كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

لالش حاضنة الينبوع الأبيض وزهرة كردستان المتألقة

عدنان حسين أحمد

 

من بين الأفلام الوثائقية المهمة التي أُنجزت مؤخراً هو فيلم "لالش النوراني" للمخرج الكردي العراقي آسو حاجي الذي يجمع بين مهنتي الصحافة والإخراج السينمائي. وقد عُرض هذا الفيلم الناجح فنياً ضمن فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان لندن للفيلم الكردي. لقد شاهدت فيلم "لالش النوراني" واستمعت بلغتة البصرية، وخطابه الجمالي الذي ينطوي عليه. ولا أتردد في منح الفيلم درجة ممتاز أو أربعة نجوم ضمن مقاييس الأفلام التي تنجز في بلد مثل العراق!

تقنية البناء الفني

استعمل المخرج آسو حاجي تقنيتين لا غير في إنجاز هذا الفيلم الوثائقي وهما "الفويس أوفر" و"المقابلات الشخصية". وقد استطاع بواسطة هاتين التقنيتين إيصال الرسالتين الفنية والفكرية إلى المتلقي بغض النظر عن جنسيته سواء أكان عراقياً أم عربياً أم عالمياً. لقد عمد المخرج في تقنية "الفويس أوفر" أن يؤثث الفراغ الذي لم يملأه المتحدثون العشرة وقد تكررت أحاديث بعضهم غير مرة خصوصاً بير خدر سليمان الذي قدّم استشارات متعددة لمخرج الفيلم إلى جانب السيد شيرو بير فرمان.

يؤكد المخرج وكاتب السيناريو آسو حاجي بأن الإيزيديين هم كُرد عِرقياً وتُعتبر ديانتهم الإيزيدية هي الأقدم في منطقة الشرق التي وُصفت بأنها مهد الديانات، تماماً كما تُوصف ميسوبوتاميا بأنها "مهد الحضارات". كما يعتبر الإيزيديين أقلية دينية قد يصل عددهم إلى نصف مليون مواطن عراقي لكن آلافاً مؤلفة منهم قد تشرّدوا إلى المنافي الأوروبية بسبب السياسات القمعية للدولة العثمانية من جهة، وللسلطات العراقية من أخرى حيث تبعثروا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق والعديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا.

لا شك في أن المخرج الناجح يسعى للارتقاء بفيلمه إلى مستوى الوثيقة التي لا يمكن دحضها بسهولة لذلك يتوجب عليه، خصوصاً إذا كان هو كاتب السيناريو ومؤلف القصة السينمائية العامة للفيلم الوثائقي كما هو الحال في هذا الفيلم. فكل الأنواع السينمائية سواء أكانت روائية أم وثائقية أم قصيرة لابد أن تنطوي على قصص محددة لا تعوزها الحبكة، ولا تفتقر إلى البناء الفني الرصين. من هنا ينبغي على المخرج أن يبحث ويدقق في تعداد الإيزيديين العراقيين الذين يتمحور عليهم الفيلم، وهل أن الرقم نصف مليون مواطن إيزيدي هو رقم دقيق مئة في المئة؟ وإذا كان كذلك فما هي المصادر والمراجع التاريخية التي اعتمد عليها؟

أشار المخرج إشارة عابرة إلى أن الإيزيدية هي استمرار للديانة الميثرانية القديمة التي ظهرت خلال الحقبة السومرية ولكن الموسوعة البريطانية تقول إن الإيزيدية هي ديانة توفيقية تجمع بين ديانات متعددة ولعل أهمّ ما فيها أنها تركز على النور وتعادي الظلام، وهذا ما لمسناه في تفاصيل هذا الفيلم. انتقل المخرج فجأة وعبر الفويس أوفر أيضاً إلى الموقع الجغرافي لمعبد لالش النوراني وقال إنه يقع بين ثلاثة جبال ويُعتبر المكان الأقدس لدى أتباع الديانة الإيزيدية. كما قدّم لنا معلومات دقيقة عن هذا المعبد الذي يبعد 53كم عن محافظة دهوك، و10 كم عن قضاء شِيخان. ووفقاً للكتاب المقدس للإيزيديين تعتبر لالش هي الخميرة لخلق الكون والحياة.

خلق الكون

عرّج المخرج منذ البداية على عملية خلق الكون التي تعتبر ركناً مهماً في الديانة الإيزيدية حيث يؤمن الإيزيديون بفكرة خلق العالم الشائعة لدى المسلمين. الأمر الذي يعزز وجهة النظر التوفيقية التي أشرنا إليها تواً. أشار المخرج إلى طقس ليلة البراءة الذي تجري وقائعه في معبد لالش أيضا وعرّفنا على المجموعتين اللتين يتكون منها المجلس الروحاني وهما "جوقي ميري" و "بابا شيخ" الذين يطلقون شواربهم ولحاهم ولا يُسمح لهم بتشذيبها لأسباب دينية

يرينا المخرج طقساً آخر اسمه "قنطر" وينبهنا منذ بداية الفيلم إلى أهمية "النبع الأبيض" والفتائل أو القناديل المُوقدة والرقص والغناء على صوت الآلتين المقدستين وهما الناي والدف. كما يلفت عنايتنا إلى الشعيرة الاحتفالية المقدسة "السماع"، ودور "الفقير" الذي يكسو نفسه بخرقة وهو يمثل طاووس ملك وشيخ عدي والذي يتبعه الرجال الروحيون السبعة في خط مستقيم، ثم يلتحق بهم سبعة آخرون. تحاكي حركة "السماع" حركة الكواكب حول الشمس حيث يدور الرجال الروحيون هنا على الأرض ويرقصون حول النار التي تمثل الشمس والضوء. هؤلاء الروحيون هم كائنات صوفية عرفانية متواضعة يتحركون بانتظام عجيب حول نار مضرمة وثمة امرأة تحمل صينية البخور بالقرب منهم، ويجب ألا تنطفئ النار، ولا يذوي الفتيل. إن دعاء الشيخ عدي مستجاب وأن ما يقوله هو الحقيقة.

اعتمد المخرج في بناء الفيلم على الشخصيات العشر المتكلمة التي لم تستطع أن تقول كل شيئ دفعة واحدة. فكريم سليمان أول المتحدثين ركز على اللهب الذي يمثل الشمس، وعلى الراقصين الأربعة عشر الذين يدورون حول الشمس بمجموعتين تشير بمجملها إلى الكواكب التي تدور حول الشمس. كما أشار المتحدث الثاني، وهو رجل دين لم نرَ اسمه على الشاشة، إلى "الفقير" والخرقة السوداء التي يرتديها، وهي ذات الخرقة التي يرتديها الصوفي. وهذه الفكرة مستقاة أيضاً من التصوف الإسلامي. كما أن الإشارة إلى الكواكب قد تذكرنا بالطقوس البابلية والصابئية أيضا.

معنى لالش

حسناً فعل حينما قدّم المخرج آراء متعددة بشأن معنى كلمة لالش ودلالتها، وهو يقرّ سلفاً بأنها لا ترتكن إلى شواهد علمية وإركيولوجية. فأحد هذه الآراء يقول بأن كلمة (Lalish) تتكون من مقطعين، الأول (Lal) والثاني (Lish) ويعنيان (الأخرس) و (الأطرش) على التوالي. ويبدو هذا المعنى مقنعاً لأن على الناس الداخلين إلى هذا المعبد المقدّس أن يكونوا هادئين كالخرسان، ولا يسمعون أي كلام كالطرشان، ويجب أن يكتفوا بالصلاة إلى الربّ. أما الرأي الثالث فقد اختصره المخرج بأن مقطع (La) يعني (قرب) و (Lish) يعني (جسد)، فيكون المعنى (قرب الجسد). أما الرأي الرابع والأخير فيربطه بالاسم السومري (Lakish) الذي يعني الضوء والحياة. وهذه التأويلات جميعها قريبة من الشعائر والطقوس الإيزيدية. أما الكتاب الإيزيدي المقدس فيقول إن معنى (لالش) هو خميرة الأرض والكون. كانت الأرض لا روح لها إلى أن هبطت إلى لالش فنبتت الأشجار. أرض لالش مقدسة كلها لذلك يتوجب على الإيزيديين أن يمشوا حفاة الأقدام ولا يطأون عتبات الأبواب احتراما للالش. أما أكثر الينابيع قداسة فهو الينبوع الأبيض الذي يعتقدون بأنه كان موجوداً قبل خلق الكون والحياة. كما يؤمنون بأن مياه الينبوع الأبيض الذي لم تختلط مياهه بمياه طوفان نوح لذلك بقيت صافية وبيضاء مثل الحليب الأبيض. فلاغرابة أن يستعملوها كخميرة للبن والخبز. ويجب على كل إيزيدي أن يزور لالش أول مرة أن يتعمد بمياهها وإلا فلا يعتبر إيزيدياً حقيقيا. وقد شاهدنا مشهد تعميد الطفل الرضيع بالماء وكيف تمنّت له السيدة المعمِّدة حياة آمنة مريحة.

لم تقل المتحدثة الثالثة التي عمّدت الطفل الرضيع أكثر مما قالوه عن مياه الينبوع الأبيض وعن طريقتها في التعميد والاحتفال الذي يعقب تلك العملية.

المراحل الثلاث

مرّت الديانة الإيزيدية بثلاث مراحل تاريخية مهمة، الأولى تعود إلى حقبة ميثرا، وهي مرحلة عبادة الظواهر الطبيعية مثل الشمس، والقمر، والنجوم، ولكل ظاهرة إلاهها لكن الإله الأكثر أهمية هو ميثرا أو الشمس. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التوحيد التي تبدأ مع مجيئ إبراهيم الخليل. أما المرحلة الثالثة والأخيرة والتي تعتبر الأكثر أهمية بالنسبة للإيزيديين هي مرحلة الشيخ عدي بن زفير هكاري الذي قدِم من الشام إلى لالش حيث وحّد الإيزيديين بعد وقوعهم تحت سيطرة المسيحيين لأكثر من قرن. كان شيخ عدي صوفياً وعرفانياً جدّد الإيزيدية من خلال ضخّ الصوفية إليها. والتصوف يعني هنا إدراك الله عن طريق التأمل والرؤيا. وأقام بالعديد من الإصلاحات التي تناسب ذلك العصر ضمن الجالية الإيزيدية.

أكد بير خدر بأن الإيزيديين يعبدون الله ويؤمنون بالملائكة السبعة: إسرائيل، جبرائيل، ميكائيل، غاردائيل، شمخائيل، عزازيل وإسرافيل. وأن رئيسهم هو طاووس ملك الذي خُلق من نور الله ومن سرّه. لا يؤمن الإيزيديون بموت الروح، فالجسد هو الذي يموت لأنه مخلوق من تراب وإلى التراب سوف يعود. كما يؤمنون بتناسخ الأرواح ويشبهون هذه العملية بتغيير الثياب وأن روح الله لا تتلاشى وإنما تنتقل من جسد إلى آخر وفقاً لأعمالها ومآثرها.

ينظر الإيزيديون إلى الشيخ عدي التقي الورع بكثير من التبجيل والتوقير والاحترام، فقد هبط من جبل هكاري وامتلك سر طاووس وكشف عن كرامات ومعجزات كثيرة. وأجبر طاووس ملك كل الزوار أن يكونوا أتباع الشيخ عدي الذي ضرب بعصاه صخرة صلدة فتفجّر منها الماء. وهذه إحالة أخرى إلى الموروث الإسلامي.

تحدث نصرت بابا شيخ عن زمزم التي لم تكن موجودة عندما جاء الشيخ عدي، وإنما كان هناك الينبوع الأبيض فقط حيث صام أربعين يوماً في (جلخانة) وكان يتناول وجبات سحوره وفطوره في داخلها ثم تدفق الماء النقي داخل هذا الكهف الذي لا يُسمح لأحد من غير الإيزيديين بدخوله.

يأخذنا المخرج بين متحدث وآخر إلى مفصل من مفاصل معبد لالش أو لبعض الطقوس الدينية التي تُقام بين جنباته. فنفهم أن ضريح الشيخ عدي يقع فوق زمزم المشار إليها تواً، هذا الضريح الذي يقدّسه الإيزيديون، ويقومون بالطواف حوله، ويؤدون التراتيل الدينية تحت قبة لالش، وبالإضافة إلى هذه القبة هناك قبتان أخريان وفي أعلى كل منها هناك هلال تربط به قطع قماش خضراء وحمراء وبيضاء وصفراء.

في إحدى غرف مزار الشيخ عدي هناك جرار قديمة عمرها أكثر من ألف عام مملوءة بالزيت المستقطر من أشجار الزيتون المقدسة في لالش حيث يُستعمل لإيقاد الفتائل في مساءات الأربعاءات والجمع خلال الاحتفالات والأعياد، فلالش يجب ألا تبقى من دون ضوء. فالنار لها قداسة خاصة عند الإيزيديين والكُرد بصورة عامة وذلك يعود إلى زمن الميثرانية عندما كان إله الشمس أكبر وأعظم إله مقدس، ولهذا فهم يُوصفون أحياناً كعبدة للشمس والنار.

لا تخرج الصورة التي وضعنا فيها المتحدث السابع بابا جاويش عن فكرة الشمس والنور التي تضيئ المناطق المظلمة. فالله هو النور، والشمس هي نور الله كما أنها إحدى العناصر المقدسة الأربعة التراب والماء والهواء والنار. وبما أن الشمس مقدسة فإن صلواتهم مرتبطة بها فهم يتجهون نحوها في أوقات الشروق والغروب ويؤدون صلواتهم. أما قبل أن يناموا فيتجهوا نحو معبد لالش ويؤدون الصلاة أيضاً، فلالش والينبوع الأبيض مقدسان عند الإيزيديين مثل الشمس تماما.
الرموز والإشارات 

يحتفي معبد لالش بعدد كبير من الرموز  والإشارات المرسومة على جدرانه بأشكال مختلفة من بينها الشمس والأفعى المقدسة، وصور لآلهة معينة تمثل حقباً تاريخية محددة

يتوقف الباحث قيصر عند بعض الرموز المرسومة على جدران لالش كالشمس، وإله الخصب السومري، والأفعى المقدسة حيث يعود بير خدر للحديث عن السبب الذي دفعهم لتقديس الأفعى، ففي زمن نوح ارتطمت سفينته بصخرة فانثقب قاعها لكن الأفعى كوّرت نفسها في ذلك الثقب ومنعت السفينة من الغرق لتنقذ البشرية من موت مؤكد. كما أن الأفعى هي رمز الحكمة والمعرفة ولهذا نراها مرسومة على البوابات كما ترمز إلى الأبدية والخلود.

تتسع دائرة الرموز لتشمل الطعام الإيزيدي أيضاً فـ "البارات" التي هي نوع من أنواع الخبز الذي يصنع على شكل كرات صغيرة موادها من منتجات لالش ومياه الينبوع الأبيض. ولا أحد يتدخل في صناعة هذه البارات سوى عائلة الفقير كما لا يُسمح للآخرين الدخول إلى الكهف الذي تصنع فيه البارات المقدسة من قبل شيخات، أو نساء عذراوات أو رجال عزّاب، سوى الشيوخ وعائلة الفقير، وخدّام المعبد.

يذكر المتحدث التاسع فقير بارجاس أن هذه البارات مقدسة للإيزيديين جميعاً، ولا يجوز القسم بها، كما أنها فأل حسن، وتحمي الإيزيدي من الكوارث، فلا غرابة أن يضعها الإيزيديون في بيوتهم ويقبّلونها صباح مساء في الاحتفالات الخاصة بهم. ثمة إشارة إلى أن شيخات لالش قد هجرن الملذات الدنيوية وانقطعن إلى إرضاء الله، طاووس ملك والشيخ عدي. كما كرسن حياتهن لإدارة شؤون المعبد وخدمة القائمين عليه.

يعرّج المتحدث العاشر بير سعيد في حديثه على "الفقراء" الذين منعوا أنفسهم مثل "الشيخات" عن متع الحياة ولذاذاتها لأنهم يركزون أيضاً على مرحلة ما بعد الحياة فلا غرابة أن يذلوا الأنفس والشهوات مثل المتصوفة الإسلاميين والرهبان المسيحيين. ثمة نساء إيزيديات كثيرات لعبن أدواراً حيوية في طقوس لالش واحتفالاتها فالأم شيرين خدمت لالش 56 عاماً وهي تعمل كشيخة لكنها تقاعدت بسبب تقدمها في السن ولم يعد بوسعها أن تؤدي مهماتها على الوجه الأكمل. ومكانة هؤلاء الشيخات كبيرة في الحياة والممات على حد سواء. وثمة مشهد مؤثر نشاهد فيه عازفي الدف والناي يعزفون موسيقاهم الجميلة إلى الموتى الراقدين في قبورهم منذ سنوات طويلة.

حملات القمع والإبادة العرقية

لم يستطع المتحدثون العشرة أن يغطوا كل شيئ في الديانة الإيزيدية لذلك عاد المخرج ثانية إلى تقنية الفويس أوفر وبدأ يتحدث عن الطبقات الثلاث التي يتألف منها المجتمع الإيزيدي وهم الشيوخ والبير والمريدون وأن الزواج محرّم بينها، كما أنهم لا يستطيعون الزواج أحياناً من عائلات الطبقة الواحدة، وأكثر من ذلك فإن الزواج محرّم بينهم وبين أتباع الديانات الأخرى. فالديانة الإيزيدية هي ديانة مغلقة بامتياز، ولا تقوم على أساس التبشير غير أن بعض الوثائق التاريخية تقول بأن بعض القبائل المسيحية قد تحولت إلى الإيزدية ونظراً لحملات القمع والإبادة التي تعرض لها الإيزيديون وأوشكت أن تقضي عليهم فقد أصبحو منغلقين ومعزولين ولم يسمحوا لأي شخص من ديانة أخرى أن يلتحق بهم، كما لم يسمحوا لأعضائهم أن يتحولوا إلى أي ديانة أخرى.
سلّط المخرج الضوء على معاناة الإيزيديين عبر التاريخ فلقد تعرضوا إلى (72) حملة إبادة منذ زمن الزرادشتيين حتى نهاية الإمبراطورية العثمانية التي قتلت منهم في حملة واحدة أكثر من (150) ألف إيزيدي، كما اختفت نصوصهم المكتوبة ولم يبق منها سوى عدد ضئيل من التراتيل الدينية المكتوبة التي تُعد من أقدم نصوص الأدب الكردي التي تعود إلى 900 سنة في أقل تقدير. كما قدموا تضحيات كبيرة خلال حملات الإبادة التي شنّها النظام السابق في أثناء عمليات الأنفال سيئة الصيت التي عاثت فساداً بالحرث والنسل

تعتبر الإيزدية إلى حدما ديانه عقلانية مرتبطة بالطبيعة. وعلى المواطن الإيزيدي أن يحفظ لسانه وأن يتجنب السبّ والقذف، وأن يمتنع عن النميمة، وأن ينأى بنفسه عن الكفر والتجديف.
تحتل المرأة الإيزيدية مكانة مرموقة في المجتمع وهناك شخصيات نسوية تقية وورعة مثل خاتونة فخرة وستيا إيس، أُم الشيخ عدي التي لا يزال قبرها شاخصاً قرب جلخانة الشيخ عدي في لالش

الآلات الموسيقية

لا يتوانى المخرج آسو حاجي عن التذكير بأهمية الرقص والغناء والموسيقى التي تعد من الشعائر المهمة في الديانة الإيزيدية ولعل الناي والدف هما من بين الآلات الموسيقية الأكثر تقديساً للإيزيديين فلقد صنعتهما الملائكة كما يزعمون لأنها تجتذب الروح كي تدخل جسد آدم، فلقد قالت الروح: " لا أستطيع أن أستقر داخل جسد آدم ما لم أسمع صوت الناي والدف".

ثمة مجموعة محددة تُعرف بالقوّالين وهي متخصصة في العزف على الناي والنقر على الدف. والقوالون هم مثل الشيوخ والكبار والمريدين يرثون منزلتهم الاجتماعية بالولادة. وهم يدرسوا هذه الآلات منذ الصغر ويتقنوا الألحان ويجب أن يعرفوا أية قطعة تُعزف وفي أية مناسبة. وهناك أنواع كثيرة من الألحان مثل سماع قانون وشرف الدين وزازا وسماع شيشم وما إلى ذلك. والموسيقى الإيزيدية هي جزء أساسي من الموسيقى الكردية.

في نهاية الفيلم يتوقف المخرج آسو حاجي عند نشأة الاسم الإيزيدي. فالبعض يرى أنه انحدر من الكلمة السومريةEziday التي تعني الطريق المستقيم ثم تحولت لاحقاً إلى إيزدان Ezdan ثم يزدان Yazdan  مثلما تُستعمل من قبل الكرد كإشارة إلى اسم الله. ويؤكد المخرج بأن الإيزيدية هي ديانة كردية مئة بالمئة وذلك هو السبب في أن هذه اللغة تعتبر مقدسة بالنسبة للإيزيدي الذي يؤمن بأن آدم تكلم بالكردية وأن الله تكلم معه بالكردية أيضاً وأنهم يؤمنون بأن أهل الجنة يتكلمون هذه اللغة

لا تجد الميثولوجيا الإيزيدية حرجاً في القول بأن آدم عليه السلام قد خلق في لالش ثم أمره طاووس ملك أن يترك السماء، وأمره أن يزرع الأرض، ثم قابل حواء في لالش التي تعتبر بالنسبة للإيزيدي رمزاً للقوة والبقاء.

ينهي المخرج آسو حاجي فيلمه بسؤال جوهري مفاده: لماذا تعتبر لالش مقدسة جداً بالنسبة للإيزيديين؟ ولماذا يزورها الإيزيدي بهذه اللهفة؟ فيأتي الجواب عفوياً وسلساً: إذا لم تكن هناك لالش فماذا يبقى للإيزيدي في هذا العالم؟ لالش هي المكان الأكثر قداسة للإيزيدي وهي زهرة كردستان المتبرعمة.

لابد من الإشارة في خاتمة المطاف بأن ديانة قديمة ومنغلقة كالإيزيدية لا يمكن اختصارها في فيلم واحد لا تتجاوز مدته58 دقيقة، فأصل الإيزيديين وتاريخهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وشعائرهم وطقوسهم الدينية تحتاج حقيقة إلى أفلام وثائقية متعددة كي تعطيها حقها. وعلى الرغم من اكتظاظ فيلم "لالش النوراني" بالمعلومات التاريخية الكثيرة إلاّ أن الفيلم ناجح من الناحية الفنية وقد تألق فيه كادر الفيلم برمته بدءاً من المصورين، مروراً بالتقنيين، وانتهاء بالرؤية الإخراجية للمخرج آسو حاجي الذي يعِد بالكثير من الأفلام الناجحة مستقبلا.

الجزيرة الوثائقية في

15.07.2014

 
 

نوح.. بعدما انفض المولد

احمد شوقى

انفض أخيرًا المولد الإعلامي المُقام حول فيلم "نوح"، والذي بدأ بقرار منع الفيلم من العرض، وأُعيد فتحه تزامنًا مع أزمة سحب ترخيص فيلم "حلاوة روح"، ثم أُعيد فتحه مرة ثالثة بتولي الدكتور جابر عصفور لوزارة الثقافة وتصريحاته حول عدم رفضه لعرض الفيلم.

المولد انفض دون عرض الفيلم جماهيريًا بالطبع، وهو أمر متوقع منذ اللحظة الأولى، ولكن بعد أن اكتسب الفيلم سمعة وجدلا جعلا عدد مشاهديه عبر الإنترنت، يصبح أضعاف من كانوا سيشاهدونه ما لم تثار هذه المشكلة ويتم اتخاذ القرار الرجعي بمنعه، وهذه هي عبقرية جهاز الرقابة الذي صار من المعتاد أن يخرج خاسرا في كل مستويات معاركه المُصطنعة، يراه الجميع جهازًا رجعيًا متخلفًا، ويساهم بمنعه في زيادة شعبية الأعمال الممنوعة وانتشارها!

نترك هذه الأزمة المُصطنعة ونتحدث عن العمل نفسه، وعن مخرجه دارين أرونوفسكي الذي وضع اسمه بجدارة كواحد من أهم صناع الأفلام المغايرة في السينما الأمريكية خلال القرن الحادي والعشرين، وتمكن بأفلام مثل "البجعة السوداء" و"قداس لحلم" و"المصارع" أن يجمع بين حسنيي القيمة الفنية المرتفعة والنجاح الجماهيري، وهي أسباب جعلت جميع محبي السينما تقريبا يترقبون أول فيلم ضخم الإنتاج ـ بالمعنى الهوليوودي للكلمة ـ يقدم أرونوفسكي على تقديمه.

التحدي الضخم كان تقديم حكاية النبي نوح، الحكاية التوراتية التي تُقدم الأديان الإبراهيمية الثلاثة نفس الرواية لها تقريبا، وهي رواية يتحدث الكثير من العلماء عن أن كونها حكاية رمزية أقرب بكثير للعلم والمنطق من كونها تاريخًا وقع بالفعل، لأسباب منطقية أبسطها استحالة بناء سفينة تتسع لحمل زوجين من كل أنواع الكائنات الحية، وأنه لو حدث طوفان بالفعل تسبب في إغراق كل يابسة الأرض، فهذا سيؤدي لحظياً إلى تحطم توازنها الكتلي وفناء الكوكب بالكامل.

الجدل العلمي والديني حول الحكاية لم ولن ينتهي، وما همني وأنا أشاهد الفيلم هو معرفة المدخل الذي اختاره المخرج لهذه الحكاية البعيدة كل البعد عن الحكايات التي اعتاد تقديمها، ففيها ـ بصورتها التراثية ـ الخير والشر واضحان قطبيان، وهو تمايز أقرب للسينما التجارية التي لم يكن أرونوفسكي يوما من صناعها، فأفلامه تهتم أكثر بالهواجس الإنسانية، بلحظات الضعف والحيرة، لذلك فقد كان المدخل الذي شجعه لحكي هذه القصة التي لا تبدو متسقة مع عالمه هو أهم ما أردت معرفته.

بالفعل لم يخيَّب الرجل ظني، وتمكن من الدخول للحكاية من مدخل منطقي ربما يغضب المتشددين في التعامل مع التراث الديني باعتباره تاريخًا، المدخل هو سؤال: لو كان نوح يعلم أن كل سكان الأرض سيفنون، شيوخاً وأطفالا ونساءً وكل من لم يتبعه، ومع ذلك استكمل بناء سفينته لينقذ هذه القلة فقط، هل يمكن اعتبار ذلك تصرفاً كامل الإنسانية يليق بنبي وصاحب رسالة؟

والحقيقة أن أرونوفسكي لم يطرح نوح في الفيلم باعتباره نبياً بالمعنى الثيولوجي للكلمة، فهو لم يُبشر برسالة، بقدر سخطه على إفساد البشر للأرض التي منحها لهم الخالق، وهو المدخل الذي حول به المخرج الحكاية المحفوظة إلى منحى آخر، هو ببساطة رغبة نوح في إفناء البشرية كليًا، بما فيها نفسه وأهل بيته، فهو لم يتعامل مع وجود بعض البشر على متن السفينة باعتباره غاية لتطهير البشرية، بل مجرد وسيلة لحماية باقي الكائنات التي لم تُفسد في الأرض والتي تستحق البقاء بعد فناء البشر.

يمكننا أن نتفق أو نختلف مع هذا الطرح بكل الطرق الفكرية والدينية، ولكن ما يهمنا هنا هو جودته الفنية، وهو بالفعل خيار درامي ممتاز، حوّل الحكاية التراثية المحفوظة إلى فيلم يدفع للتساؤلات، بدءا من تساؤلات الحبكة (باعتبار المشاهد لن يتوقع الأحداث بسهولة كما كان يتصور)، وصولا إلى التساؤلات الإنسانية حول الفعل ذاته وعلاقته بالحاضر وبداء "الهوس بالفكرة" الذي قد يصيب البعض ويدفعهم لاتخاذ قرارات راديكالية.

الفيلم إذًا حمل الجديد على الصعيد السردي والفكري، لكن في المُقابل كانت الأزمة الحقيقية هي أن الإنجاز على الصعيد البصري لم يكن مكافئا لذكاء الطرح وجرأته، فظهر التفاوت الواضح بين الفكرة الخلاقة، وبين التنفيذ المُكرر، الذي يشبه العشرات من أفلام الخيال العلمي والأفلام التاريخية الهوليودية، والذي تاهت خلاله قدرة أرونوفسكي الخاصة في بناء المشهد الواحد. هناك بالطبع بعض اللحظات المبنية بشكل ممتاز والمتمتعة بجو عام أجاد المخرج صياغته، لكنها تظل نسبة قليلة جدًا قياسًا لطول زمن الفيلم أولا، ولثقل المعالجة ثانيا.

 في النهاية هو فيلم يستحق المشاهدة وإن لم يكن فيلمًا عظيمًا، به طرح ذكي وجريء للتراث، لا يماثله نجاح بصري على نفس القدر.. يبقى السؤال الأخير للرقابة: أنا شاهدت الفيلم وأكتب عنه، وكل من يريد مشاهدته أو القراءة والكتابة عنه سيفعل ذلك بسهولة بالغة.. فلماذا تصرون على أن تكون صورتكم سيئة مجاناً ودون أي مكسب منطقي؟

تريلر فيلم نوح

https://www.youtube.com/watch?v=_OSaJE2rqxU

ناقد فنى مصرى

موقع "دوت مصر" في

15.07.2014

 
 

سينما الحرب.. والدلالات السياسية

«الملوك الثلاثة».. الانتفاضة العراقية حاضرة

عبدالستار ناجي 

يبدو ان المخرج ديفيد أو راسل، تورط في اللعبة السينمائية التي اعتمدها نص وسيناريو فيلم الملوك الثلاثة الذي يبدو للوهلة الأولى، ساخرا، وهو يتحدث عن مغامرة ثلاثة من الجنود الاميركان في سرقة ذهب كان قد سرقه طاغية العراق صدام حسين من الكويت، فاذا بالجنود الثلاثة يجدون أنفسهم أمام ورطة كبرى، وهي انتفاضة عام 1991، او انتفاضة الجنوب، ورغم ان المعالجة تبدو غير معمقة، الا من ناحية الدمار الذي لحق بالانسان، وسطوة الآلة العسكرية، ووقوع الابرياء بين نيران جيش صدام حسين والاميركان.

فيلم الملوك الثلاثة يعتمد على قصة كتبها جون ريدلي، عن حكاية متخيلة، عن ثلاثة جنود، يقررون خوض مغامرة لسرقة ذهب مسروق، بمعنى ان يقوم الجنود الثلاثة بسرقة الذهب الذي سرقه صدام حسين وجنوده، من الخزينة الكويتية ابان الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت.

هكذا هو المحور الاساس للبناء الدرامي للفيلم الذي اخرجه دايفيد او راسل وقام ببطولته جورج كلوني ومارك والبرغ وايس كيوب وسبايك جونز.

بعد كم من المغامرات والمعارك، تأتي احداثيات هذا الفيلم الذي يتحدث عن مجموعة من الجنود، الذين يشعرون بالملل من الحرب، بعد ان وضعت اوزارها، وتحقيق الانتصار، عندنها يبدأ التفكير في مغامرة، خصوصا بعد ان يعثر احد الجنود على وثيقة تشير الى موقع مستودع الذهب الذي تمت سرقته من الكويت من قبل صدام حسين وجنوده، ونقله الى منطقة قريبة من كربلاء، ولكن تلك المنطقة تشهد انتفاضة، ومواجهات بين جنود طاغية العراق صدام حسين وعناصر تلك الانتفاضة الساعية الى التخلص من الظلم وسيطرة صدام وأزلامه.

انها مغامرة الجنود او الملوك الثلاثة، ليس في استعادة الذهب، واعادته الى الحكومة الكويتية، بل في سرقته، والهروب به، هكذا يقول الفيلم بأسلوبه الساخر، ولكنه يتورط في متاهات العلاقات الانسانية، خصوصا مع الهاربين من ظلم صدام من الابرياء، وتتحول تلك الرحلة الى كابوس بالنسبة للجنود الثلاثة، الذين كانوا يعتقدون بان عملية الاستيلاء على الذهب والظفر به مهمة سهلة، تكون بمثابة المكافأة عن بطولاتهم، فاذا بهم يكتشفون ويلات الحرب الحقيقية، والظلم والتعسف الذي يقع على كثير من الابرياء، الذين ساعدوهم وانقذوا حياتهم في بداية الفيلم، ولابد من رد الجميل بالجميل.

في ذات الفترة، تأتي الاوامر من الرئيس الاميركي بايقاف اطلاق النار، بعد اتفاقية صفوان.

عندها تتداخل الحكايات، الجنود يحاولون سرقة الذهب المسروق، عناصر الانتفاضة يطالبون باستمرار الحرب، وعدم التخلي عنهم، خصوصا بعد ان تحركت قوات الحرس الجمهوري صوب المناطق التي قامت بالانتفاضة، ليسقط الكثير من الابرياء امام انظار العالم، الذي ادار وجهه عن تلك المجازر الدامية.

وهنا يبدأ تحرك الجنود الثلاثة، للقيام بمغامرة موازية لهدفهم المحوري، وهو الذهب حيث يقرروا مساعدة ثوار الانتفاضة، واطلاق سراح عدد من السجناء، بما في ذلك زعيم الثوار، وهو ما تزامن مع خرق صريح لوقف اطلاق النار.

عندها ايضا يتم استحضار كل شيء، ولكن بطريقة هي اقرب الى السخرية، لغياب الفهم الحقيقي لمعطيات المتغيرات والتحولات في القرار السياسي الاميركي.

ونشاهد كمية من المغامرات، التي تحاول تبرير كل شيء، فتارة نشاهد مشهديات عن حقول الالغام، ثم الغازات السامة، وغيرها من الحكايات، بحيث تنتقل الاحداث والفيلم من حكاية الى اخرى.
بينما يواصل الجنود الاميركان مهمتهم التي تتحول لمحور اساس وهو المحافظة على الذهب بعد الحصول عليه، ومساعدة عدد من الاسر العراقية، ومحاولة الوصول بهم الى الحدود الايرانية لان القوات العراقية تطاردهم.

ومن أجل الجانبين المادي والانساني، يهون كل شيء، حيث يحقق الجندي الاميركي النصر، ولكن بعد كم من المعارك، فتارة يتم انقاذ الجنود من قبل الثوار العراقيين وتارة اخرى يتم رد الجميل بانقاذ الثوار من الاميركان، وهذا امر يكاد يتكرر في مشهديات مشابهة في فيلم المنطقة الخضراء، ولكن دون الذهاب لما هو أعمق في العلاقات الانسانية، حيث تظل تلك المشهديات مجرد هامش، او ذريعة لتمرير حدث درامي.

ولهذا ينتهي الفيلم الى مضامين تتجاوز حدود الطرح الساخر الذي انطلق منه، حيث يتمكن الجنود الاميركان من مساعدة الثوار العراقيين واسرهم للعبور الى المنطقة الايرانية، كما يقومون باعادة الذهب المسروق الى دولة الكويت.

الحرب حاضرة وبقوة في الفيلم، وايضا كم من الحكايات ولكن المتن الدرامي غير عميق، والقيم لا يتم اكتشافها الا مؤخرا، حيث يظل هاجس الجنود اتجاه الذهب هاجسا ماديا، فاذا به يتحول الى بطولة وتضحية، من اجل ان يتم تجاوز اخطائهم، وليس من اجل هدف حقيقي حيث الالتزام والعسكرية والتضحية.

في الفيلم عدد من النجوم، بل ومن ابرز نجوم الشباب في السينما الاميركية، ومنهم جورج كلوني بدور الميجور ارشي، ومارك والبروغ بدور السارجنت تروي، وايس كوب، سارجنت اليجن وسبايك جونز بدور المجند فيج، وهناك ايضا النجم المغربي سعيد طغماوي بدور الكابتن سعيد.

تم تصوير مشاهد الفيلم في صحراء كازا غراندي، في اريزونا، وفي كاليفورنيا والمسكيك مع بعض المشاهد الاضافية عن اللاجئين العراقيين.

ونشير هنا الى ان النص الاصلي، الذي كتبه جون ريدلي وبشكل هزلي، كان تحت مسمى غنائم الحرب وقد رحبت ستديوهات وارنر براذرز بالفكرة وطلبت اجراء بعض التعديلات على النص، وحينما وصلت الامور الى راسل المخرج هو الاخر اجرى كم من التعديلات بالذات في موضوع المقيم، ففي النص الاصلي نحن امام جنود بلا قيم يريدون الذهب، وفي نهاية الفيلم اقحم موضوع القيم، ليتنازل الجنود عن الذهب ليصبحوا ابطالا حقيقيين.

هذه الالتباسات، أصلها النص غير السليم، والمكتوب بشكل كوميدي ساخر، يتضح في المشهديات الاولى، ولكن حينما تمضي الاحداث يتورط المشاهد، ولكن تظل المشهديات الساخرة، حاضرة، بالذات مع الذهب ومشهد السيارات الفاخرة وغيرها.

الكوميديا والسخرية تظل حاضرة، مما يخفف من وقع مشهديات الكوارث، وايضا مشهديات الالم الذي يتعرض له الانسان العراقي من ثوار الانتفاضة، واسرهم.

وهذا ما جعل المخرج راسل يدخل في صراع مع الكاتب رديلي حول اهمية التخفيف من السخرية، ورغم كل ما قام به راسل من تغييرات، دفعت ريدلي الى الطلب رسميا بطباعة واصدار السناريو الاصلي، الا ان ستديوهات وارنر برازرز رفضت الامر، لانها تعلم جيدا، بان ما قدم في الفيلم، يبدو بعيدا وبمساحة كبيرة عن النص الاصلي، ما خلق حالة من الارتباط بين الشكل والمضمون.

كان من المقرر تصوير الفيلم في المرحلة الاولى في المغرب، ثم تحول الى الاردن، ثم الى اسرائيل، ولكن القرار جاء بتصوير الفيلم بين الولايات المتحدة والمكسيك.

استعان المخرج بتقنية الكاميرا المحمولة، هذا ما أزعج ستديوهات وارنر، حيث اكد المخرج بان هذه التقنية تعطي للمشاهد الاحساس بانه يشاهد تقريرا صحافيا، كما استعان المخرج بتقنيات خاصة من اجل اعطاء اللون الحقيقي للصحراء في الخليج.

لقي الفيلم عند عرضه في الاسواق العالمية، استقبالا ايجابيا بعض الشيء وان تفاوتت الكتابات، وان ظلت حملة الكتابات تشير الى ذكاء الموضوع، وقد ظلت بعض الكتابات عن سر المسحة الساخرة، في موضوع مشبع بالدماء، والدمار والموت.

فيلم اريد له ان يكون مناهضا للحرب، فاذا به يبتعد عن الهدف، في ظل ازدحام الموضوعات والاهداف وايضا الحس الساخر.

ويبقى ان نقول، بان فيلم الملوك الثلاثة يذهب لحكاية مجموعة من الجنود الاميركان ارادت ان تسرق الذهب، المسروق من دولة الكويت من خلال صدام حسين، فاذا بتلك المجموعة تجد نفسها في ورطة كبرى، بين مغامرة الحصول على الذهب وسقوط الضحايا في الانتفاضة العراقية ضد صدام حسين.

فيلم يقول الكثير، ولكن في اطار ساخر لربما افقد الفيلم الشيء الكثير من قيمته.

النهار الكويتية في

15.07.2014

 
 

فجر كوكب القردة: إعادة تعريف «الإنساني»

بانة بيضون 

«فجر كوكب القردة» (2014) لمات ريفز هو تكملة لـ«نهوض كوكب القردة» لروبرت ويت الذي صدر عام 2011. نتابع حكاية سيزار الشمبانزي الذي تطور ذكاؤه بفعل فيروس انتقل إليه من أمه أثناء إجراء التجارب عليها. قاد ثورة القرد على الإنسان ونجح مع القردة التي حررها في الهروب إلى الغابة.

في الفيلم الجديد، كبر سيزار (أندي سركيس) وأصبحت لديه عائلة ويعيش مع بقية القردة بسلام في الموطن الذي بنوه في الغابة التي لجأوا إليها بعدما قضى الفيروس نفسه، الذي تطور بسبب ذكائهم، على معظم البشر الذين لم يرهم سيزار منذ وقت طويل. لكن سكينة هذا العالم على وشك أن تهتز حين يعثر ابنه «العيون الزرق» (نيك ثورستن) على مجموعة من البشر تجول الغابة. اكتشف سيزار لاحقاً أنّ هناك مجموعة من الناجين ما زالت تعيش في المدينة، فيذهب إليهم مهدداً ويطلب منهم عدم العودة. لكن توليد الكهرباء المقطوعة للناجين ضروري للتواصل مع العالم والعثور على ناجين آخرين، وهذا لا يمكن إنجازه إلا عبر الذهاب إلى الغابة وتوليد الكهرباء من خلال الماء. وبينما يرى درايفس (غاري أولدمن) قائد البشر أنّ إعلان الحرب على القردة والاستيلاء على موطنها هو الحل، يقنعه مالكوم (جايسن كلارك) بإعطائه فرصة للذهاب إلى الغابة ومحاولة إقناع سيزار بمساعدتهم لتوليد الكهرباء وتجنب الحرب.

بناء الشخصيات جاء مسطحاً مقارنةً بالفيلم الذي سبقه

رغم جهود سيزار ومالكوم لصنع السلام، إلا أنّ الحرب تندلع بين البشر والقردة بسبب خيانة القرد كوبا (توب كيبيل)، الذي لا يثق بالبشر بعد التعذيب الذي عاناه أثناء إجراء التجارب عليه في المختبرات. ورغم أنّ حبكة الجزء الرابع قد لا تبدو متقنة أو حتى مقنعة، وبناء شخصياته جاء مسطّحاً، مقارنة بالفيلم الذي سبقه، إلا أنه تتمة لرمزية الصراع بين القرد والإنسان الذي تتناوله كل أجزاء هذا الشريط. في حين أنّ الفيلم الأساسي الذي صدر عام 1968 للمخرج فرانكلين ج. شافنير واستعادة الفيلم الأصلي الذي أخرجه تيم بورتون عام 2001 يعكسان وجه هذا الصراع في إطار طريف، إلا أنّه في الأجزاء الأكثر حداثة كما «فجر كوكب القردة»، يقع الصراع بين القردة والبشر المتكافئي القوى، رغم أنّ كلاً منهم يظن أنه أفضل من الآخر. ما هو مثير للاهتمام هو البورتريه الذي يرسمه الفيلم لأبطاله القردة أو البشر. في الأول، القرد تسيّره العاطفة كما يبدو من شخصية سيزار وتعلقه بعائلته، بينما الشخصيات البشرية، باستثناء مالكوم وعائلته، مجردة من العاطفة كما الآلات. حتى وجوه القردة في العمل تبدو أكثر إنسانية من ملامح البشر. من المقاطع الجميلة في الفيلم هي مراقبة التواصل الصامت والمؤثر بين القردة عبر الإشارات بين سيزار وزوجته الذي لا يكسر إيقاعه سوى الحوار حين تبدأ القردة بالتعبير عبر الكلمات القليلة التي تعلّمها سيزار ولقّنها للبقية.

الأخبار اللبنانية في

15.07.2014

 
 

من الجزائر إلى غانا: وجوه الاستعمار الكثيرة

 بانة بيضون 

انطلاقاً من معرض قادر عطية «صراع الطبيعة» الذي يقدّمه «مركز بيروت للفن»، نشاهد هذا الشهر سلسلة أفلام تعكس تيمات الاستعمار والاحتلال والمقاومة، وصراع العالم الحديث والبدائي، والطبيعة والآلة. بعد «أن تكون في العشرين في جبال الأوراس» لرينيه فوتييه، نحن على موعد غداً مع شريط جاك بانيجيل المهم الذي يصوّر المجرزة التي ارتبكت بحق الجزائريين خلال تظاهرة أكتوبر الشهيرة في باريس 1961

في إطار عروض الفيديو التي يقدّمها برنامج «صراع الطبيعة» الذي ينظمه «مركز بيروت للفن»، نشاهد غداً الأربعاء شريط «أكتوبر في باريس» (1962) لجاك بانيجيل (1921ـ 2010). شريط مهم يصوّر عنف جهاز الشرطة الفرنسي وعنصريته تجاه الجالية الجزائرية في 1961و1962، والمجازر التي ارتكبها رجال الشرطة بحقهم إبان التظاهرة السلمية للجزائريين التي خرجت في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1961 في باريس ونظمتها «جبهة التحرير الوطني الجزائرية اعتراضاً على حظر التجول بعد الثامنة مساء الذي فرض على الجزائريين وحدهم.

انتهت هذه المواجهة بقتل من 80 إلى 200 شخص على الأقل واعتقال وإصابة الآلاف بحسب التقديرات من بينهم نساء وحتى أطفال رميت جثثهم في نهر السين. ورغم أنّ الوثائقي صور في الستينيات، إلا أنّه ظلّ ممنوعاً في فرنسا نصف قرن ولم يسمح رسمياً بعرضه في الصالات إلا عام 2011 بعدما فارق مخرجه الحياة. من أسباب منع عرض الفيلم أنّ بانيجيل أصر على تصنيف المجزرة التي ارتكبت بحق الجزائريين بأنها جريمة ارتبكتها الدولة الفرنسية. مع العلم أنّ الأخيرة لم تعترف رسمياً بالمجزرة إلا عام 2012 حين صرّح الرئيس فرنسوا هولاند بما سماه القمع الدموي لتظاهرة 17 أكتوبر 1961.

في بدايته، يصوّر الوثائقي شهادات حية لجزائريين يصفون أعمال العنف والمداهمات اليومية للمنازل والاعتقالات المستمرة التي كان ينفذها رجال الشرطة بحقهم من غير ذنب، وكانت تصل إلى التعذيب المبرح وتحطيم العظام. ما هو صادم أكثر هو الأساليب الفاشية التي كانت تستخدمها الشرطة كتقييد أيدي وأرجل الضحية وإجبارها على الجلوس على قنينة زجاجية. في الوثائقي الذي صور بالخفاء عن الجهات الرسمية، يرينا المخرج مخيمات الجزائريين البائسة وقتها في ضواحي باريس (منطقة نوتير) ومراكز التعذيب الشهيرة. في جزء لاحق، يعيد تركيب مشاهد الاستعداد للتظاهرة السلمية التي نظمتها «جبهة التحرير...» للمطالبة برفع حظر التجول، مستعيناً بالشهود الذين يعيدون تمثيل أدوارهم في الفيلم. كذلك، يستخدم الصور الفوتوغرافية الموثقة ويمزج بينها وبين روايات المتظاهرين ليعيد تخيّل المجزرة التي حدثت بكل تفاصيلها المروعة كما شهادة الناجي الذي رموه في نهر السين بعد ضربه المبرح، أو تلك التي رأت أحد أفراد الشرطة يلقي طفلاً صغيراً في النهر بعد ضرب أمه. الحادثة أرعبت الأطفال الجزائريين الذين باتوا يرددونها في ما بينهم ويخافون رجل الشرطة كما يخاف بقية الأطفال من الغول مثلما يصوّر لنا المخرج.

يبرز جان روش في «الأسياد المجانين» الطقوس الرهيبة الرامية إلى طرد شيطان الرجل الأبيض

لا يكتفي الأخير بتوثيق الأحداث، بل تبعاتها وآثارها النفسية على الجزائريين الممتدة ربما حتى الحاضر. إضافة إلى ذلك، فأهمية الشريط تكمن في كونه وثيقة نادرة لأحداث عُتِّم عليها ولم يُعترف بفظاعتها، بينما ينتظر أهالي وأقارب الضحايا إلى اليوم اعتذاراً رسمياً من الحكومة. وإذا صوّر المخرج الاحداث من وجهة نظر الجزائريين ولو أنه يستعين ببعض الشهود الفرنسيين، فذلك قد يعود عملياً إلى السرية التي أجريت فيها عملية التصوير، لكن أيضاً لاعتقاده الراسخ بوجوب إدانة فاشية جهاز الشرطة الفرنسي وممارسته ضد الجزائريين التي تتعارض مع كل مبادىء الديمقراطية. من الأفلام الوثائقية القديمة المهمة أيضاً في «مركز بيروت للفن» شريط «الأسياد المجانين» (1955 ـ 35 دقيقة ـ 30/7) للمخرج والأنثروبولوجي المعروف جان روش. يتناول السينمائي الفرنسي طقوس طائفة الهاوكا التي أسسها حوالى عام 1927 مهاجرون أفارقة في أكرا عاصمة غانا. يذهب أتباع طائفة الـ Hauka إلى مزرعة خارج المدينة حيث يجرون طقوس الاعترافات التي يتطهرون بها من ذنوبهم ثم يدخلون في حالة من النشوة (ترانس) حين تتقمصهم الأرواح فيبدؤون بالرقص وذبح الأضاحي التي يشربون دمها النيء كالدجاج أو حتى الكلب المسكين الذين يأتون به ويسلخون جلده ويتشاورون حول طريقة أكله. بغض النظر عن فظاعة المشاهد المصورة وقسوتها في بعض المقاطع، إلا أن أكثر ما هو مثير للاهتمام هو لعبة الأدوار التي يمارسها الهاوكا، فيتقمص الجنرال في أحدهم، والحاكم في آخر، وهذه الأرواح كلّها التي تستحوذ عليهم. هؤلاء الأسياد المجانين ما هم إلا وجوه الاستعمار التي أتى بها الرجل الأبيض الذي دخل عالمهم. بالنسبة إلى روش، هذه الطقوس الرهيبة ما هي إلا طريقتهم الخاصة والغريبة في التحرر من ثقل هذا الواقع الذين هم مستضعفون فيه، كعملية طرد شيطان الرجل الأبيض. وبحسب تحليل روش أيضاً، هذه المشاهد الرهيبة الفظيعة والرهيبة التي نراها ما هي إلا انعكاس للحضارة الغربية كما يراها الأفارقة.

* «أكتوبر في باريس»: 20:00 مساء الغد ـ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي)
* «
الأسياد المجانين»: 20:00 مساء الأربعاء 30 تموز (يوليو) يليه عرض «أين الهليكوبتر خاصتك» ـ للاستعلام: 01/397018

ارتطام عالمين

يلي عرض «الاسياد المجانين» في 30 تموز، تقديم شريط آخر بعنوان «أين الهليكوبتر خاصتك؟» (1992 ـ 25 دقيقة) للبلجيكي جوهان غريمونبريز. يرصد الأخير تفاعل سكان قرية معزولة على جزيرة في غينيا الجديدة مع الظواهر الغريبة التي جلبها المستكشفون الذين هبطوا من الهليكوبتر. يعتمد المخرج على أصوات ومشاهد مختلفة ليجسد هذا الصراع بين العالمين الحديث والبدائي أو بين الآلة والطبيعة، فيما تأتي النصوص المكتوبة التي تظهر على الشاشة لتروي كيف وصف السكان الهليكوبتر لدى رؤيتها للمرة الأولى. وبدلاً من صوت الهليكوبتر، اختار المخرج إيقاع زعيق الطيور كشريط صوتي، مجسداً رعب الطبيعة من هذا الاقتحام لوحدتها وسكينتها، ما يمثل أيضاً القسوة والعنف الذي يمثله الارتطام بين عالمين مختلفين.

الأخبار اللبنانية في

16.07.2014

 
 

مستمر رغم التقدم في العمر

بيرت رينولدز.. من فتى الشاشة إلى نجمها الذابل

لندن: محمد رُضا 

40 سنة مرت على قيام ممثل اسمه بيرت رينولدز بلعب كرة القدم، وهو الذي جاء من اليارد قبل أن يلج التمثيل. المناسبة كانت بطولته لفيلم بعنوان «اليارد الأطول» أو حسب الأصل «The Longest Yard» الذي حققه المخرج الراحل روبرت ألدريتش عملا جمع حوله أكثر من فئة من فئات المشاهدين؛ هواة الأفلام عموما، وهواة الممثل رينولدز، وهواة الرياضة، وهواة أفلام السجون.

حكاية ذلك الفيلم كانت، بإيجاز، أن إدارة أحد السجون طلبت من لاعب كرة سجين تدريب فريق من المسجونين لمنازلة فريق من الحرس، على أن تنتهي المباراة بهزيمة الفريق الأول لرفع شأن الفريق الثاني. هذا لن يحدث. هذا اللاعب الممارس الذي قاده سوء طالعه لتمضية فترة سجن لا يستطيع أن يمتثل للأوامر ويغش في اللعب، وليذهب مدير السجن الفاسد (إيدي ألبرت) إلى الجحيم.

بيرت رينولدز (78 سنة) لا يستطيع أن يؤدي دور لاعب كرة اليوم، ولا أن يشترك في فيلم يقوم على الحركة والمطاردة، لكنه يستطيع الاستمرار رغم سنوات عمره. وقد ظهر في حفنة من الأفلام في العامين الأخيرين، أهمها ما توجه مباشرة إلى سوق الأسطوانات («هاملت وهوتش») وانتهى من ثلاثة أفلام باشر العمل فيها منذ أواخر العام الماضي، وهي «قائمة جيب» لجانب روب لاو وجسيكا كلارك، و«هولو كريك» مع ستيف دارون وغويسلا مورو و«إلبو غريس» لجانب وتني غوين ومايكل أبوت.

دوره أول في كل هذه الأفلام لكن «قائمة جيب» هو الوحيد الذي سيعرض سينمائيا، بينما من شبه المؤكد أن الفيلمين الآخرين سيتوجهان إلى رفوف محلات الفيديو، أو سيُعرضان مباشرة على الإنترنت لقاء اشتراك.

إلى هذا هناك فرصة كبيرة تتلألأ أمامه إذن...

الفرصة مرهونة بقيام المخرج العائد بدوره بعد غياب، بيتر بوغدانوفيتش، بتحقيق «قمر محظوظ» الذي جمع فيه بعض وجوه الماضي: بيرت رينولدز، سيبيل شيبرد، كولين كامب والمغني ويلي نلسون. وكان مقررا للفيلم أن يبدأ التصوير هذا الشهر، لكن جمع عشرة ملايين دولار لفيلم من بطولة من فاتهم قطار الشباب ليس سهلا. لو أن الميزانية مائة مليون أو أكثر والفيلم من بطولة مجهولين دون الـ20 سنة يقارعون مخاطر الكواكب المتوحشة أو كوارث المستقبل، لكان هذا أهون بكثير.

* هندي أحمر

إذا ما حدث هذا الفيلم، فلن يكون الأول بين المخرج بوغدانوفيتش والممثل رينولدز. ففي عام 1975 استعان به لكوميديا عاطفية بعنوان «عند حب أبدي»، وفي العام التالي، قدمه في فيلم عن تاريخ العروض السينمائية الأولى عنوانه «نيكولوديون» وجلب إليه رينولدز وعددا من الممثلين المعروفين في ذلك الحين، مثل رايان أونيل، وابنته تاتوم أونيل، وستيلا ستيفينز وبرايان كيث. الفيلم كان من بين أفضل ما قام بوغدانوفيتش، وهو مخرج موهوب، بتحقيقه.

قبل ذلك بـ40 سنة، كان بيرت ولد في مدينة لانسينغ، ولاية ميتشيغان، من أصول جمعت بين أم من قبيلة شيروكي الهندية ومهاجر ألماني إلى الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الـ19. لعب كرة القدم وبرز فيها ثم اضطر لتركها بعدما أصيب بجرح في ساقه، ثم تعرض لحادثة سيارة، مما وضع حدا لطموحاته الرياضية.

واحدة من المنح الدراسية التي قدمت إليه قادته إلى الانخراط في سلك التمثيل، لكن بيرت لم يكن واثقا من أنه يريد أن يصبح ممثلا، وقبل عملا في المسرح لكي يقتات منه. في عام 1958 التقى بالممثلة جوان وودوورد التي عرفته على وكيل أعمال، وهذا وجد له أدوارا صغيرة في مسلسلات تلفزيونية درامية وبوليسية ورعاة بقر. وأحد هذه المسلسلات كان «غنسموك» حيث ظهر في 50 حلقة ما بين 1962 و1965 لاعبا شخصية الحداد ذي الأصل الهندي الأحمر، الذي يصاحب بطل الحلقات (جيمس آرنس) في مهامه من حين لآخر.

في عام 1961 وجد نفسه ينتقل إلى العمل في فيلم سينمائي بعدما اختاره المخرج بول وندكوس، القادم بدوره من التلفزيون، لشخصية شاب اسمه هوك أدامز. البطولة الفعلية كانت لجورج هاملتون لكن بيرت، كما يروي في مذكراته، كان سعيدا بأن يرى نفسه أمام الكاميرا السينمائية.

الفيلم التالي كان بوليسيا بعنوان «قيادة مسلحة» ودوره فيه كان صغيرا. لكن من الفيلم الثالث، سنة 1965 وما بعد، وجد نفسه وقد أصبح بطلا لأفلامه. ذلك الفيلم كان جاسوسيا بعنوان Operation C.I.A وفيه ينتقل بيرت رينولدز إلى سايغون (ولو أن التصوير جرى في تايلاند) لمعرفة هوية المخططين لسلسلة من الاغتيالات، ووضع حد لهم.

في فيلمه الرابع «نافايو جو»، وجدناه يلعب دور هندي أحمر في مهمة انتقام من كل أولئك الذين شاركوا في قتل زوجته (ومنهم الإسباني فرناندو راي). الفيلم كان وسترن سباغتي من إخراج أحد أعلامها سيرجيو كوربوتشي، لكن مجرد حدوثه هو تقارب ملحوظ بين بداياته وبدايات الممثل كلينت إيستوود. الاثنان تنافسا طوال الستينات والسبعينات على مركز النجومية الأول.

فيلما وسترن آخران لحقا بهذا الفيلم كلاهما أميركي؛ «100 بندقية» لجانب (لاعب الكرة) جيم براون والممثلة راكيل ولش، الفيلم الذي احتفى بمشاهد ساخنة لم يكن الجمهور الأميركي تعود عليها بين امرأة بيضاء (ولش) ورجل أسود (براون)، ثم «سام ويسكي» مع كلينت ووكر وأوسي ديفيز.

* رينولدز مخرجا

السبعينات بدأت بفيلم مغامرات عنوانه «الغش» لم يبال به أحد، لكن الفيلم الثاني في مطلع السبعينات كان أكثر نجاحا وقبولا، وهو «بوليس» (Fuzz) المأخوذ عن واحد من روايات الكاتب إد ماكباين (كتبه تحت اسم مستعار هو إيفان هنتر).

بيرت رينولدز هو التحري كاريللا ومعه جاك وستون في دور التحري ماير وتوم سكيريت وراكيل ولش وجيمس ماكشين وستيف انهات، وكلهم وراء قاتل يتجاوزهم ذكاء إلى أن يسقط في الشرك، وقام به يول براينر.

لكن الفيلم الأهم بين كل ما سبق، الذي سيبقى من بين أهم ما لعبه بيرت رينولدز من أعمال هو «خلاص» للبريطاني جون بورمان (1972).

فيلم غير عادي حول أربعة رجال أعمال من المدينة (رينولدز وجون فويت وند بيتي وروني كوكس) يصلون إلى قرية تقع في منطقة جنوب أميركية تطل على نهر سيختفي من الوجود حال الانتهاء من بناء سد عليه. يتركون سيارتيهما في الجوار ويركبون مركبين صغيرين في رحلة بحرية إلى ذلك المجهول والموحش من الطبيعة، قاصدين مغامرة مع الماء في سكون بعيد عن الحياة المعتادة. لكن المغامرة التي تطالعهم مختلفة، فإلى جوار هذا البعد الحضاري والمكان الموحش، بل في صميمه، شخصيات تشابهه. حادثة اعتداء بعض المسلحين القرويين جنسيا على أحد هؤلاء الرجال (بيتي) وتهديدهم حياته وحياة رجل آخر (كوكس). رينولدز هو أقوى هؤلاء شكيمة وأكثرهم شراسة، وهو يقتل المعتدي، ومن حينها هم في جحيم رغبة في الخلاص من الموقع. الأمر الذي لا يجري من دون خسائر.

دور عادي في فيلم عادي لوودي ألن بعد «خلاص» هو «كل شيء أردت معرفته عن الجنس وخشيت أن تسأل» (1972) وبعده فيلم بوليسي هامشي للمخرج باز كوليك بعنوان «تحرٍ»، ثم وسترن جيد من رتشارد سرافيان عنوانه «الرجل الذي أحب كات دانسينغ» مع الإنجليزية سارا مايلز في دور أرستقراطية خطفتها عصابة يقودها رينولدز فتقع في حبه بينما يقوم زوجها (جورج هاملتون) باستئجار القتلة لمحو العار.

منه إلى فيلم خفيف من سباق السيارات ومطارداتها عنوانه «صاعقة بيضاء»، ثم توالت الأدوار بين الخفيف («سموكي أند ذ بندتس») والتشويقي («غاتور»: «هوبر») والعاطفي («البدء من جديد»). لكنه وسط ذلك، قرر أن الوقت حان لكي يقوم بالإخراج، ونفذ ذلك في فيلم درامي مشحون بقدر من الوجدانيات اسمه «النهاية».

استقبل الفيلم جيدا لكنه لم يستعجل تقديم فيلم ثان من إخراجه، إلا من بعد عدة سنوات كان مثل فيها نحو عشرة أفلام أخرى. في عام 1981 قام بتحقيق فيلم بوليسي لعب فيه دور تحرٍ عنيد يقارع فيه أشرار مدينة أتلانتا، ومنهم الإيطالي فيتوريو غاسمان والأميركي هنري سيلفا.

فيلمه الثالث كمخرج كان «ستيك» (1985)، وفيه لعب دور خريج سجن يقارع الأشرار الذين يحيطون به. وكان قبل ذلك بعام مثل الفيلم الوحيد مع كلينت إيستوود، وهو «حرارة مدينة» الذي سيبقى واحدا من أضعف ما مثله كل منهما، بفضل إخراج رديء من رتشارد بنجامين.

كان عليه الآن أن يرتدي سنوات عمره وأم بطولة «حرارة» (1986) و«مالوني» (1987)، ثم مثّل فيلمين خفيفين، هما «استأجر شرطيا» (1987) و«تغيير قنوات» (1988)، من قبل أن يعايش تلاشي الاهتمام السابق به كنجم سينمائي. بقي في الجوار لمعظم سنوات التسعينات، لكن قبضته على شباك التذاكر تراخت، ولو أن المخرج الجيد بول توماس أندرسون وجد له الدور المناسب في «بوغي نايتس» (1997) لاعبا شخصية منتج لأفلام البورنو.

بعد ذلك، هو في أي دور يعرض عليه فشوهد في عشرات الأفلام التي غاب بعضها عن رادار المشاهدين، إثر إنتاجها باستثناء «اقتل بل 2» لكوينتين تارنتينو (2004). في عام 2005 قررت هوليوود تقديم إعادة صنع فيلم «اليارد الأطول»، فجيء به في دور صغير للذكرى.

لم ينقطع رينولدز فعليا عن العمل، ولو أنه توقف عن الظهور لعامين ما بين 2008 و2010. مثل أي سينمائي موهوب وناجح غير مقتنع بأن دوره انتهى لمجرد أنه تجاوز الخمسين، ما زال رينولدز مثابرا على العمل. ربما يجلس ليلا لمشاهدة قديمه، لكنه في النهار ممثل يأخذ الأوامر وينفذها ويبتسم لنفسه، كونه لا يزال يجد الأدوار بصرف النظر عن قيمتها.

الشرق الأوسط في

16.07.2014

 
 

«الملكة مارغو» لدوما: التاريخ كما يمكنه أن يكون

ابراهيم العريس

قبل سنوات من رحيله المبكر، حين عرض الممثل والمخرج الفرنسي باتريس شيرو، فيلمه «الملكة مارغو» من بطولة ايزابيل آدجاني، في واحدة من أزهى دورات مهرجان «كان» السينمائي، كان أول تعليق له على الفيلم إشارته إلى أن كاتب الرواية ألكسندر كان دوما «واحداً من أعظم كتاب السيناريو السينمائي» في تاريخ الفنون. ويومها جرى التذكير بأن السينما تناولت بنجاح في أغلب الأحيان، معظم روايات دوما، وليس في فرنسا وحدها. كما جرى التذكير بقدرة هذا الكاتب الفذ على تصوير موضوعاته ورسم شخصياته، منذ ما قبل اختراع فن السينما بزمن، في شكل يجعلها حية بيننا، حتى وإن كانت المواضيع نفسها تتسم بشيء من العادية. والحال أن «الملكة مارغو» تشكل استثناء حتى في عالم الكسندر دوما، حتى وإن كانت - كرواية - تنتمي إلى سلسلة رواياته التاريخية التي يبدو انه آلى على نفسه فيها أن يتابع أحداث التاريخ الفرنسي، من خلال شخصيات مميزة لعبت دوراً فيه، خلال هذه المرحلة أو تلك. ذلك أن «الملكة مارغو» رواية تدور أحداثها من خلال شخصياتها الرئيسة التي هي محور العمل ومحور المؤامرات، لا من خلال شخصيات تكون بطولتها في الرواية سنداً لإنقاذ مكانة شخصيات أخرى، كالفرسان الثلاثة الذين يقوم دورهم في «حماية» التاريخ الرسمي، من دون أن يكون لهم همّ التطلع إلى أن يحلوا في المكان الرسمي محل الملك أو وزرائه أو ما شابه. هنا يبدو التاريخ لدى ألكسندر دوما منظوراً إليه عبر فاعليه الحقيقيين، أهل الظل والكواليس، لا عبر شخصياته التاريخية الحقيقية.

> في «الملكة مارغو» يبدو التاريخ مروياً عند المستوى الأول، مستوى الشخصيات التاريخية الحقيقية التي ليس هناك خلاف من حولها أو من حول وجودها. وهذا ما يجعل الكاتب مرغماً على عدم الابتعاد من التاريخ الحقيقي المدوّن لمصلحة إطلاق العنان لخياله، يبتكر ما شاء من شخصيات ومواقف. ومن الواضح أن هذا الأمر يحدّ من قدرة الكاتب على التلاعب بالتاريخ، فيكون البديل أن يغوص في تفسيره وتحليل أهدافه وسيكولوجيات شخوصه، ما يعطي حتى التاريخ المكتوب المعروف نكهة جديدة وأبعاداً قد لا تكون متوقعة. ولكن لكي يتمكن كاتب في ذلك الزمان الما - قبل - فرويدي، من الوصول إلى مثل هذا المستوى من الحكي التاريخي، كان عليه أن يكون شيئاً ما بين شكسبير وستاندال. وبما أن ألكسندر دوما لم يكن لا هذا ولا ذاك، ولا ذلك الشيء بينهما، بما أنه كان من نوع الكتاب الذين يتجهون، للسهولة أو لمحدودية الأفق، نحو رواية الأحداث في سطحها الخارجي، ومحاولة تفسيرها من طريق الربط «البوليسي» في ما بينها، أكثر مما من طريق تحرّي الأبعاد السيكولوجية لدى الشخصيات، تصبح الرواية التاريخية مجرد رواية تاريخية لا أكثر: تصف الأحداث المعروفة، تموضعها ضمن إطار سياقها التاريخي لا أكثر، وتذكّر بالأدوار التي لعبتها الشخصيات. وأكثر من هذا بالأدوار التي لعبتها العلاقة بين الشخصيات في مجرى الأحداث. وفي مثل هذه الحال، لا يعود الموضوع: «لماذا حدث هذا الأمر الذي نعرفه»، بل «كيف حدث؟». فإذا كان من الممكن أن يتبقى قدر من المتعة في القراءة بعد ذلك، تصبح المتعة متعة استعادة المعروف من الأحداث والتذكير بها لمجرد أن تصبح - إذا كان في الأمر رسالة يجب إيصالها - درساً وعبرة. وفي هذا الإطار لا يعود ثمة فارق كبير بين الرواية التاريخية والتاريخ المروي. ولعل هذا هو، في الأساس، السبب الذي جعل رواية «الملكة مارغو» لألكسندر دوما غير قادرة على أن تعتبر من أعماله الأساسية. أما أهمية الفيلم فكمنت في أن باتريس شيرو، المخرج، والكتاب الذي اشتغلوا معه على كتابة سيناريو الفيلم انطلاقاً من رواية دوما، اشتغلوا على الرواية كما كان يجدر بدوما أن يشتغل في كتابته الرواية على الأحداث التاريخية نفسها: أضفوا على العمل الأبعاد السيكولوجية، وعلى الأحداث ترابطاً خلاقاً رسم صور علاقاتها ونظامها السببي. ومن هنا جاء الفيلم، لمرة نادرة في تاريخ السينما التاريخية، أكثر عمقاً من الرواية نفسها.

> غير أن هذا يجب ألا يعني أن الرواية في حد ذاتها ليست عملاً متميزاً. وحتى وإن اكتفينا هنا بالنظر إليها بصفتها درساً وعبرة تاريخيين كتبت في ظرف محدد لغرض أيديولوجي محدد. فالرواية بعد كل شيء، إذ تختار الحقبة التاريخية التي تروي أحداثها تبدو هنا ذات دلالة كبيرة. خصوصاً إذا تذكرنا أن دوما كتبها في نحو العام 1845، أي في زمن - سبق أحداث 1848 - كان حافلاً بالمؤامرات والمناورات في أروقة السلطة العليا، وكانت بدأت فيه الفوارق الدينية بالعودة إلى الظهور بعد أن كانت خمدت بعض الشيء إثر قيام الثورة الفرنسية ونزعتها العلمانية التوحيدية. ولئن كانت حبكة «الملكة مارغو» تبدو للوهلة الأولى معقدة بعض الشيء، فإن المهم في الأمر أنها مؤطرة في شكل جيد وذي دلالة، بين ليلة مجزرة القديس بارثولوميو (24 آب/ أغسطس 1572) من ناحية، وليلة موت الملك شارل التاسع من ناحية ثانية. وهذا التمركز التاريخي الذي يأتي هنا لـ»يؤرخ» تماماً لانتقال السلطة في فرنسا من آل فالوا إلى آل بوربون، يحيلنا بالطبع وفي شكل مباشر إلى الحروب الدينية (بين البروتستانت والكاثوليك) التي كانت قائمة في فرنسا في ذلك الحين، على قدم وساق. أما أحداث الرواية - المحققة تاريخياً - فإنها تتمحور حول ثلاثة مواضيع: 1- الصداقة بين شخصين من كبار النبلاء، 2- طموح كاثرين دي مديتشي، 3- حكاية الغرام اللاهب التي تعيشها مارغو، ابنة كاثرين دي مديتشي، والمنتمية إلى آل فالوا.

> الصديقان النبيلان المعنيان هنا هما آنيبال دي كوكوناس وهياسنت دي لامول. فالاثنان سجنا داخل الكنيسة وحكم عليهما بالموت، وإذ يحاولان الفرار معاً، يفضّل الأول، إذ يصاب صاحبه بجرح يثنيه عن مواصلة محاولة الفرار، يفضل أن يموت معه بدلاً من أن يهرب وحده. أما كاثرين فإنها، على رغم أن فلكييها قالوا لها في شكل مؤكد إن الحقبة المقبلة ستوصل إلى عرش فرنسا ملكاً من آل بوربون، ما يضع حداً لحكم آل فالوا، فإنها تناضل ضد هذا المصير بشراسة وقد أرعبها أن تتصور ملك نافار هنري الرابع على العرش. أما مارغو (الملكة مارغو) فإنها، إذ تكون زوجة لهنري دي نافار وتشعر بميل سياسي نحوه يجعلها تتمنى له الوصول إلى السلطة، فإنها في الوقت نفسه مغرمة بهياسنت غراماً حاداً عنيفاً. وكان هذا فضّل أن يعدم، خلال محاكمته، على أن يفشي أسرار علاقته بمارغو. ومع هذا حين يعدم لا تتورع مارغو عن الطلب إلى زوجها الملك أن يأتيها برأس عشيقها المقطوعة.

> هذه المواضيع الثلاثة هي التي تتكون منها حبكة «الملكة مارغو» والكاتب اكتفى، كما أشرنا، بأن يصفها لنا في برّانيتها، من دون أي تعمّق في سيكولوجية الشخصيات، ومن دون أي تدرّج في وصف أفعالها وردود أفعالها، بحيث يبدو في نهاية الأمر وكأن الأحداث العامة تدور خارج صفحات الرواية تاركة لهذه نتائجها. ومع هذا فإن في هذه الرواية، عدا عن صوابية الأحداث التاريخية، جانباً مهماً، هو قدرتها على التعبير عن أجواء باريس وحياة القصور وحياة الشعب في تلك الحقبة المبكرة من التاريخ الفرنسي (القرن السادس عشر). ولعل هذا كان واحداً من العناصر الأساسية التي استهوت دائماً قراء هذه الرواية.

> ومهما يكن من الأمر هنا، لا بد من أن نشير إلى أن ألكسندر دوما عرف دائماً كيف يصف أجواء رواياته ويملأها بالحيوية، هو الذي صار هذا الوصف لديه حرفة أساسية، تشهد على هذا رواياته المهمة وكتب رحلاته الكثيرة، وكذلك مسرحياته التاريخية والمعاصرة. ونحن نعرف أن ألكسندر دوما الأب (1803 - 1870) خاض كل هذه الأنواع وكتب طوال حياته، منفرداً أو مع معاونين، مبتكراً أو مقتبساً من كتاب آخرين (من بينهم شكسبير) عشرات الكتب، الروائية والوصفية، التي جعلته يعتبر على الدوام واحداً من أكثر الكتاب الأوروبيين والفرنسيين شعبية وحظوة، وليس لدى قراء الفرنسية وحدهم.

 alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

16.07.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)