كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ضرورة الفن ومغزى الموت

أمير العمري

 

أتاح مهرجان أسطنبول لهواة السينما وكذلك للنقاد المهتمين بتطور الفن السابع فرصة ذهبية لمشاهدة عدد كبير من الأفلام الوثائقية الجديدة. من هذه الأفلام الفيلم الأمريكي "أغوي ثم أهمل" Seduced and Abandoned 

من أهم العوامل التي تجعل الفيلم عملا كبيرا متميزا يصل للجمهور في العالم كله، ما يسمى بالعامل الكوني- إذا جاز التعبير- أي حسب التعبير الإنجليزي universal level  أي ذلك النفس البعيد الذي يجعل الفيلم- سواء كان روائيا أم وثائقيا- ينجح في لمس مشاعر الجمهور في بلدان العالم المختلفة مهما كان موضوع الفيلم مغرقا في "المحلية" أو يتناول موضوعا يبدو للوهلة الأولى، ضيقا، محدودا. إن هذا العامل هو ما يجعل أفلاما كثيرة تعمقت في مواضيع محلية، تصل للعالم كله وتصبح بهذا المعنى "عالمية". إنه أمر شبيه بروايات ماركيز وموسيقى شوستاكوفيتش ولوحات رينوار ومسرحيات شكسبير.

وفيلمنا هذا من تلك الأفلام، فهو ليس فيلما وثائقيا تقليديا يركز على المعلومات وتحليل المواقف المختلفة التي تدور حول قضية محددة ذات صلة بالواقع، بل هو بحث يتخذ شكل الرحلة، رحلة التنقيب التفتيش داخل العقول، عن معنى الفن، عما يدفع الفنان دائما للبحث عن الصعب، عن الرغبة في التحقق من خلال الإبداع، والمعوقات العملية المعقدة التي تقف في سبيله، وذلك من خلال موضوع يدور حول البحث المضني من جانب مخرج معروف هو الأمريكي جيمس توباك James Tobac عن منتج يقبل تمويل مشروع فيلمه الروائي الطموح الذي يرغب في تحقيقه مع الممثل أليك بولدوين Alec Baldwin .

يهبط الرجلان على مهرجان كان السينمائي عام 2012، للبحث عن ممول يقبل تمويل فيلم ينسج على غرار الفيلم الشهير "التانجو الأخير في باريس"، فيلم تدور أحداثه في العراق فيما بعد نهاية الحرب الأخيرة التي أسقطت نظام صدام حسين، ويحمل عنوان "التانجو الأخير في تكريت" على أن يقوم الممثل أليك بولدوين بالدور الذي قام به مارلون براندو، وتقوم الممثلة نيف كامبل بالدور الذي قامت به ماريا شنايدر. ورغم الجرأة المفترضة في الفيلم الجديد إلا أنه سيكون من الأفلام الفنية التي لا تسعى وراء الربح بأي طريقة بل سيعبر عن موقف فكري من الحرب ومن الحياة والموت ومغزى أن تكون النهاية في العراق.

هذه الفكرة تظل مجرد فكرة في رأس المخرج وبطله، فهي لم تتحول بعد إلى سيناريو، والبحث عن منتج يقبل تمويل فيلم كهذا يفضي إلى التوقف أمام علاقة الفن بالمال، وتأثير المال على السينما، وعلاقة مهرجان كان السينمائي برجال المال في هوليوود، وتأثير المهرجان على التسويق والتمويل ودوره في عقد الصفقات الكبيرة.. كل هذه الأفكار يتم تناولها من خلال البحث المضني للرجلين عن ممول لفيلمهما وخلال ذلك البحث يقابلان الكثير من الشخصيات الشهيرة في عالم هوليوود والسينما العالمية التي كانت حاضرة في المهرجان الشهير.

هناك نوع من "المعابثة" أو السخرية الواضحة في طريقة تناول الموضوع، لكن هذه السخرية تخفي إحساسا عميقا بخيبة الأمل فيما آل إليه الفن السينمائي، بعد أن تحول الفيلم إلى سلعة، وظلت قضية التمويل الشغل الشاغل لأي فنان حقيقي. وتأكيدا على هذه الفكرة يبدأ الفيلم بالمقولة التي سبق أن رددها السينمائي الكبير الراحل أورسون ويلز الذي قال إن الفنان ينفق 95 من وقته وجهده في البحث عن المال، و5 في المائة فقط في إنجاز فيلمه!

البحث عن المال

التلويح بفيلم صريح في مشاهده على غرار "التانجو الأخير"- الذي يصفه توباك بأنه "مغامرة رومانسية سياسية"- لا يبدو أنها تنجح في إقناع أي من رجال صناعة السينما الذين يلتقي بهم المخرج والممثل، باستثمار 15 مليون دولار في المشروع. وعند كل لقاء مع منتج سينمائي من كبار هوليوود ينتهي الأمر إلى القول بأن فيلما كهذا ليس من الممكن أن تزيد ميزانيته عن 4 إلى 5 ملايين دولار فقط، مع التهرب بالطبع من أي التزام محدد. والذريعة أن الممثل أليك بولدوين خرج منذ فترة، من السينما وأصبح يعمل أساسا، في مسلسلات التليفزيون الشعبية، كما أن إسم الممثلة التي ستقف أمامه "ليس تجاريا بقدر كاف"، والموضوع نفسه لم يعد جاذبا للاهتمام، فعمل تنويعة جديدة على "التانجو الأخير" لم تعد تلقى الجاذبية التي كانت تمتلكها في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.

لا يكف الرجلان عن البحث، عن المغامرة بطرح أسئلة صعبة على الكثير من المشاهير، من الممثلين والمخرجين والممثلات والمنتجين. إنهما يلتقيان برومان بولانسكي الذي يتذكر علاقته بمهرجان كان كيف بدأت، وكيف تطورت وتأثير المهرجان على نجاحه ويستعيد تجربته الأمريكية الأولى في "طفل روزماري" عام 1968، وبرناردو برتولوتشي الذي يتحدث عن علاقته بالاخراج وكيف أنه كان يتصور بعد أن أصبح كسيحا لا يتحرك سوى بمقعد متحرك، أنه خرج نهائيا من عالم الاخراج السينمائي غير أنه عاد وصنع فيلما جديدا (كان يعرضه في مهرجان كان في تلك السنة)، ويتحدث فرنسيس فورد كوبولا عن علاقته بفيلمه الأشهر "الأب الروحي" الذي رفعه إلى مصاف الكبار فجأة في هوليوود بعد أن كان مغمورا، ويتوقف الممثل الذي أصبح نجما أخيرا- ريان كوسلنج- أمام معاناة الممثل المبتديء خلال الاختبارات التي يمر بها سعيا وراء الحصول على دور في أحد الأفلام قبل أن يصبح مشهورا، وترحب الممثلة الألمانية ديان كروجر بحذر شديد بفكرة الفيلم المطروحة لكنها تطالب بتعديلها.

مهرجان كان

ومن البحث عن التمويل المستحيل من خلال فكرة شبه مستحيلة، يتجه الفيلم إلى البحث في مهرجان كان نفسه، كيف يملك كل هذا التأثير على النجوم، وكيف يتعامل مع هذا الزخم عاما وراء عام من خلال مقابلة خاصة مع تيري فريمو، المدير الفني للمهرجان، كما يبحث في دور المال في السينما، وتأثيره على الفن نفسه، والعلاقة بين الفنان ورغبته في التعبير عما يرغب، وبين مبدأ "الربح" الذي يشغل بال المنتج.

لقاءات وحوارات مكثفة مقطعة على مسار الفيلم، واستخدام جيد للايقاع السريع، الذي يتناسب مع إيقاع مهرجان دولي كبير بحجم مهرجان كان، وأسلوب إخراج يستخدم تقسيم الشاشة الى أربعة أقسام أو قسمين، نشاهد ما يجري فيها في وقت واحد، وموسيقى جذابة تغلف الفيلم كله.

يقول مارتن سكورسيزي إنه يتعين على المخرج أن يقاتل بشراسة لكي يحصل على ما يريده. ويلخص الممثل أليك بولدوين في الفيلم الأمر بأسره عندما يقول إن الفيلم مثل الغواية، يغويك ثم يتخلى عنك، بسبب المال.

ومن المال إلى الجانب الأهم الذي يهتم به المخرج جيمس توباك في كل أفلامه: الموت. إنه يجد علاقة ما بين الفيلم والموت، بين السينما والمال والجنس والموت. هنا ينتقل الفيلم من خصوصية عالم السينما: هوليوود، السطح اللامع للأشياء، إلى ما تحت هذا البريق والشهرة والأضواء.. إلى محدودية الجسد الإنساني ونهايته المحتمة. إنه يتوقف بالكاميرا أمام الكثير من الشخصيات الشهيرة ليطرح هذا السؤال: هل سبق ان فكرت في الموت؟ وهل انت مستعد له؟

هذا السؤال غير المتوقع، المربك، ينقل الفيلم نقلة فلسفية نحو البحث عن معنى لما نفعله، عن علاقة الفنان بالعالم، بعالمه، بمصيره المرتقب، ما هي فكرته عن الموت، وما مدى تقبله للفكرة من عدمه!

هذا فيلم ممتع في سياق فني خلاب، مع موسيقى السيمفونية الخامسة لشوستاكوفيتش تغلف معظم مشاهده وتمنحها قدرة على الاستمرارية والخلود.

إننا نرى تلك الشخصيات الشهيرة التي شغلت الدنيا بأفلامها مثل بولانسكي وبرتولوتشي وكوبولا وسكورسيزي، بعد أن أصبحوا رجالا طاعنين في السن حاليا. لقد حققوا الكثير مما كانوا يصبون إلى تحقيقه، ولكن ماذا كان الثمن، وهل يشعرون بالاكتفاء، وماذا أعدوا وبما استعدوا للنهاية.. نهاية الفيلم ونهاية الحياة!

هذه التساؤلات المعذبة هي التي تخرج بفيلم يدور حول البحث عن المال لضمان استمرارية العمل والحياة، إلى معنى أن تتوقف وتسأل نفسك: وماذا بعد أن تنتهي كل هذه الحمى، وكل هذا السعي للتحقق. ولذلك أرى فيلم "أغوي ثم أهمل" بمستواه الفني المتماسك وخروجه عن المسار التقليدي للفيلم الوثائقي، وعدم اكتفائه بموضوعة واحدة مباشرة، عملا بديعا يبقى في الذاكرة.

الجزيرة الوثائقية في

28.05.2014

 
 

مهرجان الفيلم الدانماركي: أوبرا ونضال وفظائع من التاريخ

بانة بيضون 

ينطلق غداً الخميس «مهرجان الفيلم الدانماركي» في «متربوليس أمبير صوفيل». يفتتح الحدث بشريط «رجل مضحك» (2011 ـ 111د) للمخرج مارتن بييتر زندفليت الذي يروي سيرة الراحل ديرش باسير، أحد أشهر الكوميديين في تاريخ الدانمارك. الحقيقة أن أكثر ما كرهه ديرش في نفسه كما يصوّره الفيلم أنّه «رجل مضحك»، تلك الصورة التي التصقت به كأنما رغماً عنه وحاول جاهداً الخروج منها. حتى أنّه عندما قرر تقديم مسرحية درامية، لم يأخذه الجمهور على محمل الجد وواصل الضحك، ما تسبّب له في انهيار عصبي وهو على خشبة المسرح.

المحور الثاني الذي يركز فيه المخرج في شخصية ديرش هو إحساسه المستمر بالفشل رغم النجاح الذي حققه. ظلّ أسير صورة «المهرج» طيلة حياته، مرغماً على أداء الدور نفسه. أما تساؤل ديرش المقلق فهو: لماذا يضحك الجمهور؟ إعجاباً بأدائه، أم أنّه يسخر منه؟ هل هو رجل مضحك أم مثير للسخرية؟ الشك يستحوذ تدريجاً على تفكيره إلى أن يقترب من البارانويا ويتحول صعوده إلى خشبة المسرح إلى نوع من كابوس مرعب. حياة ديرش العاطفية غير مستقرة كما يصورها الفيلم. ينتقل في كل مرة من علاقة إلى أخرى، ومن زيجة إلى أخرى هاجراً في كل مرة العائلة التي كونها. العلاقة الوحيدة الثابتة التي تمثل له مصدر الأمان هي علاقته بشريكه في أداء العروض الكوميدية بيترسن.

لكن بعد وفاته، يتشتت ديرش ويفقد اتزانه. عبر اللغة السينمائية، يحاكي المخرج تدهور حالة ديرش. بينما يتجه أكثر صوب الكلاسيكية في طريقة إخراجه، يتغير مع تقدم وقت الفيلم. نراه يلجأ إلى مشهدية تجسد تقوقع ديرش وصراعاته الداخلية عبر إيقاع أكثر فوضوية ولقطات مقربة من زوايا غير تقليدية تصوّر شخصية ديرش بطريقة أكثر حميمية كاشفةً القلق الذي يعتمر داخله للمشاهد. من ناحية أخرى، فإنّ الممثل نيكولاج لي كاس الذي يلعب دور ديرش يبرع في أدائه هذه الشخصية المضطربة، خصوصاً في المشاهد الصامتة. ومن بين الأفلام الوثائقية الاستثنائية التي تعرض في المهرجان، «فعل القتل» (30/5/ 2012، 159 د) لجوشوا أوبنهايمر. فاز العمل بجائزة الفيلم الأوروبي لأفضل وثائقي عام 2013 ورشِّح لجائزة أفضل فيلم وثائقي في الأوسكار. تجري أحداث الشريط في أندونيسيا عام 1965 بعدما أطاح بالحكومة انقلاب عسكري اتَّهم كل من عارضه بأنه شيوعي وأمر بتصفيته. في أقل من سنة، قُتل حوالى مليون ونصف المليون شخص بتهمة الشيوعية على يد العصابات التابعة للحكومة وبدعم الدول الغربية.

يعدّ «فعل القتل» عن تصفية الشيوعيين الأندونيسيين من أهم محطّات المهرجان

في مقاربة فريدة، قرر المخرج أن يروي ما حدث من خلال رجال العصابات أنفسهم الذين يستدعيهم ويطلب منهم تصوير فيلمهم الخاص عن جرائم القتل التي ارتكبوها، طالباً منهم إعادة تخيل هذه المشاهد وتمثيلها. النتيجة فيلم قاس وسوريالي يمزج بين الرعب المتخيل والحقيقي. أما ما هو أغرب، فهو موقف أنور ورفاقه رجال العصابات من المجازر التي ارتكبوها. بالنسبة إليهم، هي شيء اعتيادي في بلد لما يزل يفتخر بقتله للشيوعيين. ويُنظر إلى أنور وغيره من رجال العصابات من مؤسسي منظمة «بامودا بانكسيلا» اليمينية المتطرفة على أنهم أبطال، فهذه العصابات تعتبر الفرع غير الرسمي للجيش الذي ينفّذ أعماله القذرة. الغريب أنّه وحده أنور يعيد النظر في أفعاله مع تقدّم الشريط. ويتوصل إلى أنهم الأشرار والقتلة، وليس الشيوعيين كما كانت تروج البروباغندا ولما تزل. يصبح أنور كأنما البطل، والشاهد الوحيد على الجريمة التي لا يسمح له أحد بالاعتراف بها. هذه إحدى وجهات النظر الملتبسة التي يعرضها الوثائقي بالإضافة إلى مشاهد أخرى كإعادة تمثيل الجرائم التي ارتكبت. مثلاً، يشرح أنور بهدوء كيف كان يخنق ضحاياه بسلك معدني لتفادي سيل الدماء التي تسبب رائحة كريهة، ثم يتحدث بعدها عن الرقص وحبه للموسيقى.

هي طريقة مثيرة للجدال يعتمدها المخرج في عرضه لهذه الفظائع وترك حرية إعادة إخراجها وتمثيلها لمن ارتكبوها بطريقة كوميدية أو سوريالية، فمن شأن ذلك في بعض المقاطع أن يعزز بشكل غير مباشر من فظاعة المشهد المتخيل التي تتناقض مع الطريقة الأوتوماتيكية أو حتى المرحة التي يصف بها القتلة الجرائم. من ناحية أخرى، لا تعود الأدوار واضحة مع تقدّم الفيلم. هكذا، نخرج تماماً من ثنائية الشر والخير لنجد أنفسنا في مشاهد سوريالية تتسم بجماليتها البصرية الاستثنائية. كأن المخرج ينقلنا من الوثائقي إلى الدراما المتخيلة إذ يسهل أن يتحول القاتل إلى ضحية أو العكس. بالإضافة إلى هذه الأفلام، يعرض أيضاً «جوان» (31/5/2011، 99 د) لكاسبر هولتن (2010) الذي يرتكز على أوبرا «دون جيوفاني». كذلك، يعرض «نهار أحد في الجحيم» (1/6/1977، 111د) لجرجن لث. إنّه وثائقي من سنة 1976 عن سباق على الدراجات الهوائية بين باريس وروبيه. الفيلم الروائي «هذه الحياة» (2/6/2012، 123 د) لآن غريث بجاروب يتناول موضوع الهفيدستن وهم مجموعة من النساء والرجال من قرية في شرق جزيرة غوتلند تعاونت مع البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية وساعدت المقاومة الدانماركية في وقت أعلنت الحكومة الدانمركية تحالفها مع المحتلين الألمان. أيضاً، يعرض فيلم «بعثة إلى نهاية الحياة» (3/6/2013، 90د) لمايكل هاسلند كريستنسن الذي يتتبع رحلة 10 مسافرين إلى شاطئ سري. ويختتم المهرجان بفيلم «القناص» (4/6/2013، 89 د) لآنيت كي اولسن الذي يصور الصراع بين السياسيين والصحافيين.

الأخبار اللبنانية في

28.05.2014

 
 

مهرجان كابريوليه: العلاقات الإنسانية على درج الجميزة!

بانة بيضون 

للسنة السادسة على التوالي، يعرض «مهرجان كابريوليه» مجموعة من الأفلام القصيرة المختارة من لبنان والعالم. على درج مار نقولا في الجميزة، ستجهز شاشة خاصة للعرض على مدى ثلاث ليالٍ متتالية مفتوحة للجمهور.

الموضوع المشترك الذي تتناوله أفلام هذه السنة ـــ ولو من زوايا مختلفة ـــ هو العلاقات كما اختار منظمو المهرجان الذي يُعنى عامةً بحقوق الإنسان.

«رز على كوكو» (31/5 ــ س: 21:00) لعماد الأشقر (جامعة الكسليك) يتميز من بين الأفلام المشاركة بشخصية كوكو وهي امرأة استثنائية بصراحتها وطرافتها. تشاركنا أفكارها وآراءها وحتى قصصها الأكثر حميمية من دون رقابة ذاتية. الفيلم تجريبي عبارة عن مونولوج طويل لكوكو أثناء إعدادها طبخة «رز على دجاج».

يترافق ذلك مع مشاهد بصرية تتميز بجماليتها الغريبة والطريفة، كما في مشهد الدجاجة التي تجول العاصمة أو تتنزه على الشاطئ. يصورها لنا المخرج عبر مشاهد لا تخلو من التأمل والرومانسية، وينجح في تحويل الدجاجة إلى شخصية درامية معبرة. من جهة أخرى، لا تخلو اللغة البصرية للشريط من المشاهد الصادمة المنفرة للدجاج وهو يذبح، من دون أي سياق لها في الفيلم. برمزيتها المباشرة والمستهلكة، تنتقص هذه المشاهد من جمالية لغة العمل البصرية التي تبدو مبتكرة رغم كل شيء. أما ما لا ينسى فهو شخصية «كوكو» بعفويتها وصراحتها الصادمة، لكن أيضاً بمقاربتها غير التقليدية لكل أمور الحياة، كما عندما تخبرنا أنه في حال موتها، لا تريد أن ينثروا الورود على قبرها بل علب الدخان، أو عندما تصارح نفسها والمشاهد بأنها لم تمارس الجنس منذ فترة طويلة.

لا يمنع ذلك أن تلك الصراحة تصبح مثيرة للجدل في بعض اللقطات، كما عندما تتحدث عن حادثة تضخم خصيتي ابنها.

يؤدي بطولة «رائحة من لبنان» كل من رفيق علي أحمد وريتا حايك ونيكولا معوض

ومن الأفلام القصيرة ذات الإنتاج اللبناني الفرنسي المشترك، «رائحة من لبنان» (30/5 ـ س: 15:00) لماثيو هاغ من بطولة رفيق علي أحمد وريتا حايك ونيكولا معوض. يعرض الفيلم قصة شاب وصبية يقعان في الحب، لكن علاقتهما تنتهي لأن الشاب لا يستطيع تقبل فكرة الزواج من حبيبته لأنها ليست عذراء. تمر السنوات وهو لا يزال يحبها، إلى أن يلتقي يوماً بابنتها، ويخبرها بحكايتهما، وبالسبب الحقيقي لقطع علاقته بأمها. يتميز الفيلم بجمالية إيقاعه السردي، ولو أن الحبكة الروائية مبسطة، لكن تعود أهميته إلى موضوع العذرية الذي يتناوله مبرزاً سخافة هذا المعتقد أو هذا الحائط الوهمي الذي يفرّق بين الحبيبين.

في فيلم «ستة» (30/5 ـ س:17:00) للمخرج المصري بهاء الجمل، يتحول الاستعداد الروتيني للعشاء إلى مواجهة مصيرية بين زوجين. مسدس بطلقة واحدة، يتناوب كل منهما على تصويبه في وجه الآخر، والضغط على الزناد، بينما يعترف كل واحد بخيانته وينهار الزواج الذي بدا مثالياً في البداية. الحوار، التصوير، المونتاج، كل تلك العوامل تترابط لتضفي على الفيلم إيقاعاً متوتراً يتصاعد تدريجاً، بينما يحبس المشاهد أنفاسه منتظراً وقوع الكارثة. العامل الوحيد الذي لا يتماشى بشكل عفوي مع إيقاع الفيلم هو التمثيل الذي يبدو مفتعلاً في بعض اللقطات.

من فرنسا، يعرض «التواصل الحديث» (30/5 ـ س: 7:00) لفرانك إيزابيل أزمة التواصل في عصر التكنولوجيا عبر شخصية شاب مدمن على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يستطيع التواصل مع حبيبته التي تجلس قبالته. في إطار كوميدي ساخر، يصوّر المخرج الصراع بين العالم الافتراضي والحقيقي الذي تحول إلى مجرد خلفية للأول. الهدف من عيش الحياة الفعلية هو فقط توثيقها بالصور على الفايسبوك كي يراها الآخرون، فالشاب لا يسمع ما تقوله حبيبته أو لا ينتبه إلى أنها تبكي عندما يصوّرها. أما في الفيلم الإسباني «تحت الضغط» (30/5 ـ س:13:00)، فيصوّر المخرج دييغو فندوس كيف تتحول الهوية التي نتبناها عن أنفسنا إلى سجننا الذاتي. شاب نظامي خجول كما يظهر من ملابسه وتصرفاته، يقصد حمام السباحة. هناك يلتقي بفتاة ويعجب بها، لكنه يتردد في الحديث إليها، إلى أن يغطس إلى جانبها، ويسبحان معاً من دون حاجة إلى الكلام. من خلال اللغة السينمائية، ينجح المخرج في خلق لغة أخرى تنقل لنا التواصل الحميمي بين الاثنين الذي لا يكسر صمته سوى صوت الماء. لكن بمجرد أن يخرج الاثنان من حمام السباحة، ويلتقيا مجدداً عند المدخل بكامل ملابسهما، هو ببذلته الرسمية والصليب الذي يتوسط رقبته، وهي بثيابها السوداء الغوطية، حتى يدركا الاختلافات والرموز التي تفرقهما، فيهرولا مجدداً إلى حمام السباحة حيث يغطسان بكامل ملابسهما، ويتحرران منها ليعودا كما كانا غريبين عاريين بلا هوية ومعتقدات وأسماء تقيدهما.

الأخبار اللبنانية في

28.05.2014

 
 

فايزة كمال سيدة الغواية الذكية

جمال جبران 

كأنّ الطريقة التي رحلت بها الفنانة فايزة كمال (1962 ـ 2014) أوّل من أمس أتت مطابقة لشكل الحياة التي كانت لها. ماتت بهدوء وصمت وسط ضجيج الانتخابات الرئاسية المصرية المرتفع والمحيط بها. وهو ما يمثّل معادلاً لضجيج الحياة الفنيّة الذي كان يعتمل حولها ولم تكن تمنحه التفاتة واحدة. لقد اختارت شكل طريقها الفنيّ وانتهى الأمر.

كأنها قالت لمن كان يطلبها للعمل: هذه خريطة طريقي وعليكم الالتزام بها. لقد قلبت مقاليد اللعبة الفنية المتعارف عليها ليصبح المُخرج متلقياً لشروطها، لا العكس. لا دخل لجمالها الفاتن في الأمر، لم تكن تقدّمه كوسيلة ضغط، فهذا الجمال لن يُمسّ من قبل أحد في نهاية الأمر... ولا حتى مجرّد قبلة عابرة في ركن معتم في زاوية من عمل درامي. كان هذا العنصر جواز عبور مضموناً في الثمانينيات، وقت تسيّد المال الخليجي وفرض اعتماد الجسد ممرّاً سهلاً للظهور على الشاشة. الغريب أنّ فايزة كمال من مواليد الكويت. هناك عاشت مع والديها المصريين حتى بلغت الـ 22. درست في المعهد العالي للفنون المسرحية هناك، قبل أن تعود إلى وطنها الأم. انتقال في المكان مع ثبات على الموقف: لن يكون هذا الجسد معبراً للوصول وأداة للقبض على دور بطولة. هكذا رأت صاحبة «الطائرة المفقودة» (1984) وضعها في الفنّ من دون افتعال شعارات صاخبة أو استعراض أو ابتزاز من أجل نيل أكبر نصيب من الكعكة والمال. هي كانت تمتلك جمالاً يسمح لها بإجراء مزايدات في حضرة رأس مال خليجي مسعور يرغب في تصريفه بالشروط التي يقدر على فرضها، لكنه لم يكن يعلم أن «السلعة» قد سبقت بشروطها منذ بداية اللعبة.

يتوقع أن تجري النقلة إلى mtv بعد شهر رمضان

لم يكن الأمر متعلّقاً بإشكاليات الدين أو العادات والتقاليد بالنسبة إلى الراحلة. لم يظهر هذا منها في أيّ شكل من الأشكال. كانت تنظر إلى الفنّ بطريقتها وبالطريقة التي تتواءم مع تكوينها النفسي المرتبط بالمناخ العائلي الذي كانت تقدّسه وتمنحه وقتاً طويلاً من حياتها. كان ذلك يفرض عليها أن تتوقّف لفترة طويلة عن العمل للاهتمام بولديها. وكان هذا الغياب مصدر شائعات عن اعتزالها الفن وارتداء الحجاب، وخصوصاً في التسعينيات، مع سيطرة المدّ السلفي الخليجي على الدراما المصرية المعتمدة مادياً عليه في الإنتاج. كما كانت الفترة شاهدة على ظاهرة إعلان فنانات كثيرات ارتداء الحجاب واعتزال الفن، وكانت في معظمها إعلانات يُعاد النظر فيها بعد وقت لأسباب مادية. لكنّ صاحبة «حبيبي الذي لا أعرفه» (1989) كانت تعود إلى الشاشة غير ملتفتة للغبار الذي ثار في غيابها.

قد يمنحنا هذا معبراً للحديث عن نظرة فايزة الخاصة إزاء الإفادة من جمالها فنياً بطريقة لا تشبه غيرها. هذا ما رأيناه حين جسّدت شخصية اليهودية يهوديت موردخاي في «رأفت الهجان» (1991_1990) وكانت سكرتيرة بطل العمل (محمود عبد العزيز) تمارس حبّاً من طرف واحد. يومها، أظهرت شبقاً فائضاً لا حاجة إلى عري ما كي يتمكّن من الحضور على الشاشة. الإيماءات التي كانت تفعلها بدت كافية، ولم تكن بحاجة إلى أكثر من ذلك كي يصل المعنى إلينا ونلمسه.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر@jimy36@

الأخبار اللبنانية في

28.05.2014

 
 

بيتزا سينمائية:

عن الفيلم الأمريكي "متهم ظلما"

أحمد عبد الرحيم 

في أولى تجاربه كمخرج، يتقهقر بات بروفت عن مكانته في عالم الكوميديا خطوات للوراء. فقد عرفناه كاتباً كوميدياً منذ نهاية السبعينيات، لمع اسمه بقوة في سلسلتي Naked Gun المعروفة في مصر بـالشرطي الجهنمي في أفلام من إنتاج 1988، 1991، 1993، وHot Shots المعروفة في مصر بـ"ـمواقف ساخنة"، في فيلمين من إنتاج 1991، و1992، كمشارك في التأليف والإنتاج؛ وكلاهما حقق نجاحا كبيرا، صنع مجد العصر الذهبي لأفلام المحاكاة الكوميدية الأمريكية، والتي تسخر من أفلام سينمائية عديدة، أثناء تعاونه مع ثلاثي المحاكاة الأنجح ديفيد زوكير، جيري زوكير، وجيم إبراهامز؛ وهم الأشبه بمؤسسة تأليف، وإنتاج، واخراج تخصصت في هذا المجال.

بروفت المنتسب لثلاثي المحاكاة منذ المسلسل الكوميدي Police Squad  أو قوة الشرطة 1982، كتب سنة 1984 مع نيل إزرائيل فيلما كامل الهزلية والكارتونية هو  Police Academy أو "أكاديمية الشرطة"والذي فجّر نجاحه 6 أجزاء مكملة ومسلسل كارتوني وآخر sitcom، ليؤسس مع نشاط الثلاثي وفيلمهم القنبلة Airplane!أو الطائرة 1980، والمعروف عندنا بـمجانين في الجو، ملامح تيار كوميديا سينمائية مجنونة؛ تتميز بالمحاكاة الساخرة، والمفارقة اللفظية / البصرية السريعة، والإخلاص للإيقاع الكارتوني اللاهث، والكوميديا البصرية الخالصة في الأفلام الصامتة؛ حيث يتصاعد الموقف الضاحك لأقصي طاقات خبله، في تمسك أبدي بشعار الضحك للضحك.

مثّل هؤلاء الفرسان الثلاثة، مع رابعهم بروفت، الحلقة الثالثة للمحاكاة الكوميدية في تاريخ هوليوود؛ بعد كوميديات بليك إدواردز العبثية، ومغامراته مع الفهد الوردي، ثم سخريات ميل بروكس من أنواع الأفلام. لذلك يجئ تفتت فريقهم منذ منتصف التسعينات محزناً أكثر من تفتت فريق البيتلز، إذ تراجعت كل الملامح البديعة لسينماهم في أفلامهم منفردين، مثل فيلم جيم إبراهامز Jane Austen's Mafia أو مافيا جين أوستن 1998، وفيلم ديفيد زوكير Basket Ball أو كرة القاعدة-السلة 1998. وذلك قبل أن تُترك الساحة لفرق تأليف وإخراج آخري؛ كفريق الأخوة واينز أصحاب الجزءين الأولين من سلسلة Scary Movieأو فيلم مخيف من إنتاج 2000، و2001، أو فريق الثنائي جيسون فريدبرج وأرون فليتزر أصحاب أفلام Epic Movie  أو فيلم ملحمي 2007 وDisaster Movie أو فيلم كارثي 2008، وهي فرق كان العيب الأكبر لأفلامها، غير الميل للبذاءة المفرطة، الإنشغال اللحوح بالتهكم علي أفلام آخري... فحسب!

هذه البذرة السيئة ستلمحها مبكراً في الفيلم موضع الحديث. فبعد تفتت فريقه، عاد بروفت كمؤلف ومنتج ومخرج لفيلم Wrongfully Acusedأو "متهم ظلما" 1998، والذي عُرض في مصر بعنوان "متهم بالعافية"، مُصراً علي تفصيل عمل من قصاصات أفلام، بعد إدخالها في ماكينة سخريته، مستلهماً من فيلمين للنجم هاريسون فورد المدخل والمنتهي.

ففي البداية يهرب البطل (ليزلي نيلسون؛ نجم المسلسل التلفزيوني Police Squadثم سلسلة أفلام Naked Gun لنفس المؤلف) بعد إتهامه ظلماً بجريمة قتل، كبداية فيلم هاريسون فورد The Fugitiveأو "الهارب" 1993، وفي النهاية تنكشف براءته في مشهد مأخوذ من مذبحة المحققين الفيدراليين من فيلم فورد Clear and Present Danger أو "خطر واضح وداهم" 1994، وما بينهما ليس إلا هراء سينمائيا بحتا، شمل التهكم علي أكثر من 15 فيلما، ومسلسلات تلفزيونية، وبعض الإعلانات، لنري نيلسون يصرخ صرخات الحرب كميل جيبسون في Brave Heart أو القلب الشجاع 1995، ويتسلل لحجرة محصنة كتوم كروز في Mission: Impossible أو مهمة صعبة 1996، وتنقذه فتيات مسلسلBay Watch أو مراقبة الخليج، وصولاً للحظة التي يقف فيها وراء حبيبته وقد مدا ذراعيهما لتخبره في نشوة: أشعر أني أطير.. كبطلي Titanic أو تيتانيك 1997 والذين نجيا من الكوبري العلوي الذي يطيح بنيلسون وحبه هذه المرة !  

حاول بروفت رسم لوحة كاريكاتيرية كالمعتاد، لكن المشكلة أنها تجئ أضعف من هذا المعتاد ذاته. فالفيلم يكاد يكون ميتا درامياً، حيث لن تجد القصة المتماسكة، الشخصيات المميزة، الصراع المتصاعد، وهو ما ميز أفلام Naked Gun، ولن تجد التتابعات المبهرة بصرياً التي ميزت نفس السلسلة، أو ذكاء الفكرة الرئيسية ووحدة المضمون؛ كالسخرية من الأفلام الحربية بل وأطراف حرب الخليج الثانية فيHot Shots بجزئيه، أو حتي إستضافة نجوم كضيوف شرف لإكساب فكرة المحاكاة ضميراً فنياً، وجعل الفيلم جذاب جماهيرياً، ليتقلص الأمر إلى مجرد إسكتشات تليفزيونية مشتتة، تلهث فيها وراء محاولات تخمين اسم الفيلم المأخوذ عنه هذا المشهد، أو هذا الأداء، أو هذا الكادر، وهنا – للتميز – وصل الحال لهذه الجملة !، ويُرهَق العمل بالتداعيات التي تقتحم الحدث، وتصبح هي الدراما الفعلية، في فصول دخيلة تعرقل المتابعة، وجو مرتبك، دمر نفسه تقليداً. مما حوّل الفيلم لتعبئة متعجلة لأحداث من أفلام آخري، كـ "فيلم بالأفلام"، أو فطيرة البيتزا التي توهمك أنها تحوي مكونات عديدة؛ بينما هي صور باهتة لهذه المكونات، كما أنها – غالباً – ليست مشبعة كفيلمنا هذا.

ليزلي نيلسون يبدي دوماً حيوية لا تُصدَق مع حقيقة كونه من مواليد 1926، ميلندا ماكجرو كانت لطيفة بلا تفرد. أما ريتشارد كرينا فخطف الأضواء، تاركاً بصمة ملونة في محاكاته الساخرة لشخصية الضابط التي إضطلع بها الممثل تومي لي جونس في فيلم الهارب.

قدم جلين ماكفيرسون تصوير تقليدي، ضيق، بلا إبهار، وبرع مونتاج جيمس سيمونز في جمع شتات الفيلم. لكن الرائع بحق هو قيام مؤلف الموسيقي التصويرية بيل كونتا، بتحية الأصول السينمائية المُستخدَمة في الفيلم، ليعرض موسيقي ماكس ستاينر من Casablanca أو كازابلانكا 1941، عند الصدمة العاطفية للبطل، ثم يُحيي الثنائي برنارد هيرمان- ألفريد هتشكوك، بأن ينشر موسيقي Vertigo أو "دوار" 1958 علي خلفية الإعادة التهريجية لمشهد محاولة الإغتيال بطائرة رش المبيدات منNorth by Northwes  أو شمال الشمال الغربي 1959، ثم يتحول لجيمس هورنر وهو يدق أجراس القيامة في إعادة مذبحة خطر واضح وداهم. كما عززت موسيقاه، الأصلية وليست التقليد، من قيمة الفيلم، مُضيفة له رونق أجمل مما كانت تضفيه موسيقي روبرت فولك علي سلسلة أفلام أكاديمية الشرطة، والتي رغم إجتهادها كنت تنساها بسهولة – هي والفيلم – عقب خروجك من دار العرض.

لم يخلو الأمر – علي سيئاته – من بضع ضحكات إستثنائية، تذكرنا بأيام فوران الكوميديا المجنونة، كالمحاكاة الساخرة لمشهد المذبحة: سيل الصورايخ يهاجم سيارة البطل لكنه ينشغل بمسح زجاجها، الشرطة تهاجم الإرهابيين فيستغرقوا في الرقص ! وعلي الرغم من جمال صخب المشهد، إلا أنه التتابع الوحيد طموح الإمتداد، وسط حشد مشاهد آخري بدت ضحكاتها إستهلاكية جداً، أو بالأحري تيك أواي!

بروفت يصمم علي تحويل تاريخ السينما الأمريكية لخيمة سيرك، أو وصلة نكت، لهذا يعلن صراحة في لوحة البداية أن "هذا الفيلم يقوم علي قصص حقيقية.. وقعت في أفلام أخري" كشريعته في صناعة السينما قبل 20 عاماً، وإن كانت تكتسب مذاقاً أقل جودة، بعد إنفراده بالتأليف والإنتاج والإخراج، حيث عاني من ركاكة الخيال، وتسرع البناء، ومن ثم فقدان الخصوصية، منفذاً عمله بروح صانع بيتزا، وليس صانع سينما؛ يرجو لفيلمه ولو نفحة من الوحدة، والإتساق، والأصالة.

عين على السينما في

28.05.2014

 
 

وداعًا بيروت

محمد خان

5/28/2014 04:59:51

بيروت الستينيات التى وصلت إليها فى يوم ممطر تركتها فى يوم عاصف، قررت المجىء إليها بروح المغامر، وغادرتها بنفس الروح. القراران وصفهما الأصدقاء بقرارين طائشين. بيروت فى البداية لم تكن كلها سمنًا على عسل. فى إحدى المرات اضطررت إلى بيع الآلة الكاتبة «الكونتينتال» العربى التى اشتراها لى أبى من صاحب التوكيل بشارع قصر النيل، والتى رافقتنى فى جميع سفرياتى من القاهرة إلى لندن، ومن لندن إلى القاهرة، وأخيرا من القاهرة إلى بيروت، حيث افترقنا إلى الأبد.

فى بناية بأحد شوارع الحمرا، شاركت صديقا مصريا يدرس الكيمياء فى الجامعة الأمريكية حجرة فوق السطوح. كان بطل سباحة القفز، وعندما زار طرزان السينما جونى وايزمولر بيروت، كان هو من ضمن فريق المشتركين معه فى استعراض القفز من عشرة أمتار. أتذكر زيارتى له المتعددة، حيث كان يجرى تجاربه فى معمل ببدروم أحد مبانى الجامعة، وكنت ألاحظ عبر نافذة أرضية تطل على الحجرة المجاورة لمعمله اثنين أراهما دائما يلعبان الطاولة، فاكتشفت فى ما بعد أنهما فى انتظار الانتهاء من إتمام حرق الجثث بالمحرقة الخاصة بالمستشفى الجامعى.

عاصر صديقى مشكلاتى الاقتصادية فى السنة الأخيرة لى فى بيروت، الذى نتج عنها سلفة من «بيبلوس بنك»، بناء على ضمان رجل أعمال لتغطية تكاليف سفرى إلى لندن، على أساس رد المبلغ لفرع البنك هناك. جدير بالذكر أنه عقب تسديد المبلغ فى لندن أعلن بعدها بأسبوع إفلاس البنك.

صديقى المصرى هو من شجعنى على السفر، على الرغم من احتمالات فرصة اشتراكى فى فيلم يوسف شاهين «رمال من ذهب»، بطولة فاتن حمامة، الذى كان سيتم تصويره فى إسبانيا.

الحقيقة أن السبب الرئيسى وراء تركى بيروت كان قصة حب عشتها، بدأت حين لمحتها أمام بناية فى منطقة الروشة على البحر حيث الصخرة الشهيرة، تتابع تصوير الفيلم «مغامرات فلفلة» إخراج فاروق عجرمة، الذى كنت فيه مساعده الأول، وعندما تركت البلاد مع ذويها لتستقر فى الدنمارك موطن أبيها، أصبحت بيروت دونها لا تطاق، وكانت نيتى اللحاق بها فى أقرب فرصة.

فى لندن بدت السينما كأنها هجرتنى، بينما أنا الذى هجرتها، وعَمَانى عنها الحب، وأصبح كل همى ادخار مبلغ كاف ليأخذنى إليها فى كوبنهاجن. بعد ثلاثة أشهر من العمل ليلا فى مصنع بسكويت حتى أتفرغ نهارا لمشاهدة الأفلام، ادخرت ما يكفى مغامرتى فى الدنمارك لمدة شهر، كانت بداية النهاية لقصتى الغرامية، ونضالى بعد ذلك فى الحياة للعودة إلى السينما، بعد نحو عشر سنوات بفيلمى الأول «ضربة شمس».

 

طرائف بيروتية

محمد خان

5/21/2014 04:58:06

إذا كانت شجرة الأرز هى رمز لبنان التى تزيّن شعاره وتتوسط علمه الوطنى، فإن بطون اللبنانيين لا تخلو من حبّات الصنوبر، تجده رفيقا للكُبيبة وفتة مقدوس وأكلات الأرز مع الدجاج أو اللحم وحتى صيادية السمك، وتزيّن سندوتشات الشاورما والمشروبات الطبيعية وتُتَوج بمكسرات رمضان. الطبيعة فى لبنان كانت نقطة جذب للسينما المصرية والأجنبية، فهى تتميز بجبالها وسواحلها ومناخها المتنوع من شمس ساطعة إلى أمطار غزيرة أحيانا والثلوج على قمة جبالها، كلها فى خدمة السياحة والدراما.

أجمل شىء فى العمل بالسينما هو أنك تزور أماكن وتدخل بيوتا ربما لا تتخيل أنك ستزورها قبل ذلك. أستطيع الجزم بأن عملى بالسينما فى لبنان أتاح لى فرص زيارة كل بقعة من أراضيها تقريبا من صور وصيدا فى الجنوب إلى شواطئ جونية وآثار بعلبك فى طرابلس بالشمال ومصايف برمانة وعالية وبحمدون على الجبال، وأتذكر حضورى عُرسا فى قرية على الحدود مع إسرائيل.

وكان من طرائف تجاربى السينمائية فى أثناء تصوير فيلم «الرهينة» الذى قامت ببطولته رندة، التى كانت جديدة على السينما اللبنانية وبدت مسنودة من الموزع على أمل نجوميتها، والطريف كان حين طُلب منا ما عدا المخرج والمصور أن نعطى ظهرنا للقطة يتم تصويرها، فيها تمتطى رندة الحصان بفستانها الأخضر القصير حتى لا تكشف علينا جمالها المستخبى. طرفة أخرى فى فيلم «إنتربول فى بيروت» الذى كان مخرجه كوستانوف يعلن كل أى شىء عبر الميجافون، الذى كان يلازم يده سواء فى التصوير الخارجى أو الداخلى، يصرخ بتعليماته خلاله، حتى إنه فى إحدى المرات كان ينادينى عبره بينما كنت واقفا بجواره.

وأعترف بخجل أننا كم كنا أنا و«الكاميرا مان» روبى بريدى والمساعد الأول تيسير عبود نكتم ضحكاتنا استهزاء بتصرفات كوستانوف الكوميدية، وقد أنتج له الفيلم صاحب محل حلاقة كان يشرّفنا فى نهاية كل أسبوع حاملا حقيبته السمسونايت وبداخلها أقساطنا من الليرات. لم أكن أتخيل كذلك أننى فى يوم ما سأعمل فى فيلم بطولته قرد شمبانزى يملكه منتج سادىّ يجبرنا على مصافحة القرد كل يوم قبل استئناف التصوير.

كان فيلمى الأول والأخير كمساعد مخرج أول هو «مغامرات فلفلة» إخراج فاروق عجرمة. المصيبة أن فلفلة (الذى هو القرد) لم يكن مدرَّبًا نهائيا، وكاد يلتهم بطن رقاصة شرقى بأحد المشاهد، ويقتل صبيا فى مشهد آخر أنقذناه منه بصعوبة، وانتهى أمره فى المستشفى وعدة غرز متناثرة فى جسده. هذا القرد اللعين كان يهرب من التصوير مرارا، وفى إحدى المرات كاد يسبب أزمه بهروبه إلى داخل السفارة الأمريكية.

 

شخصيات بيروتية

محمد خان

5/14/2014 05:24:32

أول سينمائى اتعرف إليه فى بيروت فى الستينات كان المخرج المجرى الأصل سيف الدين شوكت . رشحنى له الدكتور الذى استضافنى عند وصولى بيروت على أمل أن أعمل فى فيلمه القادم " حسناء البادية " بطولة المطربة اللبنانية سميرة توفيق التى تخصصت فى دور البدوية ( البدوية العاشقة / بدوية فى باريس / بدوية فى روما) . سيف الدين شوكت بدأ حياته الفنية فى المجر ثم فى مصر ، فى العقد الخامس من عمره ، طويل القامة وأنيق فى ملابسه لهجته المصرية لا تخفى لكنة تركية - رواسب الغزو العثمانى للمجر فى القرن السادس عشر - ترافقه دائماً شقراء مجرية أشتهر بتبديلهن بعد كل زيارة للمجر ، وكان يتباهى بسيارته الكافورليه السبور الحمراء التى لم أره مرة يقودها فقد ترك المهمة لممثل عينه على دور فى فيلمه القادم وعين على الشقراء بدون شك. أثناء الإعداد لفيلمه كان يتحدث عن أفلامه السابقة مثل " عصافير الجنة " مع الطفلة فيروز وأختها الأصغر نيللى ، وعن سعاد حسنى التى اخرج لها " المراهقان " وكان يصفها بالبنت الشقية . بسبب عدة تأجيلات كنت أثنائها قد تعرفت على الكثير من العاملين بالسينما فى لبنان وعلى مساعد المخرج المصرى منير بطش الذى أشركنى معه فى فيلم " الليالى الحلوة " اخراج جمال فارس ، ثم فيلم " الرهينة " للمخرج يوسف معلوف الذى وجد فى خلفية دراستى للسينما فى لندن ومعلوماتى الفيلمية سبب كاف أن يسمح لى بالنظر خلال عدسة الكاميرا بعد كل لقطة، وقد أثار هذا غيرة المساعد الأول منير بطش وهدد بالإنسحاب فرحب بذلك بطل الفيلم عبد السلام النابلسى وأقترح توليتى المهام بدلا منه إلا أننى رفضت بشدة وطمأنت منير بطش بأننى لا أطمع فى أن أحل مكانه . توطدت علاقتى بيوسف معلوف وكان يقص على مغامراته فى هوليوود حيث عمل كسائق للمخرج الشهير شارلز فيدور الذى أظهره ككومبارس فى فيلمه " غراميات كارمن " بطولة جلين فورد وريتا هيوارث ، إلا أن وفاة والده استدعى عودته إلى لبنان للعناية بأخوته البنات ، ومن الأفلام العديدة التى أخرجها فى مصر كان يتحث كثيرا عن فيلم " أعز الحبايب " مع أمينه رزق فى دور الأم التى تضحى من أجل أولادها. تعرفت فى نفس الفترة على المخرج الأرمنى " غارى غرابيديان " الذى درس فى نفس مدرسة السينما التى درست بها فى لندن ، وكان غارى شعلة من النشاط فى التليفزيون اللبنانى وأبهرنى بتجربته السينمائية المستقلة " جارو " عن بطل أرمنى هارب من العدالة. بدأت مع غارى كتابة معالجة باللغة الإنجليزية لفيلم تاريخى عن مذبحة الأرمن فى جبل موسى الذى كان متوقع له تمويل هوليودى ولكنى توقفت حين عزمت على مغادرة البلاد. علمت فيما بعد بوفاته أثناء حريق أثر إستعمال قنبلة دخانية لتصوير مشهد عملية فدائية للمقاومة الفلسطينية.

التحرير المصرية في

14.05.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)