كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«ماش» الحرب بطريقة كوميدية ساخرة!

عبدالستار ناجي

 

حينما يكون الألم، وحينما تكون الكارثة، لابد من السخرية لتجاوز مفردات الألم والقسوة الناجمة من ويلات الحروب، وفيلم «ماش» M.A.S.H يذهب بعيدا الى الى ما يسمى بالكوميديا السوداء، بحثا وتحليلا وعمقا، من أجل طرح كم من الاسئلة، حول جدوى الحروب، وايضا الممارسات اليومية المعاشة في المعسكرات، تحفة كوميدية، من توقيع واحد من أهم اساتذة السينما المخرج الأميركي روبرت التمان، وهو يعتمد على نص روائي ساخر كتبه ريتشارد هوكر وكتب له السيناريو يرنج لاوندر جي. آر مرسخا روح الكوميديا الموجعة، ونحن نغرق في لجة الحرب، وويلاتها المعتمة.

لقد أراد فيلم «ماش» ان يذهب الى الحرب، من خلال حكاية احدى الطواقم الطبيعية عبر مستشفى «ماش» ابان الحرب الكورية، من اجل الاسقاط على الحرب الفيتنامية وقتها، مع فريق عمل من اهم نجوم تلك المرحلة ومنهم رونالد ساثرلاند وتوم سكيريت واليوت غولد وسالي كيلرمان وروبرت دوثال وعدد من نجوم كرة القدم الأميركية ومنهم فريد ويليامز.

فيلم حصد كثيراً من الاهتمام، لانه يطرح الاسئلة بشكل ساخر، ويحول السخرية الى مادة لاستيعاب الألم والصدمة من ويلات الحروب، ونقد التدخل الاميركي في حياة الشعوب وزج المجندين الأميركان في حروب تطحن احلامهم وآمالهم.

الفيلم بعد نجاحه تحول الى عمل تلفزيوني ساخر، استمر لأكثر من عشرة اعوام خلال المواسم من 1972 - 1983. وقبل ان نذهب الى الفيلم، نشير الى انه حصد 5 جوائز أوسكار.

النص الروائي والفيلم، يعتمدان على حكاية تعيين اثنين من النقباء «هوك» بيرس «ديوك» فورست في مستشفى عسكري متنقل.

يصلون الى المعسكر بسيارة مسروقة، لكل منهما تصرفاته الشخصية، التي تقترن بالعبث والسخرية من حالة اميركا وتورطها في الحروب، عبر ذلك المعسكر او المستشفى العسكري المتنقل والمليء بالمتناقضات والعلاقات. ونكتشف بان هذا الثنائي، ليس له علاقة لا بالقتال، او حتى الطب، ولكن قدرية الموقف تقودهما الى ذلك المستشفى، ليكونا جزءا من العبث والفوضى والخلل.

فيلم يعزف على المفارقات، بين من هو ملتزم دينيا وبين من هو فوضوي، غارق في اللذات، وهو يحمل معه رغباته حتى في ذلك المستشفى المتنقل لتدخل بعدها في كم من المغامرات والمفارقات، على خلفية حرب ضروس نعماء.

مجموعة من الخيام العسكرية، ولكل خيمة حكايتها وظروفها، وشخوصها، والاحداث دائما ساخرة، رغم وجع الجرحى وصوت الحرب الذي يصدح طيلة مشهديات الفيلم.

كل شيء يتغير مع وصول الكابتن ثرابر «جون ماكنتاير» خصوصا في ظل العلاقات التي تأتي من أجل تجاوز محنة الحرب، وحالة التوتر النفسي، ولكن تلك العلاقات تورث كماً من المواقف والمشهديات التي تقرن الكوميديا بضحكاتها العالية، مع ألم نفسي حول الورطة التي وجدت بها تلك الشخصيات نفسها وهي تدفع الى الحرب.

ما يجري لاحقا في ذلك الفيلم هو عبارة عن مغامرات ومكائد ورغبات متبادلة، وكلها في اطار من الكوميديا التي نتورط بها، ونحن نذهب الى الحرب. كوميديا تقليدية، ولكن على خلفية حرب ليست تقليدية، لا رابح فيها إلا الموت.

فيلم يذهب بنا الى اجواء المستشفيات المتنقلة، عالم الاطباء والممرضات الجميلات، وايضا الاوامر العسكرية التي تأتي كما حد السيف، والتي يستقبلها ذلك الفريق بروح من العفوية، كلهم يمتصون ألمها، ووجعها وموتها المحدق.

فيلم يذهب بنا ايضا للحديث عن الفوضى وايضا الوعود الى الانضباط في ذلك العالم من الرغبات والقسوة والسخرية. فيلم يطرح عشرات الاسئلة، التي توصلنا الى نتيجة اساسية، لماذا الحرب اصلا، ولماذا تلك الارواح التي تهدر.

فيلم مختلف عن سينما الحرب، فالدمار دائما يأتي بشكل كوميدي، حتى العلاقات في زمن الحرب، والرغبة، وايضا حتى ساعات الاستراحة واللهو ومباريات كرة القدم الاميركية، كلها تأتي ساخرة، سوداء الفوز بها ألم، والخسارة بها وجع في الخاصرة. اما المستشفيات فهي تظل تغص بالجرحى، الذين يتمنون الموت على الحياة بطريقة مبتورة، او مشوهة.

فيلم لا يكف عن طرح الاسئلة، وهو لا يتوقع الاجابة لانها صادقة، وقاسية، لذا حينما تأتي الحرب تأتي بشكل صادم، قاس.

المتن الروائي، يظل يعتمد على كمية من الحكايات بين العسكر والاطباء والممرضات، وايضا المرضى، حيث الحلم المتبلور، والعلاقات العابرة، ولا شيء سوى الدمار، رغم كمية الفكاهة والضحك الذي يتجاوز حدود القهقهات، ولكنها توصلنا حيث لا نشعر الى حافة الاعياء رفضا للحرب، وتنديدا بتلك الآلة التي تطحن كل شيء، ويتحول عندها الانسان الى مجرد اسم ورقم وربما جثة. في الفيلم كم من النجوم يتقدمهم دونالد ساثرلاند «كابتن هيوك» واليوت جولد «كابتن ثراء» وتوم سكيريت «ديوك» وسالي كيدمان «الميجور مارغريت - الشفاه الساخنة وروبرت دونال «الميجور فرانك». يعترف المخرج روربت التمان، بان الفيلم اعتمد على كثير من الارتجالات اثناء تصوير الفيلم، ما اضاف الكثير من المشهديات الساخرة على السيناريو الاصلي. كما اعترف التمان ايضا، بانه قام بحذف بعض المشاهد قبيل التصوير، لانها لا تأتي مع ايقاع العمل، الذي اراده ساخرا، وموجعا وسهلا.

هذا وتقول التقارير المرفقة بالفيلم، انه شهد شيئاً من التوتر في الاجواء، بالذات، بين المخرج وفريقه الفني، والفنانين، حيث قالت الاخبار وقتها ان ثنائي الفيلم «دونالد ساثر لاند واليوت غولد» حاولا ان يتم «فصل» المخرج، الا ان الجهود باءت بالفشل لصلابة واصرار التمان، الذي اراد الفيلم على طريقته فقط، وهذا ما كان له، ليحقق تحفة خالدة.

ورغم حالة التوتر، الا ان التمان عاد في افلام لاحقة لاستخدام غولد لاكثر من مرة، وايضا ساثر لاند، معلقا: بان الخلاف لا يعني القطيعة، فنحن نعيش حالة من الاحتراف تجعلنا نتجاوز الخلاف دائما.
خلال احداث الفيلم، تم الحديث لاكثر من مرة، على ان الحرب في كوريا حتى لا يتهم الفيلم يومها بانه ضد الحرب في فيتنام.

الجملة الموسيقية التي صاغها الموسيقار، جوني مانديل، ظلت تستخدم طيلة الفيلم، وضمن معالجات ويثمان وطرق متعددة، وكل منها تحمل دلالاتها، مع استخدام لعدد من الاغنيات الاميركية المشهورة، التي صدرت ابان الحروب، من بينها اغنيات «طوكيو تلمع الاحذية» و«السماء الزرقاء» و«الى الأمام ايها الجنود» هذا وقد صدر تسجيل نادر لاغاني وموسيقات الفيلم في عام 1970.

حقق الفيلم حفنة كبيرة من الجوائز، في مقدمتها «السعفة الذهبية» لمهرجان كان السينمائي عام 1970، كما ترسخ الفيلم لخمس جوائز اوسكار من بينها افضل فيلم ومخرج وافضل ممثلة مساعدة.. وقد خسر الفيلم جائزة اوسكار افضل فيلم يومها امام فيلم «باتون» ولكنه حاز جائزة افضل سيناريو وفاز بالغولدن غولب كأفضل فيلم كوميدي - موسيقي.

الفيلم انتجته ستديوهات فوكس للقرن العشرين - واعتبر من الاعمال المهمة من قبل مكتبة الكونغرس، حيث تم الايعاز بحفظه ضمن التراث الوطني.

ويحتل الفيلم المرتبة السابعة عشرة بين اهم مئة فيلم في اميركا، والمرتبة «54» بين اهم الافلام عبر العصور. فيلم عن عالم الطب والجرحى والعمليات في مستشفى عسكري متنقل، يعكس الحالة الاجتماعية وضغوط الحروب وويلاتها، مصاعبها في اطار كوميدي.. مشبع بالسخرية والالم.

بلغت كلفة انتاج الفيلم حسب تقرير - فوكس للقرن العشرين «3.5» ملايين دولار، وتجاوزت العوائد «81» مليون دولار من شباك الدخل - غير المطبوعات المرئية الاخرى.

صدرت النسخة الاولى من الفيلم مدتها «116» دقيقة، اما النسخة التي ذهبت الى صالات العرض فكانت مدتها «112» بعد اوامر المخرج روبرت التمان الذي طالب بحذف عدد من المشاهد الاضافية بعد عرض الفيلم للمرة الاولى في مهرجان كان السينمائي الدولي.

ويبقى ان نقول...

فيلم «ماش» رمز للثقافة.. ورمز لرفض الحرب.. ورمز لمرحلة مهمة من تاريخ اميركا.. وموقف صريح ضد الحرب.

النهار الكويتية في

04.07.2014

 
 

«22 شارع جامب» فيلم كوميدي بوليسي

عمان - محمود الزواوي

يجمع فيلم «22 شارع جامب» (22 Jump Street) (2014) بين الأفلام الكوميدية والبوليسية وأفلام الحركة. وهذا الفيلم من إخراج المخرجين فيل لورد وكريستوفر ميلر، اللذين يعملان كثنائي في إخراج وإنتاج أفلامهما، ومن بينها فيلم «21 شارع جامب» (2012) الفيلم السابق لفيلم «22 شارع جامب»، كما يشتركان في التأليف السينمائي. ويستند سيناريو الفيلم للكتّاب السينمائيين مايكل باكال وأورين أوزييل ورودني روثمان إلى قصة من تأليف مايكل باكال والممثل جوناه هيل،أحد أبطال الفيلم، وهي مبنية على المسلسل التلفزيوني «21 شارع جامب» للكاتبين باتريك هازبيرج وستيفين كانيل. وعرض هذا المسلسل التلفزيوني الأميركي الشائع بين العامين 1987 و1991.

يواصل فيلم «22 شارع جامب» أحداث قصة فيلم «21 شارع جامب»، والشخصيتان المحوريتان في قصتي الفيلمين هما ضابطا الشرطة السريان مورتن شميت (الممثل جوناه هيل) وجريج جينكو (الممثل شاننج تاتوم) اللذان يكونان قد أكملا مهمتهما في قصة الفيلم الأول بنجاح بعد أن تقمصا شخصيتي مراهقين في إحدى المدارس الثانوية للكشف عن المجرمين ومروجي المخدرات. ويتابع هذان الضابطان السريان في الفيلم الجديد نشاطهما بملاحقة مروجي المخدرات بزعامة الرجل الشرير «الشبح» (الممثل بيتر ستورمير)، ثم يكلفان بتقمص شخصيتي طالبين يلتحقان في إحدى الجامعات لمطاردة مروجي المخدرات، ويعملان ضمن فريق يرأسه الكابتن ديكسون (الممثل والمغني الشعبي آيس كيوب) الذي يقع مقره في 22 شارع جامب الذي استمدّ منه عنوان الفيلم.

ويواصل هذان الضابطان عملهما في خطين مختلفين بحثا عن المجرمين، ويصادق أحدهما اثنين من الرياضيين اللذين تدور الشكوك حول أحدهما كمروج للمخدرات، فيما يقيم الآخر علاقة مع طالبة الفنون مايا (الممثلة أمبر ستيفنس) التي يتبين أنها ابنة الكابتن ديكسون، والتي تقيم في نفس الغرفة مع الطالبة مرسيدس (الممثلة جيليان بيل) التي يتبين في وقت لاحق أنها ابنة الشبح زعيم مروجي المخدرات. وتتأثر العلاقة بين الضابطين السريين تدريجيا ويغلب عليها الجفاء. وبعد سلسلة من الأحداث والتطورات يكتشف الضابطان أن الشبح زعيم مروجي المخدرات ورجاله يروجون المخدرات في الجامعة. وخلال سلسلة من المطاردات المثيرة وتبادل إطلاق النار تقع مجابهة عنيفة بين جينكو والشبح، ويفر الشبح على متن مروحية ولكن المروحية تنفجر وتؤدي إلى مقتله بفعل قنبلة يدوية أطلقها جينكو على المروحية. وفي النهاية يعود الوئام بين جينكو وشميت أمام جمهور مبتهج يردد الهتافات، فيما يقترب الكابتن ديكسون من الضابطين السريين ويكلفهما بمهمة سرية جديدة يتقمصان فيها دوري طالبين في كلية لدراسة الطب.

يجمع فيلم «22 شارع جامب» بين العديد من المقومات الفنية التي تجمع بين قوة الإخراج وسلاسة الحوار الكوميدي اللاذع وسرعة إيقاع النكات والمواقف الهزلية والساخرة المتواصلة، وبراعة أداء بطلي الفيلم الثنائي الكوميدي جوناه هيل وشاننج تاتوم والوئام المتبادل في أدائهما وهيمنتهما على أحداث قصة الفيلم وبراعة أداء الممثلين المساعدين وفي مقدمتهم آيس كيوب وجيليان بيل وأمبر ستيفنس. ويطور فيلم «22 شارع جامب» قصة وأحداث وشخصيات فيلم «21 شارع جامب» المبني عليه، ويضيف إلى الفيلم الجديد الكثير من التطورات والانعطافات الجديدة غير المتوقعة. ويقدّم الفيلم توازنا بارعا بين الأفكار الكوميدية المبتكرة الجديدة والمواقف الهزلية المثيرة ومواصلة تطوير مواضيع الفيلم السابق.

عرض فيلم «22 شارع جامب» في مهرجان لوس أنجيليس السينمائي. واحتل هذا الفيلم في أسبوعه الافتتاحي المركز الأول في قائمة الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات على شباك التذاكر في دور السينما الأميركية، وبلغت إيراداته العالمية الإجمالية 197 مليون دولار خلال الأسبوعين الأولين لعرضه، فيما بلغت تكاليف إنتاج هذا الفيلم 65 مليون دولار. وافتتح فيلم «22 شارع جامب» في 80 دولة حول العالم، شملت عشر دول عربية.

الرأي الأردنية في

05.07.2014

 
 

المنتج محمد حسن رمزي :

والدي أعاد اكتشاف شادية

كتب الخبرهند موسى 

حسن رمزي أحد أشهر منتجي السينما المصرية، قدم نحو 40 فيلماً بين التأليف والإنتاج والإخراج، منح الفرصة لمجموعة من الفنانين ليقدموا أدوار البطولة، لم يكن يتعامل مع الفن باعتباره مهنة إنما هواية يعشقها لامتلاكه الموهبة، لا سيما أنه في الأساس كان يعمل مهندس تخطيط قبل أن يحترف العمل في السينما ويتفرغ لها.

{الجريدة} تحدثت مع ابنه المنتج محمد حسن رمزي، حول نظرته إلى الأفلام التي قدمها والده.

·        ما الذي جعل حسن رمزي يتحول من العمل كمهندس إلى منتج ومخرج؟

ليس تحولاً؛ إذ كان يعمل في المجالين. أصرّ جدي على ألا يعمل ابنه في السينما إلا بعدما ينتهي من دراسته، وهو ما فعله. كذلك حقق نجاحاً في عمله كمهندس تخطيط، وصمم هندسة شوارع شهيرة عدة في مصر.

·        وما الفيلم الذي قدمه والدك وأثر في وجدانك؟

{المرأة المجهولة} من بطولة: شادية، عماد حمدي، كمال الشناوي. شاهدته في الرابعة من عمري، وله تأثير خاص في نفسي رغم مرور سنوات طويلة على تقديمه. كذلك تأثرت بفيلمي {جريمة في الحي الهادي} و{المخربون}، شاهدتهما في عمر 14 عاماً، وفي الأول مشهد لرجل أصلع يخطف طفلة، لن أنساه. تم تصويره 40 مرة خلال ست ساعات، وفي النهاية خرج ومدته ثوان. حينها، تعرفت بشكل أقرب إلى كيفية التصوير، وما يسفر عنه المشهد. أتذكر أيضاً {الليالي الدافئة} الذي استعارت فيه بطلته صباح دراجتي الشخصية، فغضبت جداً.

·        هل كان والدك الوحيد في أسرته الذي احترف الفن؟

لا فمن بين 13 شقيقاً لوالدي عمل معظمهم في السياسة، كان عمي الأديب إبراهيم رمزي؛ وقد كتب عدداً كبيراً من مسرحيات سيد درويش، وجورج أبيض، كذلك أنتج وأخرج أفلاماً، من بينها {خفايا الدنيا} الذي أدى والدي دوراً فيه.

·        ولماذا كانت التجربة التمثيلية الوحيدة له؟

رغم أن أداءه كان جيداً، فإنه لم يكمل المشوار لشعوره بالخجل أمام الكاميرا. حتى إنه كان يتصبب عرقاً بسبب الإضاءة، رغم أنه في الحياة العادية كان متحدثاً جيداً. وأنا مثله، لذا لم أقم بأي تجربة تمثيلية، علماً أن باستطاعتي الحديث أمام الجمهور لأكثر من أربع ساعات، لكن التكلم وفقاً لنص محدد، وعدم الخروج عنه، فهو أمر لا يمكنني فعله.

·        وما الفيلم الذي قدمه والدك وتمنيت لو تنتجه؟

{خاتم سليمان}؛ رغم أنه أول إخراج لوالدي فإنه خرج بشكل ساحر، ويتضمن فكراً عظيماً، فضلاً عن أنه كان من إنتاجه وإخراجه، بينما أنا عكسه، لا أجيد الإخراج.

·        ألم تفكر في إعادة تقديمه؟

لم تخطر في بالي أبداً هذه الفكرة، ولو خطرت لن أجد مثل فريق العمل المؤلف من ليلى مراد، زكي رستم، ويحيى شاهين. الأفلام القديمة، وليس أفلام والدي فحسب، لا يمكن تقديمها من جديد مهما ارتفعت الإمكانات الفنية والإنتاجية، وأرى أن والدي قدمه في وقت صعب لم تكن كل هذه الإمكانات متوافرة لديه، ومع ذلك خرج بنتيجة مبهرة.

·        ماذا عن كواليس العمل، هل تتذكرها؟

بالطبع أتذكر أن عدداً من النجوم رفض القيام ببطولته، وأبرزهم شادية وراقية إبراهيم، رغم أنهما كانتا من ضمن صديقاته، وتؤمنا به كمنتج. ربما لأنها كانت التجربة الإخراجية الأولى له، لذا تخوف كثيرون من المشاركة فيها. هكذا قرر أن يتحدى الجميع، واتفق مع أغلى فنانة آنذاك وهي ليلى مراد، وأعطاها أجراً 12 ألف جنيه، أي ما يعادل 40 مليون جنيه اليوم.

·        هل ترى أن والدك المنتج حسن رمزي نجح كمخرج؟

لم يكن مخرجاً عبقرياً، أو مخرجاً فذاً، ولكنه كان متمكناً في تقديم صورة نقية تتضمن استعراضات داخل الفيلم. كان مهموماً في أن تكون التفاصيل كافة متوافقة وطبيعة العمل. مثلاً، ديكور الباشا الذي جسده زكي رستم في فيلم {خاتم سليمان} تكلف 2000 جنيه وكان حينها رقماً خيالياً، إلا أنه كان يراه هندسياً غير صحيح، لذا قرر إعادة ضبطه.

·        ما السمات التي أخذتها عن والدك؟

إذا لم يعجبني الديكور أو الموقع أعيد التصوير، إذ لا أقبل بأنصاف الأمور. مثلاً، الأفلام التي تدور أحداثها حول أسرة من طبقة غنية، لا بد من أن يتوافر فيها كل ما يضمن مصداقية الصورة وبما يناسب الأحداث وتسلسلها. الاهتمام بأدق التفاصيل يعزز تأثّر المتفرج بالعمل.

·        ومن النجوم الذين اكتشفهم حسن رمزي؟

لا أتذكر جيداً من اكتشفهم، ولكنه أعاد اكتشاف البعض أمثال شادية وتحديداً في فيلم {المرأة المجهولة}، إذ كان التحدي الذي واجهه آنذاك كيف يمكنه الاستعانة بممثلة شابة، وجعلها تجسد دور امرأة مسنة تقتل لأجل ابنها. كذلك كان جريئاً في جعلها تجسد المرحلتين، إذ اقترح عليه البعض أن تجسد شادية الشخصية في مرحلة الشباب، بينما تجسد أخرى مرحلة الكبر، ولكنه أصرّ على موقفه، وحوّل شادية من {الدلوعة} إلى ممثلة عظيمة، وقدم لها ما يقرب من 18 فيلماً.

·        هل كانت شادية وحدها من لمع نجمها بفعل حسن رمزي؟

كلا. قدمت صباح أيضاً في فيلم {الليالي الدافئة} أداء مختلفاً، أصبحت من بعده نجمة. حتى زهرة العلا نالت جائزة عن دورها الثانوي في الفيلم، وكمال الشناوي الذي جعله يغني {سوق على مهلك}؛ فقد أخرج من كثيرين طاقات وقدرات تمثيلية لم تكن قد اكتشفت.

·        ما الفرق بين الإنتاج قديماً والإنتاج حديثاً؟

قديماً، كان الناس يتنفسون سينما، والفنانون يعملون لأجل الفن لا المال، وكان لديهم استعداد للتمثيل حتى إذا كان الدور صغيراً، وذلك على عكس الوضع الحالي.

الجريدة الكويتية في

05.07.2014

 
 

السوق السوداء

كتب الخبرمجدي الطيب

في السادس من ديسمبر عام 2015، نحتفل بذكرى مرور سبعين عاماً على إنتاج فيلم {السوق السوداء} من تأليف كامل التلمساني وإخراجه، ورغم هذا فإن من يشاهده اليوم سيظن أنه أنتج في الأمس القريب؛ فالفيلم يتناول قضية حيوية ما زالت تفرض نفسها على واقعنا، وأعني بها ظاهرة تجار الحروب والأزمات، ممن يسيطر عليهم الجشع، ويدفعهم الحب المرضي للمال، إلى استغلال المحن والشدائد التي تمر بها الأمم والشعوب لتحقيق مكسب مادي سريع!

يرصد {التلمساني} حال حارة من حواري القاهرة القديمة يتهددها خطر الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، في أعقاب إعلان الحرب بين ألمانيا وبريطانيا العظمى، ومنذ اللقطة الأولى في الفيلم يوظف المخرج الصورة، التي قالت العناوين إنها لأحمد خورشيد، للتحذير من مغبة ما سيحدث؛ حيث نرى أقداماً وهي تُسرع الخطى لمغادرة بركة وحل، بينما يظهر في الخلفية ملصق فيلم {حياة الظلام} بطولة محسن سرحان، وسرعان ما تنتقل الإشارات الموحية إلى الحوار، حيث يحار أهل الحارة في تفسير منام {الحلاق} (كمال المصري) الذي رأى {ثعباناً ضخماً يشفط ماء النيل}، وبعدها يعود المخرج إلى استكمال ما بدأه من تنويه إلى الحب الذي توطد بين قلبي ساكن السطوح حامد أفندي (عماد حمدي) وجارته {نجية} (عقيلة راتب)  ابنة الرجل الطيب أبو محمود (زكي رستم) حيث يبارك الأب علاقتهما، ويطلب مهلة لتجهيز ابنته، فيما تخيم نُذر الحرب على العالم، ومصر التي ستُصبح طرفاً في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، كونها ترزح تحت نير الاحتلال البريطاني!

هنا تتباين ردود الأفعال، في الحارة، تجاه الحرب التي تدق الأبواب، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنها ستمر من دون خسائر كما مرت الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) يُدرك آخرون أن الأزمة خطيرة هذه المرة بينما يرى سيد البقال (عبد الفتاح القصري) أن الفرصة مواتية لثراء سريع، ويسعى إلى إقناع أبو محمود بالدخول معه في شراكة يتم بمقتضاها جمع السلع التموينية، والمواد البترولية، من الأسواق، وتخزينها لفترة محدودة قبل أن يجري طرحها بأسعار عالية تُرهق كاهل المواطن البسيط، وتُزيد معاناته اليومية، في ما يُسمى {السوق السوداء}، وهو العرض الذي يلقى استجابة لدى أبو محمود ظناً منه أنها الوسيلة الناجحة لجمع المال الذي يعجل بزواج ابنته!

ينجح الفيلم في رصد التحولات التي تطاول حياة سيد البقال وأبو محمود، والتغيرات التي تطرأ على شخصيتيهما. يحاول الأول تعويض جهله باكتناز الأموال، وامتلاك الهيبة التي تمكنه من السيطرة على أهل الحارة، بينما يُهمل الثاني زوجته وابنته، وينغمس في حياة الليل والمجون، كذلك يضع العراقيل في طريق حامد أفندي كي لا يُتمم الزيجة. لكن المخرج/ المؤلف يستنكر، من خلال شخصية حامد، إذعان الأهالي للوضع الراهن، وسلبيتهم في مواجهة جشع واستغلال التجار، لكن عماد حمدي بدا وكأنه خطيب اعتلى المنبر في جامع، وليس ممثلاً على الشاشة، كما حفل الفيلم ببعض المبالغات المعتادة في سينما تلك الفترة، والنبرة الإنشائية الزاعقة، والرسائل التعليمية الموجهة حول أهمية تعليم الأجيال الجديدة كسبيل وحيد لقهر الجهل والفقر والمرض، فضلاً عن الأغاني المُقحمة من دون مبرر درامي، والهزال الإنتاجي؛ فالغارة على الإسكندرية ثم القاهرة يتم التنويه لهما بصورة هزيلة، وجميع مشاهد الفيلم تم تصويرها في ديكور متواضع، كما تأتي النهاية السعيدة بمثابة تكريس للنزعة التقليدية التي كانت سائدة في سينما الأربعينيات والخمسينيات، فالأجهزة الأمنية تتوصل إلى المخازن السرية للسلع المهربة، وتقبض على تجار السوق السوداء، وعلى رأسهم سيد البقال وأبو محمود، الذي يُطالب أهل بيته بالاعتماد على حامد أفندي، في اعتراف به كزوج لابنته نجية، ويخرج أطفال المدارس ليغنوا للوطن والملك، الذي لم ينس المخرج الإشارة إليه بعبارة على جدار تقول: {يعيش جلالة الملك}.

في فيلم {السوق السوداء} حديث عن البلد الذي أضير من جشع التجار بأكثر مما أضير من القنابل، والشدائد التي تُظهر معدن الرجال، والإنسانية التي تتعارض والأنانية، وإعلاء شأن المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة. لكن كامل التلمساني يقطع شوط الجرأة إلى نهايته عندما يصف التجار الجشعين بأنهم {حيوانات بلا ضمير} خانوا البلد الذي ائتمنهم، كما تبنى الدعوة إلى المقاطعة كسلاح اقتصادي فاعل في مواجهة تحايل التجار، وإسقاط أي مؤسسة اقتصادية في حال انحرفت عن مسارها، وهي رسائل ثورية بامتياز، إذا نظرنا إليها بمقاييس تلك الفترة، التي لم تكن تسمح بأي نوع من التحريض. لكن التلمساني مرر أفكاره بذكاء، وتجلى وعيه السياسي بوضوح عندما ثمن دور الروح الجماعية في إسقاط أوكار الفساد.

الجريدة الكويتية في

05.07.2014

 
 

إستيفان روستي: الكوميديان ابن المصادفة 

كتب الخبرهيثم عسران

المصادفة التي جمعت بين بارون نمساوي وبين سيدة إيطالية خلال زيارتهما إلى القاهرة عام 1891، كانت سبباً في قدوم الفنان إستيفان روستي، فرغم أن والده غادر سريعاً إلى النمسا قبل أن تنجبه والدته لضغوط عائلته عليه لينشأ الابن في كنف والدته في حي شبرا في مصر، بينما يظل الأب يرسل إلى زوجته وابنه إعانة مالية شهرية لمساعدتهما على العيش في القاهرة.
درس إستيفان دي روستي في المدرسة الخديوية، لكنه سرعان ما هوى التمثيل بعد تعرفه إلى راقصة باليه في مسرح تياترو عباس، فنشأت قصة حب بينهما لم تكتمل، لكنها كانت سبباً في سفره إلى أوروبا، حيث التحق للعمل فيها كـ{ريجسير} والتقى والده هناك للمرة الأولى، لكن اللقاء لم يكن جيداً، فطرده والده بعدما علم أنه يعمل كفنان، بينما واصل رحلته الأوروبية وساعده إتقان الفرنسية في التمثيل بأدوار صغيرة في أوروبا.

بدأت علاقة استيفان روستي بالتمثيل في مصر عام 1917 عندما تعرف إلى الفنان عزيز عيد، الذي أسند إليه أول أدواره في مسرحية {خلي بالك من إيميلي}، حيث قدم شخصية أمير روسي، بينما تنقل بين أكثر من فرقة فنية آنذاك من بينها فرق نجيب الريحاني وعزيز عيد، ثم يوسف وهبي، وكان يسافر إلى أوروبا بين الحين والآخر، وهو ما أتاح له فرصة التعرف إلى الفنون المختلفة في تلك الفترة بل إنه شارك في فيلم فرنسي خلال تلك الفترة.

عمل استيفان روستي خلال تواجده في أوروبا في مهن عدة لتوفير قوت يومه، فعمل مهرجاً لأبناء الطبقة الارستقراطية ومترجماً لفترة قبل أن يعمل كعامل في ميناء نابولي، والذي كان وجهة الراغبين في السفر إلى الأميركتين الشمالية والجنوبية، واستمر على هذه الحالة حتى التقى يوسف وهبي وعزيز عيد في باريس أواخر عام 1922، وعرضا عليه العودة لأجل المشاركة في تكوين فرقة رمسيس، وهي الدعوة التي لاقت استجابة من الكوميديان الشاب في تلك الفترة، حيث بذل مجهوداً كبيراً في تأسيس الفرقة التي تركها بعد خمس سنوات ليعود إلى فرقة نجيب الريحاني، والتي ظل فيها 26 عاماً تقريبا، ثم رحل منها إلى فرقة إسماعيل ياسين عام 1954 عند تأسيسها، وبقي فيها حتى وفاته عام 1964.

دخل استيفان روستي السينما عام 1927 عندما رشحته الفنانة عزيزة أمير لبطولة فيلم {ليلى} بعد خلاف بينها وبين بطل الفيلم وداد عرفي، الذي لم تجد سواه في خبرة صديقها في فرقة رمسيس لتمثيل دور المنقذ واستكمال الفيلم، خصوصاً مع وجود تشابه بينهما.

تميز إستيفان روستي بتقديم أدوار الشر، لكنه كان أكثر ميلاً إلى تقديم أفلام كوميدية مثل: {صاحب السعادة كشكش بيه، المعلم بحبح، عنتر أفندي}، وغيرها من أعمال، بينما تميز عدد من أدوار الشر التي قدمها بلمسة كوميدية، أبرزها: {القلب له أحكام، سيدة القصر، أحبك يا حسن}.
تزوج إستيفان روستي عام 1936 من سيدة إيطالية تعرف إليها في النادي الإيطالي، ورزق من زوجته بطفلين، لكن لم يعيشا طويلاً، فالأول مات بعد ساعات من ولادته، والثاني توفي بعد ثلاثة أعوام، بينما كان محافظاً على علاقته بزوجته حتى وفاته، وتحمل معاناتها مع المرض النفسي نتيجة الصدمة التي تعرضت لها بوفاة طفليها.

توفي الكوميديان إثر أزمة قلبية في 11 مايو 1964، حيث كان يصور مشاهده الأخيرة في فيلم «حكاية نص الليل» مع نجوى فؤاد والمخرج عيسى كرامة، بينما تعرضت سيارته للسرقة بعد رحيله وسافرت أرملته إلى عائلتها في إيطاليا لعلاجها.

الجريدة الكويتية في

05.07.2014

 
 

«في بيتنا رجل»...

«التوك شو» يواجه بريطانيا 

كتب الخبرأحمد عويس 

المؤكد أن التكنولوجيا وآليات العصر كانت كفيلة بتغيير مسار الأحداث كثيراً في فيلم {في بيتنا رجل}، رائعة المخرج هنري بركات والمأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، والمصنف ضمن أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما العربية.

{شاهد قبل الحذف... إعدام فلاحين مصريين في دنشواي}، فيديو يثير موجات من الغضب العارم في برامج الحوارات، على شاشة الفضائيات وجوه إعلامية معروفة (عمرو أديب، يسري فودة، إبراهيم عيسى، لميس الحديدي) تناهض التاج البريطاني وتصرخ مطالبة بالجلاء .

{كلنا إبراهيم حمدي} صفحة واسعة الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، تحشد الرأي العام المصري بكل طوائفه ضد الحكومة الموالية للإنكليز، وتعرض مقاطع مصورة مسموعة ومرئية لعدد من الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال والشرطة السياسية ضد الفدائيين والشباب الثوري.

الصفحة والتي أنشأها الطالب الجامعي محيي زاهر (حسن يوسف) لمؤازرة زميله في الجامعة إبراهيم حمدي (عمر الشريف) في نضاله ضد قوات الاحتلال، تحظى بقبول عريض ومتابعة وصلت إلى الآلاف فور إطلاقها بساعات، ما دفع الدباغ (توفيق الدقن) إلى تكلفه أحد ضباطه لمتابعة الصفحة والوصول إلى صاحبها للقبض عليه، كما يأمر ضباطه بضرورة  وقفها بعد مراقبة المترددين عليها، ومن ثم كانت زيارة عبد الحميد زاهر (رشدي أباظة) للشرطة السياسية ستؤكد شكوك الدباغ وتمنحه حججاً قوية لإدانة محيي عند محاكمته.

على الجانب الآخر، أعداد كبيرة من المصريين تتسابق لاقتناء أطباق استقبال هوائية وأجهزة فك تشفير، لا لتمكنهم من متابعة مباريات كأس العالم والتي نظمتها البرازيل للمرة الأولى (1950) أو حتى لمشاهدة حفلات كوكب الشرق أم كلثوم والتي تبث حصرياً على مجموعة {روتانا خليجية}، ولكن لمشاهدة البرامج التي تمنعها الرقابة البريطانية، وضيوف حلقاتها كل من عبد الحميد زاهر (رشدي أباظة)، زاهر (حسين رياض)، نوال (زبيدة ثروت) ليكشفوا خلالها حقيقة علاقتهم بإبراهيم حمدي.

يحكي {في بيتنا رجل} عن مناضل مصري يدعى إبراهيم حمدي (عمر الشريف) يخطط مع رفاقه لقتل رئيس الوزراء الخائن الموالي للأنكليز قبل أن يتم القبض عليه وتعذيبه. هاتف محمول مبرمج للتفجير عن بعد كان كفيلاً بقتل رئيس الوزراء، وكان سيساعده وزملاءه على تفجير معسكرات الإنكليز {عن بعد}  أيضاً، ومن دون الاضطرار إلى اقتحامها لزرع المواد المتفجرة، ليلقى في النهاية حتفه في اشتباكات مع عناصر الحرس الإنكليزي.

الفيلم والذي أنتج عام 1961 ليستعرض حالة الاحتقان التي شهدتها سنوات ما قبل قيام ثورة 1952، يتشابه إلى حد بعيد مع فترة ما قبل اندلاع ثورة 25 يناير والتي أدّت آليات العصر دوراً كبيراً في تأجيجها واشتعالها، ويطرح أكثر من سؤال، بعضها يرتبط بزمانه والبعض الأخر بزماننا، ربما في مقدمها الحدود الفاصلة بين الانتماء والتخريب، الفدائي والإرهابي، خصوصاً في زمن تعاني فيه البلاد أعمالاً تفجيرية، وإن كان لا مجال للمقارنة بين الهدف من التفجير في الفيلم، والمشهد اليوم.

لهنري بركات أيضاً قدرة مذهلة على استغلال تفاصيل الصورة السينمائية لإيصال المعنى إلى المشاهد، مثل طقوس الشهر الفضيل بدءاً من اجتماع العائلة على مائدة الإفطار، الأطفال الذين يحملون فوانيسهم يغنون {حلو يا حلو} ثم يتحصلون على الحلوى من المارة، الشوارع شبه الخالية، خصوصاً لحظة انطلاق مدفع الإفطار. وغيرها من تفاصيل برع الفيلم في تسجيلها في ذاكرة السينما كشاهد عليها في هذا الزمن، مقارنة بما تشهده المدينة نفسها في الشهر الفضيل، حيث الازدحام الذي يدفع البعض إلى أن يستقبل مدفع الإفطار في الشارع، فيما يقطع ساعات الانتظار المملة بتصفح حساباته الشخصية على مواقع التواصل، أو بالتحدث مع أصدقاء عبر {واتس آب} أو {فايبر}.

كذلك لم يعد {المذياع {وسيلة الإعلام الوحيدة التي تتعرف الأسرة من خلاها إلى الأخبار، فلقد حلت محلها الفضائيات بكل ما تتضمنه من مواد ترفيهية لا تتوافق وقدسية الشهر الفضيل.

مجدداً، لو أعيد تقديم الفيلم (أو بالأحرى تحديثه)، هل سنتوقف أمام قصة شاب مغمور بحب الوطن أراد أن يقدم عملاً فدائياً لوطنه المحتل في حدود وعيه ونضجه السياسي، أم سنلتقط ما هو أبعد وأعمق من ذلك؟ هل سنبقي على مفاهيم الانتماء والتضحية والوفاء التي ركز عليها بركات ومنحها مساحة من التأمل؟ خصوصاً أنها مفاهيم لا تتغير عبر الزمان والمكان، ولكن تختلف طرق وأساليب الإفصاح عنها.

{في بيتنا رجل} يحتوي على نقاط إجادة وعناصر قوة تمكنه من تجاوز وقته وزمانه، ففي أحد المشاهد التي تسبق استشهاد إبراهيم نجده أعلى الإطار وهو يطلق النار على جندي الاحتلال في أسفل الإطار، بينما الجندي المجروح يطلق النار على إبراهيم ولكن من دون أن يسقطه إلى السفح. تشير هذه الالتفاتة إلى مقارنة بين المواطن والمستعمر في اختلاف المواقع ودلالة على اختلاف القيمة، فذاك المواطن يقتل وهو في القمة وذاك المعتدي يقتل وهو في الأسفل، فيما الأول لا يسقط أبداً.

الجريدة الكويتية في

05.07.2014

 
 

«زي النهاردة»..

وفاة عبدالسلام النابلسي 5 يوليو 1968

كتب: ماهر حسن

في ٢٣ أغسطس ١٩١٣، وبإحدى قرى عكار في لبنان ولد الفنان عبدالسلام النابلسي وهو من أصول فلسطينية سورية، وقيل إنه ولد في نابلس، وجده كان قاضى نابلس الأول، وكذلك والده، ونشأ في عائلة متدينة، ورحل في صباه مع والده إلى نابلس عندما عين قاضياً هناك.

وعندما بلغ العشرين أرسله والده إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر الشريف، وهناك عمل بالصحافة الفنية في مجلات مختلفة، إلى أن كانت فرصته السينمائية الأولى مع آسيا في فيلم «غادة الصحراء»، ثم كان فيلم «وخز الضمير» في ١٩٣١، الذي فتح له أبواب السينما، ورغم أن معظم أدواره في السينما كانت أدواراً مساعدة، إلا أنها ببصماتها الكوميدية المميزة لاتزال محفورة في وجدان محبى الكوميديا، وكانت هذه الأدوارمع عبدالحليم حافظ وفريدالأطرش وإسماعيل ياسين وآخرين.

وكان «النابلسي» بدءاً من ١٩٥٥ قد بدأ الظهور مع عبدالحليم حافظ في أكثر من فيلم منها «شارع الحب» و«يوم من عمرى»، وشارك فريد الأطرش في أكثرمن فيلم.

كما شارك فاتن حمامة وعمر الشريف في فيلم «أرض السلام»، وكان «النابلسى» قد رحل إلى لبنان بعدما تراكمت الضرائب عليه، وفي بيروت أصبح مديراً للشركة المتحدة للأفلام وساهم في زيادة عدد الأفلام اللبنانية، ثم تزوج في عام ستين من إحدى معجباته «جورجيت سبات» وبإعلان بنك «إنترا» إفلاسه، الذي كان «النابلسى» يودع فيه كل أمواله تردت حالته الصحية وتوفى «زي النهاردة» في ٥ يوليو ١٩٦٨، ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة فتكفل بها فريد الأطرش.

المصري اليوم في

05.07.2014

 
 

قصة السينما والأطفال

محمد موسى 

بعد أن قدم قبل عامين، وفي خمس عشرة ساعة كاملة، قصة قرن من السينما في برنامجه التلفزيوني " قصة الفيلم... أوديسا “، يعود الناقد والمخرج البريطاني مارك كوزينز مجدداً إلى تاريخ السينما في مشروعه التوثيقي الجديد "قصة للأطفال مع الفيلم"، لكن هذه المرة ليقدم موضوعا أكثر تعقيداً من مشروعه الأول. هو يجمع وبدون الترتيب الزمني لمشروعه الأول مجموعة من الأعمال التي قدمت الأطفال في السينما، فيعثر على بعض الدُرر المنسيّة ويزدري شحنات العاطفة الجاهزة التي قدمتها هوليوود في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما سُخِر الأطفال ليكونوا أداة لاستدرار الدموع والضحكات من الجمهور الواسع.

لماذا الأطفال والسينما؟ ليس من الواضح لماذا اختار الناقد السينمائي هذا الموضوع. هل لأن الأعمال القليلة الجيدة التي قدمتهم هي مزيج رائع لمواهب الممثلين من الأطفال ورؤى مخرجين عادوا إلى طفولتهم أو ذكرياتهم عنها للبحث في معاني الوجود. فمن هناك ستتعقد الحيوات ويغدو الفكاك من ثقل آثارها أمراً شديد الصعوبة. كما أن الأطفال سيعرفون في السينما، كما في الحياة، تعقيدات الطبقية والقلق من المستقبل وتسلط المجتمعات التي ولدوا فيها بقيمها ومثلها البالية.

يجد المخرج والناقد السينمائي في سلوك عائلته المدخل للحديث عن تيمات فيلمه. هو يصور بكاميرا ثابتة أبناء شقيقته الذين كانوا يزورونه في شقته الصغيرة. سيدخل ويخرج الشقيقان من الكادر الثابت للكاميرا التي كانت تصور لساعات، وستكون لحظة التأمل المقلقة التي كانت بادية على سحنات بنت شقيقته المناسبة لتعرضه للأفلام التي قدمت أطفالا قلقين يمرون بصمت بمِحن داخلية. فيقدم هنا مشاهد من فيلم "الأرض الصفراء" للمخرج الصيني جين كاغيه من عام 1985، كما سيربط المخرج بين وحدة الطفل في فيلم "آي تي" للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ وبين بطلة الفيلم الصيني، عندها تغدو قصة الكائن الفضائي القادم الى الأرض والتي قدمها الفيلم الأمريكي الشهير مناسبة فقط للحديث عن الوحدة والبحث عن الحب والانتماء. وعندما يأتي الحديث عن الطبقية، سيستعيد المخرج والناقد فيلم المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي القصير "عامل البخار والكمان"، والذي أنجزه أثناء دراسته. في الفيلم يقدم المخرج علاقة صداقة غير مألوفة بين صبي من عائلة ميسورة وعامل روسي من خلفية فقيرة.

وكحال مشروعه التلفزيوني الضخم الأول لا يخفي مارك كوزينز انحيازه الكبير للسينما الأوربية والآسيوية، وهنا، كما في البرنامج الأول، يفرد الناقد السينمائي مكانة متميزة للسينما الإيرانية، التي يختار منها المخرج ثلاثة أفلام، اثنان منها من توقيع المخرج الإيراني محمد علي طالبي هما: "الحذاء"، و"الصفاف والريح"، و"البالون الأبيض" لجعفر بناهي. لا يشترك فيلما المخرج طالبي بتقديمهما لأبطال صغار فقط، فالفيلمان بأسلوبهما الفنيّ الذي يقترب من السينما التسجيلية، هما دراسة عن حال المجتمع الإيراني، وخاصة طبقاته الفقيرة. يقدم "الحذاء" قصة طفلة صغيرة تجبر والدتها على شراء حذاء، لكن إحدى فردتي الحذاء ستفقد في الطريق إلى البيت. أما فيلم "الصفاف والريح " فيقدم ابن صانع النوافذ الذي يُجبَّر على تصليح نافذة مدرسته الفقيرة. ليرافقه الفيلم بشاعرية كبيرة في حياته اليومية في القرية النائية التي يعيش فيها.

يتنقل مارك كوزينز بين أعمال، بعضها شهير كفيلم "فاني والاسكندر" للمخرج السويدي إنغمار برغمان وعديد من الأعمال المجهولة لمجاليه. والغاية دائماً عرض المختلف، والذي دخل بتميز إلى المنطقة السحرية للطفولة والأطفال، كما سينتقل الفيلم بين الحقب التاريخية فيقدم أفلاماً من الثلاثينيات من القرن الفائت، وأخرى من هذا القرن الجديد كالفيلم الهولندي المتقن "كاوبوي"، عن علاقة صبي هولندي بغراب صغير يجده ملقى تحت شجرة قرب بيته، وكيف تكون هذه العلاقة "البلسم" لألم فقدان الصبي لأمه. يربط الفيلم بين هذا الفيلم وآخر عرض في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي لمخرج بريطاني كان مجهولاً وقتها. هو فيلم "كيس" عن علاقة لصبي آت من خلفية قاسية مع نسر يسقط عليه من السماء. لا يكتفي المخرج الإنجليزي كين لوتش بالقصة العادية، بل يطوعها ليخضع الخلفية الاجتماعية العمالية التي أتى منها الصبي لمشرح التحليل، وهو الأسلوب الذي سيطبع بعد ذاك السينما التي قدمها المخرج.

لكن أيا من الأعمال المذكورة لن يحظى بالاهتمام والعاطفة التي نالها فيلم الإيراني جعفر بناهي “البالون الأبيض". المخرج اختار نهاية الفيلم ذاك لتكون نهاية فيلمه الوثائقي. فبناهي الذي قدم قصة الطفلة الإيرانية التي فقدت النقود التي كانت تحملها في طريقها لشراء سمكتها الذهبية، سيمنح لفيلمه تلك القيمة العاطفية المدهشة والهّم الإنساني العام، عندما قدم شخصية الصبي الأفغاني ببالونه الأبيض، والذي كان يمر من هناك، وتطوع لمساعدة الطفلة الإيرانية. الذين شاهدوا الفيلم يتذكرون بالتأكيد تلك النهاية العسيرة على المشاهدة، للطفل الافغاني القادم من بلد المتاعب وحيداً في الشارع بعد أن ذهب الناس إلى بيوتهم. لا يقطع المخرج الإيراني مشهد النهاية بل يجعله يمتد للحظات طويلة ثقيلة مشحونة بالعاطفة والحزن، مصورا بكاميرا ثابتة وحدة الطفل الافغاني بحب وحساسية كبيرة.

لا يوجد ناقد يتحدث عن السينما بمثل الشغف والحب الذي يملكه مارك كوزينز. هو، بلهجته الأيرلندية المُحببة واستعاراته الفكرية وتلميحاته الذكية يكاد يكون شاعر النقد السينمائي الأبرز، لكن دون أن يغفل إخضاع الأفلام التي يتناولها لتحليلات نقدية صارمة. يربط الناقد، الذي قدم عديدا من البرامج التلفزيونية السينمائية قبل أن يقوم هو نفسه بالإخراج السينمائي، بين الأفلام التي يقدمها بتمكن العارف ويُعيد اكتشاف أفلام ومشاهد ويشرح مواطن الجمال والتفرد فيما يقدمه. لا تنحصر أهمية ما يقدمه مارك كوزينز في مشاريعه التلفزيونية الأخيرة بقيمتها البحثية، هو يُلهم كثيرين لمشاهدة ما يقوم باكتشافه من تحف سينمائية. فعروض فيلم "قصة للأطفال مع الفيلم" المتواصلة حالياً في بريطانيا، كانت مناسبة لعرض مجموعة من الأفلام التي مرَّ عليها الفيلم الوثائقي لجمهور السينما في بريطانيا، بل إن بعضها وجد طريقه للعرض لأول مرة وفي صالات سينما فنيّة.

الجزيرة الوثائقية في

06.07.2014

 
 

"صدام الحضارات"

في مهرجان موسكو السينمائي 

نشر موقع "روسيا ما وراء العناوين" وهو موقع روسي يصدر باللغة العربية، مقالا تفصيليا عن الدورة الأخيرة لمهرجان موسكو السينمائي بقلم ديمتري رومنديك، الذى يرى أن المهرجان هيمنت عليه هذا العام الأفلام التي تتناول صدام الثقافات التقليدية مع العالم المعاصر وضغوط المجتمعات الشمولية على الإنسان البسيط.

ونظرا لأهمية مهرجان موسكو السينمائي تاريخيا وسينمائيا، ولأن النقد السينمائي العربي لم يعد يهتم به ولا يتابعه كثيرا، ننشر هنا نص ما كتبه الكاتب الروسي الذي أجرى أيضا عددا من المقابلات مع سينمائيين روس من الذين حضروا المهرجان.

يقول أندريه شيمياكِن رئيس نقابة السينمائيين ونقاد السينما في روسيا:  "في السبعينيات والثمانينيات كان يأتي إلينا أولئك الذين لم يتمكنوا من عرض أفلامهم في أماكن أخرى. نعم، كان المهرجان يدعم أساساً الحركة اليسارية والسينمائيين اليسارييين. ولكن كان يأتينا أيضاً سينمائيون موهوبون جداً". في بداية التسعينيات وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي،  فقد المهرجان هذا الحيز الذي كان يشغله.

وراحوا يركزون على أفلام البلوك باستر(blockbuster) الأكثر رواجاً والتي لم يكن بمقدور مهرجان موسكو منافسة العمالقة في هذا المجال مثل مهرجان (كان)أو مهرجان برلين السينمائي. في الآونة الأخيرة، وبسبب الموقف السلبي تجاه روسيا الناجم عن الحالة المعقدة في أوكرانيا، لم يزر المهرجان عدد كبير من السينمائيين. ومرة أخرى نعود اليوم إلى ذلك النموذج القديم. حيث يأتي إلينا فقط المخرجون والممثلون والمنتجون الذين يحبون حقاً روسيا والسينما الروسية.

الحوار بين الثقافات

"ماذا يعني أن يكون الإنسان سعيداً؟"- يتساءل المخرج الوثائقي الفرنسي توماس بالميس  (Thomas Balmes)   في فيلمه (السعادة) الذي شارك في المهرجان ضمن برنامج (الفكر الحر) للأفلام الوثائقية.  تم تصوير الفيلم في بوتان، البلد التي سمح ملكها بالتلفزيون والإنترنت منذ العام 1999 فقط ، بوصفهما عاملين هامين، إذا حَسُنَ استخدامهما، في مؤشر "السعادة القومية الإجمالية" (مفهوم جديد ابتكرته بوتان لقياس رخاء المجتمع بدلاً من مفهوم الناتج القومي الإجمالي- المحرر".

بطل الفيلم الرئيس هو صبي من عائلة ريفية فقيرة، ترسله أمه إلى معبدٍ بوذي بسبب عجزها عن إطعامه. وبفضل غوص فريق التصوير في تفاصيل حياة الفلاحين، تبدأ بإدراك حقيقة أنه لا توجد وصفة جاهزة للسعادة، ولا معادل إجمالي لقياسها. السعادة ببساطة هي مباهج الحياة البسيطة.

كالانطباعات الجديدة من رحلة يقوم بها الصبي إلى المدينة لشراء تلفزيون، حيث يشاهد لأول مرة في حياته واجهات المحلات التجارية وذاك التلفزيون نفسه الذي في نهاية الفيلم، ستشاهد القرية بأكملها من خلاله مباراة غريبة لكرة القدم. يقول توماس بالميس في حديثه لـ "روسيا ما وراء العناوين": "إن فهم المخرجين الروس للسينما الوثائقية قريب جداً مني. فلا يزال هذا النوع من الأفلام في روسيا صافياً.

والمخرجون هنا يقفون في مواجهة التلفزيون الذي ينذر بخطر خلط الأنواع الفنية. كما يقاومون محاولات إقحام الأفكار السياسية والدعائية على عكس الفرنسيين الذين يقترفون مثل هذه الخطيئة".

جريمة قتل أو آيفون خاص جداً

وفي إطار برنامج الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان، تم عرض فيلم تمبكتو(Timbuktu)  للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، والذي يثير مسائل القيم البشرية المشتركة بين جميع الناس من خلال تناوله للمصير المأساوي لأسرة من تمبكتو تم إعدامها على أيدي الأصوليين الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة. يروي عبد الرحمن لـ"روسيا ما وراء العناوين": "ترافق وقوع هذه المأساة مع إصدار موديل جديد من هاتف(iPhone). حيث ألقت وسائل الإعلام بكل طاقاتها لإعداد تقارير من الطوابير المحتشدة لشراء الهاتف الجديد. الأمر الوحيد الذي كان يقلق العالم بأسره آنذاك هو من هم أولئك المحظوظون الذين سيتمكنون من شراء الهواتف الأولى. ولم يأت أحد على ذكر المأساة التي حدثت في تمبكتو ولو بكلمة.وقد دفعني واجبي كمخرج أن أتحدث عن هذه المأساة".
من الطريف أن المخرج عبد الرحمن سيساكو القادم من افريقيا الناطقة بالفرنسية، وهو أيضاً عضو في لجنة تحكيم المهرجان، ينتمي إلى التقاليد السينمائية الروسية. ففي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات درس عبد الرحمن في معهد السينما 
(VGIK)  في موسكو. وفي عام 1993، حصل فيلمه (أكتوبر) الذي يتحدث عن قصة حب بين فتاة روسية وشاب افريقي، والذي تم تصويره في ضواحي موسكو، على جائزة (النظرة المتميزة) في مهرجان (كان) السينمائي. ويضيف عبد الرحمن: "عندما قدمت إلى روسيا للدراسة، لم يكن بحوزتي ما يكفي من المخزون الثقافي. ولم تكن لدي معارف عميقة بالفنون كالرسم و الرقص والموسيقى والسينما. وهنا في روسيا قد تعلمت الكثير.كنت أزور مسارح موسكو كثيراً وتشبعت بالثقافة الروسية".

أثار الفيلم اهتمام المهرجانات السينمائية الإسلامية. وبات من المعلوم أن الفيلم سيعرض في المملكة العربية السعودية. وحرفياً، أثناء عرضه في مهرجان موسكو السينمائي الدولي(MIFF) طلب القائمون على مهرجان كازان للسينما الاسلامية بإلحاح أن يجلب المخرج هذا الفيلم معه إلى ملتقى كازان.

التهجير الستاليني للشعوب

كان موضوع المسلمين من العناوين الحاضرة في السينما الروسية. ففي إطار المهرجان تم عرض فيلم (مأمورون بالنسيان) الذي يتحدث عن ترحيل الشيشان والانغوش في عام 1944. يعرض الفيلم وحشية الشرطة السياسية الستالينية التي قامت بقمع سكان قرية خايراب الجبلية. في نهاية الحرب العالمية الثانية، أمر ستالين بتهجير عدد من الشعوب كعقاب جماعي على تواطئهم مع النازيين. وكان من بينهم  الشيشان. وأثناء عملية التهجير قضي على 700 شخص في قرية خايراب وحدها.

ولعل أكبر فضيحة ارتبطت بهذا الفيلم كانت امتناع وزارة الثقافة عن منحه شهادة التوزيع. وأكد المسؤولون أن وقائع الفيلم غير مثبتة بالوثائق. فيما احتج صانعو الفيلم على ذلك.

يقول مخرج الفيلم حسين إركينوف: "إنه فيلم فني مبني على مواد تاريخيةولقد اعتمدنا في العمل على وثائق لجنتين حكوميتين لعامي 1957 و 1991".

أثناء العرض الأول للفيلم في قاعة المهرجان الكبيرة في سينما (أكتوبر)، لم يكن هناك موقع قدم خال بالمعنى الحرفي للكلمة. حتى السلالم كانت مشغولة.

فيلم روسي عن سكان الشمال الأقصى

شاركت روسيا في برنامج المسابقة للمهرجان بفيلمين هما فيلم (نعم ونعم)للمخرجة المشاكسة فاليريا غاي غيرمانيكا عن قصة حب غريبة بين مدرسة وفنان مجنون، وفيلم (طحالب الرنة البيضاء) الذي يستحق التوقف عنده بتمعن أكبر.

تم تصوير الفيلم حسب رواية الكاتبة النينتسية آنَّا نيركاغي. تجدر الإشارة إلى أن برنامج المهرجان السينمائي كان شاملاً إلى حدٍ بعيد، وكانت الأفلام كما لو أنها تتحاور فيما بينها. ففيما يتحدث فيلم (مأمورون بالنسيان) عن مأساة الشيشانين، جاء فيلم (طحالب الرنة البيضاء) ليطلعنا على أحد الشعوب الروسية الصغيرة (شعب النينيتس)Nenets people التي تقطن شواطئ المحيط المتجمد الشمالي. وكما هو الحال في فيلم (السعادة) عن ذلك الصبي من مملكة بوتان، اعتمد هذا الفيلم أيضاً على مواد اثنوغرافية غنية غير معروفة للعالم الغربي. إنها قصة حب مأساوية بين شاب نينتسي وفتاة قررت مفارقة حياة الترحال والانتقال نهائياً للعيش  في المدينة. ومن خلال هذه القصة التي تبدو في غاية البساطة يتحدث صانعو الفيلم عن الصدام بين القيم التقليدية مع الحضارة الزاحفة.

وقد أثار الفيلم اهتمام عدد من المهرجانات الإسكندنافية، حيث تبرز مشكلة علاقة الشعوب الأصلية الصغيرة بالثقافة الأوروبية بالحدة نفسها.

جوائز مهرجان موسكو السينمائي الدولي

الجائزة الكبرى - الفيلم الياباني "رجلي" للمخرج كادزوسي كوماكيري
الجائزة الخاصة - الفيلم التركي "نور عيوني" - مالك ساراتش أوغلو وحقي كورتولوش
 جائزة أفضل مخرج – الفيلم الروسي "نعم ونعم "فاليريا غاي غيرمانيكا"
جائزة أفضل ممثل – الممثل اليباني تادانوبو أسانو عن فيلم "رجلي"
جائزة أفضل ممثلة - الأوكرانية ناتالكا بالوفينكو على دور البطولة في فيلم "الأخوة. الاعتراف الأخير".جائزة أفضل فيلم وثائقي - البولندي يان ماتوشينسكي مخرج وكاتب سيناريو فيلم "الحب العميق
" أفضل فيلم قصير – "14 خطوة" للمخرج الروسي مكسيم شافكين

عين على السينما في

06.07.2014

 
 

«إمبراطورية الشمس»...

الطفولة في مهب الريح!

عبدالستار ناجي

يعتبر فيلم «امبراطورية الشمس» واحدا من ابرز الاعمال السينمائية، التي تتعرض لموضوع الحرب، من منظور تأثيرها على الاطفال، عبر حكاية حقيقية، تجعلنا نقترب من العذابات التي عاشها ذلك الطفل «جيم غراهام» الدذي جسده كريستيان بيل، في واحد من واهم اعماله التي مهدت الطريق الى نجوميته المطلقة لاحقا، فيلم يتمحور حول الطفولة، امام اتون الحرب التي تدمر كل شيء، وتشوه كل شيء، والطفولة هي أول من يتضرر من تلك الحرب الضروس التي تلتهم كل شيء.

فيلم «إمبراطورية الشمس» انتاج عام 1987، اعتماداً على رواية جي. جي. بالارد، والعمل هو عن «شبة» سيرة ذاتية، اعجب بها المخرج والمنتج ستيفن سبيلبرغ ليمولها الى عمل سينمائي ثري بالقيم والمعاني، تصدى لبطولته النجم الشاب يومها كريستيان بيل ومعه جون مالكوفيتش وميراندا ريتشادسون ويانجل هافيرس.

وقبل الذهاب الى الفيلم، نشير الى ان المخرج ستيفن سبليبرغ ذهب كثيرا الى موضوع الحرب، وفي هذه السلسلة عدد من الافلام من بينها «انقاذ الجندي برمان».

حكاية تبدو للوهلة الاولى عادية وبسيطة، ولكنها تورطنا في متاهات الحرب، والاشكاليات التي تحيط بالصبي الصغير جيمي «جيم غراهام» الذي يذهب للعيش مع عائلة بريطانية ثرية في شنغهاي، ومع اندلاع الحرب «اليابانية - الصينية» يجد نفسه في معسكرات الاعتقال اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.

وتعود الى الوراء، فقد كانت اليابان في حالة حرب مع الصين، منذ العام 1938، قبل ان يعلن الحرب على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

منذ اللحظة الاولى، يأخذنا الفيلم الى «جيمي غراهام» وهو تلميذ من الطبقة البريطانية العليا، يعيش مفتونا بالطائرات والخيال الخصب، يعيش حياة ميسورة، مدلل.

بعد الهجوم على ميناء بيرل هاربر تتوجه اليابان الى احتلال شنغهاي، حيث تسود الفوضى، وفي زحمة تلك الفوضى المدمرة، يتم الفصل بين «جيمي» ووالديه، وسط حشود البشر وحالة الهلع التي تجتاح الجميع.

وبعد فترة من الانتظار في احد البيوت، حيث يعيش على بقايا الطعام، يقرر الخروج حيث يكتشف سيطرة اليابانيين على شنغهاي، وحالة من الفوضى تجتاح المدينة، والدمار في كل مكان.
ويتم اقتياده من قبل بي - أميركي، يحاول القبض عليه وبيع اسنانه، ولكن «جيمي» يجد ذلك البعد بانه يعرف الكثير من بيوت الاثرياء، والتي لاتزال مليذة بكثير من الاشياء الثمينة.

وتمضي الرحلة بحثا عن والديه، في متاحات من السجون تارة، والمعسكرات تارات اخرى يشاهد بعيون البراءة، والعفوية، القتل الارهاب والوحشية التي راح يمارسها جنود الاحتلال الياباني ضد الصينيين او غيرهم، في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الحرب العالمية الثانية.

في احدى المعسكرات تتطور علاقة ذلك الصيني الصغير المشبع بالفطنة والذكاء، مع قائد المخيم الرقيب «تاجاتا» والدكتور ولينز وهو طبيب بريطاني، كما يرتبط جيم بعلاقة وطيدة مع مراهق ياباني، الذي يتقاسم معه الحلم، في عالم الطيران، ويصبح كل منهما طيارا يعمل المراهق الياباني، على مساعده «جيم» من واجل الهروب.

وتمضي الرحلة، مشبعة بالمغامرات تارة، وبالقسوة تارات اخرى، والخوف والهلع وايضا الدمار الذي يجول بيوت وشوارع شنغهاي الى دمار شامل، وكأنه ما يجري هو اختصار للحقد والداهية المتبادلة بين الشعبين الياباني والصيني خلال الحرب العالمية الثانية.

رحلة صعبة وقاسية، يظل يراهن ذلك الصيني عبر حلمه وطفولته، والقادرة على استيعاب كل الظروف وصولا الى لحظة استلام اليابان ونهاية الحرب عندها يتم العثور عليه، من قبل والديه، في احد دور الايتام، حيث تجربة الحرب قد محت الكثير في ذاكرته التي كادت ان تنسيه والدته، ولكن يعود اليها وان ظلت تدوب وويلات الحروب بين عينيه وفي ذاكرته، عبر شخوصها واحداثها وذكريات، ومحزن ان يتم تدمير الطفولة وهي في ريعانها.

باقتدار عالي يتألق كريستيان بيل في تقمص شخصية «جيم» ونشير الى ان كريستيان بدأ مشواره حينما كان في الرابعة من عمره، حينما اختارته ايمي ايرفينتج «زوجة سبيلبرغ الاولى» ليشاركها البطولة في الفيلم التلفزيوني «اناستازيا» ومنذ ذلك الحين ظل في ذاكرة ستيفن سبيلبرغ الذي عاد ليطلبه لدور البطولة في «إمبراطورية الشمس».

في الفيلم النجم الأميركي جون مالكوفيتش بدور البحار الاميركي باسي» الذي يتحول رغم وحشيته ورعونته وانتهازيته الى صديق لجيم.

والفيلم ايضا ميراندا ريتشاردسون وهي جارة «جيم» وتقدم اداء لافتا وعميقا.

شارك في انتاج الفيلم بعد شراء حقوقه مع ستيفن سبيلبرغ ستديوهات درانر براذرز معتمدين على منح مهمة كتابة السيناريو على السيناريست توم ستوبارد علما بان هذا العمل كان من المشاريع التي حاول الاشتغال عليها المخرج الراحل دايفيد لين، ولكن المرض والموت لم يمهلانه.
تم تصوير الفيلم في ستديوهات «الشرى» في المملكة المتحدة، اما مشاهد «شنغهاي» فقد صورت في «شنغهاي» بالاتفاق مع ستديوهات شنغهاي الصينية، وفي بعض مشاهد الفيلم تم الاستعانة باكثر من 10 الاف كومبارس بالذات، مشاهد الحروب والفرار والاجتياح.

وقد سخر سبيلبرغ جميع الامكانيات، مستخدما طائرات يابانية قديمة (بنسخ مقلده) وكم من الدبابات والاسلحة والديكورات والمباني والازياء.. كما تم استخدام كمية من المتفجرات.. وايضا التقنيات السينمائية العالية الجودة حيث لايزال يذكر اسم المنتج (نورمان رينولدز) كمصمم انتاج وايضا فيس ارمستردنغ الذي اسندت اليه تنفيذ مشاهد الخدع والتي اضافت الكثير لهذه التجربة السينمائية، التي ظل محورها الاساسي الطفولة التي تعاني الويلات جراء الحروب.. والرغبات.
اطلق الفيلم يوم 25 ديسمبر 1987 حيث حقق في اسبوعه الاول (22) مليون في الاسواق الاميركية و(44) في الاسواق العالمية. لتتجاوز عوائدة المائتي مليون دولار في النهاية.

من ابرز ما كتب عن الفيلم جاء في صحيفة نيويورك تايمز «روعة بصرية» في مغامرة تحتفي بالطفولة عن بطولته لهذا الفيلم «نال كريستيان بيل» جائزة تمثيل خاصة وهي جائزة انشأت خصيصا لادائه من قبل المجلس الوطني للاستعراض. كما ترشح الفيلم لعدة جوائز اوسكار.

في الفيلم كثير من الاشتغال على موضوع «الطفولة» التي تعدى كل شيء الحرب واليابانيين والصينيين وحتى الاميركان كنموذج منهم ذلك البحار الاميركي «مالكويتش» الذي يريد ان يسرق كل شيء، ويبيع كل شيء حتى الطفولة.

وفي الفيلم بحث شديد الحساسية، عن مشاهدة تلك الحرب وويلاتها، من خلال عيون صبي، لا يعي اخطار ما يقوم به من التصرفات ويستطيع مشاهدة الكثير من الاحداث، ليكون شاهدا عليها.
ففى الوقت الذي يصف اليابانيين بالوحشية، لايتردد في وصفهم بالشجاعة والبسالة.

فيلم يجعلك اسيرا لحكاية ذلك الطفل، والذي كلما تجاوز مأزق، وجد نفسه في مأزق اخر.. وحكاية اخرى، اكثر قسوة.. واكثر عنفا. واكثر دمارا وكان تلك اللعبة القدرية، مقصودة ومتعمدة لتعري الاشياء.. والشخصيات.. والظروف.

فيلم يرى الحرب من خلال عيون البراءة.. وفي الحين ذاته يجعل الاثار المترتبة على الطفولة جراء تلك الحرب الضروس.

فيلم يحبس الانفاس في مشاهد كثيرة، ندهش ولكن سبيلبرغ منذ اللحظة الاولى يعي ما يريد انه لايريد فيلما عن الحرب بل فيلم عن الطفولة في زمن الحرب فيلم عن الدمار الذي يليق بالبراءة ويحولها الى بضاعة ودمار وهامش مقرون باصناف العذاب.

فيلم عن الحرب عبر ذاكرة الطفولة التي لا تجامل والتي لا تتملق لهذا يأتي الفيلم بعيدا عن الحرب قريبا من الم الطفولة وغربتها وبحثها عن المان في زمن لامكان فيه للامان والطفولة.

النهار الكويتية في

06.07.2014

 
 

«خزانة الألم»..

فيلم عن التدخل في العراق!

عبدالستار ناجي

بعد الحروب الطاحنة التي خاضتها الولايات المتحدة الاميركية، في كوريا ثم اليابان، ثم فيتنام، وهكذا الأمر في أفغانستان، ها هي هوليوود، تذهب الى حروب أميركا في العراق، عبر فيلم شديد الشفافية، عميق، صادم، حاد، صريح، قاس، ألا وهو فيلم «خزانة الألم» الذي يعتبر واحدا من أهم الأفلام التي تصدت لموضوع الحرب في العراق على وجه الخصوص، والتدخل الأميركي في حياة الشعوب، من خلال دراما سينمائية، تعتمد في الأصل على نص مسرحي مثير للجدل.

فيلم «خزانة الألم» تم انتاجه 2008 من انتاج واخراج كاثلين بيجلو.

فيلم «خزانة الألم» وثلاثة من الجنود الأميركان، يقضون مهمتهم في العراق، في عمليات ازالة الألغام، حيث تبدو الشخصيات وكأنها تذهب الى قدرها، في لعبة الحرب تلك التي ترحم.

أيام صعبة، ومواجهة دائمة مع الموت، والقدر والإرهاب، والتطرف، ومن بينها الحالة النفسية المتوترة التي تعيشها تلك الشخصيات، فيما بينها، بعضها البعض أولا، وما يحيط بها من ظروف مميتة.
ثلاثة من النجوم الافذاذ، يتصدون لتقديم هذه التجربة، وهم جيريمي دينر وانتونتي حاكي، ويريان جيراغتي لقيادة كاثلين بيجلو «مخرجة ومنتجة» معتمدة على نص كتبه مارك بوال، الذي كان في الاصل صحافي مع الفرق المتخصصة في ازالة الذخائر المتفجرة للجيش الأميركي في العراق عام 2004.

فيلم «خزانة الألم» أو «هيرت لوكر» يعتمد على اقتباس مشترك عن نص لكريل هيدجر صدر في العام 2002 ومعالجة لمارك بوال.

فيلم ونص روائي وكتابات صحافية، تعزف على وتر نادر، يؤكد بان «اندفاع المعركة هو ادمان، وعندها تتحول الحرب الى «مخدر» يعتمد القوة والقتل.

هكذا هو المحور الاساس الذي يشتغل عليه الفيلم والنص، وان اختار الموقع للحرب هذه المرة، العراق، وقد صورت مشاهد الفيلم في المملكة الأردنية الهاشمية وبمواصفات انتاجية عالية الجودة.

يأخذنا الفيلم منذ اللحظة الاولى، الى وصول الرقيب ويليام جيمس «جيريمي رينر» وهو من قدامى المحاربين، الى بغداد بقيادة فريق جديد من الجيش الاميركي مهمته التخلص من الذخائر المتفجرة، حيث جاء ليعمل مكان الرقيب ماثيو طومسون «غاي بيرس» الذي قتل من قبل عبوة ناسفة في بغداد، ويتضمن الفريق الذي يترأسه ويليام، كلا من الرقيب انطوني ماكي والاخصائي اوين الدريدج «بريان جيراغت».

ويليام جيمس يمتاز بأسلوبه الذي يعتمد الاقدام، ولربما تجاوز حدود التهور، في التعامل مع ملايين العبوات والالغام والمتفجرات التي زرعت في انحاء متعددة من العراق، قبيل عملية تحرير العراق، وسقوط الطاغية صدام حسين.

في احدى المهمات، في منطقة صحراوية نائية، يبدأ التوتر يتفجر بين ذلك الثلاثي، في وقت متزامن مع المتفجرات التي تحيط بهم، ويظل الفيلم يشتغل على ذلك المنحى، تفجر العلاقات الانسانية، وتفجر الواقع الذي يحيط بهم، والذي يمكن ان يكون في اي مكان من أنحاء العالم، العراق أو غيره.

وطبعا الفيلم لا يخلو من بعض المواجهات مع عناصر مسلحة «بالزي العربي»، نكتشف لاحقا بانهم مرتزقة «بريطانيين» يمثلهم النجم البريطاني رالف فينيس.

كمية من المشهديات، تارة في الصحراء، ولها تفاصيلها المتفجرة، ثم غارة على مستودع، وهذه الأخرى لها حكايتها وتفاصيلها، ودائما الانفجارات حاضرة وعنيفة.

حتى عندما يتحدث عن العلاقة بين الاميركي والطفل العراقي، نجد في البداية الشك والريبة بالاخر، ورغم حضور الصداقة وامكانية علاقة دوية، الا ان الانفجارات لا تتوقف، وهي تحول ذلك الثلاثي الى شخصيات تعتبر الموت شيئا عاديا، لهذا تلهو بالموت، وتلهو بالمتفجرات.

حتى وهي تصاب، فانها تلقي بتبعيات تلك الاصابات على بعضها البعض، وكأنها تحاول تفجير بعضها الآخر، في فيلم يجعلنا وكأننا امام شخصية اكثر تفجرا من الواقع والألغام التي تحيط بها.

حتى حينما يعود جيمس الى زوجته كوني في ارض الوطن، فانه بعد حين يشعر بالملل، لانها ادمن الحرب، وأدمن القتل، وأدمن الانفجارات التي تدوي بداخله لتفجر الطاقة والقوة بداخله وتجعله يعيش عوالم من اللذة والادمان التي لا يعرفها الا من عاشها، وادمنها، لهذا يقرر العودة من جديد الى حين يطفئ ظمأ ادمانه، بالانفجارات والاقتراب من الموت، مديرا ظهره الى كافة العلاقات الانسانية بما فيها علاقته مع زوجته وصوت طفله الرضيع.

بأداء عالي المستوى يدهشنا جريمي رينر بدور وليام جيمس، وايضا انتوني ماكي بدور سانبورن وبقية الكوادر التي تشكل الشخصيات المحورية، لعمل يظل يشتغل على الذات الانسانية، أكثر من اشتغاله على الحرب. فيلم يقول الكثير عن الحرب في العراق، ومن قبلها الحالة النفسية «المدمنة» التي تحرك الجنود الاميركان لخوض تلك الحرب، بل واستمراريتها.

فيلم يحلل الظروف النفسية، ويتهم اميركا صراحة بانها السبب وراء تلك الحالة الادمانية القاتلة التي تعيشها تلك الشخصيات.

صورت جميع مشاهد الفيلم في المملكة الاردنية، على بعد عدة اميال من الحدود العراقية، في موقع تصوير امكن من خلاله تأمين الاجواء في الاحياء العراقية، كما صورت مشاهد اخرى في الكويت وبالذات المواصفات العالية المستوى كان خلفها «سينما جيك» وجملة المشاهد صورت في فترة الصيف، حيث درجات الحرارة اقتربت من 50 درجة مئوية.

الامر الاساسي في هذه التجربة، ورغم كمية المتفجرات وانواع الالغام، الا ان الموضوع الاساسي ظل الالغام النفسية، وحالة الادمان، وعشق مخدر الحرب، والذهاب الى آتون المواجهة مع الموت.

وحينما عرض الفيلم، حصد كثيرا من ردود الافعال والكتابات النقدية الايجابية، التي اشادت بقدرات المخرجة كاثرين بيجلو «الزوجة السابقة للمخرج والمنتج جيمس كاميرون» حيث وصفت بالمبدعة، والعميقة لقدرتها على فلسفة موضوع الحرب، وتحويل مشهديات الحرب الى مشهديات من التفجر الذاتي، والقسوة، وايضا حالة الادمان التي تعتري الجندي في فهم الحرب والانفجارات، والمواجهة مع الموت، التي تتحول الى ادمان يكاد يتكرر، وبشكل يومي، ليمنح المجند متعة لا يعرفها الا من عاش تلك اللحظات المرضية القاسية.

فيلم عن الاثار السلبية للحروب، على الجنود بالذات في قطاع ازالة الالغام، حيث اللهو بالموت والتسابق لايقاف الموت في اللحظة الحاسمة.

عرض فيلم «خزانة الألم» للمرة الأولى في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 2008، وحصد عشرات الجوائز من بينها اوسكار افضل فيلم وافضل اخراج وافضل سيناريو واحلى صوت ومونتاج.

اما المخرج والمنتجة فقد كان هذا الفيلم بمثابة الفتح الاكبر في مسيرتها خصوصا حينما واجهت زوجها جيمس كاميرون في الصراع على الاوسكار، حيث فاز فيلمها «خزانة الألم» على فيلم زوجها السابق جميس كاميرون الذي قدم يومها الفيلم التحفة «افاتار» ولكن الفوز كان للالم الانساني ولويلات الحروب وحضور العراق في السينما الاميركية.

فيلم «خزانة الالم» هو في حقيقة الالم الاسترخاء عن نصل الالم والموت ولهو ارعن بالمتفجرات وذهاب الى لجة الحرب وادمان في تصاعد المواجهة والتلذذ في الاقتراب من الموت.

سينما من نوع آخر، يدهشنا بقسوته وبالتحليل الدقيق للشخصيات والعلاقات وايضا الظروف القاسية التي يحاط بها الجندي الاميركي والتي تحوله الى خلية من التفجر وخلية من استمراء المواجهة مع اقسى اللحظات المدمرة للذات والاحاسيس والمشاعر.

سينما تستحضر الحرب لتقول الكثير ولتكون شاهدا على قسوة الحرب واثارها، وايضا النقد الموضوعي الذي لا يمكن له ان يتحقق الا في سقف مرتفع من الحريات في نقد التدخل الاميركي والحروب التي لا تنتهي التي تفعل فعلتها في ذات الجندي الاميركي.

فيلم يؤسس لمرحلة جديدة من النظر الى افلام الحرب وهو حتى بعد ان ينتهي يظل يحاصرك بكم من المتفجرات التي تذهب الى داخل المشاهد، حيث يتفجر القلق حول الحرب وحول حالة الادمان في خوض الحرب لدى الجندي الاميركي ومن هنا خطورة الفيلم.

النهار الكويتية في

07.07.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)