كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

سيرة جوليان أسانج الفاشلة !

أحمد ثامر جهاد

 

ليس في الفيلمين السينمائيين اللذين تصديا لسيرة مؤسس موقع ويكليكس، الأسترالي جوليان أسانج، الرجل الأكثر شهرة حول العالم حالياً، ما يفيد بأننا إزاء شخصية درامية تصلح لأن تكون مادة مميزة لفيلم سينمائي يسعى إلى أن يجتذب الجمهور ويحقّق نجاحاً يذكر، لكن في المقابل نجد في حياة هذه الشخصية قدراً كبيراً من الإثارة والغموض والمغامرة واللعب الخطر مع الكبار، عبر كشفها المزيد من الوثائق والأسرار التي تدين دولاً وتفضح مؤسسات وشخصيات دولية متورطة في أعمال نهب وحروب وجرائم ضد الإنسانية.

الفيلم الأسترالي الموسوم (UNDERGROUND THE JULIAN ASSANGE STORY-2012) للمخرج روبرت كونولي اكتفى-كما يشير عنوانه- بالوقوف عند حياة أسانج (الممثل إليكس ويليامز)، تحديداً في بدايات ظهور اهتمامه بالتقنيات واكتسابه مهارات التعاطي مع الحاسوب خلال فترة مراهقته. هذا الفيلم الحاصل على خمسة ترشيحات لدى عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، تناول الميول التي تولّدت لدى عرّاب العصر الإلكتروني «أسانج» في ظِلّ ظروف من المعاناة النفسية، تعرّض لها هو وعائلته واضطرته تالياً للرحيل خارج المدينة، بعيداً عن السلوك العنيف لزوج أمه. 

يُلمّح الفيلم إلى أن هناك لحظات زمنية فاصلة تُشكّل هويّة الفرد وتترك أثرها على عقليته لترسم فيما بعد خريطة مستقبله. وشخصية أسانج مثلما بدت في الفيلم تشكّلت في سياق هوسه بعالم الكمبيوتر وخباياه، وبراعته في التحكّم به وتسخيره لإشباع فضوله وحماسه الذي يتخطى حدود هذه الآلة، وإن على نحو جعل مصادر معرفة الرجل وثقافته التي يستمد منها عزمه على تحدي السلطات، غير مقنعة للمشاهد، فهو بنظر البعض ليس أكثر من قرصان في زمن العولمة (هكرز) يُسدّد ضرباته بمهارة نحو خصومه، إلى درجة أن مغامراته ستقوده لاحقاً بمعية اثنين من أصدقائه إلى أفعال غير قانونية تنذر بعواقب جسيمة، كلما جرى العمل على اختراق موقع حساس أو نشر وثائق رسمية. مع أن الحوادث التي يعرضها الفيلم تبدو بالنسبة لـ«أسانج» وكأنها رهان لعرض القدرات العقلية لمستخدمي الحاسوب قبل ظهور الإنترنت، عبر ربطه بمودم يُؤمّن إجراء شبكة اتصالات تخرق أنظمة أمنية عالية المستوى في أستراليا وأميركا ودول أخرى، وستؤدي في النهاية إلى القبض على أسانج وإيداعه السجن بعد نشره وثائق تعود للبنتاغون وتكشف عن أهداف وتحركات عسكرية أميركية ومواقع حساسة. 

حفل الفيلم بالكثير من المبالغات، وتضمّنت بعض مشاهده حيلاً تقنية تحاول إقناع المُتفرّج بالقدرات فوق العادية لأسانج، والتي تجعله قادراً على قطع التيار الكهربائي عن أحد أحياء مدينته بضغطة زر من كمبيوتره الشخصي لمجرد إبهار عشيقته بقوة مهاراته. تتوقف سيرة أسانج في هذا الفيلم عند إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الأسترالية وإيداعه السجن. لكن دعواه المتمردة ستظل مستمرة، مُلهمة للآخرين ومُقلقة في الوقت ذاته أصحاب النفوذ والسلطة. 

أما فيلم المخرج بيل كوندون الموسوم (THE FIFTH ESTATE- 2013)، الذي أُنتج بالتعاون بين شركتي «دريم ووركس» و«بارتيسيبان ميديا» بكلفة بلغت نحو 30 مليون دولار، فلم يحصل خلال عرضه سوى على 4 ملايين دولار، واعتبر فشلاً ذريعاً في تاريخ الشركة المنتجة، حتى أن صاحب ويكليكس صرح للصحافة، بأن إخفاق الفيلم يعود لضعف فكرة السيناريو واعتماده على الكثير من التلفيقات المغرضة. لكن أسانج في المقابل ليس مُتعاوناً مع صناع الأفلام ولا يثق بحماسهم، وربما يكون محقاً في رأيه هذا بالنظر لدوافع الشركات المنتجة التي لا تفكر أبعد من جني الأرباح، وقد تكون النتيجة مماثلة لما حصل قبل سنوات مع فيلم (الشبكة الاجتماعية) للمخرج ديفيد فينشر، والذي تناول حياة الشخصية الأكثر شهرة في العالم حينذاك، ونقصد مؤسّس فيسبوك «مارك زاكربرغ». ربما كانت حياة أسانج مادة مثيرة لفيلم وثائقي، كان قد صنعه المخرج مارك ديفيز عام 2010 وأسماه (INSIDE WIKILEAKS).

يبدو أسانج في فيلم المخرج بيل كوندون بمثابة روبن هود عصره، يغامر بنفسه وبما يملك من عزم من أجل إظهار الحقيقة، التي تظل نسبيتها محل جدل هنا، فيحشد حول شخصه المؤثر المئات من المتطوعين المجهولين والموزعين في شتى بقاع العالم الذين يرسلون تقارير ووثائق خطيرة تكشف عن حقائق مختلفة لم يتعرفها الجمهور سابقاً. يحزن أسانج لمقتل اثنين من أتباعه في كينيا ويتصرّف بأبوية ثورية تجاه الآخرين، لاسيما مع أقرب معاونيه (الألماني دانيال شميدت)، لكنه في وقت آخر يبدو قادراً على التخلي ببساطة عن صديقه الألماني من أجل مبادئه الصارمة، ذلك بعد نشوب خلاف بينهما حول النقطة الحساسة في عمل ويكليكس، ونعني بها الحدود الأخلاقية لما تقوم به المنظمة، فقد يتسبب نشر بعض الوثائق بإلحاق ضرر مباشر بحيوات العديد من الأشخاص. وهو ما حصل فعلاً عام 2010 عقب نشر ويكليكس وثائق على مستوى من السرية عن المتعاونين مع أجهزة الاستخبارات الأميركية في بلدان عربية وأجنبية عدة، مما جعل ذويهم عرضة للتصفية على يد جماعات مختلفة. حينها تبنى دانيال طرح السؤال الأهم في الفيلم، إذا كنا نعلم أن الأمر سيؤول إلى هذه النتيجة، هل علينا فعل ذلك حينها؟ ربما في هذه النقطة تحديداً يبدو انحياز الفيلم واضحاً لموقف دانيال المعتدل، لاسيما أن الفيلم استند أساساً إلى جزء من سيرته التي أصدرها بعد خروجه من ويكليكس عام 2010، السنة التي أثارت أكبر ردود فعل بعد نشر نحو 10 آلاف وثيقة عسكرية ودبلوماسية، تسببت بأكبر إحراج دولي للولايات المتحدة الأميركية.

أسانج الذي أدى دوره ببراعة الممثل البريطاني (بنيديكت كامبرباتش) يعي أهمية وسائل المعلوماتية في صياغة عالم اليوم، يؤمن أن تقنية المعلومات هي أمضى سلاح يمكن استخدامه بوجه جبروت القوى الكبرى التي باتت مُتحكمة بعقول ملايين الناس حول العالم. وكان المخرج الأسترالي روبرت كونولي قد ألمح إلى عدم قناعة أسانج بجدوى المظاهرات والحِراك الاجتماعي التقليدي لإرغام السلطات على تبديل سياستها. لكن لغز الرجل الذي يتحرّك بعزيمة لا تلين يبقى أحجية لا يوافق الجميع على توصيفها الشائع واعتبارها محض بطولة فردية. وليس خافياً أن سلوك أسانج يجعله أحياناً شخصية فريدة «ميتاواقعية» ترسم المستقبل في خضم الحاضر مهما كان الثمن باهظاً. في المقابل فإن شخصية أسانج، كما ظهرت في عدد من مشاهد فيلم «السلطة الخامسة» تبدو أقرب إلى شخصية رجل مافيا متغطرس، وغد من عصر العولمة يعرف ألاعيب خصومه ويعد الشجاعة معدية. خاصة أن المزيد من الأتباع إذا ما كنا ملهمين بدرجة لهم، سيقدمون على تخطي الخطوط الحمر، سيغامرون ويدلون بشهادتهم حول الحقيقة التي جرى تلفيقها من قِبل السلطات في حوادث وأزمات عدة، مثلما يرى صاحب ويكليكس. لا مجال للعواطف لدى أسانج، العمل على مشروع ويكليكس هو كل حياته التي بدت مُكرسة لتحقيق العدالة ونشر المعلومات في فضاء تداولي حر. لكن الرجل اللغز الذي ما زال حتى الآن لاجئاً في سفارة الإكوادور في إحدى ضواحي لندن، رجل غموض دولي كما يوصف في الفيلم، لا يعترض على الجهات التي يمكن أن تكون حليفة له أو ممولة لمشروعه، لكنه يختار أفعاله ومجال تحركاته بذكاء محسوب. تعمّد الفيلم أن يلمّح إلى أن أسانج رجل مهووس بالشهرة وبالصخب الذي يحققه عمله أكثر منه صاحب مشروع سياسي أو ثوري. 

ربما تبدو بعض الجوانب في حياة أسانج أشد سريّة وغموضاً من الحوادث ذاتها التي يكشف للجمهور النقاب عن أسرارها عبر موقع ويكليكس، وربما يكون هذا الغموض هو نقطة الجذب التي جعلت مخرجين سينمائيين يتناولان حياة جوليان أسانج في فيلمين سينمائيين، كان نصيبهما من النجاح متفاوتاً.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

«إلى أرضي» .. دفتر سفر نبيل عيوش

عزالدين الوافي

بعد مسار سينمائي خَلَقَ الكثير من الجدل حول أفلامه مثل: مكتوب، علي زوا، لحظة ظلام، كل ما تريده لولا، ياخيل الله، الذي توقّف فيه عند أحداث 16 مايو/أيار الإرهابية بالمغرب، ثم أفلامه الوثائقية التي حاول فيها بسط الصراع العربي- الإسرائيلي كفيلم «أرضي» 2012... يُقدِّم المخرج المغربي نبيل عيوش فيلمه (الوثائقي الإلكتروني-WEB-DOCUMENTAIRE) «إلى أرضي TO MY LAND» ليستدرك فيه ما فاته في فيلمه «أرضي»، وليقتفي مُجدَّداً أثر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وإن كان المخرج قد صرح في مقابلة تليفزيونية بأن فيلمه «إلى أرضي» ليس تتمة للأول «أرضي» ولا ميكينغ أوف. 

بالإحالة إلى لوي دي جانيتي، الذي يرى بأن الوثائقي يُعالج الواقعي لا الخيالي، والأحداث الحقيقية لا المتخيّلة، في حين يرى جان لوك غودار أن الوثائقي لا يبحث عن الآني لذاته، بل لما يفرزه من اللانهاية. الفيلم الوثائقي بالتالي يظلّ وثيقة للزمن المقبل. يمكننا أن نتساءل: هل نحن أمام واقع أم أحداث مُرتبة وفق سيناريو تخييلي؟ ومن ثم هل نحن أمام مادة حقيقية من واقع يتشكّل أمامنا أم أمام مادة مصوّرة بما يتضمّن ذلك من إعداد مُسبق وترتيب زمني ما قبل التصوير وخلاله وما بعده؟ ثم ألا تحمل أفلام الخيال منظوراً للوجود وتنطبع بنظرة ذاتية من خلال الشخصيات والأحداث والأماكن التي توظفها؟

على مدى سبع سنوات قام المخرج بأسفار لمناطق النزاع من أجل تجميع الشهادات والحكايات. ومن الطبيعي أن يُقدّم الفيلم رؤيته وفق قناعات المخرج وتفسيره للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وهي رؤية تفترض تموقعاً والتزاماً ذاتياً، فالمخرج يصرّح من البداية بأنه «يُقدّم رؤيته الخاصة والشخصية تجاه قضية شغلته»، وهي رؤية تضعنا أمام مسارات تأويلية مُتباينة، مَردّها أن المخرج/ السارد يقف خلف أقنعة عدة تتراوح بين العمل الصحافي، والباحث الوثائقي، والمؤرخ السينمائي، والكاتب أو السيناريست.

يعتمد الفيلم على النمط التشاركي، حيث يشارك المخرج في بعض المشاهد اللعب مع الأطفال، كما أن المقاطع الأربعة عشر المُشكِّلة لهيكل الفيلم تتبع خط رحلة المخرج بمعية رفيقته اللبنانية نيكول كاماتو. وهي رحلة تفاعلية على الشبكة العنكبوتية، أتاحت هامشاً من التعليقات. ومن ثم، نحن أمام مشاهد مساهم في النقاش بصورة تتخذ فيها دلالات الفيلم آفاقاً مغايرة لما كان كاتب النص الأصلي يروم تحقيقه. إنه نوع من الميتانص يغازل النص الأصلي، يواربه، يُقلّل من شأنه وقد يتجاهله تماماً كما يبدو من خلال بعض التعليقات الآتية من أشخاص إسرائيليين يتقاسمون مع الفيلم نفس الأطروحة أو يقفون على الطرف النقيض لها.

يتوزّع فيلم «إلى أرضي» على محطات تسكنها شخصيات من هذا الطرف أو ذاك لتقدّم انطباعات حميمية من معيشها اليومي تخلو أحياناً من عنف العبارة ومن لغة المواجهة، لكنها شاعرية في عنفوانها، بسيطة في عمقها. تتراوح بين شهادات صبية أو فتايات يصدمن المشاهد بصراحتهن المطبوعة بالمرارة، وأحياناً بالفكاهة السوداء.

تبرز قيمة الفيلم في الاشتغال أساساً على مجموعة من الذاكرات، ذاكرة فيلم سابق وهو الوثائقي «أرضي»، وذاكرة المخرج، ذاكرة الفلسطينيين وذاكرة الإسرائيليين مزعومة كانت أو مُطابقة لكتاب مقدس. وهناك شاهدون على الحدث، من قلب الحدث، يعيشونه ويعايشونه.

غير أن الفيلم لا يمكن أن يدعي الحياد في ترتيب الأحداث ولا في توزيع الأدوار، ولا في لغة الكاميرا مادام الفيلم باعتراف المخرج يعكس وجهة نظر شخصية تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في حين هناك من اعتبر بأن المخرج حاول التنصُّل من زاويته الذاتية. كما أن حضور المخرج كطرف في الحوار والمراقبة، بل كشخصية ضمن باقي الأشخاص بقدر ما منحه لمسة إنسانية مندمجة بقدر ما جعلنا نستقبل الفيلم وكأنه بورتريه عن المخرج في علاقته بالقضية وبالصراع عموماً.

وعلى ما يبدو، فإن الفيلم كسر العادة، بخروجه عن محاورة المسؤولين السياسيين، كما هو معهود، لينزل إلى أرض الواقع من خلال مساءلة زوايا نظر مُتباينة لأشخاص يشكّلون هويته هو من خلال هذا الجنس التعبيري الجديد في المغرب، وهو الوثائقي الإلكتروني، الذي سمّاه «دفتر سفر نبيل عيوش في الشرق الأوسط».

«إلى أرضي» فيلم موجه لعموم المبحرين في الشبكة العنكبوتية من كل الأعمار والجنسيات. هو فيلم على شاكلة أفلام الطريق يعي اللعبة السردية التي تبطن نارين وقراءتين لواقع يتشكّل ويخرج للوجود كلما ضغطنا على زر ألعب، ومن ثم فالفيلم الوثائقي الإلكتروني يحين طراوته كلما أحيل على قضيته.

قد لا يرضي هذا الفيلم الكل طالما هناك إرادات تقرأه بعيون آنية مُوغِلة في التضخيم أو في التبخيس للقضية أو للآخر. ومن ثم، فمهما حاول الرائي الأكبر أن يُقدِّم واقعاً ما فالسرد، والتوضيب، والشريط الصوتي كل هاتِه العناصر بنهاية المطاف تنوب عنا في استقبال وقراءة أوجه الحقيقة الضائعة والمتلوِّنة.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

الفتاة السحريّة .. عَبثية الألم

كاميران حاج محمود

حينما أعاد بيدور ألمودوبار ترتيب صور المجتمع الإسبانيّ في الثمانينيات كمجتمع يتّجه إلى خياره الأوحد، خارجاً من مستنقع الماضي، لم يكن لأحد أن يتنبّأ بالتغيّرات العنيفة التي كانت تهبّ من جهة الشمال. كارلوس بيرموت، المخرج الإسبانيّ الشابّ (مدريد، 1980)، نجح في عرض صياغة جديدة لما يتصوّره عن مجتمع يتابع الغرق كغيره في البحر الأوروبيّ العميق، وقد خلطتْ سيول التطوّر المتسارع في المدن، على الأقلّ، قيم الإنسان بمُضيّه الأعمى مُتقفّياً غِواية المعاصرة. مع ذلك، ليس هذا تماماً المركزُ في «ماجيكال غيرل»، فيلم بيرموت الطويل الثاني الذي فاز بالجائزة الكبرى (الصدفة الذهبيّة) لمهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي، في دورته الثانية والستين (خريف 2014)، فالسينما هنا –من جديد- يدٌ تدفعُ أبواباً موارَبة، خلفها تحتجبُ النفسُ الإنسانيّة بكلّ تعقيداتها، في الظلّ من الهويّة والواقع المحليَّين، وبعيداً عن ظاهر القضايا التي قد تبدو نمطيّة بعض الشيء في الفيلم.

ثلاثةُ عناوين تُقسِّم حبكة الفيلم: العالم، الشيطان، الجسد؛ أعداءٌ ثلاثةٌ للروح في الديانة المسيحيّة، ستظهر تباعاً وسط شاشةٍ سوداءَ قاطعة في كلّ مرّة. لويس مدرّس الأدب في الثانوية (يؤدّي الدور الممثّل لويس بيرميخو)، الذي طُرِدَ إلى البطالة كغيره من الآلاف، ينشغل محبطاً بالبحث، في عالمٍ عديم الرحمة، عمّا قد يُفرح ابنته أليثيا ذات الاثنتي عشرة سنة، المصابة بسرطان الدم، وهو العارفُ أنها ستموت قريباً. يُفزعه الحديث معها عن مرضها، فيهرب إلى التفكير في هديّة ماديّة! يعثر في دفترها على أمنياتها المدوّنة: بلوغ 13 سنة، اقتناء فستان دُمية يابانيّة تُدعى «يُوكيكو»،... لكنّ ثمن الفستان يبلغ 7 آلاف يورو. يجرّب سرقة محلّ للمجوهرات، ولكنّ مصادفةً تمنعه من تحطيم الزجاج؛ سيّدة كانت تحاول الانتحار في الشقة فوق المحلّ. تقود الحادثة الاثنين إلى علاقة عابرة، سيستغلّها لويس بدناءة فيما بعد. باربَرا المرأةُ الفاتنة (تؤدّي دورها الممثّلة الموهوبة باربرا ليني)، تظهر رقيقةً مُحبّةً، تعمل ما في وسعها للإفلات من قبضة ماضيها الممزَّق الذي يتوضّح رويداً رويداً.

يستعمل بيرموت ميكانيكيّة تنزع إلى توخّي الحديّة لا إلى تجاوزِها، تنفع جيداً كنقطة انطلاق دراميّة، لكنّها تجرّ فيلمه نحو نموذجيّة شبه تقليديّة. مع ذلك، ينبغى القول إنّ الانعطاف الذي يُحدثه بيرموت في النوايا والتصرّفات المُتصارِعة في القصة يُشكّل عمقاً سيكولوجياً ذا ثقلٍ مهمّ للغاية. الشيطان الذي هيمن على حياة باربَرا لن يغادرها بسهولة، بل سيُعلن تماديه. مع أنّ زوجها ألفريدو، طبيب نفسانيّ يحاول رعايتها، فإنه يقع في الضيق، ويهجرها في ذلك اليوم المشؤوم إثر سلوكها الغريب أمام زوجين صديقين لهما: «لا أستطيع التوقّف عن التفكير أيُّ تعابيرَ سترتسم على وجوهكم إذا رميت بالرضيعة من النافذة!»، أجابتهم باربَرا آنَ استوضحوها سببَ نوبة الضحك المُريب التي انتابتها عندما حملت طفلتهما. بعد علمه بثراء زوجها، يقوم لويس بابتزازها لتحصيل المبلغ، فيهدّدها بإخبار زوجها عن خيانتها له. تضطرّ لأن تلجأ إلى مومسٍ كانت تعرفها من قبل، على اتصال برجلٍ مُقعدٍ يُدير بيتاً للدعارة تُقام فيه طقوس غامضة، إذ إنّ مَنْ يرتاده هم رجالُ أعمالٍ ومافيات ساديّون.

حين تكتشف باربَرا رحيل زوجها الذي تحبّه كثيراً، تتقوّض آمالها ويستحوذ عليها الخذلان. تكسرُ مرآة الحائط ضاغِطةً عليها برأسها، فيُجرح جبينها جُرحاً صغيراً يبقى طريّاً، كندبة حمراءَ نازفة، حتى نهاية الفيلم. تنزوي إلى الشرب، وتتناول كمية مفرطة من الحبوب، بيد أنّ تقيُؤها يُنقذها من الموت. أثناء ذلك، كان يُسمع في بيتها لحنُ أغنية الفلامينكو الساحرة (الطفلةُ التي من نار) لـ مانولو كاركول، لينتقل المشهد باللحن إلى بيت مدرّس الرياضيات المُسنّ داميان (الممثّل القدير خوسيه ساكريستان)، الذي يتلقّى، فجأةً، اتصالاً يهمسُ فيه صوتٌ مُتعب: «أنا باربَرا!». لكنّه لا يردّ. في مشهد الفيلم الأوّل يقف داميان في قاعة الدرس، ومقابله بنت اسمها باربَرا (13 سنة)، غريبة الأطوار، تُخبّئ في يدها ورقة تختفي عندما يصرّ داميان ويأمرها أن تبسط كفّها. في مشهد لاحق نعلم أن داميان كان قد أمضى داخل السجن عشر سنوات. نستنتج أنّ الرجل كان أحد الذين وقعوا ضحيّة مُجون واضطراب باربَرا؛ الجسدُ المحرّمُ على العنف إذاً كان ما أودى به إلى السجن، دون أن نعرف أيّ تفصيل آخر. ينتبه لويس إلى أن فرحة ابنته لم تكتمل، فشيءٌ نقُصَ من الهديّة: الصَّولجان في يد الدمية. مشهدٌ فكاهيّ مُقتضب يبعث على الضحك، لكن سرعان ما يلتمع الخوف في الأعين: محنةٌ آتية، لا ريب. يُمهل لويس باربَرا يومين فقط لتضع النقود، كما في المرّة السابقة، في طيّة غلاف الدستور الإسباني وتعيده إلى مكانه في المكتبة العامّة، فلا ترى أمامها سوى اللجوء إلى تلك الفيلّا المُخيفة، بلا شروط هذه المرّة، وهي تعرف أنها لن تخرج بسلام من الحُجرة التي عُلّق على بابها رسمُ عَظاءةٍ سوداءَ. داميان الذي يسعفها بعد أن ألفاها مُرتميةً على السلالم أمام بابه مُشوَّهة الوجه، يُقرّر الانتقام لها؛ هو الذي يعرف أنّ باربَرا امرأة طيّبة، ومختلفة الآن.

السيناريو إذاً لا يمكنه تقديم مفاجآت خارجيّة، فهو ليس مفتوحاً على أيّ ارتجال؛ ينغلق شيئاً فشيئاً على عالمه المصغّر ولا يترك أيّ صدعٍ فيه. يراهن المخرج على تأثير موضوع الانحراف المتواري، فيُذيعه كسحابةٍ سوداء ترافق الهطول الخفيف للأحداث، لكن لا شيءَ يستعصي على التكهّنات كما انتظر ربّما. يخطر لنا أنّ عينَي باربَرا تُخفيان انكساراً مّا، وأنّ طريقها في البحث عن الرغبة مرّ في أرضٍ مسمومةٍ، لكن عندما نرى النّدبات تملأ جسمها يصبح المُحتجبُ جليّاً إلى حدّ زائد. مُيولها المازوشيّة ستستدرجها مجدّداً –ليس بإرادتها الآن!- إلى نهاية مؤلمة، فهي لا تقوى على مقارعة الماضي الساكنِ نفسَها المُزعزعة. الألم عبثيّ على نحوٍ مّا، إذ إنّ رغبة العُدول عن ماضٍ آثمٍ أو مريض لا تعني شيئاً. ثمّة صراع عفويّ بين النفس والحياة يجري فوق جسرٍ يعلو نهراً يستطيع أن يأخذ معه حتى الماضي المُعافَى!.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

«فيلم الليجو» إعلان في ساعتين

محمد الفقي

يبدو فيلم «الليجو THE LEGO MOVIE» عام (2014)، نموذجاً مثالياً لفهم الآلية التجارية والتسويقية التي تعمل وفقاً لها ماكينة صنع الأفلام الجماهيرية في هوليوود. و«الليجو»، يُطلَق على لعبة اخترعتها شركة دنماركية عام 1940، ولاقت نجاحاً تسويقياً كبيراً، في كل أنحاء العالم. واللعبة تُركَّب من لبنات بلاستيكية، على شكل دمى، أو سيارات، أو بنايات، أو أبطال أفلام، وقصص الكارتون الشهيرة.

هوليوود هي من تصدَّرت لصناعة فيلم تحريك، شخصياته وديكوراته وإكسسواراته كلها من الليجو. الفيلم إنتاج أميركي، دنماركي، أسترالي، ومن إخراج فيلد لور وكريس ميلر وأصوات كل من: ليام نيسون، مورغان فيرمان، كريس برات، إليزابيث بانكس.

في عالم مصنوع بالكامل من الليجو، يتصارع جانبان على السيادة والقوة: أحدهما بقيادة حاكم هذا العالم «اللورد بيزنس»؛ الذي يعيش في مدينة بريكسبرج؛ حيث يحيا السكان وفقاً لكُتيِّبات التعليمات التي تُحدّد لهم كيف يمارسون حياتهم، وما هو الخير والشر، وعلى ماذا يضحكون، وما هي الأغاني التي يسمعونها... إلخ. والجانب الآخر من الصراع، يقف فيه «سادة البنائين»؛ أولئك الذي يخرقون القواعد والتعليمات، ويبحثون عن أشكال جديدة للحياة والتواصل غير تلك التي تُحدّدها الكُتيِّبات. لكن سادة البنائين هؤلاء يهزمهم اللورد بيزنس، بالرغم من أنهم مبدعون وخلّاقون، ويضمون نجوماً كباراً مشهوداً لهم بالذكاء والقوة والألمعية: كالرجل الوطواط، وسوبرمان، وكليوباترا، وروبن هود، وسلاحف النينجا، وكل أبطال التاريخ والفانتازيا المحبوبين. وتستمر سلطة اللورد بيزنس بغير تحدٍ، إلى أن يعثر سادة البنائين على شاب طيب يُدعى (إيميت) يعمل كعامل بناء بسيط، يعتقدون أنه هو «المميز»، الذي تحدّث عنه أحد العرافين؛ وبكونه هو الوحيد الذي سيعثر على قطعة «المقاومة» التي تستطيع إيقاف الديكتاتور الطاغية اللورد بيزنس وهزيمته، قبل أن يُنفذ تهديده ويقوم بتثبيت سكان العالم بسلاح الصمغ الذي يملكه.

في البداية، تم التعامل مع فيلم (الليجو)، بوصفه فيلماً «عالمياً» موجهاً للمشاهد العالمي، ولذلك سنجد إشارات لا حصر لها خلال مشاهد الفيلم موجهة تقريباً لكل فئات وجنسيات وديانات الأرض. على سبيل المثال: مغازلة المُشاهد العربي حين تدعو إحدى بطلات الفيلم (وايلد ستايل) إلى تحويل يوم الثلاثاء ليصبح «جمعة التحرير»، وإشارات عن المسيح لمغازلة المتدينين المسيحيين، وأخرى لديانة السيخ، وغيرها لليساريين، والليبراليين، ودعوات للقيم الثورية، وللقيم المحافظة في نفس الوقت.. أي الشيء ونقيضه؛ كما تعبّر عن ذلك أغنية الفيلم (كل شيء رائع) في مقطعها: «من الرائع أن تكسب، ومن الرائع أن تخسر!».

لعلّ هذه المحاولة «التلفيقية» بين القيم المتعارضة كانت مقصودة منذ البداية ليأتي الفيلم «عولمياً» بحيث يجد فيه كل مُشاهد ما يسره على نحو أو آخر. فدمى الليجو التي يمكن فكها وتركيبها لتتحوّل من بناية إلى قطار، أو سفينة فضاء، أو آدمي، أو كلب، ربما يكون صنّاع الفيلم قد اعتقدوا أن باستطاعتهم التلاعب بالقيم على نفس الطريقة.

إن جاز لنا أن نسير وراء وصف الاستراتيجية التسويقية للفيلم بالـ«عبقرية»، كما فعل رجالات التسويق في الغرب، ففي رأينا أن تلك «العبقرية» ليست بسبب جمع القيم المتعارضة معاً في فيلم واحد يُرضي الجميع، بل في التأكيد على هدف أساسي من أجله صُنِعَ فيلم «الليجو» وهو التسويق لمنتجات الليجو.

فبغض النظر عن أن المتفرّج وهو يشاهد الفيلم يشعر كما لو أنه بصدد متابعة إعلان طويل عن الليجو؛ فإن الفيلم يُعدّ فيلم التحريك الوحيد الذي تأسس على لعبة موجودة بالفعل، على عكس بقية أفلام التحريك التي قامت ببطولتها لعبة ما (كأفلام: حكاية لعبة، والمتحولون، والمدرعة)، حيث كان تصنيع اللعبة البطلة على نطاق تجاري واسع يأتي تالياً على صنع الفيلم نفسه. أما في حالتنا الراهنة، فإن اللعبة موجودة بالفعل في الأسواق، وهناك مصانع تقوم بإنتاج ضخم لها، وواحدة من كبرى الشركات العابرة للقارات في مجال الألعاب والترفيه تدير هذه التجارة. من هنا يصدق وصف العبقرية على الاستراتيجية التسويقية للفيلم.

لماذا إذن المصالحة بين الأب الذي يملك رقعة الليجو، والابن الذي يرغب في إلحاق الفوضى بها، إن لم يكن المديرون التنفيذيون لشركة (ليجو) يدركون جيداً بأن زبائنهم الذين ينبغي أن تستهدفهم الحملات الإعلانية يتوزعون بين الأطفال الصغار الراغبين في اللعب بدمى الليجو المتنوعة، والآباء المالكين للمال الذين ينبغي إقناعهم بشراء الليجو لأطفالهم.

ولذلك، فما يبدو على أنه ثورة من إيميت على الحاكم بيزنس في البداية (ويقابله تمرّد الطفل على الأب في النهاية)، يتم تدجينه وإطفاء نيرانه لأنه لن يخدم استراتيجية التسويق لو استمر حتى نهاية الفيلم. فالآباء الذين يملكون القرار سيحجمون عن شراء اللعبة إن كانت ستتسبب في فوضى مشابهة لما قام به الطفل الصغير و(إيميت) في الفيلم. ولذلك يتم التصالح بين الشرير والطيب، وبين الأب والطفل، في مشاهد طويلة تستغرق عشرين دقيقة كاملة من نهاية الفيلم، بالرغم من أن الرسالة التصالحية كان يمكن تمريرها فنياً في مشهد واحد يستغرق دقيقة واحدة على الشاشة. 

إنه تسويق مستتر ومُقنَّع بالتصالح بين المتناقضات، ورسالة الفيلم الحقيقية ليست عن الحرية، ولا حتى عن الانضباط، بل هي ببساطة أن لعبة الليجو ستكون عامل تنشيط وتقوية للعلاقة بين الآباء والأبناء؛ إنها دعوة للآباء لكي يشتروا لأبنائهم الليجو، ومن هنا لا ينتمي النجاح الذي حققه فيلم (الليجو) إلى مجال السينما، بقدر ما ينتمي إلى مجال التسويق والحملات الإعلانية.

حُقّقَ الفيلم إيرادات ضخمة، ومبيعات «دُمى الليجو» ضاعفت الإيرادات، بل إن هوليوود عازمة على تكرار التجربة بجزأين ثانٍ وثالث للفيلم، وهناك حديث عن صناعة فيلم ليجو كامل لشخصية «باتمان».

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

شاعرية امتداد اللقطة

عبد الكريم واكريم

«السينما ليست لغة بالمعنى اللساني لأنها لا تَستعمل إلا قليلاً من الرموز والعلامات المُتفق عليها اجتماعياً...» / كريستيان ميتز

فيلمان حديثان تحضر بهما اللقطة الطويلة هما «الرجل الطائر - BIRDMAN» لأليخاندرو غونزاليث إيناريتو، و«سمكة وقطة - FISH & CAT» للمخرج الإيراني شهرام موكري.  يأتي تحدي شهرام موكري في فيلمه، الذي تبلغ مدته 135 دقيقة، كلها عبارة عن لقطة طويلة، كون الفيلم يدور في مواقع خارجية عكس الأفلام التي صوّرت قبله باللقطة- المشهد، والتي كان فضاء التصوير فيها داخلياً كفيلم ألكسندر سوخورف «المركب الروسي»، الذي تبلغ مدته 97 دقيقة صوّرت على طريقة «المشهد اللقطة»، لكن في فضاء داخلي واحد، ونجد في فيلم «سمكة وقطة» شخصيات مُتعدّدة تنتقل الكاميرا فيما بينها ابتداء من الطباخين اللذين نشك في أنهما يطهيان لحوم البشر دون أن نتأكد من ذلك في أجواء غرائبية تتداخل فيها الشخوص والحالات. أما فيلم «الرجل الطائر»، فيحكي قصة الممثل المُفتقِد لنجوميته السابقة ريغن طومسون، والذي يعود إلى «برودواي» لإخراج مسرحية يطمح أن يسترجع بها مجده التليد...

يمكن أن نجد توظيف اللقطة الطويلة أو «اللقطة المشهد» تاريخياً، في بضعة أفلام منذ أواخر العشرينيات من القرن الماضي، لكن ذلك كان باحتشام ملحوظ، بداية من فيلم «الفجر» لمورناو (سنة1927)، ثم بعد ذلك في أفلام قليلة مثل فيلم «الحبل» لهيتشكوك إلا أنها لم تَغدُ تقنية أساسية تتكرّر في عدة أفلام إلا مع مخرجي «الواقعية الجديدة» بإيطاليا و«الموجة الجديدة» الفرنسية، حيث تخلّصت الكاميرا كلياً من ثقل مشاهد ولقطات الاستوديوهات وخرجت للشارع لتعانق بحرية هموم ومعانات الإنسان، بصورة بدت أكثر جمالية وإبداعية وشاعرية، بعيداً عن تصنُّع كان يفرضه عليها ثقل الصناعة السينمائية لما قبل الحرب العالمية الثانية.

حصان طورينو قصيدة سينمائية

يُبتَدأ فيلم «حصان طورينو» للمخرج المجري بيلا طار، بصوت راوٍ على خلفية سوداء وهو يروي قصة عن حادثة من المفروض أنها وقعت لنيتشه وأدت لجنونه بعد أن رأى حصاناً يتلقّى السياط من طرف صاحبه وقام بضمه إليه بحنان... ثم ينفتح الفيلم بعد ذلك على لقطة طويلة أولى تدوم ست دقائق، والتي يمكن اعتبارها المقطع الأول من قصيدة سينمائية تتكوّن من ستة مقاطع أخرى مثلها، تحمل عناوين «اليوم الأول»، «اليوم الثاني»... وهكذا إلى «اليوم السادس».

في هذا المشهد الأول، الذي يبدو أنه يجري في نهاية القرن التاسع عشر (الفترة التي من المفروض أنه دار بها ما رُويَ عن نيتشه)، نتابع شيخاً تبدو عليه علامات المرض ويده اليُمنى مشلولة، يقود عربة يجرها حصان مُنهك القوى مثل صاحبه، ويتقدَّم بها وسط ضباب كثيف يحجب الرؤية حينما تبتعد الكاميرا المتابعة للعربة في حركة ترافلينغ أفقي مصاحب، ثم تتضح شيئاً ما حينما تقترب وتتقدَّم لتؤطر وجه الحصان الذي يصبح في هذا المقطع الشخصية الرئيسية، وكأننا بالمخرج يجيب عن كلام الراوي الذي يتساءل في آخر كلمة له عن مصير الحصان.. ونجد أنفسنا كمشاهدين، وكأننا نتابع نفس حصان نيتشه بعد أن ضمه هذا الأخير.

الإيقاع البطيء للكاميرا والضباب الكثيف والأشجار الجافة والمتساقطة أوراقها والموسيقى الحزينة، وكأنها تُنذر بنهاية العالم، كل هذا مُصوَّر بالأبيض والأسود لن يكون سوى نوع من الشعر السينمائي الذي يكتبه مخرج مبدع بلغة الصورة.. وليواصل بعد ذلك بنفس الإيقاع البطيء الذي قد يجده مملاً متفرج مواظب على مشاهدة بعض أفلام السوق... 

وفي المقاطع التالية للفيلم تنضاف عوامل أخرى من بينها تقنية الإنارة والإظلام التي استعملها المخرج داخل الإسطبل الذي يوجد به الحصان، هذا الأخير الذي أخذت تصيبه عوارض الاكتئاب بالتدريج، وكأنها انتقلت إليه من الحضن الدافئ لنيتشه، إذ سيرفض الشرب ثم الأكل بعد ذلك، وداخل المنزل أيضاً، الذي تدور به أغلبية مشاهد الفيلم، والذي يقطن به الشيخ وابنته في شظف عيش لا تخطئه عين الكاميرا، التي تصبح بدورها ومع مرور لحظات الفيلم شخصية رابعة تنضاف للشيخ وابنته والحصان، بمعنى أنها لا تظل حيادية، بل تأخذ مكان الراوي من خلال زوايا تصوير مختارة بعناية، ومن خلال حركات لها لا يني يقوم بها المخرج للتعليق على ما نراه، رغم أن لاشيء يحدث سوى جفاف البئر من الماء، ومحاولة الشيخ وابنته مغادرة منزلهما في مشهد من بين أجمل مشاهد الفيلم، حيث تظل الكاميرا في مكانها دون أية حركة تَرصُد البئيسين وهما يَجُران العربة، فيما الحصان مربوط خلفها، ليختفيا خلف التلة المقابلة للمنزل لفترة ويظل صوت الريح الذي لم ينقطع منذ بداية الفيلم يُصفِّر في آذاننا، حاملاً نقع الغبار وأوراق الأشجار الميتة وناثراً لها في الفضاء المُصَور، ثم نشاهدهما يعودان بعد ذلك دون أن ندري لماذا عادا، وكأنهما قد رضيا بمصيرهما المحتوم. 

ويمكن لنا هنا استذكار «كريستيان ميتز» فيما يخص مايسميه بـ«التعبيرية السينمائية» في قراءتنا لهذا الفيلم واحتفاء مخرجه بجماليات القبح، حيث يصبح الفضاء المُصوّر جميلاً رغم أن كل ما يؤثثه يبدو بئيساً، إذ إن حياة الشيخ وابنته تفتقر إلى أبسط أساسيات العيشة الكريمة، بل إننا ندعهما وقد أشرف الفيلم على نهايته وهما يستعدان للموت وقد انقطعت عنهما سبل الحياة بعد أن جفت البئر وخمدت النار التي تدفئهما وتوقفا عن الأكل. 

وفي بعض لحظات الفيلم يبدو وكأن الزمن توقّف نهائياً وأصبح ما نشاهده خارجاً عن سياقه، فلولا سماعنا لهدير الرياح في الخارج لظننا أننا أمام لقطات ثابتة، حيث أن الشخصيتين الرئيسيتين تبدوان وهما جالستان، كل منهما في زاوية من زوايا المنزل وكأنهما تمثالان قابعان هناك، ويزيد من هذا الإحساس ذلك التوظيف الجيد للإنارة : بإنارة زوايا من المنزل مقابل إظلام جوانب أخرى منه، ليتناقص النور بالتدريج، حتى يغرق المنزل في الأخير والفيلم يُشرفُ على نهايته، في ظلام دامس.

أما الحوار فشبه مُنعدم إلا من كلمات تُقال هنا وهناك من طرف الأب أو الإبنة دون رد واضح من الطرف الآخر. لكن الأمر سيختلف حينما سيأتي ضيف، ونسمع منه كلاماً من جانب واحد يدين الإنسان ويُقر أن كل نبيل وجميل ورائع لم يعد له مجال في هذا العالم وأن حامليه أصبحوا هم الخاسرون باستمرار. ورغم أن الشيخ يجيبه أن كلامه مجرد هذيان، فإن كاميرا «بيلا طار» توحي بالعكس، بمتابعتها للضيف من وراء زجاج نافذة المنزل وسط هدير العاصفة في إحدى أجمل لقطات الفيلم، وكأننا أمام لوحة تشكيلية، بل نحن هنا أمام أحد أهم أبيات قصيدة فيلمية موضوعها الإنسان في سقوطه الأخير.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

مروان حامد: الحياة تمنحنا دائماً فرصاً جديدة

حوار: محمد أشويكة

تُفرز السينما المصرية، من حين لآخر، وعلى امتداد تاريخها العريق والطويل، أصواتاً سينمائية مغايرة بالنظر إلى قيمة مُنجزها الفني، ورؤيتها لقضايا الذات والجماعة، ووعيها الإنساني بقيمة السينما كخطاب جمالي يتجاوز الحدود الضيّقة للتجارة والحسابات الأيديولوجية الجوفاء.. ومن بين الأصوات السينمائية الجديدة في الساحة السينمائية المصرية والعربية صوتُ المخرج مروان حامد، الذي استطاع بفضل طموحه الكبير أن يُراكم من خلال أفلامه الروائية القصيرة والطويلة أسلوباً سينمائياً مُتجدّداً، وأن ينحت لنفسه مساراً خاصاً داخل مجال يصعب فيه إنتاج وإنجاز الأفلام خارج دوائر الإنتاج التي يتحكّم فيها كبار الموزعين وأرباب القاعات السينمائية وتهيمن عليه أسماء معروفة من المخرجين والنجوم... أخرج مروان حامد أفلاماً روائية طويلة تستند إلى روايات معروفة من بينها «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، و«الفيل الأزرق» لأحمد مراد.. التقته «الدوحة» بمناسبة مشاركة فيلمه الأخير ضمن المسابقة الرسمية لفعاليات الدورة 14 من المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش مؤخراً فكان هذا الحوار:

·        بداية، ما الذي أغراك في رواية «الفيل الأزرق» للروائي والسيناريست أحمد مراد؟

- قرأتُ الرواية في يوم واحد، وأحسست بأنها تتضمّن مادة تتوافر على لغة ومواصفات سينمائية عالية.. فالعوالم الغرائبية في الرواية أدهشتني كثيراً، وتطرح أسئلة مُلحّة، فهي تقتحم منطقةَ خيالاتٍ مُتعدّدة.. لقد تعاطفت كثيراً مع شخصية يحيى راصد.. وشعرت بالأسف تجاهه طول الوقت.

·        يُلاَحَظُ بأن الفيلم قد تتبّع الخط السردي للرواية بشكل حَرْفِي.. هناك تطابق كبير مع أحداثها.. إذ غالباً ما يكون الفيلم المأخوذ عن العمل الأدبي حاملاً لوجهة نظر تأويلية مُعيّنة، وقد كُنْتَ «وفياً» في فيلمك للرواية.. بم تفسر ذلك؟

- بعد قراءتي للرواية قرّرت مباشرة أن يتكلّف كاتبها بإنجاز السيناريو بنفسه، لأنها مُلغزة، وقد خفت من أن يقوّض كاتب سيناريو آخر الموضوع الأصلي. أعتقد أن المخرج سيُخرِج السيناريو وليس الرواية. لذلك، كان لزاماً أن نأخذ بعين الاعتبار قدرات الأشخاص الموجودين داخل القاعة من حيث تفاوت العمر ... طال التغيير نهاية الرواية فقط لأنها كانت مُلتبسة ومُحْبِطَة.

·        لاحظنا بأن الثقل الفني للفيلم يقع على كاهلي كل من الممثليْن كريم عبد العزيز وخالد الصاوي.. ما الذي أضافته إدارتك الفنية لهذين الممثليْن المعروفيْن بأسلوبهما المختلف؟

- تجذبني كثيراً التجارب المختلفة، فالأجمل أن يدخل المُتفرِّج إلى قاعة العرض ويجد نفسه أمام أداء مختلف عما اعتاده. لا أختار الممثل بناء على فيلموغرافيته السابقة، وإنما بناء على ما يمكن أن يضيفه إلى الدور.. مثلاً، لم يكن لدور «زكي الدسوقي» في عمارة يعقوبيان علاقة بأدوار عادل إمام السابقة.. ونفس الأمر بالنسبة لخالد الصاوي في دوره الحالي، فقد خرج للتو من دور جمال عبد الناصر، ونلاحظ كيف استطاع أن يتفاعل بشكل مُغاير مع دوره المركب (شريف الكردي/نائل) في «الفيل الأزرق». يشتغل خالد كممثل وفق منهج علمي مدروس.. كنت مُتخوفاً أثناء إدارتي الفنية للشخصيتين من الاشتغال معهما بطريقة مفتوحة، حيث كان يتوجّب الغوص في شخصية «حاتم رشيد» في فيلم «الفيل الأزرق» التي يمكن لممثلين آخرين أن يفسدوها لذلك حرصت على ألا أسلمها لأي ممثل سواه.. فالشخصية تنبني على الخلل العقلي، والقدرة على تخيل وولوج عالم السحر والشيطان.. لقد انتظرت خالد الصاوي لمدة ثلاثة أشهر كي نشتغل معاً، لأنه يمتلك قدرة عالية على التحكّم فيما يقوم به.

·        لقد انتصر فيلمك للشعوذة والسحر في النهاية. هل هذا واقع العَالَم العربي عامة أو مصر بالتحديد (حالة فُصَام وصَرع وهيستيريا)؟ وما دور المخرج اليوم إذا لم يستطع نقل الناس من حالة اللاعقل إلى العقل؟ 

- يركز الفيلم على البعد الإنساني البحت، ركزت كثيراً على فكرة الفرصة الأخرى، خاصة وأن الحياة تمنحنا دائماً فرصاً جديدة، وتلك قصة الفيلم بالنسبة لي. لكل واحد منا شيطانه أو شياطينه وللإنسان قدرة تُمَكِّنُهُ من الانتصار على هواجسه وعلى شياطينه.. يرتكز مضمون «الفيل الأزرق» على فكرتي الغفران والفرصة الأخرى.. الخرافة جزء من الطبيعة الإنسانية؛ إذ كلما كان هناك نقص في المعرفة سيتوجه الإنسان للخرافة مباشرة، وتلك مسألة تتضمنها كل الثقافات والحضارات.. سنعاني كبشر من نقص معرفي مستمر مما سَيُدِيمُ الخرافة في حياتنا...
يتأسس عمل الخرافة في الفن على الاستعارة.. لذلك، ففيلمي ليس برهاناً على فشل أو نجاح نظرية علمية ما. خضع توظيف تلك العوالم المتباينة من أجل بناء الاستعارة الفيلمية فقط.. مثلاً، استخدم فرانسيس فورد كوبولا في فيلم «دراكولا» (
DRACULA) الصليب للعلاج بالرغم من التضاد الحاصل مع العلم.. لقد سَاهَمَت الخرافة في بناء الهرم.. أعتقد أن الخيال الجانح والمُحَلِّق جزء من طبيعة الإنسان، وأجمل القصص تلك التي ترتبط بالجن والعفاريت...

·        تخطر في الذهن أثناء مشاهدة فيلمك، أفلام الأرواح الشريرة «L’EXORCISTE» و«اسم الوردة» وأفلام هيتشكوك... 

- لم أكن أتخيل بأنني سأنجز فيلماً كهذا، ولم أكن أفكر كما لم يخطر ببالي مُطلقاً مثل هذا الأمر، ولكن قراءة الرواية ساهمت بشكل مباشر في إذكاء حماسي، وبما أن الفيلم نوع جديد ومختلف فإن إنجازه دفعني للاطلاع على أفلام أخرى، وقد عدت كثيراً لأعمال ألفريد هيتشكوك وقرّرت أن أتبع منهجه في توظيف التشويق من خلال ما استطعت استنتاجه بعد قراءتي لكتاب «فرانسوا تريفو» (HITCHCOCK/TRUFFAUT)، وكذا مشاهدتي لباقة مختارة من أفلامه.. لقد أفادني هيتشكوك كثيراً في تحقيق هذا الفيلم...

·        تعاني السينما المصرية من تحكّم الخواص من المنتجين وأرباب القاعات مما يؤثر على التوجهات الفنية لدى صناع السينما.. كيف تشتغلون في ظِلّ هذه الحالة؟

- كلامك صحيح، المنتجون وأصحاب دُور العرض يميلون إلى ما يعتقدون بأنه مرغوب من طرف الجمهور، وذلك ما يجعلهم يكررون نفس الفيلم، ويعيدون إنتاجه واستنساخه.. فأي مخرج يريد التعامل معهم عبر اقتراح عمل مُغاير سيصطدم بهذا الواقع، فلو لم أكن مُساهماً في فيلم «الفيل الأزرق» ما قَبِلَ منتج الانخراط فيه. لقد اعتقد الموزعون بأن الفيلم غير جماهيري، وسيفشل، وأن الجمهور لن يحتمل مشاهدة فيلم تصل مدته إلى ساعة ونصف الساعة، ولا يحب أفلام التشويق (SUSPENSE)، ولن يتفاعل معها.. وقد حصل عكس ذلك تماماً. لم أكن أتوقع بأن الأمور ستسير بهذه الطريقة، فقد كنت مُتخوِّفاً، ولكنني أرى وفقاً لما قام به بعض المخرجين السابقين الذين كانت لهم مساهمات في الإنتاج بأن مشاركة المخرج في تمويل فيلمه ضرورية لتكسير رؤية المنتج المهيمن.. 

·        ألا ترى بأنك كنت من ضمن الشباب المصري المحظوظ لأنك حصلت على جائزة بمهرجان «كلرمون فيرون»، وشاركت في مهرجان «كان» بفيلم جماعي فضلاً عن نجاح أفلامك؟

- مهنتنا خطيرة جداً لأن ذيوع الفيلم يمكن أن يتجاوز صاحبه، ولا يعني أن نجاح الفيلم قد يترتب عنه بالضرورة نجاح ما سيعقبه، بل قد تنجز فيلماً ناجحاً، ويليه فيلم فاشل فيصير عملك مُهدّداً.. فإذا لم يركز الشخص ويجتهد سيختفي من السوق أو يخذله المحيط المهني.. ينبغي الاستمرار في الاجتهاد وبذل مجهود كبير أثناء العمل دون التخلي عن مسألة الحظ طبعاً...

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

«أجيال» في دورته الثانية .. عتبات الفعل السينمائي

محسن العتيقي

جائت الدورة الثانية من مهرجان أجيال السينمائي (الحي الثقافي كتارا 1 - 6 ديسمبر/كانون الأول) الماضي لمواصلة عملية تدعيم أسس صناعة السينما في قطر، فالمهرجان بما حققه في ظرف قياسي يؤكد بأن استلهام الفكرة من توأمه الشريك جيوفاني في إيطاليا، كان اختياراً صائباً وذا مردوديّة قاعديّة تضع طموح ومواهب الشباب، من مواطنين ومقيمين في قطر، على السكة الإبداعية الجيدة، والقائمة على مسار التكوين والمعرفة والاحتكاك بتجارب كبار صُنّاع السينما الكونيين. وبهذا الاختيار فإن مؤسَّسة الدوحة للأفلام، كمؤسَّسة وطنية تُعنَى بالسينما، تكون قد وضعت في صلب اهتماماتها، عبر تنظيمها لمهرجان أجيال وفعاليات أخرى، خارطة طريق بنيوية ونموذجية تواكب الازدياد الملحوظ في اهتمام الشباب المحلي بصناعة الأفلام. وهي خارطة نابعة من إرادة حكومية رشيدة ومجتمعية تنخرط في رسم مقاصدها المستقبلية الشراكات التي تجمع بين الهيئات الحكومية والقطاع الخاص. 

ترجمة هذا التأسيس تتضح بشكل مباشر في استهداف مَنْ يهمهم الأمر؛ فلجان تحكيم الأفلام المُشارِكة في هذه الدورة ضمن «دوحيات سينمائية»، المسابقة الرسمية في فعاليات مهرجان «أجيال»، تتراوح أعمارهم ما بين 8 و21 عاماً. كما يتضح هذا التأسيس من خلال فعاليات المهرجان المتنوّعة التي تستهدف تأطير الجمهور الناشئ والطلاب في جو مرح تفاعلي وتثقيفي صممه فنيون من إدارة المهرجان ليلائم الفئات العمرية الفتية. ومن فعاليات الهواء الطلق إلى عروض الأفلام ومناقشتها واللقاء بصناعها ونجومها، عاشت فضاءات الحي الثقافي (كتارا) طيلة أيام المهرجان الستة عرساً سينمائياً وتربوياً تفاعل فيه الشباب والأسر ليحقق غاية مهمة أخرى يتوخاها برنامج هذا الحدث، وهي تلحيم آليات التواصل المجتمعي.

الدوحة- جيوفاني

التركيز على اهتمامات الشباب هو نواة الفعاليات التي يقدمها مهرجان أجيال، وفي هذا السياق تأتي قمة الدوحة - جيوفاني الأولى للإعلام الموجه للشباب بحضور خبراء في الإعلام وصناعة الأفلام، لتعزّز، من جهة، الشراكة التي تجمع مؤسَّسة الدوحة للأفلام ومهرجان جيوفاني السينمائي، ومن جهة ثانية، لدعوة كافة المنظمات ذات الاهتمام المشترك إلى الحوار وإيجاد برامج ومبادرات وخطط مستعجلة ومستدامة من شأنها توجيه أنماط الترفيه وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي وسينما الشباب على وجه الخصوص، نحو أفق بنّاء وتربوي ينمي أفراد المستقبل. وفي هذا الصدد أشارت السيدة فاطمة الرميحي، الرئيس التنفيذي بالإنابة لمؤسَّسة الدوحة للأفلام ومديرة مهرجان أجيال السينمائي، في كلمتها الافتتاحية المبررة لهذه القمة؛ إلى أن الهدف منها هو جمع الخبراء المحليين والإقليميين والدوليين للعمل على الفعاليات الثقافية للشباب في العالم، وأكدت أن مهرجان أجيال يعبر عن الجيل الجديد تحت مظلّة الإعلام والشباب، وأن هذه القمة هي معنية، من خلال تبادل الآراء والتعلّم والمشاركة، باقتراح الحلول والشراكات من أجل المستقبل. وعطفاً على هذا المسعى تضمنت مُداخلة كلاوديو غوبيتوسي، مؤسس ومدير مهرجان جيوفاني في إيطاليا، تأكيداً بأن هذه القمة جاءت في وقتها ومكانها المناسبين، ونبه بأن الإعلام الرقمي غَيّر قواعد اللعبة ومعايير التواصل والتفاعل مع الشباب مما يستوجب النقد والمراجعة لاستيعابٍ من شأنه مواكبة تطلعات الشباب في خضم الوسائط الرقمية التي يتيحها الإعلام الجديد وانعكاساتها على القطاع السينمائي، وخلصت توصيات القمة إلى وضع خطة عمل على مدار الستة أشهر المقبلة لإدارة الفعاليات الثقافية والمبادرات حول الأطفال والشباب، في انتظار تعميق النقاش في الاجتماع المرتقب ضمن فعاليات مهرجان جيوفاني 2015 في دورته 45 بإيطاليا.

دوحيات سينمائية

دورة هذا العام من «أجيال» اُفتتحت بعرض أول للفيلم الوثائقي «السباقات»، الذي أخرجته اللبنانية الكندية آمبر فارس بدعم من مؤسَّسة الدوحة للأفلام ومعهد سينداي الياباني. الفيلم صُوِّرَ في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة، ويعكس من خلال فكرة سابقة من نوعها في المنطقة العربية عزيمة خمس فتيات يتحدين الصعاب لتشكيل فريق لسباق السيارات، وهي فكرة رمزية تبعث رسالة في الإرادة والتحرّر من القيود المجتمعية ومن المحتل الإسرائيلي. أما حدث هذا العام الذي انتظره جمهور «أجيال» بشغف واختتم به المهرجان فعالياته، فكان العرض العالمي الأول لفيلم الرسوم المتحركة «النبي» المقتبس عن كتاب الشاعر اللبناني خليل جبران (1883 - 1931)، أعاد صياغته وأشرف على إخراجه المشترك روجر آلرز الرجل البارز في عالم ديزني، صاحب «بائعة الكبريت الصغيرة» و«الأسد الملك» (1994) أول أفلامه الطويلة. عُرِضَ الفيلم المرتقب في ختام المهرجان بحضور بعض من صناعه ومخرجيه العشرة، ومن ضمنهم النجمة سلمى حايك التي شاركت في إنتاج الفيلم وأدت صوت بطلته الطفلة ألميترا، والمخرجان: جوان جراتز، محمد سعيد حارب، ومؤلف موسيقى الفيلم غابريال ياريد. وكان لجمهور المهرجان في موعد سابق عن عرض الفيلم فرصة اللقاء مع روجر آلرز في حوار مُطوّل أمام الجمهور أجراه المخرج الإماراتي البارز محمد سعيد حارب.

عبر تذاكر الدخول والعروض العامة المجانية، 90 فيلماً من 43 دولة شكّلت رزمة المشاهدة في هذه الدورة، حيث توزّعت الأفلام المبرمجة الطويلة والقصيرة بما فيها العروض الخاصة، بين نتاج 2013 و2014، منها أفلام حصدت جوائز في مناسبات سينمائية دولية وأخرى مُتعطشة للتتويج في «أجيال». وتنافست الأفلام على جوائز «دوحيات سينمائية» وأسفرت قناعات حكام فئة «بدر» (أعمارهم من 13 - 21 عاماً) بمنح المرتبة الأولى للمخرج الإيراني الفنلندي هامي راميزان في صنف الأفلام القصيرة عن فيلمه «مفاتيح الجنة»، وفي صنف الأفلام الطويلة تُوِّجَ المخرج الأميركي الشاب داميان شازيل عن فيلمه «إصابة» الفائز بجائزة الجمهور وجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان صنداس (2014). وفي فئة «هلال»، التي حَكّمها أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً، تُوِّجَ فيلم «هليوم» لمخرجه الدنماركي آندر ز والتر بجائزة «هلال» صنف الأفلام القصيرة، وفي الأفلام الطويلة فاز فيلم «يا ليتني أمتلك أجنحة» لمخرجه آلان هارمون. وأخيراً في فئة «محاق» المُخصّصة للأفلام القصيرة التي يُحكّمها أطفال في عمر 8 إلى 12 عاماً، فاز فيلم «ياهل» لمخرجه يوسف العبد الله من الكويت.

صناعة محلية

عــروض «صنع في قطر» هـي أحـد أهم برامج مهرجان أجيال، وقد وصلت حصيلة الأفلام المنتجة في السنة الماضية، إلى 20 فيلماً قصيراً تحقّقت بالتعاون بين مؤسَّسة الدوحة للأفلام ونظام التأمين الصحي الاجتماعي في قطر «صحة»، وشملت ستة أفلام فائزة في مسابقة الأفلام القصيرة «ترشيد»، التي نُظِّمَتْ بتعاون مع شركة «كهرماء» احتفالاً بيوم الأرض. ومشاركة أفلام «صنع في قطر» في مسابقة خاصة ضمن المهرجان تشكّل فرصة لمشاهدتها على نطاق واسع، وتتويج مستوياتها الفنية. وفي هذا الصدد تشكّلت لجنة تحكيم «صنع في قطر» من فنانين من منطقة الخليج وهم الكاتب والفنان القطري سعد بورشيد وهالة الخليفة، والمخرج الإماراتي محمد سعيد حارب. حيث اللجنة الجائزة الأولى لفيلم «عشرة في المئة» للمخرج يوسف المعضادي، الذي قَدّمَ في الفيلم فكرة بسيطة تتناول قصة شاب مهووس بجهاز الموبايل. كما مُنِحَتْ شهادات تقديرية لثلاثة أفلام أخرى هي «حلم هند» لمخرجته سوزانه المرغني، وفيلم «قرار» لمخرجه علي الأنصاري، وفيلم «تكرير» لغسان كيروزو. فيما تم التنويه بالممثلين المتفوقين في أدائهم وهم: محمد الحمادي في فيلم «أميركا لا» لمخرجته هند الأنصاري، ومحمد السياري في فيلم «عشرة في المائة» وسالي المنصوري في فيلم «قرار».

استمرارية

في معرض تصريحها عقب الإعلان عن إطلاق «صندوق الفيلم القطري» ضمن فعاليات «أجيال» قالت السيدة فاطمة الرميحي «إننا نرى أنفسنا من خلال الأفلام ومن خلال كافة وسائل الثقافة والترفيه، ونعكس تجربتنا الإنسانية وإيماننا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا وثقافتنا، إن تعزيز مجتمعنا الإبداعي في قطر أمر ضروري لننقل قصصنا إلى الشاشة، وبهذا يمكننا مشاركتها مع أنفسنا ومع بقية العالم ولهذا أطلقنا صندوق الفيلم القطري لإضافة بعد آخر لصناعة السينما في قطر»، وهو تصريح يؤكد ضمنياً، على أن الفعل السينمائي ينمو في استمراريته، ومن جهة أخرى يتضمّن الغاية من هذا الفعل وقوته في تمثيل الهوية والحفاظ على المدخرات الثقافية الخاصة. ومن هذا المنطلق برمجت مؤسَّسة الدوحة للأفلام سلسلة «مبادرات التعلّم»، التي يديرها حكيم بلعباس، لتقديم ندوات سينمائية تكوينية وتوجيهية في كتابة السيناريو والتكوين البصري والإخراج والمونتاج والإنتاج، ستليها مرحلة تتبع ومرافقة المشاريع السينمائية. ولاشك أن أهمية هذه المبادرات المؤسِّسة والداعمة للفعل السينمائي في قطر، تضيف نفساً جديداً ومتواصلاً يدفع بالسينما القطرية نحو مزيد من التمثيل والحضور في المحافل الدولية التي تتيح لمختلف بلدان العالم رفع راية الثقافة الوطنية. وفي هذا الصدد، وضمن 90 بلداً مشاركاً، مثلت مؤسَّسة الدوحة للأفلام دولة قطر في سوق الأفلام وبرنامج الأفلام القصيرة خلال الدورات الأربع الأخيرة من مهرجان كان السينمائي. كما يأتي إعلان مؤسَّسة الدوحة للأفلام عن إطلاق «صندوق الفيلم القطري» ليدفع الفعل السينمائي المحلي نحو مزيد من الإنتاج، حيث سيعمل هذا الصندوق بداية من هذه السنة على تحفيز الشباب بتطوير أربعة أفلام طويلة وإنتاج ثمانية أفلام قصيرة، فضلاً عن إنتاج ودعم واحد من الأفلام الطويلة الأربعة. 

الجديد «قمرة»

بالتزامن مع اختتام الدورة الثانية من مهرجان أجيال السينمائي (2014) أعلنت مؤسَّسة الدوحة للأفلام عن برنامج الدورة الأولى من فعالية «قمرة» السينمائية، التي ستنظم في الفترة من 6 إلى 11 مارس/آذار 2015. (اختيار اسم هذه الفعالية يحمل دلالة مرجعية تحتفي بالهويّة العربية والإسلامية، فالكلمة العربية قمرة هي أصل كلمة كاميرا، ومعروفة في هذه الإحالة أبحاث ابن الهيثم البصريّة التي أدت إلى صناعة الكاميرا). الفعالية ستنظم بالتعاون مع مهرجان سراييفو السينمائي في إطار شراكته المستمرة مع المؤسَّسة. وفي إطار سعي مؤسَّسة الدوحة للأفلام لتنمية مهارات المخرجين الواعدين في قطر ستستضيف «قمرة» صناع أفلام عالميين سيعلن عنهم في حينه. وسيعرف هذا الملتقى مشاركة حوالي 25 مشروعاً سينمائياً في مرحلتي التطوير أو ما بعد الإنتاج. كما سيشرف على الورش السينمائية أربعة سينمائيين لامعين وهم: المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيسوكو، الذي نافس فيلمه «تومبكتو» على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي في 2014، وليلى حاتمي الممثلة البارزة في فيلم أصغر فرهادي «انفصال» الفائز بالأوسكار، وكريستيان مونجيو أحد أبرز مخرجي السينما الرومانية الجديدة، والمخرج البوسني اللامع دانيس تانوفيك.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

سينما ثالثة في تونس

تونس: خاص بالدوحة

تجارب السينما الثالثة في تونس ليست وليدة اليوم، فقد عَرِفَتْ البلاد هذا التوجّه مُبكّراً من خلال العديد من الأفلام التي انتقدت السلطة واهتمّت بالجانب الحقوقي على غِرار فيلم «يا سلطان المدينة» للمنصف ذويب. غير أنّ الصورة السينمائية غالباً ما كانت تصل إلى الشاشة الكبيرة مُجزأة أو مُبهمة لكثرة الآثار الرقابية التي نهشتها، في الوقت الذي غاب فيه الشريط الوثائقي عن الوجود.

مُؤخراً وبتنظيم من الجمعية الثقافية التونسية للإدماج والتكوين أُقيمت في الفترة الممتدة من 16 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2014، الدورة الثالثة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان تحت شعار (الصمود والالتزام) بمشاركة دولية، حيث شمل برنامج هذه الدورة 23 فيلماً تونسياً وأجنبياً روائياً ووثائقياً توزّعت على ثلاث مسابقات رسمية: المسابقة الدولية للأفلام الطويلة، والمسابقة الوطنية للأفلام الطويلة، ومسابقة الأفلام القصيرة. وهي أفلام تتطرّق إلى مواضيع تمس حقوق الإنسان (كالتعذيب، التمييز العنصري، حقوق الطفل وحقوق المرأة). وقد تم اختيار الأفلام المشاركة بالتعاون مع المهرجانات الدولية العريقة في هذا المجال على غِرار مهرجان امنستي انترناسيونال بهولندا ومهرجان بنورنبورغ بألمانيا ومهرجان الكرامة بالأردن. 

ضمت قائمة الأفلام التونسية الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية: فيلم «الحي يروح» لمحمد أمين بوخريص، «أمراء في بلاد العجائب» لأحمد الجلاصي، «المراقبة والعقاب» لرضا التليلي وايتن نولتو، «7 أرواح» لأمين بوفايد وليليا بلاز، «ضد النسيان» لهشام بن عمار وبوزا لوليد فلاح. وفي صنف الأفلام القصيرة من المسابقة الرسمية فيلم «صب الرش» لسمير حرباوي، «الآن وهنا» لعبد الله شامخ، «خارج الأنا» لمفيدة فضيلة، «المغربون» لمروان الطرابلسي وعربية عباسي و«سيدة» لإيناس بن عثمان. فيما تنافست الأفلام الأجنبية على جوائز المهرجان، ومنها فيلم: «الجزيرة 36» للمخرج التركي عسلي أوزارسلان، وهو فيلم وثائقي عُرِضَ في هذه المناسبة لأول مرّة بالعالم العربي، «العودة إلى حمص» للمخرج السوري طلال ديركي، «ملكات سوريا» للمخرجة السوريّة ياسمين فدا، «محاربون من الشمال» لسوران ستين جسبرسن ونصيب فرح، «مكان عبور» لكافييع بختاري. كما شارك الفيلم الليبي «العشوائي» لأسامة زروق ضمن مسابقة الأفلام القصيرة. وقد أسفرت نتائج لجنة التحكيم على منح الجائزة الكبرى لفيلم «الحقيقة،حياة استيلا» للمخرج الأرجنتيني نيكولاس جيل ليفيدرا، فيما نوهت لجنة التجكيم بالفيلم الوثائقي «ذاكرة سوداء،شهادات ضد النسيان» للمخرج التونسي هشام بن عمار .

ويبدو أن المهرجان في نسخته الثالثة قد كسب مزيداً من النضج والخبرة، لينحت بذلك هويته الخاصة مما يؤهله لمحاكاة أكبر التظاهرات المماثلة. فبعد سنوات من القمع والرقابة، يأتي تأسيس هذا المهرجان النوعي، على إثر ثورة الحرية والكرامة في بلد اشتهر بقمعه للحريات، ويتوق إلى النهوض بثقافات الديموقراطية وحقوق الإنسان من خلال الخطوط العريضة لهذه التظاهرة الدولية، المرتكزة بالأساس على عرض أفلام القاسم المشترك بينها قضايا إنسانية وحقوقية بحتة. ولا شك بأن تحديات حقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية هي آلية دستورية من شأنها تدعيم العملية الديموقراطية ورسم معالم سليمة لمستقبل العملية السياسية، فملاحظات الأمم المتحدة بخصوص الوضع السياسي والاجتماعي في تونس تضع الدولة والمجتمع المدني في صلب التحديات وتدعو الجهات المعنيّة إلى إنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وعائلاتهم، وإدماج فوري للمواطن التونسي في مسار التنمية. ولعلّ احتضان تونس لهذا المهرجان الحقوقي حلقة مهمة للتوعية والتحسيس إذا ما استحضرنا فعاليات وعروض خصّصتها إدارة المهرجان لفائدة المؤسّسات الإصلاحية.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

السينما المصرية .. من الثورة إلى الآن

نــادر رفــاعي

من المُتابَعة الدقيقة لوسائل الإعلام المرئيّة والمقروءة، نستطيع حصر عدد من الوجوه المألوفة في مجالات الكتابة والإخراج، مثل المخرج خالد يوسف، والسيناريست محمد دياب، بالإضافة إلى عدد من الممثلين، مثل عمرو واكد وخالد الصاوي الذين تواجدوا بشكل دائم بميدان التحرير في فترة الثورة، ومن الواضح أن أحداث الثورة قامت بتوفير مادة خصبة لعمل عدد غير قليل من الأفلام الوثائقية التي لا يحتاج صانعوها سوى تسجيل الأحداث الحيّة بالكاميرا الرقمية الخاصة بهم، ومن أبرز الأعمال التي تم تقديمها وحصلت على جوائز في مهرجانات عالمية «الطيب والشرس والسياسي»، (إخراج/ عمرو سلامة- أيتن أمين- تامر عزت) «مولود في 25 يناير» (إخراج/ أحمد رشوان) «18 يوم في مصر» (إخراج: أحمد صلاح سوني- رمضان صلاح)، الذي عرض بمهرجان كان عام 2011، ولم يعرض بدور العرض السينمائية المصرية حتى الآن، وهو عبارة عن عشرة أفلام قصيرة لمجموعة المخرجين (شريف عرفة- يسري نصر الله- مروان حامد- أحمد علاء- خالد مرعي- أحمد عبد الله- شريف البنداري- محمد علي- كاملة أبو ذكري- مريم أبو عوف).

ونستطيع تقسيم الأفلام المعروضة عقب ثورة 25 يناير إلى ثلاث مجموعات، تتمثل إحداهما في تلك الأفلام التي تم تحقيقها قبل عام 2011، وتصادف عرضها بعد الثورة مثل («سفاري» (إخراج/ مازن الجبلي) «فوكك مني» (إخراج/ أحمد عويس) «لمح البصر» (إخراج/ يوسف هشام)، أما المجموعة الثانية فتشمل الأفلام التي تم استكمالها عقب الثورة، فأقحمت لقطات الثورة في مشاهدها الختامية، وهو ما يظهر تحديداً من خلال فيلمي (الفاجومي- صرخة نملة)، فيقدم فيلم «الفاجومي» (إخراج/ عصام الشماع، 2011) نقلة زمنية غير مُبرّرة، حيث يسير سياق الفيلم بشكل تصاعدي حتى القبض على الشاعر «أدهم» (خالد الصاوي) عقب أحداث يناير 1977، ليقطع المخرج التسلسل ويفاجئ المُتلقّي بلقطات لميدان التحرير، ثم نطالع البطل وهو يلقي بأشعاره في لقطة قريبة، وبالمثل فإن فيلم «صرخة نملة» (إخراج/ سامح عبد العزيز، 2011) يُقدّم نهاية غير منطقية بقيام الثورة ومحاولة البطل لقاء رئيس الدولة لإخباره بحقيقة الأوضاع.

أما بالنسبة للمجموعة الثالثة فتشمل الأفلام التي تم تصويرها عقب ثورة 25 يناير، وبالنظرة التحليلية للأعمال المعروضة جميعها، نلاحظ نجاح عدد من الشرائط الفنية المبتذلة في صندوق الإيرادات مثل «شارع الهرم» (إخراج/ شوري) «عبده موتة» (إخراج / إسماعيل فاروق)، بينما لم تحقق بعض الأفلام الجادة مثل «كف القمر» (إخراج / خالد يوسف) «المسافر» (إخراج / أحمد ماهر) إيرادات تذكر، واستغلّ بعض المنتجين تقنية التصوير الرقمي لتصوير أعمال سطحية بميزانيات محدودة وهو ما يمكن اكتشافه بمجرد مشاهدة الإعلان التجاري الخاص بفيلمي «مهمة في فيلم قديم» (إخراج/ أحمد البدري) «المواطن برص» (إخراج/ رامي غيط، 2014)، والتزم النجوم بكتالوج نجاحاتهم السابقة، فاستعانت الممثلة «ياسمين عبد العزيز» بالأطفال في فيلمها الأخير «الآنسة مامي» (إخراج/ وائل إحسان) والمقتبس عن فيلم (THE FAMILY MAN)، الذي قام ببطولته الممثل (نيكولاس كيدج)، وهو ثالث بطولاتها المنفردة بعد فيلمي «الدادة دودي» و«الثلاثة يشتغلونها»، واستمر الفنان «أحمد السقا» في تقديم فيلم الحركة ذي الطابع الغربي في فيلم «المصلحة» (إخراج/ ساندرا نشأت)، الذي شاركه البطولة به الممثل «أحمد عز»، كما قامت بعض التجارب السينمائية بالإشارة إلى ثورة 25 يناير 2011 في معالجات فكاهية هزلية، مثل أفلام «أمن دولت» (إخراج/ أكرم فريد)، «تك تك بوم» (إخراج/ أشرف فايق)، «حظ سعيد» (إخراج/ طارق عبد المعطي)، بينما أشار فيلم (الجزيرة 2) (إخراج/ شريف عرفة، 2014) إلى هروب السجناء في فترة الثورة عقب اقتحام السجون.

وتبقى أكثر المحاولات جديّة في تناول (ثورة 25 يناير)، حيث تنحصر في فيلمين فقط، وهما «بعد الموقعة» (إخراج/ يسري نصر الله، 2012) و«الشتا اللي فات» (إخراج/ إبراهيم البطوط، 2013)، والمدقق في تفاصيل العملين يلاحظ أن كلاً منهما يكمل الآخر، فإذا كان «الشتا اللي فات» ينتهي بتنحي رئيس الدولة الأسبق «محمد حسني مبارك» مع لقطات لمصائر الأبطال بعد الثورة، فإن «بعد الموقعة» تدور أحداثه حول حال مصر بعد الثورة، ويتسم بنزعة تشاؤمية واضحة في معظم أجزائه، فالثورة لم تقدم جديداً والفقراء يزدادون فقراً والأغنياء يسحقونهم يومياً، وذلك من خلال التركيز على نموذجين متناقضين، الأول لشاب من منطقة «نزلة السمان» يدعى «محمود» (باسم السمرة) شارك في الهجوم على المعتصمين السلميين في أحداث «موقعة الجمل» ويعجز عن إعالة أسرته وإطعام الحصان الخاص به، والذي يمثل مصدر رزقه، أما النموذج الثاني فيتمثل في شخصية الفتاة الثورية «ريم» (منة شلبي)، حيث تقتحم عالم «نزلة السمان» عندما تذهب إلى هذا المكان بصحبة صديقتها المهتمة بحقوق الحيوان (فيدرا)، ويمزج المخرج «يسري نصر الله» في هذا العمل بين اللقطات الأرشيفية لأحداث ماسبيرو وبين لقطات قام بتصويرها للممثلين المشاركين في العمل، كما يستغل إحدى المليونيات الخاصة بإدانة سياسات المجلس العسكري، ويقوم بتصوير أحد مشاهد العمل المهمة داخل الميدان، كما يؤكد الفيلم على ضرورة انتخاب الأحزاب المدنية والليبرالية باعتبارها الأكثر وفاء للثورة، ويرسم نموذجاً كريهاً لأحد الأثرياء الذين لم تقض الثورة مضجعهم (صلاح عبد الله) يتهم «ريم» بأنها ممولة من الخارج.

أما فيلم «الشتا اللي فات»، فيختار لحظات من تفاصيل الحياة اليومية لثلاث شخصيات (شاب له نشاط سياسي- إعلامية- ضابط بمباحث أمن الدولة)، يؤكد الفيلم على القهر الذي كانت تمارسه السلطة الغاشمة من أجل قمع الناشطين السياسيين، وهو ما يظهر أثره بوضوح على بطل العمل (عمرو واكد)، ويُلمِّح إلى زيادة الوعي لدى المواطن المصري عقب ثورة 25 يناير، عندما يكتب على الشاشة في ختام الفيلم أن جيران البطل يتوجهون إلى ميدان التحرير باستمرار للمشاركة في جميع التظاهرات الداعمة لأهداف الثورة، ويلقي الضوء على الدور المشبوه لبعض وسائل الإعلام التي سارعت إلى إدانة الثورة، وذلك في الجزء الخاص بقيام أحد العمال بالاتصال بالبرنامج الذي تقدمه المذيعة مدعياً أنه يتواجد بميدان التحرير، على الرغم من أنه يتصل من حجرة مجاورة للأستوديو، كما يؤكد على استمرار نزيف الشهداء في نهاية الفيلم عن طريق الإشارة إلى مقتل أحد الشخصيات الثانوية في أحداث ماسبيرو الدامية.

مجلة الدوحة القطرية في

01.01.2015

 
 

حياة المسيح نبع لا ينتهي من الفن:

الأفلام التي تتحدث عن السيد المسيح

محمود الغيطاني

بالنسبة للأفلام التي تحدثت عن السيد المسيح فهي كثيرة جدا، وربما يعود اهتمام السينما الكبير بحياة المسيح إلى أهميته وقدره في التاريخ الإنساني، ليس كرسول جاء برسالة سماوية فقط، ولكن بسبب ما لاقاه من معاناة كبيرة في حياته، واضطهاد من قبل اليهود، حتى وفاته الدموية، هذا فضلا عن كونه ابن العذراء التي أنجبته من دون أب، كل هذا التاريخ المهم في حياة المسيح والذي يدعو الكثيرين للتأمل جعل صناع السينما يهتمون به أيما اهتمام؛ لأن مثل هذه الحياة التي حياها، والتي انتهت بنهايته الدموية؛ ليخلص العالم كانت محركا دائما لخيال الفنانين الذين أرادوا جميعهم أن يدلوا بدلوهم وخيالهم البصري والفني في مثل هذه القضية، ورغم أن الكثيرين يعترضون، سواء من الجانب المسيحي، أو حتى الجانب الإسلامي، على تصوير حياة المسيح في السينما إلا أن الأمر من الأهمية بمكان؛ مما يجعلنا غير مهتمين باعتراضاتهم؛ فحياة المسيح هي نبع لا ينتهي من الفن،

وبالتالي يتم اللجوء إليها دائما في مجال السينما منذ بداياتها حتى اليوم، ولعلنا لا يمكن نسيان فيلم

"The Life and Passion Of Jesus Christ

حياة وآلام يسوع المسيح 1902م

، الذي يكاد يكون أول الأفلام السينمائية، التي اهتمت بحياة المسيح في أول الأفلام السينمائية التي تناولت حياته، ومن ثم تم فتح الباب أمام العديد

من السينمائيين لتتتالى الكثير جدا من الأفلام التي ترى في حياته منبعا خصبا للكثير من الأفلام التي تتالت عبر تاريخ السينما العالمية، ومنها

The King Of Kings ملك الملوك 1927

م، The Gospel According To St Matthew

"الإنجيل وفقا للقديس ماثيو" 1960م،

The Greatest Story Ever Told "

أعظم قصة ممكن أن تروى"1965م

، God Spell 1973م

، The Messiah

"المسيح" 1973م

، Jesus of Nazareth

"يسوع الناصري" 1977م

، Jesus

"يسوع" 1999م،

The Miracle Maker

"صانع المعجزة"2000م

، The Passion Of The Christ

" آلام المسيح" 2004م،

وغيرها الكثير من الأفلام التي رأت أن حياة المسيح هي حياة ثرية من الممكن تناولها سينمائيا من خلال رؤى سينمائية مختلفة حتى لو كانت هذه الرؤى من الممكن أن تثير الكثير من الاعتراضات والخلافات المذهبية أو الدينية، فالفن هنا هو الأهم في المقام الأول وليس النظرة الدينية، ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي يجعل الكثيرين جدا من العرب يمتنعون، أو يتخوفون من تقديم أفلام تهتم بحياة المسيح؛ نظرا للنظرة غير المنفتحة سواء من قبل المسيحيين، أو المسلمين تجاه صناعة أفلام سينمائية عن حياة الأنبياء، أو تصويرهم في أفلام سينمائية، وأرى أن هذه النظرة الدينية المنغلقة ليست في صالح السينما، أو الدين في الوقت ذاته؛ لأنها تحاول تكبيل الخيال للانطلاق نحو آفاق ورؤى مهمة تجاه هؤلاء الصالحين، ومن ثم تمنعنا من تقديم رؤى فنية وسينمائية قد تكون لها وجاهتها، ولكن إذا ما نظرنا لهذه الأفلام التي اهتمت بتقديم حياة المسيح لوجدنا أنها من الأفلام المهمة بالفعل والتي حاولت الانتصار للمسيح عليه السلام، بل وتقديم الكثير من تفاصيل حياته المهمة التي قد لا يعلم عنها الكثيرين شيئا، الحل هنا هو إطلاق الخيال لأقصى مداه؛ كي نعطي للفن الفرصة كي يقدم المزيد عن حياة هؤلاء الصالحين من جانب فني، من دون الاعتراض الديني الذي يمثل نظرة غبية ومنغلقة لا تحترم الفن.

أخبار النجوم ـ إستراليا في

01.01.2015

 
 

the Legend of the Neverbeast & Tinkerbelle

جنية الحيوانات والوحش الطيب

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

في عطلة الأعياد، الأولاد من عمر 4 الى 10 أعوام على موعد جديد مع صديقتهم المفضلة الجنيّة تينكر بيل التي ستحملهم على أجنحة صديقاتها الجنيّات الى عالم انيمايشن سحري ملوّن ومليء بالتسلية والمغامرات والأساطير من خلال شريط the Legend of the Neverbeast & Tinkerbelle.

الفيلم من انتاج ديزني ومن اخراج ستيف لوتر وبطلته الرئيسية هي جنية الحيوانات نوا(صوت جينيفر غودوين) صديقة تينكر(ماي ويتمان) التي تؤمن بضرورة عدم الحكم على كتاب من عنوانه، وعلى حيوان من أنيابه. نوا تحب الحيوانات حتى الضخمة والخطيرة، وهي تكتشف وجود حيوان غامض ومخيف يطلق شرارات خضراء من عينيه ويعمل على بناء اربعة ابراج من الصخور. نوا تنوي جلبه الى قرية الجنيات، لكن جنية الحرب تمنعها وتنطلق مع فريقها للقضاء عليه لأنه يشكل حسب رأيها خطراً كبيراً عليهم.

جنية الحرب تستند الى اسطورة تقول ان هذا الوحش يستيقظ كل الف عام ويجذب العواصف والصواعق التي من شأنها تدمير قرية الجنيات. اما نوا، فتشعر أن عيني الوحش تخفيان طيبة، وهو من سينقذ قرية الجنيات من الدمار.

الفيلم مناسب جداً للاولاد، فهو يعلمهم عدم الحكم على المظاهر، والاهتمام بالحيوانات، ويمدهم برسائل مهمة عن اهمية الصداقة والتكاتف وحماية من نحب. كما يكفل لهم تمضية وقت مسل من خلال مغامرة طريفة ومؤثرة ومليئة بالتشويق والالوان والموسيقى، ابطالها وحش ضخم صاحب عينين تقدحان شرارات خضراء لكن قلبه من ذهب، وجنيات صديقات ذكيات وجميلات بعضهن طيبات وبعضهن الاخر قويات ونظاميات، ينقسمن في البداية، قبل أن يوحدن جهودهن لإنقاذ قريتهن.

Vice

انتقام الروبوتات

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

لا شك في أن النجم بروس ويليس يعشق أفلام الحركة بقدر حبه لأفلام الخيال العلمي التي تألق من خلالها مثل The Fifth Element و Armageddon وLooper وSurrogates وSin City وUnbreakable وغيرها. مجدداً نتابعه في النوعية المفضلة لديه، وأيضاً للمرة الثانية بدور الشرير بعد The Prince، من خلال الثريلر الخيالي العلمي الترفيهي Vice من اخراج براين أ.ميلر عن سيناريو لأندريه فابريزيو وجيريمي باسمور. ينطلق الفيلم في زمن مستقبلي، على ايقاع صوت بروس ويليس الذي يدعونا الى أن نتخيل مكانا لا قانون فيه ولا قواعد، وكل شيء فيه مباح. انه مركز المتعة "فايس" الذي صممه جوليان مايكلز (بروس ويليس) للأثرياء الذين سيكون في امكانهم ان يحققوا فيه اهواءهم ورغباتهم المجنونة والعنيفة مع روبوتات اصطناعية تفكر كالبشر وتشعر مثلهم. اما ذاكرة هذه الكائنات الاصطناعية فيعاد ضبطها يومياً. داخل هذا المركز تجري سلسلة متتالية ومتداخلة من مشاهد حركة وجنس غريبة. لكن برمجة ذاكرة المرأة – الروبوت كيلي (امبير شيلدرز) تشهد خللاً، مما يجعلها تستعيد ذكريات مؤلمة يمارسها الزبائن بحق الروبوتات. كيلي تقرر الهرب والانتقام، ومعها تأخذ الحوادث اتجاهاً معاكساً مليئاً بالعنف والتشويق والايقاع مع انطلاق رجال جوليان وراءها وتدخّل التحري روي (طوماس جاين) المصمم على اغلاق المركز. حبكة الفيلم ليست جديدة، بل مكررة في عدد من الافلام، وهي تشبه خلطة من Robocop لبول فرهوفن وLucy للوك بوسون و The Islandلمايكل باي وI, Robot لألكس بروياس وThe Purge لجيمس دوموناكو. وكالعادة في هذه النوعية، الاهمية تقتصر على الحماسة والتشويق والترفيه والايقاع السريع التي تقدمها مجموعة من النجوم مثل الملائم دائماً لهذه النوعية بروس ويليس، والممثل والمخرج طوماس جاين (أخرجDark Country وشارك تمثيلاً في Boogie Night وThe Thin Red Line وMagnolia)، وامبير شيلدرز التي سبق وشاركت في أفلام مثل 2Guns.

Unbroken

 47 يوماً في البحر، 3 سنوات في المعتقل

و47 سنة ليصل الى الشاطئ السينمائي

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

قبل أن يغيبه الموت في 2 تموز2014 عن عمر بلغ 97 عاماً، استطاع النجم الاولمبي وبطل الحرب العالمية الثانية لويس زامبريني ان يتابع من سريره في المستشفى، النسخة الاولى من الملحمة الدرامية المقتبسة من سيرته الذاتية الاستثنائية Unbroken ، برفقة جارته ومخرجة الفيلم النجمة انجلينا جولي. تقول جولي: "لقد تابع الفيلم بكثير من الاهتمام والتأثر، مثل رجل يدرك انه على وشك الموت وهو يستعيد اقسى مراحل حياته امام عينيه". انها مراحل حياة هذا العداء الاولمبي الذي خاض الحرب العالمية الثانية الى حين تحطم طائرته في البحر عام 1942. ثمانية من طاقم الطائرة ماتوا، وبقي هو مع جنديين عائمين على متن زورق انقاذ صغير. هو وجندي آخر كتبت لهما الحياة بعد 47 يوماً من الشقاء والعطش والجوع، لينتهي بهما الامر بين يدي البحرية اليابانية التي ارستلهما الى ثلاثة مخيّمات لمعتقلي الحرب، حيث عانى لويس الجوع واقسى انواع التعذيب على يد الضابط الياباني المتوحش موتسوشيرو واتانابي (ميافي). هذه القصة المؤثرة التي اشترت ستوديوات يونيفرسال حقوقها عام 1957 بغية تحويها فيلماً من بطولة طوني كورتيس، عادت وتأجلت نحو 47 عاماً لتقدمها انجلينا جولي في ثاني افلامها الاخراجية بعدIn the Land of Blood and Honey، عن سيناريو لجويل وايثان كووين مقتبس من كتاب للورا هايلنبراند، ومع الممثل جاك اوكونيل. بموازنة بلغت 65 مليون دولار، نتابع قصة صادمة ومؤثرة، تنادي بالشجاعة والاصرار على عدم الاستسلام، وقد نجحت انجلينا جولي في تقديم هذا العالم الذكوري القاسي بواقعية وصدقية، فأسرت انتباهنا طوال مدة الفيلم التي تخطت الساعتين وربع الساعة تقريباً. لقد تمكنت من اعادة خلق كاليفورنيا في حقبة العشرينات، والالعاب الاولمبية في عام 1936، وخصوصاً مخيمات المعتقلين بكل وحشيتها وبرودتها، والرحلة البحرية على متن زورق مطاطي صغير بكل أخطارها. ايضاً يذهلنا المنحى الجسدي الهزيل للجنود الذين تعرضوا للجوع، اذ اصرّت جولي على اخضاع ابطالها جاك اوكونيل ودومنال غليسون وفين ويتروك لحمية قاسية افقدتهم نحو 16 كيلوغراماً من وزنهم. ايضاً اصرّت على استعادة اقسى انواع التعذيب، مثل مشهد جاك اوكونيل الذي اضطر الى أن يحمل فوق رأسه جذعا من خشب الكرز بطول مترين، وهدّد بالاعدام إن هو افلته. هذه التجربة التي اعتبرها لويس زامبريني الاصعب خلال محنته، وصفها الممثل جاك اوكونيل بالاقسى خلال فترة التصوير التي استمرت 14 اسبوعاً في اوستراليا. الفيلم، ورغم انه يدور خلال الحرب العالمية الثانية، الا ان مشاهد الاكشن تقتصر على مشهد اول يجسّد معركة جوية مصوّرة بشكل جيد. بعدها يتنقّل بنا بين الماضي والحاضر، بين خلطة من السيرة الذاتية والدراما والثريلر والافلام الكارثية والافلام الرياضية، راوياً لنا المحطات بشكل غير تسلسلي. حيناً يعيدنا الى مراهقة لويس المشاغب والعاشق لرياضة الركض الذي يشارك في الألعاب الاولمبية في برلين ويحقق النجاح، واحياناً اخرى يردنا الى وضعه المأسوي في زورق انقاذ يقوده الى جلجة اعتقال طويلة ومؤلمة، لكنها تشكّل رسالة مقاومة وشجاعة وقدرة على التحمّل. لكن الاهم رسالة الفيلم النهائية التي تشكل عبرة حياة لويس زامبريني، فهو نجح بعد سنوات على محنته من الصفح ومسامحة اعدائه، فعاد وقابلهم باستثناء الضابط واتانابي الذي رفض مقابلته. كما نجح في تحقيق حلمه بالمشاركة في أولمبياد اليابان، عندما حمل الشعلة عن عمر يناهز الثمانين عاماً. بدورها الاداءات اكثر من ناجحة، وادارة انجلينا جولي الممثلة لممثليها لافتة، وخصوصاً انها استطاعت اظهار افضل ما لدى الممثل البريطاني الشاب جاك اوكونيل من طاقات داخلية جعلتنا نصدقه ونقتنع بما يقدمه من عذابات جسدية ونفسية. ايضاً اللافت في الفيلم هو الممثل والموسيقي الياباني ميافي الذي يقدم اول ادواره السينمائية، مجسداً على نحو بارع يدعو الى السخط احياناً، دورالضابط الياباني المتوحش واتانابي المصمم على تحقير لويس من خلال تكرار تعذيبه واذلاله لتحطيم صورته كنجم رياضي.

Exodus: Gods and Kings

بين خيال سكوت وواقع النبي موسى

المصدر: "دليل النهار" - جوزفين حبشي

باتمان السينما كريستيان بايل خلع لباس الجلد الأسود وارتدى ملامح النبي موسى في فيلم Exodus: Gods and Kings لمخرج Alien و The Gladiatorريدلي سكوت. طبعاً كلنا نعرف حكاية الطفل موسى العبراني الذي أنقذه أهله من بطش الفرعون بوضعه داخل سلة في نهر النيل، فربته أخت الفرعون الكبير وأصبح بمثابة شقيق للفرعون الصغير رمسيس. موسى الذي حصل على وصايا الله العشر منقوشة على لوحة في جبل حوريب، تحوّل نبياً وقائد خروج العبرانيين من مصر أرض العبودية الى أرض الميعاد، عبر شقّ البحر الأحمر بعصاه. أيضاً كلنا نعرف أن ريدلي سكوت مخرج استثنائي وليس رجل دين. لذا قرر أن يقدّم حكاية النبي موسى حسب رؤيته السينمائية البعيدة عن المضمون الديني الكلاسيكي. رؤية متشائمة وحائرة بين الإلحاد والإيمان، بين الخيال البحت والواقع بحسب الأسطورة، وهي حتماً مختلفة كثيراً عن الشريط الكلاسيكي الشهير "الوصايا العشر" الذي قدمه سيسيل ب.دوميل عام 1956. حتماً كثيرون انتقدوا ريدلي سكوت ولا يزالون (وخصوصاً المؤمنين كما سبق وحصل مع شريط دارن ارونوفسكي Noah)، لكن سكوت أذكى من أن يقع في الفخ. شريطه الجديد يخلو من الروحانية والايمان، ويفتقد بعض ما ميّز شريطه الشهير The Gladiator، أي الشغف والايقاع المتماسك والأحداث الشائقة والمترابطة من البداية الى النهاية، وخصوصاً ان سكوت فضل التركيز على محطات أقلّ أهمية من غيرها في حياة موسى، وأغفل التركيز اكثر على علاقة الأخوة والصداقة مع الفرعون رمسيس (جويل ادغرتون) التي تحوّلت لاحقاً مواجهة طاحنة بين عدوين، هي النقطة الأساسية في الفيلم. لكن المخرج العبقري تمكّن في المقابل من تمويه نقاط ضعف مضمون الفيلم بفضل الشكل الذي بلورته موازنة ضخمة بلغت 140 مليون دولار. لقد نجح في منح فيلمه مشهدية استعراضية استثنائية، تدعمها الديكورات المبهرة بضخامتها والمصممة بواقعية (القصور والأهرام) والأزياء التاريخية والأكسسوارات والمؤثرات الباهرة والمقنعة. وقد تجلت خصوصاً في التصوير البارع للضربات العشر التي سينزلها الله بشعب مصر. ضربات مذهلة مشهدياً، بعضها من ابتكار مخيلة سكوت ولا تمتّ الى الأسطورة الدينية بأية صلة، مثل امتلاء نهر النيل بالتماسيح التي التهمت الصيادين وحوّلت نهر النيل بركة دماء، أو شتاء الضفادع الذي ذكرنا بمشهد من فيلم Magnolia من إخراج بول طوماس اندرسون عام 1999. حتماً بعض المحطات التي كانت منتظرة بقوة مثل انشقاق البحر الأحمر، لم تكن استعراضية، فسكوت اختار اللجوء الى أسلوب أكثر واقعية بنظره، ففضل ان يترك لله وليس لموسى مهمة العبور وسط الماء، وعمد الى تجفيف البحر رويداً رويداً بدل شقه. لكنه في المقابل لم يحرم مترقبي الإبهار مشهداً يقطع الأنفاس، مع موجة البحر العملاقة والمرتدة على جنود الفرعون. لكن ضربة المعلم الفعلية التي قدمها، حسب رأيي، والتي انتقده عليها الكثيرون، تكمن في اختياره تقديم الله بصورة فتى صغير دموي وعنيف ويسعى الى الانتقام. اختيار ذكي، فلو قدم الله بالصورة الكلاسيكية كشيخ جليل، لما كنا تقبلناه ظالماً وعنيفاً ومنتقماً. لكن الحكمة والرزانة بعيدتان عن الأطفال المتهوّرين والمندفعين والذين قد يدمرون كل شيء، لكننا نظل نحبهم ونبرر تصرفاتهم. من ناحية التمثيل، احسن سكوت مع شخصيتيه الرئيسيتين كريستيان بايل وجويل ادغرتون، فالأول لافت بجاذبيته وغضبه وحيرته بين الالحاد والايمان، وحبه لكل من بني قومه الأصليين ولمصر التي ربته والمجبر على محاربتها. أما الثاني فمؤثر بدور فرعون غير الناضج والضعيف الذي لا يشعر بالأمان والثقة، لذلك هو يتمادى في ظلمه. لكن المؤسف أن الشخصيات الثانية ظلت سطحية وباهتة وخصوصاً سيغورني ويفر في دور والدة رمسيس. ويمكن أن نستثني كلاً من بن كينغسلي بدور العبراني نون، والفلسطينية هيام عباس بدور شقيقة الفرعون ووالدة موسى بالتبني.

النهار اللبنانية في

01.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)