كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

المخرج نوري بلجي جيلان:

أحاول دائماً العثور على ما هو أفضل

ترجمة وإعداد: محمد هاشم عبد السلام

 

لم تخل قائمة من قوائم النقاد أو الدوريات والمواقع السينمائية المتخصصة، التي رصدت أهم أفلام عام 2014، من ذكر فيلم "نوم الشتاء" للمخرج التركي المتميز "نوري بيلجي جيلان"، 56 عامًا، الذي يعتبر من أهم المخرجين المعاصرين في تاريخ السينما. وقد فاز الفيلم بأهم وأرفع جوائز مهرجان "كان" العام الماضي، السعفة الذهبية. وقد التقه مجلة "المخرج" منذ أيام قليلة، وأجرى ناقدها السينمائي "ديفيد باركر" هذا الحوار معه.

على مدى أفلامه الروائية السبعة، وقد حصل آخر خمسة منها على جوائز بمهرجان "كان"، انتقل المخرج والمُصوّر التركي نوري بيلجي جيلان من الدراما المبنية بالأساس على التصوير، في أفلام مثل "بعيدًا" (2002)، إلى هذا الفيلم المبني بقوة على السيناريو المكتوب، كما في البناء الهيكلي والحواري الذكي لفيلمه "حدث ذات مرة في الأناضول" (2011). وقد تحقق له هذا التطور ككاتب سيناريو بالاشتراك مع زوجته، "إبرو جيلان"، التي كتب معها آخر ثلاثة أفلام له.

تلقى نوري بيلجي جيلان تدريبه الأول ككيميائي ثم كمهندس كهرباء، قبل أن يتحول إلى التصوير الفوتوغرافي والسينما، وتعكس كتابته آثار عقليته المنهجية كمهندس. فيلم "مناخات"، الذي تألق في كتابته مع شريكته إبرو، كُتِبَ في ثلاثة فصول ذات أطوال واحدة تقريبًا. تدور أحداث "حدث ذات مرة في الأناضول" في فصول متساويين تقريبًا، الأول ليلا والثاني نهارًا. ويواصل نوري في فيلمه الأخير، "سُبات الشتاء"، تطوير نهجه وزوجته في كتابة السيناريو. يبلغ زمن الفيلم 196 دقيقة، ويرتكز على مشاهد حوارية طويلة، وكان نوري قلقًا إن كانت الجماهير ستتقبل هذا النهج الذي يميل أكثر إلى الأدبية أم لا، لكن فوز الفيلم بجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" الماضي يوحي بأنه قد تقبلته.

تم تصوير المشاهد المذهلة لسبات الشتاء في الأناضول وبالتحديد في منطقة "كابادوكيا" بمنحدراتها الصخرية الرائعة، ويعتبر الفيلم دراما عائلية تشيكوفية، حميمة وملحمية في نفس الوقت، مع التركيز على "أيدن"، الممثل السابق الذي اعتزل ومكث في غياهب الأناضول ليدير فندقًا كان ملكًا لوالديه الراحلين. وهو مالك متردد مستاء من مستأجريه، فضلا عن زوجته الجميلة "نهال"، التي يمر معها بعلاقة صعبة. شقيقته المطلقة "ديكلا"، التي عادت من اسطنبول لتعيش في الفندق أيضًا، تعتبره منافقًا مغرورًا. ميراث أيدن سمح له بالعيش كطاغية بعض الشيء، مُتعاميًا عن تأثير تصرفاته على حيوات الآخرين وغير مستعد لتمحيص أوهامه عن نفسه. كما في قصة من قصص تشيكوف، أهدى نوري فيلم "غيوم مايو" (1999) لتشيكوف، نلتقي بهذه الشخصيات بينما تقترب حياتها من النهاية. يُفجِّرُ كل هذا، المشهد المُبكر الذي يقوم فيه نجل أحد نزلاء أيدن بإلقاء صخرة على سيارته، محطمًا النافذة. يبدأ التوازن الدقيق الهش، الذي سمح للشخصيات بالحافظ على وضعها غير المحتمل، يبدأ في التداعي.

في أفضل حالاتها، تزدهر أفلام نوري بيلجي جيلان على التوتر القائم بين التحكم الرسمي والالتزام بالأصالة. كلتا السمتين كانتا حاضرتين عندما جلست للتحدث معه حول كيفية تغير العملية الكتابية والإخراجية عنده على امتداد السنوات العشر الماضية.

·        إلى أي مدى تغيرت عملية صناعة الأفلام بالنسبة لك نظرًا لأن الأفلام صارت معتمدة أكثر على السيناريو؟ أدرك أنك في وقت سابق – على سبيل المثال فيلم "بعيدًا" – كان لديك الوقت للتفكير المبني على عملية التصوير. اتساءل إن كان انعكاس هذا يسري الآن أكثر على عملية كتابة السيناريو؟

ـ تغيرت عملية كتابة السيناريو كثيرًا خلال حياتي السينمائية. عندما بدأت أشعر بقدر من الثقة فيلمًا تلو الآخر، صرت أشجع في الخوض في أساليب ومشكلات أكثر تعقيدًا. أمست أفلامي أكثر تعقيدًا، ولأجل هذا فإنك تحتاج إلى سيناريو أفضل، سيناريو أكثر اعتناء بالتفاصيل. لا يعني هذا أنني لا أدخل عليها تعديلات أثناء التصوير. كتابة السيناريو بالنسبة لي عملية لا تنتهي حتى أنتهي من المونتاج، وحتى تصميم الصوت، لأنه حتى تلك المرحلة لا يزال بإمكانك تغيير الحوار. لكنني أحاول الآن الكتابة بتفصيل قدر الإمكان كي أشعر بالأمان أكثر أثناء التصوير.

أولا، أقوم بتصوير ما كتبته، ثم أبدأ التفكير مرة أخرى وأحاول تجربة الكثير من الأشياء الجديدة. إنني دائم "الكتابة" بينما أراقب المشهد أثناء تصويري له. أحاول أن أجعلها أكثر تفصيلا، لأنه لو كانت هناك تنويعات واختلافات في التصوير فإن إمكانية ما يمكنك القيام به في المونتاج تزداد أضعافًا مضاعفة. الأمر كما في الشطرنج، يمكنك أن تضع معًا الكثير من الأشياء المختلفة أثناء المونتاج. بالنسبة لصنعتي الإخراجية، المونتاج هو كتابة، إنه عملية مهمة، وليس شيئًا ميكانيكيًا كما عند "أوزو". أحب أوزو كثيرًا جدًا، لكن المونتاج بالنسبة له أسهل. اعتاد تصوير ما كتبه، ولا يتغير شيئًا لا في التصوير ولا المونتاج. الإخراج بالنسبة لي ليس على هذا النحو. دائمًا أحاول العثور على شيء ما أفضل، شيء أكثر واقعية، أكثر صدقًا. عندما تكتب سيناريو أعتقد أنه يكون لديك ميلا لتكون تعليميًا أو توجيهيًا بعض الشيء، لكن في التصوير يعمل ذهنك بطريقة مختلفة. ترى شيئًا، وربما تشعر أن هناك شيئًا ما خاطئًا. لو شعرت بهذا، يجب أن تجد شيئًا. حتى لو لم تتمكن من العثور على شيء، فإن عليك أن تحاول. أحيانًا، النقيض لما كنت تعتزمه ينجح على نحو أفضل. تشعر بهذا في التصوير.

·        عندما تجري هذه التنويعات أثناء التصوير، هل لهذا علاقة في المقام الأول بالممثلين أم يتعلق أيضًا بتغيير البنية الرئيسية؟

ـ بالنسبة للممثلين ليس من السهل أن تفهم ما يجري. إنها ضائعون قليلا في طريقتي الإخراجية. أخبرهم بشيء فيفعلوه، لكنهم في الحقيقة لا يفهمون السبب، لأنه من وجهة نظرهم صعب تبينه. أحيانًا، بالطبع، يكونوا مفيدين للغاية، ولو كانوا شجعاء بما يكفي وحدسهم قوي يمكنهم أحيانًا خلق شيء ما. عندما أنهي كل شيء في التصوير، أتركهم أحيانًا يرتجلون لو رأيت احتمالية ذلك عندهم. مع بعض الممثلين قد يكون هناك ما هو مفاجئ، لكنني أتركهم يرتجلون فقط بعدما أحصل منهم على كل ما أريد.

·        أثناء عملية المونتاج، هل تجد أنك قد غيرت الكتابة إلى حد كبير؟

ـ نعم، كل شيء يمكن أن يتغير. أحيانًا تحذف الحوار أو تغيره. المونتاج هو المكان الوحيد حيث يمكنك أن تكون متأكدًا، وعليك أن تكون متأكدًا هناك. في التصوير، دائمًا الوقت هناك ضيق ومقيد وغالبًا تكون غير متأكد. قد يكون هناك خطأ ما في ذلك المشهد، وهلم جرًا، في المونتاج، ترى كل شيء. تضيف الأصوات وتُجرِّب الكثير من الأمور وترى التوازن. أنت بمفردك ولديك حرية الوقت. على الأقل أتمتع بهذا، لأنه لا أحد يدفعني أو يضغط عليّ من أجل العرض بالسينمات في هذا اليوم أو ذاك التاريخ، وهلم جرا.

·        كم تقضي في عملية المونتاج؟

ـ بالنسبة لهذا الفيلم كان فقد استغرق ستة أشهر، لأنني صوّرت مادة بلغت 200 ساعة. وكان عليّ العمل بجد للانتهاء منها خلال ستة أشهر.

·        هل الهيكل الأساسي هو نفسه كما في السيناريو؟

ـ الهيكل هو نفسه، لكن هناك الكثير من المشاهد التي اقتطعت من الفيلم. البناء لم يعد يتغير كثيرًا الآن، لأنني أكتب سيناريوهات أكثر تفصيلا، لكن في أفلامي المبكرة تغير البناء كثيرًا لأن السيناريو كان فضفاضاً.

·        كيف تعمل أنت وزوجتك معًا في الكتابة المشتركة للسيناريو؟

ـ لم أعمل مع الكثير من الأشخاص غير زوجتي. إن لم تكن شخصيتهم قوية للغاية، يكون الأمر صعبًا لأنها يقبلون كل ما أقوله. ينبغي أن يجبرونني على نحو ما. إبرو، بسبب علاقتنا، تعرفني أفضل. تُصر وتحارب. لا تستسلم أبدًا، وهي بالطبع جيدة جدًا. إنها شخصية جد واقعية، وهذا الأمر أعتقد أنه مهم. ربما حتى أكثر واقعية مني.

·        هل تعملان معًا على كل شيء، على سبيل المثال، البنية والحوارات؟

ـ لا! من المستحيل العمل معًا. لا نحب أبدًا نفس الشيء في ذات الوقت. نظرًا لأنه فيلمي، حتى لو لم تقبل شيئًا وأنا أصررت، فالقرار الأخير لي. وهي لا تزال تتحدث إليّ حتى بعد الانتهاء من الفيلم: "كان هذا خطأ ولم يكن هذا صوابًا". لكنه فيلمي.

·        تحدثت عن العديد من قصص تشيكوف المُلهمة لهذا الفيلم، لكن المشهد الطويل لأيدن مع شقيقته جعلني أفكر في فيلم "ضوء الشتاء" لبرجمان الذي يُدمّر فيه الكاهن محبوبته بإخبارها بكل شيء يكرهه فيها.

ـ أحب برجمان كثيراً، لكنني أظن أن هذا المشهد لا يشبه ذاك كثيرًا. عندما نرى أفراد الأسرة يأكلون بعضهم البعض، جميعنا نتذكر برجمان، بالطبع. إنه السيد في هذا. قصة الشقيقة تستند إلى قصة تشيكوف "أناس ممتازون". قمنا بتمديدها وكتبنا العديد من الحوارات الجديدة، لكن صراع تلك الشقيقة وشقيقها مستمد من تلك القصة. الأمر ليس مشابهًا، لأنه في "ضوء الشتاء" ثمة إذلال. إنه يُذل المرأة، وهي تتقبل هذا، ولا تحاربه. هنا، لا يوجد إذلال، الجميع يحاولون حماية أنفسهم. لو كان هناك إذلال، فإنها الأخت التي تذل أكثر.

·        لأنها تختفي بعد ذلك.

ـ في الواقع، قبل اختفاءها بالضبط، يذهب هو إلى حجرتها. لا ترد، لكننا نشعر أنها هناك. بعد ذلك يغادر أيدن المنزل ونظرًا لأننا نتبعه لبقية الفيلم، فإننا لا نرى الشقيقة ثانية. بالطبع، كانت هناك الكثير من المشاهد مع الشقيقة. لكنني حذفتها في المونتاج.

موقع "24" الإماراتي في

13.01.2015

 
 

أجبن على السؤال:لماذا يُكرّم الفنان في الغالب بعد رحيله؟

فنانات مصر لـ"إيلاف": هناك تقصير معنوي بحق الفنانين

مصطفى القياس

يعيش معظم أهل الفن والمبدعين حزناً دفينًا على انخفاض منسوب التقدير المعنوي لعطائهم، وكبار السن بمعظمهم يعيشون غصة الإهمال إلا في حالاتٍ نادرة كتكريم نادية لطفي ونور الشريف مؤخراً، إلا أنه مازالت هناك أسماء كبيرة من الفنانين تستحق التقدير المعنوي والتكريم. وفي هذا السياق تستعرض إيلاف بعض الآراء في السطور التالية:

القاهرةيُشكل التكريم الدافع المعنوي الذي يعزز طاقة الفنان ويدفعه للمزيد من العطاء والنجاح، إلا أن واقع المبدعين في الوطن العربي يصبح في الغالب مأساوياً مع مرور الزمن والتقدم في العمر، حيث يتم إقصاء الكثير من الفنانين كبار السن عن التكريمات إلا في بعض الإستثناءات وغالبًا ما يكون التكريم بعد رحيلهم كتكريم مريم فخرالدين بعد رحيلها من قبل إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، ومن قبلها تكريم الراحل سعيد صالح وغيرهما، علماً أن هناك الكثير من الأسماء التي تستحق التكريم ولهم في العطاء الفني باع طويل مثل ماجدة الصباحي، وشويكار، وزبيدة ثروت وغيرهن من فنانات الزمن الجميل.

وعليه، طرحت "إيلاف" سؤالها "لماذا يُكرّم الفنان في الغالب بعد رحيله؟"، وجاءت الأجوبة متباينة كما يلي

زيزي مصطفي: المصريون لا يحترمون قيمة التنوير 

ترى الفنانة والراقصة المعتزلة زيزي مصطفى أن المصريين يعانون مشكلة في قلة التقدير، ولا يحترمون  قيمة التنوير في مصر، حيث أن الشعوب تعرفت على أميركا وثقافاتها من خلال أعمالها السينمائية. إلا أن المصريين الذين يتحدثون لغة العالم العربي مع تميّز لهجتهم يجب أن يستفيدوا من تقدير العالم العربي لفنهم وأن يكرموا فنانيهم. فشعبنا يحب مشاهدة الفنان في أعماله، إلا أنه حينما يُصاب بأي مرض أو يبتعد عن الساحة، نفقد اهتمامنا به، فيعاني وحده ألم الإهمال والتجاهل. واستدركت قائلة: هذا الموضوع يُشبهني ويذكرني بفكرة الراقصة التي تؤدي وصلات رقص في أي حفل زفاف أو ما شابه ذلك، ويستمتع الحضور باستعراضها، وعندما  تُغادر يتم سبّها وقذفها بأبشع الكلام.

وإذ شددت على أن التنوير بمفهومها هو عطاء الفنانين والكتّاب وأهل القلم والصحافة، قالت بأن البلد والشعب الراقي سيحترم عطاء هؤلاء ويكرّمهم قبل رحيلهم. أما مسؤولية الإهمال فتقع على الجميع. ولفتت إلى موضوع الغيرة في عالم الفن قائلة: صنّاع الفن وأهله هم المطالبون بالمبادرة إلى التكريم، ولكن مجتمعنا الفني في مصر يعاني الغيرة القاتلة والمصالح، فإذا لم تكن هناك مصلحة في تكريم الفنان لا يتم تكريمه. للأسف نحن نُكرَّم خارج بلدنا، مع العلم أن لا تكريم يفرحنا بقدر تكريمنا في بلدنا مصر. فأهم تكريم للفنان هو التكريم في بلده مهما ارتفع رصيده وازدادت قيمته خارج البلاد، والدليل على ذلك أن تكريم الفنان عمر الشريف في مصر هو الأهم بالنسبة له رغم الكثير من التكريمات التي حظي بها في الخارج.

وانتقدت "مصطفى" التركيز على أشخاص معينين يُرسلَون دوماً لحضور المهرجانات الدولية ويمثلون الفن المصري في سائر أرجاء العالم دون استبدالهم بوجوه فنية أخرى من حينٍ إلى حين، وسألت: ماذا يعني هذا غير أن المصالح تلعب دورها في التكريم والتمثيل الرسمي في المهرجانات؟ 

نبيلة عبيد: أنا واحدة من الكبار، وتكريمي مستمر 

وردت الفنانة نبيلة عبيد على السؤال بعفوية وضحكت قائلة: "بإعتبار أنني واحدة من الفنانات الكبار فأنا موجودة ومازلت أتكرم كثيراً وحتى الآن. وأردفت مازحة: "أنا قاعدة على قلبكم"، ثم أوضحت بجدية: أعتبر أن هذه المسألة نسبية، وتُمثِل حالات معينة، فبالفعل هُناك فنانون لم يتم تكريمهم منذ فترة طويلة، وأنا أرى أن التكريم له وقته، فبين الحين والآخر يتم تكريم فنانين ومخرجين تبعاً للمناسبة وحيثياتها. وتبنت "عبيد" سؤال "إيلاف" وطرحته بدورها، وقالت: إنه موضوع يستحق الإجابة عليه، فلا بد من تكريم الفنانات الكبار لأن ذلك يعود على الفنان بقيمة معنوية كبيرة يكون لها تأثير رائع في حياته. فالجوائز والتكريمات تعني الكثير لكل فنان بعد عطاءٍ طويل

عفاف شعيب: تكريم الفنان يمنحه دفعاً معنوياً في حياته وليس بعد رحيله

الفنانة عفاف شعيب تؤكد أنه من المفترض أن يتم تكريم الفنان في حياته لأن التكريم يخصّه وحده، وسألت: ما الفائدة من تكريم الفنان بعد وفاته؟ وكيف سيشعر حينها بفرحة التكريم؟ وما هي قيمة التكريم إن لم يكن حافزاً لتقديم المزيد من العمل والسعي لمزيدٍ من العطاء والنجاح. وأضافت: بعد الوفاة سيقطف الأهل والأسرة نتاج عطائه ويتغنون بالجائزة دون أن يشعر هو بفخر التكريم.

وإذ وصفت الأمر بـ"الخطأ الكبير"، قالت: لقد حضرت تكريم سعيد صالح منذ عامين إلا أنه من المفروض أن يتم تكريم الفنانين الكبار على أعمالهم السينمائية المهمة وتاريخهم الفني الطويل من قبل مهرجان القاهرة السينمائي، ولكنني أرى أن المزاجية هي التي تلعب دورها في التكريم دون تقييم، لأن هناك الكثير من الكبار لم ينالوا حقهم المعنوي ولم يكرموا مثل رجاء حسين، محسنة توفيق وكريمة مختار. ورأت أن المسؤولية في الأساس تقع على هيئة المهرجان وانتقائهم لأسماء المكرمين. وقالت: يبدو أن المسألة أصبحت عشوائية دون تخطيط، فلابد من وجود كشف يتم من خلاله رصد الشخصيات التي يتم تكريمها في كل عام في مهرجان القاهرة أو المهرجانات السينمائية والفنية الأخرى.

إلهام شاهين: معظم الفنانين الكبار نالوا التكريم 

من جهتها، كان للفنانة إلهام شاهين رأي مختلف عن بقية الآراء، فقالت: "هُناك الكثير من الفنانين قد تم تكريمهم أحياء، فالموضوع مجرد صدفة. فالفنانة نادية لطفي تم تكريمها في مهرجان القاهرة في الدورة الماضية، وكذلك الفنان نور الشريف في مهرجان الإسكندرية، وفي عيد الفن تم تكريم الكثير من الفنانين الكبار مثل عزت العلايلى وفاتن حمامة، وماجدة الصباحي، وحسن يوسف وغيرهم، وأعتقد أن الفنانة مريم فخرالدين كُرِّمَت كثيراً قبل رحيلها، وابتعدت عن الفن لأن حالتها الصحية كانت غير مستقرة، ولكنها عملت لحوالى خمسين عاماً في الفن".

داليا مصطفي: شيء مؤسف والمسؤولية تقع على النقابة 

واعتبرت الفنانة داليا مصطفى أن تكريم الفن لنجومه بعد الرحيل وعدم الإهتمام بهم في حياتهم، أمر محزن. ورأت أن المسؤولية تقع في الأساس على النقابة، وأهم شيء لابد أن تقوم به النقابة هو حق الأداء العلني مثل الغرب. وهذا يعني أن يتقاضى الفنان أجراً على عرض العمل الذي شارك فيه عند عرضه على الفضائيات أو الـ"يوتيوب"، حتى لو لم تكن هذه المداخيل مرتفعة، ولكن هذا يُمثل عائداً مادياً للفنان يستطيع أن يُنفق منه على نفسه لأن هُناك الكثير من الفنانين توفاهم الله وهم مفلسون".

إيلاف في

13.01.2015

 
 

الأخوان داردين: عن هذا البؤس الذي ينخرنا

علي وجيه

ليس غريباً أن يعود الأخوان جان بيار ولوك داردين إلى الطبقة العاملة في فيلمهما الجديد «يومان وليلة» (2014) المعروض حالياً في «متروبوليس أمبير صوفيل». السينمائيان البلجيكيان آتيان من منشأ فقير. بلدة صغيرة متخمة بالعوز والبطالة ومناجم الفحم (مكان أحداث كل أفلامهما). لطالما أثار واقع العمالة في القارة العجوز اهتمامهما. ليست أوروبا الحلم التي يموت «عيال الله» في سبيل لمس يابستها. ليست أرض الأناقة والعمارة ورفاهية الفرد الذي يمتلك تأميناً صحيّاً وابناً موهوباً. إنّها بلاد الرأسمالية المتوحشة التي تسحق المهمّشين والعمّال والمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين. الـ «داردينز» من علامات نادي «سينمائيون كبار غير أكاديميين»، ومن «شعب «كان» المختار» الذي يزيّن أفراده رفوفهم بسعفتين، كما كوبولا وهانيكي وكوستوريتسا...

جان بيار دارس للتمثيل، فيما لوك آت من الفلسفة. اجتماعهما بالمخرج أرماد غاتي والسينماتوغرافي نيد بورجيس أنضج قرارهما بالإبحار السينمائي. في البدايات الوثائقية والروائية، تركيز على جرائم النازية والمقاومة البلجيكية للاحتلال الهتلري. قضايا كبيرة تنتصر للإنسان وتقف ضد جانبه المظلم. في منتصف التسعينيات، حملا الهمّ الاجتماعي، ولم يمانعا بداية الشهرة إثر شريطهما «الوعد» (1996). المهاجرون إلى بلجيكا لم يظهروا يوماً بهذه الواقعية والبؤس والانتهاك، مع أنّ عبارة «بلجيكا بلد جميل» تتردد في الفيلم بكل سلاسة. ابن يتعرّض للتشويه على يد والده، الذي لا يتورّع عن فعل شيء من أجل حفنة من المال. الأخوان ضربا ثانيةً في «روزيتا» (1999)، ليمنحهما الكندي ديفيد كروننبرغ السعفة الأولى. نحن بصدد فتاة صغيرة لا تريد سوى الحصول على عمل، وعيش حياة طبيعية مع أمّها المدمنة على الكحول، بعيداً من مخيم الفقر والذل. في «الابن» (2002)، نرافق الأب في لقائه الجحيمي بقاتل ابنه فيما يعلّمه النجارة. أداء مدهش لأوليفييه غورميه جلب له جائزة أفضل ممثل في «مهرجان كان». الـ «درادينز» واصلا مانفيستو البؤس في «الطفل» (2005). العسف والقهر لا يجعلان بيع الابن فكرة سيئة، إضافةً إلى قذارات أخرى. أمير كوستوريتسا لم يتمكّن من تجاهل الشريط، فمنح الأخوين سعفتهما الثانية. نعود إلى خفايا عالم المهاجرين وحلم جواز السفر الأوروبي في «صمت لورنا» (2008)،

«يا عمّال العالم اتحدوا» نضال يساري يقذف بنا إلى إلى كين لوتش التسعينيات

لنرافق «صبي الدراجة» (2011) بعد تخلّي الأب عنه بدم بارد. أفخاخ أخلاقيّة ينصبها الأخوان لأهل القاع والعالم السفلي، ليس أقلّها اضطرار المقهور والمنتهك للتعامل مع سبب كوابيسه. بشر من لحم ودم يرميهم الكبيران في وجوهنا من دون تمهيد أو كليشيهات أو رجوع إلى الماضي.
في «يومان وليلة»، نقفز إلى آثار الكساد الاقتصادي الذي سحق كثيرين. ساندرا (ماريون كوتيار) تكافح للاحتفاظ بوظيفتها في معمل ألواح الطاقة الشمسيّة. عليها إقناع زملائها بالتصويت لبقائها بينهم، مقابل التخلّي عن مكافأة قدرها ألف يورو لكل منهم. عطلة نهاية الأسبوع هي الوقت المتاح لإطلاق الثورة العمّالية الصغيرة. سباق مع الزمن يضع المبادئ والقيم على المحك، ويختبر مفهوم «التضامن» اليوم. هل أتت الرأسمالية على كل الرصيد الأخلاقي في هذا العالم؟ سؤال خفي تطرحه ساندرا في سعيها إلى تحقيق شعار «يا عمّال العالم اتحدوا». هذا النضال اليساري يقذف بنا إلى كين لوتش التسعينيات مع عناوين مثل «الأجندة الخفية» و«رف – راف». السينمائي البريطاني أحد مرجعيات الأخوين الواضحة. إذاً، ساندرا غاضبة، مكتئبة، تشعر أنّها «نكرة» في هذه المفرمة. تشبه «روزيتا» في الخراب النفسي وقلّة الثقة بالذات وبالآخرين، إلا أنّها ليست معدمةً، ومحيطها العائلي داعم لها. حافة الفقر مخيفة بقدر الكارثة نفسها. زوجها مانو (فابريزيو رونجيوني) عامل أيضاً. يفعل ما بوسعه لدفع زوجته إلى الأمام في لحظات اليأس. علاقتهما ليست على ما يرام أصلاً. كالعادة، لا يحاكم الأخوان شخوصهما. من يوافق على بقاء ساندرا، قد لا يكون أفضل ممَن يتمسّك بالمكافأة. لكل مسوّغاته ودوافعه المبرّرة. ثمّة تعريج على حال المهاجرين أيضاً خلال الرحلة. لا بدّ من بعض صحوات الضمير والارتداد الإيجابي كما في أفلامهما السابقة، التي خلص بعضها إلى التطهير والخلاص. إيغور في «الوعد» يحاول التكفير عن فعلته مع أبيه. «روزيتا» تندم على وسيلة حصولها على العمل. برونو يدفع الثمن طواعيةً في «الطفل». لورنا تلجأ إلى الوهم حزناً على كلاودي في «صمت لورنا». حتى الصغير سيريل يفضّل العيش مع سامانثا بعد صدمته بقرار أبيه في «صبي الدراجة». نعم، التفكك الأسري والتهتّك الاجتماعي (الأب/ الابن) إحدى تيمات الـ «داردينز» المفضّلة. الصغار يتمرّدون على انقياد ووسخ البالغين. هنا، يشير الأخوان بيأس إلى من تمكّنت الدوامة من ابتلاعهم، مع أمل بجيل قادم يقرّر إعادة الأمور إلى نصابها.

بالعودة إلى «يومان وليلة»، يورّطنا السيناريو ضمن تحوّلات ساندرا النفسية والجسديّة. الفعل الفيزيائي والشغل اليدوي الشاق مرافق للسايكولوجي، وانعكاس منه وإليه. هذا حاضر على امتداد الفيلموغرافيا كذلك. التقلّب يوصلها بنجاح إلى مفارقة: «هزمتُ لكنّني سعيدة». يكفي أنّ الكيمياء عادت مع زوجها. في السيرورة، ساندرا تمشي وتستخدم المواصلات بكثرة، كما بقيّة أبطال عملاقي سينما المؤلف. درّاجة سيريل في «صبي الدراجة» فيها شيء من «سائق الدرّاجة» (1948) للإيطالي فيتوريو دي سيكا. رائد الواقعية الإيطالية مع روسليني (روما مدينة مفتوحة ـــ 1945) وفيسكونتي (الأرض تهتز – 1948) من ملهمي جان بيار ولوك، اللذين صمدا في خندق المينمالية والتقشف والأماكن الحقيقية وحسن إدارة الممثل المحترف وغير المحترف. كل ذلك يضفي انطباعاً تسجيلياً مدهشاً عند مشاهدة أحد أفلامهما. «يومان وليلة» درس في الأداء والـ «ون شوت». كوتيار تجترح أهم أداءاتها أمام الكاميرا من دون نيل الجائزة من لجنة جاين كامبيون في «مهرجان كان» الأخير. النجمة الفرنسيّة تبدو متماهية حتى التوحد مع شخصيتها، وساحرةً في الانسلاخ عن جلدها واللعب النفسي والجسدي. الكاميرا تلاحق البطل، وإن بحدّة أقل من أفلام سابقة مثل «الوعد» و«الابن». أوليفييه غورميه حاضر كالمعتاد. هو واحد من ثلاثي التمثيل المفضل في مسيرة الأخوين مع جيريمي رينيه وفابريزيو رونجيوني، إضافةً إلى الواقفين أمام الكاميرا للمرّة الأولى. في تقليد معتاد، السينماتوغرافيا مرصودة بالكاميرا المحمولة، ومرسومة بالحدّ الأدنى من الأدوات. تستمدّ سحرها من الضوء الطبيعي والتشكيل المتقن. شريط الصوت يكتفي بالجوّ العام من دون موسيقى مؤلّفة. مع ذلك، «يومان وليلة» ليس أفضل عناوين الأخوين على مستوى التأزيم والحدّة وإحكام الدراما.

السؤال الآن: ماذا بعد؟ طبيعياً، سيعود جان بيار ولوك درادين عام 2017 (فيلم كل ثلاث سنوات) بشريط مينيمالي محكم، يبصق في وجه الوصفات الجاهزة ووجبات هوليوود السريعة.

يومان وليلة: العلاقات الإنسانية في أدغال الرأسمالية

بانة بيضون

هي دراما بأكثر ما تتسم به الحميمية. ينسج الأخوان داردين تفاصيلها ببراعة في «يومان وليلة» عن قصة ساندرا الموظفة التي تصاب باكتئاب يلزمها المنزل فيتناوب زملاؤها في الشركة على العمل لساعات إضافية. وحين يستنتج المدير أنه يمكن الاستغناء عنها، يطلب منهم الاختيار بين عودتها أو الحصول على علاوة مالية قيمتها 1000 يورو. تصوت الغالبية للحصول على العلاوة مقابل طرد ساندرا باستثناء ثلاثة من زملائها المقربين. مهددة بالبطالة بينما لا تزال تناضل للخروج من انهيارها العصبي، تجد ساندرا (ماريون كوتيار) نفسها متنازعة بين الاستسلام لاكتئابها أو النضال لاسترجاع عملها ومواجهة هؤلاء الزملاء الذين لا يعترفون حتى بوجودها كما تقول لزوجها في أحد المقاطع. المعضلة التي يطرحها الأخوان داردين بسيطة، وساخرة ومآسوية في آونة واحدة. بتشجيع من زوجها مانو (فابريزيو رونجيوني)، تقرر ساندرا زيارة زملائها لإقناعهم بإعادة التصويت لمصلحتها بعدما أقنعت المدير بإعطائها فرصة أخيرة بمساعدة من صديقتها.

من بيت إلى آخر، تجول ساندرا بصحبة حبوب «الكزاناكس» المهدئة التي لا تفارقها، عارضة على زملائها أن يختاروها بدلاً من الـ 1000 يورو. بقدر ما قد يبدو ذلك سوريالياً، يعبر معظمهم عن تعاطفهم معها لكن عن حاجتهم للمال لأمور حياتية مختلفة كإرسال الأولاد إلى الجامعة أو حتى إصلاح الشرفة، حتى أنّ زوجين ينفصلان بسببها حين تقرر زميلة ساندرا التخلي عن العلاوة رغم معارضة زوجها. أثناء كل ذلك، يرسم الأخوان داردين بمهارة بورتريه بارداً وقاسياً عن العلاقات الإنسانية في العصر الحديث. علاقات ترزح تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والفردية، وتقوقع الأنا داخل الانعزالية التامة التي لا تسمح بتواصل فعلي أو تعاطف مع الآخر خارج دائرة العائلة الصغيرة أو المصالح المشتركة. لكنها ليست نظرة سوداوية تماماً، بل هي تشريحية وتفصيلية، ترصد بمهارة حقل المشاعر الإنسانية المتضاربة من دون فرض وجهة نظر معينة أو محاكمة الشخصيات والأحداث. لعل هذا أكثر ما يميز أعمال الأخوين داردين عن المخرجين المهتمين بالقضايا الاجتماعية. لسنا في صدد صراع تقليدي بين الخير والشر. زملاء ساندرا هم مثلها متنازعون بين حاجتهم إلى المال وتعاطفهم معها. هي تشعر بالذنب أيضاً لحرمانهم من العلاوة، لكنها تكرّر في الفيلم: «لست أنا من قرر ذلك». لكن لا أحد يعرف فعلياً من هو صاحب القرار، حتى المدير نفسه يبدو مرغماً على اتخاذه. الكل تائه ضمن هذه المنظومة، لكن لا أحد يشكك فيها أو يرفضها باستثناء ساندرا التي ترفض في النهاية استرداد عملها مقابل طرد شخص آخر. والغريب أنه يكفي أن تحضر ساندرا حتى يتراجع بعض زملائها فوراً عن قراره، كأنه يراها أو يكتشف وجودها للمرة الأولى، مع أن بعضهم يعمل معها منذ سنوات. أبعد من النظام الاقتصادي، ما ينتقده الأخوان داردين هو المنظومة الاجتماعية المبنية على الإلغاء، ومواجهة ساندرا لزملائها تخلق ثورة صغيرة كأنها تطلب منهم اعترافاً بوجودها. بعضهم يرحّب بهذا الأمر كأنما هو معجزة في هذا العالم البارد والمنغلق على نفسه، في حين يرفضه آخرون بعنف كأنه جريمة. الحوارات بجملها المتكررة عن قصد تعبّر عن التفاعل الآلي حيث اللغة تكرس المعنى المفقود كما عندما تعيد ساندرا طلب دعم زملائها بالطريقة نفسها، وتتلقّى الرد نفسه كل مرة: «أرجو ألا تستائي مني» وهي تجيب: «أتفهم» باستثناء أحد زملائها الذي يجهش بالبكاء حين يراها كأنما يتنتظر أي فرصة للتعبير عن نفسه وتضطر هي المنهارة لمواساته. تأخذنا اللغة السينمائية بحميميتها والكاميرا التي ترصد عن قرب تعابير الشخصيات، إلى عالم شديد الخصوصية رغم بساطة القصة وأبطالها الاعتياديين الذين قد يشبهون أياً كان. وفي اللقطات البعيدة، ترصد الكاميرا هلع ساندرا كأنما المشهد سيطبق عليها. ويضاف إلى ذلك، الأداء المؤثر لماريون كوتيار التي تنجح في نقل حالة القلق التي تعيشها هذه الشخصية وجهودها الحثيثة لاستجماع شجاعتها التي تجسدها في أدق التفاصيل من تعابير وجهها المتشنجة إلى مشيتها المتعثرة وانحناءة رأسها.

السينما اللبنانية: معضلة الهوية وتاريخ من نكسات

محمد همدر

لا توحي الحركة السينمائية اليوم بأنّ للسينما تاريخاً في لبنان، يبرّر كل محاولات التوثيق. حتى إلقاء نظرة إلى الأمس، الى الستينيات التي شهدت كميّة من الأفلام سببها غزو المنتجين المصريّين بعد تأميم السينما في المحروسة، يظهر أنّ الفن السابع اللبناني كان فاقداً للهوية، للمرآة التي تعكس طبيعة البلد وتركيبته وتحولاته الاجتماعية وما ينجم عنها. لكن محاولات التوثيق هذه أثبتت أنّه في موازاة كل مراحل النكسة التي مرّت بها السينما في لبنان، كان هناك من يعمل على إنتاج رؤية مختلفة إن أردنا أن لا نكرر مصطلح «مستقلة».

يقدّم «نادي لكل الناس» الفيلم الوثائقي «السينما اللبنانية 60 وبعد» (45 د ــ تقديم جوليا قصار، سيناريو ظافر هنري عازار، وإشراف جورج البستاني من إنتاج وزارة الثقافة والتعليم العالي آنذاك). الشريط مادة من الأرشيف يُعتبر محاولة التوثيق الأولى لتاريخ السينما اللبنانية من خلال الصورة، أنتج عام 1996 في مناسبة مئوية السينما العالمية.

وفق ما يعرضه الفيلم، شهد لبنان افتتاح صالة السينما الأولى عام 1918 خلال الاحتلال الفرنسي. عرف أيضاً حركة سينمائية جعلته يحلّ ــ في مرحلة ما ــ مكان مصر في الإنتاج السينمائي، وأصبح قبلة المنتجين والمخرجين والممثلين العرب.

يتبنى الفيلم التقسيم الذي اعتمده النقّاد للمراحل التاريخية التي مرت بها السينما في لبنان، أي قبل الخمسينيات وبعدها. إلى جانب محاولته تأريخ جميع الأعمال والأسماء منذ «مغامرات الياس مبروك» (1929)، يعرض أيضاً الفيلم الأول الذي صوِّر في لبنان وفيلم «بائعة الورد» الذي حمل توقيع أول مخرج لبناني هو علي العريس، وصولاً إلى الأفلام العائدة إلى لبنان بعد إعلان انتهاء الحرب الأهلية. بدورها، شكلت هذه الأعمال صدمة ووعياً سينمائياً خاصّاً، انعكس وما زال على أغلب الأعمال الناجحة.

شهد افتتاح صالة السينما الأولى عام 1918

يقدم الفيلم نظرته النقدية على لسان جوليا قصّار، خصوصاً تجاه الأفلام التي انتجت لأغراض تجارية بحت. هو لا يقف عند حدود التوثيق والسرد التاريخي للإنتاجات والإنجازات، بل يلقي الضوء أيضاً على الأفلام الغنائية بشقيها الهابط الذي كان يروّج للعديد من الوجوه الغنائية الشعبية، وذلك الهادف مع تجربة سينما الرحابنة.

يستعرض الشريط أيضاً تجربة السينما والمرأة. يقارب كيفية تصوير المرأة في السينما اللبنانية، أكانت المرأة الجميلة الحرّة أو الحسناء المثيرة أو الأرملة أو الأم المفجوعة. كما يعرض تجربة المرأة اللبنانية في السينما مع أسماء كجوسلين صعب، وليلى عسّاف. الستينيات التي شهدت مرحلة من أفلام الكمية على حساب النوعية، كانت لها حسناتها أيضاً. هي كانت سبباً في فتح المزيد من شركات الإنتاج والاستديوهات واستقدام المزيد من المعدّات والتقنيات. وربما كانت المرحلة التي مهّدت لتوجّه لبنان إلى الصناعة المحلّية. وللستينيات أيضاً فضل في تكوّن ردة فعل على الإنتاج الخالي من المضمون، وبداية التوجه الى سينما أكثر جدّية. كانت هذه الإنتاجات بمثابة اختبار وتجربة كأغلب المحاولات السينمائية التي تشبهها قبل هذه الحقبة وبعدها. لا يخفي الفيلم حقيقة عدم نيل الأفلام التي قررت الابتعاد من السائد الإقبال الجماهيري مثل «الأجنحة المتكسرة» (1964) ليوسف معلوف وأخرى من إخراج أنطوان ريمي، وكاري كارابتيان وغيرهما.

يتوقف الفيلم سريعاً عند الحرب الأهلية، ونكسة السينما الثانية بعد نكستها الفنية في الستينيات. تعطّلت دورة الإنتاج وأقفلت المتاريس صالات العرض، لكن كان أيضاً للحرب سوق للإنتاج السينمائي الرخيص وجمهور لسينما الأكشن والعصابات. إلا أنّ هذه الحرب ستؤدي لاحقاً إلى تحوّل كبير في التوجّه السينمائي في لبنان، بعد الوعي الذي ستخلقه عند بعض المخرجين في الثمانينيات كبرهان علوية، ومارون بغدادي، ورفيق حجّار، وغيرهم وصولاً إلى المرحلة الأولى التي تلت وقف إطلاق النار النهائي.

كمال يعيش: عودة متأخرة إلى العشرية السوداء

زهور غربي/ الجزائر

مراد (دحمان ايدروس) رجل يقطن حيّاً شعبياً في جزائر التسعينيات. يلحق به قدره وهو يقف على عتبة الخمسين بعدما انغمس في الرتابة منذ سنوات ليجِد حياته تُقلب رأساً على عقب بين ليلة وضحاها. إذ يتعرّف إلى سمير شاب في مقتبل العمر في مكان يلتقي به مجموعة من السكارى، ويتولى مراد وصديقه نبيل سقايتهم بأنواع من الشراب، فأصبحوا مع مرور الوقت «ميستا»: مصطلح لتعريف مجموعة من السكارى تلتقي في مكان واحد باللهجة الجزائرية العامية. تشاء الظروف أن تتوطد العلاقات بين مراد وسمير في خضم مغامرة تتيح لمراد تحقيق حلم لطالما راوده أيام شبابه: أن يصبح ممثلاً مسرحياً. يشرع في تحقيق حلمه القديم: أن يلعب دور جيري في رائعة إدوارد ألبي «قصة حديقة الحيوانات». هذه باختصار قصة «ميستا» كمال يعيش التي اختير لها أن تدشن الموسم السينمائي في الجزائر.

«لم يتغلب الفن على الإرهاب» جملة بدأ بها السينمائي الجزائري كمال يعيش (مواليد 1968 في قسنطينة) نقاشه مع الصحافة عقب عرض فيلمه «ميستا» قبل أيام، مشيراً إلى أنّه ركزّ على الفنان وأحلامه الضائعة في دهاليز تسعينيات الدم والإرهاب في الجزائر. وتابع أنّه قدمه بصورة واقعية، وبقراءته الخاصة بغض النظر عن التفاصيل الصغيرة التي تضمّنها ووصفها بغير المهمة مقارنةً بمقاربة تأثير الإرهاب على الفن وطموحات أهله بصفة خاصة، والمواطن الجزائري بشكل عام.

وخلال اللقاء الذي أقيم مباشرة عقب عرض «ميستا» المخصص للصحافة في «قاعة ابن زيدون» في رياض الفتح في العاصمة الجزائرية، أوضح يعيش أنّ الفيلم يدرج ضمن الأعمال الواقعية انطلاقاً من القصة المعالجة برؤيته الشخصية وبقراءته ولم يستثن التطرق إلى الإرهاب. في موازاة الإضاءة على طموح مراد، ركّز أيضاً على طلقات الرصاص وتهديدات الإرهابيين والذبح والكفن وغيرها.

وأكد في السياق ذاته ارتكازه على أداء الممثلين عبر لحظات الصمت والحوارات الطويلة التي غلب عليها الطابع المسرحي، مع توجيههم بطريقة موضوعية.

حوارات طويلة يغلب عليها الطابع المسرحي

وعن عنوان الفيلم، أشار يعيش إلى أنه عبارة عن مكان اجتماع أو اختلاط الناس على الهامش. قصة الفيلم يمكن أن تقسم إلى جزءين: الأول يحكي حياة مراد (دحمان إيدروس) مع العائلة والمجتمع والعمل وأحلامه وآماله التي حطمها الإرهاب. فهو رجل يعيش في حي شعبي في جزائر التسعينيات، ويشتغل في مقهى «ببلكور» نهاراً، ويبيع الخمر ليلاً على الشاطئ برفقة أصدقائه، ليعيل عائلته، وسط تهديد الإرهابيين له، إذ يهدده بالقتل أخوه الإرهابي المطلوب لدى العدالة. انغمس مراد في الرتابة منذ سنوات، وابتعد عن خشبة المسرح التي هي حلمه الأثير، واكتفى بتوزيع وقته بين مقهى بائس وشلة يائسة (ميستا) يسقيها خمراً على أحد الشواطئ في جنح الظلام. أما القسم الثاني، فيتعلق بالشاب سمير الممثل المسرحي الذي يعيش للفن ويأمل في إنتاج أول مسرحية مقتبسة عن نصّzoo story وبطلاها جيري وبيتر. لكنه يائس تتملكه المخاوف في بلد يذبح أبناؤه المنتمون إلى الفن. يحاول الانتحار، فيكون مراد منقذه أولاً وباعثاً لحلمه ثانياً. وتشاء الظروف أن يعرض سمير على مراد المشاركة في المسرحية المقتبسة عن نصّ ادوارد آلبي. وبعد تفكير طويل، يقبل مراد ويبدأ العمل. ولدى موعد عرض المسرحية في «المسرح الوطني»، يذبح الإرهاب صديقه العزيز ورفيق دربه.

«ميستا» أول فيلم جزائري يقدم في عام 2015، ويعد الباكورة الروائية الطويلة للمخرج كمال يعيش بعدما أنجز سلسلة أعمال في مجال المسرح. شاركت في العمل كوكبة من الممثلين تتقدمهم رانيا سيروتي في دور زوجة مراد، وفوزي صايشي في دور نبيل، ومراد أوجيت في دور سمير، إضافة إلى الممثلة نادية طالبي وأمين بوشملة، وأحمد بن عيسى في دور «الحاج المختار»، وعزيز بوكروني. وينكب يعيش حالياً على فيلم قصير بعنوان «الفراشة».

الأخبار اللبنانية في

13.01.2015

 
 

الهرب من المنفى إلى الموت في الوطن

كاظم مرشد السلوم

يحلم بمرسم ويقايضه الوطن.. ياسين قلنا لك احذر وأنت تحلم بمرسم.. احذر هؤلاء الأدلاء الجدد.. لهم خمس صلوات في اليوم كما لنا.. لكنهم يقفون ويدلون المارة علي القبور المعدة لنا سلفاً”.

لعل مقتل الفنان التشكيلي ياسين عطية نتيجة انفجار في منطقة سكناه ببغداد وهو العائد من المنفى حباً بوطنه، هي الثيمة التي كان يفترض أن يشتغل عليها المخرج جمال أمين في فيلمه “ياسين يغني” الذي أخرجه وفاء لصديقه ياسين عطية، إلا انه فضل الاشتغال على شخصية ياسين، ياسين الانسان الذي كان يتعامل أو يقابل جميع الصعاب بابتسامة، ورسم لوحة جديدة، وأغنية من الأغاني التي رافقته من الوطن الى المنفى.

جمع أمين الكثير من المواد الأرشيفية المصورة لياسين، خصوصاً تلك التي تصور اللحظات التي كان فيها ياسين يرسم وهو يغني، الأغاني بحد ذاتها كانت تحمل لوعة وشجناً وحزناً يعبر عن عمق مشاعر الألم التي يشعر بها ياسين في منفاه، المنفى الذي أجبر عليه ولم يختره، بعد أن سجن في ثمانينيات القرن الماضي بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي العراقي، وبقي ملاحقاً حتى بعد خروجه من السجن.

جمال أمين نجح في ايصال ما أراد قوله من خلال العديد من اللقاءات مع اشخاص التقوا ياسين ويعرفون طيبته وقوة تحمله، شهادات جاءت لتصف ياسين وتنصفه، الأهم في هذه اللقاءات ان بعضها سجل في حياة ياسين وليس بعد موته.

الفيلم وثائقي، لذلك ترك جمال الكاميرا تتنقل بانسيابية من دون التعمد في اختيار اللقطات وعدم الاهتمام بجمالية اللقطة، وهو ما يحسب له، فنحن أمام فاجعة فقد فنان تشكيلي مهم، وأحياناً تكون حركة الكاميرا بهذا الشكل، هي المعبر عن حجم الفقدان، لكنه في الوقت ذاته استغل اللوحات الجميلة التي رسمها ياسين لتكون المعادل الجمالي.

كان بالإمكان أن يكون الفيلم وثائقياً درامياً “ديكو دراما” حتى يمكن أن نشتغل على مفارقة موت ياسين عطية، من خلال توظيف حكاية جانبية تروى على لسان الراوي العارف بكل شيء، يسرد بها حكاية ياسين من الوطن الى المنفى الى الوطن الى الموت، الأسباب التي أدت الى هجرته وكذلك التي كانت سبباً في عودته، حكايات طفولته ودراسته، عائلته التي تركها في المنفى بعد موته، فكما قلنا في البداية، إن الثيمة التي كان يمكن لجمال أن يشتغل عليها هي مفارقة أن يأتي شخص من منفاه الأوروبي، حيث الأمان والتمتع بالقوانين المدنية والامتيازات التي يوفرها له البلد الآخر، إلى جحيم الصراع والإرهاب، والتفجيرات اليومية التي تحصد أرواح الناس يومياً، أسباب القرار الذي اتخذه ياسين بالعودة، العودة إلى الجذور، حتى لو كان ذلك من خلال زيارة إلى وطنه الذي لم يفارق خياله يوماً ما.

اعتقد إن جمال أراد أن يشتغل فيلمه قبل أن يمر وقت طويل على وفاة ياسين عطية، وهو ما أثر على الفيلم، لأنه كان بإمكانه أن يعمل فيلماً طويلاً، يعرض لكل الذين يعيشون في المنافي البعيدة، الذين لا يقلون حماسة وشوقاً عن ياسين في أن يروا بلدهم يزدهر ويعيشون فيه، لكن البعض يحذر العواقب، في حين البعض الآخر مثل ياسين لم يحتمل أكثر مما احتمل، فجاء موته على يد أشخاص ” لهم خمس صلوات في اليوم كما لنا.. لكنهم يقفون ويدلون المارة على القبور المعدة لنا سلفاً”.

جمال أمين أوفى صديقه حقه، من خلال هذا الفيلم الجميل الذي يضيف لرصيده فيلماً جميلاً آخر من سلسلة أفلامه التي تتخذ من حياة المغتربين والمنفيين العراقيين موضوعاً لها، مثل اللقالق، قطع غيار، وغيرها، حيث كان ياسين عطية بطلاً في الأخير.

أعتقد أن عمل مثل هكذا أفلام عن المبدعين العراقيين مهم جداً، وان كان يفترض أن يكون في حياتهم كتكريم لهم، وربما يكون توافر جمال أمين على العديد من اللقاءات مع ياسين في حياته، واستعراضه للعديد من جوانب حياته، هو دليل على نيته في عمل فيلم عن ياسين في حياته، وربما يكون لجمال أفلام مقبلة عن مبدعين آخرين في المنافي البعيدة.

الصباح الجديد العراقية في

13.01.2015

 
 

"طريق مالاغاسي": سيرة على هامش الفقر

طاهر علوان

تنبض المدينة بعيدا في مكان ما وتطلق أضواءها وصخبها وحياتها الخاصة ومصانعها وملامح التحضُّر فيها ، هناك في أماكن قد لا تكون مرئية للجميع إلى درجة يغدو معها كل كلام عن حياة مترفة ومرفهة هو ضرب من الخيال مقارنة بحياة الهامش المنسي، هامش الفقراء الذين يكررون سيرة أيامهم بعيدا عن صخب المدن .

نزعة البقاء هذه هي التي تختصرها ثلة من الفقراء الذين تراهم غير مكترثين بفقرهم ولا بمعادلات القوة والمال والسلطة أينما كانت، فسيرتهم اليومية تغنيهم عن كل شيء ولهذا لا تدخل في مفرداتهم أي مفردات خارج منطقة حياتهم وخارج دورتهم اليومية وهم يتنقلون فيها في أماكن تكررت جغرافيتها دون أن يملّوا هم ذلك التكرار ولا يرفضونه ولا ينئون بأنفسهم عنه .

هذه الخلاصة تختصر سيرة جماعة الملاغاسي في جمهورية مدغشقر حيث هو موضوع هذا الفيلم من إخراج "مانتينيا  لوفا " والذي عُرض في العديد من المهرجانات الدولية مؤخرا . سيرة أفراد قلائل يتكرّر ظهورهم في الفيلم ولكن بأدوار متعددة وكأننا إزاء تبادل لتلك الأدوار لتأكيد ديمومة الحياة والصبر على الفقر .

المرأة المكافحة التي نشاهدها وهي تحصد القمح ثم تقوم بإفراغ حباته وفق الطرق البدائية بضربه على صخرة، هي نفسها التي تعيل أطفالا وهي نفسها التي تجيد الخطابة وستجمع أبناء القرية وتلقي فيهم خطبة وهي نفسها التي تشارك الفرقة الموسيقية للقرية تدريباتها اليومية لإحياء حفل .

وما بين ذلك تتوزّع مهن وأشخاص يتعاطون بيع البضائع الرخيصة والمستعملة وأحيانا المستهلكة ولكنك تجد باعتها وهم محتفون ببضاعتهم يروجون لها ويعلنون عن فوائدها وجودتها  وهو ما يلفت النظر في تلك القرية النائية التي تصنع قوتها بنفسها.

في المقابل هنالك على الجانب الآخر حياة أخرى لا يعرفونها ولا تشغل بالهم ، بيوت المرفهّين والأغنياء في عمق المشهد في مقابل الهياكل المتداعية والعشش الصغيرة التي يصنعها أولئك الفقراء من الملاغاسي.

لعلها قصة الفقر التي يتنقل هذا الفيلم الوثائقي بين محطاتها، فقر لا يشكوه الناس بالرغم من كونه ماثلا للعيان لكن في نفس الوقت هو تحدٍّ للذين يبحثون عن حل ما للحياة والمصاعب التي تملأها.. وهم مرة أخرى لا ولن يشكوا هذا الفقر بل تجد أن لديهم قدرة على الابتسام والتفاعل مع الآخرين ومع البيئة المُعاشة  دونما أدنى رد فعل سلبي أو متذمر، فالكل هنا فيما يشبه العائلة الواحدة أو مجموعة من الأصدقاء الذين يتبادلون الزيارات ويحتفون ببعضهم ويقبلون بعضهم البعض بشكل ملفت للنظر.

هنا ستنتج بيئة الفقر مهنا شتى من بينها أولئك الذين يزرعون مساحات الأرض بأي شيء من أجل قوت يومهم وأولئك الذين يصلحون أي شيء معطل وذاك الذي يجمع قرون الحيوانات  ليستخرج منها مواد جيلاتينية  بتأثير الحرارة وليقوم فيما بعد ببيعها بكمية كبيرة والكل  سيتحدث عن أصول مهنته وكيف يعمل .

أما تلك المرأة الفلاحة/المغنية والخطيبة النشيطة فإنها وهي ترعى أطفالها الصغار، تراقب زوجها الحداد وهو يقطع الحديد ويعالجه بطرق بدائية من خلال إشعال النيران والجمر لكي يلوى الحديد ويتخذ الشكل الذي يريده .

واقعيا فإن هؤلاء المالاغاسي كلهم تقريبا يقومون بليّ الحديد وتطويعه من خلال تطويع الحياة لإرادتهم وطول صبرهم على فقرهم وما هم فيه.

يصنع الفيلم نسيجا موضوعيا تاركا الشخصيات تعبر عن نفسها بعفوية واضحة ومن دون تكلف ولهذا سرعان ما تتآلف معها وتشاطرها ماهي فيه خاصة وأن الكاميرا هنا ليست غير شاهدا أمينا على تلك الحياة المنسية .

الأطفال الذين اضطرتهم الأمطار إلى الخوض في المساحات المائية المتجمعة وأولئك الموسيقيون المحليون الذين يحملون آلاتهم البسيطة إلى الداخل أيضا تحت جنح الليل ..آلات موسيقية تشهد طريقة تطويرها وتطويعها كعيدان الخيزران والعلب المعدنية المهملة وغيرها، كلها تستخدم من أجل إنتاج الأصوات والإيقاعات التي تريدها تلك الفرقة الموسيقية التي تنشد الأغاني المحلية  للمالاغاسي والتي تجد لها جمهورا عريضا في أوساط أولئك الفقراء الذين يتفاعلون معها بودّ وأريحية ملفتة للنظر.

طريق الملاغاسي هو طريق الوثائقي الذي يعيش مع الشخصيات في يومها وليلها لا يبرحها ولا يفارق سيرتها بل يتولى عكسها إلى الجمهور العريض لغرض التعريف بها إذ أنها كائنات بشرية وإن كانت تعيش على الهامش إلا أنها تُعلِّم دروسا في الإرادة واستمرار مسيرة الحياة والسعي يوميا.والوثائقي هنا شاهد على الحياة متفاعل معها إلى حد كبير وفي نفس الوقت يصبح بشكل ما أداة للشخصيات لتأكيد ذاتها وهي تتحدث عن حياتها وعملها اليومي وما تصبو إليه ولهذا تصبح الكاميرا هنا أكثر قربا وتفاعلا مع تلك الحياة الصامتة والمنسية .

تثير تفاصيل هذا الفيلم مسألة وظيفة الوثائقي المتجددة في اقترابه من الحياة أو ابتعاده عنها لاسيما الحياة المنسية للشرائح والمجموعات التي تعيش على الهامش، على هامش الحياة وتحت سطوة الفقر، وهو ما أجاد به هذا الفيلم سواء من ناحية المعالجة أو الموضوع المطروح رغم أنه من المآخذ أنه لم يتوسع في رصد ظاهرة الملاغاسي باللقاء مع من هم يعيشون خارج هذه البيئة المغلقة ولا تعرض لموقع المالاغاسي من البلاد وأحوالها وهي متطلبات لو تكاملت لأعطت للفيلم غزارة تعبيرية أكثر .

"موتى خلف القضبان" في بلدٍ متحضر

عدنان حسين أحمد

يُعدّ الفيلم الوثائقي "موتى خلف القضبان" للمخرج البريطاني سام إيميري من الأفلام الصادمة في الوقت الحاضر لأن المُشاهد لا يتوقع أن السجين البريطاني يمكن أن يقوم بعملية إيذاء للنفس أو يقْدِم على الانتحار داخل سجنه الفردي أو الجماعي لأن هناك نزلاءً آخرين يعتدون عليه ويقرّعونه ليل نهار.

استلهم سام إيميري فكرة هذا الفيلم من تقرير رسمي صادر عن وزارة العدل البريطانية عام 2012 يكشف بالأدلة القاطعة أن هناك 80 سجيناً بريطانياً تتراوح أعمارهم بين 24 سنة فما دون قد أقدموا على الانتحار داخل السجون البريطانية خلال العشر سنوات الأخيرة لأسباب عديدة أبرزها تعرُّضهم للإساءة والاعتداء من قبل نزلاء آخرين يتميزون بسلوكهم الوحشي الفظ الذي يشكل خطراً دائماً على بقية السجناء العاديين أو الضعفاء بدنياً أو المصابين بأمراض عقلية أو نفسية.

تقوم بنية الفيلم على ثلاثة أشخاص أقدموا على الانتحار داخل السجون البريطانية ووضعوا حدّاً لحياتهم القصيرة التي لم تجتز العشرين عاماً آخذين في الاعتبار أن عدد السجناء البريطانيين الذين انتحروا من مختلف الأعمار خلال العشر سنوات الأخيرة قد بلغ 163 شخصاً بحسب تقارير وزارة العدل أيضاً، وهو رقم مخيف في بلدٍ متحضر يحترم حقوق الإنسان ويسعى لتكريسها كل يوم على أرض الواقع فكيف تحدث مثل هذه الانتهاكات المروِّعة لحقوق الإنسان البريطاني الذي ولج مرحلة الرفاه الاقتصادي منذ سنوات طويلة؟

التوحّد وقصور الانتباه

يستهلّ المخرج سام إيميري فيلمه بشخصية السجين جيك هاردي حيث نعرف من خلال أمه وشقيقته وصديقه أن عمره 17 سنة، وأنه مُصاب بحالة نفسية اسمها "قصور الانتباه وفرط الحركة"، ومع أن نسبة هذا المرض النفسي قد تصل إلى 5% في كل الشعوب التي تعيش على كوكبنا الأرضي إلاّ أن المصابين يحتاجون إلى رعاية خاصة تختلف عن رعاية السجناء العاديين. كما كان جيك يعاني من صعوبات في التعليم ومشاكل ذهنية أخرى سوف تؤرق الناس المحيطين به في الأسرة والمدرسة الخاصة على وجه التحديد. وأكثر من ذلك فإن لديه تاريخا من الإيذاء النفسي الأمر الذي يحمّل القائمين على سجن الأحداث واليافعين مسؤولية نقله إلى "وحدة خاصة" بالمرضى المتوحدّين الذين قد يقدمون على إيذاء النفس في أقل تقدير إذا ما تعرضوا إلى المضايقة أو الإزعاج أو الاعتداء.

تشاجر جيك ذات مرة مع صديقته فهدّدها بالسكين وحينما حاولت انتزاعها منه خشية أن يؤذي نفسه جرحها مما دفع الشرطة لاعتقاله ليصبح هو نفسه هدفاً سهلاً للإساءة والإيذاء من قبل السجناء الخطرين في سجن الأحداث في هندلي. وعلى الرغم من أن جيك قوي البنية وطويل القامة إلاّ أن لديه عقل طفل كما تقول أمه ليز هاردي فلا غرابة أن يهددهُ السجناء بالطعن بعد أن أخبروه بأن رائحته كريهة، ونعتوا أمه وعائلته بكلمات بذيئة دفعته لأن يخبر حرّاس السجن لكنهم لم يحركوا ساكناً ولم يتخذوا أي إجراءات بحق المعتدين. فالقصور يكمن في القائمين على السجن من حراس ومسؤولين إداريين. لقد خصصت إدارة السجن موظفاً خاصاً لمتابعة حالة جيك لكن هذا الموظف لم يقرأ التقارير الموجودة عن تاريخ النزيل الطبي ولم يعرف بأنه مصاب بقصور الانتباه وفرط الحركة، ولم يُدرك أن هذا النزيل يمكن أن يؤذي نفسه في أي لحظة يفقد فيها توازنه ولا يستطيع السيطرة على نفسه. بل إنه كان يعتقد بأن جيك قادر على حماية نفسه لأنه يمتلك جسداً ضخماً من دون أن يعرف ضعفه الذهني وسلوكه المرضي الذي قد يشكل خطراً عليه قبل الآخرين.

تفاقمت الحالة النفسية لجيك حينما لم يُتح له الاتصال بوالدته. كما أنه لم يستطع الانسجام مع بيئة السجن الجديدة لأنهم كانوا يعتدون عليه ويؤرقونه بشكل متواصل الأمر الذي يدفعه للانخراط في البكاء في بعض المكالمات الهاتفية مع أمه. كشفت كاميرات المراقبة التي تغطي زنزانات السجن برمتها اعتداءات السجناء وإساءاتهم لجيك لكن الحراس لم يحركوا ساكناً فكان رد فعله هو أن يرفس الباب بقدمه مرات عديدة لكنه يتلقى بالنتيجة المزيد من الإساءات.

تصف الأم ليز هاردي ولدها جيك "بأنه تابع وليس قائداً" وذلك بسبب حالته النفسية. وقالت "بأنه لا يعرف الصحّ من الخطأ" وأنه "يتصرف بعمر صبي من سن الثانية عشرة، وإذا لم يتناول حبوبه فإن سلوكه يصبح طائشاً ويؤذي نفسه في خاتمة المطاف".

تحتفظ ليز هاردي بجوارب ابنها بعد أن انتحر داخل السجن حيث شنق نفسه على سرير النوم المزدوج. وذكرت بأنها تحمل معها هذين الجوربين أينما ذهبت فما تزال رائحة قدميه فيهما. لم تستطع الأم أن تنام ليلة واحدة، فهي تحلم به على الدوام وتقول بأنه مات تحت رعاية الدولة خلال 46 يوماً، بينما لم يمت وهو كنفها خلال سبع عشرة سنة. وصفت السيدة ديبورا كولز مديرة مؤسسة إنكويست الخيرية "بأن موت الأطفال واليافعين في السجون البريطانية يجب أن يكون فضيحة وطنية تخجل منها الدولة". فالدولة لم توفر وسائل الحماية للنزلاء الضعفاء، كما أنها لم تمنع عنهم الإساءة والاعتداء.

هاجس السرقة

ينحدر آدم راشتون من مدينة بوويز وسط ويلز وبدا سعيداً حينما تبنته عائلة من برنسفورد وهو في سن السابعة. لا تختلف السيدة أنيت راشتون عن ليز هاردي في رهافة مشاعرها تجاه ابنها بالتبنّي آدم لكن اللافت للنظر في شخصية هذا الطفل هو تعلّمه السرقة منذ الصغر وبما أن أخويه التوأم صغيران ويحتاجان إلى التغذية فقد كان يذهب إلى بيوت الجيران ويأخذ قناني الحليب الموضوعة عند عتبات المنازل لكي يبقي أخويه على قيد الحياة. لم تكن السرقة هي الخصلة الوحيدة التي تأصلت فيه حيث تذْكر أمه بأنه كان نشيطاً جداً، ومُولعاً بإيذاء الآخرين، فإذا دخل المرحاض أغرقه بالماء أو حطّم شيئاً من الأشياء الموجودة فيه، فقد كان يميل إلى تدمير الأشياء، وتمزيق كل ما يصادفه في طريقه. ولم تنفع معه كل الرحلات الترفيهية التي تحققها له أمه، فحينما يعود من شاطئ البحر أو من سفرة مدرسية يتدهور سلوكه من جديد، ويعود لعاداته القديمة المتأصلة.

وهو يعتقد في قرارة نفسه "بأنه إنسان غير محبوب". وهو لا يختلف كثيراً عن جيك حيث أُصيب هو الآخر بحالة "قصور الانتباه وفرط الحركة" والمريض في هذه الحالة يحتاج إلى اهتمام كبير من قبل المحيطين به وإلاّ فإنه سوف يعتقد بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه. وبسبب هذا السلوك العدائي طُرد من المدرسة فعاد إلى البيت من جديد. وحينما شعر بالضيق والاختناق قرر أن يغادر المنزل وهو في سن السادسة عشرة ويسكن في نُزُل قرب مدينة نيوتاون. لقد فشل آدم في كل شيئ تقريباً، كما ترى أمه، لكنه نجح في السرقة التي تمكنت منه وأصبحت تجري في عروقه مثل الدماء، بل إن فعل السرقة هو الشيئ الوحيد الذي كان يُشعره بالفرح ويميّزه عند أقرانه الصغار الذين يستغربون جرأته في هذا المضمار. سُجن آدم عشر مرات لارتكابه أخطاءً صغيرة لكنه قرر في خاتمة المطاف أن ينتحر بنفس الطريقة التي انتحر بها جيك هاردي وفي نفس الزنزانة

لم توافق السيدة أنيت على الذهاب لمشاهدة المكان الذي انتحر فيه ابنها وقد وصفت مشاعرها المرهفة حيث قالت: "حينما أدخل السجن أرى 30 أو 40 وجهاً مثل وجه آدم، وبنفس التعابير المرسومة على وجوههم". ثم تختم كلامها بالقول: "نعم يستحقون العقاب لكن كان على الدولة أن تفعل شيئاً من أجلهم".

محاولات انتحار متكررة

ما يميز رايان كلارك هو ضعفه وضآلته لكن مشكلته الرئيسة تكمن في داء السرقة الذي تمكن منه فلقد سرق العديد من الهواتف المحمولة، بل همّ بسرقة حُلي مرشدته الشخصية حينما التقاها ذات مرة. تعرض رايان بشكل مستمر للاعتداء من قبل أقرانه السجناء ولأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً أو يرد على المعتدين كان يضرب رأسه بالحائط، وحينما يسقط من الألم والإعياء يتركه الحرّاس مغشياً عليه دون أن يكلفوا أنفسهم عناء أخذه إلى الطبيب. ثمة أمور صغيرة في حياة هذا السجين الضعيف المتعلق بأمه الذي لم يسمحوا له بأن يتصل بها في "يوم الأم" الأمر الذي دفعه لأن يعتكف في السجن لمدة سبعة أيام لكنه سرعان ما يحطم هذه العزلة ليندمج مع أقرانه الذين يعادون الكرّة في إيذائه والإساءة إليه.

لابد من الإشارة إلى أن صديقاً لرايان قد حاول الانتحار سبع مرات لكنه لم ينتحر وكأن هذه المحاولات السبع هي جرس الإنذار الذي كان يقرعه في كل مرة منبهاً الحراس والموظفين إلى حالته النفسية المتدهورة التي كانت تضطرهم لأخذه إلى المستشفى بينما كان رايان يلوذ بالعزلة والصمت اللذين أفضيا به إلى الانتحار  في سجن وذربي عام 2011 وهو في السابعة عشرة من عمره.

القصور الإداري

يعتقد كل الذين شاركوا في التحقيق بقضية موت السجناء البريطانيين خلف القضبان بأن الدولة كانت مقصرة بشكل أو بآخر تجاه النزلاء وخاصة المرضى منهم حيث لم يتم وضعهم في وحدات خاصة بهم تبعد عنهم شبح الإساءة والعدوان الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى درجة التعذيب القاسي بحيث يدفع صاحبه إلى الانتحار ووضع حد لحياته المؤلمة. وبما أن الزنازين جميعها مراقبة فلماذا لم يقم الحراس أو الموظفون المسؤولون عن المراقبة باتخاذ إجراءات سريعة تحاسب المعتدين وتضع حداً لتجاوزاتهم، وتحمي الضعفاء منهم. رب سائل عن سبب وجود الأسرّة المزدوجة طالما أن الشخصيات المريضة نفسياً تستعملها كمشانق؟ ألا تستطيع دولة بحجم المملكة المتحدة أن تضع أسرّة منفردة في هذه السجون بدلاً من الأسرة المزدوجة التي تسببت بموت 164 سجيناً خلال عشر سنوات؟ ألم يكن بإمكان الحكومة البريطانية أن تودع المرضى المصابين بالتوحد وقصور الانتباه وفرط الحركة وغيرها من الأمراض النفسية في سجون خاصة كي تتفادى الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم في السجون الاعتيادية التي تضم مجرمين يشكلون خطراً جدياً على حياة السجين المريض أو من ذووي الاحتياجات الخاصة؟

لابد من الإشارة إلى أهمية المونتاج في هذا الفيلم المركّز الذي يُظهر براعة المونتيرة أماندا باكستير التي شذّبت الفيلم من زوائده. فكما هو معروف أن قنوات البي بي سي الإنكليزية برمتها لا تعرض أفلاماً مترهلة تفتقر إلى الخطابات البصرية الجمالية والمضامين الإنسانية ولهذا أرادت لهذا الفيلم أن يكون مكثفاً ليسرد فواجع الناس البسطاء في بلد متقدم يفاخر بحماية الحريات الفردية والعامة.

جدير بالذكر أن المخرج والمنتج البريطاني سام إيميري قد أنجز نحو عشرين فيلماً وثائقياً نذكر منها: "الإثراء في زمن الركود: الرجل الذي يشتري كل شيئ"، "يوميات عقل محطّم"، "أريد أن أغيّر جسدي"، "أطفال خلف القضبان" وغيرها من الأفلام الوثائقية المميزة التي لا تغادر ذاكرة المتلقي بسهولة.

الجزيرة الوثائقية في

13.01.2015

 
 

في «الفردوس المفقود» .. الشعب يريد بقاء «الديكتاتور» !

مجدي الطيب

• لا يمكن القول إن الفيلم وثق مسيرة تاجر مخدرات كولومبي وإنما رسم ملامح «الطاغية» أو رجل الأعمال الذي يرى نفسه «دولة داخل الدولة» !

أهمية هذا الفيلم الذي يحمل عنوان «اسكوبار : الفردوس المفقود» أنه متعدد الأوجه والقراءات؛بحيث يمكنك أن تراه مجرد واحد من أفلام السيرة الذاتية يحكي قصة «بابلو اسكوبار خافير» ( 1 ديسمبر 1949 ـ 2 ديسمبر 1939) الذي كان يُنظر إليه بوصفه «الأب الروحي» لتجارة المخدرات ثم الكوكايين في كولومبيا،والقاتل الذي لا يرحم من يقف في طريقه. بينما أمكنني قراءة الفيلم،الذي تفرغ مخرجه اندريا دي ستيفانو خمس سنوات لانجازه،بوصفه وثيقة مرئية ترسم بوعي وذكاء ملامح «الطاغية» أو «الديكتاتور» !

إذ لا يمكن القول إن الفيلم،الذي شاركت بلجيكا،فرنسا وإسبانيا في إنتاجه،وعُرض في افتتاح برنامج «سينما العالم» بالدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي،اكتفي بالحديث عن «بابلو اسكوبار خافير» - أدى الدور ببراعة فائقة الممثل بينيسيو دل تورو - كواحد من أباطرة المخدرات في كولومبيا والعالم،بل هو «الطاغية» .. الناعم والثعبان،الذي يعيش حياة اجتماعية لا تخلو من مشاعر إنسانية جارفة تجاه زوجته وأولاده وعائلته،ولا يفَوت مناسبة من دون أن يُجزل العطاء على أهل وطنه، الذين يشعرون بالامتنان والتقدير لأياديه البيضاء؛فقد كان أكثر حنواً على الفقراء،وشيَد لهم المساكن والمدارس والمستشفيات التي لم تفكر الدولة في بنائها،وأغلب الظن أنه كان يرى نفسه «دولة داخل الدولة» !

«الشعب يريد»

الحقيقة التي لا شك فيها أن المخرج،الذي تصدى لكتابة السيناريو،نجح في رسم شخصية «بابلو اسكوبار خافير» بأبعاد متعددة ومتناقضة؛فالرجل الذي يغني لزوجته،التي تهيم به حباً،ويلهو كالطفل مع صغاره،يتباهى ـ في المقابل ـ بأنه يمتلك السيارة التي قُتل بداخلها الزوجان الشهيران «بوني» و«كلايد»،اللذان روعا جنوب الغرب الأمريكي في ثلاثينيات القرن الماضي،بل أنه أبقى عليها بالرصاصات ال 167 التي قيل إنها انهالت على السيارة،وهما في داخلها،وهو نفسه الذي لا يتورع عن اللجوء إلى العنف،والبطش بمن يُهدد مصالحه،وهو ما فعله عندما حرض أتباعه على اغتيال وزير العدل الكولومبي بعد أن تجرأ وتساءل عن سر نفوذه،وفكر في فتح ملفاته؛فالازدواجية سمة وملمح في الرجل،الذي لم يأبه للتقاليد،وبارك علاقة الحب بين ابنة أخيه الكولومبية الحسناء «ماريا» - كلوديا ترايساك – والأمريكي «نيك» - جوش هاتشرسون -،الذي جاء بصحبة شقيقه وزوجته للترفيه، والاستقرار، والاستثمار في إحدى المدن الساحلية في كولومبيا،ورحب بانضمامه إلى العائلة،لكنه ـ كعادته ـ كان أول من أمر أتباعه بالتخلص منه،كما فعلها من قبل مع شقيقه وزوجته وطفلهما،لكي يأمن خطره في حال إذا ما فكر في إفشاء مكان الثروة التي خبأها في أحد المناجم النائية،قبل أن ينفذ «اسكوبار» صفقة مشبوهة مع الدولة !

اختار المخرج أن تدور الأحداث عام 1991 في حين غيَب الموت «اسكوبار» في 2 ديسمبر 1939،ومن ثم تحرر المخرج من قيود كثيرة،وأضاف من عندياته الكثير للشخصيات والمواقف الدرامية،غير أنني توقفت كثيراً عند مشهد نجاح الحكومة في ملاحقة «اسكوبار»،وإجباره على تسليم نفسه للسلطات،في إطار صفقة مشبوهة يقضي خلالها عقوبة السجن لفترة زمنية قصيرة،ثم يغادره معززاً مكرماً؛فالاتفاق لا يأتي على هوى «الشعب»،الذي خرج،في مظاهرات غاضبة،يُطالب بعدم الاقتراب من «الديكتاتور»،وراح يهتف بحياة «الطاغية»،الذي قتل ودمر وسفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ،لكنه ابتاع حب الناس، وربما ثقتهم،بهداياه وعطاياه،ما دعا السلطات الأمنية إلى ترتيب لقاء بينه والرعية في «إستاد الكرة» ليُطمئنهم على نفسه، ويؤكد لهم أنه في «أيد أمينة» بل يُعرب عن ثقته أنه «صاحب اليد العليا»،وهو المشهد الذي بدا المخرج / كاتب السيناريو وكأنه يسخر منه،ويواصل،مع نهاية فيلمه،الدعوة إلى ضرورة البحث عن «الفردوس المفقود»،والعمل على إسقاط «الطغاة» .

أبرز ما يميز فيلم «اسكوبار : الفردوس المفقود» نجاحه في التخلص من الشكل التوثيقي للشخصية الحقيقية،وإضفاء المزيد من الخيالات التي أكسبتها خصوصية جديدة،فضلاً عن الاختيار البارع لطاقم الممثلين؛خصوصاً بينيسيو دل تورو،الذي جسد شخصية «بابلو اسكوبار خافير»،ولم يقترب من الشخصية فحسب،وإنما تلبسته بشكل لا يُصدق؛فهو الشيطان الذي لا يعرف الشفقة أو الرحمة،وتحكمه لغة العنف،وتسيطر عليه مشاعر الارتياب،وتغليب المصلحة الشخصية في أجواء من المؤامرات والمتاهات التي تهدد إمبراطوريته لكن المخرج / كاتب السيناريو ركز اهتمامه على هذه الشخصية الرئيسة،وكاد يُسقط من اعتباره بقية الشخصيات الدرامي،حتى يُخيل للمتابع أنه وقع في غرام «اسكوبار»،وهي أسوأ فضيلة كرستها السينما !

جريدة القاهرة في

13.01.2015

 
 

محمد سعد: أختار الأسماء «الحراقة» لأفلامى.. و«حياتى مدلدلة»

حوار - سهير عبدالحميد

يرى الفنان محمد سعد ان «الكاركترات» التى يقدمها فى أفلامه مثل اللمبى وعوكل وكركر واطاطا هى رزق من الله وتقديمها ليس سهلا ويحتاج لمجهود مضاعف بجانب أنها تعيش أكثر مع الناس لذلك يحرص على تقديمها باستمرار حتى لو تعرض لانتقادات مؤكدا ان رأى الجمهور هو الترمومتر الحقيقى الذى يجعله يحدد ماذا يقدم وهل يسير فى الطريق الصحيح أم لا واعطى مثلا بسلسلة أفلام إسماعيل ياسين التى حملت اسمه ومازالت تعيش مع الناس.

سعد فى الحوار التالى تحدث عن أحدث أفلامه «حياتى مدلدلة» وسر اختياره الاسماء الغريبة واصراره على اعادة تقديم الشخصيات القديمة.

بداية حدثنا عن فيلمك الجديد «حياتى مدلدلة»؟

- هو فيلم فكرته جديدة مختلفة واشتغل على السيناريو منذ فترة مع السينارست سامح سر الختم والمنتج احمد السبكى وهو بمعنى «حياتى مبهدلة» كاشارة لاحوال ناس كثيرة تعيش فى مجتمعنا وحياتها غير مستقرة بسبب الظروف التى مرت بها مصر فى السنوات الأخيرة ويقوم المخرج الآن بعمل معاينات لاماكن التصوير واختيار باقى فريق العمل حتى نبدأ تصويره اول فبراير وانا سعيد بهذا الفيلم لانه سيعدنى للسينما بعد غياب عام ونصف العام منذ ان قدمت فيلم «تتح».

هل سيتعرض الفيلم للسياسية؟

- الأحداث من الواقع وليس بالضرورة ان تكون السياسه وهمومها لكن هناك مشاكل كثيرة فى حياة الناس تستاهل ان نلقى الضوء عليها فالواقع يفرض نفسه على الفن ورسالة الفيلم تتلخص ان الحياة مهما كثرت مشاكلها مش مستاهله صراعات.

ما سر اختيارك للأسماء الغريبة فى أفلامك؟

- هذا يكون مرتبطا بالتسويق حيث يتم اختيار اسم يكون جديدا وغريبا على الاذن ويعلم مع الناس وانا بحب فى أفلامى اختار اسماء شعبية حراقة.

وهل سيعرض الفيلم فى موسم الصيف؟

- لا أعتقد ذلك لانه يحتاج لوقت فى التحضير والتصوير لكن قد يعرض فى موسم عيد الفطر وهذا ليس ببعيد خاصة أن شهر رمضان يقترب فى موعده كل عام.

أعدت تقديم «أطاطا» و«اللمبى» فى رمضات الماضى ألم تخش من عدم تحقيقهما نجاحا مع الناس؟

- عندما اخترت أن أقدم أطاطا واللمبى مرة اخرى فى عمل درامى جاء ذلك بناء على طلب الجمهور الذى اعتبره الترمومتر الذى اقيس به نجاح اعمالى فعندما يقابلنى الناس فى الشارع كانوا يسألوننى لماذا لا أقدم سلسلة أعمال لـ«أطاطا وكركر واللمبى وعوكل» لأنهم يحبون هذه الشخصيات وتعلقوا بها وفوجئت بعدها بالمنتج جمال العدل يحدثنى بخصوص مسلسل مكتوب حلو لاطاطا واللمبى وأنه سيوفر ميزانية كبيرة ولن يبخل على العمل بأى شىء والحمد لله ربنا اكرمنا والعمل حقق نجاحا مع الناس رغم انها شخصيات قديمة فالعبرة بالورق الجيد والجديد الذى تقدمه هذه الشخصيات فـ «اطاطا» شخصية غنية تتحمل ان نقدمها فى سلسلة أعمال لأنها مليئة بالتفاصيل والمفردات وأصبحت افيهاتها متداولة بين الشباب والأطفال وحتى عندما اعيد عرض المسلسل على القنوات بعد رمضان حقق نسبة مشاهده عالية خاصة ان عرضه الرمضانى كان حصريا وهناك الكثير من المشاهدين لم يتابعوه فى وسط المسلسلات الكثيرة التى عرضت فى شهر رمضان.

وهل ستقدم جزءا ثانيا من «فيفا أطاطا»؟

- وما المانع إذا كان هناك ورق مكتوب بشكل جيد فعندما عرض على تقديمها فى مسلسل بعد تقديمها فى فيلم الذى حسم الأمر هو السيناريو المكتوب بحرفية وإذا حدث هذا لن يكون فى رمضان القادم لكن فى رمضان 2016 خاصة أنه سيكون من الصعب التحضير لهذا المسلسل وتصويره فى المدة المتبقية على رمضان هذا بجانب اننى احضر لفيلم جديد الآن وسيكون من الصعب الجمع بين الاثنين ولا أحب التواجد فى الدراما عامين متتاليين حتى تكون هناك هدنة.

ما الصعوبات التى واجهتك فى اعادة تقديم «أطاطا»؟

- واجهت ارهاقا شديدا فى وضع ماكياج الشخصية الذى تعدى الـ5 ساعات يوميا وهذا استمر شهورا بجانب «حولة» العين وانحناء الظهر والأهم لغة تعبير الشخصية كل هذا تفاصيل اجهدتنى لدرجة أننى اثناء التصوير اصبت بدور برد شديد من ارتدائى ملابس اطاطا الثقيلة فى عز الحر وأنا «عرقان» وهذا اجبرنى على التزام الفراش اسبوعا كاملا لذلك حرصت عقب انتهاء تصوير «فيفا أطاطا» أن أحصل على اجازة طويلة لكى استعيد صحتى.

هل تحرص على أخذ رأى أولادك فى الاعمال التى تقدمها؟

- بالتأكيد فهم ناقد مهم بالنسبه لى وعندما يرون شيئا مش عاجبهم يناقشوننى فيه.

وما سبب قلة ظهورك الإعلامى؟

- هذا يكون مرتبطا بوجود أعمال اتحدث عنها فعندما يكون هناك فيلم أو مسلسل ما المانع أن نظهر ونتحدث عنه لكن هذا يكون بحساب حتى لا يمل الناس منى.

هل من الممكن أن تعيد تقديم شخصيات «عوكل وكركر وبوحة» فى أعمال على غرار «أطاطا واللمبى»؟

- الذى يحسم الأمر هو ماذا يمكن أن تقوله هذه الشخصيات فانا مستعد أقدم «عوكل واللمبى وتتح» فى سلسلة أفلام ولا أخاف من شىء طالما ستقدم بشكل جيد وأمامى مثل واضح وهو اسطورة الكوميديا اسماعيل ياسين الذى قدم «كراكتر» واحدة فى سلسلة أفلام والناس مازالت تشاهدها حتى الآن ولا يملون منها لذلك أنا أحب تقديم «الكاركترات» المختلفة فى اعمالى واضع تحت مختلفة ألف خط.

كيف استقبلت مؤخرا تكريمك كاحسن ممثل كوميدى عن «فيفا اطاطا» فى استفتاء مجلة الدير جست؟

- سعيد جدا بهذا التكريم لأنه ناتج عن استفتاء الناس وحبهم للمسلسل وهو تكريم لكل افراد المسلسل بداية من المنتج جمال العدل والمخرج سامح عبدالعزيز والمؤلف سامح سر الختم وليس تكريما شخصيا لمحمد سعد ولولا مجهود كل شخص فى المسلسل لما خرج بهذا الشكل المشرف.

روز اليوسف اليومية في

13.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)