيستاني...) وتعتبره كفرا وخروجا عن تقاليد المجتمع الاسلامي تهديدا لأخلاقه إلا أنه (المسلسل) بقي الوجبة الأشهى في مائدة المساء التلفزيونية، فأبطال المشاهد المفضلين وبطلاته الجميلات يأخذونه في رحلة مشوقة تؤجج المشاعر والرغبات بعيدا من مشاهد الدم والقتل ونشرات الأخبار المتحالفة مع الكوارث. وبعيدا من مسلسلات التقاليد الشعبية وبطولاتها السوبر مانية ونسائها المتلفعات بالسواد.

(*)هنا الحلقة الثالثة من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعدّدة"، بعد حلقتي "سعاد حسني" و"نساء السينما أول العشيقات"، الحلقة المقبلة عن الاغراء في اليمن.

 

الإثنين12/01/2015

الإغراء العربي في صوره المتعدّدة... حجاب اليمن و"قات"ـه وسلاحه

صنعاء - فتحي أبو النصر

ثمة عادات هي المسيطرة على ذهنية الناس في اليمن، صارت بمثابة ثقافة متأصلة تغري اليمنيين يومياً. ويمكن القول أن مضغ القات-على سبيل المثال- يتصدر اغراءات اليمنيين و"كيوفهم"، كما أن السلاح أيضاً، يمثل هاجساً إغرائياً لامتلاكه رمزية "الرجولة"، بالذات في مناطق شمال اليمن، الأشد قبلية، والأكثر تشبثاً به من بقية المناطق.

وفي بلد ذكوري شديد الشرقية كاليمن، لاعجب إذن من أن يشكل إغراء النقاب والبالطو جاذبية خاصة، غير أن الإغراء بمفهومه الجسدي الصريح، لا يمثل قيمة ظاهرية مهيمنة في ثقافة اليمنيين اليومية. ذلك أن ثقافة العيب والحرام أصل كل الأشياء هنا، وغالباً ما يجد الجسد تأثيماً وتأنيباً، إذا خرج عن المزاج السائد.

بمعنى آخر؛ تظل موضوعة الإغراء شائكة بالنسبة لمجتمع مغلق لا يستهويه الإغراء، بقدر ما يستهويه في الوقت نفسه: مجتمعٌ يقع في ازدواج الشخصية، إذ يشمئز من الجسد ويتوق له في آن.. مجتمع لا يوجد فيه مرقص واحد، ومع ذلك، فإن أبرز زيارة يقوم بها اليمني حين يكون خارج بلاده هي إلى المرقص غالباً. مجتمع في عزلته المريرة.. مجتمع محارب.. مجتمع يتحرز في خياراته الاستقلالية.. مجتمع لطيف وبارع رغم قسوته وتخلفه. مجتمع يعيش في الماضي أكثر من الحاضر.. مجتمع يراقب بعضه بعضاً.. مجتمع فقير وكادح وتحيطه كل أدوات وخطابات العنف، إلا انه رقيق ويقدس مزاجه وتوقه للحياة مهما طمرته قيم البداوة والسلفية. مجتمع عسير الفهم، وسهل الفهم جداً. مجتمع مكبل بالتابوهات الثقافية المتأصلة. مجتمع يشعر بالرغبة في التواصل مع كل جديد، ولكنه يفضل النأي عن المجاهرة بذلك. مجتمع محافظ، فيما قياسات أدوات البحث في الشبكة العنكبوتية، تؤكد انه يتصدر المجتمعات الباحثة عن العري والرقص والجنس. مجتمع يفعل كل شيء ويمارس شتى أنواع "الكيوف والاغراءات" ولكن بالسر طبعاً، أو على طريقة "إذا بليتم فاستتروا".

والحاصل أن لكل مجتمع إغراءاته الخصوصية التي يتماهى معها وتثير عواطفه وغرائزه

بل لعل الصراع الروحي والجسدي، هو الصراع الأبرز الذي يكابده شباب اليمن اليوم، وهم يشهدون المتغيرات والتحولات الرهيبة من حولهم. فالثابت أن الاختلاط بين الجنسين أكثر ما يثير التوجس بالنسبة للمجتمع اليمني. ذلك أن ثقافة القبيلة تمس أعماق اليمنيين ولها سطوة كامنة، كما أن قيم القات الذي يمضغه اليمنيون لأكثر من 8 ساعات في اليوم على الأقل- في حين تتمحور هموم بقية اليوم في تدبيره والوقوع تحت تأثيره- في خلق سبب آخر في فقدان الحس بالجديد وقيمة الزمن، ما بالكم بالإغراء

ويقول (ع.س) لـ"المدن" وهو مصور فوتوغرافي شاب، رفض ذكر اسمه أن "الإغراء يخضع لدوافع إنسانية، وهو مهم لتعزيز النزعة التحررية في أي مجتمع طبيعي يتمتع بمرونة غنية، وله إحساس عال بالجمال".

ويضيف "لكننا نضطر إلى التخلي عن تلك الدوافع في مجتمع بائس يحاصرها ويشن عليها فضيلته الزائفة، النابعة من وعيه الشحيح بالجمال أصلاً". ويتابع ساخراً "نعرف جميعاً بأنه لا يوجد أي طابع شبقي في هذه البلاد غير النزر اليسير في مولات التسوق مثلاً، ومع ذلك تفرض الرقابة الطوطمية نفسها على الذبذبات الواقعة بين الجنسين في الوعي واللاوعي للأسف".   

وتوضح (سمية) 26 عاماً، وهي تعمل خياطة ان "الفتيات يدأبن على البالطوهات الحديثة والنقاب المغري للفت النظر والتمتع بالموضة"، معتبرة انه "من الصعب فرض القيم البالية على الجيل الجديد من الفتيات،  نظراً لأنهن يتابعن احدث الموضات ويغرمن بارتدائها".

إلا أن (محمد علي) 37 عاماً، وهو متخصص في الحلي والأزياء القديمة، أكد لـ"المدن" على أن "السواح يرون في كل شيء قديم في اليمن اكبر إغراء، على عكس المجتمع الذي داوم على هذا النوع من الأزياء والحلي الفلكلورية"، مستدركاً بالقول "علينا من هذه الزاوية أن نتفكر في هذا التناقض بيننا والآخر"!

واقع الحال أن ثقافة المجتمع المكبوت تعمل على إصباغ الفكر الباطني في وعي المجتمع، بحيث لم يحدث ارتقاء للشهوات في المجتمع اليمني إلا بصعوبة، كون الانفتاح هو الطريق الأول لذلك. وحتى بين طلاب الجامعات الذين يدأبون على الشكل الحديث في الرداء والمظهر، سنجد أن الانضباط الصارم هو المتسيد في العلاقات بين الجنسين

والشاهد أن فكرة القمع تحتل مساحة كبيرة في ممارسة المؤسسة الرسمية، دينياً وقبلياً. ولطالما تم تكفير أدباء وكتاب، بسبب ورود ألفاظ جنسية في منتوجاتهم الإبداعية الشعرية أو السردية. وحتى في المدن التي كانت تتميز بنوع ما من الانفتاح كعدن وتعز والحديدة، انتشرت خلال العقود الأخيرة قيم الارتداد السلفي، حتى تم إغلاق السينمات أيضاً.

ثمة متحررات يشكلن أقلية مجتمعية ومعظمهن من النخبة المدنية، لكن ظهورهن في الشارع العام يجعله في حالة استنفار قصوى، والسبب أن عيون المارة تزيغ ناحيتهن بإفراط إلى حد الهمجية. غير أن المارة سرعان ما (يتأنسنون)، إذا جاز التعبير مع إصرار المرأة اليمنية المتحررة على فرض إرادتها غير المقيدة.

**

مقطع من قصيدة للشاعر الشاب محمد الحريبي عن الاغراء

"حدثيني عن الموسيقى ...

عن آخرِ ألبومِ صدر

وعن فستان "اليسا" في كليبها الأخير

قولي لي أي شيء!!!

وإن سألتُكِ عن البلد قولي أنها منشغلةً بحفلةِ رأس السنة

وأنها بخير!!

أما إن أرتطمت عيناي بجثةٍ ما فقولي أنهم يصورون فلمٍ عن الحرب

وإن سألتُكِ عن الحرب قولي أنها أنجبت عاشقانِ وماتت

وأسردي لي النكات

كل النكاتِ التي مرت عليك أسرديها

وزمليني بأُحبكَ

أحبكَ سميكة

زمليني بها 

ولا تنامي جانبي!"

(*) بعد حلقات "سعاد حسني" و"نجمات السينما اول العاشقات" و"اغراء السورية، هنا الحلقة الرابعة من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعددّة"، وهي عن اللاغراء في اليمن.  

 

السبت10/01/2015

الإغراء العربي في صوره المتعدّدة...نساء السينما أول العشيقات

حسن داوود

 

كان ينبغي أن أتأخّر، أي أن أتقدّم سنوات في العمر، حتى أصير أفهم ما هي هند رستم. في الصغر، أقصد في صغرنا نحن الذين كنا نشاهد الأفلام العربيّة طازجة، أي في عروضها الأولى على الشاشات، كنّا نحبّ شادية. لم أعد أذكر الآن ما الذي كنا نحبّه فيها إذ يصعب عليّ الآن أن أستعيد ما كان يجذبني إلى امرأة وأنا في عمر العاشرة أو الحادية عشرة. لكنّ ذلك كان حبّا حقيقيا، وإن مبكّرا. من سينما "عايدة" التي كانت قرب بيتنا كان عليّ أن أكتفي بالتفرّج على صور الفيلم معلّقة خلف الواجهة الزجاجية، هناك في مدخل السينما المفتوح على الطريق. وفي ذات يوم، فيما أنا واقف أتفرّج، قال لي صبيّ وقف بجانبي أنّه حضر الفيلم وأنّ شادية تموت في آخره. ليس الحزن أو الأسى ذلك الذي أصابني، بل شعور أوّل بإحساس جنسي طلع من مكان لم أكن أعرف أنّه موجود فيّ. "أكيد ماتت؟" سألته، فأجابني أنها ماتت، وذلك بانكسار أدركت معه أنّ ما حصل لي حصل له هو أيضا

"ممنوع الأفلام العربية"، كان يقول أبي، جاعلا إيّاي، منذ ذلك الحين وحتى الآن، أتساءل عن ذلك الحظر غير المفهوم. ففي الأفلام الأميركية تظهر النساء أكثر عريا كما تستغرق القبلة وقتا أطول، وفيها تلتصق الشفاه بالشفاه التصاقا حقيقياً. ربما هناك جواب على ذلك، وقد توصّلتُ إليها متأخّرا، وهو أنّ الأمر يتعلّق بأبي نفسه، إذ كانت تثيره الممثّلات العربيات أكثر من سواهنّ ربما. وهنا، إذ يخطر لي ذلك، أراني متذكّرا ماجدة، صوت ماجدة خصوصا، المرتجف المتوسّل الشاكي والذي، بعد أن تنتهي من نطقه، سينتهي بها الحال إلى أن تتهاوى فاقدة القدرة على تحمّل هشاشتها الأنثوية الفائضة.

لا أهمّية لماجدة من دون صوتها، إذ أنها تنجح به حيث يفشل أداؤها الجسماني. أو لنقل إن صوتها هو الطريق إليها، وجها وجسما. أما فاتن حمامة فوجهها جميل إلى حدّ استبعاده أيّ احتمال للإثارة. هي وجه فقط. أقصد أنها وجه من دون جسم. صحيح أننا شاهدناها تركض هناك في العزبة هاربة بعد الصفعة التي تلقّتها من عمر الشريف في فيلم سيّدة القصر، لكن ذلك لم ينحرف، وإن قليلا، عن اعتبارنا أنها تركض هاربة من عمر الشريف. ثمّ أن ذلك اللقب الذي أعطي لها: "سيّدة الشاشة" ألا يحثّنا على استبعاد أية أفكار غير محترمة قد تراودنا؟

أما هدى سلطان فمؤكّد نفاذ إغرائها على رجل مثل أبي. ربما مشهدها مستلقية على السرير، عارية الزند قبل لحظة من دخول الشرّير محمود المليجي إلى غرفتها. ثم صوتها هي أيضا، بحّة صوتها. وقامتها الكبيرة التي كان يحبّها أهل ذلك الزمان.

إذن، لمرحلة ما قبل البلوغ، كانت شادية هي العشيقة الوهمية الأولى. هند رستم كان عليها أن تنتظر. أو كان عليه هو، صبيّ السينما، أن ينتظر. ليس سنة أو سنتين، أو عشر سنين، أو حتى أكثر. بل أن يقيم في الإنتظار حتى تأتي، مفاجئة، تلك اللحظة. أو ربما لن تأتي أبدا، ما دام أن الطفل الذي في كلّ واحد منا يظل موكلا هند رستم إلى الرجال الكبار، أصحاب التجارب. إذن كان علينا تأجيل هند رستم إلى وقت سيداوم على تأخّره. أي أنّه قد لا يأتي أبدا. حتى الآن، بعد أن طوينا صفحة التعلّق بالسينما العربية، ما زلت لم أصل بعد. أقصد إلى صورة الرجل الرجل الذي أحسبه الرجل المناسب، القادر على التفاهم مع كلّ ذاك الإغراء.

(*) هذه الحلقة الثانية من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعدّدة"، بعد الحلقة الأولى عن سعاد حسني، غدا حلقة ثالثة عن الفنانة السورية اغراء.          

 

الثلاثاء13/01/2015

الإغراء العربي المنقوص

أحمد زعزع

استهوتني الأفلام والموسيقى الغربية في فترة المراهقة وأحسب أنها أبعدتني عن متابعة الأفلام العربية التي خلتها مضيعة للوقت، باستثناء الكوميدية منها بطبيعة الحال. لذا، فاتني التأمل في مكونات الإغراء المدسوسة بذكاء، كما اكتشفت في ما بعد، في أفلام عربية كثيرة

كنت في مراهقتي أقلّد أصوات الضحكات الأنثوية الخليعة في البارات القاهرية، والمشاهد الكليشيهاتية الفاقعة في الريف المصري، وطريقة وقوف الممثلين الغريبة في مواجهة الكاميرا بحيث يدير الممثل ظهره للآخر عند الحديث معه أو معها، وكنت أحفظ مع أخواتي مقاطع كاملة من حوارات إسماعيل ياسين وتوفيق الدقن ومحمود المليجي وماري منيب وعادل أدهم وغيرهم لنعيدها مرارا أمام والدتي، رحمها الله، التي شجّعت فينا الميل إلى السخرية والإضحاك والتقليد. من أين لي أن أجد، حينها، الإغراء في الأفلام العربية التي كنا نشاهدها؟ في صوت ماجدة المبحوح والمجروح والذي تطلقه غالبا وهي جالسة وتنظر راجية إلى الرجل الواقف فوقها بتسلّط ذكوري ما يدفعك إلى الرغبة العارمة في خنقها وكسر عنقها لإسكات هذه البحة الملحّة؟ ام في صرامة وجدية فاتن حمامة التي تذكرك بالخالة والعمة ومديرة المدرسة التي تطلب الإحترام الرصين وتفرضه ولا تسمح بغيره في المخاطبة؟ أم في برودة وجمود ميرفت أمين وشمس البارودي اللتين وإن لبستا القصير والمكشوف والمايوه إلا ان شيئا ما في قسماتهن الجامدة كان يوحي بإنفصالهن وترفعهن عما يؤدّين؟ أحسب أنني، منذ سن المراهقة، أقيم الوزن الأكبر في مشاهد الإغراء لتعابير الوجه وليس لقصر الثياب أو ضيقها أو تهتّكها. لا بديل عن نظرة العيون التي وحدها تثير الخيال وتشعل الأحاسيس و تخرج المكنون.

في مقابل العري المثير والقبل الملتهبة في الأفلام الأجنبية، كانت مشاهد الإغراء في الأفلام العربية، وهنا أتكلم بشكل عام عن الأفلام التجارية المتاحة حينها وأستثني الأعمال الطليعية والتجريبية والجادة بالطبع، لا تثير فينا سوى الضحك والقهقهة حينذاك، إذ كان يصعب غض النظر عن فجاجة الملابس ورداءة التمثيل وركاكة الديكورات وطغيان شريط الموسيقى المكرر إلى حد الغثيان. ربما لم يُتح لي كل ذلك أن "أقبض" الإغراء العربي وأن أصدّقه ولو للحظة.

الفيلم العربي الوحيد الذي خرجت منه غاضبا قبل أن ينتهي كان فيلم "بمبة كشر" لناديا الجندي الذي رافقت إليه الوالدة، رحمها الله، إلى سينما هيلتون في صيدا. بين طقطقة البزر والحديث النسوي بصوت عال وغلاظة أداء الجندي وتفاهة دورها لم أستطع البقاء إلى النهاية. منذ ذلك اليوم، آليت على نفسي ألا أخرج أبدا من أي فيلم أتورّط بمشاهدته مهما بلغت رداءته وتفاهته، بل أبقى إلى النهاية لأستطيع أن أقول أنني شاهدته كاملا وتحمّلت غلاظته كاملة

على العكس من ذلك، كنت شديد التأثر بالأفلام الإيطالية والفرنسية المغرية الأكثر إقناعا وواقعية بأماكنها وشخصياتها وحكاياتها. من مشاهد الإغراء الأجنبية التي لا تنسى، أذكر بشكل خاص أدوار الممثلة الإيطالية لورا أنطونيللي التي يُخفي شكلها الأقرب إلى العادية لهيب الإغراء وصهيل الجنس والدعوة المعلنة إلى المجون من العيون والنظرات بلا أي مجهود، والتي لعبت أمام مارسيللو ماستروياني في أحد الأفلام في دور زوجة خائنة، على ما أذكر، ليراقبها تستقبل عشاقها من نافذة مقابلة، ثم يخونها مارسيللو ماستروياني بدوره مع صبايا جميلات. أي فيلم عربي كان بإمكانه منافسة مشاهد كهذه؟ أي فيلم عربي يستطيع منافسة لورا أنطونيللي وهي تستعرض مفاتن جسدها الساحرة بتلكؤ قاتل أمام مراهق غرّ يتلصّص عليها من سقيفة عالية وهو يتصبّب عرقا وحسرة وإرتباكا؟ أكثر بكثير من سيلفيا كريستيل، بطلة أفلام سلسلة "إيمانويل" الإباحية الناعمة، التي تنضح أناقة بفرنسيتها وتكوينها الأوروبيين، كانت لورا أنطونيللي تبدو، بتقاطيعها العادية المتوسطية وشعرها المجعد، أقرب إلى إبنة الجيران الطيبة والمحتفظة بمسحة براءة ظاهرة حتى وهي تخلع ثيابها وتتلوى متلذذة بعذاب العيون المتلصصة. كانت لورا تبدو مرتبكة وخجولة بأنثويتها الطاغية، على عكس سيلفيا التي تدرك تماما جاذبيتها وأناقة جمالها بحيث تبدو عصية ومتكبرة وخارقة التوهج وبعيدة بشكل فلكي. سيلفيا لا تحتاج المتفرج لأنها تعلم أنها تسيطر عليه بالكامل. أما لورا فتستجدي عطفه لأنها تشاركه الحيرة والإرتباك والتعثر. هي تكتشف جسده وأحاسيسه معه. هذا الإلتباس وراء غلاف الطيبة الرقيق هو في أساس الإغراء الساحق والماحق الذي مارسته لورا على أبناء جيلي على ما أظن. أين أنت يا لورا وآه لو تعلمين ماذا فعلت بنا. ويلي لو يدرون ويلي.

(*) الحلقة الخامسة من ملف "الإغراء العربي في صوره المتعدّدة"، بعد "سعاد حسني" لأحمد شوقي علي، "ونجمات السينما اول العشيقات" لحسن داوود، و"اغراء السورية" لأحمد الخليل، و"لا اغراء في اليمن" فتحي ابو النصر، هنا حلقة في تفضيل الاغراء الأجنبي لأحمد زعرع.

 

الأربعاء14/01/2015

الإغراء العربي في صوره المتعدّدة... في مديح نساء الإعلانات

محمد أبي سمرا

من لون حبة كرز نبيذية وشكلها، ولدت رغبتُه المراهقة، فيما هو يحمل حبّة الكرز تلك، الى مدرسته، ليقدمها الى تلميذة اسمها مريم، هام بها وباسمها على مقاعد الدراسة في صف السرتفيكا. ضدّاً للقسوة والعنف في حياته البيتية والمدرسية، ولدت رغبتُه المراهقة، المتخيلة المفارقة. كان من فتيان المراهقة المديدة وشبانها في بيروت النصف الثاني من ستينات القرن العشرين والنصف الاول من سبعيناته، قبل أن يأخذهم نداء الحرب لاستكمال تيههم في صحراء تلك المراهقة المديدة.

في تلك الصحراء كانت البنات هاجساً وثنياً أو شبه دينيّ، لهروبٍ وخلاصٍ مستحيلين. كان الدين الوثني الجديد - وهو ما سيعلم أولئك الهاربون، لاحقا، أنه ما يسمى الحداثة - قد وَلَّدَ رغبة عمياء للهروب من الولادة من أمهات قديمات، عديمات الأنوثة، كالحياة البيتية والأسرية

حبة الكرز النبيذية الانثوية تلك، لم تكن للأكل، بل للزينة  والترف والاناقة. وهذه مؤنثة وأنثوية كلها، ضداً للامهات في حركاتهن وأزيائهن وكلماتهن، وفي حضورهن ووجودهن كله. صحراء المراهقة المديدة، دينُها والتيهُ الوثني فيها، من صنائع حداثة وتحديث بصري وشكلاني، مَدارهما ومِدادَهما البنات والنساء في حضورهن الأنثوي، والتعلّق بهنّ، في محاولة مستميتة للولادة الجديدة منهن، من أنوثتهن المحدثة الرقيقة المترفة.

التائهون في صحراء تلك المراهقة، كان توقُهم الى الحداثة الأنثوية المترفة ينطوي على رغبتهم في الولادة من نساء عذراوات، يغدقن عليهم الأمومة التي أغدقتها مريم العذراء على يسوع المسيح. أمومة هي مزيج غامض من لون الكرز النبيذي والزرقة البحرية والضوء القمري واسود الليل والنجوم. مزيج غامض من الطمأنينة الطفلية البلا جنس ومن دم الأنوثة الزهري الذي يدهم البنات عند بلوغهن.

إنه دم البلوغ الزهري الذي روت امرأة دمشقية أن أمها، مع نسوة من قريباتها وجيرانها في الحارة، أقمن له في بيت أهلها احتفالاً أحرقن فيه زغب عانتها والجلد تحته، بملعقة كبيرة من حديد متجمّر يستعمل لتحريك البن الأخضر في أثناء تحميصه في البيوت.

******

في صحراء مراهقتنا المديدة، قبل أن نبيعها للحرب في بيروت، عبدنا صور نساء الإعلانات، وكلمات شعرية وأدبية صنعنا منها البوماً للصور، وعبدنا أيضا أصواتاً رصّعنا بها الصور. هي الصور، ولا شيء غير الصور، ما صنعت رغباتنا ومخيلاتنا العاطفية والجنسية المحدثة ضدّ أمهات ولدن قديمات مسنات في زمن دهري يجهل الصور والمرايا. أمهات بلا أنوثة ولا مرايا، قاسيات على اطفالهن قسوتهن على أنفسهن. وحدها الصور والمرايا تصنع الأنوثة المحدثة التي تهنا توقاً لامتلاكها في صحراء مراهقتنا المديدة.

"متنا غرقاً في أحلام اليقظة. متنا غرقاً في غربتنا حول الشمس. هل رأت التلميذة ذات المريول الازرق جمجمتي بين الحفريات". هذا ما كتبه الشاعر حسن عبدالله في قصيدة له عن "صيدا". كنا، نحن التائهين في صحراء مراهقتنا المديدة، نقرأ هذه القصيدة وسواها من أمثالها، كأنها إنجيلنا اليومي لعبادة الصور:

صورٌ فوتوغرافية بالأسود والأبيض الضوئي والرمادي، ثم بالألوان الطبيعية، لفتيات ونساء إعلانات على صفحات مجلات فنيّة ونسائية وترفيهية، وعلى الشاشات التلفزيونية والسينمائية.

كلمات على صفحات كتب، تبعثُ في مخيلاتنا الوليدة من الحداثة الأنثوية، صوراً، ظلالَ صور بعيدة نائية، وتفتقد الحسيّة البصرية الملونة المترفة لنساء وفتيات الإعلانات.

أصوات لمغنيات ومغنين لا تنشر كلماتها المغنّاة في أسماعنا سوى صورٍ لنساء كنساء الإعلانات.

هن نساء الصور إذاً، أوثان شهواتنا في صحراء مراهقتنا السرابية المديدة التي ولّدت مخيلاتنا ورغباتنا وحداثتنا وكلماتها المنتشية نشوة مثليّة بالفتيات والنساء من حولنا: بسفورهن، بأزيائهن على أجسامهن وجلودهن، بتنانيرهن وفساتينهن المنحسر قماشها الماجن الأنيق عن سيقانهن، عن وبر سيقانهن، عن أعالي صدورهن. بثيابهن كلها خالية من أجسامهن على حبال الغسيل، في العتمة الباردة في خزائنهن البيتية، خلف زجاج الفيترينات المشعّة بالأضواء المسائية على الأرصفة.

امرأة دم البلوغ الزهري المحترق مع زغب الأنوثة والجلد تحته في مراهقتها الدمشقية، روت أيضاً أنها في نضوجها النسوي البيروتي، لم تلبس بناطيل الجينز سوى مرات قليلة. أهملتها شوقاً الى عري ساقيها وتلامس فخذيها التلقائي تحت الفساتين والتنانير التي يتلاعب الهواء بقماشها الرقيق. كأنما من ذلك العري الخفيّ، الماجن المترف، أخذت تطلع ضحكاتها المقهقهة في مجون تلقائي طائش. مجون لا تدري إن كان ينطوي على أثر من انبهارها بمشهد مارلين مونرو في صورة لها شهيرة، حينما فُوجئت بطيران فستانها الأبيض الفضفاض عالياً كفراشةٍ في الهواء وسط الشارع. هذا، فيما هي، مارلين مونرو، تتدارك بيديها عري فخذيها الفاتن كضحكاتها الاستعراضية الخجولة الماكرة التي لا يعلم أحد إن كانت طالعة من عريها العلني في الشارع، أم من تعرّض عريها لعدسة الكاميرا الإعلانية.

******

فتيان وشبان المراهقة المديدة في ستينات بيروت وسبعيناتها من القرن العشرين، في كهولاتهم يتجرّؤون على مديح نساء الإعلانات المغفلات المجهولات، توقاً الى حداثة وثنيّة وصورية لا تزال بيروت تحتفي بها، بالرغم من اكتهال حداثتها التي هيهات أن تتجاوز استعراض الأزياء والسيارات.

ألا فلنحتفي بهذه الحداثة تداركاً لقسوة الذكورة العمياء الزاحفة من الصحراء القريبة.

(*)هنا الحلقة السادسة من ملف"الإغراء العربي في صوره المتعددة".

 

الخميس15/01/2015

الإغراء العربي في صوره: أسمهان الحارقة مُرتاحة الضمير

هشام أصلان

بمرارة العشيق المكلوم، يختتم محمد التابعي كتاباً فاتناً عن حياة أسمهان: ".. وأحسست أن شيئا ما وقف في حلقي! ولكني استطعت أن أحبس الدمع وأقول من يدري!! 

كنت أعرف وأنا في طريقي إلى السيارة التي ستقلني إلى محطة "اللدّ" ومنها إلى مصر، كنت أعرف أنني صافحت آمال الأطرش لآخر مرة، ووقفت أمامها وجها لوجه لآخر مرة، وأنني لن ألقاها بعد اليوم". 

**

احتجت وقتا طويلا لأفهم، كيف لهذه المرأة أن تثير رجلاً أو تصير معشوقة، كيف لها صناعة هالة الجاذبية هذه حولها، وكهربة كل من يتجرأ ويقترب. وأنا الذي لم أكن أقتنع، أبدا، بكلام الرصناء عن أثر حلاوة الصوت والطرب بوصفهما سحرا بين رجل وامرأة، أو الارتكان إلى الحضور الشخصي بوصفه مكملا قويا للأنوثة. الحاسة الجنسية لا علاقة لها بكلام مثل هذا.

هكذا تساءلت، وأنا أتأمل صورة ملونة لأسمهان تحتل غلاف كتاب محمد التابعي، واحترت في تلك السيدة التي لا أراها جميلة، بعكس كل من تعامل معها.

بياض شاحب، وشفاه لا أتصورها بارعة في التقبيل، أو قابلة حتى، للاستسلام بين شفتي رجل، وفي الداخل بعض الصور لجسد محدود، ومتواضع.

استوقفني، بنفس المنطق، كلام الروائي حسن داوود في مقاله ضمن هذه السلسلة، حول تأخره في فهم هند رستم، التي هي وسيط مباشر، في تصوري، للإثارة، بإمكانات جسدية وصوتية، وتعبيرات مطلوقة على "الرايح والجاي". 

**

"لا تخدع نفسك في أمرها. إنها لا تحبك، لأنها ما أحبت رجلا في عمرها، ولن تحب صدقني فأنا أعرف الناس بإيملي". تقولها أم أسمهان لمحمد التابعي، في محاولة لإنقاذه من ابنتها، حارقة الرجال

**

في مراحل أخرى من العمر، يدرك الواحد، أن الفُجر والسفور الذي تفتقده ملامحها، يضفي جلالاً كبيرا على استسلامها لرجل. هو هذا الإغراء القاسي لسيدة يبدو عليها التحفظ، عندما تلمع عيناها لأحدهم، ولو ظن هذا الرجل أنه الفائز بها، تلسعه نارها، كم تلسع رجلاً تلو الآخر بضمير مرتاح

توليفة نادرة التحقق. وهي من جانب آخر، تعكس المنطق الجدلي، حول قلب الرجل واتساعه أحيانا لأكثر من علاقة، تلك الصفة الذكورية، التي تستاء منها النساء، لكنها تجعلهن ضعيفات أمام هذا الـدونجوان. تتضاعف أثر هذه الصفة عندما تتسم بها امرأة، تلهو بالحياة والرجال دون انكسار، ربما لأنها انكسرت مبكرا ذات مرة. ولو حدث وحالفك الحظ، سوف تفوز، على الأكثر، بمعزّة خاصة، لكنك لن تستطيع امتلاكها. هذا النوع من النساء الذي تتحول لديه صفات السلب إلى أدوات للجاذبية، وتصير أمورا مثل الكذب واللوع وعدم الالتزام إلى طاقات شاحنة للمغناطيس الذي ترتديه. هي تلك السيدة التي تضع رأسها على كتفك، وتحك قدمها في قدم الجالس أمامك، ثم تختار بينكما غير ملتفتة لعتابك البارد، لأنها أدركت أنك تحت سيطرة كاملة

هذا وهي مجرد سيدة، فما بالك بكونها النجمة الأكثر إثارة للجدل بين فنانات العرب، من ميلادها على السفينة التي هربت بوالدها من تركيا، مرورا بعلاقاتها المتعددة وزواجها من أشهر رجال الفن والصحافة والسياسة، إلى وفاتها المريبة، والكلام عن علاقتها بأعمال المخابرات، ومكانتها بين مطربات العرب، لدرجة مبالغة البعض بتصورهم أن وفاتها المبكرة جاءت إنقاذا لمطربات بحجم أم كلثوم وليلى مراد

**

أنت كرجل، لن تستطيع مقاومة المحاولة مع فتاة، يقولون لك إنها لا تحب الغناء أمام السيدات، وكمتلقٍ تحب الحياة، يليق بك امرأة أحبها أحمد حسنين باشا

يقول البعض، إن كتاب التابعي حمل سطورا ماكرة للانتقام من السيدة التي أتعبه حبها، فمرّر كلاما حول حياة لاهية وعشق للشراب، غير أنني أرى في سطور التابعي تخليدا لامرأة تستحق الأسطورة، حتى وإن كانت، بتعبيره، لا تستطيع رؤية الكأس فارغة، ولا تستطيع رؤيتها ممتلة. بل حتى ولو لم تمتلك وجه أو جسد سولاف فواخرجي

فقط، لو كنت تستطيع، عليك الهروب من وجهها في وجه كل نساء فيينا، لو حالفك الحظ وقضيت هناك بعض الأيام.

(*) هنا الحلقة السابعة من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعدّدة"...

 

الجمعة16/01/2015

الإغراء العربي في صوره... جورجينا رزق ذلك الجمال الناجز

محمد حجيري

حتى الآن، برغم مرور أكثر من أربعة عقود على فوز اللبنانية جورجينا رزق بلقب ملكة جمال الكون (1971)، ما زالت "مضرب مثل" في الجمال. "مفكرني جورجينا رزق"، تنقل امرأة عن شخص يحبّها، كأن الحب يجعل المحبوب في مرتبة الملكات، "ربما احقق ما حققته جورجينا رزق"، تقول احدى الفائزات بلقب ملكة جمال لبنان، كأن الهدف أو الحلم الأسمى لفتيات الجمال في لبنان هو تجاوز لقب جورجينا التي وصلت الى الذروة.

 

جورجينا "الأمثولة" الجمالية - المديائية، التي كرمتها الجمهورية اللبنانية ذات يوم بطابع بريدي فلكلوري، يصف سمير قصير لحظات فوزها بلقبها العالمي في كتاب "تاريخ بيروت" قائلا: "تابعت بيروت عبر التلفزيون تتويج ملكتها (على عرش الجمال). في ذلك المساء، وعلى بعد ألوف الكيلومترات من ضفاف المتوسط، كانت ميامي تنصّب اللبنانية جورجينا رزق ملكة جمال الكون لعام 1971. في بلدان اخرى أيضا، كان لحدث مماثل ان يحتل صدارة الصفحات الأولى لكن سرعان ما كان انتقل الاهتمام الى أمور اخرى. أما هنا، فان التعطش للاعتراف، الذي كان يضخّم من أي انجاز يحرزه لبناني خارج الوطن، جعل من تلك السهرة أكثر من لحظة نشوة، حتى بدت تجسيداً لحلم في العالمية، وإن يكن محصوراً في دائرة الخفّة المنظمة. وكأن تتويج فتاة من بيروت جاء يكافئ، في أعين مواطنيها، هذا الجهد المديد الذي حدا بهم لعقود خلت إلى العيش على إيقاع الغرب في مختلف الميادين، من أكثرها جدية الى أسخفها". لحظة النشوة ما زلت ماثلة بقوة في كل شيء في لبنان، تظهر في كل شيء، والتعطش للاعتراف ما زال الهدف الأبرز والملتبس للبنانيين، خصوصاً في مرحلة الفايسبوك

عادت جورجينا الى لبنان منتصرة ومبتسمة. استقبلها موكب من سيارات الحكومة اللبنانية. شبه أحد المراقبين فوزها بالنسبة إلى العرب كعودتهم الى "بوابات فيينا". يقال أن فندق السان جورج الشهير في بيروت خصص لها غرفة بمواصفات خيالية، اذ طليت مقابض أبوابها وحنفياتها بالذهب الخالص كما حمل باب الغرفة الرئيسي الحرفين الأولين من اسمها اللذين كتبا أيضا بأحرف ذهبية. كان الجميع يريد التعرف إلى الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل والعينين الخضراوين والفم الكبير والجسد "الأسطوري". حتى جيمي كارتر، حاكم ولاية جورجيا قبل أن يصبح رئيساً. تحققت أمنيته وظهرت صورة له مع الملكة بفستان سهرة اسود عاري الكتفين.

كثرت الشائعات المرافقة لهذا الفوز، ذهب بعضهم الى التلميح بأن فوزها كان نتيجة تنسيق وتنظيم من وكالة الاستخبارات الاميركية او وكالات اخرى بغية استرضاء سياسي للعرب. يكتب احدهم "في سنوات انحسار المد القومي وبدء المد الإسلامي وبعيد النكسة (1967) بقليل توجت جورجينا رزق بلقب ملكة جمال الكون". بينما يروي الكاتب فؤاد الهاشم: "كنت في سن الثامنة عشرة حين فازت الحسناء اللذيذة جورجينا رزق بلقب ملكة جمال الكون فانتشرت صورها على أغلفة كل مجلات العالم وصحفها، واصبحت مجلة "الشبكة" توزع أكثر من الجرائد الخليجية في دول الخليج

جورجينا كانت شغفنا في الطفولة. ان نتأمل جورجينا في افلامها "السياحية" - التجارية الرديئة، أو أفلام البحر والمايوه، كانت فسحة "أمل" للكثير للبصبصة الشبابية، وفسحة شاعرية للتعويض عن الكبت في مراحل ما قبل ظهور الفضائيات. جورجينا الجميلة كانت جديرة بأن تكون نجمة لمجتمع الفرجة، استغل "جهابذة" الانتاج السينمائي شهرتها، ومنحوها البطولة في بعض الأعمال، منها فيلم "غيتار الحب" مع صباح وعمر خورشيد، حيث جسدت في هذا الفيلم دوراً جريئاً، وأثار الفيلم ضجة شديدة بسبب احتوائه على عدد من المشاهد يقال إنها "جريئة"، لم تكن السينما تريد نجومية جورجينا فحسب، بل تريدها بثياب البحر، كانت مشاهد عريها كافية للتغطية على فشلها في التمثيل، ولجذب أكبر عدد من الجمهور في مرحلة كانت السينما الشباك تعتاش على شهرة نجمة جميلة أو راقصة ساحرة. مثلت جورجينا مع المخرج عاطف سالم في فيلمين هما "باي باي يا حلوة" مع رشدي أباظة ومحمد عوض، ثم فيلمها الأشهر "الملكة وأنا " مع محرم فؤاد. وعلى الرغم من قيامها بأدوار البطولة في الأعمال التي شاركت فيها، إلا أنها لم تستطع أن تثبت نفسها سينمائيا، لم تعد صورتها اكثر من نوستالجيا جميلة من دون اغواء.

جمال جورجينا كان يغوي السياسيين والعسكر، فعدا عن اعجاب جيمي كارتر بها، كتب عنها وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس كتاب شعر سماه "تراتيل" قائلاً: "الى قيصرة الجمال في القرن العشرين جورجينا رزق أرفع هذه التراتيل". وكان طلاس استقبلها في تشرين 1982 في مكتبه في حين كان العالم منشغلاً بتداعيات الاجتياح الاسرائيلي للبنان، كأن وهج صاحب الجسد الأسطوري أقوى من النكسات والهزائم. قبل ذلك أصبحت جورجينا مأخذاً على بعض "الثوريين" فقد تزوجت ابو علي حسن سلامة "الأمير الأحمر" مسؤول أمن ياسر عرفات، صاحب الجسد الرياضي الذي كان معشوق النساء في بيروت، بصيته واسمه، وقد اغتالته اسرائيل عام  1979. أما الاعلامي المصري مفيد فوزي فكان له نظرة اخرى الى جورجينا والجميلات قائلا "لا توجد امرأة قبيحة، فكل امرأة تنطوى على نسبة ما من الجمال وتحتاج لإبرازها ولن يتأتى هذا إلا بوجود الذكاء. إن الذكاء كفيل بإضافة جمال غير منظور للمرأة. وإن خالفني فى هذا المنطق بطرس غالي الكبير لأنه يرى أن الجميلة الغبية، يغفر جمالها هذا الغباء المستوطن، وقد فتنت يوما بجورجينا رزق ملكة الكون وقابلتها فى لبنان ورحت أسألها أسئلة عامة وأحزنتني إجاباتها حينئذ. وقلت لنفسي سرا: كيف هذا الجمال الأسطوري يخاصم الذكاء؟! وقد غضبت يومئذ جورجينا رزق وقالت "فاكرني سعيد عقل؟". أنا لم أسأل جورجينا عن أصل الكون ولكني سألتها عن أصل "شجرة الأرز" عنوان لبنان. أحسب أن كلام فوزي فيه نوع من التنميط، الشعبوي والثقافوي الركيك، فليس بالضرورة ان يرتبط الجمال بالذكاء او العكس، وليس بالضرورة محاكمة الآخرين من منظور ثقافوي...

جورجينا الحسناء شاهدة على مرحلة الخراب في السبعينات. مرحلة الاحلام الوردية وتحطمها في لبنان، هي صاحبة الجمال الأسطوري ولم تكن نجمة اغراء برغم ظهورها بالمايوه، لم تصل الى مستوى هند رستم أو سعاد حسني، ربما كانت تحتاج مخرجاً يعرف كيف يبرز مكامن الاغراء فيها لا العري والمايوه، بقيت جسداً بجمال خالص، ربما يندر أن نجده اليوم، او يندر أن يكرره الزمن، أو هي جميلة "أيام زمان" بحسب التعبير الممجوج، وربما تكون مجرد نموذج جمالي في بلد يتعطش للنوادر.

(*) هنا الحلقة الثامنة من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعدّدة"...

 

الثلاثاء20/01/2015

الإغراء الكردي: هوليا أوفشار.. أو "شيركو" مكان حسين فهمي

مروان علي

دخلت مكتبة دار "اللواء" لمساعدة خالي حواس في ترتيب حمولته من الصحف والمجلات وكتب الجيب التي كان يبيعها في مدينة الرميلان. هنا، في هذه المدينة، كان بعض الخبراء من روسيا وبلغاريا وكوريا وسوريا، وعدد كبير من العمال والموظفين وحتى الجنود الذين ظهروا فجأة بعد أحداث حماة في بداية الثمانينات، لحماية المنشآت النفطية الذاهبة مداخيلها الى القصر الجمهوري مباشرة، بحسب ما كنا نسمع من بعض المعارضين الصغار.

بين المجلات الأنيقة، "الشبكة" و"الموعد" و"سمر" و"هنا دمشق"... بنات جميلات ومثيرات في تنانير قصيرة وجينز ضيق يكشف أكثر من تفاصيل الجسد الشهي، ذلك الجسد الذي كنا نراه في أفلام نجلاء فتحي وميرفت أمين وسهير رمزي ومديحة كامل وبوسي ومعالي زايد وسعاد حسني ونبيلة عبيد وناديا الجندي

أفلام كنا نعيد إخراجها ثانية، خلف البيوت الطينية البعيدة وتحت أشجار التوت قرب الحدود التركية. نرمي البطل بعيداً، حسين فهمي أو رشدي أباظة أو نور الشريف أو فاروق الفيشاوي أو صلاح السعدني، ليصبح الفيلم الجديد من بطولة "ميرفت أمين ومروان علي" أو "سهير رمزي وشيركو" أو "نجلاء فتحي ونص الدنيا".. أو "سميرة توفيق وعمي جميلو"..."نبيلة عبيد وحزنيكي".. لدينا أفلامنا ولدينا بطلاتنا ولدينا أبطالنا وقصص حب لن تنتهي ابداً.

كانت مكتبة أنيس حنا مديواية، نافذتنا على عوالم سرية شهية ولذيذة... وإذا كانت المجلات اللبنانية لم تشبع نهمنا بسبب الرقابة الشديدة التي كانت تفرضها وزارة الاعلام السورية، كانت الجرائد التركية الآتية من الطرف الآخر تفعل ذلك. من مدينة نصيبين التي لا تفصلها عن القامشلي سوى أسلاك شائكة، وعدد قليل من الجندرمة، الذين كانوا المصدر الرئيسي لنا من الجرائد التركية والتي سنرى في صفحاتها الاخيرة صوراً عارية تماماً لنجمة تركيا الأولى هوليا أوفشار.. وسنعرف بعد سنوات انها كردية!

قبل ذلك، كان الرجال الكرد في القامشلي يتحدثون عن المغنية الكردية عيشه شان، التي تشرب الويسكي وترقص وتغني في كازينوهات ديار بكر وماردين واسطنبول... وتحدث كثيرون عن علاقتها بالمغني الكردي المعروف محمد عارف جزراوي، الذي غنى كثيراً عن نهود الكرديات ورائحة أجسادهن وتلك السيقان البيضاء والأرداف المكتنزة.. تلك الاغنيات التي كانت تثير لعاب الرجال الكرد وهم يسهرون في ليالي الشتاء الطويلة. لاحقا انشغلت الأوساط الكردية بمغنية تدعى هيلي لوف، وإسمها الحقيقي هيلين عبد الله، وقيل انها هددت بالقتل بسبب لباسها القصير ورقصها المثير.

هكذا، فإن "الجيل الجديد، وبنات مكتبة أنيس حنا مديواية، كان يجد ضالته في شارع القوتلي.. في نهارات الصيف وبعد العودة من المدارس... مشوار يومي، لن يتأخر عنه أحد.

في هذا الشارع، سيظهر الجينز والـ"تي شيرت" التي لا تصل الى الصرّة كي تظهر بوضوح والتنانير القصيرة.. ومن ثم الجينز المشقوق الذي يظهر الركبة وأحيانا قسماً من الأرداف وفي مرحلة أخيرة الفيزون، بوصفه المرحلة النهاية من موضات الاثارة.

وسنعرف من شيركو، ابن عمي، الذي ترك كرصور بعدما اشترى عمي جميلو بيتاً طينياً في الهلالية.. الكثير عن الأرداف الصناعية المحشوة بالإسفنج والسوتيانات التي تكبر الصدر وهي محشوة ايضا بِالحَرير.. وكذلك أشكال قمصان النوم النسائية وألوانها المفضلة والمثيرة للرجال.

وسيظهر المغني الكردي الشعبي فارس بافي فراس، الذي وقع في حب معلمة من الساحل كانت تدرس في قرية كرباوي مسقط رأسه. لا أحد يعرف الكثير من تفاصيل قصة حبه، لأننا سنعرف في كل شريط كاسيت جديد له شيئاً عن هذا الحب الخرافي.. وعن تفاصيل جسد حبيبته.. وهو يغني ويتأوه ونتأوه معه بعد أن يتذكر كل واحد منا حبيبته.

 

الجمعة23/01/2015

صافيناز الأرمينية: أنثى رجراجة تضرب الرقص في "مصريته"

أحمد ندا

مر عام على الظهور الأول للراقصة الأرمينية صافيناز أو "صوفينار".

الحدث المدوي خارج جحيم السياسة، الراقصة الأنثى هائلة التفاصيل خرجت في لحظة عندما كان اليأس على وشك أن يُطبق على المصريين وينسيهم حيواتهم وكيف يمكن أن يستمتعوا بها، ظهرت صافيناز كعنصر من عناصر النجاح السينمائي، كأحد مقومات بنائه وأعمده بقائه. فيلم "القشاش" لم ينجح، على عكس كليب أغنيته الذي تسوقه "مقدمة" صافيناز الريانة وهي تلوّح بها بلا اكتراث، بموروث من الحذر في عرض المفاتن.. هكذا ببساطة.

نجح الكليب، كتوحش رقصها وحدّته، نجاحاً مشمولاً بالفزع الاجتماعي الحامل لتناقضاته: مشاهدته تعدّت ملايين المرات، مصحوبة باللعنات: مرة "لتشويه التراث" الذي فعله المغني حمادة الليثي عندما أعاد غناء "على رمش عيونها"، وقد تزامن ذلك مع رحيل وديع الصافي فأعطى الدعوى قداسة الموت. ومرة أخرى لهذا الجسد المتحرر تماماً، كما لم يتخيل أحد وجوده، ليس تحرر الإيحاء الإيروتيكي، بل عنفوان الجسد كتحدٍ لرتابة قيم آسنة.

تمثل صافيناز نموذجاً للأنثى "الرجراجة"، الأنثى كثيرة المحاسن، غزيرة اللحم كما في وصف محيي الدين ابن عربي لحبيبته نظام:

بِرِدْفٍ مَهُـولٍ كَدِعْـصِ النَّقَا تَرَجْرَجُ مِثْلَ سَنَـامِ الفَنِيـقِ

يشبّه ابن عربي مؤخرة حبيبته، بسنم الجمل، هذه "الغزارة" التي تقتحم العين دونما استئذان. وهكذا هي صافيناز، المرأة الأرمينية التي اقتحمت غزارتها العين المصرية المعتادة على رقص ذي إيحاء ناعم، بتعبيرات الوجه والتمايل اللين، لا برجة الصدر العنيفة كما في كليب "على رمش عيونها".. لا تحتاج صافيناز إلى "الإيحاء" طالما أن الجسد يحمل وحيه وحده.

يرى نيتشه الرقص تعبيراً عن الإرادة، وهو الذي لم يقدر على الاعتراف بإله لا يحب الرقص، الجسد الراقص لديه قدرة على الفن "وما الجسم المرن الذي ينطوي على قوة الإقناع إلا كالراقص الذي يرمز بحركاته عن مسرة نفسه، وهل المرح الأناني في مثل هذه الأرواح والأجساد إلا الفضيلة بعينها؟!".

وإذا كان الرقص تعبيراً عن هوية "الأنا" واحتمائها الوجودي، فالرقص "الشرقي" بمفارقة تتعلق بارتباطات قومية، صار جزءاً من نسيج "هوياتي" مصري، وصار مرتبطاً بمجموعة من الخرافات تختصرها مقولة صارت تنتقل كبداهة مسلّم بها: "الرقص الشرقي فن مصري". يمكن للعابرين بتعالٍ أخلاقي ألا يرون في الرقص الشرقي فناً، لكن يتشبثون بهويته المصرية في مفارقة هي الأغرب في العقلية المصرية، هذا التمسك بمصريته نابع من فزع لاواعٍ وإصرار على قالب صارم لمعنى أن يكون الفن مصرياً، كأن لسان حالهم: "الرقص مصري ونحن فقط من يرفضه ويحدد إن كان فناً أم لا". 

مع أن مأسسة الرقص، وتحويل مساره من نشاط إيروتيكي على هامش الموالد، إلى فن ذي طقوس محددة وبزيٍّ محدد، هي "اللبنانية" بديعة مصابني. هذه المرأة التي تحتاج إلى كتابة منفصلة ودراسة مستفيضة لتأثيرها في الفن في بدايات القرن الماضي، وهي التي خرج الرقص من الكازينو الذي أسسته في شارع عماد الدين قطبي: تحية كاريوكا وسامية جمال.

يحاول كثيرون ممن ينتقدون ظاهرة صافيناز أن يرموها باتهام الإثارة الجنسية والإغراء، كأن الفن في عمومه منزّه عن الشهوة، وكأن أي نشاط إيروتيكي ينتقص من جودته ويهدم قواعده، فماذا إذن يمكن أن يقال عن أفلام المخرج الإيطالي بيرتولوتشي المليئة بالأجساد العارية، مثل فيلمي "الحالمون" و"التانغو الأخير في باريس"؟!

يكاد القرن يكتمل بين ظهور "كازينو بديعة" وظهور صافيناز، وما بينهما عُمر من البديهيات التي تحتاج إلى مساءلات جادة.. كتب شريف صالح في موقع "قل" أن "للجسد المصري حضوره الروحي، فهو جسد شهوي لا شهواني، بمعنى أنه لا يعرض ذاته عرضاً صريحاً وخاماً، بل موارباً ولماحاً. وهنا مفارقة وفتنة جسد المرأة المصرية عموماً، التي قد لا تحصل أبداً على أي لقب جمالي عالمي، وتبدو بعيدة كلياً من مقاييس الروميات والعارضات الأوروبيات، لكنها تتفوق على معظمهن بتلك المواربة الساحرة، وهو ما يفسر أدبيات كثيرة حول جاذبية المرأة المصرية، وخفة ظلها ودفئها.

لذلك، وبصفة عامة، تعجز أي راقصة أجنبية، مهما أوتيت من براعة وإتقان في الحركات، أن تمتلك تلك الخلطة السحرية للراقصة المصرية. ينطبق ذلك بالتأكيد على صافيناز التي، إن قورنت مثلاً بالراحلة زينات علوي، ستحسم صافيناز المقارنة جسدياً لصالحها بالمطلق، بينما تحسمها زينات لصالحها بالمطلق، كراقصة. فرقصة واحدة لزينات، في أسوأ حالاتها، تساوي كل ما يمكن أن تؤديه صافيناز في عمرها الفني كله.

ما الذي يتراكم، بعد مشاهدة تابلوه أو كليب لصافيناز، عدا الاستثارة الشهوانية؟ لا شيء! فمع افتقارها لسحر الأنثى المصرية، وكل هذه الفوضى في الحركة وعرض الأجزاء، لو تمعنّا قليلاً سنجد أنها "لا ترقص".. بل فقط "تقوم بتحريك وتنطيط أجزائها. ولا تستطيع أن تسمو بجسدها في علاقة خاصة مع الموسيقى، ومع ذاته".

يحمل شريف صالح في كلامه كل عناصر المشكلة، فلا يرى في الرقص سوى حضوره الهوياتي الضيق، وبمسحة فاشية يخلع عن الراقصات أي ملامح غير "مصرية"، ولا نعرف على وجه الدقة ما هي الملامح المصرية تحديداً. كما ينفي عن هذا الفن إيروتيكيته. الفن، بحسب كلامه، "سمو" فوق الجسد وانفصال عنه، كما أن الفوضى التي ينتقدها تفترض وجود نسق ما، يحيل إليه، فأي نسق يمكن الإحالة إليه؟ زينات علوي أو سامية جمال أو سهير زكي أو كاريوكا.. ولكل واحدة منهن طريقتها المختلفة –ربما جذرياً- في أدائها الراقص. تكشف صافيناز هذا "العوار". صحيح أنه لا قواعد صارمة للرقص الشرقي مثل الأنواع الأخرى، لكن هناك إطاراً عاماً يمكن من خلاله الحكم. وصحيح أن الإيروتيكية هي جزء أساسي فيه، لكنها ليست الوحيدة، وإلا تحول إلى عرض تعرٍ واضح، وحتى التعري لا يمكن طرده من مملكة الفن بجرّة قلم.

ربما وجود صافيناز يحرك الراكد في مفاهيم بالية لا تريد أن تختفي.

 

السبت31/01/2015

"الرقّاصة": "أفعى النيل".. أو "تنويم مغناطيسي"

محمد حجيري

لا يمكن الحديث عن الاغراء في العالم العربي، من دون التطرق إلى عوالم الرقص الشرقي، فهو العمود الفقري للاغراء وله قاموسه وناسه وتعابيره وعالمه وخصومه وقصصه. وعلاقة المجتمع بالرقص الشرقي ملتبسة. ثمة جمهور يسعده نموذج سامية جمال، وهند رستم، ونجوى فؤاد، وتحيّة كاريوكا، ونعيمة عاكف، وداني بسترس، وصولاً إلى هويدا الهاشم، لكن هذا البعض يقابله فريق آخر، نتيجة للثقافة البطريركيّة السائدة، يبتذل مهنة الرقص و"الرقّاصات" (بحسب التسمية العاميّة و"الشعبوية")، باعتباره أكثر أشكال الإغراء "سلبيةً" و"فحشاً". ولا يمكن الاحاطة بالرقص والراقصات من خلال عجالة عابرة أو مقاربة سريعة، لكن التأمل في فكرة محددة، قد تعطي اشارات عن روحية الاغراء في الرقص الشرقي.

فقد ربط بعضهم بين أفعى النيل وبين بعض الحركات التي اشتهرت بها الراقصات أو الغوازي في مصر، وتتمثل تلك الحركة في رفع الذراعين إلى أعلى ثم إنزالهما تدريجياً بانحناءة تشبه تلوّي الأفعى، وهي حركة تحمل من الإثارة والإيحاء ما يضعها في مرتبة الإغواء. وحتى مع تطور الرقص الشّرْقيّ وظهور مدارس عدّة له، استمرت هذه الحركة تيمة أساسية وثابتة مع بداية كل رقصة، واستخدمتها راقصات مشهورات مثل تحيّة كاريوكا وزينات علوي وسهير زكي وغيرهن. فهي تدلّ على غواية المرأة للرجل، وإغرائها له، وتعبيرها عن حركة الأفعى أثناء زحفها بما تحمله تلك الأفعى من ميراث في الأذهان يرتبط بالغواية والخطر هو الأقرب من إعطائها أي تفسيرٍ آخر. وما يرجح ذلك أن ربط حركات الراقصات الشّرْقيّات بالأفعى لا يقتصر على حركة أذرعهن في بداية الرقصة أو وسطهن فقط بل يتمثل في حركة الجسد كلّه.

نجمات الرقص الشرقي هن صانعات قاموس الاغراء في العالم العربي، هل ننسى سامية جمال بجسدها الطاغي والهادئ كالفراشة، وامتلاكها الأداء الشهواني في الرقص في بعض المشاهد، حتى من دون تحريك الارداف او الثياب المثيرة؟ كانت نظرة سامية وحركة جسدها أول غيث الرغبة لجيل كانت يتابع التلفزيون في زمن الأبيض والأسود. وهل ننسى أيضاً تحيّة كاريوكا، التي يقول المخرج يوسف شاهين عنها "جسمها شِعر"، وهي قدمت في العام 1956 فيلميها "سمارة" و"شباب امرأة"، جسدت فيهما النموذج الأكمل للجسد الأنثوي، والمرأة التي تعرف كيف تسيطر على الرجال بجسدها وكيف تستمتع بتنافس الرجال على حيازة هذا الجسد. يقول أمين يوسف غراب كاتب فيلم "شباب أمرأة": حاولت أن أقدم نموذجاً للأنوثة في نضجها و"الإثارة الجنسية " من دون ابتذال. واخترت لهذا الدور تحيّة كاريوكا دون غيرها التي ذابت في شخصية "شفاعات" ونسيت شخصيتها الحقيقية، لسنوات"... وبمجرد النظر إلى ابتسامة تحيّة يتذكر المشاهد ذلك الجسد الجذاب والطربي والمنسجم على نعومة آخاذة وساقين وجدتا لتكونا للرقص من دون ذرة ابتذال.

واشتهرت راقصات ايضا كسهير زكي، ونعيمة عاكف وهند رستم. وهذه الاخيرة كانت تنضح اغراء من لحم ودم وهي ترقص للرجال، عبر جسدها الهادر بالفتنة والقادر على الاستيلاء على عيون الرجال وعقولهم، خصوصاً حين تكون على الشاطئ وتخرج مبللة بالماء. هذا دون ان ننسى نجوى فؤاد التي تدعي ان رقصها (الشرقي) يرجع الى الرقص الفرعوني، وذلك ما تؤكده في احدى مقابلاتها ولكنها لم توضح أي أسس تعتمد... وهناك العشرات من الراقصات اللواتي لهن دورهن في التاريخ الاجتماعي، لكن الابرز في تاريخ الرقص يبقى الثنائي تحية كاريوكا وسامية جمال.

وتظل "أفعى النيل" (عنوان كتاب للمستشرقة وندي بونافنتورا صدر عن دار الساقي) تمثّل النموذج المثالي الذي تجسده الرقصات الأفعوانيّة، نظراً لرشاقة هذه الأفعى وسرعة التوائها وتجسيدها للخطر اللذيذ غير المؤلم، وهو المنطق الذي يقوم عليه الرقص عموماً، وهو منطق "إماتة الجسد وتصفيته من كل الشوائب المتراكمة داخله" ومحاولة مصالحته مع الروح، وفقاً للرقص في المفهوم الصوفي أو رقص المولوية والدراويش. وتلعب حركات الأفعى أكثر من دور في تهيئة المشاهد وتوجيهه ومنحه كل ما يرغب فيه من متع وتشويق وإحساس بالخطر، ومع أن دورانات الجذع والردفين تثير التخيلات الجنسيّة والاستيهاميّة، فإن الحركات الجميلة للذراعين واليدين مهمّة للراقصة الجيدة أهمية تلك لها، وهي شهوانية من دون أن تكون مصبوغة بصبغة الجنس بصورة مباشرة

الراقصة ترقص رقصاً منفرداً وتتحرك بطريقة شجاعة ومتحديّة، تواجه المشاهدين والحاضرين بطاقة جسمانية أفعوانية، تنظر إليهم إلى درجة يشعر كل رجل أنها تنظر إليه وتريده. ويساعد الزّي الذي تلبسه الراقصة الشّرْقيّة على جعلها لا تكشف عن أجزاء كثيرة من جسدها، وهي تتوصل إلى التأثير الجنسيّ عن طريق تحريك جسدها أكثر منه عن طريق عرضه فحسب. والرقصة بمزجها بين الحشمة والعرض وبحركاتها المنسابة المتموجة، لها صفة مهدئة مسكنّة تخفف ما فيها من إثارَةٍ جنسية. على أن إثارة الرغبة الجنسية تقابلها وتصدّها اللذّة البصرية الصرف في الحركة السلسة الصافية والاستمتاع الصوتي، بالموسيقى، وهذان معاً يبعثان أحياناً هدوءاً يكاد يكون منوماً ومغنطيسياً، يقطع حبله الاستعجال في سرعة الموسيقى والتغيير في الإيقاع. وحين كتبت وندي بونا فنتورا، عن الرقص الشرقي، وجدت ان انجذاب النساء لهذا الرقص هو انهن يجدن في الأوراك المتمايلة شبها بالتنويم المغناطيسي. والتموجات الجسدية هي خلاصة الأنثوية والترفع والرقة والقوة، الى جانب حركة الاوراك المتحدية تشكل جاذبا كبيرا للراقصة التي تتعرف على نفسها كامرأة، ويتم ذلك بقلة الحركات لا في كثرتها.

نقول أن رقص سامية جمال أول غيث الرغبة، وتحية "جسمها شِعر"، ونستدرك حين نصل إلى الراقصة دينا، لنشعر أن الإبتذال يسبقها في الرقص، "تدلق" صدرها العارم وتظهر أشكالاً من الثياب، تجعلنا ننفر منها، وإن سماها بعضهم الراقصة الأخيرة، وهي نموذج ساطع لقافلة من الراقصات اللواتي سامهن في ابتذال اللذة البصرية

الحلقة (11) من ملف "الاغراء العربي في صوره المتعدّدة"، والمقاربة استندت في جوانب منها إلى بعض الدراسات المخصصة عن الرقص الشرقي.

 

الإثنين02/02/2015

إغراء البدانة: أينما مددتَ يدك...

روجيه عوطة

يكاد الإغراء يساوي مَشق الجسم، الذي لا يكتنز لحماً، ولا يرهل جلداً. شكل دقيق، مشدود إلى داخله، خفيف، وكل تضريس من تضاريسه، أكان هضبة، أو منحدرا، أو سهلا، يتسم بالملاسة النظيفة. فما أن تنزل عليه قطرة ماء، حتى ينفذ النظر عبرها إليه، ويتجلى بصفائه وشفافيته ولا ارتخاء فيه، ومن دون تورم، أو إنتفاخ. جسم شائع في صورة مثيرة عنه، ولكثرة ذيوعه، نُسرع إلى التحلي أو الإدعاء به، وفي سبيلنا نزدري البدانة، ونظن أنها غير قادرة على جذبنا. كيف يمكن لجسم غرق في وزنه أن يغري، كيف يمكن لبدن ضخم أن يسحر؟ نسأل ونجيب بالنفي، على إعتقاد أن مظهر السمنة لا يعين على الإيحاء بغيره.

لقد شاهدنا جميعنا مشهد العرس الشعبي في الأفلام المصرية. لفت انتباهنا جسم الراقصة، التي غالباً ما توصف بـ"الملظلظة"، نظراً لامتلاء جسدها، واقترابه من حال السُمنة. إلى هذا المشهد، تُضاف مشاهد أخرى، أبطالها عليا حامد، وفيفي عبده، وهياتم، وإلهام شاهين، وغادة ابراهيم... إثارة بأجساد متكورة، مكتظة، أو شبه ذلك، لا تبلغ بأنها صارت غيرها، ولا تنتج ما ينقصها، بل تكتفي ببروزها أمامنا، لدرجة توقفنا عن الهجس في كونها تخفي شيئاً ما خلفها

لا شيء سوى هذا الجسم، "لا شيء" مفرطاً في وزنه، لكنه ليس مسرفاً في مدلوله. غياب المُضمر، وحضور الهيئة الثقيل، الذي حين يحتك بالعين، من وجهه إلى بطنه، ثم فخذيه، يسلبها النظر. لا شيء لتراه، وكل شيء ستراه، إلا أن الوقت لم يحِن بعد.

توفر البدانة عناصر الإغراء. الثبات في الجسم (الوزن)، البطء (تحرك كثيف)، المعنى في الأمام وانعدامه في الوراء (ارتخاء الجلد وتدلي اللحم). هذا ما يرغب فيه الجسم، الذي يمارس إغراءه، بعيداً من شكله، أي أن يكون بائناً إلى حدَ الإنتهاء من البيان، أو التخلص من قيمته، وجعلها مجرد لعبة بقواعد، الإلتزام بها مفرح. فالجسد البدين باعتباره موجوداً في مساحته، وفي أكثر منها، ومن دون يحيل إلى غيره، يكفل للمنجذب صوبه مكاناً مكشوفاً، على معاينة مجزأة، تماماً، مثلما تلتقطه الكاميرا، من أصابع الرجلين نحو الرأس، أو العكس. لا تسرع في فعلها، بل تعطي لكل عضو من الجسم وقته.

الجسم المغري يملأ مشهده بعدما امتلأ، لا حاجة له للكثير من اللعب، أي يركز العين عليه، ما دام هو وحده في الإطار، إلى درجة انمحائه. ذلك، من دون أن يلعب بثقله ليصبح خفيفاً، بل ليصبح أكثرثقلا وفارغا.

ما الذي يغري في الجسم البدين سوى أن يبرز مملوءاً وخالياً في الوقت نفسه؟ يظهر كأن أعضاءه أكبر منه، تتفلت من مفاصلها، تكاد تنزل أفقياً، بسبب انتفاخها. ليس لهذا الجسم ما يتستر عليه، هو موجود كما هو، وبإثارته، يريد أن يكون موجوداً أكثر، كأنه يتقطع، وفي كل قطعة منه، يحضر كله. هذا، ما يعبر عنه المأخوذون بإغراء البدانة. ماذا يقولون حين يتحدثون عن فانتازم السمانة؟ "أينما مددت يدك، وجدت شيئاً تُمسكه". فعلياً، أثناء الإغراء، لن يُمسكوا بشيء، لأن الجسم، صحيح أنه يصل بسمنته إليهم، غير أنه يصل كشكل فارغ، قريب وبعيد، على وشك الحياة والموت، في المسافة بينهما، وبذلك، يسحرهم، "وأينما مددت يدك، لا تجد شيئاً تمسكه" أيضاً.

باختصار، الجسم النحيل يغري من خلال، أولاً، تصويب العين نحوه ليستحيل الحاضر الوحيد أمامها، وثانياً، من خلال نفخ هيئته، وتكثيفها، وثالثاً، بتفريغها، فتصبح جذابة. في حين أن الجسم البدين عناصر إغرائه شبه متوفرة قبل ممارستها، هو موجود بثقله، وشكله مملوء، يكفي، أن يبين خلاءه كي يثير مُعاينه، الذي سرعان ما يُؤخذ به. بالتالي، الجسيم النحيل ليكون مغرياً، لا بد أن يسعى إلى السمنة، قبل أن يخليها. لكن، على كل حال، الجسم المثير يفقد وزنه، لا ليكون رشيقاً، بل ليكون خارج الخفة والثقل.

المدن الإلكترونية في

02.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)