كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الجزائري أحمد راشدي يتحدث عن مسيرته السينمائية

حوار - ناجح حسن

 

المخرج الجزائري احمد راشدي الذي يعرض فيلمه الجمعة ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي بعنوان (مصطفى بن بلعيد).

هو واحد من رواد السينما العربية القلائل الذين اخذوا على عاتقهم الانتقال بالسينما العربية من محليتها الى أرجاء المعمورة، حيث عرفته مهرجانات السينما العربية والعالمية بأفلامه العديدة اللافتة وقطف عنها جوائز رفيعة، كما تناولتها أقلام النقاد بالثناء والإعجاب والجدل حينا.

بدأ راشدي (مواليد العام 1938 ) العمل بالسينما مع المخرج الفرنسي رينيه فوتييه الذي كان يعمل لصالح جبهة التحرير الجزائرية.

بعد الاستقلال عمل مع زملائه في تأسيس المركز السمعي البصري وعين مديرا للديوان القومي للتجارة والصناعة السينمائية العام 1967 ومن خلاله قدم التمويل لأفلام عربية مصرية ولبنانية–من بينها فيلم (العصفور) ليوسف شاهين - حين عجز صناعها عن إنجازها لولا دعم المركز الذي مثل نموذجا يحتذى في الإنتاج السينمائي العربي المشترك.

حقق راشدي مجموعة من الأفلام القصيرة: (الاستفتاء) العام 1962 ، (مسيرة شعب) ، (أيام الآحاد) ، (لجنة التيسير) ، (نية سنة الصفر) وجميعها العام 1963 ، (الدرس ) 1967، (مشاكل الشباب) 1965، (أيادي العصافير) 1966، (هذه كوبا) 1968 ، (الموضحين للتجسير) 1969.

وفي حقل الأفلام الطويلة أنجز: (فجر المعذبين) 1965 ونال عنه جائزة مهرجان كارلو فيفاري العام 1965، (الأفيون والعصا) 1969، (لتحيا الجزائر) 1972، (التورط) ، (نشيد الوداع)، (أرض السراب)، (كانت الحرب) و(حليم في باريس) 1975، (مصطفى بولعيد) 2008.

عد فيلم (فجر المعذبين) من أهم أوائل الأفلام التسجيلية العربية الطويلة وأكثرها تماسكا وتميزا على صعيد لغته الفكرية الفائقة في القبض على الوثيقة التاريخية المأخوذة من الأرشيف الدولي الأوروبي تحديدا وتحويلها إلى أداة قوية في الإدانة وهي تفضح بجبروت الصورة الوجود الاستعماري في بلدان العالم الثالث.

وأكد الفيلم قدرة الطاقات الإنسانية البسيطة في قارات أفريقيا واسيا وأميركا اللاتينية على التحرر من أغلال المستعمر وكان لها ذلك.

في فيلمه البديع (الأفيون والعصا) تناول موضوع البطولة الجماعية لأهالي قرية جزائرية في ومقاومتهم الاحتلال الفرنسي إبان حرب التحرير في ثلاث حكايات متباينة: الأولى بين الأهالي أنفسهم ، والثانية بين الأهالي والمستعمر الفرنسي ، والثالثة بين الأهالي ورجالات جبهة التحرير الجزائرية وهو الصراع الذي انتهى بحصول الجزائر على الاستقلال.

كنت التقيت المخرج راشدي على هامش فعاليات مهرجان الفيلم العربي الدولي بوهران وكان هذا الحوار الذي تنقل بين البدايات وسنوات الرصاص وفضاءات الاحتفاء والتكريم التي تحيط به من كل جانب باعتباره واحدا من رواد العمل السينمائي وابرز قاماته سواء في السينما العربية أو سينما بلدان العالم الثالث عموما.

ضمن الاحتفاء بإبداعاتك السينمائية وعرض مقاطع منها في مهرجان وهران وجدتك تعمل بحماس وشغف على مشروعك الجديد الضخم – كما لاحظت – من المشاهد الأولية.. هل لك أن تعطينا نبذة عن الفيلم؟

كما تعلم إن شخصية مصطفى بن بولعيد هي لواحد من شهداء حرب التحرير الجزائرية ورغبت أن أعيدها إلى النور في مسعى لتبيان دورها الحاسم والمفصلي في تاريخ الثورة الجزائرية دون إغفال مكانتها الاجتماعية وحراكها في تفاصيل الواقع الذي كانت تعيشه الجزائر في تلك الحقبة.

وماذا عن تمويل الفيلم والشركة التي تعمل على إنتاجه خاصة وحسب ما شاهدت فالعمل يبدو من النوع الإنتاجي المبهر والمكلف ؟

- اجل الفيلم من النوع التاريخي الروائي الطويل.. وتطلب تصويره ميزانية عالية استطعت تدبيرها عبر العثور على تمويل من شركات وخاصة ان احتفالية الجزائر عاصمة للثقافة رفدت الميزانية من خلال دعم إضافي وأيضا تمكن الفيلم من الحصول على مجاميع وملابس وإكسسوارات ومعدات وأدوات ومباني تلائم تلك الحقبة وهو ما وفرته وزارة الدفاع على نحو سد الكثير من عقبات التمويل.

واضح إن السينما الجزائرية تسير اليوم في طريق مغاير لبداياتها حيث توجهات المركز السينمائي الجزائري الداعم الوحيد والثابت لها آنذاك والآن هي ممولة شبه كامل من الخارج كيف تنظر إلى هذا التحول في النتاج الجزائري المشترك مع فرنسا تحديدا ؟

دعني منذ البداية أن أوضح إنني لست بالمطلق ضد تحقيق أفلام جزائرية بالتعاون مع جهات أوروبية فأنت تعرف حجم الوجود لأشخاص وسينمائيين جزائريين هناك هؤلاء أرى من حقهم أن يتجهوا للبلدان التي حملوا وما زالوا جنسياتها بان تمنحهم حق الإنتاج.. لكن أقف في حيرة غالبا أمام تلك الأفلام متسائلا عما تقدمه.. لا شك ان هناك الكثير من الأفلام تبشر بمواهب قادمة والبعض منها وقف عاجزا أمام الاشتباك مع قضايا ومصائر الإنسان في الجزائر وبالتالي غابت عنها المخيلة السينمائية وظلت أسيرة لمواقف تنحاز إلى راس المال الذي يضع شرطه الخاص وأحيانا تتباين مع وجهة نظر صانع ومتلقي الفيلم.

وماذا عن اللهجة التي تنطق فيها تلك الأفلام.. أليس من حلول أخرى لهذه الإشكالية بان يجري تجاوز هذه المسألة في حل يرضي أطراف المعادلة ليتمكن المتلقي العربي في بلدان المشرق من متابعتها بشكل سلس وسهل؟.

ثمة رؤى عديدة تحكم على نتاج السينما المغاربية عموما ليس في الجزائر فقط بصعوبة متابعتها نظرا للهجة الناطقة بها فهي إما تهيمن عليها اللغة الفرنسية أو تكاد تكون شديدة الإغراق في اللهجة المحلية.. وكما تعلم وإن شرائح عديدة من مجتمعات هذه المنطقة تعمل على تصوير واقعها اليومي في أفلام ناطقة باللغة الامازيغية وكان لا بد عن «الترجمة» سواء باللغة الفصحى أو الدارجة في بلدان المشرق ونترك هذه المسألة إلى التراكم الذي سيعتاد عليها المشرق العربي كما اعتدنا نحن على التواصل مع الفيلم المصري والإنتاج الدرامي الأردني والسوري واللبناني الذي ويصلنا اغلبه من خلال شاشة التلفزيون.

كيف بدأ اهتمامك بالسينما.. أرى ان الظروف التي كانت تحيط ببيئتك قادتك بسهولة إلى فضاءات الفن السابع ؟

الأمر كان مصادفة وكأنه بمثابة أمر تنفيذ لمهمة عندما كنت أخوض حرب التحرير جرى انتقائي مع زملاء آخرين من اجل الالتحاق بدورة موضوعها فن التصوير السينمائي في مسعى لتوظيف الكاميرا السينمائية في عمليات التحرير والبناء من ناحية ولوضع الرأي العام العالمي أمام ممارسات الاحتلال الفرنسي وفظائعه في الجزائر من ناحية أخرى.

وشيئا فشيئا وجدت نفسي أقدم الكثير من الأعمال التعبوية والتحريضية بمشاركة آخرين في وحدة سينمائية فضحنا من خلالها حجم الزيف والخداع للرأي العالمي.

وعقب الاستقلال قررت مواصلة دراسة السينما على نحو تفصيلي في معهد متخصص في فرنسا ثم اتبعت ذلك بفصول دراسية في ايطاليا ثم في الولايات المتحدة الأمريكية فقد جذبني هذا النوع من العمل مبكرا وذلك بان اعمل كمخرج سينمائي وتحقق لي ذلك بعد معاناة طويلة من الإصرار والعناد.

بعد مشوار طويل وخصب في العمل السينمائي.. إلا إن هناك بعضاً من النقاد يرى ان راشدي مخرج كان يؤمل منه ابعد من ذلك وأيضا الكثير من العطاء نظرا لريادتك من ناحية ولاضطلاعك بمناصب رسمية في مركز السينما بالجزائر من ناحية أخرى.. كيف تنظر إلى هذا الاتهام الموجه إليك اليوم ؟

كنت دائما حبيسا لهواية المتابعة والشغف بالصورة في كل تحولاتها وتجلياتها والتي تجسدت أمام عيني مبكرا بذلك السحر الآتي من الشاشة البيضاء بحيث دفعني إلى التوجه صوب دراستها لسنوات وان ادخل مضمار العمل في السينما التي تمنح شخص مثلي التواصل والاستمرارية مع قضايا الناس في أي مكان رغم مخزونها الذي لا ينضب من الماسي والصد والإهمال والتردد والعقبات.

في اجتماعهم الأخير بوهران اسند مدراء المهرجانات السينمائية العربية لك مهمة النهوض بجهاز يتأسس على تدفق المعلومات سمي بالبنك كيف تنظر الى وظيفة هذا الجهاز وما هي خطتك في إيجاده على ارض الواقع؟

الغرض من استحداث البنك يتوقف على التنسيق المبكر بين المهرجانات والمناسبات السينمائية العربية بغية إيجاد تنافس حميد بينهم بعيدا عن الاستئثار بالأفلام العربية القليلة أصلا والمنجزة حديثا ليصار توزيعها بعدالة على الجميع ووفق مشاركة ايجابية تتطلع التنظيم والتنسيق وتيسير سبل عرض تلك الأفلام في المهرجانات العربية بسلاسة بحيث تستفيد منه ذائقة المتلقي وتتفهمه بلغته الأصلية المصاحبة لترجمة بلغة المتلقي لا لبس فيها وبعيدا عن التعصب والرؤية الأحادية.

ومن الطبيعي أن يجري عرض أسس وقواعد وأفكار البنك على كثير من أصدقائنا في أرجاء الوطن العربي بانتظار ردودهم واقتراحاتهم ووجهات نظرهم والذي سيكون مفتوحا للاشتراك أمام جميع السينمائيين العرب نقادا وكتابا ومخرجين وتقنيين.

في السنوات الأخيرة تابعت عن كثب الاحتفاء بإبداعك السينمائي في أكثر من مهرجان عربي بدءا من مهرجان البحرين للسينما المستقلة ومرورا في بينالي السينما العربية بباريس ووصولا إلى مهرجانات قرطاج ودبي والقاهرة ودمشق.. كيف ترى الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المهرجانات على صعيد ترسيخ السينما العربية وتعزيز نتاجها أو بالنسبة إلى الثقافة السينمائية عموما؟

أبدو متفائلا بهذا الجانب.. فلا شك ان ازدياد المهرجانات والملتقيات السينمائية لأي مجتمع يصب في اتجاه انتعاش سائر نواحي الحياة فيه ويؤكد تنامي الفعل الإبداعي وتحفيزه لمجتمعات البلدان التي تنظم هذه المهرجانات وهي في الوقت ذاته تعمل على خلق قواعد جديدة لأنظمة توزيع الأفلام في أسواقها السينمائية بعد أن ظلت حكرا على أفلام تجارية أو ترفيهية ولا تنسى أيضا ذلك الحصاد الوفير من اللقاءات التي ينتج عنها اتفاقيات وتعاون مشترك.

وماذا عن تنامي دور الفضائيات في المجتمعات العربية.. هل سيفعل ذلك من الحراك السينمائي حسب ما تفيض به قنوات التلفزة في أوروبا من نتاج سينمائي متنوع اقصد التسجيلي والدرامي؟

أرى الجواب في متن سؤالك وهو ما يكشف عنه الإقبال الواسع على صالات السينما الذي سيقود حتما إلى صوغ وظيفة القنوات الفضائية ويجعل منها مؤسسات للإنتاج السينمائي بغية تغطية العجز في المواد الفيلمية التي تضخها بشكل متواصل طوال اليوم ففي فرنسا التي كانت تنتج نحو 50 فيلماً في السنة أصبحت الآن تنتج ما يزيد على اضعاف هذا الرقم في السنة وقس عليها في بلدان العالم ستكون أمام حراك سمعي بصري ثري على صعيد الشكل او المضمون ويكسر الحلقة الثابتة التي لا تتبدل من حصاد الأعمال السينمائية السائدة.

قدمت منذ ثلاثة عقود فيلما تسجيليا نادرا عن الراحل عبد الحليم حافظ وهو العمل الذي يبث بين حين وآخر على قنوات المنوعات العربية.. الا ترى انك بهذا العمل كنت تغرد خارج السرب الذي تعارف فيه النقاد على أفلامك ؟

ذات يوم شئت أن اعمل بنصيحة احد قامات السينما العالمية ولا شك انك تعلم الشيء الكثير عنه هو المخرج الاميركي التركي/ الارمني الأصل إيليا كازان عندما أهداني بطلب مني ثلاث نصائح لأستطيع أن أوظفها بعملي السينمائي ولخصها بأهمية التحلي بالصبر وإجادة انتظار المنتج والموزع والنجاح وأيضا القدرة على تكثيف جمل السيناريو في نقاط رئيسية محدودة والأخيرة التي شكلت دائما هاجسا لدي بان انسحب فورا من العمل لدى الشعور بان الوقت قد أزف.. هذه النصيحة التي كانت تشترى بجمل في تاريخنا القديم قبضت عليها لأنها آتية من إنسان كنت شغوفا بأفلامه بحيث جعلتني أتريث دائما بالعمل وان لا استكين بل اندفع في تدقيق خياراتي عندما تأتي الفرصة وكيف اقتنصها وهو ما اشتغلت عليه في مشروع لفيلم روائي طويل من تمثيل عبد الحليم حافظ مستمدة أحداثه عن رواية « لا « لمصطفى أمين.. وقطعت في ذلك شوطا لا باس به في التحضير والاستعداد لعمليات تصويره حيث كانت تجمعني بالراحل حليم صداقة شخصية متينة ثمرتها كان هذا المشروع الذي انتهى بالفيلم التسجيلي (حليم باريس) نتيجة لظروف مرضه.. وفيه رصدت جوانب من حفلاته في باريس حيث أقيم وسجلت بالكاميرا السينمائية محطات وحالات من الاندفاع والشعور الإنساني تجاه هذا المبدع الكبير الذي كنت آمل أن أقدمه بفيلم روائي طويل.

الرأي الأردنية في

16.07.2014

 
 

«كيف تروض تنّينك 2» - وثبة في فن الرسوم المتحركة

عمان - محمود الزواوي 

يقدّم فيلم «كيف تروض تنّينك 2» (How to Train Your Dragon) (2014) (التنّين طير أسطوري ورد ذكره في كثير من الحضارات) مثالا آخر لأفلام الرسوم المتحركة الروائية الطويلة الضخمة الإنتاج التي تحقق نجاحا فنيا وجماهيريا كبيرا حول العالم، والتي شهدت انبعاثا جديدا في إنتاج هوليوود السينمائي منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي بعد غيبة لهذا اللون السينمائي عن إنتاج هوليوود استمرت نحو نصف قرن. وهذا الفيلم هو الجزء الثاني في سلسلة أفلام «كيف تروض تنينك» (2010)، وسيتبع بفيلم «كيف تروض تنّينك 3» في العام 2016. وهذه الأفلام الثلاثة من إخراج المخرج الكندي دين ديبلوي الذي كتب سيناريو هذه الأفلام استنادا إلى سلسلة كتب «كيف تروض تنّينك» لكاتبة قصص الأطفال البريطانية كريسيدا كوويل.

ويجمع فيلم «كيف تروض تنينك 2» بين أفلام الرسوم المتحركة والمغامرات والفنتازيا والأفلام الكوميدية والعائلية. وتبدأ أحداث قصة الفيلم بعد مضي خمس سنوات على نهاية أحداث الفيلم الأول «كيف تروض تنينك»، وبذلك تكون شخصيات القصة الرئيسة قد بلغت سني المراهقة. وتعيد أحداث القصة عالما خياليا يكون فيه بطل القصة هيكاب (صوت الممثل جي باروكيل) والتنين توثليس (صوت الممثل راندي ثوم) قد نجحا في توحيد الفايكنز والتنانين في جزيرة بيرك. ويواصل هذا الثنائي الانطلاق محلقا في السماء لاستكشاف مناطق جديدة غير معروفة في العالم، ويكتشف هذا الثنائي في إحدى مغامراتهما كهف الجليد السري الذي يؤوي المئات من التنانين البرية، ويجد هذان الصديقان نفسيهما في خضم معركة لحماية السلام، ويدركان أن اتحادهما كفيل بتغيير مستقبل البشر والتنانين على حد سواء. وخلال ذلك يلتقيان براكبة التنين فالكا (صوت الممثلة كيت بلانشيت) التي يتبين أنها والدة هيكاب الضائعة، والتي أمضت عشرين عاما في إنقاذ التنانين من مصايد الزعيم المخبول العدواني دراجو (صوت الممثل دجيمو هونسو). وبعد سلسلة من المعارك ضد جيش دراجو ينتصر فريق هيكاب وتوثليس، وينصّب الأول زعيما للجزيرة ويعترف جميع التنانين بزعامة الثاني، وتتم إعادة بناء جزيرة بيرك.

وكان فيلم «كيف تروي تنينك 2» أول فيلم ينتجه استوديو دريمويركس للرسوم المتحركة بهوليوود باستخدام نظام برمجيات إلكترونية جديد ومتقدم وصف بأنه يمثل الثورة المقبلة في صناعة الأفلام. وانعكس استخدام هذا النظام في فيلم «كيف تروض تنينك 2» في التصوير والجوانب الفنية والمشاهد المبهرة، بما في ذلك دقة ملامح وجوه وتعابير شخصيات الرسوم المتحركة والابتسامات وغيرها من التفاصيل.

ونجح مخرج وكاتب سيناريو فيلم «كيف تروض تنينك 2» في تقديم الفيلم بمستوى متقدم من الخيال والإبداع وتطوير الشخصيات والتعامل مع خطوط قصة الفيلم المتعددة والمتداخلة وبراعة الحوار وسرعة الإيقاع والزخم العاطفي والمواقف المرحة. ويقدم الفيلم قصة ذات مغزى للمشاهدين الكبار، بقدر ما هي ممتعة وتشتمل على دروس وعبر للمشاهدين الصغار. وتشتمل قصة الفيلم على رسائل تتعلق بأهمية العلاقات الأسرية والصداقة ومرحلة نضوج الصغار وأهمية السلام بعيدا عن ويلات الحرب وحماية البيئة.

عرض فيلم «كيف تروض تنّينك 2» في أربعة مهرجانات سينمائية هي مهرجانات كان وسيدني ولوس أنجيليس ومهرجان سياتل السينمائي الدولي الذي فاز فيه بجائزة أفضل فيلم في المرتبة الثالثة. واحتل هذا الفيلم في أسبوعه الافتتاحي المركز الثاني في قائمة الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات على شباك التذاكر في دور السينما الأميركية وصعد إلى المركز الأول في هذه القائمة في أسبوعه الثاني، وبلغت إيراداته العالمية الإجمالية 315 مليون دولار، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 145 مليون دولار.

الرأي الأردنية في

16.07.2014

 
 

يتناول كواليس كرة القدم الأميركية

«يوم الاختيار».. دراما رياضية مثيرة

دبي ـ غسان خروب 

بعد أن توفي والده اللاعب الاسطوري في دوري كرة القدم الأميركية، يجد سوني ويفر نفسه مديراً لفريق كليفلاند برونز، لتجبره عملية اختيار لاعبين جدد لضمهم إلى فريقه، في مهمة لا تخلو من الصعوبات والتحديات، وبعض التنازلات والمقامرة المشروعة، وفي خضم مهمته «الروتينية» يعلم سوني أن صديقته وزميلته في العمل حاملاً منه، ما يزيد من الضغوط التي يمارسها مالك الفريق «هارفي موليينا» على «سوني» لاصطياد أفضل اللاعبين لفريقه، لتبدو الـ 12 ساعة المقبلة هي الأصعب في حياة «سوني» الذي يحاول قدر الإمكان قيادتها بصبر وحنكة ليصل إلى بر الأمان، واضعاً مستقبله رهاناً لهذا التحدي.

ذلك يكاد أن يكون ملخصاً عاماً لأحداث فيلم «يوم الاختبار» (Draft Day) الذي نطل فيه على عالم الرياضة الأميركية، ونتابع فيه دراما رياضية ملأى بالإثارة، تطلعنا على الكيفية التي تتم فيها عمليات التجارة أو «البزنس» في الاتحاد الوطني لكرة القدم الأميركية، والتي لا تخلو أبداً من المخاطرة، لنقف أمام فيلم تفيض مشاهده بالإثارة تارة وبالغموض تارة أخرى.

رهن مباراة

ورغم أن فيلم «يوم الاختبار» يصنف ضمن دائرة أفلام الرياضة الدرامية، إلا أنه يكاد يكون مختلفاً عن مجموعة الأفلام التي سبق لهوليوود أن قدمتها في هذا الإطار، فطوال مشاهدة الفيلم لن يكون المشاهد مضطراً لوضع أعصابه رهناً لمباراة بين فريقين متنافسين على الفوز بالدوري، بقدر ما يكون الرهان على اختيار لاعبين يمكنهم قيادة الفرق نحو الفوز. في المقابل، نجد أن مخرج الفيلم الكندي إيفان ريتمان قد وضع رهانه على الممثل كيفن كوستنر (سوني ريفر) الذي نشعر بأنه الحامل الأساسي للفيلم رغم وجود نجوم آخرين معه أبرزهم جنيفر غاردنر التي تلعب دور «آلي»، وشادويك بوسمان، وكريس بريمان.

وفرانك لانجيلا وتشي ماكبرايد، ففي هذا الفيلم لا يخرج كوستنر عن طريقته المعهودة بالتمثيل، ولا حتى عن طريقته في اختيار أدواره التي يسعى من خلالها لأن يفتن المشاهد بتمثيله غير المألوف، ولا غرابة في ذلك، فهو من أولئك الذين يعشقون الأفلام والتمثيل والإخراج أيضاً، ونجاحه في أداء دوره في «يوم الاختبار» مرده خبرته العميقة في الأفلام الرياضية، فضلاً عن خبرته في أداء أدوار مختلفة أثرت مسيرته كممثل.

فلا يمكن أن ننسى دوره في فيلم «3 أيام للقتل» الذي يجسد فيه شخصية «إيثان رينر» المتعاقد مع وكالة الاستخبارات المركزية، لكنه يعلم أنه يُحتضر بسبب السرطان، وتقوم العميلة الجديدة (آمبر هيرد) برشوته عبر تقديم مصل قد يطيل حياته شرط أن ينفذ سلسلة أخيرة من العمليات في باريس، حيث تقيم زوجته البعيدة (كوني نيلسن) وابنته المراهقة التي بالكاد يعرفها (هايلي ستاينفيلد).

كوستنر، في «يوم الاختبار» لم يكتف فقط بجذب انتباه النقاد الذين منحوا فيلمه 7 درجات على موقع (IMDB)، و62% على موقع (روتن) الذي نشر له 126 مقالاً نقدياً، وإنما تمكن من جذب الجمهور أيضاً، الذي سحب من جيبه نحو 29 مليون دولار في أميركا وحدها، بحسب ما تشير إليه إحصائيات شباك التذاكر الأميركي.

نجاح إيفان ريتمان

يحتفظ المخرج الكندي من أصول تشيكية، ايفان ريتمان الذي تابعناه العام الماضي في سيرة «هيتشكوك»، بمسيرة سينمائية جيدة، ويحتفظ في جعبته بقائمة طويلة من الأفلام الناجحة منها «الفيل»، و«التوأم» و«شرطي روضة الأطفال» و«6 أيام و7 ليال» التي شارك فيها نخبة من نجوم الصف الأول، وتمكنت بعض أفلامه من المنافسة على شباك التذاكر الأميركي، والتي بلغ مجموع إيراداتها اكثر من مليار دولار.

البيان الإماراتية في

16.07.2014

 
 

«كل شيء هادئ على الجبهة الغربية».. فيلمان عن الحرب

عبدالستار ناجي 

فيلم «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» عبارة عن نسختين الأولى صدرت عام 1930 من توقيع لويس ميلستون «بالأبيض والأسود» والثاني فيلم تلفزيوني صدر عام 1979 من اخراج «البرت مانت» وكلاهما مقتبس عن رواية بنفس الاسم للروائي اريك ماريا ريمارك، يتناول خلالها موضوع الحروب الذي يلحق بالجانبين خلال ايام الحروب والمعارك والاضرار النفسية جراء تلك المعارك الطاحنة التي يذهب بها الآلاف من الأبرياء، الذين جاءوا الى ارض المعركة، وهم مشبعون بالاحلام بالعودة لتكملة حياتهم واحلامهم، فاذا بهم أمام حرب طاحنة، تدمر كل شيء حتى الحلم.

ولا مجال للمقارنة بين الأصل والصورة، اذا ما اعتبرنا النسخة الاصلية هي الأصل، حيث فيلم الأسود والابيض، وايضا الفيلم التلفزيوني فنحن هنا في هذا العرض التحليلي امام فكرة وموضوع وقيم، ولكن من الانصاف ايضا الاشادة بروح الابتكار في الفيلم الاول، وشيء من الابتعاد والتصرف عن روح الرواية في الفيلم التلفزيوني، مما شكل علامات الاستفهام، بالذات، فيما يخص الشخصية الرئيسة «بول بومر» التي تبدو مضطربة وبائسة في وقت هي في الجزء الأول قادمة على الحياة، حتى رغم عذابات المواقف التي تحيط بها.

أحداث النص الروائي، تجرى في مجملها في احدى المعارك بين الجيش الالماني والجيش الفرنسي، ولكن قبلها في النص الروائي، نحن امام مجموعة من الاصدقاء في احدى المدارس الثانوية، تلقوا العلوم وايضا الجوانب النفسية على يد معلمهم «دونالد بلينس» يعمل خلالها على ترسيخ قيم المجد والتفوق الالماني، بعدها تبدأ رحلة الشبان الالمان، على متن قطار متجه الى الخطوط الامامية، وفي ذات اللحظة التي يصل بها القطار الى احدى الليرات الالمانية، نشاهد قطارا قادما من الجبهة، مزدحما بالقتلى والمصابين والجرحى حيث حليهم محمول على نقالة، وكأن الرواية والفيلم يبشران بما هو قادم من احداث، بل ان هذا المشهد يمثل اختصارا حقيقيا من ويلات سنشاهدها في هذا الفيلم الذي يتحدث عن الخراب والدمار النفسي والجسدي، والخسائر القادمة مع الحروب.

تصل المجموعة الشابة، مع العريف الشاب «ايان هولم» حيث يتم وضعهم تحت قيادة ستانيلاوس (كات) - ارنست بورغنين، الذي يعلمهم كيفية اتخاذ افضل الاوضاع للتغطية وكيفية العثور على طعام اضافي، والاهم من كل ذلك، مهارات البقاء على قيد الحياة.

بعدها تشتعل الحرب، والمواجهات بين الجيشين الفرنسي والالماني، حيث نشاهد كما من المعارك، بين هجوم فرنسي ضارب، ودفاعات المانية، ثم هجوم الماني ودمعات فرنسية، ودائما هناك سقوط المزيد من الضحايا الابرياء، وبالتالي موت الكثير من الاحلام.

حرب ضروس على مدى مئات من الامتار، حيث الرصاص ينهمر كما المطر، والالاف من الجثث والمواجهات التي تصل الى السلاح الابيض، ويصاب لويس صديق فرانس، ويموت قريبا من مستشفى الجيش المزدحمة بالمصابين والجرحى، حيث تشاهد الراهبات يقمن بعملية التمريض.
يعود بول من جديد الى الخنادق مع اصدقائه والقوات وعلى ملامحه ذهول موت صديقه.

وفي احدى المواجهات يسقط جندي فرنسي في الخندق الذي يختبئ به بول، ليقوم بطعنه في المعدة، ولكنه لا يموت، حيث يقضي بول مع الجندي الفرنسي ليلة كاملة، يحاول خلالها تضميد جرح الجندي الفرنسي والتحاور معه، الا انه يقضي نحبه ويموت عندها يشعر بول بالذنب، لانه اغتال انسانا بريئا، فجر مثله على الحرب، ليس له اي علاقة بالحرب، يحمل الكثير من الاحلام بداخله، شأنه شأن بول وغيره من الجنود. عندها يقرر الخروج من المخبأ، او الخندق الذي كان يتمرس به، محملا بالحزن، وايضا الذنب، والرغبة في مواجهة الواقع الذي يحيط به.

وبعد كم من المعارك، يعود بول مع مجموعته الى احدى المدن الفرنسية لمدى اسبوع للراحة، يرون الافواج الجديدة للمجندين تستعد لدخول المعركة، وفي المقابل يبدأ الجنود شن هجومهم، لتتواصل المعارك وكأن تلك الحرب لا تتوقف، وتطحن كل من يصلها.

كما يزدحم الفيلم بكم من الحكايات، حول مغامرات الجنود الشباب والعلاقات الانسانية التي تربطهم.

في الفيلم كثير من الالم، وكثير من الجرحى، والمصابين وايضا القتلى.

وفي المشهد الاخير، نشاهد الناجي الوحيد «بول» الذي يروي لنا مشهديات الفيلم، وهو يكتب رسالة الى صديقه، يكشف خلاله عذابات الايام، وفجأة يتوقف طائر، ليعود ليحلق، ويرفع رأسه لمشاهدة اين ذهب الطائر، ليشاهد قناصا على الطرف الآخر، فيقدم باغتياله، لنشاهد عنوان الفيلم بان كل شيء هادئ على الجبهة الغربية، فأي هدوء هو، انه الموت الذي لا ينتهي ولا يتوقف.

ان كذبة «الهدوء» هي في حقيقة الامر، مجرد وهم،و فلا هدوء على الجبهة، فالموت يحصد الطرفين من الشباب الابرياء الذين أرسلت بهم القيادات العسكرية الى مطحنة الموت، الذي لا يرحم احدا. في الفيلم عدد بارز من النجوم، بينهم ريتشارد توماس بدور «بول» وارنست بورغائين بدور القائد «كات» ودونالد بليسانس «كونتورك» وايان هولمز «هيملتس» وكم آخر من الشخصيات. عند عرض الفيلم، فاز بجائزة الغولدن الغلوب في اطار الافلام التلفزيونية، كما فاز بجائزة ايمي كما اسلفنا الفيلم يعتمد على رواية الكاتب الالماني اريك ماريا ريمارك. ان الفيلم الذي عرض عام 1930 فقد كان من توقيع المخرج لويس ميلستون وبطولة لو إيرس ولويس ويلهام وجون واري، وجسد دور بول لوايرس فيها قام بدور «كات» لويس وبيهام والفيلم كما اشرنا صنع بالاسود والابيض، وبلغت ميزانيته 1.400 مليون وأربعمئة الف دولار، وبلغ توقيت النسخة الاولى 154 دقيقة،، تمت عملية مونتاجها لتصبح 138 دقيقة، ثم 128 عندما تم عرض الفيلم في التلفزيون.

ونعود الى بيت القصيد، فنحن امام الرواية وعملين سينمائيين كل منهما يعزف على ذات الوتر، حيث ينذر الحرب، وما تلحقه من دمار وخراب، على النفس البشرية، وعلى كل شيء على وجه الأرض، فحينما ينطلق الرصاص، يتم تغييب العقل، ويتم اغتيال الحلم، ومن المشهديات المؤثرة في الفيلم، مشهد التعريف بالشخصيات وحلم كل منهم، وهي احلام بسيطة، فبقيتهم يريد ان يصبح مزارعا والاخر الارتباط بصديقته، وثالث ورابع.. ولكن كل تلك الاحلام يتم سحقها مع الهجوم المتكرر، على الطرفين، سواء من جانب الجيش الفرنسي، او الالماني لان الحرب هي الدمار، وهي نهاية الحلم.

فيلم تنطلق اهميته من كم الكبير لمشهديات الحرب، وشعارات التي يشنها كل طرف على الاخر، في مساحة ضيقة، لا تتجاوز الامتار القليلة، والخاسر الاساسي هي الانسانية، والاسرة والمجتمع.

فيلم يتحدث عن الشباب الذين تتبخر أحلامهم على الجهات التي تشرع ابوابها صوب الموت الدائم.

وتؤكد، نحن هنا لسنا في اطار عقد مقارنات بين الفيلم الاصلي والفيلم التلفزيوني، لاننا امام فنون مختلفة ومواصفات انتاجية مختلفة، وعليه فان عملية القياس تبدو مختلفة ايضا، ولهذا نظل نتحدث عن قيم ومضامين وابعاد، والبعد الصريح هو الموقف ضد الحرب، وعنفها، وجدوتها، وطغيانها الذي يدمر كل شيء، بالذات تلك الدول التي يرمح ابناءها على الحروب، وتربط بين الحرب والتضحية، والحرب والانتماء والحرب والنصف، وعظمة الامة ومجدها، وهي مضامين لا تصل الحقيقة، لان الحرب دمار، ومن يفكر بها كمن يسوق الامة الى الدمار، هكذا يقول الفيلم وبكثير من الوضوح.

حتى حينما يأتي العنوان «كل شيء هادئ على الجهة الغربية» كأنه يأتي بصورة تحمل الكثير من التهكم، فأي هدوء هو والحصاد هو الموت الذي لا يتوقف، تظل هذه المسحة التهكمية حاضرة في جملة التفاصيل، في بحث انساني يعتمد التحليل، والنظر الى ما هو ابعد من الخندق.. والحرب.. لحد الوصول للحديث مع الآخر، بل والشعور بالذنب لاغتيال الآخر.. العدو.

فيلم «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» فيلم من طراز رفيع يمارس البوح والاعتراض، والتهكم على ما تلحقه الحرب من خراب.

النهار الكويتية في

16.07.2014

 
 

«صائد الغزلان».. الألم يصل حد الهذيان

عبدالستار ناجي 

شاهدت فيلم صائد الغزلان اربع مرات وخلال فترات زمنية متفاوتة، اولها عام 1978 يوم اطلاق الفيلم في صالات العرض عالميا، واعترف بانني يومها عشت الم الشخصيات وعذاباتها حتى انني كدت اختنق في مشهد الروليت الروسي الشهير وتكررت المشاهدات والاكتشافات والبحث المتأمل في هذه التجربة السينمائية المناهضة للحرب الفيتنامية، والتي تحمل توقيع المخرج مايكل شيمينو ذلك المبدع الذي لم يدرس السينما والذي يعترف بانه ارتكب كما من الاخطاء، التي كان عليه ان يصلحها في مرحلة المونتاج، وذلك خلال حديث مطول لطلبة معهد الفيلم في نيويورك.

فيلم صائد الغزلان هو في حقيقة الأمر صرخة ألم وصرخة تنديد ضد الحرب، تزامنت مع مجموعة من الافلام التي ذهبت الى ذلك النهج، ومنها فيلم العودة الى المنزل للمخرج هال اشبي (بطولة جين فوندا، وبروس ديرن).

فيلم يتمحور حول ثلاثة من عمال الصلب ينتقلون الى الخدمة العسكرية ابان الحرب الفيتنامية، حيث يعيشون عذابات تصل حد الهذيان.

فيلم لا يذهب الى الحرب كي يرينا بطولات الجندي الاميركي على طريقة افلام رامبو بل يأخذنا الى حيث الالم والفاجعة والدمار الجسدي والعقلي والنفسي.

ثلاثة من الشباب الاميركي يقوم بأدوارهم روبرت رونيرو وكريستوفر ولكن وجون بافاح، ومعهم في الفيلم جون كازال وميريل ستريب.

تجري الاحداث في بلدة صغيرة كليرتون خاصة بالطبقة العاملة، بالقرب من نهر موتونجاهيلا جنوب بيتسبرغ وسرعان ما تأخذنا الاحداث الى حيث اللامكان.

في احدى الغابات بالقرب من سايغون خلال حرب فيتنام.

النص الاصلي يعتمد سيناريو لم يتم انتاجه بعنوان الرجل الذي جاء ليلعب من توقيع لويس جارفنكل وكوين ك. وقد اشترى النص المنتج مايكل ديلي حيث قام مايكل شيمينو بالبناء على الفكرة نص وسيناريو جديد تماما، حيث وضع فكرة الروليت الروسي في كيان البناء الدرامي للفيلم.

وتحول الفيلم من مجرد فكرة صغيرة الى مشروع سينمائي تكلف انتاجه 15 مليون دولار، ليصبح واحدا من اهم الاعمال السينمائية التي تذهب الى رصد ويلات الحروب ونتائج التدخل في مصير الشعوب.

وليحصد الفيلم لاحقا خمس جوائز اوسكار من بينها افضل فيلم ومخرج وافضل ممثل مساعد كريستوفر ولكن كما احتل الفيلم المرتبة 53 بين اهم مئة فيلم في تاريخ السينما الاميركية حسب معهد الفيلم الاميركي.

منذ اللحظة الاولى يأخذ الفيلم صائد الغزلان ديرهانتر الى مدينة كليرتون اواخر عام 1967 حيث نتابع عمال الصلب مشيل ونيك واكسيل الذين يعملون على مساعدة صديقهم في حفل زفافه.

وتمضي المشاهد الاولى للتعريف بالشخصيات المحورية حيث لكل منه حياته وظروفها في تحليل شديد الدقة يغوص في اعماق كل شخصية.

ومن تلك المشهديات ننتقل الى رحلة صيد الغزلان التي ستعقب لاحقا الرحلة الاهم الى حيث الحرب واتون المجلجل.

وخلال رحلة صيد الغزلان نقترب اكثر من الشخصيات وتفاصيلها، وكأن الفيلم يشير لما هو قادم من لحظات ومواجهات صعبة.

ثم يأتي حفل الزفاف بكل تفاصيله الدقيقة حيث يجعلنا المخرج نتعرف ونعيش الشخصيات وكأنه يريد ان يورطنا نجيبها لنعيش لاحقا ألمها ووجعها وظروف الحرب التي ستذهب
الى بريطانيا التي لا تهدأ.. ولا ترحم.

وفي الحركة التالية، نجد انفسنا مع تلك الشخصيات وسط الحرب، حيث احتل الجنود الاميركان وطائراتهم المروحية قرية فيتنامية مزقتها الحرب وحولتها الى دمار.. بالذات بعد قنابل النابالم الحارقة.

ويبدأ سقوط القتلى.. من الجنود الاميركان، الذين يكتشفون بانهم ليسوا في مرحلة او جولة يستمتعون بها، بل هو في حرب لامجال امامهم الى البقاء احياء وباي ثمن كان.

ويتفرق الجميع، لان الحرب تفرق ولا تجمع، ونشاهد مجموعة من مشهديات الحرب، التي تجعل المشاهد يلتصق بكرسيه، يلهث وراء تلك الشخصيات التي مزقتها الحرب.

في الحركة التالية، نشاهد مابك روبرت دونيره وهو يعود الى الولايات المتحدة ويقوم بزيارة ليندا التي تخبره بانها فقدت صديقها الذي انقطعت اخباره، وهو يعلم ذلك، وعندها يقرر مايك العودة من جديد الى فيتنام من اجل البحث عن الصديق المفقود وتأخذه تلك الرحلة الى اجواء هي الاخطر في الفيلم حيث يتحول الانسان الى مجرد سلعة وبضاعة يزج بها الى عوالم المقامرة حيث يعثر على الصديق المفقود نيك والذي لم يعد يتذكر اي شيء، جراء الحرب وويلاتها، وتحول الى لاعب الروليت الروسي حيث يتم وضع رصاصة واحدة في المسدس وتتم المواجهة بين متنافسين في الحين ذاته تتم عملية الرهان عليهما وحتما تنتهي كل جولة بموت احد المتسابقين الذين ماتت احاسيسهم بالموت بمن فيهم نيك الذي لم يعد يحس بمواجهة الموت وخطورة ما يقوم به انها اثار الحرب حيث الدمار للنفس والذات الانسانية.

ويحاول مايك اقناع نيك الا انه يظل مغيبا حتى تاتي لحظة قرار مايك في دخول لعبة الروليت الروسي ومواجهة نيك في لعبة تعرف سلفاً بان احدهم سيموت.

ودعوني اصف لكم المشهد الاهم في الفيلم حيث يتقابل مايك ونيك في احدى الغرف المزدحمة بالمراهنين الذين يصرخون في المتبارين بينما يحاول مايك تذكير نيك برحلات الصيد وحكاياتهم وصديقته التي تنتظره وبلدتهم وشبابهم.

وفي لحظة شاردة من الزمن يبتسم نيك وكانه تذكر كل شيء ولكنه يقول لمابك طلقة واحدة وتنطلق الرصاصة فاذا به الموت الذي يغيب نيك في وقت يحاول مابك انقاذه ولكن لا فائدة وهذه نتيجة الحرب وحصاد الدمار والتدخل في حياة ومصائر الامم في واحد من اهم الاعمال السينمائية التي ستظل حاضرة، كلما حضرت الحرب واثارها ودمارها المرعب.

في الفيلم جيل من اهم نجوم السينما، في مباراة رفيعة المستوى في التمثيل، يتقدمهم روبرت دونيرو في شخصيته السارجنت مايك ولدور نيك الممثل كريستوفر أوسكار احسن ممثل مساعد وايضا جون سافاج وجون كازال غزال وميريل ستريب بدور ليندا صديقة نيك.

استغرقت عملية الكتابة الخاصة بالسيناريو قرابة العام الكامل، لدراسة وتحليل وجميع المشهديات، وتعمد اعتماد المشهديات الاولى للتعريف بالشخصيات، ثم الحرب ثم المواجهة والاثار النفسية للحروب وما تخلفه من دمار.

مشاهد الفيلم صورت بين تايلند بدلا من فيتنام واهوهايو وواشنطن وويست فرجينا.

كلفة الفيلم الاولى وصلت الى 13 مليون دولار، كما كلفت العمليات الخاصة بالمونتاج والتقنيات الفنية 600 الف دولار وتم اعداد ثلاث نسخ من الفيلم وفي كل مرة يضطر مايكل شيمنو الى القيام بعملية مونتاج جديد وصولا الى النسخة النهائية التي حصدت كثيراً من الاشادة من قبل ابرز نقاد السينما العالمية حول العالم لجرأة الفيلم وشفافيته العالية في التصدي لموضوع الحرب وويلاتها.

فيلم يشتغل على موضوع التحليل الحقيقي للشخصيات وتحويل تلك الشخصيات البسيطة، القادمة من عمال المصانع الى شخصيات تتورط في حرب ليس لها لا ناقة ولا جمال حرب تدمر حياتها، وتقتل الشباب، بل تحولهم الى شخصيات مدمرة فقدت الاحساس بكل شيء حتى الموت.
من هنا تأتي خطورة هذا الفيلم ليس في كمية الضحايا والموتى بل في التشوه والدمار الذي تتعرض له تلك الشخصيات، التي تصبح شخصيات تدمر الاخرين وتدمر نفسها دون ان تشعر بذلك فقد حولتها الحرب الى مجرد اجساد بلا احاسيس او فكر.

فيمل يذهب بعيدا في تجليات موضوع الحرب ويضاف الى عدد مهم من الافلام تعرضنا لها في هذه السلسلة التي تنشرها النهار الكويتية ومنها القيامة الان لفرانسيس فورد كابولا وبلاتون لادليفرستون ومولود في الرابع من يوليو لادليفرستون واضرار الحرب لبريان دي بالما وفورست غامب لروبرت زيمكس وغيرها.

لا نريد ان يظل فنحن امام فيلم حينما تغادره يظل بداخلك الى حيث تعلم تلك المشهديات في الذاكرة وحينما تذكر الحرب عندها، نتذكر انها صائد العزلان تحفه مايكل شيمينو الاشهر

النهار الكويتية في

17.07.2014

 
 

خارج المسابقة في كارلوفي فاري.. صناعة الوحوش

نديم جرجوره (كارلوفي فاري) 

خارج إطار المسابقة الرسمية الخاصّة بالدورة الـ 49 (4 ـ 12 تموز 2014) لـ«مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي»، تنوّعت الأفلام ومواضيعها. تنوّعت مناخاتها الدرامية وفضاءاتها الجمالية أيضاً. الخلاصة التي انتهى إليها متابعو المهرجان كامنةٌ في أن الدورة الأخيرة هذه كانت الأضعف منذ أعوام عديدة. يعاني المبرمجون مأزقاً سنوياً: محتاجون هم إلى أفلام تُعرض في المهرجان للمرّة الأولى، بينما تتمّ «محاصرتهم» من مهرجاني «كانّ» (أيار) و«فينيسيا» (آب ـ أيلول). هذان مهرجانان أكبر وأهمّ. لذا، يُفضّل سينمائيون كثيرون التوجّه بجديدهم إليهما. المسابقة الرسمية بأفلامها الـ 12 عاجزة عن تأمين حدّ معقول من جماليات سينمائية حديثة. برامج أخرى متضمّنة عناوين أفضل وأهمّ، كـ«اختطاف ميشال ولبيك» للفرنسي غييوم نيكلو (نظرة أخرى)، و«الشِلَّة» للأوكراني ميروسلاف سلابوشبيتسكي (حدثٌ خاص)، و«كود ايرات ديمونستراندوم» للروماني أندريه غروزنتشيكي (خيارات نقّاد «فارايتي»: أوروبا الآن).

لعبة اختفاء

هذه تنويعات مثيرة للاهتمام. «اختفاء» الكاتب الفرنسي ميشال ولبيك في العام 2011 أفضى إلى «اختراع» قصّة اختطاف. ليس اختفاءً، بل اختيار واعٍ للمنفى في إيرلندا والأندلس. ليس اختطافاً، بل محاولة للتحايل على الذات والمجتمع والبلد والتاريخ والحكايات. او ربما محاولة للّعب. الكاتب المريض والمُتعَب والمدخِّن الشره والمتعطّش «الدائم» للمرأة والقراءة والنبيذ والكتابة، يجد نفسه بين أيدي 3 شبان يمتلكون حدّاً كبيراً من المعرفة والأسئلة والرغبة في النقاش. لم يُخفوا وجوههم، بل كانوا منكشفين أمامه طوال الوقت. لم يضعوه في غرفة محكمة الإقفال، بل في مزرعة خاصّة بوالديّ أحد الـ«خاطفين». حوارات مشوّقة عن الحب والجنس واليهود والغجر وبولندا (أحد الوالدين بولندي الأصل) والديموقراطية، بالإضافة إلى سخرية مريرة وقاسية أتقن الكاتب ممارستها. هذا كلّه حدث في العام 2011 إذاً: بضعة أيام فقط كفيلةٌ بالتنبّه إلى اختفائه ـ «اختطافه». لم يظهر حينها لا في أمستردام ولا في لاهاي ولا في بروكسل، المدن التي كان يُفترض به التوجّه إليها لإطلاق كتاب جديد له. أيام قليلة مكشوفة أمام كاميرا غييوم نيكلو بمزيج توثيقي ـ روائي. مكشوفة أمام عدسة متحرّكة، وكادرات تحاول اختراق المبطّن، وكشف ما يحتويه من متعة اللعب العبثيّ.

فيلم «غريبٌ» ومُضحك وقاس. «عبثية» الكاتب وسخريته قاسيتان. لعبة الخاطف ـ المخطوف متقنة الصُنعة، كإتقان ولبيك لعبة مواجهة مصيره بذكاء حادّ. العلاقات الناشئة بينه وبين كل واحد من المُشاركين بعملية «الخطف» جزءٌ من التكوين الثقافي ـ الإنساني ـ المعرفيّ لرجل محصّن بسخريته اللاذعة، وبثقافته القابلة لأن تكون حصناً له أمام الآخرين. فيلم «غريبٌ» حقّاً. الضحك منبعه سلوك ولبيك في تعاطيه مع المسألة. الالتباس مستمرّ إلى ما بعد نهاية الفيلم، عندما يظهر ولبيك وهو يقود سيارة طرازها حديث، أهداه إياها الخاطفون او من هم وراءهم، بسرعة جنونية: رغبة في الفرار؟ شوقٌ إلى حرية معلّقة؟ محاولة لإثارة خوف أحد الخاطفين المرافقين له في رحلة العودة؟ الأدب حاضرٌ. الكتابة والقراءة أيضاً. الأسئلة كثيرة. السينما فاعلة في ممارسة جمالية الكاميرا في حوارها مع جماليات الكلمة.

«الشلّة» مغاير تماماً. مدرسة داخلية خاصّة بالصُمّ والبكم. هذا يعني أن الفيلم برمّته لا كلام فيه أبداً، بل لغة إشارات. لا موسيقى أيضاً، ولا شيء سوى أصوات معتادة خارج العالم الصامت للناس. فيلم قاس وعنيف. جنس ومخدرات ودعارة وتسلّط في عالم قد يبدو منغلقاً على نفسه لوهلة أولى. شباب في مقتبل العمر خاضعون لأهواء ومزاجات قاتلة. الوافد جديد «بريء»، لكن «معمودية» الانتساب إلى هذا العالم مُكلِفة. هناك وحش يُصنَع بهدوء. هناك سلوك مؤدّ إلى انهيارات. لا مكان لحبّ فعلي. «القوي يأكل الضعيف» قول فاعل في مجتمعات وأفراد. لكن الضعيف هنا منقلبٌ على القوي، ومتفوّق عليه في ابتكار جنون القتل والعنف.

قسوة العزلة

ليست سهلة مُشاهدة فيلم كهذا، لكنها ليست مستحيلة. لغة الإشارات غير مفهومة لدى كثيرين. لكن المُشاهِد مُطالبٌ بالتنبّه إلى ما هو خارج تلك اللغة في فيلم متماسك في قراءته أحوال أفراد داخل بيئاتهم الضيّقة والخانقة. الوحش متفلّت من عقاله لشدّة الضغوط والتهميش. الجنس حاجة إلى الفرار من ضغط، أو لجمع مال من أجل مغادرة نهائية. قد يكون ترجمة خفية لحب غير ناضج، أو لعشق مبتور ومعلّق أيضاً. قسوة الانهيار النابع من صدمة الحب ـ العشق ـ الجنس جزءٌ من مسار مُهدَّد، منذ البداية، بشتّى المآزق والصدمات.

للفيلم الروماني خصوصيته. العودة إلى زمن المنظومة الاشتراكية الحاكمة في دول أوروبا الشرقية السابقة محاولة جديدة لتفكيك البنى المتسلّطة، وإعادة نبش الحكايات الفردية. «لعبة عادلة» للتشيكية أندريا سيدلاكوفا (المسابقة الرسمية، «السفير» 12 تموز 2014) شبيهٌ به على مستوى العودة إلى الزمن نفسه. لكن الفرق شاسعٌ بينهما على مستوى الاشتغالات السينمائية. «كود ايرات ديمونستراندوم» أمتن لغةً بصريةً، وأكثر تشويقاً في مقاربته الصراع الدائر بين أفراد ونظام متكامل. «العبقرية» العلمية في مجال صناعة الكمبيوتر في ثمانينيات القرن الفائت تواجه آلة قمع وضغطا ومطاردة خفية. مقاربة الحالة القمعية أهدأ وأكثر ميلاً إلى البُعد الإنساني. العلم يُراد له أن يكون منزّهاً عن السياسة والأمن، لكن رجال الأمن مرتابون دائماً من كل حركة صغيرة قد تأخذ صاحبها إلى الغرب. الفيلم ذو حكايات متعدّدة تُروى في زمن واحد: المرأة المقيمة ووالدها وابنها في حياة شبه روتينية، وزوجها المقيم في فرنسا، وعلاقاتها بزملاء المهنة ورجل الأمن والصديق ـ الحبيب القديم ـ الجديد. لكل واحد من هؤلاء قصّته أيضاً. والقصص تتراكم في بناء درامي متين الحبكة، ومشغول بحرفية سينمائية تحوّل اللون الغامق إلى مرايا تكشف وتعرّي وتعكس وقائع وخفايا. قصص تحفر عميقاً في ذاكرة جماعية، كي تستلّ معالم ألم فرديّ، ورغبات محطّمة، وأحلام منبوذة ومدمَّرة.

السفير اللبنانية في

17.07.2014

 
 

"المرأة الخفيّة" .. العيش في الظلال

يُمنى طاهر 

يحكي فيلم "The Invisible Woman" (إنتاج: 2013-  المدّة: 111 دقيقة) حكاية "إلين تيرنان" عشيقة  "تشارلز ديكنز" التي لم يعرف أحد بعلاقتها السرية معه حتى موته. قام بعد تطليقه  زوجته عام 1860 بحرق كل رسائله قائلا : “لا أعتقد أن خصوصية هذه الرسائل سوف تُحترم بعد موتي". وهكذا ظلّ الأمر ملتبسا وغير مؤكد لسنوات طويلة.

يُمثّل الفلم تجربة الإخراج الأولى للممثل رالف فيننيز Ralph Fiennes حيث يقوم بدور البطولة أيضا. وللمرة الثانية تُشاركه الممثلة فيليستي جونز Felicity Jones. لكن هذه المرة تكون العشيقة التي تصغره بعشرين عاما بعدما جمعهما فيلم Cemetery Junction عام 2010 كأب وابنته.

فاز الفلم بجائزة أفضل تصميم ملابس بمهرجان  Satellite Awards 2013 

كما رُشّح لعدد من الجوائز من بينها" أوسكار" أفضل تصميم ملابس 2014 ورُشحت "فيليستي جونز" لجائزة أفضل ممثلة بمهرجان British Independent Film Awards 2013

**

يبدأ الفلم بمشهد افتتاحي لبحر يملأ الأفق، تتماهى الحدود بين الأرض والبحر والسماء. "إلين" تمشي بخطوات مسرعة، القدم الصغيرة تغوص في الرمال, صوت الموج العالي يبدأ في الانسحاب تدريجيا متزامنا مع اقتراب الكاميرا من ملامحها وتفاصيلها. تتعالى أنفاسها المتلاحقة. تصل متأخرة من جولة المشي المعتادة، يمكننا أن نرى بوضوح توترا عنيفا يختبيء تحت هذه الملامح الهادئة.

إلين تعيش حياتين. حياتها في الزمن الحالي، زوجة لرجل مُحبّ وأم، تقوم بتدريب الصغار على الأداء المسرحي لأعمال تشارلز ديكنز.

وحياتها الماضية التي تنتفض بعنف في لحظات قصيرة قبل أن تعود للاختباء مجددا

يسير الفلم في هذين الخطين الزمنيين بالتوازي. وقد أجاد المخرج توظيف الفلاش باك للتنقل بنعومة بين الأزمنة.

توظيف الصوت للتعبير عن العالم الداخلي للشخصيات مثير للاهتمام. نلاحظ بوضوح كيف تخفت الأصوات كلها فجأة حين تعود الذكرى حيّة مُغيبّة الحاضر الذي يُصبح هامشا للحكاية. يحلّ الصمت تُصاحبه أنفاس "إلين" البطيئة ونظرتها التي تُحدّق في المطلق الممتدّ أمامها نحو ما لا يُرى. بينما ننسحب إلى داخلها كي نرى مشاهد متقطعة لسرّها الذي عاشته سنوات طويلة.

يمكن أن نرى الكاميرا التي تتبع "إلين" من الخلف منذ بداية الفيلم. يُقارب المشهد بصريا ماضيها الذي يتبعها، ويعيش معها كجزء لا يتجزأ من وجودها القلِق. إنها تُبصر الظلال في كل مكان.

الكاميرا امتلكت حساسية تمكنّت بها من نقل التوتر والصراع بلا مبالغة أو انتقاص. الصمت، الأصوات، الظلال المنعكسة على نوافذ القطار، البيوت, الديكور الفيكتوري والأزياء..  كل هذه العناصر لعبت دورا جيدا في التعبير عن العالم الداخلي للشخصيات ورسم المحيط الخارجيّ لها. الفلم تمكّن من الرواية بصريا بشكل جميل وحزين متوافق تماما مع المزاج العام للحكاية نفسها.

**

العلاقة التي يدور حولها الفلم هي علاقة استثنائية وعاصفة. الأمر لم يكن سهلا, .لا الواقع الذي يلحّ ويمارس ضغطه باستمرار ما بين الشائعات التي بدأت في الظهور في المجتمع الفيكتوري الصارم ، ثم انفصال ديكنز عن زوجته، وموقف عائلته منه من ناحية. وبين الدراما الداخلية التي تنشأ من الصراع المستمر بينهما هما الاثنين.

في خيال بريء يعيش تجربته الأولى، يكون الحب حُلما جميلا لا يُنهيه شيء سوى الموت. أما هنا, فهو صراع مستمر، يتطلب منك النجاة في كل لحظة، من نفسك ومن صورة الآخر ووجوده في نفسك

لا تُذكر كلمة "الحب" مرة واحدة خلال الفلم. لكننا نرى هذا الصمت الذي يقول كل شيء. والذي يُعبّر عنه ديكنز بقوله إن وجودها جزء من وجوده, إنه يراها في الشوارع والكتب والحكايات, يراها في كل شيء بقدر استحالة أن تصير جزءا معترفا به من وجوده الواقعي.

**

يبدو السؤال الذي يطرحه الفلم منذ بدايته هو هل ستتغلب "إلين" على داخلها الممتليء بحياة كاملة لا يعرف عنها أحد شيئا كي تتمكن أخيرا من العيش بحضور كامل في واقعها أم لا؟!

 ماضيها الذي هو عبارة عن حياة قلقة هي ما صاغ تكوينها الداخلي كله. وجدت به نفسها وعرفتها مع الألم والمعاناة التي استمرت بطول هذه العلاقة. يبدو الأمر صعبا، فرغم ما تبدو عليه حياتها من استقرار خارجي إلا أننا نلمس قلقها بوضوح. المشي مسافات طويلة. الأماكن المفتوحة. محاولات يائسة للمس المطلق. تسارع أنفاسها. الصمت. التوتر في ملامحها وارتعاش يدها كلما ذُكر مستر ديكنز وبعد سنوات طويلة من موته.

**

هل يمكن إنهاء الفلم دون أن ينتهي الصراع؟ يبدو الأمر مستحيلا. بينما في الحياة ليس ثمة نهايات ربما ! اختار المخرج إنهاء صراعها بإيصاله إلى نقطة ساكنة, حين سمحت "إلين"  لنفسها أخيرا بحكي ما بداخلها لأحدهم, ثم قالت إنها لا تريد أن تعيش في هذا المكان الذي عاشت فيه علاقتها بدينكز. حيث الظلال, اللايقين, عدم الارتياح

تذهب لتحتضن زوجها ثم تتسّع ابتسامتها وهي تجلس بجواره. هل كل شيء على ما يرام؟! وكأنها أخيرا وجدت الصلة مع الحياة, هكذا ودون مقدمات. تبدو لي هذه النهاية متناقضة مع طبيعة "إلين" كما قدمّها الفلم, بينما الأقرب كان إيجاد مساحة أكثر ثباتا  لقلقها الأصيل دون إنهائه بهذا الشكل الحالم اللامنطقي

** 

في المشهد الأخير تقف "إلين" في خلفية العرض المسرحي  لديكنز "العمق المتجمد" وهي تقرأ النص الختامي

"هذه قصة حزينة .. هذه قصة مؤلمة . الحب ينكر، الحب يضحي كي يعيش في المستقبل. فلنفكر في قلوبنا في هذا المكان. فلنتذكر الحب، فالحب هو الحياة نفسها. نحن لا شيء بدون الأماني."

الجزيرة الوثائقية في

17.07.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)