كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

مدحت السباعى

كمال رمزي

الخميس 29 مايو 2014 - 5:40 ص

 

فى إحدى المرات، التقيت الصديق مدحت السباعى، أحد ملوك البهجة، هالنى أن أرى قدمه اليمنى منتفخة، متورمة، يغلب عليها اللون الأحمر القانى. استبدل لها فردة الحذاء بفردة شبشب. ركبت معه سيارته، وبعناء، لكن من دون توجع، أخذ يضغط على دواسة البنزين تارة، والفرامل تارة أخرى. جلسنا فى مقهاه المفضل. لم يلتفت لكلامى عن ضرورة الذهاب، فورا، لطبيب.. وكعادته بدد التجهم الذى أصابنى بالانطلاق فى حكاياته الساخرة، بالغة الطرافة، يرويها على نحو لا يتأتى إلا من حكاء بالغ المهارة، يلتقط منها المفارقات الكوميدية، ذات الطابع الموغل فى مصريته، فهو، إلى جانب ثقافته التى لا يستعرضها أبدا، يعتبر «ابن بلد» بحق، يعرف تشيكوف وهمنجواى، ويتحدث بحيوية أهالى بولاق والحسين وباب الشعرية.. ولا يفوته، حين يسخر من أحد أن يندد بنفسه أولا، هى الوسيلة الفعالة لقبول ما يقوله عن الآخر.

بعد انفصاله عن ناهد فريد شوقى، تزوج وانفصل عدة مرات.. فى إحداها، سألته عن سبب الطلاق، علما بأنها ذكية ولبقة وحنون. أثار اهتمامى بقوله «هذه أسباب كافية للانفصال». قرأ فى وجهى مزيجا من الاستفسار والاستنكار. بطريقته الحماسية، الموجزة، روى الواقعة التالية: لما عدت إلى البيت، بعد ثلاثة أيام من الغياب، من دون أن أخطرها، وجدت وجهها محتقنا، غاضبا، مهيئا للشجار. سألتها، على طريقة ذات الرداء الأحمر.. مال فمك كبيرا يا جدتى، مال عينيك حمراوين يا جدتى.. لم تستجب لمداعبتى، وباغتتنى بقولها: أى زوجة يغيب عنها زوجها لثلاثة أيام، ولا تعرف أين هو وماذا حدث له، سيغدو وجهها هكذا ـ استكمل ضاحكا ـ عندئذ أدركت أنها أذكى وألبق وأحن مما أستطيع تحمله، وبالتالى كان لابد من الانفصال.. فهل أنا أخطأت؟

طبعا، لم يكن عندى إجابة، وهو يدرك هذا، وبمنطقه الخاص، بمفارقاته التى تدخل فى باب كوميديا السلوك والمعتقدات، فانفجرنا بالضحك.

مدحت السباعى، اللماح، الذى لا تفوته شاردة، يتسم ببساطة وطيبة أبناء البلد، لا يغضبك مهما جاء حجم الخلاف معه، بل ينهيه بطرفة جميلة، أو جملة مرحة تحول أجواء التوتر إلى نوع من الوئام، فحين ضغطنا عليه بهدف نزع اعترافه بمصادره الأدبية التى لا يشير إليها فى بعض أفلامه، باغتنا بقوله: كل المبدعين يأخذون من بعضهم بعضا.. «الزميل» وليم شكسبير نهل من أعمال سابقة عليه.

استخدامه لكلمتى «الزميل وليم» كانت كفيلة بنقل روح الحوار من حال لحال.

فى مشواره الفنى، انعكست روحه المرحة، المنحازة للعاديين من الناس، فى أعماله التى بدأها بفانتازيا «وقيدت ضد مجهول» 1981، وهو فيلم يعبر عن حركة بيع ممتلكات الوطن، وسرقتها، ممثلة فى هرم خوفو ـ شخصيا ـ ونقله إلى المكسيك، ثم سرقة نهر النيل أيضا. المواطن المصرى صابر «محمود ياسين» الفلاح الشريف، يزج به فى مستشفى الأمراض العقلية، وبعد خروجه، يصر على فضح السرقات والفساد.

توالت أفلامه: «فقراء لا يدخلون الجنة» 1984، حيث بعض أصداء رواية «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكى.. ثم «الجريح» 1985، المأخوذ عن رواية «الأبله» لنفس الكاتب الروسى، وفيه يقدم محمد صبحي واحدا من أفضل أدواره على الشاشة الكبيرة.. كذلك الحال بالنسبة ليسرا، المتألقة فى دورها كامرأة تنعكس على حياتها أوزار مجتمع، وذلك فى «امرأة آيلة للسقوط» 1992.. وثمة عدة أفلام تتفاوت قيمتها، ويتفاوت المستوى داخل الفيلم الواحد.. لكن أحسب أن «خلطبيطة» 1994 هو العمل الذى يمثل السباعى تماما، ذلك أنه مأخوذ عن رواية قوية، سوداوية وقاتمة، كتبها فرانز كافكا، بعنوان «المحاكمة»، حيث يجد المواطن «ك» نفسه مقبوضا عليه ومتهما فى جريمة لا يعلم عنها شيئا.. عند السباعى، مصبوغة بالكوميديا، وبأداء موفق من محمود عبدالعزيز، المواطن المسالم، الرقيق، السلبى، الذى يعيش مع أزهار الفل والنرجس التى يزرعها فى شرفته، وفجأة، يقبض عليه، يهرب، يعيش وجوها متعددة لمواطنين. إنه فيلم يحتاج لإعادة اكتشاف، شأنه فى هذا شأن مدحت السباعى، صاحب الإرادة القوية، الذى تعرض لنكبات إنتاجية، يصمد لها، يتحايل عليها، وينهض من جديد، بإصرار على العمل، تماما كما أصر على قيادة السيارة، برغم قدمه المتورمة.


سلم إلى دمشق

كمال رمزي

الثلاثاء 20 مايو 2014 - 5:15 ص

فى إحدى لقطات الفيلم، تمتد السلوك الشائكة، المتقاطعة، بكثافة، لتغطى آلة التصوير، مما يخلف إحساسا أن السلوك القاسية تغطينا، تهيمن علينا، تحاصرنا.. وفى عمق المجال، ثمة أقدام لحراس، أحذيتهم الضخمة توحى بالبطش.. ثم، حارس بلا ملامح، أقرب للظل أو الشبح، يسير على أرضية فناء المعتقل، شاهرا سلاحه. اللون الرمادى، بدرجاته القاتمة، يغلف المكان. يقطع الصمت صوت آمر يقول «نزل راسك». لا نرى الآمر ولا المأمور، كأننا نحن المقصودين بتلك الكلمتين اللتين تعبران عن روح القمع وتنذران بالشر.

هذه واحدة من لقطات أحدث أعمال مخرجنا السورى الموهوب، عاشق السينما، عقلا وقلبا، صاحب الأفلام القليلة، كما، الآسرة، المؤثرة، كيفا حقق من قبل، الروائيان «أحلام المدينة 1984»، «الليل» 1973، فضلا عن ثلاثة أفلام تسجيلية: «القنيطرة» 1974، «المنام» 1988، «باب المقام» 2005.. كل عمل من هذه الأعمال، يعتبر حدثا ثقافيا، فإلى جانب قيمتها الفنية، الجمالية، تُعد شهادات يقظة، لمراحل تاريخية متوالية، يمتزج فيها العام بالخاص، وتتصادم الآمال مع الحقائق.

محمد ملص، ابن القنيطرة المدمرة، بفعل العدو الإسرائيلى، يعيش فى دمشق، يعشقها، يخفق قلبه الجريح مع أحلامها الموءودة.. يبدأ العمل فى «سلم...» مع اختطاف ربيع ثورة تحولت إلى كابوس. يحاول، تذكر ما كان، ورصد ما يعتمل، وتلمس ما تخبئة الأيام القادمة.

لذا قد تبدو حمولة الفيلم ضخمة، ثقيلة وبالغة السخاء فى آن، وبالتالى تحتاج متابعته إلى تهيؤ نفس يتضمن وعيا من المشاهد الذى عليه إدراك أنه إزاء عمل ليس لمجرد المتعة، ولكن للتفكير والتأمل والمشاركة.

فى بيت دمشقى عريق، دافئ وحميم، صاحبته، الطيبة العجوز، تؤجر حجراته لسوريين من مختلف الأماكن والطوائف والثقافات. موزاييك بشرى يكمن سحره فى تنوعه. سكانه، بينهم من يدرس الطب، ومن يمارس فن النحت، ومن يعزف الموسيقى، ثم الواقد، عاشق الفن السابع الذى يطلق عليه جيرانه اسم «سينما».. ومعه الفتاة الرقيقة، هاوية التمثيل «غالية»، التى رحلت عنها صديقتها «زينة» انتحارا، عقب اعتقال والدها.

أوضاع الاستبداد، وهاجس الاعتقال والإحساس بالاختناق، كلها تتوافر فى الفيلم وتتبدى على نحو إيحائى فى نوافذ البيت حيث تتقاطع قضبان الحديد، بالإضافة للأبواب الموصدة بكل ما تحمله من معانى النواهى والممنوعات.. أبواب لا تفتح، منذ سال الدم من رأس أحد طفلى «أحلام المدينة» وهو يضرب الباب برأسه، حتى كف بطلة «سلم..» الدامية وهى تطرق الباب الفولاذى.. ملص، شأن أبطاله، يحس الأشياء بقوة، يتبين معانيها، يجيد استخدامها، فالماء المتدفق من الصنبور، داخل البيت الدمشقى، يبعث قدرا من الطمأنينة.. لكن مع القصف فى الخارج، تهتز الأوعية بما تحمله من ماء، تعبيرا عن اهتزاز الحياة.

تندلع الثورة، نستمع لصوت المواجهات. مؤثرات صوتية تغنى عن صور الجرحى والموتى.. أسباب الثورة متوفرة، فكما يقول أحدهم، ما معنى وما الهدف من اعتقال شباب فى مقتبل العمر، لسنوات ليست قليلة.. وها هو أحد نزلاء البيت الدمشقى ، يجرى اعتقاله.

تتصاعد الأحداث فى الخارج، تنعكس بالضرورة على الداخل.. وفى نوبة من نوبات القلق، والرغبة المحمومة فيما تخبئه الأيام القادمة، وعلى نحو رمزى، يندفع «سينما» إلى سطح البيت، مع رفاقه، واضعا سلما يرتقيه، يطل على دمشق وسوريا.. لا نعرف ما رآه، فقط نعرف ما يتمناه، وهو يصرخ بأعلى صوته «حرية».. ملص، فى حواراته المتعددة، الممتعة والذكية، تحاشى تماما التصريح بما يراه، لا هو ولا بطله.. لكن، نهاية فيلمه تطمن صوت انفجار ضخم، وتغرق الشاشة فى ظلام دامس.

إنها نهاية تعلن، بجلاء، عما لا يريد مخرجنا أن يؤلمنا به.. «سلم إلى دمشق»، فيلم مهم، مركب، يقول الكثير إنه ليس للمشاهدة العابرة.


الهجاء الظالم

كمال رمزي

الثلاثاء 13 مايو 2014 - 2:55 ص

فى مسلسل «هبة رجل الغراب» نشهد فتاة بخلت عليها الطبيعة بالجمال ولكن منحتها عطايا أغلى وأثمن من الفتنة الشكلية، من بينها عقل رزين يفرق بين اللون الأبيض واللون الأسود، قلب عامر بالمحبة والرضاء. صدق مع الذات ومع الآخرين إخلاص فى العمل جدية لا تعرف الكلل علم حصلته بدأب شيئا فشيئا بأداء متقن من «إيمى سمير غانم» تغدو «هبة» فى عيون المشاهدين آية فى الجمال الدافئ حتى إن المتابع يفتقدها حين تختفى عن عدة مشاهد، ربما يعانى المسلسل من بعض المآخذ، لكن حسبه أنه يقدم نموذجا يحتذى للبنت المصرية وأسرتها الصغيرة المكونة من أب طيب يخاف عليها من النسيم وأم يخفق قلبها مع زوجها وابنتها.

الأم هنا تذكرنا بطابور الأمهات المفعمات بالطيبة على الشاشتين الكبيرة والصغيرة منذ أمينة رزق وفردوس محمد إلى كريمة مختار وسميرة أحمد وغيرهن كفتهن هى الراجحة إنسانيا إذا قورنت كما وكيفا بصورة الأم فى الدراما الأجنبية سينمائيا وتليفزيونيا.

«بنتين من مصر»، «فتاة المصنع»، «الخروج للنهار»، على سبيل المثال و«ليالى الحلمية»، «ذات»، وعشرات الأعمال الأخرى قدمت المرأة المصرية بمتاعبها وآمالها على نحو نابض بالصدق جدير بالاحترام طبعا مثل كل إنتاج إبداعى ثمة أعمال ضعيفة يشوبها الوهن فى هذا الجانب أو ذاك وتقع مسئولية تقييمها وربما توجيهها على النقاد.

هذا الكلام بمناسبة توابع القرار الخائب العشوائى بمنع استمرار عرض «حلاوة روح»، الذى أدى إلى استياء عدد كبير من مثقفين ونقاد وجدوا قرار المنع من يحرق له البخور باعتباره يقضى على ظاهرة التحرش على الشاشة الفضية، ويحذر من تسول له نفسه بتشويه صورة المرأة المصرية وترك البعض قضية المنع المتعسف ليصب جام غضبه المزيف ضد الفيلم.

دخان المباخر تلاشى ودخل «حلاوة روح» ــ مؤقتا ــ فى ثلاجة اللجان، وفيما يبدو أن شعورا بالذنب أو الخجل، انتاب من آزر مصادرة الفيلم، ومنهم السفيرة ميرفت التلاوى رئيس المجلس القومى للمرأة، وهى التى حفزت رئيس الوزراء على اتخاذ قراره الغريب غير المسبوق فى تاريخنا.. التلاوى اتبعت استراتيجية تهدف إلى توسيع جبهة الصراع بين الإبداع والأغلال وتمويهه بطمس معالمه فى ذات الوقت، فقالت كلاما ينسف بعضه بعضا من نوع تدشين «الحق المطلق فى حرية الإبداع والفكر»، وعلى أن تقوم الدولة بدورها فى الرقابة على الأعمال الدرامية بعيدا عن التناقض بين الحرية المطلقة، ووجوب تدخل الدولة لم تقل لنا الأستاذة متى وكيف تتدخل الدولة قبل أو بعد تنفيذ المسلسل، ومن المنوط به اتخاذ قرار المنع هيئة رقابة أم رئيس الوزراء؟

فى الاجتماع الموسع الذى نظمه المجلس القومى للمرأة وحضره العشرات من الكتاب والفنانين من دون أوراق تحدد مسار المناقشات اللهم إلا العنوان الفضفاض «دور كتاب الدراما فى تغيير صورة المرأة.. كيف يرونها».. بدت الكلمات المتداولة فى «المائدة المستديرة» أقرب لحوار الطرشان كل يبكى على ليلاه، فمع قلة الإنتاج بعد الثورة انطلق من لا يجد عملا، وهذا حقه فى مطالبة الدولة بإنتاج المسلسلات بادعاء تحاشى الابتذال، ومنهم فى رأى أننا نتعرض لمؤامرات تهدف لتدمير أخلاقنا الحميدة، لكن الأخطر ذلك الهجوم الذى يبلغ حد الهجاء، والذى قامت به السفيرة ضد الدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية على نحو يشتت الانتباه بعيدا عن سابقة مصادرة الفيلم من إهالة التراب على كل الأعمال، بعد أن اعتبرت السفيرة نفسها ناقدة وباحثة ومتابعة لهذا القول الفصل، فتقول بلا تردد «نعانى من سوء تناول المرأة المصرية فى الدراما، والصورة فى السينما تعرض المرأة غامقة جدا».. فهل هذا كلام؟


آمال كبيرة.. فى «الخروج للنهار»

كمال رمزي

السبت 10 مايو 2014 - 8:15 ص

هذا الفيلم المتميز، لا ينتمى إلا لمبدعته، هالة لطفى، بأسلوبها الخاص، الذى يسرى فى شرايين العمل كله، من أول لقطة حتى النهاية، فهنا، من الصعب أن تتحدث عن التصوير أو الديكور أو المونتاج أو التمثيل، كوحدات منفصلة، ذلك أنها، جميعا، تنصهر فى بوتقة الفيلم، ليقدم حالة، عامة وخاصة، بتوقيع المخرجة، كاتبة السيناريو، المنتجة.

«الخروج للنهار» يقبل التحدى بقدرته على الالتزام بوحدات الزمان والمكان والأحداث والشخصيات، فضلا عن أجوائه، ذات الطابع الرمادى، لونا وروحا وإضاءة، فيبدو كما لو أنه آهة طويلة، صادقة، نابعة من القلب، فيها من الجلد والصمود، بقد ما فيها من ضيق وعناء.

يستغرق الفيلم دورة شمية واحدة، يبدأ فى الصباح مع فجر اليوم التالى.. فى المشهد الافتتاحى تستيقظ الشابة سعاد، بأداء موهوبة اسمها «دينا ماهر»، مصرية تماما، بعيدة عن المواصفات الشكلية لنجمات يقمن من الفراش بمكياجهن كاملا. إنها، مثل بناتنا، تنهض منكوشة الشعر، متكاسلة فى البداية، تتجه لسرير والدها المريض، الغائب عن الوعى تقريبا. تغير له ملابسه المبتلة، بطريقة توحى أنها تعودت على هذا العمل المتكرر.. تؤديه بلا تذمر ومن دون حماس، تتجه إلى والدتها «حياة»، بأداء طبيعى من «سلمى النجار»، العلاقة بينهما بالغة العمق، قليلة الحوار، فثمة تواصل بينهما لا يحتاج لكلام، يصل لنا، بوضوح، نتفهمه برغم خلوه من الألفاظ.. وعلى طول الفيلم، تتعمد هالة لطفى الابتعاد عن ثرثرة الحوارات التى تثقل كاهل أفلامنا المصرية عموما، وهى ــ لطفى ــ تستعيض بالمؤثرات الصوتية بدلا من الموسيقى المصاحبة، مما كثف الإحساس بواقعية الفيلم، فالأصوات المتصاعدة من الشارع، والضربات على أنابيب البوتاجاز، ونزول المياه من صنبور المطبخ، كلها، أصوات نابضة بالحضور والحياة.

تتحرك البنت، والأم، فى الشقة الصغيرة، بعفوية من عاش حياته كاملة فى المكان. أثاث قديم، متآكل ومهترئ، لا تكاد تغادره كاميرا المصور المتمكن نشأت رمزى، إلا عدة مرات، وللضرورة.

المكان هنا، بمقتنياته يقول الكثير: الثلاجة الخاوية، إلا من أقل القليل، كراكيب المطبخ الضيق، الخانق، الجدران الكالحة التى لم تلمسها فرشة طلاء من زمن.

الأم، بعظام وجهها البارزة، وظهرها المنحنى قليلا، نظرتا المنهكة، تعبر ببلاغة عن مدى إرهاقها، فى العمل ممرضة فى مستشفى صغير، بالإضافة لرعايتها لزوجها الذى لا يقوى على الحركة.. إنها، وابنتها، هما بطلتا الفيلم، وهذا لا يعنى أننا بإزاء «دراما مغلقة»، ولكن العكس هو الصحيح، فثمة عدة شخصيات ثانوية، وربما هامشية، وأحيانا لا نراها، تتمتع بحضور قوى، كل ما فى الأمر أن كاتبة السيناريو، استوعبت فن الاختصار والاختزال، من تشيكوف أدبيا وفضلا عن مبدعى السينما العالمية.. فى مشهد واحد، يطرق باب الشقة ابن اخت «حياة»، شاب مجند، طيب وغلبان، جاء حاملا كيس برتقال. تستقبله سعاد بفتور. يجلس وحيدا، يدرك أن أحلامه فى الارتباط بابنة خالته لن تتحقق يجز على أسنانه ويكتسى وجهه بالتعاسة.. إنه حكاية.

فى الميكروباص، تجلس إلى جانب سعاد فتاة مضطربة نفسيا، فى مثل سنها، لا تعمل ولم تتزوج، تظن أن عفريتا أو «جنا» لبسها، وهى، المحجبة، تنوى الذهاب إلى قس فى حلوان، كى «يفك العمل»، وسواء كانت صادقة أو نصابة، فإنها أيضا «حكاية»، أو جانب آخر لسعاد، أو مرآة مشوهة لها، إن شئت الدقة.

ليلا، أثناء عودة «سعاد»، لا يبقى سواها فى الميكروباص. السائق الملتحى يثير عندها المخاوف، خاصة حين يغير مساره، زاعما أن ثمة كمينا، وأن رخصه مسحوبة.. وما إن تندلع مشادة بينهما تنتهى فورا بإنزالها من العربة، ويبدو السائق حانقا على الدنيا كلها. إنه كذلك.. حكاية.

أما حبيب «سعاد» فإننا لا نراه أبدا، ولن نسمع صوته.. هى فقط تحدثه من محمول غير محمولها، ذلك أنه لا يرد على رقمها، بعبارات قليلة، موجزة، نتأكد أنه يتهرب منها. وبلا ألم أو ضيق، تخطره أن ما بينهما لم يكن قصة حب، وأنها توافق على انتهاء العلاقة بينهما، ذلك أنها تخلو من الوعود.

ميزة «الخروج للنهار» تكمن فى التفاصيل الصغيرة، المتوافرة فى الحياة والتى لم تلتفت لها أفلامنا، فعلى سبيل المثال، انزعاج الابنة من قرح الفراش المتزايدة فى ظهر الأب العليل، والسؤال عن ثمن المرتبة الصحية، ولحظات الإفاقة العابرة للأب أثناء انطلاق صوت أم كلثوم، وبينما تؤدى الابنة واجبها تجاه الأب، تسلك الأم ذات السلوك، بقدر أكبر من الحنو.. الأم، الصامدة، الصامتة، العاملة بلا كلل، لا ترد على ابنتها عندما تسألها عن مدافن الأسرة، فقط تنظر تجاه الشرفة وهى تفك قطع القطن كى «تنجد» المرتبة وكأنها تعلق على السؤال: هل نحن نعيش فى مكان آدمى ولم يبق إلا رفاهية معرفة المثوى الأخير، مخرجتنا الكبيرة، فى أول أفلامها، تنعش آمالنا بأسلوبها الساحر، وتمكنها من تقديم عمل ناعم، تعبر فيه عن واقع قاس، تبتعد فيه تماما عن البكائيات، متكئة على صلابة مصريين منسيين، تقدمهن هالة لطفى، بتوقير ومحبة.. إنه عمل يستحق التقدير الرفيع الذى ناله، فى كل مكان عرض فيه.. ويليق بنا، أن نشاهده أكثر من مرة

الشروق المصرية في

10.05.2014

 
 

«مهرجان القاهرة» ينتظر موافقة صاحب السعفة وصوفيا لورين والأخوان داردين لحضور الفاعليات

كتب ــ إياد إبراهيم 

انهت بعثة ادارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى مهمتها بفعاليات مهرجان «كان» الـ67، والتى تشكلت من رئيس المهرجان سمير فريد ومديره محمد سمير وعصام زكريا رئيس لجنة اختيار الافلام وجوزيف فهيم مسئول العلاقات الدولية والمخرج احمد ماهر مدير قسم الكلاسيكيات العالمية والمسئول عن اختيار برنامج الافلام الكلاسيكية التى ستعرض على هامش فاعليات الدورة القادمة للمهرجان.

يقول احمد ماهر بعد عودته من فعاليات المهرجان: احاول دائما الحفاظ على حضور الثلاثة مهرجانات الكبرى كل عام ــ كان وبرلين وفينيسيا ــ ولكن زيارتى لكان هذا العام كانت مختلفة حيث حضرته كمدير لقسم الكلاسيكيات العالمية لاختيار مجموعة منتقاة من ابرز تلك الافلام لعرضها لجمهور مهرجان القاهرة، وفكرة الكلاسيكية لا تعنى افلاما قديمة بقدر ما تعنى افلاما تشكل محطات راسخة فى تاريخ السينما العالمية، وبالفعل قمت بمجموعة زيارات متعددة لشركات ومعامل ومقابلات مع متخصصين لمعرفة آخر الافلام الهامة التى رممت أو اهم الافلام التى قد يشكل عرضها تجربة مهمة للجمهور المصرى. واضاف ماهر: فضلا عن استغلالى لتلك الزيارات لمعرفة امكانية ارسال بعض الافلام الكلاسيكية المصرية المهمة لترمم فى تلك المعامل فجميعنا نعرف ما الذى تعرضت له افلامنا التراثية من اهمال فلا يوجد منتج واحد فى مصر حافظ على نسخ افلامه إلا يوسف شاهين وشركته افلام مصر العالمية، ولم يرمم اى فيلم مصرى الا فيم المومياء للمخرج شادى عبد السلام عن طريق مؤسسة سكورسيزى.

وقال ماهر: سنعلن خلال اسابيع عن برنامج الكلاسيكيات كاملا، كما ننتظر ردودا من مخرجين كبار قمنا بدعوتهم لحضور فعاليات المهرجان سواء كحضور بافلامهم أو كاعضاء لجنة التحكيم لأن تشكيل لجنة تحكيم مهمة تنعكس بالطبع على سمعة المهرجان ومستوى الافلام التى يستقبلها... إلخ.

وكشف ماهر عن مفاوضات مع بعض المخرجين وقال: ننتظر ردا من المخرج التركى نور بيلج سيلان الحاصل على السعفة هذا العام بفيلم نوم الشتاء ولكنه رحب ترحيبا مبدئيا وايضا قمنا بدعوة المخرجين البلجيكيين الأخوين داردين بالاضافة لدعوة المخرج الكندى اتوم اوجوايان الذى وافق على حضور الدورة بعد القادمة فى 2015

كما كشف ماهر عن محاولات يقوم بها الآن لدعوة صوفيا لورين لفعاليات الدورة القادمة ولكن حتى الآن لم تحسم صوفيا امرها من القدوم.

الشروق المصرية في

29.05.2014

 
 

«ألف مرّة تُصبحُون على خير».. الصور خلاصي

زياد الخزاعي (لندن) 

في مشهد ضميري النزعة، لم تخف الفرنسية جولييت بينوش لوعتها، في كلام على فيلمها الجديد «ألف مرّة تُصبِحُون على خير» للنرويجي إريك بوبَ. حاولت الرد على سؤال مخاتل طرحه عليها جون سنو، مذيع نشرة أخبار القناة الرابعة البريطانية، الذي سعى إلى كشف موقفها من خيار بطلة الشريط ريبيكا: «أين يهفو قلبك: البقاء في البيت مع العائلة، أو الإصرار على التقاط الصوَر الصحافية للحروب؟ أيّ موقع تختارين أنت؟». ردّت دامعةً: «هذا سؤال عصيّ. لا رّد عندي. أعندك جواب؟ الأمر صعب. تسعى إلى تغيير العالم، ولديك عائلة». أشارت إلى أن صحافيين لا يزالون معتقلين في مصر، وذكّرت بموقف تضامني سابق لها، بتوقيعها عريضة تناشد إطلاق سراح الصحافية الأميركية جيل كارول إثر اختطافها في العراق (2006).

يفتتح بوب نصّه المفعم بالأسى على المُصوّرة الميدانية وسط ظلمة وضجة طريق وعرة، قبل أن نفاجأ بطلّتها وهي محجبة. مهمتها توثيق شعائر نسوة أفغانيات يزنّرن شابة بحزام ناسف، تفجّره وسط مدنيين عند اكتشافه من قبل جنود. تكون البطلة ضحيته، لكن القنبلة الحقيقية تنتظرها عند عودتها إلى منزلها في إيرلندا، بعد أن تلقّت علاجاً في دبي. يوجّه الزوج وابنتاهما «عناد عملها ولوثات صوره» نحو بوصلة الأسرة ومأمنها وسلامتها الشخصية. تُرى، هل يتخلّى المرء عن ولع يقع في قلب إيمانه؟ تهتف البطلة بحسم في وجه الضغوط: «أنا ألتقط الصوَر التي أراها»، ليتحوّل قولها إلى حكمة فيلم استمد نورانيته الإيديولوجية من المهنة الصلبة للمخرج، الذي عمل مُصوّراً صحافياً ميدانياً لوكالة «رويترز» في الثمانينيات الماضية. خاض رعب حروب بيروت والعراق ـ إيران وكمبوديا وموزامبيق وأنغولا وأميركا الوسطى، موثّقاً فظائع ومجانية موت وجرائم سفلة سياسة ومصالح وسفك دماء. وكما أذعن بوب لصوت البيت وألفته، تقرّر ريبيكا (بينوش) استئصال لوعتها المهنية، لتنغمر بدور الأم والزوجة التي أفلتت من موت محقّق، تلاحقها خيبة إخفاقها وشللها في إنقاذ غرباء، على أن يعيد الفيلم الواقعة لاحقاً من زاوية أكثر وحشية.

يضع الفيلم فطنته حول الابنة ستيفاني (لورين كاني) كقرين للأم. هي بذرة تحمل استمرارية وعي إنساني متفتح على همّ شعوب تعاني ويلاتها. لئن صُوّرت البطلة وهي مسلّحة ببصيرتها وشجاعة لا تفلّ، تحوّلت عبرهما الى ايقونة صحافية، فإن شهاداتها الصاعقة تصيب كينونة الابنة، وتحرّض فيها الدفاع عن بقعة مكلومة أخرى لها ضحاياها المدنيين الفقراء. هذه المرّة في أفريقيا. بين واجب أخلاقي للحفاظ على وعدها، وعناد شبابي من ذرّية تسعى إلى دعم مشروعها المدرسيّ، تجد ريبيكا حالها وسط حرب مكرورة عند حدود كينيا وجنوب السودان.

إنه مصير مستعاد لسيدة مؤمنة بأن «الصور خلاصي»، كما تعترف لليافعة، مضيفة: «ستف، أنتِ تمدينني بالأمل». بيد أن هذا الأخير لن يدوم. فعقدة اكتشاف الزوج ماركوس (نيكولاي كوستر ـ فالدو) لفعل الأم وأنانيتها في التخلّي عن فلذة كبدها وسط الرصاص وصدف الموت من أجل حفنة صُوَر، تدفع الجميع نحو قطيعة نهائية. تُجبر ريبيكا على الخروج من حصانة أهلها، قبل أن تذعن ثانية لرحلة أفغانية جديدة، تشهد خلالها شعائر تفخيخ فتاة غِرّة بحزام ناسف، وتحويلها إلى غنيمة مهمة آثمة. وأمام هول الجريمة وقبحها، تتيبّس أصابعها، وتظلم عدسة كاميرتها. أي حقّ سيكون لوثيقتها حين تُبصر، باعتبارها أماً، وداع صبية لأهلها وهي ساعية نحو حتف غير منصف، قرّره قتلة متخفّون. ينقطع مُرَاد ريبيكا نهائيا، لأن حروبها آخذة في الاتساع، والإنسانية وطَوِيّتها تموتان في كل ليلة دهماء تمرّ على كوكبنا العاثر. هنا، تكون مكاشفة الممثلة الفرنسية للمذيع البريطاني بمثابة حسم إيمان جماعي بقوّة الصنعة الصحافية لبطلتها: «أُؤمن بأن الفن قادر على تغيير العالم، لو غيّرنا ضمائرنا قليلاً».

السفير اللبنانية في

29.05.2014

 
 

Youtube«سينما درويشة» في زمن الحرب

علي وجيه 

لم تغب التجارب السينمائية السورية الشابة عن يوتيوب طوال الأعوام الفائتة. آثار الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات وتوافر الكاميرات الصغيرة وانتشار الإنترنت، كلّها عوامل حرّضت كثيراً من الشباب على التعبير عن أنفسهم وتقديم ما لديهم سينمائياً. هكذا، تحوّل موقع تحميل وتبادل مقاطع الفيديو الشهير إلى منصّة لعرض شتى الإنتاجات والتجارب.

ضمن هذا السياق، يأتي «مشروع سينما درويشة» الذي انطلق العام الفائت، وقدّم حتى الآن فيلمين قصيرين (متوافران على موقعنا) هما «حب على عجل» لقتيبة الخوص (2013 ــ 8 دقائق)، وReview لعمّار عبيد (2014 ــ 3 دقائق)، ويستعد لطرح الفيلم الثالث بعنوان «عنهم» لقتيبة الخوص أيضاً. الكلمة العاميّة «درويشة»، تحيل مباشرةً إلى إمكانات متواضعة وإنتاج فقير يتحرّك ضمن الممكن والمتاح. في حديثه لـ«الأخبار»، يقول الخوص: «نحن شباب محبّ للسينما، قرّرنا أن نستثمر بعضنا لنعبّر عن أنفسنا في ظل واقع من التهميش وقلّة الفرص. ربّما تكون إمكاناتنا متواضعة ولكن أفكارنا ليست كذلك». هكذا، يفتتح الخوص فيلمه «حب على عجل» بالتنويه إلى أنّ «رداءة الصوت، وشذوذ الألوان، وتفاوت الدقة، وانخفاضها مشاكل تقنيّة مقصودة ومبالغ بسوئها عمداً». وقد أكد لنا أنّ «السينما فن قبل أن تكون تقنيّات مكلفة، لذلك حوّلنا نقطة ضعفنا إلى سلاح فني للاشتغال على حالات إنسانيّة وإيصالها من خلال الأداء والصوت والانفعالات».

أفلام يعكس بعضها تبعات الأزمة السورية على يوميات الشباب

في هذا الشريط، يجري إيهام ممثّلات (جفرا يونس وفرح الدبيات وتوليب حمودة ورنيم بكداش) بأنهنّ جالسات أمام الكاميرا مع قفص يضمّ حمامة من أجل فيلم وثائقي، قبل أن يعترف لهنّ الشبّان المشاركون (كفاح الخوص وعلي ياغي وعمر دياب وقتيبة الخوص) بالحب بشكل مباشر وواضح. اعتراف صادم لا يحتمل المواربة أو التأجيل لأنّ الموت قريب ومحتمل، والنزوح أو الهجرة كذلك. خدعة سينمائية فيها شيء من «شيرين» (2008) لعباس كياروستامي الذي رصد انفعالات جمهور من الممثلات على مسرحية شهيرة تُعرَض أمامهن طوال ساعة ونصف.

في Review، نرى شاباً (نادر عبد الحي) يستحضر صديقه الراحل (مجد السعدي) عند سيّارته المحترقة. الواضح من الحالة والمكان أنّ الحرب سبب المأساة من دون الدخول في المتاهات السياسيّة، وهو توجّه «مشروع سينما درويشة». مشروع أوضح قتيبة الخوص أنّه «مستمر من دون تعقيد أو خطط كبيرة. ما نطلبه هو الدعم المعنوي أكثر من المادي».
تجربة هؤلاء الفنانين، تطرح أسئلة عن معاناة صنّاع الأفلام القصيرة في سوريا. يشكو معظم العاملين في هذا المجال من ضعف الإمكانات وقلّة فرص التمويل وغياب تعليم أكاديمي للسينما حتى الآن. علماً بأنّ هناك كليّة خاصّة يتوقّع افتتاحها قريباً. وبين العوائق، هناك صعوبة الحصول على إذن تصوير من الجهات الرسمية والأمنية.

الأخبار اللبنانية في

29.05.2014

 
 

مخالب الأبوة المتوحشة في كردستان إيران؟

عدنان حسين أحمد 

لا يمكن لأي فيلم وثائقي أن ينجح من دون بناء رصين لقصته السينمائية خصوصاً إذا كان المخرج هو كاتب السيناريو نفسه، وهو الذي بحث في مادة الموضوع التي سبق له وأن التقط بعضها على شكل ومضات متوهجة تنطوي على دلالات تعبيرية قوية تُسفر في نهاية المطاف عن الرؤية الفنية لمخرج الفيلم وصانعه. وفيلم "ملعقة" للمخرج الكردي الإيراني جلال ويسي هو من هذا النوع الذي يتوفر على قصة سينمائية محكمة تعززها رؤية إخراجية عميقة تحاول أن تستنطق الواقع وتقرأه قراءة صريحة حتى وإن انطوت هذه القراءة على بعض التجريح أو الانتقاد الحاد للعادات السيئة والتقاليد الاجتماعية البالية التي تفرّق بين الذكر والأنثى على أساس الجنس، كما تقمع الاثنين معاً وتعاقبهما عقاباً صارماً فيه انتهاك واضح للطفولة وحقوق الإنسان، هذا إضافة إلى التداعيات النفسية الخطيرة التي تنجم عن هذا النوع العقوبات الوحشية القاسية المتمثلة بكيّ أيدي وأرجل وبطون الأطفال ومؤخراتهم وأعضائهم الجنسية في حال ارتكابهم بعض الأخطاء البسيطة العابرة التي يمكن أن تعالج بالتوبيخ والتقريع أو الحرمان من بعض الأشياء التي يحبونها.

قوة الاستهلال

يبدأ المخرج ويسي فيلمه بجملة مكتوبة على الشاشة تشرح معنى المِلعقة بأنها أداة تستعمل لتناول الطعام لكنها في هذا الفيلم أصبحت أداة للتعذيب، وتشويه الأعضاء البشرية، وبالذات الحسّاسة منها. ويرجع سبب هذه العقوبة القاسية إلى سلوك الأطفال من كلا الجنسين. فبعض الأطفال يمتلكون طاقة جسدية كبيرة ولابد من تفريغها باللعب واللهو والرياضة، وإذا لم تتوفر هذه المعطيات الثلاثة وأخرى غيرها فإن الطفل يلجأ غالباً إلى تفريغ هذه الطاقة الهائلة عن طريق العنف بأشكاله المتعددة التي تصل غالباً إلى الشجار والعراك البدني والضرب المبرِّح في حالات كثيرة. لا يقتصر الأمر على تفريغ الطاقة البدنية فبعض الأطفال المراهقين يجدون لذة في معاكسة الفتيات أو التحرّش بهن من خلال إطلاق بعض الكلمات والعبارات التي تُعتبر نابية في المجتمعات الشرقية أو الإسلامية كما هو الحال في مدينة كامارباندي التي تقع في إقليم كردستان الإيراني حيث قام بضعة مراهقين بالتحرش ببعض الفتيات وملامستهن أو مجرد الغمز لهن بأعينهم فكانت النتائج كارثية في واقع الحال حيث عُوقب بعضهم بالكيّ أو الحرق بالملاعق الساخنة المُحمرة أو بالسفافيد الحارة جداً على مواضع مختلفة من أجسادهم إذ لا يجد الآباء ضيراً في كيّ أيادي أو أرجل أطفالهم، وإذا كان الخطأ الذي ارتكبه الطفل أخلاقياً فيمكن أن يُلذع عضوه التناسلي بمعلقة محميّة أو يُحرق بعود ثُقاب.
لقد بنى المخرج جلال ويسي فيلمه الوثائقي المؤثر على فكرة العقوبة وكيفية تنفيذها من قِبل الآباء والأمهات وعرضَ لنا أربعة عشر طفلاً من البنين والبنات تعرّض غالبيتهم للعقوبات باستثناء طفلتين وهذه نسبة كبيرة تحتاج إلى دراسة عميقة لملامسة الأسباب التي تدعو الآباء والأمهات لمعاقبة أبنائهم بهذه الطريقة الوحشية التي لا يقرّها الإسلام ولا ترتضيها منظومة القيم الأرضية التي يتعامل بها الناس في كوكبنا الأرضي.

العقوبات الحديثة

شرعَ المخرج وكاتب السيناريو ويسي ببناء قصته السينمائية على النداء الذي بلغنا من مئذنة الجامع الذي يدعو فيه أبناء وبنات محلة كامارباندي الذين تتراوح أعمارهم بين (5-15) سنة للحضور إلى الجامع بهدف التشاور في موضوع العقوبات البدنية وفحص الآثار التي خلّفتها على أيادي الأطفال وأرجلهم ومؤخراتهم ووجوههم وأعضائهم التناسلية.

كما شاهدنا عدداً من الأطفال الذين يعترفون أمام عدسة الكاميرا بأنهم قد تعرضوا إلى العقوبات البدنية التي وصفها أحدهم بأنها تقليدية وتتمثل بالصفع واللكم والركل وما إلى ذلك. ويبدو أن الفكرة الأولى لبناء هذا الفيلم قد انبثقت من عبارة "العقوبات التقليدية" التي حرّضت المخرج على السؤال عن العقوبات غير التقليدية أو الحديثة التي لم نسمع بها من قبل.

حينما سأل المخرج هذا الطفل المراهق عن طبيعة العقوبات الحديثة أجاب بأنها تتمثل بحرمان الطفل من الكومبيوتر أو قطع الإنترنيت عنه وما إلى ذلك. وعلى الرغم من قبولنا بفكرة العقوبات المعنوية وحرمانه من بعض الأشياء التي يحبذها الطفل أو المراهق إلاّ أن هذا الحرمان يجب ألا يؤثر على دراسته وثقافته التي يمكن أن يستمدها من هذا الحاسوب أو غيره من الأجهزة الإليكترونية الحديثة.

أدوات الكيّ

تبيّن من خلال استجواب الأطفال أنهم تعرضوا إلى الكيّ أو الحرق أو اللذع بملاعق حارة جداً أو بالسفافيد المعدنية الساخنة أو بالسكاكين المُحمرّة أو بأعقاب السجائر، أو باستعمال أعواد الثُقاب مباشرة. أما سبب تلّقي مثل هذه العقوبات القاسية فهي تحرش المراهقين بالفتيات غمزاً أو ملامسة أو كلاماً، وقد تكون بسبب عدم القيام بالواجبات المدرسية أو أن الطفل نفسه غير مطيع وينطوي سلوكه على بعض الوقاحة والعناد. إحدى الفتيات الصغار تم حرق ظاهر يدها لأن كتبت على الجدار، والأخرى لأنها خرجت مع ابن جارهم من دون علم والدتها وحينما اكتشفت هذه الأخيرة الأمر كوت يدها بملعقة حارة وسوف يبقى هذا التشوّه ماثلاً على ظاهر يدها مدى الحياة. تُرى، ألم تجد هذه الأم طريقة أخرى لمعاقبة ابنتها غير الكيّ بالنار؟ ألا يكفي أن تضرب هذه الأم الغاضبة ابنتها على مؤخرتها بضع ضربات خفيفة علماً بأن كل أشكال الضرب ممنوع في البلدان المتحضرة وأن القانون يحاسب على هذه المخالفة القانونية؟ لا شك في أن بعض الآراء التي سمعناها من أناس هذه المدينة الإيرانية الكردية غريبة جداً حيث يعتقد رجل كبير أن الكي هو طريقة عقابية جيدة للأطفال غير المؤدبين كي لا يرتكبوا مثل هذه الأخطاء ثانية وحينما سئل عن مواضع الكي قال على أردافهم وأيديهم وأرجلهم، فيما أضاف شخص آخر بأن هذه الحروق يمكن أن تكون على وجوه الأطفال وعلى أعضائهم "السريّة"!

هل تعيش في هذا الحي؟

يبدو أن المخرج ويسي قد أراد من سؤاله الثالث التركيز على طبيعة الأحياء السكنية التي يقيم فيها هؤلاء الأطفال فهو يعتقد أن هذه العقوبات القاسية قد تكون مقترنة بالأحياء الفقيرة المحرومة فقط، وربما لا تجد طريقها إلى الأحياء الثرية التي يقطنها ميسورو الحال. كما لفت الانتباه إلى أن غالبية المراهقين يتمتعون بنفَس عدواني واضح فقد ضرب أحدهم الكاميرا التي يحملها المصور في حين لم يرد الثاني على سؤال المخرج له إن كان يسكن في هذا الحي أم في مكان آخر؟ فأجابه: هذا ليس من شأنك! غير أن إصرار المخرج هو الذي سهّل عليه في نهاية المطاف أن يروِّض هذين المراهقين اللذين سيلعبان دوراً أسياسياً في إضاءة فكرة الفيلم الرئيسة وهما أوميد سلطانيان (14 سنة) الذي ينطوي على شخصية عدوانية، وقد تعرّض للكي على عضوه التناسلي، وأحمد مرادي (13 سنة) الذي تعرّض هو الآخر للكيّ على عضوه التناسلي لأنهما غمزا لهذه الفتاة أو تحرشا ببعض الفتيات العابرات كما جاء في اجابتهما على متن السؤال الرابع.

الإحساس بالتعاسة

قد يبدو السؤال الخامس خيالياً بعض الشيئ ولم يتوقعه بعض شخصيات الفيلم لأنه جاء على وفق الصيغة الآتية: "كيف تشعر إذا أفقتَ ذات صباح ووجدتَ نفسك فتاة"؟ الشاب سيوان أعرب عن مشاعره السيئة إن هو تحول إلى فتاة لأنه ببساطة يكره أن يكون كذلك. أما أوميد سلطانيان فقد حسم الأمر بقتل نفسه لأنه يكره الفتيات. فيما ذهب أحمد مرادي صوب الانتحار لأنه يعتقد أن الفتيات هنّ سبب تعاسته ولولاهنّ لما حُرق عضوه التناسلي بسفّود ساخن جدا. ثمة أغنية ينداح صوت مطربها من مذياع في مقهى حيث يقول بما معناه: "أيتها الحسناء، لو أنني أعرف بأنني سأُفتتن بك إلى هذه الدرجة لما وقعت في شِراك حبك"، بينما يدخن المراهقون الأركيلة في إشارة إلى معاناتهم العاطفية وتعلّق البعض منهم بفتيات المدينة التي يعيشون فيها.

أمنيات مستحيلة

ثمة إشكالية لامسها المخرج ويسي لكنه لم يتعمّق بها مثلما لم يتعمّق بثنائية الفقر والثراء التي كانت تحتاج إلى سبر أعمق للأغوار. فنتيجة للقمع الأكبر الذي تتعرض له الفتاة أو المرأة عموماً فقد تمنى بعض الفتيات أن يكنّ صبياناً وحينما استفسر المخرج عن السبب ردت عليه قائلة: "لأن الولد أكثر حرية من الفتاة ويستطيع أن يخرج من المنزل من دون أن يتعرّض إلى عقوبة الكيّ أو الحرق" بينما تواجه الفتاة مثل هذه العقوية المخيفة إن هي خرجت لوحدها ومن دون علم أمها في الأقل.

أمنية أوميد سلطانيان بدت غريبة بعض الشيئ لكنها تتلاءم مع شخصيته الغريبة حيث قال بأنه "يتمنى أن يكون قوياً ومشهوراً مثل الرئيسين صدّام حسين أو جورج بوش كي يستطيع أن يقمع الجميع!" وهنا تكمن خطورة هذه الأمنية التي يراها ممتعة. كان على المخرج أن يتعمّق في استغوار هذا المراهق المقموع والمُستلب من قِبل عائلته، لأنه يجد متعته الوحيدة في اضطهاد الناس وقمعهم ومصادرة حرياتهم الشخصية والعامة، وهذا يؤكد نظرية الضحية التي تتخلق بأخلاق الجلاد وتقلّده في وعيه الباطن والظاهر على حد سواء.

أما السؤال السابع والأخير الذي طوى به المخرج المبدع الصفحة الأخيرة من فيلمه الوثائقي المهم "ملعقة" فقد جاء بالصيغة الآتية: "كم تحبُ أمك؟" وهي التي تحرق أبناءها بالنار وتكوي أعضائهم التناسلية بالملاعق الساخنة فقد كان الجواب المؤثر والبليغ والذي ينطوي على قدرٍ كبير من الحميمية العالية بأنه "يُحبها كما يحبُ عينه!".

ختاماً لابد من الإشارة إلى أن هذه العقوبات المروعة التي تنتهك حقوق الأطفال والمراهقين من كلا الجنسين رائجة ليس فقط كردستان إيران وإنما في الأقاليم الكردية الأخرى في سوريا والعراق وتركيا ويجب على الحكومات في هذه الدول الأربع أن تسنّ القوانين التي تحمي الأطفال من وحشية آبائهم، وتنقذهم من بعض القيم والمفاهيم البالية التي أكل الدهر عليها وشرب. ففي الوقت الذي تضع فيه أوروبا الطفولة في مقدمة اهتماماتها بينما نمعن نحن الشرقيين في كيّ أطفالنا بالملاعق المُحمرّة، ونلذع أعضاءهم التناسلية بالسفافيد الساخنة ثم ندّعي بوقاحة أننا من أرحم الشعوب الموجودة على سطح الكرة الأرضية!

جدير ذكره أن هذا الفيلم قد عُرض ضمن برنامج الأفلام الوثائقية في الدورة الثامنة لمهرجان لندن للفيلم الكردي وقد حظي باهتمام النقاد والمشاهدين على حد سواء.

الجزيرة الوثائقية في

29.05.2014

 
 

صناع الفن يشاركون فى السياسة بالحملات والأغانى والأفلام

كتب ـ محمد سعيد هاشم

حرص عدد من الفنانين على المشاركة فى الحياة السياسية بأشكال متنوعة فلم يكتف الفنانون بالمشاركة بأصواتهم فقط فى الانتخابات وحرصهم الشديد على تواجدهم رغم انشغال أغلبهم فى تصوير مسلسلات رمضان المقبل، وعلى الرغم من ذلك قام الكثيرون بأدوار متنوعة لنجاح العملية الانتخابية واكمال خارطة الطريق التى وضعها المصريون لمستقبلهم.

وأدوار الفنانين تنوعت فمنهم من قام بعمل أغانى وطنية للترويج للانتخابات ومنهم الفنان مصطفى كامل الذى طرح أغنية بعنوان «ربنا وياك» وشارك فى الغناء كل من الفنان محمد فؤاد وإيهاب توفيق يدعمون بها المشير عبدالفتاح السيسى، كما طرح الفنان أحمد جمال أغنية جديدة لمصر بعنوان «هنحب مين غيرها» وأكد جمال أن قدم هذه الأغنية لجميع المصريين وليست لصالح مرشح بعينه لأننا لن نحب أحدًا مثل مصر أم الدنيا وحبنا لبلدنا أكبر من كل شىء.

وقدم الفنان هانى شاكر أغنية «أدها وأدود» يدعم بها المرشح عبدالفتاح السيسى وأكد شاكر أن فى مثل هذه المواقف الفارقة فى عمر الوطن يجب أن يكون الفنان من أوائل المشاركين فى أعمال لحث الشعب على مدى الخطر الذى وصلنا إليه وأيضًا دعمنا لمن يصلح لمصر، كما قدمت المطربة آمال ماهر أغنية بعنوان «طوبة فوق طوبة» لتدعم الانتخابات الرئاسية وقالت آمال أنه ليس العمل الغنائى الوحيد التى قدمته لمصر ولكن سوف أقدم أعمال غنائية أخرى حين أشعر من أن بلدنا فى خطر ويجب أن نقف جميعًا على قلب رجل واحد حتى نعبر هذه الأزمة التى تمر بها مصر، وكانت الأغنية الأكثر شعبية والتى وضعت المصريين فى حالة من البهجة هى أغنية «بشرة خير» التى قدمها الفنان حسين الجسمى للمصريين ليشاركوا فى الانتخابات.

وأظهرت الأغنية صورًا حقيقية للمصريين يعبرون فيها عن مشاعرهم بعفوية وتلقائية شديدة مما جعلها الأنجح على الإطلاق، الأمر الذى جعل الآلاف من المصريين يطالبون بحصول الفنان حسين الجسمى على الجنسية المصرية بسبب تقديره وحبه لشعب مصر.

ومن جانبه أكد الجسمى أن الغناء لمصر واجب قومى، كما كان للفنانين أدوار مختلفة ومنهم من ذهب إلى الخارج لتوضيح ما يحدث فى مصر وإكمال خارطة الطريق مثل الفنان عزت العلايلى الذى كان من ضمن الوفد الشعبى المصرى الذى زار روسيا لعودة العلاقات المصرية الروسية، وأيضًا سفر عدد من الفنانين لإقامة مؤتمر شعبى لشرح ما يحدث فى مصر للمفوضين الأوروبيين ببروكسيل والوفد ضم كلاً من يسرا وحسين فهمى ومحمود قابيل لتوضيح صورة مصر أمام العالم وأن 30 يونيو ثورة المصريين على الإخوان، وهناك فنانون شاركوا بعمل أفلام تسجيلية قصيرة لصالح مرشح بعينه مثل الفنان كريم عبدالعزيز الذى قدم.. فيلمًا إعلانيًا قصيرا بعنوان «القرار» يلقى به الضوء على أهمية ثورة 30 يونيو ويدعم به عبدالفتاح السيسى ولكن المخرجة ساندرا نشأت كانت لها رؤية ثانية وهى ألا تقدم أى عمل تدعم به مرشحا رئاسياً ولكن هى قدمت فيلمًا تسجيليًا بعنوان «بحلم» وهى رسالة المصريين من جميع محافظات مصر للرئيس المقبل الشعب بيحلم بأيه.

كما لم يقتصر دور الفنانين على ذلك ولكن هناك من شارك فى الحملات الانتخابية للرئاسة مثل الفنانة راندا البحيرى التى شاركت فى حملة المرشح حمدين صباحى وكان لها دور كبير فى حملته وأيضًا الفنان خالد يوسف الذى كان من ضمن حملة المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، كما قدم الفنان شريف منير حملة إعلانية بعنوان «انزل وشارك» ليحث المصريين على ضرورة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية.

روز اليوسف اليومية في

29.05.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)