كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

جردة أفلام نصف السنة

من زيرو مصطفى إلى روجر إيبرت مرورا بباريس

لندن: محمد رُضا

 

منذ مطلع العام وإلى هذا الأسبوع، شهدت السوق الأميركية عرض 140 فيلما في صالات السينما وعشرات كثيرة في سوق الأسطوانات المدمجة، إنه المعدل ذاته في كل عام؛ حيث تنطلق الأفلام صغيرة وكبيرة ومتوسطة، ومن كل اتجاه ونوع لاحتلال شاشات السينما في شمالي القارة الأميركية كما حول العالم، والرقم المذكور هو فقط للأفلام المنتجة أميركيا، وليس لتلك المستوردة للعرض في الصالات الأميركية، هذه تصل إلى 27 فيلما رئيسا إلى اليوم، منها الفيلم الفلسطيني «عمر»، والبريطاني «لوك»، والإيطالي «إلقِ اللوم على فرويد».
وليست جميعها أفلام روائية، ولو أن هذا دائما هو الغالب، بل هناك التسجيلي وبالطبع الكثير من أفلام الأنيميشن، والنتيجة هي خلطة معقولة ومتوقعة في سوق زاخر يتحمل صالات تعرض المحدود كما العروض السائدة على حد سواء.

والأسواق العالمية بدورها تعرض الكثير من كل ذلك وفوقه الأفلام المنتجة محليا، فالسوق الفرنسية لديها مئات الأفلام المعروضة كل أسبوع، وبذلك تحافظ على صيتها بصفتها عاصمة للعروض السينمائية العالمية، وإذ تنتقل ما بين السان جرمان والشانزليزيه أو بين روتردام ونواحي مونبرناس، تجد الكثير مما تبحث عنه في تلك الصالات الصغيرة التي تعتقد أن أحدا لم يعد يؤمها؛ صالات تعرض فيلما قديما لإيليا كازان أو برنامجا من الأفلام البولندية أو تظاهرة لنوع الفيلم نوار أو إعادة لأفلام الحرب الفرنسية القديمة، قد تسأل نفسك «من يهتم؟». ادخل إذن وشاهد بنفسك أن هناك من يهتم. الكثيرون ممن يهتمون حقا، أمر مفقود في تربتنا العربية اللاهثة فقط وراء ثلاث جنسيات في مقدّمتها الأميركية وتليها، عن مسافة، الهندية والمصرية.

طبعا «السائد» اسمه كذلك لأنه يسود، ولا يمكن نكرانه ولا نسعى لذلك. والأشهر الستة التي انقضت على مطلع العام الحالي كافية لمعرفة كيف يتبدى نوعيا، ما هي الأعمال التي ارتفعت بمقوماتها الفنية، وما هي تلك التي سقطت بسبب فقدانها لتلك المقومات، لكن الاختيارات اللاحقة لا تتألف منها فقط، بل مما شوهد حتى الآن من كل نوع واتجاه.

* الثلاثة الأولى

* «فندق بودابست العظيم»

زيرو مصطفى، الشخصية المحبوبة في فيلم وس أندرسون البديع «فندق بودابست العظيم»، تساهم في خلق جو خاص لحكاية فانتازية تقع في عالم شائك يبدو جنوحا في الغرابة كما ينطق في الوقت ذاته بالواقع (وليس الواقعية). صبي الفندق الكائن في بعض مرتفعات الألب ورئيسه مدير الفندق (ليام نيسون) يتوغلان في مغامرة تخلع عليهما رداء الصداقة في فيلم لا يتوقف عن مداعبة المشاهد بشخصياته ومفارقاته.

* «دبلوماسية»

كان بعيدا عن الولع باللمعان الإعلامي، عرض المخرج الألماني فولكر شلندروف عملا خاصا ورائعا بعنوان «دبلوماسية»: باريس في ليلة 24 من أغسطس (آب) سنة 1944. الجنرال فون شولتيتز خطط لنسف المدينة مع اقتراب قوات التحالف. المستشار راوول نوردينغ يتسلل إلى مكتب الأول وطوال ساعة ونصف الساعة يحاول إقناعه بعدم إصدار هذا الأمر. تمثيل نيلز أرستروب وأندريه دوسولييه جزء من التكوين الفني العام لهذه المسرحية التي أجري تفليمها بحرص شديد لصنع فيلم ينتمي إلى نوعية نادرة بعيدة تماما عما يروج في الأسواق أو ما قد يثير اهتمام المهرجانات معا.

* «ليفياثان»

يمكن تناول الفساد الإداري في أي بلد، لكن في دولة مثل روسيا، اعتقد الكثيرين أنها ستندمج مع دواعي التغيير بعد الحقبة الشيوعية، فإن المسألة تختلف، وتختلف أكثر إذا ما كان هذا النقد محاطا بإدمان الكاميرا على التقاط أفضل ما يمكن توفيره بصريا من جماليات. إنه عن ذلك الرجل الذي يواجه فسادا إداريا ليكتشف أيضا أن حياته العائلية مخترقة، حين تأتي الجرافة لهدم منزله، تبدو مثل وحش كاسر يأكل أعماقه. فيلم رائع لأندريه زفيغانتسيف.

*سينما الأنواع

هوليوود هي مرتع سينما الأنواع، هناك عشرات منها، من بينها البوليسي، والأكشن، والوسترن، والرعب، والخيال العلمي، والدراما الاجتماعية، والدراما العاطفية، والكوميديا، ومثل كل سنة كان هناك، من بين ما عرض في الأشهر الستة السابقة، ما يستحق الإشادة في كل نوع.
*
بوليسيا

«أليست تلك الأبدان ملائكية» لديفيد فلاوري يقف على قمة الأعمال البوليسية، انطلق لعروض محدودة قبيل نهاية العام وبمعجزة بقي لأسبوع أو أسبوعين في بعض صالات سنست بوليفارد في هوليوود.

* رسوم متحركة

كلها باتت تتشابه، لكن أفضلها فيلمان من عروض مهرجان أنيسي: «ليسا ليمون والبرتقال المغربي: قصة حب سريعة» لمايت لاس، والثاني «إلى أن يفرق بيننا سبورينو» لأوتو غويرا وإنيو توريسان، الأول من استونيا ويدور حول صبي لاجئ من الساحل المغاربي عبر مركب صغير تحطم قبل وصوله إلى الشاطئ الإيطالي، يقع في أسر إدارة مصنع لمعجون البندورة؛ حيث يعامل كعبد. الثاني برازيلي حول بلد صغير مجهول يقع خلف جبل عال، عندما ينهار وينكشف أمره يسارع المستثمرون الآتون من البلد المجاور إلى الاستثمار فيه، إنه عن كيف يؤثر ذلك على الحياة والثقافة ولا ينسى تقديم قصة حب تمتد كعمود فقري.

أميركيا، تتشابه التقنيات والمواضيع كثيرا لكن أحد الأكثر تميزا وفانتازية «كيف تدرب تنينك 2» للأميركي دين ديبوا، يعود إلى حكايات الفايكنغ ويحتفي بسخافة مفارقاته إنما على نحو كوميدي لطيف.

* خيال علمي

على كثرة ما عرض فإن «غودزيللا» لغارث إدواردز لا يزال الأفضل، لا يهم أن «ترانسفورمرز 4» و«رجال إكس: أيام الماضي المقبل» حققا شعبية أعلى، إنه الأفضل من حيث معرفته كيف لا يزال قادرا على إثارة الدهشة.

«حافة الغد» لدوغ ليمان لا بأس به، لا تتوقع أنه سيتحسن لكنه يفعل ذلك واضعا حكاية بطله توم كروز وسط إعصار من الحلقة المفرغة ليكسرها في الوقت المناسب ويمنع عنها التكرار والضجر.

* تسجيلي

«الحياة ذاتها» لستيف جيمس هو الأفضل هذا العام من بين حفنة من الأعمال التي شوهدت (معظمها في مهرجاني برلين وكان)، ليس لأنه عن زميل ناقد (روجر إيبرت)، بل لأنه يستعرض من خلال حياته مواقفنا وأحلامنا وإحباطاتنا أيضا.

سينما عربية

آسف. لا يوجد.

أما الأسوأ فهو

* هل سمعت عن «حب بلا نهاية»؟ إنه ركاكة بلا نهاية فعلا، وماذا عن «ليلة سهر الأمهات»؟ أو «أكاديمية مصاصي الدماء»؟ يتجاوزها جميعا «مليون طريقة للقتل» ويجاورها الإيطالي «إلق اللوم على فرويد»، وقبل أن يتوه وسط الزحام «بعد الإشارة الصوتية» شيء هولندي جرى عرضه في مهرجان روتردام ومثيلا أرجنتينيا له هو «تاريخ من الخوف» عرضه برلين.

10-TOP

أفلام متعثرة

* ثلاثة أفلام جديدة تعثرت هذا الأسبوع «أرض إلى الصدى» لم يثر اهتماما كبيرا، وانتهى إلى المركز السادس، في المركز الرابع فيلم رعب مكرر هو «خلصنا من الشر» وفي الثاني خيبة أمل بالنسبة لمن توقع أن تحقق ماليسا مكارثي نجاحا كبيرا آخر يعزز مكانتها كملكة الكوميديا، الفيلم هو «تامي» الذي جمع نحو 21 مليون دولار لكنها لن تكون كافية لبناء مجد.

* «تامي» في النهاية فيلم لا يستحق النجاح، كذلك الحال بالنسبة لفيلم Mrs. Brown›s Boys D›Movie كوميديا بريطانية احتلت المركز الأول حتى مطلع الأسبوع الحالي، بينما حط «تامي» ما غيره أولا في ألمانيا.

* الأفلام

1- (1*)(1) Transformers: Age of Extinction: 

$37,050,185
2 - (2*)(-) Tammy: $21,577,049 

3 (2*)(2) 22 Jump Street: $9,803,332 

4 - (1*)(-) Deliver Us From Evil: $9,740,471 

5 (3*)(3) How to Train Your Dragon 2:

$8,961,088 
6 -(3*)(-) Earth to Echo: $8,364,658 

7 - (2*)(5) Maleficent: $6,159,176 

8 - (3*)(6) Jersey Boys: $5,155,144 

9 - (1*)(4) Think Like a Man Too: $4,874,105

10 - (3*)(7) Edge of Tomorrow: $3,660,334

* حديثا على DVD

(3*)Locke

توم هاردي يقود السيارة ليلاً ويتعامل مع مشكلاته قبل أن يخسر عمله وزوجته (2013)

Bad Words(2*)

الفيلم الأول للممثل جاسون بايتمان بصفته مخرجا، حول أربعيني يشترك في مسابقة للأولاد (2013)

(2*)The Raid 2

الجزء الثاني من فيلم أكشن وعصابات بطلها فريق من القوات البوليسية الخاصة (2013)

(2*)Kindergarten Cop

كوميديا قام أرنولد شوارتزنيغر ببطولتها أيام كان نجما (1990)

شاشة الناقد

بين حياة وموت

الفيلم: «فترة خطوبة طويلة جدا» A Very Long Engagement

إخراج: جان - بيير جونيه Jean - Pierre Jeunet

أدوار أولى: أودري توتو، غاسبار أوليل، دومينيك بينون، أندريه دوسولييه.

تقييم الناقد:(4*)

بعد عشر سنوات على إنتاجه، وبعد أن جرى إطلاقه على أسطوانات سنة 2006، يعاود «فترة خطوبة طويلة جدا» تحقيق حضوره من خلال إطلاق جديد لمجموعة مزمعة الصدور قريبا لأفلام المخرج الفرنسي جان - بيير جونيه.

جونيه لم يدرس السينما بل علم نفسه بنفسه من خلال حضوره أفلام الغير، في العام 1991 أنجز فيلمه الأول «حلوى» الذي نال جائزتين من جوائز سيزار، لم ينجز هذا الفيلم وحده بل مع مارك كارو، أنجزا معا عدة أفلام أخرى أفضلها «مدينة الأطفال الضائعين» عام 1995، بعد عامين أنجز فيلمه الأول منفردا وكان الأميركي Alien: Resurrection الذي لم يستقبل جيدا، سنة 2001 أنجز «أميلي» وبعده «فترة خطوبة طويلة جدا» كلاهما أفضل ما حققه إلى اليوم.

هناك حكاية عاطفية في قلب هذا الفيلم الذي يتناول أحداثا حربية تقع سنة 1917 وما بعدها، مثل فيلم آبل غانس «إني أتهم» (1919)، لدى الحكاية قلبا جريحا يسردها المخرج في شخص بطلته ماتيلدا (أودري توتو) وفيه تناوب بين مشاهد الحرب ومشاهد الحب، شعريا ورومانسيا وجماليا وعبر رسائل وبحث مستفيض لامرأة تريد معرفة ما حل بخطيبها في الجبهة.

ثم ها هي الحرب انتهت ومن بقي حيا عاد منها مهزوما حتى ولو انتصر وهي غير واثقة من أنه مات ولا تعرف بالتأكيد أنه ما زال حيا، لكن هذه الحكاية العاطفية ذات الشفافيات الرومانسية الواضحة هي في ذاتها أقرب إلى كوابيس مفجعة.

مشاهد الحرب على الجبهة مؤلمة، يبدأ الفيلم مثل الكتاب الذي اقتبس الفيلم عنه والذي وضعه الروائي جان - بابتيست روسي تحت اسم مستعار هو سيباستيان جابريسو (تحت ذلك الاسم المستعار كتب روسي رواية «جريمة مركبة النوم» التي أخرجها كوستا - غافراس فيلما) بجبهة القتال خلال الشهر الأول من العام 1917، لقد مرت ثلاث سنوات على حرب ضروس تخاض بضراوة وبكثير من التضحيات، خمسة من اليائسين (كلوفيس كورنيلاك، دنيس لافان، دومونيك بتنفيلد، جيروم كيرشر، جاسبار أوليل) يقدمون على إحداث إصابات وتشويهات في أبدانهم لأجل الهرب من خط النار طمعا في تسريحهم لكي يعودوا إلى الحياة المدنية، الفيلم يقدمهم بتعليق بينما الكاميرا تحوم عليهم من عال ثم تشاركهم السير في الوحول وهم يقادون إلى الحكم عليهم.

جونيه يعمد هنا إلى ابتكار معالجة سريعة وموجزة لحياة كل منهم قبل انضمامه إلى الحرب، وفي ذلك يؤسس مدخلا للمجند مانيش أصغر هؤلاء، فنراه في قبس من لحظات الأمس عازما على الزواج من ماتيلدا قبل أن يجر إلى خطوط القتال؛ إذ تقضي المحكمة بدفع الرجال الخمسة إلى أتون المعركة، يعلم الجميع أنهم في فوهة المدفع، فتنفيذا للقرار عليهم التقدم فوق أرض من الموت تفصل بين الجيش الفرنسي والجيش الألماني؛ حيث تعرضهم للموت أمر محتم. لكن جونيه يترك مصير مانيش معلقا، لا نراه يقتل فعلا ولا نعرف إذا ما نجا بأعجوبة أم لا.

في هذا الوضع، نحن مثل بطلة الفيلم ماتيلدا لا تعرف شيئا مؤكدا تستطيع معه الخروج بقناعة أكيدة.

سنوات السينما: 1944

أوليفييه أمام هنري

في العام 1944 تأكد غزل المخرجين الأميركيين مع فن التصوير بالأبيض والأسود، ما عاد هذا الفن مجرد اختيار تقني بل بات اختيارا فنيا في المقام الأول، إلى جانب «تأمين مزدوج» نلاحظ هذا الاهتمام في «المرآة التي عند النافذة» لفتريتز لانغ، و«لورا» لأوتو برمنجر وروبن مأموليان، و«جريمة يا حلوتي» لإدوارد ديمتريك، و«غازلايت» لجورج كوكر، وهذا الأخير خرج بأوسكارين أحدهما لبطلته إنغريد رغمن.

لكن الحال ليس كذلك بالنسبة للفيلم البريطاني «هنري الخامس» للمخرج لورنس أوليفييه، الصورة باهتة وكلاسيكية والإضاءة تتبع المزاج، وليس بعدا فنيا، كذلك الإخراج فأوليفييه ممثل جيد، وهذا لا يعني بالضرورة أنه يستطيع أن يكون مخرجا جيدا، على ذلك، «هنري الخامس» يبقى أبرز ما حققه.

المشهد

ألعاب هوليوودية

* على الرغم من نجاح «ترانسفورمرز: عصر الإبادة» منجزا 185 مليون دولار محليا و401 مليون دولار عالميا (من بينها 220 مليون دولار في الصين)، فإن موسم الصيف لا يزال في خطر؛ الأفلام السابقة لم تنجز ما كان مفترضا بها إنجازه، وها هو الموسم متراجع بنسبة 20 في المائة عما كان عليه في الفترة ذاتها من العام السابق، لكن الأمل في القردة!

* ترى هل ستنقذ هوليوود الصيف على نحو كبير وتعيد ثقة المشاهدين بأفلامه بدءا من هذا الأسبوع عندما تباشر صالات السينما عرض «فجر كوكب القردة»؛ مشاهد مثل اعتلاء الغوريللات الجياد تبدو غريبة وغرابتها واعز لجر قدم المشاهدين، بينما هذا أمر لا يمر بسهولة في البال: كيف يمكن لغوريللا (حتى ولو كان تحت تلك السترة الوبرية بشر) أن يمتطي الفرس من دون أن يتدخل في تغيير معالم المتوقع؟ وكم تطلب من الوقت والتدريب قبل أن تتعود الجياد على شكل ذلك الحيوان الذي سيركبها عوض الإنسان؟ أشعر بالأسف للجياد، لكن الخلطة لا بد ستحقق نجاحا بصرف النظر، كما هو الحال في كل فيلم من الإنتاجات الكبيرة، عن مستوى الفيلم بحد ذاته.

* الحديث عن «شباك التذاكر» ومستوى أدائه ليس حديثا سهلا. نقادنا عادة يعتبرون أن السينما هم وطني وطرح سياسي وقضايا شائكة. انظر إلى عناوين معظم المقالات السينمائية التي تنشر في الصحف والمواقع تجدها حافلة بالخطب والطروحات ذات الطابع السياسي، وبالنصوص التي تقلب ما يجب أن يبقى وسيلة لجلب الجمهور إلى كيان الكتابة ومنه إلى كيان الفيلم إلى ما يشبه رفع أثقال من الهموم والهواجس.

* ما يحدث للسينما فنيا وتقنيا وصناعيا وتجاريا جزء لا يتجزأ من الكل، خصوصا أنه يتناول ميول المشاهدين ودراسة طبائعهم ومعرفة المستجد من أحوال السينما التي تحيا خارج المهرجانات وهي في النهاية السينما الغالبة، وهي فوق ذلك جزء من الصحافة اليومية ورسالتها التواصلية مع القراء، بل يتدخل في قراءة الفيلم النقدية، فهو قد يلتزم أكثر مما يجب بضرورات السوق فيخسر، وقد يبتعد فينجح. في الوقت ذاته لا التزامه ولا ابتعاده سيعني قيمة الفيلم الفنية أو يحددها.

* الاستوديوهات الأميركية عادة ما تلعب لعبتها الكبيرة 365 يوما في السنة، اللعبة هي عملية توجيه ما ينشر من أرقام مقابل إخفاء أرقام أخرى. حين نقول مثلا إن «ترانسفورمرز: عصر الإبادة» تكلف 210 ملايين دولار لصنعه، فإن هذا الرقم هو المعلن من قِبل الاستوديو (في هذه الحالة باراماونت)، في المقابل الإيرادات المسجلة له هي أكثر نيلا للثقة، لأن هناك مؤسسات مستقلة تقوم بها. لكن لا تفاصيل التكلفة ولا تفاصيل الإيرادات تتحدد على نحو دقيق يكشف ما لا تنوي الاستوديوهات إبقاءه سرا، والمشكلة أن شركاء الإنتاج، تلك المؤسسات الإنتاجية التي تستلف من الاستوديوهات التمويل أو تبيعه مسبقا والتي تنتظر نصيبا من العائدات، لا تستطيع أن تعرف تماما ما هي حقا حصتها من التوزيع أو من الأرباح، وكثيرة هي الدعاوى القضائية التي رفعها منتجون أو شركات إنتاج صغيرة ضد الاستوديوهات التي أخفت الأرقام الحقيقية وتفاصيلها ولم تدفع أو دفعت مبلغا هزيلا.

* ومعظم المشاريع باتت من النوع المضمون (أو هكذا يعتقد إلى أن يطرح في الأسواق)؛ مما جعل الإبداع والابتكار نادرين ندرة كنوز علي بابا هذه الأيام، مسلسلات وإعادات واشتقاقات وأجزاء، بحيث يبدو أن هوليوود باتت أقرب إلى دار نشر متخصصة في نوع واحد من الكتب، الأفلام الناتجة عن أفكار أصلية بات من الصعب أن تجد لنفسها شركة إنتاج، ليس هناك من فيلم واحد منها لم يرفض بما فيها فيلم الأوسكارات «جاذبية» الذي دار على باراماونت وديزني ويونيفرسال قبل أن تتبناه وورنر.

* في حين أن كل شيء بات جاهزا في هوليوود، حتى الوصول إلى أن تركب القردة ظهر الجياد وأن تنقذ البشر من البشر، إلا أن الحاضر لا يزال مقلقا كما كان عليه الماضي القريب، الاستنباطات الحديثة من التقنيات ومن وسائل العروض زعزعت صالات السينما كاختيار أول وأفضل لعروض الأفلام، لكن هوليوود والعالم على اختلاف سينماه لا يزال يؤمن بأن نجاح وإخفاق فيلم ما مبني على نجاح أو إخفاق عروضه على الشاشات الكبيرة.

الشرق الأوسط في

11.07.2014

 
 

تنديد يهودي وسوداوية مفرطة وكرنفال سينمائي في تلال بوهيميا

كارلوفي فاري (تشيخيا) - فيكي حبيب 

لا شيء يُعكّر الاحتفال بالسينما في مهرجان كارلوفي فاري. لا أمطار تموز(يوليو) ولا الحملات اليهودية المتصاعدة ضد تكريم النجم الأميركي ميل غيبسون ولا حتى الاحتفالات بالفوز الساحق للجارة الألمانية على خصمها اللدود (الفريق البرازيلي) في «مونديال البرازيل».

لا شيء في هذه المدينة البوهيمية قادر على ان يسرق من وهج السينما أو يخفف من شغف الشباب التشيخي بأضوائها، وكأن في الأمر ما يُشبه الطقوس التي لا يمكن تجاوزها. ولشباب تشيخيا طقس سينمائي سنوي يُدركون كيف يحتفون به على مدى 9 أيام متواصلة خلال فصل الصيف.

أيام تعجّ فيها الصالات المظلمة بوجوه متلهفة لما ينتظرها خلف الشاشة السوداء، ولا تملّ فيها جلسات السمر من أحاديث عن أفلام تسافر بهم الى أقاصي الأرض أو تأخذهم في رحلة داخل النفوس البشرية الحائرة.

ولا عجب ألا يُعير أحد بالاً للبيان الذي ورد على موقع «بلومبرغ» من اتحاد الجمعيات اليهودية في تشيخيا والذي ندد فيه بتكريم ميل غيبسون في المهرجان، مذكراً بأنه صوّر اليهود في فيلم «آلام المسيح» بأنهم «متعطشون للدماء». وأضاف: «بهذا التكريم، تحوّل المهرجان الى منصة أخرى قابلة للجدل، تساهم في تحويل البلاد من جو تقليدي ومتسامح نسبياً الى بيئة حاضنة لأفكار العداء ورهاب الأجانب والأفكار المعادية للسامية».

بيان مرّ مرور الكرام تماماً مثل العريضة التي رفعها بضعة شبان في ساحة كارلوفي فاري لانتزاع تواقيع ضد «الإسلام». وحين جاهرت صديقة مصرية بإسلامها وسألتهم ماذا تعرفون عنه حتى تحرّضوا الناس ضده، تراجعوا قائلين: «نحن لا نقصدكم أنتم، بل نقصد أولئك الذين يأتون من سورية والعراق... هؤلاء لا نريدهم بيننا».

مزاج عام

ويقيناً أن مثل هذه النماذج المتشددة لا تعكس المزاج العام في هذه المدينة التي تقع في الجزء الغربي من الجمهورية التشيخية عند التقاء نهر تبلا مع نهر أورجيه. فهي، ونظراً لكونها مدينة المصحات العلاجية الأكبر والأشهر بين مدن الجمهورية التشيخية، اعتادت ألا تغلق أبوابها في وجه أحد، لاسيما أنها تستقطب سنوياً عدداً كبيراً من العرب الذين يقصدونها للعلاج والاستجمام. وإن حالفهم الحظ وزاروها خلال أيام انعقاد الحدث الأكبر فيها، أي مهرجانها السينمائي، تصبح المتعة مضاعفة، إذ تتحول المدينة الى ما يشبه العرس الممتد على مدى 9 أيام يتواصل الليل فيها بالنهار.

لكنّ الأجواء الكارنفالية خارج الصالات تُقابلها سوداوية في الداخل، حيث تعكس الشاشات تناقضات عالم تصوّره الأفلام الـ 240 التي اختارها المهرجان في دورته الـ 49 لجمهوره. عالم تتخبط شخصياته وتتهاوى الى أسفل الدرك من دون أن تجد خشبة خلاص تقيها من الموت المحتم.

«لا أدري إن كانت استراتيجية جيدة مشاهدة أربعة أفلام في اليوم تجعلكم تريدون أن تقتلوا أنفسكم لكآبتها وسوداويتها»، يقول المدير الفني للمهرجان كارول أوش في حديث إلى الصحافة. «حاولنا في هذه الدورة أن تكون جرعة السوداوية أقل بقليل في البرنامج، وأن يكون التهكم أكبر». فهل يمكن القول إن مزاج الدورة 49 من المهرجان أتى أقل سوداوية مما هو عادة؟

إذا كانت الأفلام الروائية الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية هي المعيار- بما أن هذا القسم هو في العادة واجهة أي مهرجان -، فإن ما شاهدناه منها حتى كتابة هذه السطور (10 أفلام من أصل 12) لا يبتعد كثيراً عما سارت عليه الدورات الماضية من نهج غارق في قتامة مفرطة بسوداوية تطرح أسئلة الوجود وتحاول ان تزعزع مسلّمات تستكين إليها النفس البشرية.

دروس في التاريخ

وتبرز تيمة «الوحدة» كخط رئيس يربط غالبية أفلام المسابقة. وفي هذا السياق يطلّ الفيلم الجورجي الأخاذ «جزيرة الذرة» للمخرج جورج أوفاشفيلي الذي يأسر مشاهديه بمتعة بصرية لافتة من دون أن تنطق شخصياته إلا بأربع أو خمس عبارات فقط طوال دقائقه المئة.

فيلم صامت يقول الكثير عن علاقة الإنسان بالأرض من خلال ثلاثة أبطال تدور من حولهم القصة: جد وحفيدته ونهر أنغوري الذي يرسم حدوداً طبيعية تفصل جورجيا عن أبخازيا.

وجهان قاسيان يطالعاننا في هذا الشريط وهما يناضلان من أجل البقاء على قيد الحياة: الجد الذي ارتأى ان يزرع الذرة على جزيرة صغيرة أحدثها أحد فياضانات الربيع. وحفيدته المراهقة الجميلة التي تتعلم على يديه كيفية العيش في ظل ظروف طبيعية خشنة. وفي الإطار يدور النزاع الجورجي- الأبخازي من دون ان يغرق المخرج في التفاصيل، بل يكتفي برشقات من الرصاص تارة، وتارة أخرى نشاهد جنوداً من الجانبين بلباسهم الرسمي يجوبون النهر ويلقون التحية على صاحب التجاعيد والتقاسيم القاسية.

لا دروس في التاريخ في هذا الشريط ولا مواعظ رنانة. فقط غمز من عبثية النزاع، وكأن المخرج اراد من هذا الخيار ان يقول ان الطبيعة أقوى من كل الصراعات، فلماذا التقاتل إذاً؟ ولعل أكثر ما يتجلى هذا في نهاية الفيلم حين يدمر الفيضان الأرض التي لاحقتها الكاميرا بعناية شديدة مذ كانت بوراً حتى أضحت صالحة للزراعة بفعل اجتهاد الجد ومساعدة حفيدته. لكنّ غضب الطبيعة لا يرحم بطلنا فيكون الغرق نصيبه. ومثلما يبدأ الفيلم بمشهد للجد وهو يحفر في التراب ليجد أثراً مطموراً من أبائه، ينتهي الشريط مع رجل خمسيني يحفر في التراب ليجد الدمية التي كانت تضعها البطلة فوق سريرها، ما يشي بأنها نجت وبأن الرجل ليس إلا ابنها الذي يعود الى ارض الآباء المتوارثة من جيل الى جيل.

فيلم آخر يغوص في أسئلة الوجود هو الفيلم الكازاخستاني «مغامرة» (من إخراج ناريمان توريبايف). فهذا الشريط السينمائي المأخوذ من رواية دوستويفسكي «اليالي البيضاء» التي ألهمت سينمائيين كثراً (لوشينو فيسكونتي وروبرت بريسون بين آخرين) يتوغل في أعماق نفس حائرة حول هدف البقاء على قيد الحياة. نحن هنا امام عامل أمن («مارات») يعيش وحدة موحشة وصمتاً مدوياً وكآبة لا تُفارق خطوطها تقاسيم وجهه. وحده ضوء يُنير شباك غرفته، يبدو وكأنه سينتشله من عزلته حين يقع ذات ليلة في سحر فتاة حسناء («مريم»)، بعد أن ينقذها من أنياب شاب حاول الاعتداء عليها. ولكن بدلاً من أن يتحوّل «مارات» الى بطل في عيني «مريم» التي تخبره أنها تقف قبالته كل مساء في انتظار ان يعود حبيبها الذي هاجر الى الخارج، تتلاعب بطلتنا به، وتغرقه في متاهات قد تضع عمله على المحك... لا بل حياته كلها. «أنا فتاة خطيرة»، تقول له بثقة كبيرة، لكنّ «مارات» لا يبالي. «هي فتاة تقلب حياة من حولها الى الأسوأ»، يخبره شاب عانى الأمرين في حبها، بعدما تحوّل من أستاذ جامعي مرموق الى مشرد يعيش على الحافة... لكنّ، «مارات» لا يسمع، فالأمر سيان بالنسبة إليه وما ينتظره دونها ليس أفضل.

مطهر

قتامة أخرى يصوّرها الفيلم المكسيكي «لا تيرسيا» (الحزن الدائم) برسمه شخصيات تعيش بجسدها بعدما ماتت روحها. نحن هنا أمام فيلم ينقسم الى فصول، يُحيل المخرج كل واحد فيه الى تكريس مسيحي للشهور التي تجري فيها الأحداث، يبدأ بأيار(مايو)، شهر العذراء مريم، مروراً بحزيران (يونيو) شهر قلب يسوع وصولاً الى تشرين الثاني (نوفمبر)، شهر النفوس المطهرية... وكأنه أراد من هذا التقسيم، التشديد على سطوة الدين في المجتمعات الريفية المكسيكية، خصوصاً ان لا أهمية له في سياق الأحداث إلا لناحية ضبط الإيقاع. أما القصة فتدور حول امرأتين: «شيبا» و»أنجليس». الأولى هاجر زوجها قبل 3 سنوات الى الولايات المتحدة وتنتظر مولوداً من جارها «سيلفستور» المهووس بمغادرة البلاد. والثانية ابنة زوجة «سيلفستور» التي تنتظر منه مولوداً أيضاً برضا والدتها التي تنصاع امام هذا الخيار خوفاً من أن تخسر رجلها.

امرأتان تتخبطان أمام سؤال واحد: هل تترك جنينها وراءها وتسير في حياتها ام تتمسك به ولو كان مصيرها الشقاء؟ وفيما يبدو السؤال لا جدال فيه بالنسبة الى «شيبا» التي لا شيء يمكن ان يسلبها طفلها، تبدو المراهقة «انجليس» على النقيض تماماً، فهي غير مستعدة لتربية طفل اتى من علاقة غير شرعية. وحين تقول لها والدتها سأربيه بدلاً عنك، تنظر إليها بغضب كبير وتقول: وهل تعرفين كيف تكونين أماً؟ وفي هذا الجواب غمز من سكوت الأم على العلاقة غير الشرعية التي يُقيمها زوج والدتها معها بمعرفتها. لكنّ سخرية القدر تأبى الا ان تتدخل بحيث تنقلب الأدوار في النهاية: «انجليس» تتمسك بطفلها وترحل بعيداً، فيما «شيبا» تهجر طفلها وتعيش مطهرها على الأرض.

مطهر استقطب أفلاماً أخرى كثيرة في هذه المسابقة، مثلما تابعنا في فيلم «لعبة عادلة» الذي يعود في الماضي الى الأربعينات ليصوّر صرامة النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا سابقاً من خلال قصة إعداد عداءة للوصول الى الألعاب الأولمبية ولو حتى على حساب صحتها. أو ما شاهدناه في فيلم «الى أسفل» من جو غير صحي تعيشه مراهقة في السبعينات من القرن العشرين مع والدها عازف البيانو المدمن على المخدرات. أو ما رسمه فيلم «باريس الشمال» من علاقة باردة تربط أب يزور ابنه بعد غياب، فيكتشفان بعضهما بعضاً تدريجياً بعد أن تنهال عليهما المشاكل.

أفلام عابقة بسوداويتها تشي بالكثير عن عالم مضطرب تعيش شخصياته على حافة الهاوية، بانتظار الخلاص... وحكايات من جنسيات متنوعة تعكس هماً واحداً: التوق الى حياة أفضل مهما كان الثمن.

الحياة اللندنية في

11.07.2014

 
 

اتجاهات الإنتاج السينمائي من ثورة يوليو حتى ثورة يناير

القاهرة – هيام الدهبي 

تعتبر السينما واحداً من المكونات الأساسية والوسائل التي تشكل وجدان الشعب، وتعبر عن همومه ومشاكله، إلى جانب الدور الترفيهي والتثقيفي الذي تقوم به، وفي شكل خاص في مجتمعات الدول النامية. من هذا المنطلق صدر كتاب «اتجاهات الإنتاج السينمائي... من ثورة يوليو حتى ثورة يناير» للناقد السينمائي الدكتور ياقوت الديب، ضمن سلسلة «آفاق السينما» التي تصدرها «الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية» (252 صفحة).

يقول الدكتور الديب في مقدمة كتابه إن الانطباع الأول عن السينما المصرية، يولد لدينا إحساساً بأن هذه السينما عكست صورة الواقع الاجتماعي والسياسي المصري وتناولت بطريقة رصينة وجادة، قضاياه الحيوية المتمثلة في الفقر ومشكلات المهمشين في المجتمع ومشكلات المرأة وقضايا الشباب ومشكلات الإسكان وقضايا المخدرات وقضايا الشرف وقضية الانجاب ومشكلات الأسرة وقضايا الاقطاع وفساد القطاع العام والتطرف الديني. وهكذا نرى أن السينما المصرية تناولت العديد من قضايا المجتمع المصري الاجتماعية وأيضاً العديد من القضايا السياسية التي شهدها المجتمع على طول تاريخه المعاصر منذ فترة ما قبل ثورة تموز (يوليو) عام 1952 وحتى ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، تلك القضايا التي تنوعت موضوعاتها متراوحة بين الإحتلال الأجنبي والإستعمار، الأحزاب السياسية وقضية الديموقراطية، البوليس السياسي والمباحث العامة وأمن الدولة، التعبير عن الرأي وحرية الابداع، مراكز القوى، الجاسوسية والتخابر مع الجهات الأجنبية، النقابات العمالية والمهنية، ممارسة الحقوق السياسية، وقضية حق المواطنة وحرية العقيدة... وغيرها من القضايا التي تتصدى لها السلطة الحاكمة إما بالحل أو بالمواجهة مع خصومها، وفق أيديولوجيتها ومصالحها، بغض النظر عن نتائج الصدام بينها وبين الجماهير التي تدافع عن حقوقها ومطالبها المشروعة.

وقياساً على ذلك يمكن القول إن السينما المصرية خلال الفترة الزمنية المذكورة شهدت العديد من الظواهر السينمائية، الإيجابية والسلبية، خلال حقب حكم جمال عبدالناصر وأنور السادات، وحسني مبارك.

ويضيف الديب: «نجد مثلاً أن الظواهر السينمائية في عهد جمال عبدالناصر قد تمثلت في انتشار ظاهرة الأفلام التي تنتقد أوضاع ما قبل ثورة 1952 وظاهرة الأفلام التي تؤيد الثورة وتمجد الحقبة الناصرية وصولاً الى ظاهرة سينما القطاع العام (1963 -1971). أما الظواهر السينمائية في عهد أنور السادات فتمثلت في انتشار ظاهرة أفلام مراكز القوى وظاهرة أفلام حرب أكتوبر وظاهرة أفلام المقاولات. بينما تمثلت الظواهر السينمائية في عهد حسني مبارك في ظاهرة الواقعية الجديدة في السينما المصرية وظاهرة أفلام الفتوات والأفلام المستقلة».

ويفسر الكاتب أنه في ما يتعلق بالظواهر السينمائية التي واكبت الحقب التاريخية الثلاث (عبد الناصر – السادات – ومبارك) نجد بعضاً من الظواهر التي تستدعي الوقوف أمامها طويلاً حيث إنها جاءت بمثابة الابن الشرعي للمناخ السياسي السائد، وانعكاساً لمدى نظرة السلطة الحاكمة للسينما ودورها في المجتمع، كما أنها تعكس الذوق العام السائد لدى الجمهور وكذلك تعكس الوضع المادي لجهات الإنتاج السينمائي، والأهم من هذا وذاك متطلبات السوقين الداخلية والخارجية.

ويكمل الكاتب مفسراً انه لا شك في أن حقب الحكم الثلاث «شهدت العديد من الظواهر السينمائية التي تميز كل منها بمعالم واضحة ظهرت في الأفلام، التي تنسب لهذه الظاهرة أو تلك، والتي أفرزت الكثير من الأفلام ذات الصبغة النوعية المتقاربة الأبعاد والأشكال، والتي تشكل في مجموعها موجة أو حركة سينمائية جديدة، كتلك التي شهدتها السينما في العديد من الدول ذات التاريخ المعتبر في السينما، والتي تنوع فيها الإنتاج السينمائي تنوعاً ملحوظاً، بحكم الخبرة والممارسة الطويلة لصناع السينما فيها». ويعدّد الكاتب هنا على سبيل المثال لا الحصر: حركة الواقعية الجديدة في إيطاليا، سينما الموجة الجديدة في فرنسا، السينما التعبيرية في ألمانيا، الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، السينما التركية الجديدة وغيرها من الظواهر في الكثير من الدول. ويشير إلى أنه في مصر يمكن رصد مثل هذه الظواهر، وفي شكل خاص تلك التي برزت على الساحة السينمائية خلال فترات حكم عبدالناصر والسادات ومبارك، ومنها ظاهرة سينما القطاع العام في عهد عبدالناصر، وظاهرة أفلام مراكز القوى في فترة حكم السادات، وظاهرة أفلام الواقعية الجديدة، وغير ذلك من الظواهر، بكل ما صاحبها من إيجابيات وسلبيات.

ويخلص الدكتور ياقوت الديب إلى أنه من استعراض اتجاهات الإنتاج السينمائي في مصر فإن حال السينما المصرية ستبدو كحال أي سينما كبيرة في العالم لم يقف إنتاجها على اتجاه معين أو بضع اتجاهات، لكنها قدمت كل أشكال الفيلم السينمائي وكل اتجاهاته، في شكل متمكن قدر المتاح من إمكانات مادية وتقنيات حرفية، بفضل صناعها الكبار من فنيين وفنانين، الأمر الذي أدى إلى أن يطلق عليها هوليوود الشرق، وهي سمة ربما افتقدت بعضاً من مقوماتها أو عناصر توجدها في العقود القليلة الماضية، «إلا أن الأمل يحدونا في استعادة هذه المكانة المهمة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا» كما يقول آملاً قبل ان يضيف: «وفي ما يتعلق بالسينما المصرية، كان أمراً طبيعياً أن نشهد ميلاد العديد من الظواهر السينمائية، التي تعاقبت خلال السنوات منذ نشأة السينما وحتى اليوم، ولا شك في أن الفترة التاريخية الممتدة من ثورة تموز (يوليو) 1952 وحتى ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 شهدت مثل هذه الظواهر التي كانت وراء ظهورها عوامل عدة، أدت إلى حتمية ظهور هذه الظاهرة أو تلك، وكان لكل منها أثره الواضح في مسيرة السينما في مصر، وفي حركة الإنتاج السينمائي وتوجهاته، سواء بالإيجاب أو السلب، لكنها تبقى عند حدود طبيعة السينما في أي مكان من العالم، إذ لا بد من أن تكون السينما في حركة ديناميكية مستمرة لتحقيق طموحات صناعها في الوصول إلى تقديم أفضل ما لديهم من إبداع وإلى جانب توجهات السينما المصرية الروائية الطويلة الاجتماعية والسياسية، التي، خلال الحقب التاريخية الثلاث من تموز 1952 إلى كانون الثاني 2011، شهدت توجهات مغايرة لإنتاج أفلام ذات صبغات وأشكال أخرى منها: الأفلام الكوميدية، أفلام الحركة والمغامرات، الأفلام الغنائية والاستعراضية وأفلام الأساطير، والأفلام الدينية والتاريخية وأفلام الملاحم والسير الذاتية والأفلام العاطفية والرومانسية.

الحياة اللندنية في

11.07.2014

 
 

عاطف الطيب في ذكراه ... سيرة ذاتية لوطن

القاهرة - عزة سلطان 

لم يكن أثناء دراسته طالباً يلفت الانتباه، بل والأكثر من ذلك أن مشروع تخرجه من معهد السينما كان متواضعاً بما لا يلفت الانتباه نحو مخرج سيكون علامة فارقة بأعماله في تاريخ السينما المصرية، لكن شادي عبد السلام لمح فيه موهبة خاصة فأعطاه الفرصة ليخرج أول فيلم له من إنتاج وحدة الفيلم التجريبي، فكانت بداية رحلته الفنية. إنه عاطف الطيب، كما تحدث عنه رفاقه وهم يسطرون سيرته الذاتية عبر الفيلم الوثائقي «الطيب... سيرة ذاتية لوطن».

على مدار عقدين تطور شكل الفيلم الوثائقي، مستفيداً من التنامي المعرفي، وتطور التقنيات التكنولوجية، وكان لظهور الفضائيات أثره البالغ في تطور شكل الفيلم الوثائقي/ التسجيلي وانتقاله من مرحلة تسجيل لحظة، ليصبح وثيقة متكاملة الجوانب، مستفيدة من كل التقنيات والفنون الأخرى، وهو ما جعل من كل فيلم وثائقي صُنع بجدة وتميز، حالة بصرية معرفية، مقترباً من كونه مصدراً من مصادر المعلومات خاصة إذا اعتمد ضيوفاً خبراء فى موضوع الفيلم.

إذن ليس مستغرباً، أن يتم استعراض تاريخ أمة من خلال سيرة ذاتية لمخرج من مخرجيها. فقد استطاع محمد فريد مخرج فيلم «الطيب... سيرة ذاتية لوطن» أن يجد ضالته في صنع لوحة تاريخية يتماهى فيها الشخصي مع العام، ليصبح كل حدث تاريخي بمثابة حدث شخصي يترك آثاره على شخصية المخرج عاطف الطيب، حيث عبر خمسين دقيقة، هي زمن الفيلم، سنتعرف إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية في مصر، وكيف تركت آثارها على المجتمع وأفراده. فالأسرة التي هجرت موطنها الجنوبي بحثاً عن سعة في العيش، سوف تتغير حياتها بعد أن يفقد الأب مصدر رزقه ليخرج الابن عاطف الطيب للعمل. التاريخ هنا حاضر في شكل دائم، يبدأ التعليق من حدث تاريخي مرتبط بالشأن العام، ثم ينتقل لتتبع أثره عبر مقابلات للضيوف وحكي عن حياة المخرج الذي عشق السينما في تفاصيل حياته وناضل من أجل الوطن بكل قوة حتى وإن بدا هادئاً وديعاً حيياً خلال فترات طويلة من حياته.

تبدو المعلومات التي تأتي على ألسنة ضيوف الفيلم، معلومات مدهشة، حين يكشف رفقاء رحلة عاطف الطيب أنه كان هادئ الطباع حتى وهو شاب في معهد السينما، حيث كان من الصعب أن يلفت انتباه الآخرين.

طرق السرد

سيرة حياة الطيب، تبدو من خلال هذا الفيلم، مجدولة بحرفية شديدة مع تاريخ مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952. والطيب يستكمل كما يقول كثر، سيرة الوطن بأفلامه التي تعتني بفترة السبعينات والانفتاح الاقتصادي، وتأثيره على المجتمع. علماً بأن عاطف الطيب عمل في بداية مشواره السينمائي كمساعد مخرج وبخاصة في الأفلام الأجنبية التي كان يتم تصويرها في مصر، كما أنه عمل في الإنتاج في هذه الأفلام أيضاً.

اعتمد محمد فريد في سرده لحياة عاطف الطيب على عنصرين أساسين الأول هو التعليق، حيث يعنى فريد في كثير من أفلامه بالتعليق، وربما يرجع ذلك لكونه خريج قسم السيناريو من معهد السينما، ما عوّده أن يهتم خاصة بالبحث والتعليق جاعلاً من هذين مهمة أساسية له في أفلامه إلى جانب الإخراج.

إذاً اعتني المخرج بالتعليق عناية بالغة، ثم جاءت مقابلات الضيوف عنصراً ثانياً في عناصر السرد، لتكمل المعلومة وأحياناً لتكرر ما يأتي عبر التعليق. لكن التعليق لم يقتصر على ذكر تفاصيل حياة عاطف الطيب وإنما تطرق كذلك للظروف الاجتماعية والسياسية خلال هذه الفترة.

وقد وفق فريد في الاستعانة بعدد كبير من الضيوف من كافة أطياف العمل السينمائي، فكان هناك الممثلون نور الشريف، وأحمد بدير وهالة صدقي، والمخرجان محمد النجار ومحمد ياسين، وعدد من النقاد وبعض أفراد عائلة الطيب.

ولئن كانت المقابلات قد بدت تقليدية كما يحدث في أي فيلم وثائقي تلفزيوني، حاول فريد أن يخلق عناصر إبهار خاصة به داخل الفيلم من خلال اعتماده على مستوى الضيوف وشهرتهم. كما حرص على جانب آخر على تركيب ديكور خاص للمقابلات، مكوناً إياه من أفيشات أفلام عاطف الطيب وصور شخصية له، بما يضفي حالة مميزة في المقابلات.

المشاهد الدرامية

بدا محمد فريد في هذا الفيلم، على رغم سينمائيته المعلنة وكونه فيلماً عن رجل سينمائي بامتياز، مخلصاً لقواعد الأفلام الوثائقية التلفزيونية، فأتى الفيلم في نهاية الأمر أقرب إلى العمل التلفزيوني بامتياز، لكنه بدا ساعياً في الوقت نفسه إلى التجويد، مشتغلاً على عدد لا بأس به من المشاهد الدرامية، المأخوذة من أفلام عاطف الطيب في مراحل مختلفة من مسيرته، قاتلاً كل ما قد يتسرب إلى المشاهد من ملل.

ولقد جاء تنفيذ المشاهد الدرامية جيداً جداً وكذلك اختيار الممثل الذي يؤدي دور عاطف الطيب، في مراحل عمرية مختلفة. وفي النهاية يمكن أن نقول أن هذا الفيلم عن عاطف الطيب أتى جيد الصنعة بما يتوافق عبر وسيطه، ولا سيما في استفادته من الموسيقى التي أتت ملائمة للسياق، والمواد الأرشيفية المختارة بعناية. كما جاء المونتاج غير متكلف، متوافقاً مع الحالة العامة للفيلم، فلم يحاول مخرج الفيلم أن يقدم حيلاً أو تقنيات في الشكل السينمائي، تشغل المشاهد، فكان المونتاج ناعماً ينتقل من لقطة إلى أخرى بسلاسة، وكذلك كان التصوير جيداً خاصة في المشاهد الدرامية.

بقي أن نذكر أن المخرج السينمائي عاطف الطيب فارق الحياة أثناء تعرضه لجراحة في القلب، في السادس والعشرين من حزيران (يونيو) عام 1995 تاركاً إرثاً سينمائياً بلغ واحداً وعشرين فيلماً معلناً عن رحيل رائد من رواد تيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية.

الحياة اللندنية في

11.07.2014

 
 

«أوسكارات» بوليوود حب وغناء وجريمة وطبقات منبوذة

نيودلهي - ندى الأزهري 

في الهند ثمة جوائز سنوية للسينما المحلية، تمنح للأفلام بعد اختيارها من جانب لجان مختصة، ومن ثم تتاح للجمهور مجاناً فرصة مشاهدة الأفلام الفائزة في مسارح سينمائية عدة بنيودلهي في ظروف عرض ممتازة. لكن، يتوجب على محبي السينما، وهم كثيرون في الهند، حيازة الوقت الكافي لذلك... فأقصر فيلم لا تقل مدته عن الساعتين! وإذا عرفنا أن ثلاثين فيلماً روائيّاً فازت في الدورة الواحدة والستين للفيلم القومي وعرضت خلال أربعة أيام، فإن حسبة بسيطة تبين أن على الناقد والهاوي ليشاهد الحد الأدنى من الأفلام في أي مهرجان، قضاء ما لا يقل عن عشر ساعات في الصالة المعتمة يومياً، المعتمة إنما المضاءة بأجواء تلك الأفلام وبألوانها الزاهية مع استثناءات نادرة.

وتمنح الجوائز عادة للفيلم المحلي الآتي من شتى أنحاء شبه القارة الهندية، حيث ثمة جائزة لأفضل فيلم هندي وأخرى لأفضل فيلم ماراتي أو تاميل أو... فالفيلم الهندي ليس هندياً فقط، ومن الأفضل القول فيلم من الهند عوضاً عن فيلم هندي، فهذا الأخير يعني هنا فيلماً باللغة الهندية، وتلك ليست الوحيدة. لغات الهند تتجاوز المئتين لكن المتعارف عليها رسمياً، بعد الهندية والإنكليزية، تزيد عن العشر بثلاث. وتخصص الحكومة المركزية جائزة سنوية لأفضل فيلم ناطق بإحدى هذه اللغات.

أيضاً فيما عدا الجوائز المكرّسة لأفضل فيلم روائي وغير روائي، ولأفضل إخراج وتمثيل... ثمة جائزة من نوع خاص لا تمنح، ربما، إلا في بلد كالهند. جائزة لأحسن غناء بالبلاي باك، وأخرى لفن التعبير الجسدي (الكوريغراف) الأكثر اكتمالاً.

تبين الأفلام الفائزة هذا العام أن معظم الجوائز ذهب لتلك الناطقة باللغة الهندية والمنتجة في مومباي حيث الإنتاج السينمائي الأضخم. بالتالي فجوائز مثل أفضل ممثلة وممثل وأفضل إخراج وأفضل فيلم والكوريغراف والإنتاج، لا بد من أن تذهب لفيلم ناطق بالهندية، كذلك الفيلم الأكثر شعبية هو «هندي» بالضرورة، فالجمهور أغرق بهذه الأفلام واعتادها وهو يعشقها.

بطلة مصرية لفيلم هندي!

ضمن جوائز الدورة الحالية للأفلام المنتجة في 2013، اكتسح «باغ ميلكا باغ» أي «اركض ميلكا اركض» (3 ساعات و8 دقائق) للمخرج راكش أمبرا كاشمهرا، مشاعر الجمهور الهندي فمنحه جائزته. كيف لا والفيلم يمس الشعور القومي، العالي هنا، من خلال تطرقه إلى قصة حقيقية عن رياضي شهير من السيخ أضاع فرصته الأخيرة ليصبح بطلاً أولمبياً. يحاول الفيلم أن يتحرى أسباب هذه «الكارثة» الوطنية التي أدت إلى ضياع انتصار كان مؤكداً. فتش عن المرأة في مثل هذه الأحوال وعن سهرة ماجنة سبقت البطولة...! البطل، في أداء لافت، يحاول استرداد نفسه في بطولات أخرى، إنما غير عالمية. فما ضاع قد ضاع. لكن حبّ الجمهور الهندي هو هنا لحسن الحظ ليعيد له شيئاً من أمجاده. المخرج الذي قاد الفيلم بإيقاع سريع على رغم طوله، معتاد على الفوز، فيلمه الأول سبق أن حصد أربع جوائز وطنية وكان ممثلاً للهند في الأوسكار عام 2007 كما في البافتا في فئة أفضل فيلم أجنبي.

كان سماع اللغة العربية في فيلم هندي فائز بجائزة أفضل فيلم، مفاجأة لدرجة أن ثواني مــــرت قبل التأكد من أن ما يتردد في الصالة هو العربية وليس الهندية أو التاميــــلية أو الماراتية أو البنغالية أو حتى الإنكلــــيزية... كانت عايدة الكاشف، ابنة المخرج الراحل رضوان الكاشف، هي بطلة الجزء الأول من «سفينة ثيسيوس» لأناند غاندي.

المخرج المهتم بالفلسفة والخيال العلمي يرسم في فيلمه تصورات في عالم متخم بالتعقيد والتناقضات لمسائل مثل الذكاء الفطري، والمعتقدات الغيبية، والأخلاق. في الفيلم مصورة عمياء (عايدة الكاشف التي نالت مناصفة جائزة أفضل ممثلة مساعدة) تشعر بفقدانها حاستها الفنية الفطرية بعد عملية جراحية لاسترداد بصرها، وحكيم راهب من طائفة «الجايين» يواجه محنة الخيار بين المبادئ والموت، وشاب يعمل في البورصة يحتار أمام قضية أخلاقية تتعلق بسرقة الكلى... يتابع الفيلم خطى أبطاله، كل واحد على حدة ويرصد تحولاتهم وتساؤلاتهم حول معاني الهوية والعدالة والجمال والموت.

فيلم هندي آخر بات يمثل توجهاً واضحاً في السينما الهندية المعاصرة، سينما العنف والجريمة. «مس لوفلي» للمخرج آشيم أهلواليا الذي درس السينما في نيويورك، عرض في مهرجان «كان» 2012 في تظاهرة نظرة ما، كما تنقل بين مهرجانات عدة وسُمّي مخرجه كواحد من أفضل صانعي الأفلام الصاعدين في الهند، ونال جائزة التحكيم الخاصة هنا. الفيلم يأخذنا إلى مومباي الثمانينات وبالتحديد إلى عالم الجريمة فيها والعالم السري لتصوير أفلام الجنس وتوزيعها. فيلم عن دمار العلاقات الإنسانية في أجواء غريبة وأسلوب للسرد يسير متناغماً مع سرد بصري اعتمد أمكنة مغلقة وأضواء كئيبة. البطل نواز الدين صديقي يثبت هنا مرة أخرى عمق أدائه وتجسيده المذهل لشخصية رقيقة تبحث عن العاطفة في عالم من الوحوش. يقودنا حديث الحب المستحيل في هذا العالم إلى أفلام أخرى غير «هندية».

الحبّ أيضاً وأيضاً

ثمة فضول لمشاهدة أفضل فيلم آت من مقاطعة البنغال (شرق الهند) التي قدمت على مدى عقود مخرجين كباراً اتخذوا في أسلوبهم الفني منحًى مخالفاً تماماً لأفلام بوليوود (الراحل ساتيا جيت راي كان أشهرهم عالمياً). في «باكيتا بياكــــتيغاتو» للمخرج براديبتو بهاتّاتشاريا الذي دخل عالم السينما مـــــنذ عقـــد، بحث عن الحب في زمننا الأسود! الفيلم يبدو كوثائقي في بدايته حيث مخرج شاب يستقصي آراء الناس في الحب، هو لم يقع بعد في براثنه ويشعر بنقص ما فيبدأ بالبحث عنه. تقوده أبحاثه إلى قرية غامضة موجودة على حدود الواقع والخيال، أي واحد يصلها لن يخرج منها إلا والسهام قد نالته... عملية البحث عن القرية والوصول إليها ثم إضاعتها لا تخلو من أجواء سحرية، لكنها (أي العملية) دامت طويلاً وداخلتها فانتازيا وخلط مستمر بين الحقيقة والوهم. فيلم لا يمت بصلة إلى ما وصلنا من السينما البنغالية. التجديد مطلوب لكن، شرط الإقناع!

جاء أفضل فيلم اجتماعي وأفضل غناء بلاي باك بلغة ماراتي (من مقاطعة مهاراشترا غرب الهند وعاصمتها مومباي) شريط ممتع ومفعم بحس الفكاهة وعميق الدلالات في رصده لتحولات الشخصيات البسيطة: «توهيا دارما كونتشا» لساتيش مانوار عن عائلة قروية هندية تائهة ضمن سعيها للبقاء بين قوانين لا تجد نفسها معنية بها، وإغراءات دينية تبعدها عن محيطها وثقافتها التقليدية. فحين يُسجن المعيل لتجوله، كما اعتادت أجيال قبله، في محمية طبيعية للنمور ممنوع التجول فيها، تتحول زوجته بعد فقدانها الأمل بالبقاء، من الهندوسية إلى المسيحية لما يقدمه المبشرون من خدمات. بأسلوب طريف يبيّن المخرج اكتشاف دين جديد وتفاعل البسطاء مع النظم الجديدة في حياتهم.

من الأفلام اللافتة للانتباه بلغة ماراتي أيضاً، فيلم نال صاحبه جائزة العمل الأول، «فاندري» (الخنزير) للمخرج نغراج مانجولز. وهو عمل جديد عن موضوع تم تناوله في الكثير من الأفلام الهندية، موضوع التراتب الطبقي الذي لا يزال معششاً في مجالات الحياة اليومية كافة، على رغم القوانين الرسمية التي تقف في صف المنبوذين اجتماعياً والطبقات الدنيا. قصة من صميم الواقع عن مراهق يحب زميلته الأعلى اجتماعياً منه في المدرسة، ما يمنعه من البوح. بعنف الشباب يحاول التمرد على الواقع والركض خلف أحلامه ولكن الحقيقة أقسى بكثير من أن يتمكن من تغييرها. حتى والده يقف ضده في محاولاته للخلاص ويذكره باستمرار بأنه من طبقة دنيا لن يستطيع تجاوزها. قصة عادية لكن الإخراج المتميز والمناظر الطبيعية وأداء الشاب (جائزة التمثيل) وكل الممثلين كل هذا جعل من الفيلم عملاً لافتاً، على الأقل من وجهة نظري! فقد فوجئت بجاري في الصالة يقول: «هذا فيلم صنع لمهرجان كان أو للبندقية... كل شيء مدروس فيه لمهرجانات كتلك، إنه للعين الغربية».

هل أصبح بصري غربياً؟!

الحياة اللندنية في

11.07.2014

 
 

ليش فاليسا:

لا يمكن اختصار 600 ألف ساعة من حياتي في فيلم من ساعتين 

ليس ممثلاً ولا مخرجاً أو منتجاً بل عامل نقابي ورئيس سابق ومناضل سياسي، ومع هذا كان لأهل الصحافة السينمائية موعد معه في مؤتمر أُقيم خلال انعقاد الدورة 49 من مهرجان كارلوفي فاري.

أتى على الموعد في الحادية عشرة صباحاً. أجاب عن ثلاثة أسئلة فقط (واحد لعريف المؤتمر واثنان لأهل الصحافة) قبل ان يفاجأ مثله مثل الحضور بانتهاء المؤتمر. نظر الى ساعته، ومثله فعل صحافيون جاؤوا ليستمعوا الى تجربته. وزع ابتساماته قبل ان يغادر وتتحلق من حوله مجموعة من الشبان لانتزاع توقيعه. إنه ليش فاليسا رئيس بولندا السابق والزعيم التاريخي للنقابة البولندية «تضامن». اما سبب حضوره المهرجان ففيلم «رجل الأمل» للمخرج اندريه واجدا الذي عرض في كارلوفي فاري نسخة جديدة منه، صوّرت خصيصاً للمهرجان.

«لم يعجبني الفيلم»، اعترف فاليسا بحضور مخرج العمل وبطلته. وأضاف: «بعملية حسابية وجدت أنني عشت نحو 600 ألف ساعة، فهل يمكن اختصارها بساعتين، هي زمن «رجل الأمل»؟ حتماً أشك في هذا». ولم يخش صاحب جائزة نوبل للسلام من البوح بأن الفيلم أزعجه، لكنه قرر في النهاية ألا يتدخل في عمل المخرج. وأضاف ان حياته كانت زاخرة بحكايات وقصص كثيرة أغفلها الفيلم. «كان هناك لحظات رومانسية ولحظات شاقة. ومع هذا افهم ان المخرج عليه ان يختار من بينها».

تبدأ حكاية الفيلم مع صحافية إيطالية (أوريانا فالاتشي) تزور بولندا في الثمانينات من القرن العشرين لإجراء مقابلة مع الزعيم المناضل ضد النظام الشيوعي ليش فاليسا. ومن خلالها نتعرف الى كيفية صعود فاليسا من الحضيض الى أعلى القمة. فما الذي يمكن أن يحوّل عامل الكهرباء البسيط الى زعيم تاريخي سيقود نضاله الى انهيار الستار الحديد؟

ولا يكتفي واجدا برسم صورة فاليسا السياسي، بل يشدد في فيلمه على صورة فاليسا رب العائلة الذي لا يخشى المضي قدماً نحو اهدافه وإن كانت النتيجة على حساب أقرب الناس إليه. «أعي جيداً ان فاليسا هو الموضوع الأكثر صعوبة الذي اقتربت منه خلال مسيرتي الفنية التي تجاوزت الـ 55 عاماً»، يقول واجدا. «مع هذا لم يصنع أحد فيلماً عنه وجدته مرضياً. ولهذا لم يكن أمامي أي خيار آخر». خيار يبدو أنه وفّق فيه إن كان المعيار حجم التصفيق الذي ناله من جمهور كارلوفي فاري من دون ان نتمكن من التكهن ما إذا كان كل هذا الترحاب للفيلم نفسه ام لرجل حارب حقبة عانى منها التشيخيون، كما ابناء وطنه البولنديون، الأمرين.

الحياة اللندنية في

11.07.2014

 
 

حساسيات جديدة بين المجتمعات وسينماها

عمان - «الحياة» 

للوهلة الأولى يبدو متواضعاً - من ناحية الكمّ على الأقل - «مهرجان الفيلم العربي في عمان» الذي يقيم دورته الرابعة في العاصمة الأردنية بمبادرة وتنظيم الهيئة الملكية الأردنية للأفلام... فالمهرجان لا يعرض سوى سبعة أفلام على مدى أيامه السبعة من دون بهرج ومن دون سجاد أحمر وفرقعة إعلامية. غير أننا إذا نظرنا الى الأمور عن قرب، فسيتبين لنا أن تلك الأفلام السبعة المعروضة أمام الجمهور الأردني وغالباً للمرة الأولى، إنما تعطي صورة بانورامية - مختصرة بالتأكيد لكنها شاملة إلى حد كبير - لما يحدث في السينمات العربية في أيامنا هذه. فالعدد الأكبر من هذه الأفلام يعتبر آخر إنتاجات أصحابها وأحيانا من الشرائط السينمائية النادرة التي حققت في بلدان إنتاجها.

من هنا، يبدو واضحاً أن من قد يخطر في باله أن يتساءل عن أين هي السينما العربية الآن؟ سيجد الجواب هنا: في هذه الإنتاجات النادرة التي لا يزال ثمة «قناصون» أفراد يحاولون صنعها على رغم كل ما يحدث في البلدان العربية... ونعرف أن ما يحدث في القسم الأعظم من هذه البلدان، من شأنه أن يؤجل - إن لم يلغ تماماً - كل تلك المشاريع والأحلام المتعلقة بالفن السابع، والتي حملتها أجيال متلاحقة كان من آخرها حتى الآن الجيل الذي خيّل إليه للحظة أن «الربيع العربي» سيكون خيراً على السينما، وها هو يتعثر في إحباطاته.

ومع هذا يأتي هذا المهرجان المتواضع، والذي قد يستغرب المرء إصرار أصحابه على إقامته وسط شهر رمضان حيث تكون مشاهدة عروض سينمائية آخر ما قد يهتم به الناس. ولكن، من المؤكد في هذا السياق أن رفع مستوى تحدي الذات - قبل الآخرين - إلى هذه الدرجة، إنما يشكل امتحاناً حقيقياً لإيمان محبي السينما بها وإصرار جمهور الفن السابع على ملاحقة حلمه السينمائي حتى في أوقات قد لا تبدو ملائمة.

مهما يكن، من المؤكد أن جمهور «الأقلية» الذي سيشاهد العروض «رغم كل شيء»، لن يخرج منها خالي الوفاض، جمالياً وفكرياً. فالحال أن ثمة هنا مجموعة من أفلام حقيقية، معظمها من النوع الذي لا بد من مشاهدته على الشاشة الكبيرة في احتفالية فرجة جماعية بدلاً من انتظار عرضه في البيوت عبر الأسطوانات المدمجة أو على الشاشة التلفزيونية. وأهم من هذا يبدو معظمها من النوع الذي يناقش ويطرح إشكالات فنية وفكرية، خصوصاً أن هناك فيلمين أو ثلاثة من بينها سيستضيف المهرجان مخرجيها أو بعض ممثليها ما يفتح آفاق حكي سيكون في نهاية الأمر مفيداً وممتعاً.

بقي أن نذكر أن الأفلام المعروضة آتية من بلدان وحساسيات عربية متعددة، بل حتى من أجيال متنوعة. فمن المخضرم أحمد راشدي الذي يعرض - في حضوره - فيلمه التاريخي الوطني «مصطفى بن بلعيد» إلى الفيلم اللبناني، التلفزيوني الأصل على الأرجح، «وينن» مروراً بجديد الفلسطينية الأميركية شيرين دعيبس «مي في الصيف»، والمصري المميز أحمد عبدالله «فرش وغطا»، والتجريبي المغربي هشام العسري («هم الكلاب») الذي قد يكون أكثر أبناء جيله تجريبية وانفتاحاً على آفاق سينمائية غير متوقعة، و «النضالي» الفلسطيني السوري باسل الخطيب في «مريم»، وأخيراً التونسي نجيب بلقاضي في «باستاردو»، ستمكن هذه العروض من إلقاء نظرة متأملة ليس فقط على الجديد السينمائي العربي، بل كذلك وبالتأكيد، على ما يحدث في بعض المجتمعات العربية نفسها، إنما من منظور عيون السينمائيين. وهذا في حدّ ذاته يستأهل الخروج من البيت مساء ومشاركة الآخرين احتفالهم بالسينما وبالسينما العربية تحديداً.

الحياة اللندنية في

11.07.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)