كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

هوامش حول أفلام ونجوم

محمود عبد الشكور

 

(1)

فيلم "بنات اليوم" بالنسبة لى أهم بكثير من كونه فيلما غنائيا قدم فيه عبد الحليم حافظ مجموعة من أروع أغنياته بتلحين عبد الوهاب ( من أهواك الى ظلموه و ياقلبى ياخالى وعقبالك يوم ميلادك)، ولكنه نموذج مبكر وناضج للدراما الرومانسية الإجتماعية التى تخصص فيها تقريبا يوسف عيسى (أحد أهم كتاب السيناريو المصريين المنسيين)، والتى تعاون فيها مع المخرج الراحل الكبير هنرى بركات. أساس الدراما هو تحليل نماذج من أجيال الخمسينات الأكثر انفتاحا وجرأة، بينما تبدو علاقة حب البطلين (عبد الحليم وماجدة) إحدى الخطوط المحورية فقط، هناك تشريح جديد تماما للعلاقة بين الرجل والمرأة فى ظل مجتمع يحاول أن يتغير، الشخصيات مرسومة بعناية لدرجة أنك تظن أنها مأخوذة عن أصل روائى، ربما يكون الفيلم قد ساهم أيضا فى فتح المجال أمام الفيلم الغنائى ( الذى كان يعتمد غالبا على قصة خفيفة وحبكة بسيطة) لتقديم موضوعات تكاد تكون شائكة فى زمنها، وربما يكون هذا الفيلم هو الذى شجع عبد الحليم على تقديم "الوسادة الخالية"، الذى ينتمى أيضا الى اللون الإجتماعى الرومانسى.

بينما تلعب علاقة الحب بين الشاب الرومانسى (عبد الحليم) والفتاة الرومانسية (ماجدة) دور وتد الخيمة التى تحمل الدراما، فإن بقية العلاقات شديدة الأهمية أيضا: هناك أولا العلاقة الجديدة تماما فى زمنها بين الأب (سراج منير) وبناته الثلاث، ليس فقط فى التعامل معهن، ولكن فى معالجة مشاكلهن، وهناك علاقة أحمد رمزى (نصف الرومانسى نصف الشهوانى) مع كاريمان (الفتاة اللعوب التى تذهب بحريتها الى النهاية)، وهناك نموذج الفتاة السطحية قليلة الخبرة آمال فريد فى علاقتها المرتبكة مع خالد (عبد الحليم)، وهناك علاقة الأختين معا، ونتيجة ارتباطهما بشخص واحد، ليس معتادا أن يكون الفيلم الغنائى بمثل هذا الثراء الدرامى، نجح هنرى بركات كالمعتاد فى إدارة ممثليه، منح الفيلم طابعا حميما وبسيطا ومؤثرا، علاقات الفيلم ربما كانت تستأهل نهاية مفتوحة، ولكن السينما الغنائية تغلبت فى النهاية،ومع ذلك فقد وصلت الى المتفرج جرأة التناول، وبعد أن ولدت شخصيات مختلفة عما اعتادت أن تقدمه السينما، كما إنها وصلت على جناح وصوت أكبر وكالة للنشروالإذاعة  فى العالم العربى : عبد الحليم حافظ.

(2)

"آيس كريم فى جليم" فيلم جيد ومتميز فى رأيى مع بعض الملاحظات، عمل مختلف، وفيه بصمة خاصة، الأغنيات أيضا لها شكل وطعم ولون (انا حر، ح اتمرد ع الوضع الحالى، رصيف نمرة خمسة،يا دانة، بس انت تغنى واحنا معاك)، فيلم عن جيل جديد آخر يريد أن يتحقق فى بداية التسعينات متحديا بدايات الركود والملل والعادى فى عصر حسنى مبارك، هناك مشاهد جيدة جدا بالذات فى علاقة الشاب سيف (عمرو دياب) مع المغنى الضائع زرياب ( على حسنين فى أحد أجمل أدواره)، ليس فى الفيلم صعود أو نجاح كامل لهذا الجيل الجديد على طريقة الأفلام الغنائية القديمة، ولكن هناك محاولة لانتزاع الفرصة بالغناء سواء على محطة المترو أو على الشاطئ، سيف سينتقل من كشك مغلق فى شارع 9  الى  الفضاء المفتوح، يستخدم المخرج عدسة واسعة تجعل الكشك أقرب الى العالم الواسع،  فكرة انتزاع الميكروفون ستتحقق بشكل أقوى واعمق فيما بعد فى فيلم "ميكروفون"، ولكن يظل "آيس كريم فى جليم" من أهم الأفلام التى رصدت بداية تمرد جيل بأكمله، وأدانت المحاولات المضادة لإحباط وقتل المواهب، هناك سحر خاص وحالة مدهشة صنعها خيرى بشارة، وهناك طموح فى تحقيق ما يقترب من الأفلام الميوزيكال الأمريكية (أغنيات كبديل عن الحوارات مثل أغنية سيمون فى بيتها وهى تقلد مادونا، وأغنية لجيهان فاضل تعبيرا عن حيرتها فى الإختيار بين اثنين يعشقونها، أو أغنية حسين الإمام "افهم فنون اللعب وما تبقاش غبى") ولدينا أيضا صورة رائعة صنعها طارق التلمسانى، المشكلة الواضحة فى بعض الحوارات المباشرة التى لم يستطع أن يتخلص منها مدحت العدل، ولكنه عوضها بالأغانى الجميلة.

شاهدت الفيلم وقت عرضه فى سينما ريفولى، فى أول مشاهدة لم أسمع شيئا لأن جمهور عمرو دياب كان يصفق وقوفا عندما يغنى، وكلهم دون سن العشرين، أعجبنى هذا التجاوب، كنت سعيدا بحالة البهجة فى الصالة، ولكنى لم أستطع التركيز، فى المرة الثانية التى شاهدت فيها الفيلم كان الأمر أفضل، وخصوصا عندما بدأ الجمهور ينتبه الى أغنيات عبد الحليم الوطنية، وعندما بدأ يتفاعل مع المشاهد التسجيلية التى دمجها خيرى بشارة فى الفيلم، لن أنسى فى المرتين حفاوة الجمهور وتصفيقه مع ظهور ممثلين كانا وقتها فى خطواتهما الأولى : أشرف عبد الباقى فى دور الشاعر السياسى الشاب، والراحل الموهوب علاء ولى الدين الذى ظهر فى مشاهد معدودة أثار فيها الضحك، شهد الفيلم أيضا مولد جيهان فاضل التى لم تحقق حتى الآن ما يعادل موهبتها الكبيرة، أما المرة الثالثة اللى شاهدت فيها الفيلم فكانت بأمر أختى التى لا أستطيع أن أرفض لها أى طلب بدخول الفيلم الذى تختاره، كانت من جمهور عمرو دياب، فشاهدتُ الفيلم معها للمرة الثالثة، لم أجد تكرار المشاهدة مزعجا بأى حال من الأحوال .

يكفى "آيس كريم فى جليم" أنه قدم شكلا مغايرا للفيلم الغنائى، يكفيه تلك الروح المتفائلة التى تصل إليك مع كلمات أغنية النهاية :" آيس كريم فى ديسمبر/ آيس كريم فى جليم/ الناس حاسين بالبرد/ وفى قلبنا شم نسيم"، أغنية متحدية وجميلة، وجيل جديد يعلو صوته بالغناء يريد أن ينتزع الإعتراف: " لوشمس الدنيا دى غابت/ أنا شمسى تشق الغيم".

(3)

تبدو موهبة محمد رضا الكبرى فى قدرته على أن يقدم تنويعة خاصة به لشخصية ابن البلد الظريف بعد أن انطبعت فى الأذهان بصورة وهيئة وأداء باذخ الموهبة والحضور عبد الفتاح القصرى، المعلم بأداء محمد رضا أصبح أكثر ضخامة، لديه أيضا نفس التلاعب واللفظى الذى يظهر الجهل والكثير من التعالم والإدعاء، هناك أيضا الكثير من "التطجين" واللخبطة أثناء الحديث، ولكن رضا أضاف لمسة خاصة تتمثل فى تحويل المعلم الى طفل كبير، كلمة ترضيه وكلمة تغضبه، لديه أيضا ضعفه الواضح تجاه الجنس اللطيف، ليس سهلا أن تصنع شيئا مختلفا عن القصرى، ولكن رضا نجح فى ذلك، وكوّن ثنائيا مع هدى سلطان، ومع نبيلة السيد، معّلم مختلف مثل طفل كبير.

قبل عبد الفتاح القصرى كان هناك من لعب دور المعلم الظريف: محمد عبد القدوس، والد إحسان عبد القدوس، ابتكر شخصية المعلم كُندُس، وفوزى الجزايرلى لعب شخصية المعلم بحبح، كان هناك بالمقابل المعلم الشرير بأداء المشخصاتية عبد العزيز خليل ومحمود المليجى وزكى رستم ومحمود إسماعيل، ولكن عبد الفتاح القصرى هو الذى أكمل ملامح شخصية المعلم ابن البلد الظريف، رسمها شكلا ومضمونا، من المشية الى طريقة الكلام، وجعل لها شعبية جارفة، ثم جاء محمد رضا الذى استهلكها تماما، بعده كانت هناك محاولات طفيفة من ممثلين آخرين مثل على الشريف وإبراهيم عبد الرازق وسيد عبد الكريم .. الخ، ولكن ببريق أقل، من الواضح أن الشخصية نفسها تراجعت فى المجتمع فتوارت عن الشاشة مؤقتا فى انتظار موهبة استثنائية تقدمها فى شكل جديد .

(4)

فيلم  "الساحر"، آخر أفلام رضوان الكاشف، هو أحد أبرز ما أطلقت عليه أفلام الواقعية المتفائلة، لا تغفل تلك الأفلام تفاصيل التفاصيل عن معاناة شخصياتها المهمشة، ولكنها تبرز بروح ساخرة قدرة هؤلاء الغلابة على التكيف، والتحايل على المعايش، بل والسخرية من تلك الظروف، وتنتهى هذه الأفلام عادة نهاية متفائلة، بطل الساحر (محمود عبد العزيز فى ثانى أفضل أدواره السينمائية  بعد الكيت كات الذى كان من نماذج الواقعية المتفائلة المبكرة)، لا ينشر فقط البهجة فى كل مكان رغم ظروفه الصعبة، ولكن اسمه نفسه "منصور بهجت".. الفيلم يحمل أيضا عنوانا فرعيا هاما للغاية هو "نظرية البهجة"، أى أن الفيلم بأكمله عن جيل المهمشين لكى يغلفوا معاناتهم بالبهجة وبالكوميديا السوداء.  منصور ساحر شعبى، ولكن سحره الأكبر فى أنه ما زال قادرا على أن يعيش ويضحك، النماذج التى تعيش حوله يمتهنون أشغالا منقرضة مثل صاحب الكارو الذى يمتلك حصانا هزيلا (محمد يوسف)، وشوقية ( سلوى خطاب) القادمة من عصر منقرض لإعداد العرائس، لكن الصراع المحورى يبدأ  فى الفيلم مع اصطدام طبقة المهمشين بطبقة المرتاحين، جميل راتب مليونير يعانى من الفراغ، لديه ايضا همومه الصغيرة، كانت لى ملاحظة اساسية على سيناريو سامى السيوى، إنها العلاقة العنيفة بين منصور بهجت وابنته الصغيرة والجميلة التى يخاف عليها (منة شلبى فى أول أدوارها)، يمكن أن يتعامل الآباء فى تلك الفئات الفقيرة بهذه الدرجة من الغيرة والتضييق على بناتهن الجميلات، ولكن حل هذه المعضلة جاهز، وهوإعطاء الفتاة لأول عريس، إزاحة المسؤولية بطريقة شرعية، ولكن السيناريو احتفظ بغيرة الأب على ابنته، ورفضه فى نفس الوقت لزواجها من شاب فى مستواها (سرى النجار)، وهو تناقض صارخ وغير مفهوم، المهمشون لايملكون ترف الرفض كما رأينا فى الفيلم، وخصوصا أن الأب سيعود فى النهاية للموافقة على الشاب بنفس الدافع، وهو "تستير" أبنته الجميلة، التى تعرضت لإغواء الشاب الغنى.                      

الفيلم مع ذلك يمتلئ بالإيجابيات أولها فى رأيى الرسم البارع لشخصيات المهمشين، بما فى ذلك الصياد الفقير الذى فشل فى أداء واجباته الزوجية، هناك أيضا الروح الساخرة والمواقف الكوميدية الجيدة ا مثل ارتداء منصور بهجت/ بهجة لبدلة ضابط للمشاركة فى فرح لأحد السلفيين، ومنها دخول منصور وشوقية لصالة السينما، ليكتشف وجود الحارة تقريبا بداخلهأ، ويضطر الى قراءة فاتحة ابنته فى السينما) ، هناك كذلك لحظات شجن لامعة أبرزها فى مشاهد منصور مع شوقية البائسة التى أرادت الإنتقام من طليقها بشراء سكين لقتله،، توزيع الأدوار  عموما كان رائعا مثلما هو الحال فى أفلام الكاشف الروائية الثلاثة كلها، حتى الأغنية وظفت بشكل جيد، الأغنية مزيج من العالمين ، عالم بهجت وعالم الناس المودرن، وهى فى رأيى تعبر عن هذا التنافر المقصود، هما عالمان لن يلتقيا أبدا، وهذا ما يحدث بالفعل ، الأغنية فيها عنصر تلفيق أظن أنه مقصود ، شكل مودرن وكلام شعبى ...

(5)

يمثل فيلم "سهر الليالى" الذى أخرجه هانى خليفة، محطة هامة جدا فى مسيرة الأجيال الأحدث من صناع السينما، وخصوصا بعد ثورة المضحكين الجدد، التى قفزت بالأفلام الى خانة الملايين سواء من حيث تكلفة الإنتاج، أو أجور الممثلين، أو الإيرادات، والتى فتحت المجال لكثير من الأفلام الأولى لمخرجيها، بعضهم استمر، وكثيرون ذهبوا الى دائرة النسيان، حقق "سهر الليالى" بنجاحه الفنى والجماهيرى اللافت ما يشبه الصدمة، الشركة المنتجة ترددت طويلا فى عرضه، كانت الساحة محتكرة إما بأفلام الضحك (لا نقول الكوميديا وهى دراما أكثر تعقيدا من مجرد الإضحاك)، أو بأفلام الأكشن (أحمد السقا بالتحديد)، ولكن "سهر الليالى" دراما اجتماعية تدور فى عالم تركته السينما منذ سنوات  ثم استعادته من جديد بلمسة رومانتيكية واضحة، أعنى بذلك أن تامر حبيب يختار شخصياته من نفس الطبقة المخملية المرتاحة التى تناولتها قصص إحسان عبد القدوس (عندما شاهدت الأفيش لأول مرة أمام سينما مترو قبل نزول الفيلم تصورت أنه إعلان عن ديفيليه/ عرض أزياء)، ولكنه يغلّف الأحداث بإطار رومانسى، مجرد حكايات حب متعثرة، الشخوص مرسومة بدقة وبراعة، كل النماذج عاطفية، ربما يكون تامر هو أكثر مؤلف قدّم الرجال وهم يبكون أمام الكاميرا بسبب الحب، ولكن "سهر الليالى"، فيلمه الأنضج والأفضل، يتجاوز ذلك الى انتقاد موسسة الزواج نفسها، يراها عقدا مشتركا يستمر أحيانا تحت ستار الخداع والغش، فى المشهد الأخير، يرقص الجميع على أغنية "ياسهر الليالى" ، ولكنهم يمارسون أيضا ما تعودوا عليه، حتى الوحيد الذى احتفظ بعزوبيته، ثم تزوج أخيرا وهو  سامح/ شريف منير، يلقونه فى الهواء، ليصبح معلقا مثلهم بين السماء والأرض، السخرية هنا من مؤسسة الزواج التى لا تغير أصحابها، ولا تجعلهم أكثر نضجا، هذه إحدى أكثر مناطق "سهر الليالى" جرأة فى مجتمع يجعل من الزواج مشروعه القومى الوحيد.

بسبب قوة أداء ممثلى الفيلم الشباب (بلا استثناء مضافة إليهم انتصار فى دور هام)، فإنك لن تشعر بطول الحوار، هانى خليفة نجح فى تقديم مشاهد مميزة للغاية، من الواضح أن كل ممثل وممثلة أحب دوره، ربما كان الدور الأصعب من نصيب جيهان فاضل التى قدمت أفضل أدوارها على الإطلاق، من العناصر الرفيعة صورة أحمد عبد العزيز وموسيقى هشام نزيه، قدم تامر حبيب بعد هذا الفيلم، عملا ظريفا من أفلام الكوميديا الرومانسية هو  "حُب البنات"، وعملا سيئا للغاية زادت فيه جرعة البكاء والنحيب هو " عن العشق والهوى" الذى لم يكن سوى فيلما عن البكاء ومناديل الكلينكس، وقدم بعدها فيلما يمزج بين الرومانسية والكوميديا والأكشن هو " تيمور وشفيقة"، ثم فيلما بعنوان  "واحد صحيح" الذى يدور أيضا فى نفس العالم المخملى، كانت المشكلة هذه المرة فى ظهور منافس قوى لهذه الأعمال، وهو المسلسلات التركية التى تقدم نفس الحكايات، ولكن فى التليفزيون، يبدو أن تامر اكتشف ذلك، فانتقل بشخصياته الى الشاشة الصغيرة.

(6)

عن قصة لنجيب محفوظ، يقدم عاطف الطيب أحد أفضل وأهم أفلامه :" الحب فوق هضبة الهرم". ينطلق السيناريو الذى كتبه مصطفى محرم من أزمة على (أحمد زكى) ورجاء (آثار الحكيم) ليحكى عن جيل بأكمله أصبح زائدا عن الحاجة، لا يستطيع التحقق على أى مستوى من المستويات، لا على المستوى الوظيفى ولا العاطفى ولا السياسى ولا حتى البيولوجى، الحد الأدنى من الحياة أصبح نوعا من الترف، حتى عندما يختلس الجيل حقوقه، تداهمه السلطة، يصبح "الحق فعلا فاضحا فى الطريق العام"، يبدأ الفيلم بحلم للشاب على: نراه يطارد الفتيات بنظراته، سيدة تدعوه لركوب السيارة، يقول لها إنه لم يلمس امرأة فى حياته، يحتضنها، نسمع صوت الأم وهى توقظه، أسفل مياه الدش التى يستقبلها على، تنزل العناوين على موسيقى هانى مهنى المثيرة للشجن، وينتهى الفيلم وقد تحول حلم البداية الى كابوس : شرطة الآداب تقبض على رجاء وعلى أسفل الهرم ، رمز الحضارة الغاربة، أيام كان هناك وطن وأسرة، لا يكتفى  عاطف الطيب بذلك، نشاهد الهرم خلف القضبان من وجهة نظر على، الوطن بأكمله سجين رغبات مكبوتة لا تتحقق.

يدين الفيلم والقصة معا جيل الآباء، يعتبرهم مسؤولين عن تعاطى الوهم وترويجه حتى استيقظ الجيل الجديد على مأساة، هناك نموذج الكاتب (صلاح نظمى ) الذى يثور عليه على ، وهناك تعقيدات  أسرة رجاء فى عملية زواج ابنتهم، كان من السهل لشخصية مثل على أن تحقق نفسها بالإنضمام الى جماعة دينية، ولكنه لم يستطع أن يبتعد عن الحياة، الثنائى زكى وآثار كانا رائعين، ورغم أن أحمد زكى أكبر سنا من الشخصية، إلا أن براعته فى تقديم التفاصيل، وإحساسه المذهل، جعلاه يبدو أحيانا أصغر من آثار الحكيم، كاميرا سعيد شيمى قدمت الحياة بملمسها وألوانها الباهتة، الكاميرا المحمولة أعطت الفيلم مظهرا وثائقيا، استقبل الفيلم بحفاوة مستحقة، وعرض فى أحد أقسام مهرجان كان، ذهب يوسف شاهين لتحية مساعده القديم عاطف الطيب، وصل الى الخواجات المعنى الأهم: هذا مجتمع لا يتحقق فيه البشر، وتشهد حضارته على خيبة الأحفاد، لم يناقش فيلم الفكرة بهذه الجرأة والبساطة والعمق مثلما فعل "الحب فوق هضبة الهرم"، ستمر سنوات طويلة قبل أن تعود فكرة الكبت الجنسى كمعادل درامى لفكرة عدم التحقق بكل مستوياته، ربما يكونون أبناء على ورجاء، وذلك فى فيلم أكثر مرحا وأقل قتامة وأكثر جرأة .. أعنى بذلك فيلم " فيلم ثقافى" لمحمد أمين.

(7)

طفل كبير له ضحكة تستدعى كل مخزون البهجة. هذا هو حسن فايق فى كلمات قليلة، التناقض الواضح بين الهيئة المهيبة، وروح الطفل الغاضب، هو الذى يجعلنا نضحك عندما نراه، موهبة فطرية وحضور خارق، لا يمكن أن تكرهه أبداً حتى فى أدواره الشريرة القليلة، بدأ حياته كمونولوجست،  اشتهر له مونولوج عن الكوكايين وأضراره، لابد أنه كان خفيف الظل جدا، يكفى أن يخرج على الناس بملامح وجهه الكاريكاتورية، جاء الى السينما ناضجا مثل كل جيله، بعد أن اشترك فى أكثر من فرقة مسرحية، أشهرها فرقة الريحانى، احتكر تقريبا أدوار الأب أو الجد العصبى، صاحب القلب الطيب، إذا تجسدت الضحكة إنساناً فإنها ستكون بالتأكيد حسن فايق.

(8)

هناك نوع من الممثلين يجب ألا يتدخل المخرج فى أدائه، لابد أن يترك له حرية الحركة بل والإرتجال، من هؤلاء زينات صدقى، التى أجبرت المخرجين والمؤلفين على أن يكتبوا لها أدوارا كوميدية، رغم أنها كانت تقدم أدوارا جادة فى بدايتها، ورغم أنها بدأت حياتها كراقصة وليس كممثلة.

زينات هى خلاصة بنت الحارة المصرية التى تعوض قلة جمالها بلسان لا يتوقف عن الكلام، لاحط كيف تستخدم كل جزء من وجهها، وليس من جسدها فقط: حركة الحاجب، حركة الفم يمينا ويسارا، حركة اليد الى أعلى الجبهة، ثم استمع الى الإيقاع الذى تصنعه للعبارات، متى تتوقف فى فاصل صمت، ومتى تلقى العبارات وراء بعضها وكأنها تلقى قصيدة عصماء، سبقتها الممثلة المكلبظة خفيفة الظل إحسان الجزايرلى فى دور بنت البلد الظريفة والجدعة، ولكن زينات انفردت بأداء دور العانس أو الباحثة عن عريس، مما أكسبها لمسة إنسانية إضافية، الاثنتان إحسان وزينات كن من المرتجلات، تضفن الى الحوار، الأولى سمينة والثانية نحيفة، قرر كتّاب الأفلام أن يكتبوا لها مشاهد خاصة تتسم بالسجع (شرّب نفسك/ وكّل نفسك/ إدفع أجرة بيت نفسك)، زينات بالتحديد كانت تختار ملابسها وقبعاتها وإكسسواراتها الغريبة، لايمكن أن تتصور أن يكون سيناريو شارع الحب أو ابن حميدو قد كتب دون تخيّل زينات مسبقا، يقول أحمد رمزى إن أول مشهد له فى السينما كان أمام زينات صدقى فى فيلم "أيامنا الحلوة"، كان يطلب منها فقط أن تخيط زرار قميصه، ففوجئ بها تخطفه منه قائلة: "هات يا منيّل" ..فسقط من الضحك، وباظ المشهد.. يروى أنها عندما التقت السادات ( وكان ومن أشد المعجبين بها) فى فرح ابنته فى السبعينات، تكعبلت قدمها، وكادت تسقط، فقالت لمن خلفها على البديهة: "كدة يا ولية.. كنتى ح توقعينى ع الجدع"، فأطلق السادات ضحكته المجلجلة المعروفة. تأثرت بأداء زينات الذى يعتمد على تلقائية اللحظة ممثلات بعدها أشهرهن وداد حمدى ونعيمة الصغير، أعتقد أيضا أنهن كن من المرتجلات مثلها. فى مقاطع الإلقاء العادية، التى تبتعد عن النبرة العالية التى اشتهرت بها، هنا فقط يمكن أن تلمس حزنا دفينا فى صوتها، ثم سرعان ما تنساه، تنطلق فى عرضها المنفرد، لتجعل من إيقاع الردح الشعبى، فنا ووسيلة للتعبير، ولكن وراء الكلمات قلب أبيض من البفتة، وإنسانة غلبانة تريد أن تعيش،  إنها تؤمن فقط بالمثل القائل:" إلحقوهم بالصوت قبل ما يغلبوكم".

(9)

فيلم "ليل وقضبان" فى رأيى هو أحد أفضل أفلام السبعينات، أى أننا لو سنختار 10 أفلام من هذه الحقبة فسيكون من بينها هذا الفيلم، هو أيضا أفضل أفلام المخرج الراحل أشرف فهمى على الإطلاق. "ليل وقضبان" المأخوذ عن رواية لنجيب الكيلانى عمل نموذجى للدراما الإجتماعية السياسية، موضوعه القهر بتنويعتين فى مكانين: سجن صريح يعتقل ويعذب فيه بدنيا شاب سجن ظلما (قضية سياسية بالتأكيد) ويلعب دوره محمود ياسين، وسجنٌ مجازىٌ هو بيت تعانى فيه نفسيا امرأة شابة من الحرمان والإهمال (سميرة أحمد)، والسجان فى المكانين واحد، مأمور السجن الشرس هو نفسه زوج المرأة ( القدير محمود مرسى فى أحد أعظم أدواره)، يشتبك الخطان فى سيناريو مصطفى محرم البارع الذى لا يهمل الدراسة النفسية لشخصياته، والذى يتابع علاقة المأمور المعقدة بتابعه الخانع (توفيق الدقن فى دور لا ينسى)، وعلاقته مع زوجة وحيدة، وصولا الى نهاية قاسية ودموية. تراجيديا جيدة الصنع، مع فريق تشخيص استثنائى (ربما كان دور الزوجة فى حاجة لممثلة أصغر قليلا من سميرة أحمد رغم  أنها تألقت واجتهدت كثيرا فى أداء دور صعب ومركب)، وهناك أيضا فريق تقنى كبير، صورة مصطفى إمام بالأبيض والأسود حيث يتحدد الصراع بصرامة بين الشر والخير، وبين القاهر والمقهور، وحيث العلاقات حدّية، وتكوينات مدهشة يجب تدريسها فى معاهد السينما سواء فى استخدام إطارات النوافذ أو فى مساحات الظلام التى تكتسح النور ليشعر المتفرج أيضا بأنه مسجون ومحاصر ومقهور، وانتقالات سلسة وذكية سواء بين المشاهد أو فى تركيب اللقطات فى مشاهد قوية دراميا (منها مثلا مشهد المواجهة بين المأمور وتابعه توفيق الدقن الذى يتشفى باكتشاف خيانة زوجة المأمور) من خلال مونتاج أحمد متولى، وهناك بالطبع موسيقى فؤاد الظاهرى ذات الطابع الملحمى، والتى تصنع من المواقف مأساة إنسانية كاملة.

لا يمكن أن نفصل الفيلم عن فترة الإضطرابات السياسية التى سبقت حرب أكتوبر، مظاهرات الطلبة الشهيرة، حالة من القلق والتوتر العام بسبب تأخر المعركة، فكرة الحرية التى طرحت بقوة بعد هزيمة 1967، فى كل الأحوال، نحن أمام فيلم منحاز للإنسان، يدين القهر بوضوح، ربما لم يتم التوسع فى الطرح السياسى، ولكنه بالتأكيد عمل جسور فى عصره، وأعتقد أن معناه قد وصل كاملا فى وقت عرضه.

أما مؤلف القصة الأصلية للفيلم والتى عنوانها "ليل العبيد"، فسيدهشكم أنه أديب إخوانى ، نجيب الكيلانى طبيب انتمى للإخوان وسجن وعذب فى عهد عبد الناصر، سافر الى الإمارات ثم عاد الى مصر وتوفى عام 1995، "ليل العبيد" المأخوذ عنها الفيلم أصبحت أشهر أعماله بعد أن قدمتها السينما فى فيلم ناجح وشهير، ولديه روايات كثيرة أخرى جعلته رائدا لما يطلقون عليه الأدب الإسلامى ، عموما فكرة القهر لا تختص بفصيل سياسى معين، والدراما القوية أفضل من الخطب والمظاهرات.

قدم الفيلم مزيجا رائعا بين جيلين من الممثلين : محمود مرسى وتوفيق الدقن مع محمود ياسين والوجه الجديد مجدى وهبة، يقول محمود ياسين إنه ذهل من وجود ممثل عملاق مصرى اسمه محمود مرسى، وشعر بالفخر لأنه وقف ذات يوم الى جواره، إشعاع مرسى خارق، مجرد حضوره الجسدى والبدنى يملأ الصورة، بل إنه عندما يختفى يظل حاضرا كطيف مخيف فى لقاءات الشاب مع زوجته، أضاء الشاب حياة الزوجة المظلمة، ولكنه دفع فى النهاية ثمن النور وضريبة الحلم بالحرية.

(10)

رغم أنه ليس أول فيلم أنتج عن الجاسوسية، فقد سبقته أفلام كثيرة مثل "الجاسوس" و"جريمة فى الحى الهادئ" فى الستينات إلا أن "الصعود الى الهاوية" ما زال هو الأفضل حتى ساعة تاريخه، يرجع ذلك فى رأيى الى التوازن الدقيق الذى حققه السيناريو والمخرج كمال الشيخ بين الخط التشويقى، وخط التحليل الإجتماعى والنفسى لشخصية عبلة كلمل، وهى المعادل السينمائى لشخصية هبة سليم، إحدى أخطر وأعجب العميلات المصريات، فالشائع أن تكون الجاسوسة فقيرة، ولكن هبة كانت من أسرة ثرية، ومحيط معارفها فى نادى الجزيرة، كما أنها شخصية مثقفة ومستقلة، أقنعت والدها بأن تستكمل تعليمها فى باريس فى نهاية الستينات، وبدا كما لو أنها مقتنعة تماما بما تفعل، أفضل ما فعله الفيلم أنه قدمها كنموذج حى من لحم ودم، هى مثلا تكره كل الرجال، ولكن نقطة ضعفها رجل أيضا وهو والدها، كما قدمت شخصية خطيبها أيضا بطريقة درامية مكتملة، رجل أعماه حبه لعبلة عن واجبه، وقال فى التحقيقات إنه لم يكن يشعر بخطورة ما يفعل ( إبراهيم خان فى أفضل أدواره، والشخصية الأصلية اسمها المقدم فاروق الفقى وكان مديرا لمكتب نبيل شكرى قائد الصاعقة)، وكان اختيار محمود ياسين لدور رجل المخابرات موفقا للغاية بحضوره المكتسح صوتا وصورة ( فى الأصل هو رجل المخابرات المصرى الشهير جدا رفعت جبريل الذى حمل   لقب الثعلب، وقدم نور الشريف شخصيته فى مسلسل بنفس الاسم).

انطلقت كاميرا رمسيس مرزوق لتقدم باريس بوصفها الجنة والجحيم الأرضى معا، ورغم الإنتقال بين القاهرة وباريس وتونس، إلا أن إيقاع الفيلم متماسك وشديد الحيوية، نجاح الفيلم الجماهيرى الساحق فتح المجال أمام أفلمة وتقديم مسلسلات عن الجاسوسية فى السينما والتليفزيون، كما فتح مجال البطولات أمام مديحة كامل، بعد ان كانت تلعب أدوارا مساعدة فى أفلام مصرية ولبنانية متفاوتة المستوى، عرض الدور أولا على سعاد حسنى، ولكنها خافت من كراهية الجمهور للشخصية، وخصوصا أن القصة كانت معروفة وحيّة (كان إعدام هبة سليم عام 1974، وظهر الفيلم بعد ذلك بأربع سنوات فقط) الحقيقة أن معلومات هبة سليم كانت سببا فى استشهاد الكثيرين أثناء بناء حائط الصواريخ الشهير.

`ذكرى شخصية  أخيرة: فى العام 2000 تقريبا، التقيت بالمصادفة سفيرا مصريا سابقا، كان قد ترك السلك الدبلوماسى منذ سنوات، وتفرغ لممارسة هواية الرسم والتصوير، وإقامة معارض فنية للوحاته وصوره، أخذنا الكلام الى حياته الدبلوماسية، فأخبرنى أنه الدبلوماسى المصرى الشاب الذى لعب الدور الأكبر فى سفارة باريس لاستدراج هبة سليم لكى تذهب الى ليبيا حيث يعالج والدها، وليس الى تونس كما ظهر فى الفيلم، قال إنها لم تكن صارخة الجمال، ولكنها كانت شديدة الجاذبية، مثقفة وقوية الشخصية وحادة الذكاء، لم تصدق أبدا أن والدها يحتاجها فى ليبيا، وقررت أن يذهب هو الى باريس حيث الرعاية الصحية أفضل، غنى عن البيان طبعا أن بعض الدبلوماسيين يكلفون بمهام مخابراتية فى كل سفارات العالم، ألححت عليه أن يكتب بعد استئذان المخابرات، فقال إنه سيفعل ولكن فى الوقت المناسب.  حتى الآن لم يفعل رغم أنه أصدر عدة كتب عن حياته الدبلوماسية.

موقع الكتابة الثقافي في

04.01.2015

 
 

{ملوك وآلهة}

كتب الخبرمجدي الطيب

المتابع لما يجري على الساحة الثقافية في مصر يكاد يتصوَّر أن ثمة تبادلاً للأدوار بين وزارة الثقافة ومؤسسات أخرى، يقوم طرف، بمقتضاه، بإعلان اعتراضه، في خطوة استباقية، على الترخيص بعرض فيلم ما في الصالات التجارية، في حين يكتفي الطرف الثاني بتسجيل اعتراضه وتحفظه على الملأ، أو يصمت في أضعف الإيمان. ومن ثم يُثار جدل، لا يخلو من ضجيج متعمد، يُفضي في النهاية إلى تمرير قرار حظر ومصادرة الفيلم السينمائي!

حدث هذا الأمر تحديداً في واقعة فيلم «حلاوة روح»، الذي اتخذ د. إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء قراراً منفرداً بحظر عرضه ثم تبين أنه لم يُشاهد الفيلم، وأنه اتخذ القرار بتحريض من الجماعات السلفية، التي التزمت الصمت. وتكرَّر الأمر بصورة أخرى مع الفيلم الأميركي «نوح» إخراج دارين أرنوفسكي وبطولة راسل كرو، إذ وافقت الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والبصرية على عرضه في مصر، رغم رفض الأزهر الشريف، وفي ما يُشبه التحدي أعلن د. جابر عصفور وزير الثقافة أنه ينحاز إلى عرض الفيلم، وقال لمقدم برنامج «نظرة» على القناة الفضائية «صدى البلد»، إنه لو كان وزيراً للثقافة وقت أزمة فيلم «نوح» لعرضه من دون الرجوع إلى الأزهر، وطالب بضرورة «تحديث النظرة الجديدة وفقاً للعصر الحالي ومتطلباته». ورغم الضجة، والاتهامات المتبادلة، التي اندلعت بسبب تصريحات «عصفور» إلا أن «نوح» لم ير النور، باتفاق الطرفين!

اليوم تبدو الساحة مشغولة بأزمة فيلم «الخروج: آلهة وملوك» للمخرج ريدلي سكوت، الذي منعت وزارة الثقافة، والرقابة، عرضه في مصر، ولم يخل تصريح لوزير الثقافة من التأكيد على أن «الأزهر لم يكن طرفاً في هذه القضية، وليست له علاقة من قريب أو بعيد بمنع الفيلم». كذلك أوضحت الوزارة، في بيان لها، أن الفيلم لم يُعرض على أي مختص من مشيخة الأزهر الشريف، وسواء أكان هذا صحيحاً أم لا فإن الفيلم مُنع من العرض، وتحقق الغرض!

«لعبة تبادل الأدوار»، وإيهام الرأي العام بأن ثمة خلافات وتناقضات في الرؤى، أسفرت عن حظر ثلاثة أفلام في فترة وجيزة للغاية، ولولا الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء الذي نصَّ على وقف عرض فيلم «حلاوة روح»، وإعادته إلى دور العرض، لنجح مخطط القمع والمصادرة؛ خصوصاً أن واقعة منع عرض «الخروج: آلهة وملوك» كشفت عن مفاجآت مثيرة، على رأسها أن وزارة الثقافة هي التي منحت الشركة المنتجة للفيلم التصاريح الرسمية التي تخول لها تصوير بعض المشاهد في مصر، وأن كمال عبد العزيز الرئيس السابق للمركز القومي للسينما التابع لوزارة الثقافة حصل بنفسه على موافقة الرقابة، وأكد يومها أن «موافقة الأزهر لا تعنيه»، وتسابقت الصحف، بعدها، إلى الإشادة بتواجد مخرج بمكانة وأهمية ريدلي سكوت في مصر، وامتداح السياسة الجديدة للدولة التي أسهمت في تسهيل إجراءات تصوير الأفلام الأجنبية، وفتحت الباب الذي كان موصداً لسنوات طويلة في وجه شركات الإنتاج العالمية، قبل أن يعود كل شيء إلى نقطة الصفر، عقب قرار حظر عرض الفيلم في مصر، واتهام شركة الخدمات الإنتاجية المصرية المسؤولة عن تسهيل تصوير مشاهده في مصر، بتورطها في «عملية تمويه وخداع متعمدة»، بعد قيامها بإخفاء المعلومات الحقيقية عن طبيعة وقصة وسيناريو وحوار الفيلم، وقيامها بتصوير المشاهد الحقيقية «خلسة»، وهي المزاعم التي روجت لها الوزارة أملاً في التستر على أخطاء أجهزتها، وحماية قياداتها. لكنها قضت، من دون أن تدري، على آخر بارقة أمل في الانتصار لحرية التعبير والإبداع على حساب القمع والمنع والمصادرة.

العجيب أن وزارة الثقافة بررت قرار المصادرة بأن «بصمات الصهيونية العالمية تركت آثارها على الفيلم»، بينما لم تحرك ساكناً يوم أجازت الرقابة في العام 2004 عرض فيلم «آلام المسيح» إخراج ميل غيبسون في مصر، رغم اعتراض الكنيسة القبطية والأزهر الشريف. بل إن د. جابر عصفور كشف، في مقالة له، أنه يقف وراء هذا العرض بحكم مسؤوليته، وهو ما دفع البعض إلى القول إن وزارة الثقافة تنتفض غاضبة عندما يتعلّق الأمر فقط بأفكار مغلوطة تمس العقيدة اليهودية!

المفارقة الأكثر إثارة أن الرقابة شكَّلت لجنة ثلاثية قدمت تقريراً ضد «الخروج: آلهة وملوك» ثم شكَّل وزير الثقافة لجنة أخرى وصفها بأنها «علمية خارجية» ضمَّت أمين المجلس الأعلى للثقافة ورئيس الرقابة بالإضافة إلى اثنين من أساتذة الآثار المصرية، وجاء تقريرها مطابقاً، كما قيل، لتقرير لجنة الرقباء، وأوصى بعدم عرض الفيلم نهائياً. ولكن لأسباب لا يعلمها أحد جرى التعتيم على اسمي الأستاذين المتخصصين في الآثار المصرية، وكأنه «سر حربي»!

بعد مصادرة فيلم «آلهة وملوك»...

الحكومة المصرية تواصل تدخلها في السينما

كتب الخبرأمين خيرالله

من فيلم «نوح» إلى «حلاوة روح»، ثم {حجر تفاح»... وغيرها من أفلام لم تسلم من تدخلات الحكومة المصرية الكثيرة، ومن سيف جهاز «الرقابة على المصنفات الفنية»! لماذا هذا التدخّل، وكيف يرد عليه من لحقتهم الخسارة بسببه، وما هو رأي «جبهة الإبداع» فيه؟

على مدار الأشهر الماضية لم تتوان الحكومة المصرية عن تدخلها في الشأن السينمائي. قبل أن تهدأ عاصفة منع عرض فيلم «نوح» بزعم رفض تجسيد الأنبياء، صدر قرار المهندس إبراهيم محلب بوقف عرض «حلاوة روح» (عاد إلى العرض لاحقاً بحكم قضائي). بعد ذلك بأيام قليلة، حذف جهاز «الرقابة على المصنفات الفنية» مشاهد من سيناريو «حجر تفاح» لسما المصري. ولم تمضِ ساعات حتى أصدر وزير الثقافة المصري الدكتور جابر عصفور قراراً بمنع عرض «الخروج - آلهة وملوك» الذي يحكي قصة نبي الله موسى، بحجة أن الفيلم يتضمَّن مغالطات تاريخية فادحة، أبرزها أن اليهود هم بناة الأهرامات، وأن المصريين نكلوا بهم وعذبوهم، وأن العبرانيين عاشوا في مصر لمدة 400 سنة ذاقوا فيها ويلات العبودية والسخرة، وهذه أمور منافية للحقيقة.

يؤكد رئيس المركز القومي للسينما السابق كمال عبدالعزيز، والذي سهَّل مهمة تصوير «موسى» في مصر، أن الحكومة بريئة من هذه التدخلات، وأن صاحب القرار هو وزير الثقافة جابر عصفور بمفرده الذي نصب نفسه رقيباً على الرقباء. ويشير إلى أن أفعال الوزير وكلامه في هذا الصدد لا يمثّلان الحكومة أو النظام السياسي، بل عصفور فقط، والدليل تصريحاته التي أكَّد فيها أن ما اتخذه من إجراءات لم يرجع فيه إلى الأزهر أو إلى أي مؤسسة أخرى، بل هو قرار شخصي، وذلك يتناقض مع تصريحات سابقة له أكَّد فيها أنه لن يصادر الأفلام التي تجسد الأنبياء، قائلاً: «من حقي الاختلاف مع الأزهر»، وإنه يوافق على تجسيد الأنبياء في الأعمال الدرامية.

وتساءل عبد العزيز: «كيف للمسؤولين أن يعطوا تصريحاً بالتصوير لفيلم ثم يعودون ويمنعون عرضه»، مشيراً إلى أن القرارات التعسفية هي التي تسلّط الضوء على أعمال لا تستحق الاهتمام مثلما حدث مع «حلاوة روح».

ويطالب عبد العزيز الجهات المعنية بإتاحة عرض الأعمال الأجنبية حتى وإن كانت تجسد الأنبياء والرسل، ولكن عرضها على الخبراء والنقاد وأساتذة التاريخ لإيضاح ما فيها من مغالطات، خصوصاً عندما يكون تصوير الفيلم تمّ في مصر بموافقة الجهات المعنية، مشيراً إلى أن الوزير يفعل ذلك كي يؤكد لرؤسائه أنه الرجل المناسب في المكان المناسب.

خسارة

يرى المنتج السينمائي محمد السبكي أن التدخلات الحكومية في السينما تسبَّبت في خسارته مبلغ 18 مليون جنيه نتيجة توقف عرض «حلاوة روح»، مشيداً بموقف رئيس «الرقابة على المصنفات الفنية» السابق أحمد عواض الذي استقال احتجاجاً على منع عرض الفيلم الذي سبق وأجازه.

ويطالب السبكي الحكومة «بعدم التدخل في مثل هذه الأمور الفنية المعقدة وترك كل شخص للمهنة التي يحترفها لأن من منعوا عرض الفيلم لم يشاهدوه من الأساس، لكن الكل يريد أن يركب الموجة ويظهر أمام الرأي العام بأنه حامي الأخلاق الحميدة».

يتساءل السبكي: «لماذا تم إيقاف عرض «حلاوة روح» فقط رغم أن ثمة أفلاماً شبيهة به»، مرجعاً السبب في ذلك إلى محاولة البعض إفشال الفيلم وتكبيده خسائر مادية ومعنوية، لا سيما أن القرصنة دمَّرته وجعلت منه نسخة في كل من منزل، ما يؤكد أن منع العرض لم يثنِ الناس عن مشاهدته أو تداوله، ولكن الأزمة أن السبكي هو من خسر الأموال بمنع عرض الفيلم.

من جهة أخرى، أصدرت «جبهة الإبداع» بياناً ردت فيه على منع عرض «موسى». يرى الموقعون على البيان أن «ما قيل عن وجود أخطاء تاريخية في الفيلم لا محل له من الإعراب لأننا نتحدث عن عمل روائي لا تسجيلي والدقة التاريخية ليست معياراً لعمل جهاز الرقابة وإنما هو دور المؤرخين في الرد على تلك الأخطاء إن وجدت، لا سيما أن الفيلم يحدث في مرحلة ما زلنا نتلمَّس قراءتها تاريخياً، وهو عهد الفراعنة الذي يشوب تفاصيله كثير من الغموض». ويشيرون إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في أن السلطات المصرية وافقت بنفسها على تصوير الفيلم، فكيف تعود وتمنعه مجدداً.

يرى الموقعون على بيان الجبهة أن في منع فيلم «موسى» محاباة للأزهر وقراره بتحريم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، بعيداً عن تصريحات الوزير الرنانة التي أعطتنا في وقت سابق أملاً في أن أمراً ما قد تغيَّر، مؤكدين عقم المنع وعبثيته ومطالبين الوزير بالتمسك بتصريحاته ووعوده بعدم منع عرض الأعمال الفنية، كي لا ينتصر الظلام. يتابع البيان: «يجب علينا أن نطفئ اللافتات الموجودة أمام دور العرض السينمائي في كل مرة لنذكر من منعوا العرض بما فعلوه».

يؤكد الناقد السينمائي محمود قاسم من ناحيته أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية منذ نشأته يتبع الحكومة، فقد كان تابعاً لوزارة الداخلية ويتبع راهناً «الثقافة» ولكن أصبح الآن يعاني التدخلات السياسية، مشيراً إلى أن الرقيب الحالي ضعيف الشخصية يسمح للوزير ورئيس الوزراء بالتدخل في عمله من دون أن يبدي أي اعتراض، متذكراً الأيام التي كان يتولى فيها علي أبو شادي هذا الجهاز الحساس والذي يدير فيه عمله بمنتهى الاحترام والدقة.

يقول قاسم: «أصبحت مغازلة التيارات الدينية واضحة تماماً في غالبية القرارات الحكومية»، مشيراً إلى أن الوزير عصفور يريد أن يحرز هدفاً (بلغة كرة القدم)، ويريد أن يعرف الجميع أنه يعمل ضد اليهود والصهيونية وتزييف التاريخ.

ويطالب قاسم وزارة الثقافة بتشكيل لجنة من شخصيات سينمائية وأساتذة تاريخ ليُعرض عليهم الفيلم، وبالتالي يقررون مصيره، كي لا يتسبَّب المنع في الترويج للفيلم أكثر من اللازم.

آيتن أمين: أسعدني تفاعل الجمهور مع {فيلا 69}

كتب الخبرهند موسى

النجاح الذي حققته آيتن أمين في أولى تجاربها الإخراجية من خلال فيلم {فيلا 69}، حصلت عنه على كثير من الجوائز أحدثها جائزة أفضل مخرجة عمل أول من المهرجان القومي للسينما في دورته الأخيرة.

حول مشروعاتها الفنية الجديدة، وطموحاتها كانت لـ{الجريدة} معها هذه الدردشة.

·        إلام يرجع نجاح {فيلا 69} واستمرار حصده للجوائز؟

بالنسبة إلي، الأهم أن الفيلم عُرض، وشاهده جمهور واسع تفاعل معه وأحبه. ويسعدني تقدير الجمهور لعناصر {فيلا 69} الفنية، ولكن لا أعلم سبباً معيناً لنجاحه. ربما يكون الحب الذي يتمتَّع به طاقم العمل وتنفيذه الفيلم ليس لأجل تقديم عمل فحسب، وإنما لتقديم عمل جيد، ويسري ذلك على الفريق كله بدءاً من الممثلين خالد أبو النجا ولبلبة، مروراً بالممثلين الشباب، ووصولاً إلى العاملين خلف الكاميرا. حتى إن مهندسة الديكور أحضرت بعض الأشياء من منزلها ووضعتها في الفيلا لاستخدامها.

·        وكيف تابعت الفيلم في دور العرض؟

لم أشاهده، وذلك ليس رفضاً مني له أو لشيء فيه، ولكنني أعتبره تجربة وانتهت، وعليّ التفكير في المشروعات المقبلة، فعلاقتي به انتهت بعد طرحه للجمهور. أما عملية التلقي فهي بين المشاهد والفيلم، ولست طرفاً فيها.

·        يبتعد {فيلا 69} عن نوعية الأفلام التجارية. هل استطاع تحقيق الجماهيرية المنشودة؟

شحضياً، متأكدة أن للفيلم جمهوره. حتى إنني كثيراً ما يوقفني بعض الأفراد العاديين في الشارع ليشيدوا لي بالفيلم بعدما تابعوه على الفضائيات، إلى جانب التعليقات التي أتلقاها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأرى أننا إذا لم نكن قد نجحنا في الوصول إلى الحد الأكبر من الجمهور، لكن المؤكد أن ثمة جمهوراً أحب الفيلم فعلاً.

·        وهل هذه النسبة من الجمهور في طريقها إلى الارتفاع لدعم تلك النوعية من الأفلام؟

بالطبع، فنحن الآن وصلنا إلى مرحلة طرح هذه الأفلام في السينما، وأرى أنه مع تراكم التجارب المشابهة لـ{فيلا 69} سيحدث تواصل بينها وبين الناس، خصوصاً في ظل اتساع رقعة انتشارها شيئاً فشيئاً، ووجود جمهور يحرص على متابعة هذه الأعمال.

·        وهل توقعت أن تستمر أصداء الفيلم بعد انتهاء عرضه بأشهر؟

أثناء تنفيذي أي عمل سينمائي أفرق تماماً بين عملية تلقيه وبين صنعه، وأرى أنه أحياناً تتسبَّب كثرة التفكير في مرحلة التلقي في إعاقة التنفيذ. والحقيقة أن ما كان يعنيني فعلاً هو أنني كنت أرغب في تقديمه بشكل شخصي كمشروع فني مهم في حياتي.

·        {راجلها} و{ربيع 89} و{فيلا 69} أفلام ركَّزت فيها على الجانب الإنساني... فما سبب عنايتك بهذا الخط تحديداً؟

أكون وراء قيام المشروعات غالباً. بالتالي، تقوم على اهتماماتي المبنية على العلاقات الإنسانية العامة، وتكون الشخصيات فيها هي الأهم، وذلك لرغبتي في تسليط الضوء على التعقيدات الإنسانية الداخلية، واستعراضها في أفلامي.

·        وما مشروعاتك السينمائية المقبلة بعد {فيلا 69}؟

مشروع {القاهرة}، وهو فيلم روائي طويل يتضمَّن مجموعة من الأفلام القصيرة، يخرجه نحو 15 مخرجاً من بينهم المخرج الكبير محمد خان، ونادين خان، ونصوّره في أحياء مختلفة من القاهرة. أشارك فيه بإخراج أحد أفلامه القصيرة.

·        حدثينا عن هذا الفيلم القصير؟

عمل اجتماعي خفيف، يرصد علاقات أسرية، ويركز على الجانب الإنساني. مدته تصل إلى سبع دقائق، ومن المقرر أن أبدأ تصويره مطلع الشهر المقبل، خصوصاً أنني كنت قد انتهيت من كتابته مع صديقتي المؤلفة والممثلة الشابة هبة يسري. أنتظر بشغف الانتهاء منه وعرضه حتى أتعرَّف إلى أصدائه لدى الجمهور.

·        وما نوعية الموضوعات التي ترغبين في تقديمها في أفلامك؟

ليس لدي مضمون معين أرغب في طرحه، ولكنني تحديداً أفضل الأعمال التي تظهر الجانب الإنساني بشيء من الخفة. عموماً، أنا مستعدة لتقديم أي عمل ما دمت اقتنعت بفكرته، وأعجبني السيناريو الخاص به.

·        وهل تفكرين في تقديم أفلام تجارية؟

ليست لدي أحكام مسبقة أو موانع محددة لتقديم مشروعات سينمائية في هذا الإطار، ولكن بشرط أن تكون شخصيات العمل الدرامي قوية، وحبكته محكمة.

·        ومن أكثر المخرجين الذين تحبين متابعة أعمالهم؟

فطين عبد الوهاب، فهو قدم الأعمال التي أحبها وتستهويني المشاركة فيها وهي تلك التي تجمع بين الاعتماد على الجانب الإنساني والخفة. وأجد أن هذا النوع من الفن غاية في الصعوبة رغم بساطته، لذا كثيراً ما أتساءل كيف حقَّق هذه المعادلة.

·        وهل لديك مشروعات درامية أخرى؟

لدي عمل سينمائي طويل ما زلت في بداية التحضير له. كذلك أحضّر لأول أعمالي في إخراج الدراما التلفزيونية. يشاركني في إخراجه كل من نادين خان وهبة يسري التي تتولى كتابته وأشاركها فيه أنا ونادين. أجهل عدد حلقاته لأننا ما زلنا في مرحلة الكتابة. حتى إننا نتواصل راهناً مع بعض الجهات الإنتاجية لتتولى مسؤوليته، ولكن أغلب الظن أنه سيُعرض خارج شهر رمضان المقبل.

·        ألا تشعرين بالخوف من كونه أول مسلسل من إخراجك؟

الحقيقة أن ما شجعني على خوض هذه التجربة مشاركة هبة يسري ونادين خان لي فيها، وعقد جلسات عمل لتطوير كتابة المسلسل أمر ممتع للغاية، وفي الوقت نفسه أرد به على فكرة أن أصحاب الأعمال المستقلة لا يهتمون بآراء الناس. ليس هذا الأمر حقيقياً. وفي هذا المسلسل أجرب مع صديقاتي التقرّب من الناس، والوصول إليهم.

·        هل تفضلين المغامرة في الفن؟

نعم، أعشق المغامرة في الحياة عموماً وليس في العمل فحسب، وأرى أنني إذا لم أجرب لن أعرف نتيجة ما أطمح في تنفيذه، وهذا ما يجعل العمل في الفن ممتعاً. عموماً، الحياة أبسط من أن نمنع أنفسنا عن تنفيذ أمر قد لا يحقق النجاح.

·        كيف وجدت تجربة المشاركة في الكتابة والإخراج؟

سعدت بها للغاية، خصوصاً أنني وهبة يسري ونادين خان صديقات ولدينا الآراء نفسها أو وجهات النظر عينها تقريباً، وهو ما يساعد في زيادة نسبة التفاهم بيننا، ويسهم في عملية التنفيذ، لذا أتمنى تكرار هذه التجربة معهما.

الجريدة الكويتية في

04.01.2015

 
 

فجر يوم جديد: {الطريق الدائري}

كتب الخبرمجدي الطيب

هيأت لي الظروف مشاهدة الفيلم الروائي الطويل «الطريق الدائري» للمخرج الشاب تامر عزت، الذي كتب السيناريو وتولى مسؤولية المونتاج، ولم أجد سبباً لاقتصار عرضه على القنوات الفضائية، واستبعاده من العرض في الصالات التجارية التي تفتح أبوابها لأفلام على شاكلة: «ظرف صحي»، «عنتر وبيسة» و{المواطن بُرص». فالفيلم الذي قام ببطولته كل من نضال الشافعي، فيدرا، سامية أسعد وحمدي هيكل، ليس بالسوء الذي يدفع الموزعين إلى إقصائه، بالشكل الذي حدث؛ خصوصاً أن قوائم ووثائق السينما المصرية لا تفسح مكاناً للأفلام التي تضل طريقها إلى الصالات التجارية، وتُسقط من حساباتها الأفلام التي تُعرض عبر القنوات الفضائية قبل الشاشات العامة.

في فيلم «الطريق الدائري»، يُذكرك المخرج الشاب تامر عزت بأسلوب المخرج الراحل عاطف الطيب، سواء في اختياره لقضايا الواقع التي تمس المواطن البسيط، وتنعكس على حاضره ومستقبله، أو اعتماده على الحركة الهادئة والرصينة للكاميرا، فضلاً عن التوظيف الدقيق لمشاهد الأفلام التي تمرر رسالة ما، كما فعل في اختيار مقاطع من فيلمي «الغول» و{ليلة ساخنة» بكل ما يحملان من دلالة وإسقاط على فساد الأباطرة وكبار رجال المال والأعمال!

تبدأ الأحداث بمكالمة هاتفية تحذيرية تنتهي بمقتل الرجل الذي أفشى سراً ما، ويتبين أنه رئيس قسم مراقبة الجودة في أحد المصانع التي تنتج فلاتر للغسيل الكلوي تؤدي إلى وفاة المتعاملين معها، في حين نُدرك أن الطرف الثاني من المكالمة الهاتفية هو محقق صحافي يعمل في جريدة «الحقيقة»، ويتتبع خطى صاحب المصنع ساعياً إلى كشف فساده، وفضح علاقاته الآثمة مع الوزراء والمسؤولين الكبار؛ فالمخرج تامر عزت يعرف كيف يدخر المعلومات، والتفاصيل، ويكشفها في التوقيت المناسب. فرغم العقبات التي يضعها مدير التحرير في وجه الصحافي الدؤوب فإنه يُصر على ملاحقة رجل الأعمال الفاسد، والإيقاع به. ويلجأ المخرج/ كاتب السيناريو إلى «الفلاش باك» لوضع أيدينا على حقيقة علاقة الصحافي بالقتيل، رئيس قسم مراقبة الجودة، فهو الذي أوصاه بأن يضع جهاز تنصت في مكتب صاحب المصنع، ومن خلاله نجح في أن يُحقق خبطات صحافية متتالية قضَّت مضجع رجل الأعمال، وأثارت قلقه فما كان منه سوى أن حرض على قتل رئيس القسم، وخطط للثأر من الصحافي، الذي تفاقم لديه الشعور بالذنب عقب مقتل الرجل، والتعرف إلى أرملته وابنه. لكن سيناريو تامر عزت يستلهم حيلاً درامية هي أقرب إلى «الكليشيهات» التي عفا عليها الزمن، كالمرأة التي جاءت لتُعيد للصحافي حافظة النقود التي فقدها على باب البنك، وتكشف الأحداث أنها تعمل لحساب رجل الأعمال، كذلك علاقة الصحافي بزوجته وطفلته، التي تعاني للمصادفة البحتة من الفشل الكلوي، وحاجتها إلى استخدام «فلاتر الغسيل»، الأمر الذي يزيده إصراراً على تعقب رجل الأعمال، وكأن ثمة ثأراً شخصياً بينهما، في حين كان يمكن أن يفعل هذا حماية للمجتمع بأكمله، وليس دفاعاً عن ابنته!

نجح المخرج في رسم أبعاد شخصية الصحافي الذي يمثل جزءاً من الواقع؛ فهو عاجز عن تدبير نفقات علاج ابنته، ويأمل في موافقة البنك على القرض، ويعيش حياة روتينية لا مكان فيها للتجريب أو الخروج عن المألوف، ما برر علاقته العاطفية والمرأة التي تم دسها عليه، وجاء مشهد هروبه عقب الاستيلاء على عينة «فلاتر» من وحدة الكلى حافلاً بالإثارة، وتكرر التشويق مع ظهور رجل الأعمال الفاسد، والمواجهة بينه والصحافي، الذي اقتحم مكتبه، لكن المعركة بين الصحافي ومدير الأمن اتسمت بالكثير من السذاجة، وغياب المنطقية.  

تعمد المخرج النابه تأجيل ظهور شخصية رجل الأعمال الفاسد، للإيحاء بأنه رمز لكثيرين غيره، وفضح تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة، التي أغلقت الأبواب في وجه الصحافي الشريف، وعقدت الصفقات المشبوهة مع رجل الأعمال الذي اشتري صمت ضحاياه بالأموال ولكن بدا أن ثمة خللاً ما في اختيار طاقم التمثيل، فباستثناء عبد العزيز مخيون، الذي أضفى مهابة وشموخاً على شخصية رجل الأعمال الفاسد، جاء الأداء التمثيلي ضعيفاً، وبعيداً عن التوهج المطلوب في هذه النوعية من الأفلام، بينما نجح المخرج في الاستعانة بأغنية «أين أنا من العشق» تأليف وألحان وغناء أمينة خيرت.

بقيت نقطة أخيرة تتعلَّق بعنوان «الطريق الدائري»، الذي لم تتضح علاقته بالأحداث إلا من خلال مشهد واحد يتم فيه تلقين الصحافي وعشيقته درساً دموياً قاسياً، ووحشياً، بينما جاءت خواطر النهاية التي يتساءل فيها الصحافي عما إذا  كان قد أخطأ بإنقاذ ابنته بطريقة ملتوية، وحياته المُهددة على أيدي رجال رجل الأعمال، في مكانها، كونها تترك المشاهد مؤرقاً بالبحث عن الطريقة المثلى لتعقب الفاسدين، من دون أن يتحوَّل في النهاية إلى فاسد جديد!

«عزازيل»... رعب يمزج الرومانسية بالكوميديا

كتب الخبرهند موسى

حول الشياطين التي تسكن بعض المنازل ومحاولات طردها، وإخراج الجن من داخل البعض، ووسط أجواء رعب وإثارة وتشويق، ومزيج من الرومانسية والكوميديا، تدور أحداث الفيلم السينمائي الجديد «عزازيل»، الذي سيُطرح قريباً.

يتولى بطولة فيلم «عزازيل» كل من روان الفؤاد، وياسر سالم، وأيمن إسماعيل، وعبد السلام الدهشان، وأحمد صيام، وأيمن إسماعيل، وعفاف رشاد، وجميلة إسماعيل، ومجموعة من الوجوه الجديدة.

مخرج الفيلم رضا الأحمدي قال لـ«الجريدة» إن «عزازيل» يعد أول تجربة إخراجية رسمية له، إذ سبق أن قدَّم فيلمين ولكن لم يعرضا حتى الآن، مشيراً إلى أنه صوَّر الفيلم خلال ثلاثة أشهر، ولافتاً إلى أنه اختار الممثلين على أساس أمتلاكهم أدواتهم وقدرتهم على أداء أدوارهم، بعيداً عن كونهم نجوماً يتمتعون بقاعدة جماهيرية كبيرة أو من نجوم شباك التذاكر.

وأضاف: «رفضت التعاقد مع نجوم أمنحهم ملايين كأجور نظير مشاركتهم في الفيلم، ومن خلف الكاميرا أضيق الخناق على العاملين كي نمنح الفرصة للوجوه الجديدة، خصوصاً أنها الأكثر ملائمة لطبيعة الفيلم، فكلما كان الممثل غير معروف في فيلم الرعب زادت نسبة تصديق الجمهور له، وبمتابعة الأفلام الأجنبية سنجد أن أبطالها ليسوا نجوماً للسبب نفسه».

تجديد ومتابعة

وذكر أن عشقه لأفلام الرعب، وعدم اهتمام صانعي السينما المصريين بهذه النوعية، وتركيزهم على أفلام أخرى أمور دفعته إلى المجازفة بأن يكون أولى أفلامه الإخراجية والإنتاجية «عزازيل»، لافتاً إلى أنه يراهن في الفيلم على رغبة الجمهور في التجديد ومتابعة نوع مغاير من الأعمال، مشيراً إلى ضرورة إمداد سوق السنيما المصري بأفلام رعب منذ فترة طويلة، خصوصاً في ظل وجود جهات إنتاج ضخمة، وممثلين قادرين على المشاركة فيها، وتجسيد شخصياتها.

مخرج «عزازيل» أوضح أنه قد يكون الفشل أصاب بعض التجارب في هذا الإطار، ولكن الأهم شرف المحاولة، ومع استمرارها سينجح صانعوها، مذكراً بمستوى التجارب السينمائية الأجنبية القديمة، ومتمنياً ألا يسخر أي مشاهد من محاولات بعض الصانعين لتشجيعهم في الارتقاء بمستواهم الإخراجي.

وأكد أن تقديم فيلمي الرعب «الدساس» و{وردة» ليس وراء تقديمه لهذه التجربة، قائلًا: «عزازيل» من أول أفلام الرعب التي تم الإعلان عنها قبل هذين الفيلمين، منذ شهر أكتوبر 2013، وقد انتهينا من تصويره منذ عام تقريباً. لكن مشكلات إنتاجية كثيرة حالت دون طرحه. وفيلمي يتميَّز بأنه حصل على إشارة «للكبار فقط» التي طلبت الرقابة وضعها عليه، فيما لم تضعها على الفيلمين السابقين، وهذا تصريح من الرقابة بتضمنه مشاهد رعب قوية على الأطفال. شخصياً، لا أطمح في تحقيق إيرادات ضخمة، بل في صناعة عمل يرضي المشاهد، ولا أقول إنه سينافس الأفلام الأجنبية، ولكن على الأقل يكفيني شرف المحاولة».

قال الأحمدي إنه استعان بطاقم أميركي لتصميم المؤثرات البصرية، وخبير التجميل أيضاً من معهد «نيو إيمدج» في كندا لتصميم الأقنعة الخاصة بالشخصيات، متمنياً أن يلقى كل هذا المجهود وأداء الأبطال استحسان الجمهور. وشدد على أنه يراهن على مجهود العاملين خلف الكاميرا، لأنهم اجتهدوا لخروج الفيلم بشكل جيد.

مؤلف الفيلم عمرو علي قال إن «عزازيل» هو ابن الشيطان، مشيراً إلى أن الفيلم لا علاقة له برواية الكاتب الكبير يوسف زيدان. وأكَّد أن الاسم ليس حكراً على شخص أو جهة ما، وما يجمعهما مجرد تشابه أسماء، وأضاف: «تدور أحداث الفيلم حول طفل لديه حاسة رؤية الجن وإخراجه من جسم الإنسان، وعلى جانب آخر ثمة قصة حب بين شاب وفتاة تعود من السفر لتسكن في الفيلا، ولكنها تكتشف أنها أصبحت مسكونة بالشياطين، ويحاول حبيبها إخراجها مما تتعرض له داخل المنزل».

أكَّد مؤلف العمل أنه استعرض في القصة كيفية دخول الجن إلى جسم الإنسان وخروجه منه، ذلك إلى جانب قصة حب وأجواء كوميدية. وأرجع ذلك إلى أنه حينما شرع في كتابة فيلم الرعب كان هدفه ليس تقديم فيلم رعب خالص، وإنما رعب بتوليفة متنوعة.

ولفت إلى أن كثرة تناول اسم الفيلم في وسائل الإعلام جعل بعض المشاهدين يسأل عنه في دور العرض، إلى جانب حالة الجدل الحاصلة حول كونه فيلم رعب عن الشيطان، ويتطرَّق إلى عالم الجن، وهو ما أسعده للغاية، وتوقع أن يجد صدى وردود أفعال جيدة لدى الجمهور عند عرضه.
مؤلف «عزازيل» قال إنه حاول أن يقدم فيلم رعب مصرياً، وليس شبيهاً بأفلام الرعب الأجنبية، مشدداً على أن هدفه من ذلك أنه عندما يتابعه أي مشاهد مصري أو عربي يندمج مع أحداثه ويشعر بها، نظراً إلى اقترابه منها وفهمه واستيعابه لما يتعرَّض له الأبطال.

ذكر عمرو علي أن «عزازيل» أول تجربة سينمائية له تُطرح على الجمهور، وفي الوقت نفسه عنده مشروعين آخرين هما مسلسل، وفيلم رعب أيضاً يحمل اسم «الجاسوم» وهو نوع من أنواع الشياطين، وتتبقى 20 مشهداً للانتهاء من تصويره.

الجريدة الكويتية في

05.01.2015

 
 

«الخليج السينمائي».. قطاف من الإبداعات في دورات قليلة

عمان - ناجح حسن

ظلت دورات مهرجان الخليج السينمائي المتعاقبة - قبل ان تتوقف دورته السابعة العام الماضي - تحظى بتجاوب وتفاعل من صناع الافلام الشباب في منطقة الخليج العربي ومن ضمنها اليمن والعراق، حيث غدت هذه المناسبة السنوية منصة تبشير بالمواهب اللافتة فضلا عن فرصة لعشاق السينما الاطلاع على تجارب متنوعة في سينمات عربية وعالمية كان المهرجان افرد لها اكثر من ركن خاص.

واليوم يتساءل الكثير من المهتمين بفعاليات المهرجان الذي تأسس العام 2008، عما اذا كان المهرجان سيقيم دورته السابعة هذه السنة، التي اعتاد القائمون عليه بان تكون في الاشهر الاولى من العام، أم انّ المهرجان بات من الماضي؟!،.. لكن تلك الانجازات السينمائية التي حققها مخرجون ومخرجات من منطقة الخليج في مهرجانات دولية، لا بد ان تدفع باتجاه اعادة النظر في ضرورة استمرارية اقامة هذا المهرجان، خاصة وان اسماء مثل: نجوم الغانم، صالح كرامة، سعيد سالمين المري، وليد الشحي، محمد مصطفى، خديجة السلامي، نواف الجناحي، محمد حسن احمد، هيفاء المنصور، عهد كامل، محمد راشد بوعلي، عبدالله بوشهري، عائشة الزعابي، عمار الكهوجي وحيدر رشيد ومثلهم العشرات من اقرانهم، جميعهم شقوا طريقهم بنجاح الى فضاءات الفن السابع بفعل تلك الامكانات التي وفرتها لهم دورات مهرجان الخليج الستة المتعاقبة، حيث اخذوا يزاحمون نظراءهم في السينما العربية والعالمية على المشاركة والاستحواذ على جوائز المهرجانات في ارجاء المعمورة.

الى ذلك، أكدت دورات المهرجان على تنامي هذه الاعداد الوفيرة من الأفلام، وعلى ثراء منطقة الخليج في الكفاءات والمهارات الاحترافية لدى جيل جديد من الشباب وقدرتهم على تعزيز السينما العربية برؤى واساليب جديدة.

وأكثر ما يزيد دهشة الناقد والمتابع لمهرجان الخليج السينمائي، تلك القدرة والجهود المتواصلة للقائمين عليه: عبد الحميد جمعة ومسعود امرالله في تضمين برامج واقسام المهرجان بمئات الافلام المتنوعة والمتفاوتة الطول، حيث جرى احصاء أزيد من200 فيلم ضمن المسابقة الرسمية في احدى دوراته ، وضعف هذا الرقم في الاقسام الموازية.. جميعها اشتغالات روائية وتسجيلية تعزف على الواقع والتجريب في تركيز على القضايا والموضوعات والطموحات التي تراود الناس في بيئات عربية وانسانية، مثلما تعكس نضوج افكار شابة من الكفاءات الموجودة ومدى شغفها بصناعة السينما.

كما جمع المهرجان عدداً من الفعاليات التي شارك فيها متخصصون في الحقل السينمائي وطلبة واصحاب مواهب في ورش العمل، التي أدارها واشرف عليها صناع افلام مخضرمون من بينهم العديد من الاكاديميين والعاملين في الاخراج والانتاج والتمثيل الحائزين على جوائز عالمية او هم اعضاء في مؤسسات أكاديمية سينمائية مرموقة.

كما جمعت جلسات (ليالي الخليج) بين كفاءات وطاقات مكرسة في صناعة السينما والعديد من النقاد والاعلاميين في نقاشات وحوارات، جرى فيها تبيان وتبادل الآراء والأفكار، والتعرف على اساليب وتيارات صناعة الافلام لدى مبدعين عرب واجانب، بغية أن تكون جسراً للتواصل والحوار لمناقشة الواقع الحالي للسينما في دول المنطقة وآفاقها المستقبلية، مثلما تتيح الفرصة لصناع الافلام في بلدان الخليج الاستفادة من خبرات وتجارب اقرانهم العاملين في هذا الحقل الابداعي. كما نظم المهرجان ندوات حوارية حول مفاهيم وقضايا وجماليات وتوزيع السينما المستقلة بمشاركة منتجين ومخرجين ونقاد ومدراء مهرجانات وموزعين واعلاميين جرى فيها تسليط الضوء على الوان من التجارب المتنوعة، وهي تحاكي بجرأة وحميمية تفاصيل الحياة اليومية ببراعة صانعيها في القبض على حالات إنسانية تتوارى في ثنايا الواقع والثقافة السائدة وبمعالجات تتعقب رؤى ومفاهيم تتطلع إلى آفاق فكرية وجمالية أرحب مغايرة لانماط الفيلم التقليدي، حيث عدت تلك الأفلام اعمالا ناضجة ترتقي إلى مستوى إبداعي متطور تفيض بالمواقف المؤثرة والدعابات السوداء لواقع افراد وفئات اجتماعية في عراكهم اليومي بالحياة وهم يضمرون مودة وألفة وبهجة.

في اكثر من مناسبة ولقاء أكد مدير مهرجان الخليج السينمائي مسعود أمرالله آل علي اهمية الحضور المؤثر للأفلام الخليجية والعربية والعالمية ضمن فعاليات المهرجان، موضحا أنه حين يتمّ تأمين بيئة مناسبة ترعى المبادرات السينمائية المحليّة، من خلال المهرجانات السينمائية والتثقيف الصحيح في مبادئ صناعة الأفلام، وتزويد السينمائيين الشباب بمنصة، فانه يجري اتاحة الفرصة لهم لتحقيق طموحاتهم المبتكرة في تغطية وسرد طيفاً متنوعاً من قصصهم وحكاياتهم ذات المواضيع والقضايا الهامة. وبيّن ان المهرجان افسح المجال أمام صانعي الأفلام الموهوبين حول العالم فرصة التنافس ضمن فئة الأفلام القصيرة، ومن شأن ذلك أن يعطي لمحة جديدة حول كيفية تعامل صانعي الأفلام مع هذا النوع من السينما لترويج الحوار والتبادل الثقافي بين صانعي الأفلام العالميين ونظرائهم من المنطقة.

تواصل عروض دارة الفنون بالسينما والتشكيل

عمان- هديل الخريشا

تتواصل دارة الفنون في عرض مجموعة مختارة من أعمال أملي جاسر حتى 23 من نيسان المقبل بأعمال فيديو، وإنشاءات فنيّة، ومداخلات فنيّة، وأعمال صوتيّة، ومنحوتات، التي افتتحت مؤخراً.
وتاليا البرنامج:

عرض فيلم: «الزمن الباقي» الثلاثاء 6 الجاري، المختبر 6:30 مساءًً، من إخراج: إيليا سليمان ضمن سلسلة الأفلام فلسطينية، يسرد قصّة المخرج سليمان الشخصيّة، التي تبدأ لدى احتلال مدينته الناصرة، يوثّق الفيلم الأحداث التي تلت النكبة إلى يومنا هذا.

لقاء مع الفنان «فيليبو لويني» الثلاثاء 13 الجاري، البيت الأزرق 6:30 مساءًً، كجزء من برنامج الإقامة الفنيّة التبادليّة بالشراكة مع Fondazione Fotografia Modena، يتحدّث الفنّان الإيطالي فيليبو لويني حول عمله ضمن البرنامج.

إلى ذلك يعرض فيلم: «الجنّة الآن» الثلاثاء 20 الجاري، المختبر 6:30 مساءًً من إخراج: هاني أبو أسعد الذي يستعرض 48 ساعة في حياة صديقي طفولة فلسطينيين.

اللقاء الثقافي الشهري «النقد الأدبي العربي الحديث: أزمة مفتوحة؟» يقام الثلاثاء 27 الجاري البيت الأزرق 6:30 مساءًً، يتحدّث د. فيصل درّاج حول تعثّر النقد الأدبي العربي وأسباب تعثّره المتعلّقة بمحاكاة نظريّات «الآخر»، والأجناس الأدبيّة العربيّة الحديثة التي لا تجد في الموروث النقدي العربيّ ما يساعد على معالجتها، ومحاضرة بعنوان «أرض أدائيّة» تقدّمها مريم موناليزا غرافي السبت 24 الجاري في 5:00 مساءً في المختبر، تقدّم الفنّانة مريم موناليزا غرافي محاضرة وعرضاً أدائيّاً مبنيّ على مفهوم الأمن كظاهرة مرتبطة بالأرض. وخلال الفعاليّة، تعرض غرافي سلسلة صور من مشروع تنفّذه حاليّاً في فلسطين يستكشف الأرض كموقع للعناية. وتقام رشة عمل: «الحكاية في النص المسرحي» 25-29 الجاري في 3 ظهراً - 6 عصراً في المختبر، وتقدم طلبات المشاركة في الكتابة المسرحيّة بعنوان «الحكاية في النص المسرحي»، بإشراف الكاتب والمخرج وائل قدور. وتهدف الورشة إلى تعزيز حضور النص المسرحي ضمن مجمل العملية المسرحيّة في الأردن.

الفيلم الجزائري «حومة باب الواد» في «شومان»

عمان - الرأي

يعد فيلم (حومة باب الواد) للمخرج الجزائري مرزاق علواش الذي تعرضه مؤسسة عبد الحميد شومان مساء يوم غد الثلاثاء من ابرز كلاسيكيات السينما الجزائرية.

ويصور الفيلم مرحلة حرجة في المجتمع الجزائري تعود لتسعينيات القرن الماضي، من خلال شخصية خباز فقير يقطن حيّ باب الواد الشهير أشهر الأحياء الشعبية في الجزائر، وهناك في هذا الحي العريق نظرة بعض الرجال السلبية إلى النساء وتناول الفيلم ما يجري في الجزائر من داخل بيوت يتسلل إليها المخرج، عبر تقديم طريقتهم في الحياة وفي التعاطي مع المستقبل بين إصلاحي ومتفتح للحوار وآخر منغلق.

يلعب الصوت في الفيلم دورا محفزا للحبكة ويشكل بداية للحديث عن الواقع السياسي الراهن في الجزائر والمشكلة الأساس التي تعاني منها الجزائر ألا وهي الصراع بين السلطة وجماعات التطرف.

وفي المشاهد الافتتاحية للفيلم تستعرض الكاميرا مدينة الجزائر من فوق أسطح المنازل في حي باب الواد الشعبي ووسط هوائيات الاستقبال التلفزيوني، أي استقبال الصورة، وثمة مكبر صوت ضخم مثبت على عامود على سطح مرتفع، وصورة مكبر الصوت تبدو نشازا وسط الهوائيات.

يقدم الفيلم نموذجا للحياة اليومية في الجزائر عبر الوقائع والأحداث اليومية التي تحدث بين أناس عاديين، غير أن المفصل الأهم في الفيلم هو نظرته إلى الازمة التي يتم عرضها في الفيلم بطريقة تستمد شكلها من نموذج أفلام المافيا.

ومن الناحية الأسلوبية تبدو معالجة فيلم (حومة باب الواد) امتدادا لفيلم علواش الأول (عمر قتلته الراجلة)، حيث المعالجة هنا واقعية نثرية، إنما بدون روح السخرية والدعابة التي اتسم بها مضمون فيلم (عمر قتلته الراجلة)، بينما (حومة باب الواد) محاولة للقول السياسي تجاه احداث على نحو أقرب إلى التلميح منها إلى التصريح.

«الحارة في السينما المـصـرية»..

كتاب جديد للمصرية التلمساني

عمان - الرأي

يناقش كتاب الناقدة المصرية مي التلمساني المعنون (الحارة في السينما المـصـرية) الــصــادر حديثا عن المـركز القــومـي للترجـمة في ترجمة لرانـيا فتحي، مفاهيم الإبداع والإنـتــاج والـتـكـويــن المـرتـبـطة بـتـشـكـيـل الـخـطـاب الاجـتـمــاعي والسينمـائي عـن الحارة فـي السينما المصرية من خلال عينة افلام تمثل الحقب المختلفة لتاريخ السينما المصرية.

احتوى الكتاب ثلاثة فصول بعناوين: إنتاج المكان، الأسطورة الشعبية وميثولوجيا الجماعة، وأنماط الحارة والهوية الجماعية، جميعها تبحث في تحولات العيش في الحارة في وصف سردي متين لعينات من البشر وتلك الانماط التي سارت عليها السينما المصرية ابن البلد والفتوة والأهبل وما تفيض به من دلالات ورؤى واقعية وفانتازية.

عاينت المؤلفة مسيرة الفيلم المصري مع احداث الحارة من خلال حقب زمنية متفاوتة في تركيز على المنحى الجمالي لصانعي تلك الافلام ومسلطة الضوء على تجارب وابداعات تميزهم عن الاطر التقليدية الدارجة في صناعة السينما المصرية حيث وجدت في فيلم )العزيمة) لكمال سليم هو الفيلم الواقعي المصري الأول الذي تدور أحداثه في حارة تم بناؤها داخل الاستوديو ومعظم الشخصيات فيها من أبناء تلك الحارة، أنه من الخطأ اعتبار هذا الفيلم أول الأفلام التي تناولت الحارة الشعبية فهناك قبل ذلك أحداث فيلمي (المعلم بحبح) و(لاشين)، غير أن (العزيمة) يمثل الوعي السينمائي الأول في المكان الأصيل الذي تتجلى فيه الشخصية المصرية، وذلك في مقابل الأحياء السكنية الجديدة التي يطغى عليها الطابع الأوروبي.

وتؤشر الناقدة الى فيلم كامل التلمساني (السوق السوداء) الذي نازع (العزيمة) الريادة كواحد من اوائل افلام الحارة بشكل واقعي وفيه يرى الناقد كمال رمزي أن حارة التلمساني أكثر قُرباً من واقع الحي الشعبي في الأربعينات من حارة كمال سليم التي أسبغ عليها المُخرج بُعداً مثالياً.

كما تتوقف المؤلفة في سينما صلاح أبو سيف والحارة التي قدمها بافلام: (الفتوة) (السقامات) و(الكذاب) وتقارن مع اجيالهم من افلام حسام الدين مصطفى في افلامه التي تدور حول المغامرات وصولا الى افلام ماخوذة من ادبيات نجيب محفوظ واسماعيل ولي الدين والواقع الاجتماعي الذي يتأسس على حنين/ضياع قيم التماسك والتضامن، كما تعرف بتجارب علي بدرخان مخرج فيلم (الجوع) والمخرج خيري بشارة بفيلم (يوم مر.. يوم حلو) الذي أطلق فيه العنان لمخيلته الرحبة بعيدا عن الاطار الضيق لصورة الحارة التقليدية وهناك فيلم الراحل رضوان الكاشف المعنون (ليه يا بنفسج) ومثله (الكيت كات) للمخرج داود عبد السيد الذي جرى فيهما تناول حال المهمشين في اتون من لحظات البهجة المسروقة عنوة.

الرأي الأردنية في

05.01.2015

 
 

وسط انتقادات لاذعة

بوسترات "السيقان العارية" تثير الجدل في مصر

24 - إعداد: ريهام عاطف

بعدما نجحت الأفلام الجريئة في اقتحام السينما المصرية خلال السنوات الماضية بسهولة لتجد ضالتها في وضع لافتة "للكبار فقط"، كعبارة تتخفى وراءها من الرقابة، باتت "البوسترات الجريئة" سياسة جديدة يتبعها كثير من المنتجين، باعتبارها الوسيلة الأسهل لضمان "دعاية" ناجحة وسريعة

استفز هذا الأمر الكثير من الجماهير وسط موجة من الانتقادات اللاذعة حول مبررات استخدام هذه السياسة وحول هذه الأفلام التي تسببت أفيشاتها بجدل وانتقادات الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

حجر تفاح

أثار بوستر فيلم "حجر تفاح" الذي طرحته الشركة المنتجة جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تعرض لموجة غضب وانتقادات لاذعة بسبب ما تضمنه من إيحاءات جنسية واضحة، حيث تظهر فيه ساقا امرأة وينبعث بينهما دخان الشيشة، وهو ما دعا نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لتدشين حملات مقاطعة للفيلم الذي لا يرقى لذوق المشاهد، على حد وصفهم.

فيلم "حجر تفاح" بطولة الراقصة سما المصري وسعيد طرابيك ومظهر أبوالنجا، ولي لي قاسم والمطرب الشعبي ريكو وشيماء سيف وعفاف مصطفى، وهو من تأليف سامح فرج وإخراج إبرام نشأت

حظك نار 

ولا يختلف كثيراً بوستر فيلم "حظك نار" والذي على الرغم أن قصته تدور حول عالم الكرة النسائية، إلا أن منتجه اختار ملصقاً جريئاً أيضاً تظهر فيه ساقا فتاة عارية وأمامها كرة قدم، ربما لتكون وسيلة أسرع للدعاية للفيلم الذي أكد مؤلفه علاء شريف أنه كوميدي من الطراز الأول، ما أثار تساؤلات حول مبررات استخدام هذا الأفيش.

ظرف صحي

وكعادتها دائماً أن تحيطها موجة من الجدل والانتقادات اللاذعة، جاء "أفيش" فيلم "ظرف صحي" للفنانة اللبنانية دوللي شاهين مثيراً للجدل بعدما نشرته على صفحتها الرسمية على فيس بوك وتبدو فيه كأنها عارية تماماً بينما تغطي جسدها فقاعات الصابون، الأمر الذي أثار موجة من الغضب والانتقادات من هذا الأفيش.

"ظرف صحي" بطولة حسام فارس وسليمان عيد وعايدة رياض ونيرمين ماهر وعلاء مرسي ولاعب الكرة السابق إبراهيم سعيد، ومجموعة من نجوم الغناء الشعبي منهم عبد الباسط حمودة ومحمود الحسيني، وهو من تأليف محمد بركات وإخراج إبرام نشأت.

موقع "24" الإماراتي في

05.01.2015

 
 

ينطلق في أواخر الشهر المقبل ليقدم جوائز الريادة للفنانين

المركز الكاثوليكي يُكرم "عبيد" و"العمري" ونخبة فنانين

أحمد عدلي

يمنح المركز الكاثوليكي للسينما جوائز "الريادة السينمائية" للفنانتين نبيلة عبيد وصفية العمري ضمن دورته الـ63 التي تنطلق نهاية الشهر المقبل،علماً أنه سيكرم معهما عدة فنانين.

القاهرةقررت إدارة المركز الكاثوليكي للسينما في دورته الثالثة والستين تكريم الفنانتين نبيلة عبيد وصفية العمري ضمن مجموعة من الأسماء التي قرر المركز منحها جوائز الريادة السينمائية، حيث اختارت إدارة المركز تكريم أيضاً حسن مصطفى، أحمد خليل، محمد وفيق ومحمد نبيه لمنحهم جوائز الريادة السينمائية تقديراً لمسيرتهم الفنية التي أثرت في تاريخ السينما المصرية. كما قررت إدارة المهرجان منح جوائز الإبداع الفني للموسيقار جمال سلامة، الموسيقار هاني شنودة، السيناريست عاطف بشاي والناقد كمال رمزي.

يُذكر أن الدورة المقبلة ستنطلق من 27 فبراير(شباط) وحتى يوم 6 مارس(آذار) حيث ستُعرَض مجموعة من الأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان والتي يجري اختيارها راهناً من بين الأفلام السينمائية التي عُرِضَت في عام 2014، علماً أن جوائز التكريم ستُقدَّم خلال حفل الإفتتاح، بينما ستُوزَّع جوائز الفائزين من صنّاع الأعمال السينمائية التي قُدِّمَت العام الماضي في حفل الختام، وسيقام الحفلين بمقرّ المركز في وسط القاهرة.

إيلاف في

05.01.2015

 
 

العائلة في السينما كازان كوبولا، كوبريك وكيروستامي

محمد بنعزيز

حققت السينما مجدها بمنح البطولة للمقاتل الأعزب في أفلام الويسترن، فراعي البقر لا يحمل التزاما تجاه أية امرأة، إنه ملزم بتأمين نفسه فقط. والحب بالنسبة له ضعف. وهو يعيد إنتاج مفهوم البطولة الرومانسي ويعتبر الزواج قيدا. وحين يتعامل مع المرأة فهي كغنيمة تستهلك في اللحظة ثم يتابع رحلته في البراري الواسعة... غير أن السينما لم تقتصر على البطل الأعزب وإن كانت له الغلبة. فقد عرف الشاشات العالمية أفلاما شكلت محطات فنية بارزة في تاريخ السينما. وسأعرض هنا لأربعة أفلام شهيرة تمنح البطولة للأسرة النووية في المجتمع البرجوازي. وهذه الأفلام هي "التسوية" لإليا كازان 1969 و"العراب" لفرانسيس فورد كوبولا 1972 و"عيون مغلقة على اتساعها" لسانلي كوبريك 1999 و"نسخة طبق الأصل" لعباس كياروستامي 2010. وهذا أول فيلم يصوره كياروستامي خارج إيران. يسهل على الكتاب أن يهاجروا ومعهم خيالهم، لكن الأمر صعب للمخرجين لأن ديكور أفلامهم يبقى خلفهم.

يبدأ فيلم إيليا كازان بصوت المنبه واستيقاظ فردي أسرة نووية عصرية، يستحمان ويلبسان ويفطران في حديقة الفيلا. كل شيء في مكانه. الصورة براقة لكن إيحاءات الرتابة تنذر بالشر. في الطريق للعمل يتعرض الزوج (إيدي، كيرك دوغلاس) لحادثة سر. لم يكن الهدف هو موته بل عزله ليراجع مساره. يقضي الزوج فترة نقاهة في البيت قرب المسبح يشاهد التلفزيون. وهنا نكتشف كيرك دوغلاس في واحد من أفضل أفلامه.

بينما يشاهد إيدي على التلفزيون أسودا تفترس زرافة وكلابا غير اليفة تمزق غزالة حية. يصل مديره في الشركة رفقة مساعديه... يرى إيدي نفسه مهددا بالنهب... كان المشهد الذي يجري استعارة للبرنامج الوثائقي الذي تعرضه التلفزة... يصمت إيدي ولا يرد على وصفه بأنه "الرجل الضروري للشركة"... ومع الصمت يقول المعلق في التلفزيون أن الزرافة بكماء، لا تصرخ حتى حين يكون رأسها في فم الأسد... يحلل الطبيب النفسي للأسرة سلوك إيدي، يخمن أنه حاول الانتحار ولم يكن ما جرى حادثة سير. و"في كل انتحار هناك قدر من الانتقام". ممن في هذه الحالة؟ 

لقد توصل إيدي إلى تسوية مع زوجته (ديبورا كير). تعزي نفسها، "يكون زوجها بخير حين تكون هناك عاهرة في حياته". نادرا ما يتبادلان كلمات قليلة. كل واحد يعرف وجهة نظر الآخر التي لن تتبدل. وجهتي نظر متباعدتين، تلاشى المشترك بينهما لذا ينامان منفصلين.

يعمل إيدي في الإعلان، أي يجمّل الواجهات بمهارة. لكن يكره نمط عيشه، تقرفه شخصيته. ولا يستطيع تجميل هذا. ينعكس سخطه على نفسه على محيطه. تتساءل زوجته إلى متى ستتحمل الوحدة؟ يقترح عليها المحلل النفسي نفسه. ترفض لأن لديها زوج. يسألها الطبيب النفسي: وهل يعتبرك إدي زوجته؟ صمت. وأنت أيها القارئ: ماذا تعتبر المرأة التي تسكن معك في البيت بعد عشر سنوات زواج؟

مرحليا تتكشف حبكة الفيلم. وهو يعرض نموذجا لتحقق الحلم الأمريكي: فيلا وسيارة نادرة وزوجة جميلة متسامحة وعشيقة شابة... ماذا ينقص البطل الأمريكي؟ ينقصه السلام مع الذات لذا يعيش في جحيم افكاره. والفيلم تحليل لتوازنات أحلام البرجوازية لحظة انطلاقها وضرورة الصفقات للحفاظ على الوضع بين الزوجة والعشيقة.

بخلاف هذا الزوج العصري الغارق في شكوكه في أسرة مفككة، يتصرف "العرّاب" بطل فيلم كوبولا بثقة تامة. العراب – مارلون براندو- رجل يدبر أموره بشرف، زواجه كاثوليكي وقد بقيت امرأته في الظل، يدير إمبراطورية يفاوض كقاتل لكن يدير العائلة كملاك ويرجو الله أن يباركها. يردد آمين بخضوع قبل أن كل وجبة. بالنسبة له قيم الأسرة خارج المساومات. يقدس العراب عائلته وينحر من اجلها... يعتبر الضعف في هذا المجال أنوثة وهو واثق أن من لا يهتم بأسرته ليس رجلا. يهتم بالعائلة الممتدة وليس بالأسرة فقط، يحل مشاكل أقاربه، يدبر وثائق هجرة وبل ويحصل على دور في هوليود لممثل من أبناء العم. والمقابل؟ الولاء للعائلة. لذا حين جاءه قريب تعرضت ابنته لاعتداء يطلب العدالة، طالبه بالولاء فحقق العراب العدالة الدموية بنفسه. وقد أدى براندو الدور بطريقة مدهشة نظرا لهضمه للتناقضات التي يشخصها.

إن العراب هو الأب القائد العطوف والحنون الذي تقبل يده. لديه فصل شديد بين العائلة والعالم الخارجي، في العائلة حنون خدوم وفي عالم الأعمال دموي. لا معجم تسويات في كلامه. إنه يحسم في كل شيء. ليس لديه أسئلة، لديه حلول فقط. يحافظ على سلطته حتى في شيخوخته فالأسد يهاب وإن كان رابضا... ولأنه شخصية متناسقة مع نفسها ففقط في سبيل صيانة العائلة يمكن التنازل عن الثأر. وهذه تضحية لا نظير لها.

لا أثر لهذه التضحية في فيلم كوبريك، حيث الأنانية في أعلى درجاتها لدى زوج – بيل، توم كروز- يهرب من البيت في العيد. فيلم شاهدته عشرات المرات ، أما المطاردة المتوترة والصامتة والعلنية في الدقيقة 116 فشاهدتها يوميا طيلة سنوات... في الفيلم لقطة طولها أربع دقائق، وهناك أكثر من عشرين لقطة يزيد طولها عن دقيقة دون ملل... وزع كوبريك تتابع الأحداث والأمكنة بطريقة ساحرة... أحداث ترافقها موسيقى أشبه بإنذار. تعرض اللقطات المكان بوضوح. ومع أضواء عيد الميلاد فالمكان يخبرنا عن الزمن ايضا... تنبع قوة الصورة السينمائية في "عيون مغلقة على اتساعها" من حرص كوبريك – كما في كل أفلامه- على أن تكون مصادر الضوء داخل اللقطة لا خارجها.

في مختلف الأماكن التي يتنقل فيها بيل، يصادف أحداثا مختلفة، في نهاية كل حدث يزرع تحذيرا. أحداث مصممة لتصب في اتجاه تعميق وتفسير الحبكة التي يقدمها السرد. وكل حدث له خاتمة - بمثابة حسن تخلص - تمهد لمرور المخرج للحدث الموالي وهذا ما يجعل الإيقاع سريعا.

يبدأ الفيلم الذي صور خلال عام كامل بلقطة أسطورية، فقبل التوجه للحفل، يعبر الزوجان شقتهما الفخمة حيث كل الأضواء مضاءة وحيث يوصيان الخادمة بأن تتصرف كما تريد في الثلاجة المملوءة... في الحفل يحظيان بحسن الاستقبال والإطراء... كل شيء مثالي... لكن الرفاهية المطلقة تسبب العمى لأصحابها...

يصلان الحفل معا وينطلق كل فرد للبحث عن التسلية والمتعة. خاتم الزواج واضح منذ اللقطات الأولى، لكن توجد لعبة الغيرة والوفاء. لذا فالعلاقات الزوجية على المحك. فهي تراقص رجلا غريبا وتراقب زوجها بقلق يقع في براثن عارضتيْ أزياء وهو يقاوم بصعوبة مغشوشة.

ينجو بالصدفة فيتابع البحث عن مغامرة. يدفع النقود لعاهرة وتسأله: ماذا يريد؟ يشرح. العاهرة تخجل وهو لا يخجل. بعدها يدخل عالما غريبا تسيري فيه تعاليم الماسونية. أرعبته الطقوس الكريهة لعبادة سرية إباحية وهذا ما جدد ولاءه لأسرته... عاد سريعا للبيت وحضن زوجته. لكن القلق لم يتبدد. فقبل أن يستنطق كل منهما الآخر تحشّشا قليلا. حينها اعترفت له روز بخيانة افتراضية وحدثته عن شخص يغويها فأجاب إنه يتفهم ذلك "لأن زوجته جميلة جدا". تستقبل روز – نيكول كيدمان- هذا كإهانة لا كغزل. أظن أن هذا الحوار الذي تجاوز التمثيل إلى مكاشفة قاسية هو سبب طلاق كروز وكيدمان. ولاحقا نفت كيدمان أن يكون هذا الفيلم هذا هو الذي حطم حياتها الزوجية. في 2014 صور توم كروز "مهمة مستحيلة" في مراكش وصورت كيدمان فيلم "ملكة الصحراء" في وارزازات. لا يبدو أن الممثلين التقيا رغم تواجدهما معا في جنوب المغرب.

في الفيلم الرابع "نسخة طبق الأصل" لم تتأسس الأسرة أصلا. هنا يمدد كيارستامي تفكير كوبريك في طبيعة العلاقة الزوجية. في الفيلمين معا تجري الأحداث في أقل من 24 ساعة، مما يوفر ضغطا زمنيا جيدا يمنع ترهل السرد. في الفيلمين أيضا مساحة أكبر لأن تراتبية النفوذ في الأسرة تغيرت بين فيلم 1969 وفيلم 2010. يمنح كيارستامي البطولة لامرأة (جولييت بينوش) تلتقي رجلا (وليام شيمل) ويجلسان في مطعم. عاملتهم النادلة كزوجين جيّدين فشرعا يلعبان اللعبة، لا تريد المرأة أن يعرف الناس أن الرجل الذي ترافقه عشيقها. يشرفها أن تقول إنه زوجها أو على الأقل خطيبها... تتمنى أن يمشي معها ويضع يده على كتفها لأن اللمس يخفض التوتر...

بخلاف الأزواج المتباعدين لأن عيونهم مغلقة، فإن ثنائي كيارستامي متقارب، يجد الرجل ما يقوله لها، يحدثها عن الفن وتضحك لتشعره أن ما يقوله لها مهم. تنظر في عينيه حين يكلمها ونادرا ما تفعل الزوجات هذا. تتجمل لزوجها (تضع أحمر شفاه وهي متجهة للجمهور لأن كيارستامي عادة يضع الكاميرا مكان المِرآة)، يقومان بجولة سياحية في توسكان بإيطاليا ويتحدثان بمتعة فقدها الأزواج الحقيقيون... يتحدثان وينطلقان بالسيارة في لقطة مشهد يمتد أكثر من عشر دقائق دون قطع نرى خلالها جمال العمارة والطبيعة ينعكس على زجاج السيارة... هنا يلعب المخرج باللغة السينمائية. هذه اللغة التي تقوم على التقطيع وسلم اللقطات وموقع الكاميرا وذكاء المونتاج... على مستوى هذه اللغة أقارن بين سحر كازان وضجيج كوبولا ورتابة كيروستامي وأستخلص أن كوبريك يتمكن من الحفاظ على توتر عالي في اللقطة بأقل الوسائل...

يشتد التواطؤ والتظاهر أمام الآخرين للإيهام بتماسك العلاقة الزوجية. وهذا مجرد تمثيل، حتى أن جولييت بينوش حصلت على جائزة أحسن أداء في مهرجان كان 2010 عن دور الزوجة المستنسخة. ولتكثيف استعارة الأصل والنسخة يتحدثان الزوجان عن تزييف اللوحات في المتحف، فاللوحة الأصلية والأسرة الأصلية تحف نادرة... تتحدث جولييت بينوش عن اللوحات بتلقائية وهي رسامة أصلا... أكيد أن وحدة الذوق الفني تنقذ العلاقات العاطفية. في لقطة دالة تظهر التماثيل في ساحات المدن الإيطالية متعانقة بدفء يفتقده البشر. البشر باردون متباعدون، حتى أنه نشرت مؤخرا دراسة تزعم أن النوم بجانب الزوجة يزيد غباء الرجل. يزيد ولا يسبب.

هذه تلاوين تطور الأسرة خلال أربعين سنة في السينما حسب كازان (يوناني – أمريكي) كوبولا (إيطالي أمريكي) كوبريبك (يهودي أمريكي) وكيروستامي (مسلم إيراني). يقبض العراب خلاصه بيده. يظن إيدي أن الخلاص يوجد في مكان ما، بينما يسلم بيل أنه لا يوجد خلاص في أي مكان. ولا جدوى من البحث عنه أصلا لدى كياروستامي. لقد حل الوهم محل السعادة والخلاص. يجري التعايش مع الوهم، مع النسخة.

يقلقني أن تكون الأسرة قد صارت مجرد نسخة. من يستطيع أن يزعم أن أسرته ذات عيون مفتوحة؟
متماسكة؟أصلية؟

benaziz12@gmail.com

هيسبريس المغربية في

05.01.2015

 
 

سعاد نصر..

من طموحات صاحبة الجلالة إلى التربع على عرش الكوميديا النسائية

سيد محمود سلام

فى الخامس من يناير عام 2007، تصدرت أخبار وصور رحيل الفنانة سعاد نصر بعد غيبوبة طويلة استمرت قرابة العام، إثر حقنة مخدر، حيث كانت الفنانة الكوميدية قد ذهبت إلى أحد المستشفيات لإجراء جراحة تخسيس لكنها لم تكن تعلم أن القدر سيكتب نهايتها بحقنة مخدر.. 
سعاد نصر الفنانة التى أجمع كل النقاد والجمهور على موهبتها، وأنها تميزت بالأداء السهل الممتنع، تذكرها جمهورها الذى حزن لرحيلها فاحتفلوا برحيلها على صفحة الفنان محمد صبحى الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، بأن قاموا برصد عباراتها الشهيرة التى كانت ترددها بتلقائية شديدة فى مسلسلسلات "هند والدكتور نعمان" و"أحلام عادية" و"مشوار امرأة" و"أجرى أجرى" ورائعتها "الليل وآخره" مع النجم يحى الفخراني، و"جحا المصرى" و"رحلة المليون" و"سنبل بعد المليون" ثم "يوميات ونيس". 

وبالطبع فى مسرحياتها التى تعد من أهم الأعمال الكوميدية فى تاريخ المسرح الكوميدى ومنها "الهمجى" و"تكسب يا خيشة" و"البراشوت" و"عيلة عشرة نجوم". 

وسعاد نصر التى عرفت بخفة دمها وملامحها المصرية الأصيلة، ولدت في حي شبرا، ولم تكن تحلم يوما بأن تصبح ممثلة، بل طموحاتها كانت تتجه نحو الصحافة، إلا أن القدر جعلها تلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذى تخرجت فيه عام 1975. 

وبمشهد تراجيدي من رواية "ياسين وبهية"الذى تقدمت به كمشروع تخرجها، أعلن مولدها كفنانة تستطيع الأداء بشكل محترف، اكتشفها للكوميديا الفنان كرم مطاوع، حيث وجد فيها فنانة كوميدية على عكس ما كانت تعتقد أنها لاتصلح إلا للتراجيديا. 

في عام 1982 كانت بدايتها السينمائية من خلال مشاركتها في فيلم "الغيرة القاتلة" توالت بعدها أدوارها السينمائية التي كان من أبرزها دورها في فيلم "هنا القاهرة" الذي وضعها في مصاف نجمات الكوميديا في مصر من خلال أدائها البسيط لشخضية الصعيدية التي تأتي برفقة زوجها لزيارة القاهرة. 

ويعد مشوارها مع النجم محمد صبحى هو المتوج لنجاحاتها وموهبتها.. فقد كونت معه ثنائيا قل أن يتكرر بين نجم ونجمة فى مجال الكوميديا، وقدمت مع النجم محمد صبحي عملين من أنجح المسلسلات التلفزيونية الكوميدية، وهما "رحلة المليون "و"يوميات ونيس" الذي قدمه في منتصف تسعينات القرن العشرين بأجزائه الأربعة. 

وكانت وفاتها صدمة للجميع، فقبل دخولها الغيبوبة الأخيرة كانت قد غيرت من طبيعة أدوارها ونجحت بامتياز فى العودة للتراجيديا والدراما التى تمنت أن تبدع فيها قبل أن تصبح واحدة من المع نجوم الكوميديا. 

برعت سعاد نصر أمام النجم يحى الفخرانى فى دور زوجته وأم الأولاد الصعيدية التى تحب وترعى الأبناء فى مسلسل "الليل وآخره". 

ورحلت بعد أن خضعت لعملية شفط دهون في أحد مستشفيات القاهرة، ودخلت في غيبوبة بعد إعطاءها جرعة مخدر تمهيداً لإجراء عملية الشفط لكنها دخلت فى حالة غيبوبة كاملة استمرت مدة عام كامل، ثم توفيت في 5 يناير 2007 . 

وقد صاحب محنة مرضها العديد من الاتهامات من جانب الصحافة لطبيب التخدير المسئول عن العملية ولكن في النهاية تمت تبرئة ساحة طبيب التخدير، لتظل حادثة رحيلها حالة خاصة لفنانة لم تعلم شيئا عما حدث لها طيلة عام غير أنها ذهبت للمستشفى على قدميها رغبة فى أن تصبح أكثر رشاقة، وخوفا من مخاطر أمراض السمنة.

بوابة الأهرام في

05.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)