كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أرجنتينية انجذبت للإسلام والأميركي حورب بسببه

المسلحون في واجهة الأفلام السينمائية

لندن: محمد رُضا

 

عندما يخفق بطل فيلم «رجلان في المدينة» في إقناع أكثر أعدائه حقدا بأنه بات مسالما ويريد شق طريقه في الحياة من دون أن يؤذي أحدا. عندما يخفق في تغيير صورته أمام القانون، ويخفق في الدفاع عن محبوبته معا، يقدم على القتل، يحطم رأس الرجل الذي صفع زوجته ويركع فوق جثته مدركا ما قام به، وكيف أنه يخالف ما عاهد نفسه عليه. ينهض. يتجه إلى الماء ويتوضأ. هذا لأنه مسلم أميركي أسود دخل السجن مسيحيا بعدما قتل معاون الشريف، وخرج من السجن مسلما يريد نبذ العنف.

الصورة التي أراد المخرج رشيد بوشارب تقديمها حول بطله المسلم، كما قام الأميركي فورست ويتيكر بتقديمها، ليست واضحة على الشاشة وضوحها على الورق، بالنسبة للأميركي، والأحداث تدور في ولايتها الغربية نيو مكسيكو، يفهم أن بطل الفيلم عانى من شباب جانح وأزمة نفسية دفعته لتبني العنف، ويفهم أنه خرج من السجن يريد شق طريقه بسلام، بل ويدرك أن ذلك ليس هينا عليه بوجود شريف (هارفي كايتل) يكن له شعورا عنصري الأساس، لكنه لن يدرك تماما ما علاقة الإسلام بما يحدث له.

بكلمات أخرى، ما سبق من حيثيات الصورة الشخصية لويليام غارنت (ويتيكر) كاف من دون إدخال الدين في صلبه، الحكاية المتوافر فيها النصيب المطلوب من عناصر الدراما: الأسود في مواجهة عنصرية الأبيض، السجين الباحث عن مستقبله وماضيه الذي يطارده، الرغبة في فرصة حياة جديدة أمام تعنت الشريف وعداوته، كل شيء كاف لدراما تتوقف قوتها على نجاح المخرج، أي مخرج، في إتقان عملية تشبيع تلك الدراما بما تحتاجه من واقعية المواقف أو حسن التنفيذ، لماذا يضاف، إذن، أن ويليام غارنت، فوق كل ما سبق، اعتنق الإسلام ويريد أن يعيش بتعاليمه؟

الجواب هو أن المخرج رشيد بوشارب وشريكه في كتابة السيناريو ياسمينة خضرا اللذان اقتبسا الفيلم الفرنسي البوليسي «رجلان في المدينة» لمخرجه جوزيه جيوفاني (1974)، أرادا تقديم حكاية مسلم (لم تكن واردة في الفيلم الأصلي الذي وقعت أحداثه في باريس) يواجه ما سبق. علاوة على أوضاعه (أفرو أميركي، سجين سابق، قاتل، حياة جديدة، مستقبل واعد، قصّة حب.. الخ) أرادا له أن يكون مسلما رغبة منهما، الافتراض الأعلى، في تقديم شخصية تنأى بما يحمله هذا العصر من تضاد، هناك مشهد يستغل فيه الشريف العنصري مسألة أن ويليام تحول إلى الإسلام ليحذر مواطني البلدة منه ومن الإسلام بأسره.

إذا لم تصل تلك الرغبة كاملة أو ناصعة، فإن ذلك الفيلم ضمها ضما إلى الأسباب الأخرى التي يعاني منها بطل الفيلم مثل لونه الأسود ومثل ماضيه الداكن وإخفاقه في التحكم في نفسه وعدم فقدان السيطرة والإقدام على العنف، ضمها عوض أن يجعلها مقصودة بحد ذاتها ما جعلها تبدو تأكيدا على ما هو مؤكد سلفا.

* أربع مخرجات

الموضوع الإسلامي في السينما يعود إلى فجرها الأول، الأفلام دارت على جبهتين: واحدة عريضة معادية، بقصد ومن دون قصد، وأخرى إيجابية، بقصد ومن دون قصد أيضا. وبما أننا لسنا هنا في معرض تحليل الصورة ولا في قراءة التاريخ، فإن النافذة الآنية الذي يتكفل بفتحها فيلم المخرج الجزائري المعروف بوشارب تطل على عدد من الأفلام الأخيرة التي تسعى، مثل «رجلان في المدينة» لتقديم صورة أفضل للشخصية المسلمة، لكن من دون التباسات الصورة غير المحددة أو اللازمة.

في فيلم «هابي، الأجنبية» للمخرجة الأرجنتينية الجديدة ماريا فلورينيثيا ألفاريز، ومن إنتاج البرازيلي وولتر ساليس (المخرج المعروف نفسه)، حكاية فتاة من القرية تصل إلى مدينة بوينس آيريس بحثا عن العمل وتحط في فندق يقع في حي عربي هي غريبة عنه وعن تقاليده الإسلامية، تجذبها مشاهد المسلمات وطريقة تعاملهن والثقافة بأسرها، فتبدأ بدراسة العربية والخوض في تعاليم الإسلام، لم تعتنق الدين الحنيف، بل تعرفت إليه وقدمت نفسها للبيئة العربية هناك كمسلمة، هذا لم يجنبها، تبعا لأحداث الفيلم، وضعا مزدوجا من العواطف والأفكار، لكنها، في الوقت ذاته جعلها تقارن بين معاملة المسلمين لبعضهم البعض ومعاملة غير المسلمين لبعضهم البعض أيضا، فجارتها تذوق الأمرين من صديقها.

لا تسعى المخرجة (أو ربما لم تعرف كيف تسعى) لتقديم المبرر الذاتي لانجذاب هابي، أو كما أطلقت اسم «حبيبي» على نفسها، إلى الإسلام، لكنها أحسنت التعامل معه كثقافة تستحق الاهتمام والانجذاب وحدها، ما يجعل الفيلم يبدو نشازا إذا ما قارنه المرء، عربيا أو غير عربي، بما نشهده اليوم من عنف متطرف.

لسبب ما، سنجد أن المخرجات في السنوات الأخيرة كانت لهن التجارب الأكثر تجاوبا مع الرغبة في إعادة صياغة النظرة إلى المسلم قبل وبعد كارثة سبتمبر (أيلول) 2001. لجانب ماريا فلوربنيثيا ألفاريز، نجد البوسنية ياسميلا زبانيتش تواصل النقر على هذا الموضوع، ونجد الأميركية أنجلينا جولي تزوره، والهندية ميرا نير تسلط الضوء عليه.

في «الأصولي المتمنع» لميرا نير (2012) نواجه تحقيقا يجريه الصحافي بوبي لينكولن (ليف شرايبر) مع باكستاني (ريز أحمد) يقوم فيه الأخير بسرد ما حدث له قبل وبعد العام 2001. هو يعرف أن بوبي عميل للسي آي إيه أرسلته متخفيا في زي صحافي لكي يستنطق الباكستاني شانغيز حول عملية إرهابية مقبلة يعتقد أن شانغيز يعلم بها، لكن لدى الاثنين وقت طويل لاستعراض ما حدث مع شانغيز عندما قرر أن حلمه الأميركي الكبير يبدأ من لحظة تنفيذه، فترك أهله وسافر إلى أميركا؛ حيث انتمى إلى مؤسسة اقتصادية وبرع فيها، كل شيء تهدم عندما وقعت الكارثة في ذلك العام ليكتشف أنه أحب أميركا لكن أميركا لم تحبه وأنه بات، لكونه مسلما، موقع ريبة السلطات.

أما الأميركية أنجلينا جولي والبوسنية ياسميلا زبانيتش تشتركان في أن الهجمة على الإسلام الحديثة بدأت بالعنف العنصري الذي قامت به القوات الصربية خلال الحرب الأهلية حال تفككت أواصر يوغوسلافيا في التسعينات، كل منهما عاينت أحداثا وقعت فعلا. الممثلة الأميركية الطموحة قدمت «في بلاد الدم والعسل» (2011) دراما حول كيف فرقت الحرب بين الجندي الصربي والفتاة البوسنية التي أحبها والتي اقتيدت إلى الاعتقال ليتغير فعل ذلك الحب بينهما، لم يعد رومانسيا ولا نتيجة سمو المشاعر، بل ممارسة فوقية من الجندي، الذي أصبح ضابطا، يريد منع الجنود من نيلها على اعتبارها امرأته، لكنه لا يريد أن يمنحها الكرامة التي تستحقها. لا تهاب المخرجة تقديم مشهد تقاد به بقية البوسنيات المسلمات إلى مخادع المغتصبين المسلمين.

أفضل منه «لمن لا يستطيع تلو الحكايات» For Those Who Can Tell No Tales للبوسنية زبانيتش (2012) التي تناولت موضوع الاغتصاب بطريقة مبتكرة: سائحة استرالية تنزل في فندق قرب جسر القرية الصربية لتكتشف أن السرير الذي تنام عليه هو ذاته الذي قاد فيه الصربيون المسلمات لاغتصابهن عليه. الفندق كان مرتعا لهم والضحايا نساء. وجهة نظر بطلة الفيلم تتلبد تماما إزاء ذلك الاكتشاف ثم تتضح، تسمع الحكايات، تمشي الجزر الذي جرى عليه نحر البوسنيين حتى دلقت الدماء إلى الماء تحته. يحقق الفيلم إدانته لما وقع وينضم إلى النماذج التي تحاول أن تضع الإسلام في مستوى الطرح فكريا وليس من خلال نشرات الأخبار.

* أربعون سنة على تحفة صغيرة

* في العام 1974 أخرج الألماني الراحل راينر فرنر فاسبيندر فيلمه الدرامي الاجتماعي «علي، الخوف يأكل الروح» وفيه ألقى نظرة على واقع مسلم مغربي الأصل يتزوج من ألمانية تكبره سنا طمعا في أن يلج شريحة المجتمع الرافض. النتيجة معاكسة لتوقعاته ولتوقعات الألمانية التي تجد نفسها بدورها وقد أصبحت منبوذة.

شاشة الناقد

الدبلوماسية التي أنقذت باريس

الفيلم: دبلوماسية Diplomatie

إخراج: فولكر شلندروف

أدوار أولى: أندريه دوسولييه، نيلز أرستروب.

فرنسا (2014).

تقييم الناقد: (*4)

لم يكتب سيريل جيلي روايات كثيرة ومسرحياته أقل عددا من مؤلفاته الروائية، لكن صاغ سنة 2011 مسرحية جرى تقديمها على مسرح مادلان الباريسي الشهير بعنوان «دبلوماسية» وحققت نجاح جيدا جعل الكاتب المولود سنة 1968 على ألسنة أهل الفن والثقافة في البلاد لبعض الوقت.

الألماني فولكر شلندروف بدوره كان يراوح مكانه منذ سنوات، لقد انطلق واحدا من موجة السينما الألمانية الجديدة في السبعينات، تلك التي احتوت على رينر فرنر فاسبيندر وفرنر هرتزوغ وفيم فندرز ومرغريت فون تروتا و(المتوفاة حديثا) هلما ساندرز - برامز. قدم خلال مسيرته بعض أفضل ما أنتجته السينما الألمانية من أعمال، وبينها «ألمانيا في الخريف» (1978) و«الطبل الصفيح» (1979) و«حكاية مشغولة باليد» (1984) كما قدم فيلما غربيا أولا عن الحرب الأهلية اللبنانية هو «دائرة الخداع» (1981) لكنه دخل مرحلة انقطاع عن العمل أكثر من مرة أولها امتدت من منتصف الثمانينات حتى مطلع التسعينات، ثم تكررت بعد ذلك. وها هو يعود في «دبلوماسية» المأخوذ عن مسرحية جيلي وبنفس بطليها أندريه دوسولييه ونيلز أرستروب.

يحافظ شلندروف على الصيغة المسرحية حين يقدم حكاية الجنرال الألماني الذي أعد العدة لتدمير باريس مع اقتراب القوات الحليفة منها خلال الحرب العالمية الثانية، نسمع دوي المدافع يتردد ونسمعه وهو يكرر نيته تدمير باريس وأوامره للحامية التي تدافع عن المدينة للاستعداد لتفجير يتسبب في فيضان نهر السين وتدمير بعض الجسور التي عليه. الخبراء التقنيون العسكريون أكدوا له أن أحياء الأوبرا، والسان ميشيل، والكارتيه لاتان، والنواحي الشرقية كلها من باريس ستصبح تحت الماء، هو راض عن ذلك ويعد العدّة لكي يغادر المدينة قبل فوات الأوان.

دوسولييه يؤدي شخصية القنصل الفرنسي الذي يعرف الجنرال والذي يأتيه بغتة في تلك الساعات الأخيرة ليطلب منه إعفاء المدينة من الدمار، الرجلان لا يتفقان؛ واحد يريد تجنيب البلاد تدمير عاصمتها، والثاني يريد الانتقام من فرنسا والحلفاء، كونها حربا مفتوحة، ويحق له ذلك بصرف النظر عن الثمن الباهظ من الأرواح والممتلكات. إلى ذلك، هذا أمر هتلري لا مناص عنه. أكثر من ذلك، هناك تعهد مكتوب يعرّض عائلته للموت أو السجن في المعسكرات إذا خالف الأوامر.

الفيلم، كما المسرحية، سجال مواقف بين الاثنين، شلندروف يخرج عن نطاق الخشبة المحدودة عبر الوسيلتين المتاحتين أمام المخرجين الجيدين أمثاله: الانتقال، ولو مرات معدودات، إلى خارج غرفة الجنرال، وتقطيع المشاهد على طاولة المونتاج بما يتفق وأبجدية قواعد العمل السينمائي.

إلى جانب إبرازه محنة رجلين ومن ورائهما حياة مدينة برمّتها، لدى شلندروف القدرة على تقديم فيلم منظم بالصرامة الألمانية المعهودة، ليس هناك من دقيقة ضائعة ولا حركة مهدورة، طبيعة الفيلم قد توفر كثرة الحوار، لكن تلك الحوارات ليست متكررة ولا تشوه الفعل البصري بكثرتها. أداء لا غبار عليه من ممثلين اعتليا المنصة وتدربا قبل أن يقفا أمام الكاميرا ويعاودا تقديم دوريهما بنضج فائق.

10-TOP

القردة يعتلون القمة

صالات رمضان في الدول الخليجية لا ترحب بالأعمال الكبيرة خلال شهر رمضان، كما تفعل صالات بيروت والقاهرة بل توفرها للعيد. عليه فإن عرض «ترانسفورمرز 4» و«فجر كوكب القردة» متأخر للأعياد.

هذا الثاني هو الذي خلف الأول في عروضه في الولايات المتحدة ولو أن المنافسة بينهما ما زالت قائمة حول المركز الأول عالميا.

* الأفلام

1- (*3)(-) Dawn of the Planet of the Apes: $72,611,427 

2- (*1)(1) Transformers: Age of Extinction: $16,302,415

3- (*2)(2) Tammy: $12,555,151 

4- (*2)(3) 22 Jump Street: $6,501,884 

5- (*3)(5) How to Train Your Dragon 2: $6,072,372 

6- (*3)(6) Earth to Echo: $5,404,616 

7- (*1)(4) Deliver Us From Evil: $4,740,289 

8- (*2)(7) Maleficent: $4,180,586 

9- (*2)(-) Begin Again: $2,820,839 

10-(*3)(8) Jersey Boys: $5,155,144 

* حديثا على DVD

(*3)Pickpocket

فيلم فرنسي من المخرج روبير بريسون حول شاب يخرج من السجن ولا يجد عملا سوى النشل (1959)

(*2)Scanners

فيلم رعب من المخرج ديفيد كروننبيرغ حول مجموعة من الناس تشيع الفزع بين الأبرياء (1981)

(*2)Operation Petticoat

غاري غرانت وتوني كيرتس يقودان بطولة فيلم تقع معظم أحداثه فوق البوارج الحربية خلال الحرب العالمية الثانية (1959)

(*3)Abandon

تمثيل جيد من كايت هولمز في دور فتاة مقبلة على وظيفة جيدة إلى أن يدخل في حياتها المحقق بنجامين برات (2002)

سنوات السينما: 1944

Meet Me in St. Louis

 

لم ينل «قابلني في سانت لويس» أي أوسكار لكنه كان منافسا صلبا في الترشيحات، يبدأ الفيلم بأحداث تقع سنة 1903 في مدينة سنت لويس وترصد التحولات التي أصابت العائلة الأميركية المنتمية إلى الطبقة المتوسطة والمجتمع المدني بكامله في ذلك الحين، هذا لا يجري عبر سرد متعب لأوضاع شتّى، بل بمعالجة المخرج فينسنت ميلليني التفصيلية ووسط غطاء النوع الموسيقي الذي ينتمي إليه الفيلم، أحد أفضل ما مثلته جودي غارلاند (التي تزوجها المخرج في العام التالي) ومعها في الأدوار الرئيسة ماري أستور وجوان كرول ومرغريت أو برايان وبضعة وجوه غابرة (ومهمة) أخرى. دراما عن البراءة ونشوى الحياة رغم المصاعب.

المشهد

كيف يمكن ألا تحب السينما؟

* كيف لا يمكن لك أن تحب السينما، وهي لا تزال شغوفة بتقديم نفسها لكل جيل يأتي، وذلك منذ أن ولدت ذات مرة، في العام 1888 في فيلم من 22 ثانية صوره أوغوستين فيليب لو برينس في حديقة عامة (ما زالت موجودة) تقع في مدينة ليدز الإنجليزية؟

* تكتشف نفسها في كل حقبة من جديد: صامتة وقصيرة وبلا قصة، ثم صامتة قصيرة وبحكاية، ثم صامتة وطويلة تصيغ حكاياتها بتأليف سينمائي مزهر، ثم ناطقة، ثم ملونة، ثم بالأبعاد الثلاثة بالسينما سكوب والسينيراما وبعد ذلك بتخليها عن سياسة المحظورات واجتياحها العالم في وعي لدورها الثقافي والفني في صياغة الفكر، ثم تنتشر عبر وسائط مختلفة للعرض، وتنتقل إلى الديجيتال، وتعود إلى نظام الأبعاد الثلاثة، وها هي ما زالت مبهرة حين يكون الفيلم جيدا، بل - وبالنسبة للملايين كل يوم - ما زالت مبهرة حتى ولو كان الفيلم ضعيفا أو رديئا في نظر النقاد.
*
لم لا نحب السينما التي لا تقتل. مليئة أحيانا بمشاهد العنف، يتساقط فيها ألوف القتلى، تباد في حكاياتها الأمم وتتسبب كوارثها في دفع العالم إلى النهاية، لكن ما من ميّت يموت فيها، الممثل الثانوي أو ممثل «المجاميع» ينهض، يقبض أجره وينصرف ليموت في فيلم آخر.

* كيف لا نحب السينما وهي مصدر الحكايات المصورة، هي المرآة الكاملة لهذه الدنيا التي نعيشها.. تنقل، تعكس، ترقب، ترصد، تحلل، تفكر، تنتقد، تقبل، ترفض، لها رأي، ليس لها رأي.. تماما كما نفعل نحن البشر في كل يوم.

* ثم كيف لا نحبها وفيها جيش من العاملين أمام الكاميرا وخلفها، فنانون جادون كل بجهده ساهم في تكوينها إلى اليوم، كيف لا نحبها ونستطيع أن نرى الموتى فيها كما لو كانوا ما زالوا أحياء يتحركون على الشاشة، لقد تم تسجيلهم صورة، ثم صوتا وصورة. اقتطعت الكاميرا من حياته ذلك الدور الذي لعبه، هذا الدور لا يزال موجودا ويتحرك أمامك في كل مرّة يجري فيها عرض ذلك الفيلم.

* في فيلم «فجر كوكب القردة» تمهيد لعالم الغوريللات التي تحكم بعض أنحاء الأرض، تصوير لحياتها وما وصلت إليه، ثم تقديم للبشر ممثلين بالرجل الذي يطأ أرضهم (الممثل جاسون كلارك). من هذه النقطة وما بعد تنتقل وجهة النظر من القرود إلى البشر. فجأة تنهض وراءه غوريللا وتصيح، ثم يظهر عدد كبير من الغوريللات التي استجابت لنداء الغوريللا الأولى. خلال التصوير اضطر المخرج مات ريفز للصياح كغوريللا، لأن الممثل كان وحيدا بين الأشجار. الغوريللات أضيفت لاحقا. حين تحمله الغوريللات إلى «مقر قيادتها» (بالتعبير الدارج) فإن فنيون بشر هم الذين حملوا الممثل. لاحقا في الاستوديو جرى إلباسهم الشكل الحيواني. لا تستطيع أن تدرك ذلك حين ترى الفيلم وإذا لم تسمع ذلك من فم المخرج ذاته أو إذا ما تحدث أحد العاملين الآخرين في الفيلم.

* يكذب عليك جارك «تزعل». يخدعك صديقك تخاصمه. يخدعك عدوّك تحاربه. تخدعك السينما تبتسم لها. كيف يمكن ألا تقع في حب السينما؟ هي فن. هي فكر. هي ثقافة، وهي - في ذات الوقت - تجارة وربح وخسارة. صناعة تؤازرها الملايين تنضح أحيانا بالفن الذي له مهرجاناته، وأحيانا بالترفيه الذي له سوقه الكبير. كل يوم هناك عشرات ملايين البشر يؤمّون السينما. كلهم يحبّونها.

الشرق الأوسط في

18.07.2014

 
 

«أريج» فيولا شفيق :

الثورة والفساد وعيوب مصرية أخرى

القاهرة - أمل الجمل 

«في القصيدة يجب ألا تظهر معاناتك كشاعر، ولا عذابك الذي يسبقها. يجب أن يبدو الأمر وكأن القصيدة كتبت نفسها. يجب ألا يظهر الجهد. دع القارئ يرى المولود ولا يعرف ما هو المخاض. دعه يرى الشيء في هيئته الناضجة، أما ما وراء ذلك فلا». من السهل استعادة هذه السطور للشاعر محمود درويش بقوة أثناء وعقب مشاهدة فيلم «أريج» أو كما كُتب بالإنكليزية – scent of revolution- أي «عطر الثورة» أو «رائحة الثورة»، وإن كان العنوان الأخير أقرب لمضمون الفيلم الذي أخرجته المصرية فيولا شفيق، لأن كلمتي «أريج» و «عطر» تنفيان وجود روائح كريهة أو غير محببة، وهو أمر لا يمكن استبعاده سواء على مستوى شكل الفيلم أو محتواه.

تبدأ فيولا شفيق شريطها الوثائقي بلقطات أرشيفية لأحداث يوم 28 كانون الثاني (يناير) 2011 حيث المواجهات العنيفة على كوبري قصري النيل بين الشرطة وجحافل المحتجين من أفراد الشعب غير عابئين بخراطيم المياه وقنابل الغاز والخرطوش، وتلي ذلك لقطات أخرى من أعلى تكشف ضراوة هجوم رجال الأمن على المواطنين. ثم يأتينا صوت المخرجة معلقاً على ما نرى: «ليس هذا الفيلم الذي كنت أريد تحقيقه، وليست هذه القصة التي كنت أريد أن أحكيها... الأوضاع في مصر تتغير باستمرار، جعلتني أتوه، أنسى ما الذي كنت أريد أن أقوله».

ما حذّر منه درويش

وكأن شفيق بمقدمتها السابقة، وبمشاهد أخرى لاحقة، ترتكب كل ما حذّر منه محمود درويش. وهي بعد ذلك تنتقل من لقطات الثورة إلى صورة فوتوغرافية يرجع تاريخها لحوالى 100 سنة، تظهر فيها عائلة مصرية من الجنوب، «التقطها في الأقصر» مصور مصري اسمه عطية جديس، «يُعد من أوائل المصورين المصريين. فقبل ذلك كان المصورون كلهم أجانب، وكان المصريون بالنسبة إليهم مجرد ديكور أو قطعة آثار». لكن ما الذي لفت نظر المخرجة في صورة جديس؟ أن المصريين فيها جلستهم مستريحة، الظهور مستقيمة، وفي الوقت نفسه يبدو على وجوهـــهم الإعتزاز بالنـفس، مما ولَّد عند المخرجة رغبة ملحة لزيارة الأقصر من شرقها إلى غربها بحثاً عن تلك الكرامة. كانت تلك الصورة إذاً هي البذرة الأولى في مشروع المخرجة الذي انحرف عن مساره في ما بعد، رغم خطورته وأهميته، بسبب ارتباكها أمام زخم الأحداث التي مرت بها مصر على مدار ثلاث سنوات من الانتفاضة الثورية.

يسير العمل في أربعة خطوط متوازية، تقريباً. كل خط تقوده شخصية أساسية: المرشد السياحي فرانسيس أمين محارب الذي يمتلك أرشيفاً فوتوغرافياً وأثرياً لا مثيل له في مصر، والمحامي والناشط الحقوقي صفوت سمعان الذي يوثق بالصورة والفيديو وقائع وتصريحات وشكاوى الأهالي وضحايا فساد المسؤولين في الأقصر، ثم الكاتب علاء الديب الذي يحكي عن كتاباته ومشروعه الروائي المتبلور حول خيانة الطبقة الوسطى، ثم يعرج للحكي عن أشياء متفرقة في حياته، كنشأته، وانتمائه السياسي، ومعاناته مع المرض وعوزه المادي واضطراره لأن يوقع عقود كتب وهمية – على حد وصفه - لتحصيل أموال وتسديد نفقات المستشفى. وقبلها تظهر زوجته السيدة عصمت في أحد المشاهد لتحكي عن إقامتهما الفندقية والاستجمام في أحد المستشفيات على النيل. وأخيراً تظهر بين حين وآخر مصممة غرافيك شابة تمنعها أسرتها من حرية الحركة في شوارع المدينة فتستبدل الحياة الواقعية بالحياة الافتراضية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

الجــزء الخـــاص بــعلاء الديب يصلح أن يكون نواة فيلم آخر منفصل عن مأزق الثوري المحبط. أما الجزء الخاص بالأقصر فهو أهم المحاور جميعاً ويظهر على مستويين، الأول يطرح تساؤلاً: كيف تكون مصر هي أول دولة في الشرق استقبلت التصوير، وظل المصورون يزورونها باستمرار لكنها لا تمتلك متحفاً للتصوير؟ والإجابة يمكن استنتاجها من ثنايا الفيلم، إذ يتعلق الأمر بإهمال المسؤولين وعدم إدراكهم أهمية إنشاء أرشيف أو متحف يحتوي الوثائق والصور التاريخية وتصنيف تلك الكنوز المهملة والتي لا يزال فرانسيس يحاول أن يحميها في مخازنه، لكنه يعترف بأنه ليست لديه هذه القدرة التنظيمية وبأنه خاطب المسؤولين من دون فائدة.

خطابات «الكبير»

المستوى الثاني يتعلق بمشروع المثلث الذهبي وحفر طريق الكباش الذي يمتد الى الكرنك حيث تُؤكد شخصيات الفيلم أن اليونسكو رشحت أن يبدأ الحفر في العام ٢٠٢٣ حتى ٢٠٣٠، وذلك حتى تمنح للأهالي وسكان البيوت التي سيتم هدمها فرصة لتدبير بيوت جديدة تنتقل إليها. لكن المحافظ سمير فرج، وفق تصريحاتهم، بدأ ينشط قبل الموعد بسنوات فأصدر أوامره بأن يتم الإخلاء في ٣ أيام، وأحياناً كان يتم هدم البيوت وأصحابها لا يزالون بالداخل يجمعون أشياءهم. وأصبح الحفر والهدم في كل مكان فأصبحت المدينة «أشبه بغزة بعد القصف» على حد وصف صفوت سمعان، الذي صور الكثير ومنهم امرأة وعائلتها تشتكي بأن المسؤولين استولوا علي بيتها المكون من ست غرف وكانت تقطنه أربع أُسر فأعطوها فقط ٦٤ ألف جنيه أي مقابل ثلاث غرف فقط. مثلما يؤكد المحامي أن هناك شخصيات تحصلت على تعويضات بالمليون جنيه عن شقة واحدة، على رغم أنهم مخالفون في البناء، أو يبنون على أرض ليست ملكهم أو سطوا عليها، بينما أصحاب الأرض والشقة تحصلوا على ٤٥ ألف فقط. كذلك رصد سمعان بكاميرا هاتفه المحمول حركة الهدم للبيوت والعمارات، وشكاوى الأهالي الرافضين الإخلاء من تهديدهم بالاعتقال، وترويج أخبار أن سمير فرج أحضر ٤٠٠ خطاب اعتقال من «الكبير»، فهكذا يصرخ أحد الشباب أثناء هدم عقاره قائلاً: «لا أريد منهم فلوساً. أنا مستعد أدفع لهم فلوس حتى لا يهدموا بيتي...». ثم يخبرنا المحامي أن هذا الشاب انتحر بعد ذلك من كثرة المشاكل التي واجهها والاستيلاء على بيته.

كذلك يتضح شق آخر للفساد من خلال مشروع بيوت القرية التي تم نقل الناس المهجرين إليها. فوفق تصريحات الناشط الحقوقي أن الوحدة السكنية فيها كان مخصص لها ١٣٠ ألف على أن يقوم بها جهاز القوات المــسلحة للإنشاء والتعمير والذي منحه لمقاول من الباطن بـ ٨٠ ألف، وهو بدوره أعطاها لمقاول ثالث من الباطن بـ ٦٤ وانتهى المطاف إلى أن أصبحت تكلفة المبنى ٤٨ ألف جنيه فقط فظهرت الكارثة، مصورة، بعد شــهر واحد من تسليمها حيث تنتشر في جسدها وجدرانها الشقوق والشروخ الممتدة طولاً وعرضاً، وكل فترة يقومون بترميمها من دون فائدة.

الربط التعسفي

كل هذا يقوله الفيلم بيد ان أحد عيوبه الأساسية يكمن في أن مخرجته كانت ترصد آراء الناس دون مناقشتهم، وكأنها حقيقة لا تقبل الجدل، أو لا تحتاج لتعميق الرؤية وتوضيحها، ومنها مثلاً رأي علاء الديب أن «ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ غير قابلة للإجهاض»! مع ذلك يتجسد الإشكال الرئيسي للفيلم في عدم قدرته على الربط بين هذه الشخصيات والقضايا التي تثيرها، أو هو ربط تعسفي، فقد فشل كتاب السيناريو في تضفير الخيوط جميعها في نسيج واحد هارموني يحمل دلالات ومعان إبداعية، فهناك مشكلة في اختيار كيف تبدأ ومتى تنتهي، وما الذي تتركه ضمن المتن وما الذي تستغني عنه، وكيف يكون ترتيب اللقطات والمشاهد بشكل أكثر فاعلية. فالتنقل من محور إلى آخر كان يُضيع الأثر القوي الذي تحقق في مشاهد سابقة، ويهبط بنا من الذروة بعد أن صعد بنا إليها. فكارثية الوضع في الأقصر، مثلاً، يصيبها الشحوب ويتلاشى وقعها بمجرد الانتقال إلى لقطات العنف الذي مارسته الشرطة والعسكر مع شباب وفتيات الثورة في ميدان التحرير والمناطق الأخرى المشتعلة. الى درجة يمكن اعتبار بعض الفيلم معها نموذج العمل الذي يمكن تدريسه للطلاب والمهتمين بالسينما كأحد الأشكال التي يجب تفاديها عند صناعة فيلم وثائقي، أو كأحد النماذج التي تجسد كيف ومتى يضيع جوهر الصورة ويصبح مضمونها الخطير بلا قيمة. ويُدرس أيضاً لإبراز كيف تسحب شحنة انفعالية من المتلقي بعد أن حقنته بجرعة مكثفة منها. مع ذلك فإن التصوير في الفيلم جيد، والشخصيات المتحدثة لديها إيقاعها الخاص وزمنها النفسي المكون لكل مشهد أو لقطة على حدة.

على رغم ما ســبق أيضاً لا يزال الفيلم - البـــالغ طـــوله 86 دقــيقة - يحمل في داخله مشروع فيلم عن الأقصر على درجة كبيرة من الأهمية قد تصل مدته إلى 45 دقيقة، بعد أن يتم اختزال الشــخصيات الأربع إلى اثنتين فقط لإنجاز فيــلم أخر لن يكـــتفي بإلقاء حجر في المياه الراكدة المتعفنة، ولكنه حتماً سيفتح أبواباً عدة على قضايا وملفات فساد شائكة يتورط فيها كُثر.

الحياة اللندنية في

18.07.2014

 
 

أسئلة الوجود الشائكة تطبع جوائز مهرجان كارلوفي فاري

كارلوفي فاري (تشيخيا) - فيكي حبيب 

لم يكد مهرجان كارلوفي فاري يُسدل الستارة على دورته الأخيرة، حتى بدأت الاستعدادات للدورة المقبلة، لما لها من دلالات رمزية. فهي تحمل الرقم 50، أي أننا أمام العيد الذهبي لمهرجان نجح في مقاومة عواصف سياسية شتى، أرادت تغيير مساره في فترة من تاريخ تشيخيا حين كانت هذه الجمهورية مقترنة بجارتها سلوفاكيا. لكنّ حبّ السينما والإيمان بها، شكّلا صدّاً منيعاً في وجه أنظمة انهارت... وبقي المهرجان.

من هنا، لا مجال للمراوغة، ولا مكان للراحة. كل الجهود منصبّة على الدورة الجديدة ليليق العيد بهذه المنصة السينمائية الطموح التي عرفت كيف تُحافظ على تصنيفها ضمن المهرجانات السينمائية الكبيرة (الفئة أ)... كما عرفت كيف تميّز نفسها عن البقية بانحيازها إلى أفلام من أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى من دون أن تغيب عنها الأفلام الغربية الكبيرة... والأهم عرفت كيف تستقطب جمهوراً فتياً بأعداد كبيرة، جعلتنا في تلك المدينة التشيخية الساحرة أمام مهرجان يبدو في شرخ شبابه على رغم اقترابه من عامه الخمسين.

ولا شك في أن الأعداد الغفيرة من المتفرجين الشبان والتي تتزايد سنة بعد أخرى، دليل على أن مبرمجي كارلوفي فاري يعرفون جمهورهم جيداً، ويشتمّون ما الذي يريده من هذا المهرجان. «جمهورنا لا يهتم إن كان الفيلم يُعرض للمرة الأولى عالمياً أم لا»، يقول المدير التنفيذي للمهرجان كارول أوش في حوار لمجلة «فارايتي». «هو فقط يريد أن يشاهد عملاً جيداً. ولهذا نحاول أن نختار ما نراه مناسباً ونضعه في سلّة واحدة في المكان والوقت المناسبين».

ولهذا، قد يرصد المشاهد هوة كبيرة لناحية الجودة الفنية بين أفلام خارج المسابقة، آتية من مهرجاني «كان» أو «برلين» من جهة، وبين أفلام المسابقة من جهة أخرى، كما يقول الزميل قيس قاسم: «... وكما يقال «حتى القمر فيه مثلبة»، ظلت ثمة عقدة فنية عصية لم يتمكن المهرجان من تجاوزها في مسابقته الرسمية طيلة تلك السنوات، تمثلت، في إدراجه أفلاماً من تشيخيا وبقية شرق أوروبا من الصعب القول إنها تتمتع بمستوى أفلامه المنتقاة من مهرجانات أوروبية كبيرة مثل «كان» و «برلين» و «فينيسيا»، ما يبرز فروقاً كبيرة بين المستويين. ووفق هذه الحقيقة يصبح منتَج الضفة الشرقية السنوي صاحب الكلمة الفصل، فهو الذي يحدد قوة المسابقة أو ضعفها ولا حيلة لمنظمي الدورات في تجاوز هذه العقدة، كما ظهر هذا بوضوح في المسابقة الرسمية لهذا العام، والتي اتسمت بالتواضع».

أمام هذا الواقع، بدت مهمة المخرج الإسباني لويس مينارو ورفاقه في لجنة التحكيم سهلة، بما أن الاختيار انحصر في نهاية المطاف، بين فيلمين أو ثلاثة من أصل دزينة من الأعمال التي شاركت في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، واتسم معظمها بعدم قدرة على الإقناع لضعف ما في البنية وغياب للأبعاد السينمائية.

من هنا، لم يكن مفاجئاً فوز الفيلم الجورجي «جزيرة الذرة» للمخرج جورج أوفاشفيلي بالجائزة الكبرى (كرة الكريستال و25 ألف دولار) أو نيل الفيلم المجري «سقوط حر» جائزتي لجنة التحكيم الخاصة (15 ألف دولار) وأفضل مخرج (جيورجي بالفي)... فكلا العملين أتى لافتاً للأنظار ما إن عُرضا على جمهور كارلوفي فاري في النصف الثاني تقريباً من المهرجان، بحيث بدا كأنهما أنقذا مسابقة بدت ضحلة في البدايات. لهذا، راحت كل الترجيحات تتجه صوبهما، لتتقاطع مع مزاج لجنة التحكيم التي كافأتهما ليلة الختام السبت الماضي مانحة إياهما جوائزها.

واللافت أن في هذا الخيار انحيازاً إلى السينما التي تشتغل على الذهنيات، فتهزّ مسلمات عند المتلقي وتزعزع يقيناً، خصوصاً أن كلا الفيلمين دراما بسيكولوجية تنهل من أسئلة الوجود لتميط اللثام عن دواخل شخصيات تتلاطم على صخرة العبثية.

أسئلة الحياة والموت

في «جزيرة الذرة» - الذي تناولناه بشيء من الاختصار الأسبوع الفائت - ثمة أسئلة تغوص في معنى الحياة والموت من دون أن تنبس شخصياته ببنت شفة. وحدها الصورة تتكلم. تنقل الانــفعالات والهــمسات. تلتقط الذبذبات. ترسم لوحات بين اليابسة والمياه. ترصد جمال الطبيعة. تتصدى لغضبها. تتابع جهود عجوز وحفيدته للبقاء على قيد الحياة. ولا تتوقف أمام الفشل الحتمي.

إنها العبثية المطلقة تلك التي يصوّرها هذا الفيلم بأفضل تجلياتها من خلال قصة لا تغيب عنها السياسة، وإن بدت هذه محصورة في خلفية الأحداث من خلال الدنو من الصراع على إقليم أبخازيا واستقلاله عن جورجيا بالاستناد إلى قصة إنسانية لعجوز وحفيدته يكافحان لزراعة الذرة على جزيرة، تشكلت بفعل الفيضانات، وجعلت الطبيعة منها حداً فاصلاً بين الإقليم والجمهورية.

«لم تكن المهمة سهلة على الإطلاق»، يقول مخرج «جزيرة الذرة». «لقد قضينا سبعين يوماً من التصوير خلال فصلي الربيع والخريف، وكمنت الصعوبة التقنية في أننا بنينا الجزيرة بأنفسنا ثم دمرناها بأنفسنا»... لكنّ مدينة الينابيع الساخنة عرفت كيف تخفي تلك المشقة بمكافأة الفيلم بجائزتها الكبرى.

سخرية ومرارة

عبثية أكثر وضوحاً يقترحها المخرج المجري جيورجي بالفي في فيلم «سقوط حر» الذي يستهل أحداثه بمــحاولة انتحار عجوز سمينة من على بناية مرتفــعة قبل أن تستـيقظ وتلملم حاجياتها وكأن شيئاً لم يكن. ولا يلبث أن ينتــهي الفيلم بالمشهد ذاته بعد أن يأخذنا في رحلة مرّة بين الطبقات ليصوّر قصص قاطنيها، وكأن المرأة الساقطة من أعلى تنظر إليها في رحلة عبورها لتــعرّي شخصيات، لا رابط بينها إلا العبثية والغرائبية إلى حدّ مقزز أحياناً.

نظرة ساخرة سوداء إلى المجتمع يقدمها المخرج المجري في هذا الشريط الذي تكاد تنتمي كل قصة منه إلى نوع سينمائي، يذكرنا بأعمال لسينمائيين آخرين. أما المضمون فلا يكاد يبتعد عن تيمة واحدة تدور حول مخاوف الإنسان وهواجسه في المجتمعات الحديثة.

وانطلاقاً من تميّز هذين الفيلمين وحضور عدد لا بأس به من أفلام أخرى، لا شك في أن مهرجان كارلوفي فاري بات نافذة للسينمائيين الآتين من أوروبا الشرقية والوسطى إلى العالم. من هنا، ما عبّر عنه مخرج «سقوط حرّ» حين قال: «إنه لشرف عظيم أن تكون في كارلوفي فاري وفي منافسة مثل هذه، وأن تحصل على جائزتين. فهذا باب فتحه لنا المهرجان لدخول عالم السينما وخصوصاً السينما الأوروبية».

جوائز أخرى وُزعت في المهرجان أيضاً، منها جائزة أفضل ممثلة لإيل فانينغ عن دورها في الفيلم الأميركي «هبوط بطيء» من إخراج جف بريس الذي يصوّر تداعيات الإدمان الخطيرة على مسيرة عازف بيانو شهير. في المقابل نال الأرجنتيني ناهويل بيريز جائزة أفضل ممثل عن دوره في «أنا لَكَ» (للبلجيكي ديفيد لامبيرت) الذي يدور حول شاب يفعل المستحيل في رحلة بحثه عن حياة أفضل خارج وطنه.

وفي «مسابقة شرق الغرب» التي تكافئ الأعمال الأولى والثانية لمخرجين من أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى ودول الاتحاد السوفياتي السابق، فاز المخرج الروسي إفان تفيدوفسكي عن فيلم «Corrections class»، فيما نال إيفان إيكي تنويهاً خاصاً عن فيلمه «البرابرة». أما جـــائزة كــرة الكريســتال لأفضل فيلم وثائقي فذهبت إلى تيودورا أنا ميهاي عن الفيلم البلجيكي «في انتظار شهر آب».

الحياة اللندنية في

18.07.2014

 
 

إينغريد شرام:

السينما ليست عرض أزياء ومفاتن

باريس – نبيل مسعد 

انها من ألمع عارضات الأزياء في العالم، وهي بطلة الفيلم الإعلاني الذي أخرجه مارتن سكورسيزي عن عطر شانيل الرجالي «بلو دو شانيل»، إلى جوار الممثل الفرنسي غاسبار أوليال بطل فيلم «سان لوران» من إخراج برتران بونيللو، المقدم في مهرجان «كان» 2014 والذي يؤدي شخصية عملاق الموضة الراحل إيف سان لوران. لكن بوصلة شرام ذهبت في اتجاه آخر، وها هي تتقاسم بطولة الفيلم البوليسي الأميركي «إلكتريك سلايد»، من اخراج تريستان باترسون، مع كل من النجوم: كلويه سافيني وباتريشيا أركيت وكريستوفر لامبرت وجيم ستورجيس، محققة بهذه الطريقة بداية سينمائية مميزة.

وشرام (25 سنة) كندية من أصل أفريقي، بما أن والدتها من جنوب أفريقيا ووالدها من زيمبابوي، الأمر الذي لا يمنعها من أن تكون شقراء بعينين زرقاوين وبشرة بيضاء.

في باريس حيث عرض فيلم «إلكتريك سلايد» في إطار مهرجان الشانزلزيه السينمائي الثالث، التقتها «الحياة» وحاورتها.

·        أنت كندية مولودة في أفريقيا؟

- لا أنا كندية مولودة في كندا وفي مدينة كيلوونا بالتحديد، لكنني أتمتع بجذور أفريقية بما أن والديّ ينتميان أصلاً إلى هذه القارة.

·        تحققين بداية سينمائية مثيرة للاهتمام من خلال فيلم «إلكتريك سلايد»، خصوصاً أنك تتقاسمين بطولته مع نخبة من أهم نجوم هوليوود، وها أنت ضيفة مهرجان الشانزلزيه الباريسي لهذا السبب نفسه، فكيف تعيشين الحدث؟

- إنني سعيدة في طبيعة الحال بوجودي هنا في باريس من أجل تقديم هذا الفيلم إلى جمهور مهرجان الشانزلزيه، الذي طبقاً لما سمعته، يتخذ أهمية متزايدة في كل دورة له منذ تأسيسه عام 2012. وألاحظ فعلاً مدى تدفق المتفرجين على صالات العرض، الأمر الذي يدل على رواج الحدث. أما في شكل عام وبخصوص فيلم «إلكتريك سلايد»، فلا شك في أنه يشكل بالنسبة إلي مرحلة أساسية في حياتي الفنية إثر مشاركتي في مسلسلات تلفزيونية أميركية وكندية وفي أفلام فيديو «كليب» مصاحبة لأغنيات فنانين مشهورين. انني أؤدي في الفيلم دوراً جيداً إلى جوار باتريشيا أركيت وكريستفر لامبرت وسائر أبطاله، الأمر الذي شكل تحدياً كبيراً بما أنني اضطررت إلى التفوق على نفسي فنياً وسيكولوجياً حتى أواجه زملائي أمام الكاميرا وأكون بمستواهم. وأعتقد أن النتيجة النهائية جاءت مجزية، على الأقل وفق ما قيل لي وما كتبه النقاد في الصحف الأميركية عند ظهور الفيلم في الصالات هناك في نيسان (أبريل) الفائت.

·        هل ساعدتك تجربتك في الفيلم الدعائي الخاص بعطر شانيل بإدارة مارتن سكورسيزي في الحصول على الدور الذي تؤدينه في فيلم «إلكتريك سلايد»؟

- ليس في شكل خاص أو مباشر اطلاقاً، لكن الذي حدث هو أن هذه التجربة دفعت بي إلى الالتحاق بمعهد متخصص من أجل تعلم الدراما في نيويورك أولاً ثم مرة ثانية في لندن. وإثر ذلك، عثرت على وكيل أعمال فني وبدأت العروض تأتيني للمشاركة في مسلسلات تلفزيونية وأفلام فيديو «كليب» استعراضية، ثم الفيلم السينمائي «إلكتريك سلايد». أما الظهور في فيلم دعائي، وإن كان لحساب علامة مرموقة مثل شانيل وتحت إدارة مخرج سينمائي من طراز مارتن سكورسيزي، فهو لا يفيد فنياً على الإطلاق، ذلك أن أهل المهنة السينمائية يعتبرون أن سكورسيزي قد اختار عارضة أزياء في فيلمه الدعائي وليس ممثلة، كما أن سكورسيزي نفسه لم يفكر في منحي فرصة العمل في أي فيلم روائي من إخراجه في ما بعد، لأنه بدوره اعتبرني عارضة أزياء، لا أكثر ولا أقل. أما الآن، إذا شاهدني في فيلم «إلكتريك سلايد» فقد يغيّر رأيه.

محاولات فاشلة

·        ما رأيك في التجارب السينمائية التي تخوضها عارضات الأزياء عموماً؟

- يكفيني النظر إلى المحاولات الفاشلة التي قامت بها كل من كلوديا شيفر وسيندي كروفورد ونعومي كامبل في هذا الميدان حتى أدرك أن النجاح كعارضة مرموقة لا يفتح تلقائياً أمام صاحبته أبواب هوليوود. والسينما إذا اهتمت بعارضة ما، لا تعرض عليها سوى الأدوار المبنية على مظهرها. وفي الواقع لا علاقة لهذا الأمر بالفن. لذا اتجهت شخصياً الى التمثيل مبتدئة من الصفر، أي من مرحلة تعلم المهنة في المعاهد المتخصصة.

·        أنتِ تعلمت الدراما إذاً في كل من نيويورك ولندن، فهل تقيمين في الولايات المتحدة أم في أوروبا؟

- كنت أسكن في كندا مع عائلتي حتى وقت قريب جداً، وكنت أسافر أينما تطلّب مني عملي أن أكون. لكنني اشتريت أخيراً بيتاً في لوس أنجليس، إذ إن عروض العمل في هوليوود بدأت تزداد بالنسبة إلي، والأفضل، في طبيعة الحال أن أقيم في المكان نفسه لتصوير الأفلام التي أشارك فيها.

·        ظهرتِ قبل بضع سنوات في لقطتين فقط من الفيلم الناجح عالمياً «الشيطان يرتدي برادا» إلى جانب الممثلة ميريل ستريب، وهذه بداية سينمائية لا بأس بها، فكيف تنظرين الى هذه التجربة؟

- لقد حصلت على الدور لأنني أحسنت أداء الاختبار التمثيلي أمام الكاميرا، وهذا كل ما في الأمر، لكنني أظل مدينة لميريل ستريب التي علمتني الكثير جداً بخصوص كيفية التصرف أمام الكاميرا وأيضاً مع الغير، خصوصاً أفراد الفريق التقني الذين نادراً ما يعيرون الممثلة الناشئة أهمية بالغة. وستريب تعامل مدير التصوير وحامل الكاميرا والمسؤول عن إحضار المشروبات بالطريقة نفسها، وأقصد باحترام بالغ، وهي تعتمد القناعة في كل تصرفاتها. لقد اتخذتها كمثال وراقبت كل ما كانت تفعله ورحت أتصرف مثلها وبالتالي ربحت احترام الجميع، لذلك أقول إنني تعلمت منها.

·        تظهرين دورياً في أشهر عروض الأزياء الراقية، فما هو سرك الشخصي للحفاظ على نضارتك التي هي من أهم مقومات مهنتك؟

- لست أدري إذا كنت فعلاً أتمتع بنضارة معينة، مثلما تذكر أنت، لكنني أحافظ على ما ورثته من الطبيعة بطريقة سهلة تتلخص في النوم ثماني ساعات في كل ليلة والتقليل من السهرات خارج المنزل وعيش حياة هادئة إلى حد ما. هذا كل ما في الأمر.

·        وما هي أهدافك في الحياة غير التمثيل وعرض الأزياء؟

- عرض الأزياء لم يعد من أهدافي المستقبلية الآن، وربما سأعتزله كلياً أو على الأقل جزئياً في الشهور المقبلة، وطموحي الأول هو الإنجاب لأنني أعتبر السعادة الشخصية أهم بمراحل من النجاح المهني ومن كسب الملايين والتوصل إلى درجة عالية من الشهرة. وعندما أقول الإنجاب، أقصد في طبيعة الحال الزواج بالرجل الذي سأحبه ويحبني ثم الإنجاب وتكوين عائلة كبيرة قدر المستطاع، فأنا مولعة بالأطفال وبصحبتهم. وعلى الصعيد المهني البحت، أعتبر التمثيل السينمائي وأيضاً المسرحي بمثابة هدف سأسعى إلى تحقيقه على النحو الأفضل.

الحياة اللندنية في

18.07.2014

 
 

المخيم الفلسطيني على فوهة بركان خامد

بيروت – فجر يعقوب 

من خصائص الفيلم التسجيلي أن المخرج لا يشركك بأفكاره بشكل مسبق. ثمة واقع يفرض نفسه على هذه الأفكار ويدعو لإعادة تقطيعها وتركيبها من باب تخليصها من المكونات العادية التي تمنع نموها «لولبياً» إن جاز التعبير حتى تقدم صورة واقعية لواقع لا يستنفذ هذه المكونات. تبدو هذه الأمور صعبة ومعقدة حين تدعو للكتابة إن كان المرء مطلع على شخصيات الفيلم والحاضن المكاني الذي يجمع كل العناصر التي تُصنع منها مكونات يفترض أنها تتجاوز هنا كل ما هو عادي، حتى لا تستغرقها الرتابة في الإيقاع، وتنحصر في أنساق قد لا تتجاوز التتابع الصوري الذي يقدمه الفيلم حين ينتهي المخرج من إعداد آخر لقطة له فيه.

في فيلم «شباب اليرموك» (2014) للمخرج الفرنسي أكسل سلفاتوري – سينز، ثمة ما يعيق تطوير هذه الفكرة، باعتبار أن الكتابة عنها قد تعني ورطة ما. فالفيلم صوّر على مراحل زمنية متقطعة، قبل المآل التراجيدي الذي وصل إليه المخيم الفلسطيني القريب من دمشق، والأكبر من بين التجمعات الفلسطينية في المنافي والشتات، بعد خضوعه لتجاذبات الأطراف المتصارعة في سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، وسقوطه بأيدي مسلحي المعارضة السورية باعتباره «ممراً» للجهاد في الطريق إلى إسقاط النظام السوري. ربما – بحسب ما شاهدنا – لم يكن ســـلفاتوري على دراية بما ستؤول إليه الأمور، وهذا أمر مؤكد، فما نعرفه شخصياً، أنه تربطه صداقات بشخصيات فيلمه، وهم من شباب وصبايا المخيم الذين عملوا في وقت ســابق في تجمع ثقافي فلـــسطيني يحمل اسم «جفرا»، وكانت لديهم أحلامهم الفنية والثـــقافية والإنـــسانية قبل أن «تضيق» بهم الأرض في بقعة جغرافية متحصلة، تقول عنها تسنيم، إحدى الشخصيات في الفيلم، إنها منفى قبيح، ونحن لا نعمل شيئاً سوى أن نجــمّله، وكأننا سنقضي العمر كله نعيش ونهرم فيه.

اختصار الحكاية

تكاد هذه الصبية الموهوبة في الوقوف أمام الكاميرا، رفقة زميلها الموهوب الآخر سامر سلامة في حوار متعمد لهما على سطح بيت يطل على آلاف الصحون اللاقطة، والعلّيات التي يطير منها الحمام، أن يختصرا حكاية مخيم اليرموك. هكذا من دون مقدمات أو مسوغات يدور الحوار عن ذلك «الآخر» الذي يقف إلى يمين الصورة، الشكّاك بنوايا هذين الشابين اللذين تتربص بهما كاميرا «المخرج الأجنبي» على السطح. أي أن ليس ثمة شيء يدور في الخفاء هذه المرة، وكأنه ينوي التحرر من سقطات ألزمته بالسكوت طويلاً. المخيم الذي يبدو في الفيلم بقعة جغرافية خامدة على فوهة بركان، هي كل ما يمكن الشعور به وتسقّطه من هذا الحوار الرشيق الذي ميّز ظهورهما – سينمائياً –، وبخاصة أن الإطلالة من الأعلى على شخص يقوم بتهديم جدار بمطرقة، تنقل هذا الشعور الثقيل الذي يخيم على أجواء الفيلم، بأن ثمة شباباً وشابات في مقتبل العمر يبحثون بشكل جماعي عن وسائل للتخلص من حياة التهميش والإقصاء التي يعيشونها هنا في «ملاحق» من الإسمنت البشع «المتزمت» تتجاور في ما بينها لتسهم في تعميق هذا الشعور بضآلة كل واحد فيهم، حين ينزع إلى خلاص فردي متمثل بالسفر. المخيم لم يعد هو ذلك المخيم الذي جمع صخب الفصائل الفلسطينية مطلع سبعينات القرن الماضي، ضربته جملة من التحولات الاجتماعية العاصفة بعد اجتياح عام 1982 للبنان، وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. ليس بوسع مخرج «أجنبي» إدراك عمق هذه التحولات بالتأكيد، وتبيان حجم التغيرات الهائلة التي أصابت هذا المخيم مع دخول «المال الريعي» إليه، وتحويله إلى مقاطع تجارية بحتة، بحيث أن أهل المخيم من الفلسطينيين تحولوا فيه إلى أقلية، وبدأت تنفرط فيه صيغة المخيم المعهود، مع هبّة عقارية قبيحة شوهت الكثير من معالمه. فمعظم هذه «القلاع» الإسمنتية نشأت على أنقاض بساتين الزيتون التي كانت تحيط به، وهذه قد تتطلب منه على أية حال دراسات وأبحاث ليس بوارد القيام بها، ولكن كان ممكناً التأكيد على هذه الفكرة. فمعظم «شباب اليرموك» أبناء لكوادر في التنظيمات الفلسطينية، وقد ظهر بعضهم في الفيلم أصلاً، وهذه معلومات شخصية، بحكم المعرفة بكل الشخصيات التي ظهرت أمام عدسة العين المدربة واللاقطة لأكسل سلفاتوري، وما قدمه في الفيلم يتعدى هذا الشعور المحبط الثقيل بماهية ذلك الشجن الكامن في أعماق كل واحد من هذه الشخصيات مع إدراك عاطفي لكل المكونات التي نشأت من خلالها وتربت عليها، وقد استقر المقام بها اليوم في أمكنة مختلفة، وهذا ما يمكن القول عنه بمشاركة المخرج أفكاره من بعيد طالما أن ثمة أفكاراً مسبقة تتكون مع ظهور كل واحد من هذه الشخصيات، وذلك بحكم المعرفة والاطلاع على مصائرها من دون أن يخبرنا الفيلم بذلك إطلاقاً، وباستثناء علاء السعدي الذي عرف الاستـــقرار في تشيلي القريبة من الزلازل «التي لا تشبه الزلزال الذي سيضرب مخيم اليرموك في وقت لاحق»، فإننا لن نعرف المصائر الأخرى، ولا يجوز هنا بالطبع إسقاط معلومات عن مآلات لم نكن على بينة فيها في الفيلم.

ملامسة إنسانية

فيلم «شباب اليرموك» لا يقارب المأساة الحاضرة لهذا المخيم. لا يدعي ذلك إطلاقاً. قدّم ملامسة إنسانية لمصائر شابات وشباب في أعمار متقاربة يبحثون من خلال مضائق الحياة عن متنفس لإكمال العيش، بعيداً عن «هوس» الفصائل الفلسطينية بماض ثقيل من التراكيب الإنشائية التي لم يعد لها وجود في هذه «الهبة» البصرية لقلاع من الإسمنت والمتلصصين والوشاة الذين يخافون من الكاميرات، وكأنها تثقل على ماض لا ينوي التبدل، لأن أصحابه لا يجاهرون بذلك، أو أنهم متعطلون بانتظار النزول في المحطة التالية: حين يكون المخيم قد أصبح ركاماً بفعل التطاحن الذي يدور على أرضه، وغادره من غادر، وفارق الحياة فيه من فارقها حزيناً وغير آسف عليها – ربما – كما هو حال الممثل حسان حسان، والجندي الإجباري في صفوف جيش التحرير الفلسطيني، الذي كان بعكس كل زملائه يحلم فقط بعمل مسرحي كل عام في هذا المخيم، ولا ينوي مغادرته حتى لو بقي عمله أسير هذه الحيطان الإسمنتية القبيحة. هذا لم يكن هجاء في عُرفه. فقد قضى حــسان (أبو الـــسكن)، وكأنه بذلك ينهي العمل المسرحي الوحيد الذي كان سينجزه لو بقي حــياً في المخيم الذي لن يعود موجوداً على الخريطة في الأفلام الأخرى. وقد يحسب من الآن فصــاعداً لســلفاتوري أن هناك شــريطاً صوّر قبل هذا «الزوال والامّحاء» لمخيم عاش تقلبات اقتصادية واجتماعية وسياسية على بقعة جغرافية «مشلولة»، كأنه وحده وبمكوناته المعهودة دولة عربية حديثة فاشلة، لا تستحق النعي أو الرثاء!

الحياة اللندنية في

18.07.2014

 
 

«وجدة» في عرض قاهريّ ... الحل في براءة الأطفال

القاهرة - عزة سلطان 

متأخرًا ظهر فيلم «وجدة» على شاشات عرض القاهرة. وهو ظهر فى شكل محدود، في دار عرض «زاوية» في وسط المدينة. و «وجدة» هو الفيلم الذي أنتج العام 2012 ونال ثلاثة جوائز من مهرجانات عالمية، هي جائزة سينما فناير وجائزة الاتحاد الدولي لفن السينما وجائزة انترفيلم، كما أنه في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي أمن لمخرجته السعودية هيفاء المنصور جائزة المهر الذهبي لأفضل فيلم روائي عربي قبل ان يصل للترشح لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم بلغة أجنبية العام 2013، ومن المعروف ان عروض الفيلم جابت العالم قبل ان يظهر أخيرًا فى القاهرة.

المرأة على المحك

قبل «وجدة» السعودي، ذاع صيت السينما الإيرانية وحصدت الجوائز عن الأفلام التي تقدمها للعالم. ورغم كل المحاذير الموجودة في وجه صناعة السينما فى إيران، فإن صُناع هذه السينما استطاعوا تمرير أحلامهم وطموحاتهم الفنية عبر حكايات يتنازع بطولاتها الأطفال هاربين من غالبية المحاذير. وهكذا كلما زادت الرقابة ابتكر الفنان طرقًا متنوعة للتعبير عن فنه ورؤيته. ومن المؤكد ان هيفاء المنصور، استفادت من دروس التجربة الإيرانية حين تقدمت بسيناريو فيلم «وجدة» لمهرجان دبي، وفازت بجائزة الشاشة لعام 2009 عن نص السيناريو، ثم عكفت لسنوات على الانتهاء منه، لتجد بعد ذلك شركات إنتاج أجنبية متحمسة للإنتاج وليكون فيلمها الروائي الطويل هذا بذلك فيلم سعودي روائي طويل وإنتاج مشترك.

في «وجدة» تقدم هيفاء المنصور قراءة واعية، وشفافة من دون إزعاج أو تقعر فى الحبكة الدرامية، وهي تلامس حال المرأة السعودية، وما قد تتعرض له من عادات اجتماعية قد تؤثر في وجودها، ومشاركتها المجتمعية، فتتميّز المعالجة برهافة مدهشة وبما يتناسب مع قصة عن الطفلة وجدة.

تبدو قصة الفيلم بسيطة للغاية وتتلخص فى تلك الفتاة التي تحلم بشراء دراجة، وتسعى إلى هذا الحلم، فتدّخر من مصروفها، وتصنع بعض الأغراض لبيعها لزميلاتها فى المدرسة، لتشارك بعد ذلك في مسابقة للقرآن الكريم جائزتها 800 ريال، أي ما يقارب ثمن الدراجة. وتذهب لشراء المصحف الإلكتروني بما تدخره، وتتعلم وتحفظ. ونلاحظ هنا كيف أن المنصور عمدت إلى توضيح أن هذا الجيل الجديد يملك أدواته لتحقيق أحلامه، وقادر عليها. فوجدة لكي تدخر المال الذي تحتاجه، كانت تصنع أغراضاً وتبيعها للزميلات، ثم عندما قررت الاشتراك في المسابقة، تشتري المصحف الإلكتروني الذي بواسطته تكتسب خبراتها فى التعلم، ولعل هنا إشارة أخرى إلى أن الجيل المقبل بوعيه بحلمه، ورغبته الأكيدة، إضافة إلى التكنولوجيات، يمكنه تحقيق أحلامه، وبالفعل تصل وجدة في المسابقة القرآنية إلى النهائيات وتفوز بالجائزة، لكن المجتمع برقابته وعاداته والذي تمثله (حصة) مديرة المدرسة يقرر معاندة الفتاة إذ تعلن المديرة التبرع بجائزة وجدة للفلسطينيين.

والحال إن هذا كله يجعل الفيلم حالة إنسانية مميزة للغاية. فوجدة ليست بمعزل عن المجتمع، حيث والدتها تتعرض لضغوط لها علاقة برغبة والدة الزوج فى تزويجه من أخرى لإنجاب صبي، وتحاول طيلة الأحداث أن تجعله يتخلي عن هذه الرغبة عبر أدوات المرأة التقليدية (التزين والرقة).

الأطفال هم الحل

وعلى جانب آخر، تعاني والدة وجدة من مشاكل مع سائقها الباكستاني، بينما تعرض عليها زميلتها ليلى أن تعمل فى مستشفى، لكن والدة وجدة ترفض لأن العمل يتطلب كشف الوجه. ورغم ان الوالدة ترتدي أحدث الموديلات فى المنزل، وتصفف شعرها بأناقة داخله، إلا انها تنصاع للمجتمع الذي يفرض أن تغطي المرأة وجهها، وهو نفس الأمر الذي تحدثت فيه الأستاذة حصة مع وجدة طالبة منها ان تغطي وجهها.

وفى ظل حكاية الطفلة، لا بأس من أن نذكر إن صديقها المقرب عبد الله، الطفل الجار الذي يقاربها فى العمر، يتفق معها في أحلامها، يعلمها كيف تقود الدراجة، ويذهب معها إلى سائق والدتها، ليتعامل معه بقسوة حتى يتراجع في معاملته مع والدة وجدة.

إذا فالحلول هنا تحدث عبر الأطفال الذين يمثلون الأمل والمستقبل في أي مجتمع. وفي مشهد ناعم جدًا وفارق فى البناء الدرامي، تتصاعد الأحداث فيتزوج الأب من أخرى، وتقف والدة وجدة على السطح تدخن وتبكي، وتصعد لها وجدة وهي تبكي أيضًا حيث مديرة المدرسة أجبرتها على التخلي عن الجائزة والتبرع بها.

كل من المرأتين تبكيان لضياع حلمها، لاحظ هنا ان حلم جيل الوسط من النساء هو الاحتفاظ بالزوج، بينما حلم الصغيرة، هو الحصول على دراجة هوائية، الحلم الأول فيه تبعية واحتفاء بالآخر واعتماد عليه، والحلم الثاني فيه استقلالية، ورغبة فى الانطلاق.

على أية حال، تنحاز الأم الى حلم ابنتها، وتشتري لها الدراجة، ليأتي المشهد التالي ووجدة تقود الدراجة فى شوارع الرياض، وسط نظرات إعجاب المارة حيث يسابقها عبد الله، لكنها تفوز، وتقف فى مفترق طرق والهواء يرسم ابتسامة على وجهها، ويطيّر أجزاء من شعرها في رمزية مهمة ودالة على تحرر جيل مقبل من ثقل العادات والتقاليد. ولقد جاءت الصورة فى الفيلم هادئة خالية من أي رمزية، أو دلالات باستثناء مشاهد النهاية، التي استوجبت الرمزية لتأكيد قيم مكتسبة عبر هذا الجيل الذي يحمل الأمل.

لقد تألقت هيفاء المنصور فى «وجدة» على كل المستويات بدءاً من الكتابة التي عولجت بعمق وبساطة، وصولاً إلى الموسيقى الهادئة والملائمة، وكذلك المونتاج الذي أتى ناعمًا دون إزعاج أو قطع واضح.

والحقيقة أن عرض فيلم «وجدة» في القاهرة على تواضعه النسبي ونجاحه المعنوي الأكيد، خطوة مهمة في تاريخ السينما السعودية، وتاريخ مشاركة المرأة فى صناعة السينما، هذا النجاح الذي سيغير شكل صناعة السينما في المجتمع السعودي في الفترة المقبلة، كما أن نجاح المنصور سيدفع نساء أخريات لخوض التجربة، مشبعات بأمل الوصول إلى ما حققته المنصور.

وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن الفيلم تم تصويره بالكامل داخل المملكة العربية السعودية، وهذا أيضًا يفتح أفاقاً جديدة فى صناعة السينما، ولصنّاع السينما.

الحياة اللندنية في

18.07.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)