كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

كأس العالم وكرة القدم..

ثلاثية السينما والرياضة والفساد!

أحمد رزق الله

 

وها قد قاربت بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة في البرازيل على الانتهاء. بين حزن لخروج العديد من الفرق الكبيرة مبكراً، وسعادة بغزارة تسجيل الأهداف ومفاجآت البطولة، تبدو أجواء كأس العالم مغايرة لتلك الأجواء التي اعتدناها في أيام الطفولة والمراهقة (بالنسبة لأبناء جيلي على الأقل الذين بدأت متابعة بعضهم للبطولة في ثمانينات القرن الماضي، والبعض الآخر لحقوهم في التسعينات).

 لم تعد الحماسة ذات البراءة (أو السذاجة) والمسبوغة بروح الهواية هي المسيطرة، سواء على صانعي الحدث أو على المشاهدين أنفسهم. سيطرت دورة رأس المال وروح الاحتراف لتحوّل البطولة (وكرة القدم عامةً، والرياضة في الأعم) إلى صناعة يهدف المسيطرون عليها إلى جني أكبر قدر من الأرباح جاعلين من اللاعبين والمشاهدين مجرد دمى وأدوات لتحقيق أهدافهم على حساب المتعة الحقيقية والحماسة البريئة.

رأسمالية التشجيع

طالت الصناعة المشجعين أنفسهم، فاختلفت مظاهر متابعة البطولة بين متابعيها.  فعلى سبيل المثال، لم تعد هواية مثل تجميع ألبوم كأس العالم لها نفس الوهج الذي كانت عليه أيام كأس العالم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. كان التنافس بين الأطفال والمراهقين لشراء صور لاعبي المنتخبات المشاركة في البطولة ولصقها بالألبوم (الكتيّب) بمثابة البطولة الموازية لكأس العالم لهؤلاء، وكان قمة المجد عند هؤلاء المشجعين الصغار من مجانين كرة القدم هو استكمال الألبوم والحصول على صور جميع اللاعبين. ولكن يبدو أن الزمن لم يعد كالزمن فقد انطفأت حماسة الأجيال الصغيرة بهذه الهواية، فلم يوزّع الألبوم بالأسواق المصرية سوى قبل أيام قليلة جداً من بداية البطولة وعلى نطاق ضيق للغاية. وفي المقابل أصبح تجمّع الأطفال والشباب حول "البلاي ستيشن" هو المظهر الرئيسي لمحاكاة البطولة إليكترونيا وخلق منافسة موازية استعداداً للمباريات لننتقل إلى مرحلة التشجيع التفاعلي الخيالي الذي يحبس أصحابه أمام شاشات أخرى لساعات أطول.

هذا التآكل للتشجيع الكروي العفوي والبريء وحلول الهيمنة التكنولوجية محله هو الصورة الساذجة لهذا التحوّل الأشمل الذي ضرب العالم خلال العقدين الماضيين والذي كان له ضحايا كثيرون لم يستطعوا الصمود أمام تحوّل مجالات كثيرة من مجرد أنشطة غير منظمة، ولكنها لاقت رواجاً وقبولاً من العامة، إلى صناعات متضخمة يسيطر عليها غيلان رأسماليون عملوا على ضخ أموال كثيرة لتطوير تلك المجالات الرائجة (مثل كرة القدم، والسينما، ونشر الكتب) والتوسّع فيها بشكل مبالغ فيه حتى أضرّوا بها وبالجمهور الرئيسي لها (خاصةً من البسطاء).

الصورة الأوضح (وأيضاً الأكثر جدية لمساسها بالعامة) لهذا التحول الرأسمالي في نفس سياق كرة القدم وكأس العالم هي المنافسة المستميتة بين شبكات القنوات العالمية الأكثر ثراءً (والمدعومة من الحكومات الخليجية في منطقتنا العربية) لاحتكار بث البطولات العالمية، والتي جعلت من مجرد إشارة البث صناعة كاملة تقف وراءها جيوش من المحللين وسماسرة استديوهات التحليل، فقد ولت أيام العثور مصادفةً على مباراة للدوري الإيطالي مذاعة دون أي مقدمات على القناة الثانية في فترة الظهيرة في تسعينات القرن الماضي، وبالطبع لن تعود قناة الـNile TVلإذاعة مباريات الـChampions League كما فعلت سابقاً في أوائل الألفية الثالثة، قبل أن تنتبه باقي القنوات لشعبية هذه البطولة. كل ذلك صار ماضياً وحل محلّه احتكار الشبكات الكبرى التي صارت تقدّم خدمة مميزة لقاء مقابل كبير لا يقدر عليه البسطاء مستغلين الغياب التام للدولة عن توفير المتعة للمواطن.

السينما وتوثيق التحوّل

غير أن التغيّر الرئيسي لم يقتصر بالطبع على عملية التشجيع، ولكنه ضرب العصب الرئيسي لكرة القدم وهي البطولات وطريقة إدارتها والترويج لها. فيلمان تسجيليان - من ضمن الأفلام العديدة التي جعلت من كرة القدم موضوعاً رئيسياً لأحداثها- يوثّقان هذا التحول التدريجي الذي طرأ على ساحة كرة القدم والذي جعل منها صناعة يشوبها الكثير من الفساد بدءاً ربما، من ثمانينات القرن الماضي حتى وصل إلى ذروته في نهاية التسعينات. الأهم بالنسبة لي – واتساقاً مع الحدث الجاري الحالياً والذي يتابعه الملايين- هو ربط الفيلمين هذا التحول بدورتين من أهم دورات كأس العالم في التاريخ المعاصر كونهما- في رأيي وبغض النظر عن مستوى المباريات بهما- آخر بطولتين شابهما جزء من روح الهواية قبل أن تسيطر الصناعة والاحتراف على البطولات التي تلت. هاتان البطولتان هما بطولة إيطاليا 1990 وأمريكا 1994.

ليلة دامية في تورينو

 الفيلم الأول وهو البريطاني "One Night in Turin" (أو ليلة في تورينو). والذي يؤدي الأداء الصوتي فيه الممثل الإنجليزي الشهير جاري أولدمانوهو من إنتاج 2010- يمكن التعامل معه كمجرد عمل يوثّق مشوار منتخب إنجلترا في كأس العالم 1990، وهي البطولة التي نالوا فيها المركز الثالث تحت قيادة المدرب الأسطوري السير بوبي روبسون، وهو أفضل مركز حققه الإنجليز على الإطلاق منذ وقبل فوزهم الوحيد بكأس العالم 1966 التي أقيمت على الأراضي البريطانية. ولكن "ليلة في تورينو" له جانب أعمق من ذلك التوثيق بكثير، وهو التعرّض لكيفية تحوّل كرة القدم الإنجليزية من رياضة تؤثر سلبياً على سمعة هذه المملكة العظيمة عالمياً بسبب عنف الجماهير الإنجليزية (الهوليجانز) إلى الدولة صاحبة الدوري الأكثر مشاهدة سنوياً في العالم.

 فقد مثّلت كأس العالم 1990 المحطة الفارقة في مسار كرة القدم الإنجليزية. فقبل انطلاقها بخمس سنوات (مايو 1985 تحديداً) حدثت المذبحة الرياضية الاكثر شهرة وهي كارثة استاد هيسل. فعلى ملعب هيسل ببلجيكا، وعلى هامش المباراة النهائية لبطولة أندية أوروبا بين فريقيّ ليفربول الإنجليزي ويوفنتوس الإيطالي (ابن مدينة تورينو)، اقتحم الجمهور الإنجليزي حائطاً فاصلاً بين مدرجات جماهير الفريقين، مما أثار الرعب في قلوب الجمهور الإيطالي وأدى إلى تدافعهم وسقوط 39 ضحية من المشجعين (أكثرهم من الإيطاليين) بالإضافة إلى إصابة حوالي600 آخرين. وكان نتيجة لهذه الكارثة إيقاف الأندية الإنجليزية عن المشاركة في أي بطولة أوروبية، وصارت كرة القدم وصمة عار في جبين المملكة.

يبدأ الفيلم برسم صورة عامة للأحوال في إنجلترا، من خلال تصوير هذا العنف والربط بينه وبين الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها إنجلترا في تلك الفترة تحت حكم رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر صاحبة أعتى السياسات التقشفية اقتصادياً، والتي كان من نتاجها اندلاع مظاهرات عديدة ضد الحكومة، كان من أشهرها مظاهرات مناهضة لقرار تطبيق نظام ضريبي جديد (اشتهر بالـPoll Tax) أي ضريبة الرأس، تطوّرت إلى اشتباكات بين المواطنين والشرطة وكانت أشدها تلك التي وقعت في وسط لندن قبل ثلاثة أشهر من انطلاق كأس العالم.

https://www.youtube.com/watch?v=FRj2K0ulD8Q

 ثم ينتقل الفيلم تدريجياً من الحالة العامة للأوضاع في إنجلترا (من غليان اجتماعي وسياسي مسيّطر على الشارع) إلى الحالة الخاصة بكرة القدم عبر مجموعة من مشاهد عنف الجمهور الإنجليزي، ثم يصل إلى المدخل الرئيسي الذي اختاره صناع العمل للتعرض للحالة الإنجليزية وهو منتخب كرة القدم واستعداده لمعترك كأس العالم من خلال نقل حالة أخرى من الغضب العارم موجّهة هذه المرة إلى المدير الفني بوبي روبسون والمشاحنات المستمرة بينه وبين الصحف الإنجليزية (التي تبدو إلى جانبها صحافتنا كحمل وديع لدرجة أن وصفها روبسون هي والقصص التي تختلقها عن فريقه بالزبالة).

إيطاليا 90: البطولة الفاصلة

هذا الانتقال المسلسل المتميّز كان نعم الوصف المتكامل للأحوال السياسية /الاجتماعية/الرياضية القاسية في بلاد الإنجليز قبل انطلاق البطولة وقبل نقل المشاهدين إلى مشوار المنتخب الإنجليزي في البطولة على الملاعب الإيطالية. فمن هذه الأجواء المشتعلة، يحملنا الفيلم إلى أجواء كأس العالم الاحتفالية في من خلال أرشيف ممتاز من اللقطات السريعة لوصول المنتخبات المختلفة إلى الأراضي الإيطالية يتقدمهم النجوم الأشهر مثل دييجو مارادونا ورود جوليت وماركو فان باستن ولوثر ماتيوس. ومع العودة مرة أخرى إلى المنتخب الإنجليزي تعود الأجواء المتوترة. حيث ينتقل المخرج (جيمس إرسكاين) سريعاً إلى جزيرة سردينيا التي اختيرت كمحل إقامة المنتخب الإنجليزي خلال البطولة. التحصينات المشددة والعدد المهول للعساكر الإيطاليين المخصصين لحماية الفريق والجمهور الإنجليزي أسّست مرة أخرى لما هو قادم من إثارة وعنف وشد عصبي صاحب مشوار منتخب بوبي والذي كان الجميع ينتظر سقوطه.

برشاقة  يأخذنا الفيلم سريعاً من مباراة إلى أخرى في رحلة بدأت غير مباشّرة للإنجليز (بالتعادل مع أيرلندا ثم مع هولندا في دوري المجموعات) ثم بدأت في الصعود تدريجياً بدايةً بلقاء مصر (والفوز بهدف وحيد برأسية المدافع مارك رايت بعد التقدّم الأهوج غير المفهوم حتى الآن لشوبير، يليه الفرصة الضائعة بغرابة من جمال عبد الحميد) ثم الفوز على بلجيكا والكاميرون ليجدوا أنفسهم وقد أصبحوا على بعد مباراة واحدة من النهائي الذي لم يتأهلوا إليه منذ 1966. بين كل مباراة والأخرى كان المخرج يأخذنا في رحلة سريعة لنعيش عن قرب أجواء المعسكر الإنجليزي المرحة حيناً والغاضبة أحياناً أخرى كثيرة، خاصةً مع متابعة اللاعبين لهجوم الإعلام عليهم ثم بدء انقلاب هؤلاء لتشجيعهم بعد تحقيق النتائج الإيجابية، أضف إلى ذلك تصوير أعمال العنف التي ارتكبها الجمهور الإنجليزي بعد مباراة هولندا وتعامل الشرطة الإيطالية (الذي لم يقلّ عنفاً) معهم وترحيل عدد منهم إلى بلادهم، مما أثر على المعسكر الإنجليزي.

تورينو..بداية أم نهاية؟

 وجد الإنجليز أنفسهم فجأة على خط النار. انتقلوا إلى مدينة تورينو لمواجهة الألمان في مباراة نصف النهائي. كان التحدي الأكبر ليس التغلّب على فريق بيكنباور الذي وصل إلى نهائي البطولة السابقة، ولكنه كان في لعب المباراة على أرض نفس تلك المدينة التي كان الإنجليز قد قتلوا عدداً من أبنائها (مشجعي فريق يوفنتوس) منذ سنوات قليلة. لم تكن الدماء قد جفت بعد ولم يكن أبداً الإيطاليون من هؤلاء الطيبين الذين سيفوتون تلك الفرصة التي جاءتهم للانتقام. وبالفعل اشتعلت المدينة قبل انطلاق المباراة ولم يكتف الجمهور الإيطالي فقط بأعمال الشغب تجاه الجمهور الإنجليزي ومعسكر اللاعبين ولكن أيضاً قام المنظمون بالتضييق على الإنجليز ومحاولة تحجيم حضورهم للمباراة. رغم ذلك، فقد مرت المباراة دون أي ضحايا. كان فريق بوبي روبسون هو الضحية الوحيدة فقد خسروا المباراة الدراماتيكية بركلات الجزاء الترجيحية بعد ماراثون طويل ليضيعوا فرصة تكرار إنجاز سابقيهم في عام 1966.

بين الدموع الشهيرة لبول جاسكوين لضياع حلم لعب نهائي المونديال (والتي نافستها في الشهرة في هذه البطولة دموع دييجو مارادونا بعد خسارة الأرجنتين للنهائي)، وبين الاستقبال الحافل الذي لاقاه المنتخب الإنجليزي من جمهورهم لحظة وصولهم للمطار، انتهت بطولة كأس العالم إيطاليا 90 بالنسبة للإنجليزبحصولهم على المركز الرابع. ولكن تلك الليلة في تورينو لم تكن مجرد نهاية لرحلة قصيرة لمنتخب ناجح، ولكنها كانت في عالم كرة القدم بمثابة بدايات لأشياء أهم. قد تكون بداية لانطلاق اللاعب الشاب مفاجأة البطولة للمنتخب الإنجليزي بول جاسكوين، وقد تكون أيضاً بداية نهايته. فجاسكوين – الذي ركّز عليه المخرج طوال الفيلم كنموذج للقوة الإنجليزية الصاعدة- كان له بالفعل وعلى غير المتوقع دور كبير في هذه النقلة الهامة للمنتخب الإنجليزي. غير أن نفس هذا الشاب المشاغب - الذي اشتهر بـ(جازا)- والقادم من بيئة شديدة الفقر انبهر سريعاً بالأضواء التي سلطت عليه واتجه لإدمان الخمور حتى خفت نجمه سريعاً بعد سنوات قليلة وغطت أخبار مشاكله مع زوجته وضربه لها ومعاناته مع الإدمان والمصحات على أخبار إنجازاته الكروية.

نفس الأمر يمكن أن ينطبق على مسار كرة القدم نفسها. فبطولة كأس العالم 90 كانت بمثابة قبلة الحياة للكرة الإنجليزية، فبسبب هذا الإنجاز (والتحسن الطفيف في أخلاق الجمهور الإنجليزي خلال البطولة) تقرر رفع الإيقاف عن الفرق الإنجليزية وسُمح لها بالمشاركة في البطولات الأوروبية في الموسم التالي. ولكن الأهم أنه بعد موسمين فقط انطلقت بطولة الدوري الإنجليزي بمسماها الجديد (English Premier League) وبتوجه وإدارة مختلفين. فقد صارت الأندية الإنجليزية هي نفسها المسؤولة عن إدارة البطولة من خلال رابطة للأندية، وصار الدوري شركة مساهمة تملك تلك الأندية أسهماً فيه. وكان الهدف من وراء ذلك كله هو جني الأندية المزيد من الأرباح - خاصةً من حقوق بث المباريات- وذلك في سبيل تحويل تلك الرياضة إلى صناعة رابحة مستغلة بذلك الشعبية الواسعة للعبة والتي كان يقف عائقاً أمامها شغب الجمهور الذي كان يتعامل بروح الهواية والعفوية المبالغ فيها في تشجيعه.

كان يلزم استثمار هذا الجمهور نفسه وتحويله إلى ركن من الصناعة وليس متفرجاً حتى يضمن اتقاء شره. وبالفعل نجحت الخطة الرأسمالية وانتشر هذا التوجه الكروي على نطاق أوسع – خاصةً بعد أن صار الدوري الإنجليزي هو الدوري الأكثر مشاهدة عالمياً- فحلّت بطولة الـChampions League محل بطولة أبطال أوروبا منذ عام 1992 من أجل توسيع قاعدة مشاركة الأندية وتحقيق مكاسب أكثر من البث التليفزيوني وذلك في خطوة استباقية من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لإفشال خطة بعض الأندية الأوروبية للانسحاب من دوري الأبطال وتنظيم بطولة خاصة تجمعهم بحثاً عن أرباح أكثر، فصنع الاتحاد الأوروبي نموذجاً سنوياً مصغراً لكأس العالم ممثلاً في الـChampions Leagueوضمن ولاء تلك الأندية المتمردة بزيادة نصيب الأندية من أرباح البطولة.

ثنائية الفساد والرياضة

رغم التطوّر الرهيب الذي طرأ على كرة القدم كصناعة منذ سيطرة هذا الفكر الرأسمالي وازدهارها بشكل غير مسبوق بين متابعيها، إلا أن الخسائر المترتبة على هذا الأمر لم تقتصر على زوال روح البراءة والهواية بين عناصرها ولكن المشكلة الأكبر – كحال جميع الصناعات عندما تتغول وتخرج عن السيطرة- هي أن كرة القدم صارت تحمل بين طيّاتها أسباب دمارها. أحد الأفلام الهامة التي تناولت بشكل مباشر هذه المرة، وكيف يمكن لكرة القدم أن تتحول من رياضة ممتعة إلى مستنقع للفساد والقتال، هو الفيلم التسجيلي  التليفزيوني "الإسكوباران" (أو الاثنان اسكوبار) للمخرجين الأخوين "زيمباليست" الذي أنتجته شبكةESPN الرياضية الأمريكية عام 2010 ضمن سلسلة أفلام حملت اسم 30   for30 لتوثيق عدد من الشخصيات والأحداث الرياضية التاريخية. عُرض هذا الفيلم مؤخراً في مهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية (ضمن قسم خصص لأفلام تدور في عالم كرة القدم بمناسبة كأس العالم الجارية حالياً)، وكان الفيلم قد عُرض في مهرجان كان عام 2010 على الهامش فيما يعرف باسم سينما الشاطيءCinema de la Plage  (وكتبت حينها عرضاً للفيلم في جريدة الشروق أثناء تغطيتي للمهرجان

http://www.masress.com/shorouk/230630

على العكس من "ليلة في تورينو" الذي قد يبدو إيقاعه بطيئاً بعض الشيء والذي قد تبدو قراءته المباشرة الأولى مجرد تأريخ لرحلة كروية، فإن "الإسكوباران" هو فيلم شديد الإثارة يكشف الكثير من الخبايا التي تجعل من المشاهد شديد التركيز مع خيوطه المتشابكة يحاول مجاراتها حتى تصله الصورة الكاملة لتلك العلاقات المتشابكة التي تتخفى خلف رداء كرة القدم.

"الإسكوباران" يدور حول اثنين من أشهر الشخصيات الكولومبية واللذان حملا نفس اسم العائلة "اسكوبار" دون وجود أي رابط عائلي بينهما. الأول هو "آندريس اسكوبار"،وكان من أفضل لاعبي كرة القدم الكولومبيين في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. والآخر هو "بابلو اسكوبار" وهو واحد من أكبر المسيطرين على تجارة المخدرات في كولومبيا، والتي اشتهرت لفترة طويلة بكونها الدولة الأعتى في تلك التجارة الممنوعة. الرابط بين الشخصيتين – بالإضافة بالطبع الى تشابه الأسماء- هو العلاقة بين كرة القدم (في كولومبيا كمثال) وبين رأس المال (ممثلاً هنا في تجارة المخدرات) وكيفية تأثير تلك الأموال على الرياضة وتحويلها من مجرد منافسة ذات طابع ترفيهي إلى مجال لغسيل الأموال وساحة للكثير من العمليات القذرة التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء.

الفيلم يسير منذ بدايته بالتوازي بين الخطين الرئيسيين له بالانتقال بين عالم كرة القدم الكولومبية لـ"آندريس"، وعالم المخدرات والعصابات لـ"بابلو". الربط بين هذين العالمين المتعارضين كان بارعاً منذ بداية الفيلم، فتصوير النهضة الاستثنائية التي طرأت على كرة القدم الكولومبية في بداية التسعينات والمشاهد الأرشيفية لانتصارات الفرق المحلية على النطاق الإقليمي ونجاح هذه الفرق في إخراج جيل من اللاعبين المتميزين (مثل اسكوبار وفالديراما وأسبريا) والنجاح في الاحتفاظ بأغلبهم في الدوري المحلي. وتلا ذلك تفسير لهذا التطور المفاجيء بالتحوّل إلى الجانب المظلم للحياة في تلك الدولة اللاتينية وما أصابها من توسّع مبالغ فيه في تجارة المخدرات وفي نفوذ العصابات المسيطرة على هذا النشاط، والتي لم تكتف بما ترتكبه يومياً من جرائم قتل وترويع ولكنها أيضاً قررت تلويث عالم كرة القدم واقتحام هذا المجال كوسيلة لغسل الأموال القذرة الطائلة التي يتكسبونها من المخدرات. من هنا فقد ساهم دخول هذه الأموال الطائلة في حدوث هذه النهضة الرياضية الهامة خاصة مع اتجاه عدد من أباطرة المخدرات إلى تملّك الأندية ذات الشعبية في كولومبيا، وعلى رأسهم "بابلو اسكوبار" الذي اختار أن يضخ أموالاً طائلة في نادي "ناسيونال" (نفس النادي الذي كان يلعب به الاسكوبار الآخر) حتى أوصله إلى قمة أندية أمريكا الجنوبية.

يتابع الفيلم رحلة صعود الاسكوبارين. فاندريس صار لاعباً رئيسياً في تشكيلة المنتخب الكولومبي ونجح في قيادة فريقه إلى التأهل إلى كأس العالم 1994 بعد رحلة من التألق في التصفيات انتهت بانتصارهم التاريخي 5-0 على الفريق الأرجنتيني في بوينس أيرس. وبين خططه لللزواج من خطيبته والانتقال للعب في الدوري الإيطالي ضمن صفوف فريق ميلانو، انطلق اندريس اسكوبار إلى الولايات المتحدة باحثاً عن تحقيق أكبر إنجاز في تاريخ الكرة الكولومبية.

 أما صعود "بابلو اسكوبار" فلم يكن فقط مقتصراً على عمليات تهريب المخدرات واغتيال المنافسين والساسة والقضاة ممن قد يفكرون للحظة في الوقوف في طريق تلك التجارة في كولومبيا، وإنما تضمنت رحلة صعوده أيضاً جوانب إنسانية بمساعدة بابلو الكثير من الفقراء ورعايته الكثير من المناطق العشوائية وتطوير مدارسها ومنشآتها الرياضية، مما صنع له شعبية ضخمة بين الطبقات الفقيرة مكّنته من الوصول إلى عضوية البرلمان الكولومبي.

لم يقتصر الترحيب ببابلو على الفقراء، ولكنه امتد أيضاً إلى لاعبي كرة القدم حيث اعتاد "بابلو" على دعوة اللاعبين إلى منزله ومشاركتهم لعب المباريات الترفيهية. وكان الكثير من هؤلاء يذهبون مرغمين فمن كان يستطيع أن يقف أمام رغبات هذا الزعيم الذي يهابه الجميع والذي كان بالإضافة إلى ذلك وليّ نعمتهم والمموّل الرئيسي لثورة كرة القدم الكولومبية؟

أمريكا 1994.. الانفجار

الحدث المفصلي الرئيسي في الفيلم هو – مرةّ أخرى- كأس العالم. هذه المرة من خلال الدورة التالية، وهي دورة عام 1994 التي دارت في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي راح ضحيتها "آندريس اسكوبار". دخلت كولومبيا هذه الدورة وهي – على غير المعتاد- من الفرق المرشحة بقوة من الكثيرين (ومنهم البرازيلي بيليه) للمنافسة على الفوز بالبطولة وتحقيق نتائج إيجابية. كان الجميع مترقباً ظهور الفريق الكولومبي. إلا بابلو . فقبل انطلاق البطولة بستة أشهر كان قد لقى حتفه قتلاً على يد رابطة من العصابات المنافسة له. الحوارات التي يحتوي عليها الفيلم مع مجموعة من أكثر الناس قرباً إلى بابلو (منهم أعضاء في عصابته يقضون عقوبتهم بالسجون) توضّح مدى تردي الحالة الأمنية في كولومبيا في تلك الفترة ومدى انتشار الفساد وبيع الذمم في كافة أرجاء المجتمع.

انعكس هذا الأمر على لاعبي المنتخب الكولومبي المسافر للعب في كأس العالم بالولايات المتحدة. فبعد نقل الفيلم للمظاهر الاحتفالية المصاحبة لمهرجان كأس العالم، لم يطل الأمر قبل أن ندخل في الأجواء المتوترة المسيطرة على معسكر الفريق الكولومبي بالولايات المتحدة. لم يكن توتراً رياضياً مثل ذلك الذي عاشه الفريق الإنجليزي أثناء بطولة إيطاليا 90، ولكنه إحساس بالخطر على حياتهم وحياة ذويهم إذا لم يحققوا النتائج المنتظرة منهم في البطولة. كانت الضغوط تحاصرهم من كل جانب. أباطرة المخدرات يريدون المزيد من المجد والشهرة لأنديتهم ترفع من أسعارها وأسعار لاعبيهم في السوق فهم في النهاية الرعاة الرئيسيين لهذه النهضة الكروية. كما أنهم يريدون عائداً مادياً لتلك الاستثمارات يحصلون عليها من أموال المراهنات المتحكمة في صناعة كرة القدم.

وبالفعل، آتى هذا التوتر نتائجه، وجاء أداء الفريق الكولومبي مخيباً للآمال. ومع مع أول هزيمة للفريق الكولومبي (3-1 أمام رومانيا) وما تبع ذلك من خسارة لمن وضعوا رهانهم وأموالهم على هذا الفريق الصاعد، توالت التهديدات لأسر اللاعبين في كولومبيا بل وقّتل بالفعل شقيق أحد اللاعبين. وكان طبيعيا نتيجةً هذه الضغوط الرهيبة أن يصاب اللاعبون بالارتباك وأن يرتكبوا الأخطاء. وكان "اندريس اسكوبار" هو صاحب الحظ الأسوأ فارتكب خطأً ساذجاً في المباراة الثانية امام أصحاب الأرض (المنتخب الأمريكي) نتج عنه إحرازه لهدف في مرماه وخسارة فريقه أمام الولايات المتحدة ثم مغادرة فريقه للبطولة. ومنذ تلك اللحظة، صار اسكوبار محمّلاً من شعب بأكمله مسؤولية تحطيم آمال أمة بسيطة الأحلام. وكان الثمن باهظاً.

حوارات شديدة الصدق والحميمية يتضمنها الفيلم مع خطيبة وشقيقة اسكوبار وواحد من أقرب أصدقائه، توضح كيف تم الغدر بـ"اندريس" في "ميديلين" بعد أيام قليلة من عودة الفريق الكولومبي إلى بلاده وهو يجر ذيول الخيبة.

يوضح صديق "اندريس" كيف أن الأخير رفض الانعزال وفضّل مواجهة مضايقة وتهديدات الجمهور الكولومبي المتعصب في الشارع، وبالفعل خرج "اندريس" واختلط بجمهوره ولكنه وقع في يوم 2 يوليو ضحيّة لغدر أحد زعماء العصابات الذي التقى "اندريس" بالصدفة في احدى الحانات وعاتبه على الهدف الذي أحرزه في مرماه وكان نتاج هذا الشد والجذب ست رصاصات في صدر "اندريس" أردته قتيلاً في الحال عقاباً له على هذا الهدف (تم تحميل القضية بالكامل للحارس الشخصي لهذا المجرم وقضى عقوبة السجن نيابةً عنه، بل وخرج بعد عدة سنوات من السجن قبل انقضاء المدة بحجة حسن السير والسلوك.)

الفيلمان – ليلة في تورينو والاسكوباران- يمكن اعتبارهما حلقتين مكملتين، دون إحداهما لا تكتمل الصورة لعملية تحوّل كرة القدم من رياضة تنافسية ترفيهية إلى صناعة قذرة بالملايين تدهس كل من يقف أمامها حفاظاً على أرباح القائمين عليها. أضف إلى ذلك أن الفيلمين مرتبطان ببطولة كأس العالم التي نعيش أجواءها هذه الأيام. فالأول يوثّق للحدث الفاصل الذي ساهم في عودة الكرة الإنجليزية إلى مجدها وما تبع ذلك من تحوّلها إلى صناعة يتحكم فيها مجموعة من الأباطرة. بينما الفيلم الثاني يوضّح إلى أي مدى تسبب دخول رأس المال في رياضة مثل كرة القدم في تحويلها إلى أرض خصبة من الفساد والإجرام لم يسقط ضحيةً له سوى كرة القدم نفسها وممارسيها. فرأسمالية كرة القدم – مثلها مثل كل رأسمالية غير منضبطة- هي بداية نهاية تلك اللعبة (أو ما كانت لعبة).

عين على السينما في

02.07.2014

 
 

قال إنه أراد تقديم فيلم مقنع كما لو كانت أحداثه تقع فعلا

المخرج غارث إدواردز يتحدث عن خلفيات تصوير «غودزيللا»

لوس أنجليس: محمد رُضا

يقف شاب نحيف البنية رشيق القوام يميل شعره إلى الاحمرار عند باب حافلة مدرسية صفراء. لا. إنه ليس الموكل بإيصال الأولاد إلى باب المدرسة، ولا هو السائق يرتاح من عناء القيادة. بل هو المخرج غارث إدواردز والحافلة خالية في تلك اللحظة من الأولاد. في الواقع الأولاد كانوا في مشهد آخر والآن رحلوا. الحافلة ما زالت واقفة عند الرصيف.

غارث يفكّـر في إتقان اللقطة التالية من «غودزيللا»، مغامرته الكبرى إلى اليوم، عندما اقتربت منه إليزابيث أولسن بثياب المشهد الذي تؤديه. إنها الممرضة التي سنراها في الفيلم حائرة بين أن «تنفذ بجلدها» وأن تسعف المصابين. تسأله عن اللقطة التالية. يبدأ الشرح. لا أسمعه فهو بعيد، لكني أفهم أنه يخبرها من أين سيأتي ذلك الوحش وأين من المفترض أن يكون عندما ترفع رأسها إلى الأعلى وتتجمد مذهولة.

على الشاشة، هذا ما يحدث. ها هي وسط الناس المرتاعين. ترفع رأسها إلى حيث من المفترض أن غودزيللا الرهيب مقبل بكل ثقله. تلتفت خلفها وتركض، لكنْ هناك وحش آخر آت من الخلف والجموع مثلها حيارى، أي اتجاه يتخذونه للهرب!

حين الجلوس لمتابعة فيلم، خصوصا إذا ما كان من النوع التشويقي والخيالي، فإن أول ما ننساه هو أن ما نراه ليس حقيقيا. إذا ما فكّـرنا خلال المشاهدة أنه غير حقيقي فإن الفيلم سقط في منتصف الطريق وانهارت كل المراهنات على نجاحه. على الشاشة تنظر الممثلة إلى الوحش. هناك لقطات له يقطع الفيلم إليها. لكن في الواقع، وخلال التصوير، هي فقط تنظر إلى نقطة ما في السماء الصافية. لا وحش ولا كواسر ولا حتى ذبابة.

كل شيء في «غودزيللا»، الذي انطلقت عروضه قبل نحو شهر، كبير. يضحك المخرج حين سؤاله عن كلفة المشهد الذي يكتشف فيه العلماء بقايا التنين ويقول: «سمعت أنه كلّـف 900 ألف دولار ...». ويضيف: «هذا أكثر مما تكلّـفه فيلمي السابق». وفيلمه الأول كان بعنوان «وحوش» وكلفته لم تتجاوز 800 ألف دولار، والرابط بينهما هو أنهما ينتميان إلى النوع الواحد، فكلاهما فيلم خيالي الحياكة من بطولة بشر ووحوش. الاختلاف أن الوحش القادم من أعماق المحيط على الجانب الياباني منه هو أكبر من أي وحش سابق.

ذلك المشهد من تلك التي تبدو كما لو أن بمقدور معظم المخرجين تحقيقها بعيون مغمـضة: الممثل الياباني كن واتانابي والممثلة البريطانية سالي هوكينز عليهما أن يمشيا بين الحفريات الكبيرة ويتحدّثا حول الاكتشافات ويرسما على وجهيهما التعابير المطلوبة. لكن هذا لم يحدث سريعا: «هذا المشهد استغرق تصويره يومين عوض يوم واحد كما كان مبرمجا له. السبب هو أن واتانابي وهوكينز كانا يرتديان قناعي أوكسجين (كما هو واضح في الفيلم) وكان زجاج القناعين يُـصاب بالغبش سريعا فلا نستطيع أن نرى وجه الممثل، ولا هو قادر على أن يتحدث بصوت عال كاف لأن تلتقطه آلات الصوت. تطلّـب الأمر ابتكار مراوح صغيرة يجري وضعها بجانب الرأس لكي تبقي الزجاج واضحا، والعمل على تغيير نظام الصوت. وفي النهاية استطعنا الحصول على النتيجة المطلوبة».

غارث إدواردز ولد قبل 39 سنة في بلدة نانيتون في بريطانيا وأحب السينما منذ الصغر. أراد أن يخرج للسينما وأن يخرج الأفلام التي أحبّـها أكثر من سواها: الخيال العلمي وأفلام الوحوش المدمّـرة. درس الإنتاج في الجامعة وانخرط في عداد العاملين في المؤثرات السينمائية، وهذا أفاده لأنه عندما قام سنة 2010 بتحقيق فيلمه الأول «وحوش» وفّـر على الإنتاج أطنانا من المال عندما أخذ ينفّـذ المؤثرات بنفسه. إلى جانب أنه كتب وأخرج وكان واحدا من خمسة أفراد عملوا وراء الكاميرا وليس 500 كما الحال في مثل هذه الأفلام التي ينتمي إليها فيلمه الثاني «غودزيللا».

أسأله: لماذا غودزيللا؟ يجيب: «لأنه كان أحد أول الشخصيات الخيالية التي شاهدتها وأحببتها. حين كنت صغيرا تعرّفت على غودزيللا من خلال الرسوم المتحركة على التلفزيون. غودزيللا كان لديه (بابي غودزيللا) اسمه غودزيكي، لا أمزح، وكان وحشا كاريكاتيريا سخيفا... وعندما قررت أن أخرج غودزيللا وهذا قبل أن يعرض علي هذا المشروع، أصبحت مثار سخرية الكثير من الأصدقاء والمعارف مرددين أنني سأحقق فيلما عن (غودزيكي) وليس غودزيللا» (يضحك).

أسأله إن كان شاهد أفلام غودزيللا الحيّـة على الشاشة الكبيرة، يقول: «بالتأكيد. كنت لا أزال صغيرا عندما قام (معهد الفيلم البريطاني) بعرض مجموعة من أفلام غودزيللا اليابانية، وفوجئت في الواقع بمدى جدّيتها. لم أكن أعرف تماما أن هذه الأفلام عالجت الوحش وفكرة خروجه من الماء وهجومه على المنشآت والمدن على نحو جدّي. أعتقد أنني كنت ما زلت تحت تأثير تلك الرسوم الكوميدية. وهذا ما بقي معي عندما بدأت العمل على هذا الفيلم. أريد أن أقدم فيلما جادّا كما لو كان غودزيللا وحشا حقيقيا وما يحدث على الشاشة يحدث بالفعل».

حين وقع اختيار وورنر على هذا المخرج الجديد وغير المعروف على أي صعيد فعلي، ومنحه الثقة وفوقها 160 مليون دولار لصنع الفيلم، لم يكن غارث واثقا من المبرر، يستطرد: «سألني قبلك أكثر من صحافي هذا السؤال حول السبب الذي دفع هوليوود لكي تتعامل مع مخرج لم يسبق له تحقيق فيلم بهذه الميزانية وبهذا الحجم من قبل، وجوابي الفعلي أنني لا أعرف تماما».

أبادره: «هل سألت؟»، يجيبني قائلا: «يبدو لي أنني أحسنت بأني لم أسأل، لأنه لو سألت المنتجين عن السبب الذي من أجله جرى اختياري فإن الوساوس سوف تحيط بهم وتدفعهم للتساؤل إن كانوا أحسنوا الاختيار. لا أدري قد يظن البعض أنني لست واثقا من قدراتي وهذا آخر ما تريده عندما تكون بلا خلفية تتولى تبرير اختيار الإنتاج لك».

لكن في وقت ما، عند نقطة ما ربما خلال أحد الاجتماعات المكثّـفة بين المخرج وأرباب استوديو وورنر وشريكه استوديو توهو (مالك الحقوق) أو ربما في اجتماع لم يحضره إدواردز، لا بد أن السؤال طرح حوله، لكن ما يمكن أن يكون ساعد على اتخاذ القرار بشأنه فيلمه الأول «وحوش». فيلمه ذاك تميّز بأنه تجاوز، بصريا، حدود الميزانية التي صنع بها، وبما أنه فيلم يشبه في قوامه فيلمه الكبير هذا، فإن هذه الوحوش وطريقة صنعها وتشكيلها وتقديمها هي التي تحدّثت عنه بصوت عال. ما يميّـز أسلوب إدواردز عن معظم خلانه هو أنه لا يتّـخذ الوحش أداة مبسّـطة للترفيه، بل يعامله كما لو كان حقيقيا، وهذا اتضح في فيلمه الأول كما يتضح في فيلمه الثاني.

بمقارنة نسخة إدواردز مع نسخة رونالد إيميريش قبل خمس عشرة سنة أو نحوها عندما حقق فيلمه عن «غودزيللا»، يكتشف المرء قيمة أن يسبر المخرج ومساعدوه دربا واقعيا في التعامل مع أقصى حدود الخيال. في «غودزيللا إيميريش» الوحش هو للعين لكي تعجب وللنفس لكي تجزع أو تعجب. إنه الشيء الذي لا يحتل مدينة نيويورك فقط ويدمّـرها بل يحتل الفيلم ويدمّـره أيضا.

«لن أتحدث عن أفلام غيري لكني أستطيع القول إن ما تذهب إليه صحيح. الواقعية في الخيال هنا تستطيع توفير وضع صحيح في نظري يصير معه المشاهد قادرا على أن يتعامل مع الوحش كما لو كان خطرا حقيقيا. آخر ما كنت أفكّـر به عندما كنت أعمل على هذا الفيلم هو ابتكار مشهد مصنوع للعين خارج سياق الفيلم. كان على كل شيء أن ينتمي إلى الفيلم وليس إلى المشاهد. لا تستطيع أن تصنع فيلما والمشاهد في بالك إلا من حيث التخطيط الأول عندما تدرك أنك تصنع فيلما لهذه الفئة أو تلك الفئة من المشاهدين. بعد ذلك تنصرف إلى تحقيق ما تستطيع تحقيقه على أفضل وجه».

أتساءل: «كيف يمكن أن تضمن الواقعية في فيلم خيالي يعرف كل الناس أنه ليس واقعيا؟»، يجيب قائلا: «في الكثير من الأفلام يجري حشد كل الطاقات لتأمين اللقطة التي يمكن أن يقال عنها إنها واقعية. بمعنى مقنعة. لكن في صلب تكوين اللقطة ذاتها يكمن عدم معرفة كيف يمكن إنجازها كلقطة واقعية. أحيانا ينكشف ذلك عندما يجري الطلب من الكاميرا أن تفعل ما لا تستطيع أن تفعله، لذلك يبدو أن هناك تناقضا بين الوجهة المرغوبة والتنفيذ».

سؤال قد يخطر ببال الكثيرين: «هل على الكاميرا أن تبقى كاميرا؟ في الفيلم هناك دور محدود لها خصوصا في مشاهد وصول الوحوش الثلاث إلى المدن». يجيب: «نعم شيء من هذا القبيل. عليها أن تتصرّف حيال الوحوش كتصرّفها حيال الناس».

أعلق: «يبدو أنك كنت واثقا من كل خطواتك»، فيجيبني قائلا: «هذا ليس صحيحا. قبل المباشرة بالعمل كانت مراسلاتي مع المنتجين لا تظهر سوى الرغبة في تحقيق فيلم عن (غودزيللا) وهؤلاء لا بد تعاملوا مع الكثير من الرغبات. لكني لم أكن واثقا من أن خططي ستنجح إلى أن تسلمت الرد النهائي وكان إيجابيا».

رغم أن «غودزيللا» ليس الفيلم الوحيد من نوعه أو في مجال السينما الخيالية فإن عشرات الأفلام السابقة لا تجعل عمل المخرج سهلا بالضرورة. أليس كذلك؟ يقول: «تماما. هناك الكثير جدّا من التفاصيل التي تبدأ بالاستحواذ على تفكيرك وتتحوّل إلى مهام عليك أن تقوم بها قبل التصوير وخلاله وبعده. كل مرحلة تخطو لها تصبح أهم من المرحلة السابقة التي كانت الأهم والأخطر. كل شيء متوقّـف على تلك الرؤيا الشاملة التي تحلم بها وسأعطيك مثلا: هناك التخطيط البصري الذي علينا القيام به قبل التصوير (يسمّـونه بالإنجليزية Previs وهو اختصار لكلمة Prevision) حيث نواجه امتحان معرفة ما إذا كان الطموح الذي في البال والرغبة التي نشعر بها قابلين للتنفيذ أم لا. في البداية شعرت أن هذا العمل سيسرق من جهدي ومن رؤيتي الخاصّـة. التحضير على هذا النحو قد يسرق من الفيلم ذاته. يجعله بلا روح. لكني اكتشفت بعد حين أنها مرحلة مهمّـة جدا من مراحل ما قبل التصوير».

أسأله إن كان للفيلم رسالة ضد المنشآت النووية. على نطاق أوسع ضد السياسة النووية بأسرها.

يجيب: «نعم إلى حد بعيد. بالتأكيد هو عن أننا لا نستطيع تطويع الطبيعة، وأن علينا أن نتركها وشأنها. يقودني ذلك إلى التفكير في السلام وليس في الحرب. لقد كانت هناك عناصر من البنتاغون خلال تصوير المشاهد الحربية، وذلك للاستشارة وللتدقيق في المعلومات والكيفيات، وخلال تصوير ذلك تشعر بأن الأحداث قد تكون مجازا لحالة من الحرب الفعلية. آخر ما توده البشرية هو أن تنتهي بدمار شامل».

الشرق الأوسط في

02.07.2014

 
 

بين عيد الفطر ومطلع السنة القادمة... النجوم يتنافسون على الجديد 

كتب الخبرربيع عواد 

تشهد الفترة بين عيد الفطر وأعياد آخر السنة أعمالاً جديدة لنجوم الغناء، تتضمن ألبومات وكليبات وأغنيات منفردة... أحدثت حركة ناشطة شملت الشعراء والملحنين والموزعين الذين انشغلوا بابتكار أغان من ألوان مختلفة وإن يغلب على بعضها الطابع الرومانسي

يضع عمرو دياب اللمسات الأخيرة على ألبومه الجديد، الذي يفترض طرحه في عيد الفطر، ويضم أغنية من كلمات صديقه الشاعر مجدي النجار، وأغاني من كلمات: تامر حسين، محمد رفاعي، خليل مصطفى، وألحان: عمرو طنطاوي، تامر علي، شريف تاج، وعمرو دياب  نفسه، كعادته في ألبوماته الأخيرة. أما التوزيع فلكل من عادل حقي وأسامة الهندي.

تضع اليسا اللمسات الأخيرة على ألبومها الجديد بعدما سجلت أغانيه. كانت إليسا صوّرت غلاف الألبوم وسلمته إلى شركة {روتانا} ممثلة برئيسها سالم الهندي، وأنجزت التفاصيل في استوديو {متروبولس} في لندن، بانتظار تحديد موعد طرح الألبوم، ويتوقع أن يكون مع حلول عيد الفطر.
تضع دنيا بطمة اللمسات الأخيرة على ألبومها الجديد، ليكون جاهزاً مع نهاية شهر رمضان، على أن يطرح في الأسواق في عيد الفطر المقبل.

بدورها تستعد ناتاشا لطرح ألبومها الخليجي الجديد {زحمة}، بعد تأخيره أكثر من مرة بسبب الأحوال غير المستقرة التي تمر بها الدول العربية. وستصوّر ناتاشا ثلاث أغانٍ منه هي: {زحمة}، {كل العمر}، و}كلمتين}، وذلك  بين مصر ودبي.

تحضيرات
بدأت شيرين عبد الوهاب التحضير لألبومها الثاني مع شركة «نجوم ريكوردز»، بعد تعاونهما الأول في ألبوم «أنا كتير»، الذي طرحته قبل أشهر. في هذا السياق، طلبت شيرين من الشعراء والملحنين والموزعين، الذين اعتادت العمل معهم، التحضير لمجموعة من الأغاني للاستماع إليها واختيار الأنسب لضمها إلى الألبوم الجديد، من بينهم الملحن محمد يحيى والشاعر سلامة علي.

يتعاون الشاعر أمير طعيمة مع أنغام في أربع أغانٍ في ألبومها الجديد، وأكَّد في حديث له، أنها الفنانة الوحيدة التي أعطته حقه الأدبي، من خلال التنويه به في البرامج والصحافة، وفي أعمالها الغنائية معه.

يضيف: «أي فنانة أخرى غير أنغام لا تُعطي من تتعاون معه الحق الأدبي، سواء كان شاعراً أو ملحناً...».

تتابع أصالة التحضير لألبومها الجديد وتسجيل أغانٍ جديدة بعدما سجلت شارة «السيدة الأولى» (من كلمات أيمن بهجت قمر ومن ألحان محمد رحيم). يذكر أن المسلسل من بطولة غادة عبد الرازق.

سجل تامر حسني أغنيته الجديدة «اطمني» التي سيضمها إلى ألبومه الجديد، من كلمات هشام صادق، ألحان شريف بدر، توزيع أحمد عبد السلام الذي أعرب عن سعادته بالتعاون مع تامر حسني في ألبومه الجديد.

اختار وائل كفوري أغنيات ألبومه الجديد الذي من المتوقع  صدوره منتصف سبتمبر، وهي الآن في مرحلة التوزيع، وسيضع صوته عليها خلال الصيف.

يذكر أن شعراء وملحنين كثراً شاركوا في الألبوم من بينهم: بلال الزين، هشام بولس، محمود عيد وغيرهم. ومن المتوقع أن يصدر في فترة أعياد آخر السنة.

حددت سميرة سعيد ديسمبر المُقبل موعداً نهائياً لطرح ألبومها الجديد، بعدما كان مقرراً طرحه في عيد الفطر، وهو من إنتاج شركة «روتانا»، في أول تعاون بينهما بعد تعاقد الشركة مع سميرة لإنتاج ألبوماتها المقبلة وإدارة أعمالها الفنية.

بدأت جنات التحضير لألبومها الثاني مع شركة «روتانا»، وتعقد جلسات عمل مع شعراء وملحنين، لاختيار الكلمات والألحان التي ستضمها إليه. وقد وقع اختيارها على خمس أغانٍ لغاية الآن ستسجلها قريباً، بالإضافة الى أغانٍ جاهزة، لم تضمها إلى ألبومها الأخير «حب جامد»، ومن المتوقع أن يبصر الألبوم النور مطلع السنة الجديدة.

كذلك تحضر شذى حسون ألبوماً جديداً يتضمن 14 أغنية ستصدره بين سبتمبر ومطلع السنة الجديدة.

أغنيات منفردة

يستعد فارس كرم لطرح أغنية جديدة من كلمات مروان خوري وألحانه في ثاني تعاون بينهما، على أن يصوّرها بالتزامن مع جدول حفلاته الحافل لصيف 2014.

يُذكر أن كرم يشارك هذه السنة للمرة الأولى في مهرجانات «أعياد بيروت»، وسيقوم بجولة عربية تشمل تونس والمغرب لإحياء سلسلة من الحفلات.

يحضّر محمد عساف أغنية مصرية جديدة، وقد نشر صورة، عبر صفحته الخاصة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، من داخل الأستوديو إلى جانبه الموزع الموسيقي وليد فايد.

الجريدة الكويتية في

02.07.2014

 
 

سينما الحرب.. والدلالات السياسية!

«تعال وانظر».. أهم فيلم عن ويلات الحروب

عبدالستار ناجي 

حينما قدم المخرج الروسي عليم كليموف فيلمه «تعال وانظر» عام 1985 في مهرجان موسكو السينمائي الدولي» وعند الخروج من قاعة السينما في اتجاه في فندق راسيا، كان الجميع من نقاد السينما العالمية، يؤكدون ان الفيلم في طريقه لحصد الجائزة الذهبية.. وهكذا كانت الامور في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان موسكو السينمائي، لاننا كنا يومها أمام أهم فيلم عن ويلات الحروب من توقيع عليم كليموف.

فيلم من دراما الحرب السوفييتية، يتحدث عن حكايات تقع ابان الاحتلال الالماني النازي لجمهورية بيلارسيا الاشتراكية السوفييتية «سابقا»»، الفيلم من بطولة الممثل الشاب الكس كرافشينكو الذي اختيره للتعبير عن لحظات الفزع والدهشة عن ويلات الحروب وغداباتها المدمرة. الفيلم يعتمد على سيناريو تعاون في كتاتبه اليس اواموفيتش مع عليم كليموف نفسه، واستغرقت عملية الكتابة ثماني اعوام متكاملة، من اجراء كثير من التعديلات والحصول على الموافقة الرسمية. وقد تزامن عرض الفيلم بمناسبة مرور «40» عاماً على انتصار الاتحاد السوفييتي «سابقا» في الحرب العالمية الثانية.

ونشير هنا، إلى ان عنوان الفيلم «تعال وانظر» مقتبس من الفصل السادس من رؤي يوحنا، نتيجة للدمار الذي سيلحق بالعالم مع نهاية الكون.

ويتجاوز عليم كليموف، وذلك الطرح الانجيلي، الى حكاية تجري احداثها ابان الاحتلال، لا تقل دماراً ووحشية.. خصوصاً، ان الفعل الروائي يتم من خلال عيون حدث في مقتبل العمر. تبدأ احداث الفيلم في عام 1943، حيث اثنين من الفتيان البلاروس يكلفان بالبحث عن بنادق مهجورة من اجل الانضمام الى القوى الحزبية السوفييتية.

وفي تلك اللحظات نشاهد حكاية يوستين «الرجل العجوز» وايضاً والكس الشاب الذي يتعرف على الفتاة «فيلورا» التي فقدت والدها. وبعد مشهد تجمع اللهو البريء، تتفجر الغابة، من جراء القصف الالماني.. ويصاب الصبي بالصمم.. حيث تقذف به الانفجارات الى متاهات لا يعرف مداها.. ومن يتأمل ملامح ذلك الصبي، يكتشف كمية العنف الذي تعرض له.. وما سيلحق به لاحقاً حينما يتم القبض عليه.. ويتم التنكيل به. بعد ذلك كل ما يجري، هو عبارة عن دمار يلحق دمار.. بل هي عوالم من فنتازيا الدمار الارمن.. وغير المبرر.. هذيان الدمار.. ووحشية الاحتلال.. بكل شيء.. ولا شيء. مشهديات سينمائية لا تهدأ، يتحول خلال ذلك الثنائي «الشاب والفتاة» الى كرة يتقاذفها قدر ارعن.. وصولاً الى أي شيء الموت منه ارحم.

ألوان الدمار.. والموت.. والاحتضار.. عبر مشهديات سينمائية ستظل مجلجلة بالذاكرة، بالذات، مشهد اغتيال البقرة.. وايضاً القصف الجوي.. وحقول الالغام، التي تزيد ذلك الشاب حماساً.. والفتاة التي يتم اغتصابها.

سينما تجسس الانفاس.. تجعل المشاهد يتساءل إلى اين تمضي به تلك المتاهة.

«تعال وشوف» و«تعال وانظر» عبر حكايات الحرب، والاحتلال والمقاومة، وطحن البراءة في عوالم السياسة، والحروب والعدوانية. «تعال وانظر» فيلم يجب ان يتم تقديمه كهدية لكل قائد بفكر في الحرب.. واللجواء الى العنف العسكري.. لانه عندها لا حلول وسط.. ولا شيء سوى الدمار.. والموت الارعن.

وتمضي الاحداث، لتصل الى مشهد الكنيسة حيث يعتقد اهل القرية، ان الخلاص يكون باللجوءإلى الكنيسة.. التي لم يتم قصفها او تدميرها ولكن الكارثة تكون هناك.. وتعال وشوف.. بل تعال وتخيل لكل ما يمكن ان تتوقعه.. ولا تتوقعه حيث الدمار هو المشهد الاكثر حضوراً، وضجيج القصف والانفجارات والاشلاء. ويمكن اختصار كل العنف والدمار، حينما ننظر إلى وجه الممثل الشاب الكس كرافشينكو، الذي بات الوجه المعبر عن ويلات الحرب.

وثمة مشهدية، تمثل اضافة بارزة للفيلم، وهو مشهد الاغتيال للنازية، عبر مشهد يتم من خلال عمل فلاش باك، يذهب الى زعيم الرايخ ادولف هند وبالعكس حتى دعوته الى طفولته.. والى بطن امه.. حيث استهداف تلك النطفة الملعونة التي اوصلت العالم الى هذا الدمار.

كما اسلفت، شارك كليموف كتابة السيناريو مع اليس اداموفيتش، والذي شارك في النضال مع الثوار في روسيا البيضاء، عندما كان مراهقاً وهكذا الامر بالنسبة لكليموف.

يقول عليم كليموف:

فيلم «تعال وانظر» عن الابادة الجماعية التي تعرضت لها بيلاروسيا، على يد النازية، وتجاه القلة، الذين كانوا شهداء على المذبح.. والإبادة.. وقد وصلوا الى تلك المرحلة، بعد عذابات.. لا توصف.. وقد حاولت في الفيلم على التأكيد على ملامح الابادة والعنف، من خلال الوجه والعينين.

ويقول كليموف أيضاً:

لقد قررت ان اصنع فيها عن المأساة، ومنذ اللحظة الاولى، عرفت ان الفيلم سيكون قاسياً، ولهذا اخترت ممثلين غير محترفين لتجسيد اقصى درجات العنف والدمار والفزع.. وحينما وجدت كرافشينكو قلت هذا ما اريده.. وكأن متعاوناً ومعطاء الى درجة مذهلة.

ويقول أيضاً، ضمن كتاب صدر عن الفيلم: في عام 1984، وصلت الى النهاية حيث الشروع بالتصوير، بعدكم من التعديلات كان اخرها اسم الفيلم، الذي كان من المقرر ان يكون «اقتل هتلر» ليصبح «تعال وانظر» واعتقد بان هذا الاسم الاخير هو اكثر موضوعية.. وعمقاً.

من المفردات المتميزة في هذه التحفة السينمائية، الموسيقى التصويرية القاسية، والصعبة التي صاغها الموسيقار اوليغ ياشينكو.. والذي قام بخلط العديد من الموسيقات من بينها «الدانوب الازرق لشترواس مع ضجيج وصخب المدافع والصراخ والعويل.. وفي الفيلم موسيقات لموتسارت «القداس» ودغريغوري الكسندروف وقبل كل هذا وذاك.. ضجيج الحرب.. والانفجارات التي تصم الاذان. وعند اطلاق الفيلم عالمياً، حصد الكثير من الكتابات النقدية، التي رسخت مكانة وقيمة عليم كليموف، وايضاً خلدت عذابات الشعب البيلاروسي ابان احتلال النازية.. ولايزال الفيلم يحصد الكتابات النقدية الايجابية في ارجاء المعمورة، كلما اعيد عرضه.

ويظل المحور الاساسي، حكاية صبى بيلاروسي، ابان الحرب العالمية الثانية، يكون شاهداً على فظائع الحرب.. ومشاهد الرعب المدفع.. ورغم بقائه على الحياة لتوثيق ذلك الحدث المجلجل.. فإن ما شاهده.. من عذابات يبدو الموت ارحم منه بكثير. رحلة يفقد خلالها براءته، وسمعة.. وعقله.. ويتحول الى جسر خال من الاحاسيس والتعابير.. والالم.. جراء ما شاهده.. وما مرت امامه من احداث.

وبعد.. فإن فيلم، تعال وانظر هو أفضل فيلم عن الحرب، شخصياً، وبعد مرور اكثر من ثلاثة عقود من الزمان من مشاهد العرض الاول للفيلم، استطيع القول، بانه أفضل فيلم رايته في حياتي عن الحرب وويلاتها.. فيلم يجعل المشاهد يهذي مكانه.. وكلما مر مشهد، جاء اخر، اكثر منه قسوة.. وحرفية في تعرية ممارسات النازية، وعنفها وطغيانها.

سينما عالية الجودة، بلا تكلف او ميزانيات ضخمة، او مؤثرات ولا نريد هنا ان نعقد مقارنات، فلو اتيح يومها تعليم كليموف، ما اتيح «مثلاً» استيفن سبيلرغ وهو يحقق فيلمه، انقاذ الجندي ربان، نشاهد تحفة من نوع اخر، ولكن ذلك لا ينقص من قيمة.. ومكانة.. وعظمة فيلم «تعال وانظر» الذي يمكن ان نصفه بانه اهم فيلم عن ويلات الحروب.. حيث حضور الانسان بشكل جلي وواضح، بالاضافة لحضور العذابات.. والاثار النفسية والجسدية.

وحتى لا نغلق هذا الملف، اشير الى عليم كليموف من مواليد 9 يوليو 1933 في ستاليثغراد روسيا، يحتل شهرة عالمية واسعة، بالذات، من خلال فيلمه، تعال وانظر» بالاضافة الى افلام «راسبوتين 1981» ولا اجازة لانوشكين 1964» وقد تزوج من المخرجة الروسية لارسيا شبيتكو.

وقد توفى عليم كليموف يوم 26 اكتوبر 2003 في العاصمة الروسية بعد ان قدم للسينما تحفة خالدة ستظل الاجيال تحتفي بها بعنوان «تعال وانظر» وكل ما نتمناه ان تتاح للقارئ الكريم فرحته مشاهده هذه التحفة المهمة.

النهار الكويتية في

02.07.2014

 
 

«السيرجنت يورك».. فيلم عن البطولة

عبدالستار ناجي 

يذهب فيلم «السرجينت يورك» بعيدا للاقتراب من بطولات وتضحيات «السرجينت يورك»، أو اليفن كوليم يورك «13 ديسمبر 1887، سبتمبر 1964 والذي يعتبر واحدا من الجنود الافذاذ الذين سطروا اسماءهم في تاريخ المجد والبطولة، ابان الحرب العالمية الاولى، وقد حصل على ميدالية الشرف لقيادة هجوم على الجيش الالماني ببندقيته فقط، وقد استطاع ان يقتل 28 جنديا ويغنم 23 مدفعا رشاشا ويأسر 132 جنديا وضابطا المانيا، واحداثيات هذه المعركة، جرت رحاها في منطقة موسيه أرجون، افنيسيف بفرنسا، وتعتبر من المعارك الحاسمة ابان الحرب.

فيلم عن البطولة والاقتدار الانساني، والذهاب الى المستحيل بارادة وثقة.

فيلم «السرجينت يورك» من توقيع المخرج هيوارد هويكس وبطولة النجم كاري كوبر ووالتر برينان.
اشتغال حقيقي على موضوع البطولة، ومقدرة الانسان في الكينونة في اللحظات الصعبة والحاسمة عبر حكاية ذلك الرقيب «السرجينت» الذي وجد نفسه امام لحظة حاسمة وتجربة فارقة غيرت مسار الحرب، وكانت عاملا اساسيا في الانتصار في تلك المعركة.

فيلم «السرجينت يورك» 1941 عن السيرة الذاتية لذلك الرقيب الذي قدم ما يشبه المستحيل في تلك المعركة.

ورغم ان الفيلم تعطل انتاجه سنوات عدة، بسبب رفض «السرجينت يورك» من تصوير فيلم عن حياته، لانه ظل يعتقد بان ما قام به ليس بطولة بقدر ما هو واجب اتجاه الوطن.

والفيلم يعتمد على المذكرات الشخصية التي قام الفين يورك بكتابتها بنفسه، حيث وصف ادق التفاصيل في تلك المعركة، وقد جسد دوره في الفيلم النجم الاميركي كاري كوبر، والذي كان يومها من اهم نجوم عصره، وعنه فاز كوبر بجائزة اوسكار افضل ممثل، لانه استطاع ان يصور الشخصية بجوانبها الانسانية البحتة وبالاسلوب العفوي الذي عاش به يورك.

ونشير قبل الذهاب الى الفيلم، ان الفيلم ترشح ايضا لاوسكار افضل فيلم «ترشح لتسع جوائز» من بينها افضل ممثل مساعد «والتر بوينان».

ونذهب الى الفيلم، حيث الفين يورك «غاري كوبر» شاب من تينسي، عاش حياة الفقر، ولربما «العدم» هي المفردة الاكثر توصيفا للحياة التي عاشها، حيث امه المريضة «مارغريت ديشيرلي» ولكن حياته تبدأ بالتغير حينما يلتقي مع جرابسي ويليانر «جوان ليزلي»، لذا بدأ يعمل بجدية من اجل ان يكون لائقا للارتباط بها.

في تلك المرحلة، يصاب بصاعقة، خلال احدى الليالي الممطرة، يبدأ في الذهاب الى ترسيخ الجوانب الدينية بداخله، فقد منحه القدر والخالق فرصة حقيقية للحياة، وعليه ان يعيشها بشكل حقيقي، ويقدم التضحيات لاجل ذلك، لانه نجا من الموت بأعجوبة.

ويحاول الدخول الى الجيش، ولكن طلبه يرفض، لانه يبدو ملتزما دينيا، وبعد محاولات، يتم الموافقة عليه، ليتدرب في معسكر جودن، حيث يحقق كفاءة بدنية عالية، وحضورا ذهنيا متقدا، والتزاما واضحا في جميع الشؤون العسكرية.

خلال تلك الفترة، لم يكن هاجس يورك العسكرية، او القتل، بل العيش بسلام، وهذا ما يلاحظه قائده الماجور بوكستون «ستانلي ريدجس» الذي يحاول ان يجعله اكثر جسارة، واكثر مبادرة وأكثر تحديا في مواجهة المصاعب.

حيث يمنح القائد «بوتسون» اجازة ليورك من اجل التفكير، وتجاوز حاجز الممنوعات الديني.

وخلال الاجازة. يبدأ بالتأمل والصيام حتى يقرأ ذات يوم في الكتاب المقدس «فاعطوا قيصر الاشياء التي له، واعطوا الله اشياءه، عندها يعرف بان هنالك امورا للدنيا واخرى للآخرة، وعليه ان يعيش الدنيا، وظروفها، ولكن بشكل ملتزم، وهذا ما يجعله بمضي بعيدا من اجل خدمة بلاده وامته. في تلك الأثناء، تأتي القرارات بانتقال وحدته الى اوروبا للمشاركة في معركة «اميوس ارجون» حيث المعركة الشهيرة في يوم 18 اكتوبر 1918.

في تلك المعركة تأتي اوامر الملازم ايرلي «جو سوير» من اجل فك الحصار، لهذا يأمر مجموعة من الجنود لمهاجمة مدفع رشاش ومجموعته، وتفلح المجموعة في الاختراق، لتصبح خلف خطوط العدو، وليجد «يورك» نفسه فجأة وحيدا امام الجزء الثاني من الجنود، الذي راح يوجه اليه الطلقات، ولكن رصاصات يورك كانت تذهب الى الهدف مباشرة.

حيث قام باقتناص عدد من الجنود الذين كانوا يديرون المدافع الرشاشة، وليأسر كمية كبيرة من الجنود حتى بعد نهاية الرصاص في بندقيته.

تشهد الحرب، التي تستمر قرابة العشر دقائق، نشاهد كما من الخطط العسكرية، بالذات الحركة داخل الخنادق، والمباغتة، والهجوم المعاكس وايضا تقدم الجنود والافراد، وفي المقابل موسيقى تصويرية لاتزال عثرة في ذاكرة السينما العالمية.

كما تشاهد تلك الحركة العفوية التي يقدم بها يورك وهو لحس اصبعه ويضعه على «النيشان» لاصابة الهدف مباشرة.

وبعد انجاز المهمة، وتسليم جميع الجنود والضباط الالمان، ينال يورك وسام الشرف، حيث يسأله رئيسه «بوكستون» لماذا فعلت ما فعلت فيرد قائلا: كنت أحاول انقاذ حياة رجالي التي في فرقتي.

انسان بسيط لا يفكر بالبطولة المفردة.. بل العمل من أجل خدمة الوطن والتضحية بلا حدود ومن يشاهد مشهديات الحرب، التي نفذت بامكانات، حينما نشاهدها اليوم، نلاحظـ نوعية الجهد وقيمته وايضا نشاهدها اليوم، نلاحظ نوعية الجهد وقيمته وايضا الفارق والتطور الكبير في تنفيذ أفلام المعارك اليوم. أمام تلك المشاهد تترنح لدينا قدرات «كاري كوبر» ومقدرته على استيعاب الشخصية واللياقة العالية التي يتمتع بها.

حتى بعد عودته الى نيويورك، رفض (يورك) الكثير من الاغراءات، وفضل العودة الى تينسي.. والعمل على تحمل كلفة بناء منزله.. مؤكدا بأن ما قدمه هو من أجل الوطن.. ومن أجل الوطن.. ومن أجل الشعب.. والجنود.. وهو ليس ببطل.. بل انسان بسيط وليس أبعد من ذلك.

حينما عرض الفيلم في عام 1941، حقق أعلى الايرادات، رغم ظروف ذلك العام، والتضخم وايضا الاحداث التي رافقت ضرب ميناء بيرل هاربر وحالة العزاء التي اجتاحت الولايات المتحدة الاميركية.
ونشير هنا الى أن موضوع الفيلم ووطنيته العالية، وروح البطولة والتضحية، ساهما في أن يذهب الكثير من الشباب الاميركي من صالة العرض الى مكاتب التجنيد العسكري.

كما نشير الى أن الفيلم، خرج من حفل توزيع جوائز الاوسكار في دورته الرابعة عشرة بجائزتي افضل ممثل (غاري كوبر) وافضل مونتاج (وليام هولمز) كما ترشح الفيلم لجوائز أفضل ممثل وأفضل ممثل مساعد. صاغ الموسيقى التصويرية للفيلم الموسيقار ماكس ستينر، وهو موسيقار نمساوي كتب موسيقات عدد بارز من الأفلام منها «ذهب مع الريح» 1939 و،«كازبلانكا» 1942 وغيرها من التحف من العصر الذهبي للسينما العالمية وهوليوود على وجه الخصوص.

بيننما أدار التصوير المصور العالمي «سولو بوليتو» الذي صور افلام «روبن هود» 1938 و«ملاك بوج قبيح» 1938.

بلغت كلفة الفيلم مليون وأربعمائة الف دولار، وبلغ اجمالي الدخل (16) مليون دولار وهو انجاز سينمائي في تلك الفترة من تاريخ السينما. وهو من انتاج وتوزيع ستديوهات وارنر براذرز.

وقد أعيد عرض الفيلم بنسخة مجددة عبر (دي. في. دي) عام 2006، وحقق عوائد اضافية ورسخ قيمة الفيلم ومكانته الوطنية.. وايضا المكانة التي تربع عليها كاري كوبر. ونعود الى بيت القصيد، فيلم «السرجنت يورك» عن الإنسان.. وتضحياته.. وإيمانه بدوره في الحياة.. وفي الدفاع عن وطنه وعن العدالة في الحروب.

فيلم شديد التفاصيل، دقيق المفردات عظيم في وصف ويلات الحروب.. ومقدرة الانسان على أن يكون.. وأن يجلب النصر بارادته.. وعزيمته التي تلغي المستحيل.

فيلم عن الحروب، ولكن عن الانسان أكثر.

النهار الكويتية في

03.07.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)