كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

فيلم يفتح بوابة الهجرة من جديد

في «المهاجرة»: أميركا.. الحلم المولود.. الحلم المفقود

كان: محمد رُضا

 

ينقل المخرج جيمس غراي قطعة زمنية مهمّة حين يسرد علينا أحداث فيلمه الجديد «المهاجرة». ليس الفيلم جديدا تماما كونه عُرض في دورة العام الماضي من مهرجان «كان»، لكنه لم يشهد توزيعا أميركيا حتى هذا الشهر، أي بعد سنة كاملة على إطلاقه. لم يفتقده أحد بالتالي. أفلام المخرج جيمس غراي (منها «أوديسا الصغيرة» و«ذا ياردز») لا تنشد الجمهور الكبير، وبالتالي فإن هذا الجمهور لا ينتظرها.

على هذا، فإن «المهاجرة»، وباقي أفلام غراي، لديه ما يقوله. الفترة الزمنية التي ينقلها المخرج هي مطلع العشرينات: أوروبا الخارجة من الحرب العالمية الأولى لاهثة وراء بداية جديدة. أميركا التي لمع صيتها في تلك الأنحاء كبلد يمكن اللجوء إليه لكل من يطمح بالحرية والاستقرار والابتعاد عن مفاهيم اجتماعية مقيّدة للطموح. البعض لجأ إليها بحثا عن الذهب. البعض بحثا عن الأرض. البعض الثالث هربا من الضرائب، وهناك من راودته أميركا في أحلام يقظته ومن دون أن يعرف السبب فشد الرحال إليها على أي حال.

أحداث الفيلم تبدأ خريف سنة 1921، أي بعد عام على وثيقة «سيفري» التي فككت أواصر الإمبراطورية العثمانية وبعد عام أيضا على تأسيس «حزب العمال الألماني الوطني الاشتراكي» الذي عرف باسم الحزب النازي حول العالم. في عام 1920 أيضا استيقظت أميركا لأول مرة على ما عرف بـ«الخطر الأحمر» ما نتج عنه تجميع وترحيل مئات (إن لم يكن ألوف) الوافدين الأوروبيين ذوي الميول اليسارية. لكن في عام 1922 وقع أول إضراب طويل المدى لعمّال المناجم الأميركيين (استمر لستة أشهر) الذي عاد وتكرر بعد ذلك في الثلاثينات وما بعد.

* حب مزدوج

هذه هي بعض ملامح الفترة التي اختارها المخرج جيمس غراي لأحداث فيلمه «المهاجرة». بطلة الفيلم، إيفا (الفرنسية ماريون كوتيار) وصلت وأختها (أنجليا سارافيان) من بلدة تقع على الحدود البولندية الألمانية، بلا ثروة وبلا تجربة وبكثير من الأمل في بناء حياة جديدة. إنه الحلم الأميركي المشاع الذي دفع بألوف المهاجرين طوال النصف الثاني من القرن التاسع عشر لترك بلادهم والقارة «القديمة» كلها والتوجه إلى المرافئ الأميركية. لا ندري، تفصيلا، كيف تكوّن الحلم الأميركي في البال أو ترعرع في وجدانيات الشعوب حول العالم وإلى اليوم. لكن ها هي إيفا تصل وفي بالها اللجوء، مع شقيقتها، إلى بلد أفضل من ذلك الذي ودّعته وليس في بالها أي شاغل آخر.

ما تصطدم به هو عكس المتوقع تماما. يوهمها رجل اسمه برونو وايز (واكين فينكس) باهتمامه ورعايته وأنه سيجمعها بشقيقتها التي قام أمن مرفأ نيويورك بفصلها عنها بعدما ارتابوا في أنها مريضة بالسل. لكن برونو مخادع ومنحط يأخذ بيد إيفا الساذجة ليطلب منها الانضمام إلى شلته من بنات الهوى. هكذا قضى المخرج غراي على الحلم الأميركي خلال فترة أحداث لا تتعدّى بضعة أشهر من حياة إيفا وشقيقتها على الأرض الأميركية.

لكن الحقيقة أن هناك حلمين مختلفين. برونو وايز، أو ڤايز أوروبيا (والاسم الثاني يشي بأصول يهودية من وسط أوروبا) الذي سبقها إلى هذه الأرض حقق حلمه ملتويا. ربما، والفيلم لا يقول، كان صعبا عليه شق طريق مستقيم والإثراء منه. فانحرف إلى المهنة التي يعرف أنها تؤمّن له هذا الجانب. تطلعات إيڤا تختلف تماما. هي آتية لأجل ذلك الطريق المستقيم. ترنو إلى العيش في مجتمع آمن. الذئب بالمرصاد. يستولي عليها ويقوّض أحلامها الوردية ويجبرها على الحياة التي اختارها لها ولسواها من قبل.

ڤايز على ذلك، شخصية متشابكة. يحبّ إيڤا على نحوين: الأول على نحو من يمتلك قطعة أثرية يريد الحفاظ عليها، والثاني على نحو من يحب فعلا. لكنه لم يترك أي سبيل لكي تبادله إيڤا الحب. الصراع الخفي المتبدّي هو صراع حول ذلك الحلم الأميركي مع قيام المخرج بتغليب الصدمة على الأمل. الذئب على الحمل.

* وجوه متعددة

الموضوع ليس جديدا ككل. السينما الأميركية تعاطت مع الهجرة والمهاجرين كثيرا. على الأقل منذ أن حقق المخرج والممثل تشارلز تشابلن فيلمه القصير «المهاجر» واصفا فيه حال الأوروبيين المقبلين فوق المراكب الكبيرة وكيف يجري حجزهم واستقبالهم ودفاع بطله (الذي سيعرف لاحقا كصعلوك) عن الفقير واليتيم والفتاة المسكينة إدنا (إدنا بوريفانس). ذلك الفيلم، بالمناسبة، يشبه «المهاجرة» في أنه يتحدّث عما ينتظر فتاة (وأمّها هذه المرّة) من شظف عيش في أميركا. لكنه عن المهاجر الرجل أساسا. أول ما يحط تشابلن على الأرض الأميركية يجد نفسه طريد النظام متهما بالسرقة. تشابلن كان قصير القامة، رقيق العود، نحيف القوام وكل ذلك جعله بمثابة الضحية المثلى لرجل البوليس (عادة كبير الحجم ويحمل عصا) أو لأي ممن سيؤدون دور العدو اللدود من المواطنين. لكن الرسالة النافذة هناك هي أن الحياة مدقعة لهؤلاء الناس في أميركا كما في البلاد التي وردوا منها.

في السنة التي يختارها المخرج غراي زمنا لفيلمه (1921) عاد تشابلن وأكد ما سبق في فيلمه «الفتى»، كما قام المخرج ديفيد وورك غريفيث بتصوير حال شقيقتين (ليليان غيش وأختها الفعلية دوروثي غيش) في أوروبا عام 1917، أي خلال الحرب العالمية الأولى. يمكن اعتبار ذلك الفيلم كما لو كانت أحداثه تمهيدا لما يرد في «المهاجرة» مع ملاحظة أن المخرج الأميركي فرانك بورزاج (ذاك الذي لاحقا ما لمع كأحد فناني السينما الأميركية المبكرة) حقق سنة 1920 فيلما تبدو حكايته متواصلة اليوم مع الفيلم الجديد من حيث إنه هو أيضا دار في رحى نيويورك القديمة (كانت أقل قدما آنذاك) والعيش الصعب في أرجائها.

ولا حد للأفلام التي تعاطت مع المهاجرين: مايكل شيمينو صوّرهم ضحايا استبداد الجاليات الأسبق في الغرب الأميركي عبر فيلمه الرائع «بوابة الجنة» (1980)، برايان دي بالما تحدّث عن الكوبي اللاجئ إلى أميركا لينهب منها ثروة عن طريق الاتجار بالمخدّرات في «الوجه المشوّه» (1983) المأخوذ عن فيلم حققه هوارد هوكس سنة 1932. وماذا عن حكاية «العراب 2» (1974) وكيف لجأ دون كارليوني (روبرت دينيرو لعب الدور الذي أدّاه مارلون براندو شابّا) إلى الولايات المتحدة وحط كما سواه في القطاع الإيطالي من نيويورك أو فيلم مارتن سكورسيزي «عصابات نيويورك» (2002) و«بابل» لأليخاندرو غونزاليز إيناريتو (2006) أو «أميركا، أميركا» لإيليا كازان (1963)؟هذا الأخير هو الوحيد بين تلك المذكورة (وهي أمثلة قليلة من عشرات إن لم يكن مئات الأفلام التي تناولت الهجرة إلى أميركا) الذي حمل أملا. ومع أنه حقق نجاحا مزدوجا بين النقاد وجمهور ذلك الحين، إلا أن الأفلام التي تسرد المعاناة عوض سهولة النجاح التي تحقق في المفادات الجاهزة عوض أن تسلم بها، هي التي تشد الجمهور الأكبر. من ناحية لأن المعاناة تصنع أفلاما أكثر جذبا للجمهور العريض، ومن ناحية أخرى خوفا من أن يأتي الفيلم لامعا يصوّر كل شيء بنفس دعائي. الناحية الثالثة هي أن قليلين يريدون مشاهدة فيلم عن حلم تحقق بلا متاعب.

* مهاجرون خطرون

* خلال الحرب العالمية الثانية، ثم في أعقابها مباشرة، أنتجت هوليوود عددا من الأفلام التي دارت حول مهاجرين شكّلوا خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة، مثل «محطم الجاسوسية» و«كابتن مدنايت» و«القناع الأرجواني». أشرار تلك الأفلام كانوا من النازيين واليابانيين الذين شكّلوا، حسب هذه الأعمال، طابورا خامسا للتخريب وإلحاق الضرر بالمؤسسات الاقتصادية الأميركية.

شاشة الناقد

وحش كبير وعواطف صغيرة

الفيلم: غودزيللا

إخراج: غارث إدواردز

أدوار أولى: أرون جونسون، كن واتانابي، برايان كرانستون، سالي هوكينز، إليزابث أوسلن.

تقييم الناقد:(*3

يختلف الوحش المسمّى بـ«غودزيللا» (التحريف الأميركي من كلمة «كوجيرو» اليابانية) عن باقي الوحوش التي وطأت هذه الأرض. أولا هو ليس ديناصورا، ولا هو حوتا، بل حيوان برمائي يعيش، أو هكذا كان يفعل، في أعماق البحر ساكنا هادئا حتى أزعجوه بالقنابل النووية التي كانوا يجرون التجارب عليها في أعماق المحيط. ثانيا، هو ليس نتيجة غلطة في المختبر ولا هو مقبل من كوكب بعيد لكي يدمّر الأرض. هو مخلوق ضخم وُلد على هذا النحو ولو أنه من المحتمل أن يكون كبر أكثر بسبب الإشعاعات النووية.

انطلق كوجيرو أول مرّة سنة 1954 عندما قام المخرج الياباني إيشيرو هوندا بتحقيق هذا الفيلم بتمويل من استوديو توهو الشهير. كانت مرّت تسع سنوات على إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاغي والمأساة ما زالت حاضرة. الفيلم الأول ذاك، طمح للتذكير بأن الوحش هو من تبعات القوّة النووية والأفلام اللاحقة، أكثر من ثلاثين إعادة واقتباسا وجزءا، كررت هذا المفاد في غالبيّتها.

هنا لا يبتعد المخرج البريطاني الذي جيء به لاستلام مهمّة ضخمة غارث إدواردز عن هذا الرديف السياسي: هناك تجارب نووية مع خطر استخدامها من جديد لقتل الوحش الكبير الذي خرج من تحت سطح الماء ليدمّر الإنسان وممتلكاته. لكنه لا ينشغل بها كثيرا أيضا. يبقى الخيط المذكور موجودا لكنه خيط نحيف لا ينوي التعثر به أو تركه يلتف حول العمل. وحسنا فعل. النسبة الترفيهية في هذا الفيلم تتجاوز مثيلاتها في الأفلام الضخمة الأخرى التي شوهدت مؤخرا. ومن بين كل المخرجين الذين أملوا في أن يتجاوزوا ستيفن سبيلبرغ في أعماله السينمائية المماثلة (أي تلك التي تقوم على وحوش من عائلات مختلفة كسمكة القرش الضخمة في «جوز» والديناصورات في «جوراسيك بارك») إدواردز هو الوحيد الذي ينجح بالفعل.

إذا ما عدت إلى سلسلة سبيلبرغ من «جوراسيك بارك» التي أنتجت قبل سنوات قليلة، تجد أن العمل التقني يداخله خيال غريب. حيوانات صغيرة تركض في الغابة. أخرى كبيرة تداهم وتلتهم. وأخرى تتصرّف باستيحاء من خيال حدد سلوكياتها بسلوكيات كلب متوحش (المشهد الذي يقتحم فيه اثنان من تلك الوحوش المعمل حيث يختبئ طفلان). إدواردز لا يتجاوب كثيرا مع المؤثرات التفصيلية. في «جوراسيك بارك» تقدّم وحوشا تبدو في بعض الأحيان كما لو كانت تمزح. هنا لا مجال للتمويه: وحوش هذا الفيلم (ثلاثة) جادة. لا تعترف بالجمهور الذي في الصالة.
يا ليت النواحي الدرامية على ذات القدر من النجاح. في حين أنجز إدواردز عملا جيّدا على صعيد أفلام الوحوش (أكثر بكثير من فيلم رولاند إيميريش الكرتوني «غودزيللا» قبل بضع سنوات)، يخفق في الإتيان بشخصيات آدمية مثيرة للاهتمام. هناك جمود في الحوار ينتج عنه جمود في الأداء. مثل سبيلبرغ، يستخدم إدواردز كل المفاتيح العاطفية الممكنة، ويوظّف العلاقات الأسرية كمحور للرغبة في حماية الآخر (الأب والابن، الابن وزوجته وطفله الخ..). التوظيف جيّد لناحية تحقيق غاية تعاطفية، لكن الشخصيات تبقى غير مقنعة حين تلتقي وتتبادل الكلام.

سنوات السينما:1943

الفيلم التشويقي الأفضل

العام الذي نتداوله هنا شهد قيام المخرج الإيطالي لوكيانو فيسكونتي تحقيق أول فيلم له وهو «هوس» عن رواية للأميركي جيمس م. كاين ستقوم هوليوود بعد ثلاث سنوات بتحقيقها تحت عنوانها الأصلي «ساعي البريد يدق مرتين دائما» من إخراج تاي غارنت (ولاحقا مرّة ثانية في الثمانينات).
فيسكونتي وضع الحكاية ليس في أي إيطاليا، بل في إيطاليا الفاشية مانحا الفيلم أبعادا عاطفية وسياسية لم تكن مقصودة، ولا موجودة، في الرواية الأصلية.

10-TOP

* أيام الأمس

* الدعاية التي سبقت عرض «رجال ركس أيام الماضي المقبل» لم تكن في صالح الفيلم. قضيّتان مرفوعتان ضد المخرج برايان سينجر فحواهما إجبار شابّين على ممارسة شذوذ جماعي أثارتا الرأي العام قليلا، لكن الفضول لمعرفة فحوى الفيلم الجديد كان الأقوى. عليه أنجز الفيلم مبلغا مشابها للمبلغ الذي حققه غودزيللا في الأسبوع الماضي، الفيلم الذي ينحدر بطبيعة الحال إلى المركز الثاني هذا الأسبوع.

* فيلم كوميدي جديد يحط في المركز الثالث هو «ممتزج» مع آدام ساندلر ودرو باريمور: كوميديا تكاد أن تكون أفضل من الكوميديا الفاشلة التي بوشر بعرضها الأسبوع الماضي «جيران» التي نراها تراجعت إلى المركز الرابع. في المركز التاسع «رئيس طبّاخين» الذي فشل في عروضه.

* الأفلام

1 (*2) () X Men: Days of Future Past: $90,823,660 

2 (*3) (1) Godzilla: $30,946,416 

3 (*1) () Blended: $14,284,031 

4 (*1) (2) Neighbors: $14,022,660 

5 (*2) (3) The Amazing Spider Man 2: $7,844,388 

6 (*2) (4) One Million Dollar Arm: $6,966,902 

7 (*1) (5) The Other Woman: $3,710,407 

8 (*3) (7) Rio 2: $2,467,206 

9 (*2) () Chef: $2,260,586 

10 (*3) (6) Heaven is for Real: $2,033,488

* حديثا على DVD

(*4) Red River

وسترن مع جون واين ومونتغمري كليفت تحت إدارة هوارد هوكس (1948)

(*2) Like Someone in Love

من مدّعي الجودة الأول عبّاس كياروستامي الذي صوّر هذا الفيلم في اليابان (2012)

(*4) Her

أحد أكثر أفلام العام الماضي ذكاء وتعبيرا عن العصر الذي نعيشه (2013)

(*3) Die Hard

أكشن ناجح وكلاسيك حديث من نوعه لجون ماكتيرنن مع بروس ويليس (1988)

المشهد

دفاعا عن ناقدة

* كلنا هوجمنا لأننا نقدنا أفلاما. وكلنا هنا تعني معشر نقاد السينما الفعليين الذين لا عمل آخر لهم سوى الكتابة عن الأفلام من وحي ولعهم بالسينما ورغبتهم في صيانة الأعمال الجيّدة والدفاع عنها وتقديم وجهة نظر مستقاة من معلوماتهم ومعرفتهم وخبرتهم حول كل فيلم يشاهدونه بعيدا عن المؤثرات قدر المستطاع.

* حين كنت ما زلت طالبا في الثانوية قرأت هجوم المخرج الراحل محمد سلمان على الناقد (الراحل أيضا) سمير نصري. بعده هوجم على كتاباته كل زميل سبق جيلي أو لحق به: سامي السلاموني، سمير فريد، كمال رمزي ومن الجدد نديم جرجورة وهوفيك حبشيان. وكان لي نصيبي من الهجوم الذي لم أرد عليه بل تركته يموت تدريجيا، ولو أن العلاقات انقطعت عن بعض من اعتبرني صديقا حينما كتبت جيّدا عن أفلامه وتوقف عن هذا الاعتبار عندما انتقدت فيلما تعثّر فيه أو سقط.

*  والحال هو نفسه في كل مكان جرى فيه صنع سينما وإنتاج أفلام. نقاد من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا هوجموا لما كتبوه في صحفهم ومجلاتهم. وأكثر من مرّة جرى وضع أسماء بعضهم على قائمة سوداء وعدم دعوتهم للعروض الخاصّة. وهذا حدث في بيروت أيضا عندما امتنعت إحدى شركات التوزيع عن دعوة النقاد لأن واحدا منهم كتب ما لم يعجبها. حين تراجعت عن فعلتها كان الفيلم الأول الذي عرضته للنقاد فيلم بريطاني من بطولة فنسنت برايس يدور حول ممثل مسرحي هاجمه النقاد فقرر قتلهم واحدا تلو الآخر!

*  حاليا بين لوس أنجليس وواشنطن ضجّة من هذا النوع سببها قيام الناقدة آن هاراناداي بنقد فيلم عنوانه «جيران» وربطته بالمذبحة التي قام الشاب بيتر رودجر بها في مدينة سانتا باربرا التي ذهب ضحيّتها ستة أشخاص قتلى وثلاثة عشر جريحا. قالت: «كم طالبا شاهد تلك الفانتازيات التي يقوم بها صبيان المدارس كما في (جيران) شاعرا بأنه معزول عن الحياة الطالبية وأن الحياة عليها أن تكون مليئة بالجنس والمتعة؟» وأضافت: «إذا كانت لغتنا السينمائية قائمة على العنف والسباق على الجنس فالشكر للاستوديوهات التي يديرها الرجال الذين يعطون الإشارة الخضراء (...) لا أحد يجب أن يفاجأ عندما تؤثر تلك المفاهيم على الثقافة بشكل واسع».

*  كلمات قوية تربط بين الشخصية التي مثّلها الكوميدي سث روغن وبين الجريمة التي ارتكبها القاتل بعدما خلف وراءه مفكرة ذكر فيها رغبته في قيامه بالانتقام ممن أساءوا إليه وسخروا منه. ثارت ثائرة الممثل روغن فكتب متهما الناقدة «أجد مقالك مهينا على نحو كبير»، ثم عاد وكتب مغرّدا: «كيف تجرؤين على الإيحاء بأن وصولي إلى الفتيات في الفيلم تسبب بقيام معتوه بارتكاب حماقته؟».

* الحقيقة أن الناقدة على حق وهوليوود تحتوي الجيد والبشع وهذا الفيلم بشع في إيحاءاته وفي موضوعه ومفهومه ينتمي إلى تلك الأعمال الكوميدية المتكاثرة التي لا تعترف بالقيم بل تريد النيل منها. كما أنه فيلم رديء الصنعة. مهمّة الناقد ليست تجميل الفيلم ولا جعله قبيحا. ليس هناك نقد بنّاء ونقد هدّام، بل هناك ناقد أمام فيلم اختار صانعوه تحقيقه على النحو الذي قدّموه عليه. وعليهم قبول الموقف المضاد إذا ما حدث.

الشرق الأوسط في

30.05.2014

 
 

ممثل ضد المقاييس ويحب أن يقوم بأدوار مختلفة

روبرت باتنسون من نجاحات «توايلايت» إلى ممثل يختار مخرجيه بعناية

لندن: محمد رُضا 

السؤال الذي واجه الممثل روبرت باتنسون (28 سنة) قبل بضعة أعوام كان هو ذاته الذي واجه عشرات الممثلين الصغار والمراهقين الذين كان عليهم توديع حقبة والإقبال على حقبة أخرى: هل سينجح؟ من أيام جاكي كوغان، الذي لعب دور الصبي اليتيم في «الفتى» لتشارلي تشابلن (1921) والسؤال مطروح. واجهه أيضا ميكي روني وجودي غارلاند وكرستين بيل الذي كان في الحادية عشرة عندما لعب تحت إدارة ستيفن سبيلبرغ في «إمبراطورية الشمس» ولم تغرب الشمس عنه حتى اليوم.

هؤلاء جميعا غدوا نجوما في مراحل حياتهم اللاحقة وبعضهم لا يزال. هذا في حين تعثرت أقدام ممثلين آخرين بدأوا صغارا ولم يستطيعوا إكمال مسيراتهم فيما بعد. من بين هؤلاء بوبي دريسكول، ممثل محبوب في الأربعينات ومفقود فيما بعد، براد رنفرو، الذي بدأ التمثيل في سن العاشرة ثم ارتد وأدواره إلى الوراء، وإدوارد فرلونغ، الذي نال فرصة ذهبية كبيرة عندما لعب لجانب أرنولد شوارتزنيغر في «ترميناتور 2» ثم تهاوى.

هناك أيضا ماكولاي كولكين، الذي قاد بطولة سلسلة «في البيت وحده» ولم يستطع الاستمرار في الأدوار الأمامية بعد ذلك حتى توقف تماما ما بين 1994 و2003 ثم عاد قليلا ليلعب آخر دور له في عام 2007 حيث لا يزال من حينها غائبا عن الشاشة.

باتنسون، اللندني المولد، ظهر على المسرح وهو في الخامسة عشرة من العمر، ثم لوحظ سنة 2003 في الفيلم الثالث من سلسلة «هاري بوتر» (التي قادها ممثل صغير آخر هو موضع تساؤل اليوم وهو دانيال ردكليف) ثم وُلد من جديد في بطولة «غسق» Twilight الفيلم الأول من السلسلة الناجحة (2007) التي داوم باتنسون على بطولتها حتى انتهت عام 2012 وهي السلسلة التي انبثق عنها نجم آخر على هيئة الممثلة الأولى كرستن ستيوارت.

باتنسون تنبأ، في حديث جمعنا في عام 2011 عندما كان التصوير ما زال جاريا في الجزء الأخير «حكاية غسق: بزوغ الفجر» Twilight Saga: Breaking Dawn، عن فترة حرجة سيواجهها بعد إيقاف المسلسل. قال: «لست متأكدا ما الذي أستطيع أن أفعله والسلسلة تنتهي. ربما سأكتب لأني أحب أن يكون عندي فهم متعدد لما هي السينما. أحب أن يكون عندي أدوار مختلفة فيها».

حين سألته عما إذا كان يرى نفسه كاتبا سينمائيا ناجحا أجاب: «أعتقد ذلك لكني لم أجرّب جديّا بعد. الحال هو أنه من بين كل ثلاثة سيناريوهات أستلمها هناك واحد فقط يصلح، وهذا قد ينتقل إلى مرحلة الإنتاج أو قد لا يرى النور، يتوقّف الأمر على التمويل».

* الوحيد من جيله

العامان الأخيران كانا حاسمين. الكتابة للسينما لم تتم وباتنسون لم يجد الوقت (وربما الرغبة الفعلية) لكتابة أدواره بنفسه، فطاف سريعا يبحث عن أدوار تبعده قدر المستطاع عن تلك الصورة البلاستيكية التي ظهر - وباقي ممثلي مسلسل «توايلايت» - عليها.

في الوقت ذاته، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان عدد آخر من الممثلين الشبّان يبحث عما يبحث باتنسون عنه. شريكته في بطولة السلسلة كرستن ستيوارت شقّت طريقها خارج السلسلة حتى قبل نهايتها فظهرت في بطولة «سنو وايت والصياد» (2012) وهي الآن إحدى بطلتي «سحب ميلز ماريا» أمام جولييت بينوش. داكوتا فانينغ تشق طريقها بنجاح مقبول وتشاهد هذا العام في ثلاثة أفلام متتابعة أولها «فراني» أمام رتشارد غير. لكن تايلور لوتنر (أبرز الممثلين الرجال بعد باتنسون) في وضع متعرّج حاليا كون خشبة الإنقاذ التي تمثّلت بدور مع أدام ساندلر بعنوان «راشدون 2» Grown - Ups 2 لم يحقق المأمول له من نجاح. معظم الباقين غابوا عن السطوع سريعا ومنهم نيكي ريد وآشلي غرين وكيلين لوتز (هذه الأخيرة تزوّجت من خارج الوسط).

آخرون من سلاسل فيلمية أخرى واجهوا السؤال الكبير نفسه. وجدنا دانيال ردكليف يؤم المسرح والسينما تاركا بين النقاد أثرا طيّبا كان يتمناه تجاريا أيضا. إيما واتسون، التي شاركته بطولة سلسلة «هاري بوتر» لعبت أفلاما قليلة أخرى، من بينها «عصبة الجواهر» The Bling Ring ودور محدود في «نوح». وضعها الحالي ليس مؤمّنا، كذلك وضع الممثل شايا لابوف من بعد سلسلة «ترانسفورمرز» وعلى كثرة ما مثّله من أفلام لاحقة.

لكن باتنسون هو الوحيد من هذا الجيل الذي رهن استمراره بالعمل مع مخرجين لهم حضور فني متميّز: لقد قرر أن يمثل لحساب سينمائيين ليضمن ابتعاده الكلي عن التنميط الذي ينتظر معظم الممثلين الآخرين بعد نجاحاتهم المبكرة. وجدناه في فيلم بريطاني/ فرنسي طموح بعنوان «بل آمي» (إخراج دكلان دونلان ونك أورميرود) ثم في فيلم من تحقيق الكندي ديفيد كروننبيرغ استقبل جيّدا هو «كوزموبوليس» (2012) ليتبعه بفيلمين جديدين يعكسان تلك الرغبة الحثيثة في التجديد هما «خريطة للنجوم» (مع كروننبيرغ أيضا) و«المتجوّل» لديفيد ميشو، وكلاهما شهد عروضهما العالمية الأولى في مهرجان «كان» الأخير.

* تجربة ضرورية

وهو لا يزال في منهجه هذا فهو انتهى من تصوير من بطولة «ملكة الصحراء» للألماني البارز فرنر هرتزوغ لجانب نيكول كيدمان وجيمس فرانكو، ومن تصوير «حياة» لأنطون كوربين الذي أخرج من بطولة جورج كلوني «الأميركي» ومن بطولة روبن رايت وفيليب سايمور هوفمن وراتشل ماكأدامز «أكثر الرجال المطلوبين». بعد ذلك سيدخل تصوير «عين المعبود» للفرنسي أوليفييه أوساياس ويليه «مدينة زد المفقودة» The Lost City Z للمخرج جيمس غراي.

هذا كله لا يأتي نتيجة خطى واثقة بالضرورة. باتنسون يكره القيام بالاختبارات السينمائية. تلك المناسبات التي على الممثل غير المنتخب مباشرة من أهل القمّة في هوليوود (منتجين أو مخرجين أو استوديوهات) أن يقدم ساعتي اختبار يقرأ فيهما صفحات من السيناريو أمام كاميرا صغيرة سيقوم المخرج وبعض عناصره بمراجعتها لاحقا للتأكد من صلاحية هذا الممثل أو ذاك للدور. يقول في مقابلة أخرى: «أكره هذا المنوال لكني لا أمانعه أو أمتنع عنه حاليا. يصيبني القلق حينما أقود سيارتي إلى حيث الاستوديو الذي سأقوم بالتجربة فيه. ودائما ما أخرج غير سعيد بالنتيجة».

فعل ذلك عندما كان كروننبيرغ يبحث عن ممثل يلقي على كتفيه تبعات الدور الأول في «كوزموبوليس»: «عندما انتهيت لم أكن واثقا مما قمت به».

لكن كروننبيرغ أعجب بالنتيجة ومنحه دور المليونير الذي يقطع، في يوم أمني عصيب، الشارع من أقصاه إلى أقصاه قاصدا الحلاق الذي كان يقص عنده شعره وهو صغير. يقول سعيدا: «في البداية لم أتصوّر أنه بالإمكان صنع فيلم ما من هذه الحبكة. حين شاهدت الفيلم قبل عامين في (كان) فوجئت كثيرا».

في مطلع نجاحاته تصرّف باتنسون كما يتصرّف كل من يحقق نجاحا فنيا وماديا كبيرا: اشترى ما ليس بحاجة إليه.. تحديدا بيتا كبيرا من سبع غرف نوم وحديقة كبيرة وسيارتين وسبعة عشر غيتارا. الآن أدرك أنه لا يستطيع إلا أن ينام في غرفة واحدة ويحتاج إلى سيارة واحدة (يملك BMW موديل 1989 ولو أنه لا يزال يحتفظ بالكثير من الغيتارات لأنها هوايته. باع منزله الكبير واستبدله بشقق يستأجرها كما يخبر صحافيا في «ذا هوليوود ريبورتر» وهو ليس غريبا على هذا المنوال من العيش فقد بدأ به حين كان شابا صغيرا لا يزال يسعى لإيجاد موقع قدم في السينما والمسرح في موطنه. الفارق هو أنه الآن يملك المال والشهرة ما يجعل هذا الجانب من حياته اختيارا بملء الإرادة أكثر منه تبعا لضروريات الحياة.

حين سألته عن تجربته في سلسلة «توايلايت» وكيف يراها الآن بعد انتهائها أجاب: «أرى الآن أنها كانت تجربة ضرورية جدّا بالنسبة لي. إنه من الغرابة إلى حد أنك لا تستطيع معرفة هذه الأهمية وأنت في وسط العمل. تمر به وتعيشه وتسعد للنجاح الذي يحققه لكن معرفة كم هو مهم للمهنة بأسرها قد يتأخر لما بعد نهاية الفترة. الآن أعتقد أن المرحلة الحالية هي أهم بالنسبة لي. الأفلام التي اختارها ليست بالضرورة الأفلام التي ستحقق إيرادات كبيرة، بل هي أفلام صغيرة لمخرجين أحب أن أتعاون معهم لما لديهم من مواضيع يريدون تحقيقها بصرف النظر عن حجم الفيلم بحد ذاته. أطمح أن أساعدهم في ذلك بقدر ما أطمح لأن تساعدني أفلامهم أن أصبح ممثلا أفضل».

الشرق الأوسط في

31.05.2014

 
 

تعرض 40 فيلما محليا وأجنبيا بحضور نجوم السينما العالمية

أربيل دشنت أمس أول مهرجان دولي للسينما

بغداد: أفراح شوقي 

بمشاركة نحو 150 من الفنانين العرب والأجانب، بدأت أمس فعاليات مهرجان أربيل السينمائي الدولي في دورته الأولى ضمن فعاليات «أربيل عاصمة للسياحة العربية لعام 2014» ويستمر حتى الثالث من يونيو (حزيران) القادم، سيعرض 14 فيلما روائيا طويلا و26 فيلما قصيرا بينها ثمانية أفلام كردية وثلاثة أفلام أنتجت في بغداد.

وكيل وزارة الثقافة العراقية، فوزي الأتروشي، رئيس الوفد المشارك، قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قبل مغادرته بغداد: «المهرجان فرصة ثقافية مهمة لأجل التواصل بين الثقافات والتعرف على الإمكانيات الفنية للإقليم بمشاركة عدد كبير من الفنانين والسينمائيين العرب والأجانب ممن لهم باع طويل في الفن السابع ومن دول مهمة بينها لبنان وتركيا وإيران».

موضحا أن «بغداد ستشارك بثلاثة أفلام في المهرجان هي (أحلام اليقظة) و(بغداد حلم وردي) و(سر القوارير)».

مدير المهرجان الفنان الكردي ناصر حسن، قال: «المهرجان جزء من النشاطات والفعاليات المتعلقة بإعلان أربيل عاصمة للسياحة العربية لعام 2014، وسيجري خلاله تكريم عدد من السينمائيين والفنانين الكرد والأجانب والذين يعملون في المجال الفني منذ زمن طويل وقدموا خدمات كبيرة في هذا المجال».

وأضاف: «منهاج المهرجان الذي ينظم برعاية من القطاع الخاص سيكون حافلا بالنشاطات من بينها تنظيم رحلة سياحية للضيوف المشاركين، وستعرض الأفلام على قاعات (ميغامول وفاميلي مول وإمباير) وهي من الصالات الكبيرة، وسيكون لكل فيلم ثلاثة عروض حتى يتمكن أكبر عدد من الجمهور من مشاهدتها.

لافتا إلى أن فعاليات المهرجان ستشهد عدة ندوات إحداها عن السينما الكردية ومؤتمرات صحافية للنجوم الحاضرين وحفلات غنائية وراقصة لفرق فنية هندية وكردية.

وأكدت مصادر فنية مطلعة أن عددا كبيرا من الفنانين العرب الذين تمت دعوتهم لمهرجان أربيل السينمائي الدولي وهم من مصر ولبنان وسوريا والإمارات والجزائر سيحضرون المهرجان، من بينهم المخرجان السينمائيان علي بدرخان، وخالد يوسف، والنجمة التركية (بيرين سات) والنجم الهندي (أميتاب باتشان) والفنانات إلهام شاهين، وسمية الخشاب، ومنى واصف، وسناء يوسف، وأمير شاهين، وإسراء خليفة، ولارا سابا، وعبد الباسط خليفة وآخرون.

الشرق الأوسط في

31.05.2014

 
 

"اشتباك" محمد دياب يرصد يوم عزل مرسي

كتب- محمد فهمى

أعلنت شركة فيلم كلينك عن تعاونها مع EMC Media الإماراتية في إنتاج فيلم اشتباك للمخرج والمؤلف محمد دياب، حيث تبدأ التحضيرات الإنتاجية للفيلم في أغسطس المقبل، على أن يبدأ تصوير مشاهده الرئيسية في أكتوبر ليكون جاهزاً للعرض في ربيع 2015.

وسلط موقع Varity العالمي الضوء على تعاقد الشركتين مع محمد دياب لإخراج فيلم اشتباك، وذكر الموقع أن الفيلم سيأتي من مخرج ومؤلف فيلم 678، والذي تناول مشكلة التحرش الجنسي في مصر، وحقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً على المستويين المحلي والعالمي.

وسيكون فيلم اشتباك هو التجربة السينمائية الأولى لشركة EMC Media الإماراتية، والتي سبق لها إنتاج عدد من المسلسلات الدرامية التلفزيونية الناجحة.

ويقول المنتج والسينارست محمد حفظي: "أنا فخور بالعمل مع مخرج مصري استطاع أن يفرض نفسه على المشهد العالمي بعد إخراجه لفيلم واحد فقط، وهو فيلم 678 الذي أثار إعجابي كثيراً، لكن الفيلم الجديد هو تحدي أكبر بكثير".

الوفد المصرية في

31.05.2014

 
 

التاريخ الأسود لحركة وجماعة .. ومرشد!

كتب : مجدى الطيب 

شباب مجتهد احترم ذكاء الجمهور ووعى وثقافة المتلقى.. وابتعد عن المباشرة والعظة والخطابة ونجح فى تقديم فيلم متعدد القراءات بعد سلسلة من اللطمات الموجعة متمثلة فى أفلام: «سالم أبو أخته»، «ظرف صحى»، «مراتى وزوجتى» و«جيران السعد» كنت فى طريقى لمشاهدة فيلم «الدساس» فاستشعرت نظرة الإشفاق فى عيون أصدقائى وكأنهم يقولون : «ألا يكفيك ما حدث من قبل أم أنك فى حاجة إلى لطمة جديدة ؟». أصبت بالإحباط لكننى لم أملك رفاهية الرفض، وشاهدت «الدساس» مدفوعاً برغبة خفية فى التعرف إلى الفيلم الذى قالت حملة دعايته إنه أول فيلم رعب كوميدى فى السينما المصرية، ولأنه يحمل عنواناً عجيباً، والدافع الثالث رغبتى فى الوقوف على شكل وجوهر التجربة.

وكانت المفاجأة المدهشة أن خابت ظنونى بعد ما وجدتنى أمام عمل يستحق التفاتة نظراً لجدته وجديته وإثارته، وجدير بأن ننوه ونحتفى بالفريق الشاب الذى أنجزه. مزية فيلم «الدساس» أنه متعدد القراءات؛ فمن يريد أن ينظر إليه بوصفه فيلم رعب كوميدى يستطيع، ومن يرى أنه يمزج الخرافة بالواقع فمن حقه، ومن يلجأ إلى تفسير بعض مشاهده وحواراته بوصفها إسقاطات على وقائع تاريخية محددة، ومواقف سياسية بعينها، فإن له مطلق الحرية، إذ إن الأمر الذى لا جدال فيه أن «الدساس» هو المقابل المرئى لحسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين والمرشد الأول للجماعة، التى تنازعت السلطة مع الجيش، ودخلت مع قادته فى مواجهات دموية، كما فعل «حسن الدساس» - تامر كرم - عندما استخدم الخديعة ضد الضابط الكبير «حسين الهراوى»، ونكل بأفراد عائلته، واستولى على ممتلكاتهم، وشيد مدفناً للعائلة يزوره يوم 6 أبريل من كل عام (فى إسقاط على حركة 6 أبريل التى يراها الفيلم مشئومة!) رغبة منه فى الاطمئنان على موتها الأبدى، وهى الخرافة التى نجح الفيلم فى مزجها بالواقع، وحبك تفاصيلها بدرجة لا تخلو من متعة وإثارة ورقى، فالقول أن الفيلم يحكى التاريخ الأسود لـ «حسن الدساس»، كما قالت الدعاية، يدفع المشاهد للتمعن فى قراءة العبارة، ودراسة جوانب وتفاصيل كثيرة فى الفيلم تدعم الشعور بأننا حيال إسقاط واضح على «البنا» على رأسها المشهد العابر الذى يُشير فيه المخرج إلى شاشة تليفزيون تعرض فيلماً وثائقياً نعرف من مقاطعه الصوتية أنه يُلقى الضوء على حية غير سامة تُدعى «الدساس» كونها تندس تحت التراب والصخور فى المناطق الرملية، وتغطى جسمها قشور صغيرة ناعمة ما يجعل منظرها لامعاً، ويساعدها على الاندساس، بينما تقع عيناها وأنفها فى أعلى الرأس لتستطيع إخراجهم لتترقب فرائسها، ومتى رأتها انقضت عليها وعصرتها حتى الموت ثم تبتلعها بادئةً من الرأس لكن المخرج هانى حمدى والكاتب هشام يحيى، وهما صاحبا فكرة الفيلم، يمرران المعلومة بسلاسة، ومن دون مباشرة، ويتركان للمتلقى الواعى مهمة التقاطها وتوظيفها، حسب مجريات الأحداث، ومع ظهور «حسن الدساس» نتأكد أنه الأقرب، فى تكوينه وشخصيته، إلى الحية التى تندس ثم تنقض على الفريسة، وتعصرها حتى الموت، تدعمه فى هذا الصراع بطانة أو «جماعة» شبهها الفيلم بالأحياء الموتى «الزومبى» فى إيحاء بأنهم خارج سياق التاريخ، وزيادة فى تأكيد المعنى ذهب الفيلم إلى القول بأن الخلاص من «حسن الدساس» لن يكون بغير الدم، والحصار حتى الموت، عبر تلاوة التعويذة فى وجهه (ياللى أخدت البيت بالدم حتخرج منه بدم الدم .. ارحل .. انت وأبوك أحفاد إبليس) وبعدها تُشرق الشمس، ويطلع النهار، لكن الفيلم قدم تعويذة أوصى من خلالها بأن يحفظ الأحفاد العهد، ويحرصوا على لم الشمل كسبيل للقضاء على «الدساس» وأعوانه، وضمان استمرار بقاء عائلة «الهراوى» على قيد الحياة، خصوصاً بعد ما تبين أن الشباب الذى دخل المواجهة ضد «الدساس» هم أحفاد «الهراوى»، وأن اختيارهم للاشتراك فى البرنامج الذى تم الإعلان عنه كان متعمداً للتخلص منهم، وإبادة آخر نسل للعائلة التى دافع كبيرها «حسين الهراوى» عن حقوق الفلاحين وجاء «حسن الدساس» ليهدرها، وبالغ فى إذلالهم واحتقارهم، ولما شعر بأنه فى حاجة إلى الشعب الفقير لم يتوان عن شرائه بالزيت والأرز (مشهد صريح فى الفيلم يُشير إلى هذا)، فالفيلم يلمح لكن تلميحاته فيها إيحاءات لا تغيب عن المشاهد الفطن! الكوميديا والرعب تبدأ أحداث فيلم «الدساس» فى ليلة حالكة، حيث تُفاجأ فتاة حسناء بعطل أصاب سيارتها فى منطقة نائية، وكالعادة فى مثل هذه الأحوال تبحث عمن يساعدها وينتشلها من محنتها، وتلجأ إلى قصر يبدو مهجوراً، وقبل أن ترتسم علامات الدهشة على وجهها، وهى تتجول فى داخله، ينتهى الأمر بمقتلها وهى بداية مثيرة، ومتوقعة، فى مثل هذه النوعية من الأفلام، لكنها لا تمنح المتلقى الثقة المطلقة فيما هو آت من أحداث، خصوصاً أن السينما المصرية كثيراً ما تعد لكنها لا تفى، وهو ما كاد يحدث مع البداية التقليدية التى رصدت الكاميرا خلالها معالم حارة شعبية يتصدرها بيت «تحت التنكيس»، ويتعاطى شبابها مخدرات تحمل اسم «نسيانك صعب أكيد»، وتتوقف عند ضابط شرطة يُدبر حيلة للقبض على مروج للمخدرات، لكن الأخير يستقل «التوك توك» ويهرب غير أن المخرج، وكاتب السيناريو والحوار، لم يتركا الجمهور نهباً للبداية التقليدية، بل قدما إشارات تبعث على التفاؤل، على رأسها أن الضابط يُدعى «محسن محسن ممتاز» - ثروت سعيد - وأنه نجل «محسن ممتاز» رجل الاستخبارات العتيد فى المسلسل الشهير «رأفت الهجان»، كما أن المجرم الهارب هو الذى يوقع بالضابط الذى يُطارده، وليس العكس حسبما جرت العادة، وهو ما يعنى اعتماد صانعى الفيلم على شكل من أشكال المحاكاة الساخرة للأعمال الفنية الشهيرة أو ما اصطلح على تسميته الـ Sp00f Movie .Parody? وأشهرها فيلم scary movie التى لا تخلو من تهكمات ومفارقات كوميدية طريفة بدأت بمشهد الرعب الذى يجتاح رواد مركز كمال الأجسام، من أصحاب العضلات المفتولة، بمجرد الإعلان عن قدوم صاحب «الجيم»، ومع ظهوره لا يملك المشاهد سوى أن يستلقى على قفاه من الضحك لفرط جسده الهزيل، وضعف بنيانه الذى لا يتناسب والسمعة التى سبقته، بدليل اعترافه هو شخصياً بأنه «81 سنة بيلعب حديد وماطلعتلوش ولا عضلة غير عضلة القلب». تحقق الشق الكوميدى إذن لكن الرعب جاء يتهادى مع الرسالة الهاتفية الغامضة التى تحمل نصاً واحداً «مبروك وقع عليك الاختيار للمشاركة فى برنامج الجرىء»، وفى رؤية محسوبة بدقة، وشُح متعمد فى ضخ التفاصيل، تصل الرسالة إلى أربع شخصيات، أولها «جابر» - محمد نشأت - صاحب مركز كمال الأجسام وثانيها «شريف» - محمد يونس- الذى يحلم بكتابة سيناريو أول فيلم رعب مصرى، والثالث «الرايح» - أحمد فتحى - مدمن العقاقير المخدرة أما الرابعة فهى الفنانة التشكيلية «ياسمين» - سارة عادل - شقيقة رئيس المباحث «محسن محسن ممتاز»، الذى يفاجأ باختفاء شقيقته، وهو فى كل الأحوال «آخر من يعلم» أو كما قال ينعى حال الشرطة التى تدهورت: «بعد ما كانت بتجرى شارع بحاله أصبحت بعد الثورة أول من يجرى»، فالحديث عن ثورة 52 يناير له مكان فى الفيلم لكن أصحابه لا يرتاحون لها بدليل الاحتفاء باثنين من المناهضين لها هما : الملحن عمرو مصطفى ود.نائلة عمارة صاحبة البرنامج التليفزيونى «حزب الكنبة»، ففى مقر الشركة التى ترعى برنامج «الجرىء» وتحمل اسم «الفناء» - لاحظ المغزى - ومع وصول الشبان الأربعة يظهر بشكل مفاجئ، وغير مبرر، عمرو مصطفى ود.نائلة عمارة تبدأ وصلة هجوم على ثورة 52 يناير، التى يجرى تعريفها بتسطيح معيب ومُخل: «هى الثورة إيه غير ارحل علشان نحلق»، ويسخر الفيلم أيضاً من «الأسطوانة المشروخة» للملحن المعروف باتهاماته الساذجة لكل ثورة بأن وراءها «الماسونية»، ومع تجاوز هذا المشهد الركيك، يلتقى الشباب مدير الشركة المُقعد «عدنان» - لطفى لبيب - الذى يشرح لهم فكرة البرنامج الذى يضمن مكافأة مالية ضخمة لمن ينجح فى البقاء على قيد الحياة بعد دخوله قصر «حسن الدساس» المهجور، وقضاء يوم كامل فيه، وهى المقابلة التى تؤكد أن كل واحد من الأربعة يتوق للفوز بالمكافأة إما لتعويض النقص (جابر) أو الوصول للثروة والثراء (الرايح) أو تحقيق الحلم (كاتب السيناريو) أو بلوغ الشهرة (الفنانة التشكيلية)، لكنها تكشف أيضاً أن كل واحد منهم مُصاب بعقدة مزمنة فشل السيناريو فى «التخديم عليها»، وتعامل معها بخفة منقطعة النظير أملاً فى أن يصنع منها «إفيهات» كوميدية، لكنها جاءت سطحية فى مجملها، بعكس الغموض الذى اكتنف الحديث عن القصر المهجور، والكنز المخبوء، وصاحبه «حسن الدساس» الذى قيل إنه مات حرقاً أو ذبحاً، ومن بعده حُكم على كل من دخل القصر بالموت. ومع دخول الشباب القصر، وإغلاق أبوابه عليهم بواسطة الحارس - بيومى فؤاد - الذى يجيد الإنجليزية، ويبدو النسخة الأقرب إلى «أحدب نوتردام» أو «ديوجين» حامل المصباح الذى يفتش عن الحقيقة، ويقود إليها، تبدأ الإثارة لكن الموسيقى التصويرية - هانى كمال - تفسد الأجواء كونها لا تتوقف لحظة، ولا تترك فرصة للتأمل أو معايشة الأجواء، فالبيت الملعون كما يطلقون عليه فى المنطقة التى يقع فيها «داخله مفقود والخارج منه مولود» لكن المشاهد تسير برتابة، والخط الدرامى يتطور بصعوبة شديدة على عكس الشائع فى أفلام الرعب. ثراء فنى كبير باستثناء بعض المشاهد التى ترهل فيها الإيقاع داخل القصر، وبدا معها وكأن الأحداث أصابها الجمود، مع الإشادة الواجبة بالمونتاج المتوازى، والنقلات المتقنة - مونتاج أحمد عادل - اهتم المخرج الشاب هانى حمدى بحشد التفاصيل التى كان لها الفضل فى إضفاء ثراء كبير على الصورة، سواء من ناحية اختيار زوايا التصوير أو الإضاءة الشاحبة - أكرم ممدوح - أو الديكور القديم - محمود النوبى- والماكياج والخدع - آية مصطفى- والجو العتيق للقصر، واللوحات السريالية المتناثرة فى أرجائه، وتعكس العقلية المختلة والمضطربة التى كانت تتحكم فى صاحبه. والواقع أن المخرج الشاب لم يتغافل عن التفاصيل، لكنه لم يبالغ فى الدفع بها، وقدمها فى الوقت والمكان المناسبين، مثلما فعل فى التلميح بملصق فيلم الرعب Saw الذى يحتل جدار غرفة «شريف» الطامح إلى كتابة سيناريو أول فيلم رعب مصرى، وتوظيفه الناجح للمرايا فى القصر المهجور، وكذلك الأغانى الشعبية فى الحارة مقابل أغنية الشاب خالد فى حجرة الفنانة التشكيلية، كدلالة على تباين واختلاف الانتماء الطبقى والثقافى بينهما، فضلاً عن الإشارة الذكية فى خلفية مكتب ضابط الداخلية، حيث أبقى المخرج على علم مصر وحده فى الإطار المخصص لصورة رئيس الجمهورية، وفى قلب الإطار علامة استفهام كإيحاء بخلو المنصب، غير أن الفيلم أفرط كثيراً فى السخرية من غباء رجال الشرطة وتفاهتهم، سواء رئيس المباحث «محسن محسن ممتاز» (يعمل لايكات لصافيناز ولا ترد عليه) أو مساعده «عبد القادر» (عندما يُطلب منه الشاى سكر بره يترك السكر خارج المكتب)، وفى السياق ذاته تعمد اختيار أغنية «تسلم الأيادى» كنغمة للهاتف المحمول الخاص بالضابط، وبينما كان بمقدور الكاتب، والمخرج من بعده، الاستغناء عن شخصية أم الفنانة التشكيلية «ياسمين» - مريم سعيد صالح - إذ لم تضف جديداً، ولم تسهم فى دفع الأحداث، اختلف الحال كثيراً مع النجوم الذين دعموا التجربة، ولهم كل الشكر، مثل: لطفى لبيب، بيومى فؤاد، إيمان سيد، وضيفة الشرف زينة، فمثل هذه التجارب فى حاجة بالفعل إلى المساندة والمؤازرة من أجل دعم وتبنى جيل جديد من الوجوه الواعدة التى تحملت عبء البطولة مثل : محمد نشأت، محمد يونس، أحمد فتحى وسارة عادل، فضلاً عن الدور الملحوظ الذى لعبه المخرج هانى حمدى، ومعه الكاتب هشام يحيى، فإضافة إلى البلاغة السينمائية، و«الحبكة» التى جاءت مضبوطة، والمعادلة التى أتت منضبطة، والمتعة التى لم تخل من إثارة، كانت الثقة فى النفس سمة لطاقم فيلم «الدساس»، الذى أسجل هنا أنه كان مفاجأة بكل المقاييس، فالكل تعامل مع التجربة بتواضع، واحترام لذكاء الجمهور، وتقدير لوعى وثقافة المتلقى، فضلاً عن الابتعاد عن المباشرة والعظة والخطابة، ولكل هذه الأسباب كانت النتيجة مُذهلة، ومن ثم تصبح التحية واجبة.

مجلة روز اليوسف في

31.05.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)