كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

السينما الفلسفية والفيلم المركب

أمير العمري

 

ليس بالضرورة أن يكون الفيلم الذي لا يرى فيه كثيرون "قيمة ما" أو "هدفا" أو "تصويرا صادقا للواقع" فيلما رديئا أو لا معنى له ولا مغزى، فالحقيقة أن الكثير من الأفلام لا يسعى مخرجوها أصلا إلى محاكاة الواقع، وهو الشغل الشاغل للسينما التجارية منذ ظهورها، أي إقناع المشاهدين بأن ما يرونه على الشاشة ما هو سوى انعكاس لحياتهم، أو صورة دقيقة صادقة لواقعهم الاجتماعي.

في حين أن ما يشغل مبدعي الأفلام، أو المخرجين أصحاب الرؤية السينمائية الخاصة، ليس محاكاة الواقع أو توصيل "رسالة" سياسية أو اجتماعية معينة، بل التحرر من كل القوالب السينمائية الجاهزة، والإبحار في عالم أبعد ولو قليلا عن عالمنا المحدود المباشر، من خلال تقديم تلك "الحكاية" ذات المفاصل المتعددة وليس المفصل الواحد الذي تستند عليه الدراما عادة، وتدور حوله باستمرار.

والمشكلة أن "تعدد المفاصل" في الفيلم الواحد قد يربك بعض المشاهدين الذين لم يتدربوا على فهم أعمال الفن الكبرى: اللوحات المصورة لكبار الرسامين، والأعمال الأدبية التي تبتعد عن الواقعية الاجتماعية وينشغل كتابها بالبحث عن معنى لوجودنا، عن علاقة الفرد بالكون، عن فكرة الوجود ذاتها، كيف يعبر عنها الإنسان من خلال الحب أو الجنس والفن والرغبة الدائمة في التواصل مع الآخرين من خلال تلك اللغة الأخرى، لغة النظرات والهمسات والتعبيرات الموحية البسيطة التي قد لا تعكس مغزى مباشرا، حتى لو كان البطل أبكم أصم أو أعمى، أو يقف على عتبات الموت.

والتأمل عادة في موضوع الموت يعني أيضا التأمل في مغزى الحياة، فيما نفعله بأنفسنا وبالآخرين، في الوقوف على مسافة ما للتأمل في فلسفة الخلق والحياة والعيش، في ذلك السعي المحموم لتحقيق الذات، الرغبة في امتلاك القدرة على السيطرة، وما يرتكبه الإنسان في خضم هذه النزعة إلى السيطرة، من فعل الحرب أو فعل القتل.

"إن أفلام الفكر والفلسفة والبحث الشاق عما وراء السطح الأولي للواقع، أي فيما وراء الأشياء، ليست بالضرورة أفلاما تبحث في الميتافيزيقا. قد تكون كذلك أحيانا، لكن من الممكن أيضا أن يكون بحث السينمائي المبدع بحثا فلسفيا في المجردات"

فهل يقتل المرء فقط من أجل السيطرة أم قد تكون لديه دوافع أخرى غير مباشرة، أو غير مرئية أو ملحوظة، يمكن تفسيرها بالعثور على الدافع النفساني والاجتماعي، أو لا يمكن تفسيرها أحيانا بل تظل لغزا كبيرا مثل لغز الحياة نفسها؟

هذه الأفلام التي تبحث في قضايا أشمل وأبعد من مجرد رواية قصة تحاكي الواقع أو تريد توصيل قيمة ما أو رسالة ما، هي -عادة- "أفلام مركبة"، وهذه الأفلام المركبة ليس من الممكن أن تلجأ إلى تلك الأساليب السينمائية المعتادة، لأنها تحمل في طياتها بذور التمرد على الأشكال التقليدية السهلة السلسة التي تحكي في سياق نمطي، أو في خط يسير ويصعد قبل أن يهبط ويتوقف عند تلك النهاية التي تغلق دائرة التفكير.

إن أفلام الفكر والفلسفة والبحث الشاق عما وراء السطح الأولي للواقع، أي فيما وراء الأشياء، ليست بالضرورة أفلاما تبحث في الميتافيزيقا. قد تكون كذلك أحيانا، لكن من الممكن أيضا أن يكون بحث السينمائي المبدع بحثا فلسفيا في المجردات: في معنى الحب، والموت، والميلاد، والطموح الإنساني والرغبة في التحقق، والمعاناة المرتبطة بالرغبة في التملك أو عدم القدرة على الفكاك من أسر الانتماء: الطبقي، أو الجنسي، أو السياسي، في إطار حركة أشمل من تلك الدائرة المحدودة للعائلة والأصدقاء، بل إن فكرة العائلة نفسها يمكن أن تصبح مطروحة للتفكير بهدف إعادة النظر في مفهومها، كمادة فلسفية للتأمل، للتمرد، للرفض.

ليس مهما هنا أن يبدأ السينمائي من لقطة افتتاحية عامة أو بعيدة، ثم يقترب تدريجيا من الشخصيات في لقطات متوسطة أو عامة متوسطة، ثم يبدأ في فحص التعبيرات من خلال اللقطات القريبة المكبرة.. وليس مهما أن يبدأ السرد من البداية، فهنا قد لا توجد بداية محددة، بل لحظة، تتداعى فيها الفكرة كشذرة في العقل الباطن، وتنمو وتتخذ مسارا متعرجا أو صاعدا وهابطا، ودائريا، أو تتوقف عند الماضي مثلا ولا تسير في اتجاه متصاعد متقدم زمانيا.

السينما بين الرؤية والرواية

إن السينما بهذا المعنى الذي نقصده تصبح هي فن التلاعب بالزمن، القدرة على تكثيف "الرؤية" (وليس رواية القصة)، بأي كيفية يراها المخرج-المبدع، أي المخرج صاحب الرؤية، الذي يمزج في أفلامه بين نظرته الشخصية والعالم، بين الذاتي والفردي والاجتماعي، بين الداخلي والخارجي (داخل النفس وكيف تتبدى تعقيداتها خارجيا)، بين النفساني والعبثي، بين الإحساس بالذات والإحساس بالعالم حتى في رفضه لهذا العالم وتعبيره عن هذا الرفض. وخلال ذلك، ينتقل في الزمن كما يشاء، من الماضي إلى المستقبل، أو من الحاضر إلى الماضي، ومن الواقع إلى الخيال، ومن الهواجس إلى الأحلام، ومن الداخل إلى الخارج.. وهكذا.

الفيلم هنا يمكن أن يتكون من شذرات، من سياقات متداخلة، من مشاهد ينتهي كل منها بفكرة ما، بشخصية جديدة تدخل إلى الساحة، ومن الممكن أن تخرج منها بعد ذلك، دون أن يكون هناك "منطق" درامي تقليدي يمتلك التبرير والتفسير والشرح، بل هناك منطق آخر خاص، ينبع من داخل المادة المصورة، من بين تلك المشاهد والشذرات التي قد تصل إلى أقصى درجات السريالية في التعبير.

هذا ليس تخريفا لا معنى له، فالبحث عن المعنى ليست مشكلة الفنان المبدع، بل وظيفة الناقد والمشاهد، وهو لا ينبغي أن يكون الهدف الوحيد للمشاهد، فالمتعة قد تتحقق من مجرد المشاهدة، من التطلع إلى تلك القدرة التعبيرية الهائلة من خلال الصور وتعاقب اللقطات والألوان والموسيقى والبناء التشكيلي. متعة للعين وللأذن.. وما متعة السينما إن لم تكن كذلك!

الجزيرة نت في

25.05.2014

 
 

أزمات أسامة في الولايات المتحدة الأمريكية

محمد موسى 

أكثر من ثلاثين عاماً مرت على هجرة عائلة الشهابي العراقية الفلسطينية، موضوعة الفيلم التسجيلي "الأمريكي العربي"، الى الولايات المتحدة الأمريكية. ستتعثر العائلة، الهاربة من جحيم بلدانها الأصلية، في مساعيها لتحقيق نسختها الخاصة من "الحلّم الأمريكي"، بل إن مُعضلات الشرق المستديمة ستطارد العائلة وتُعكر حياتها. أزمات عائلة الشهابي ستصل الى ذروتها التراجيدية عندما إنتهت حياة أحد ابنائها بفعل الأدمان على المخدرات. ابن آخر (المُخرج أسامة الشهابي)، قرر مبكراً إنه سيواجه العالم من حوله بالسينما والسُخرية، فأختار الكاميرا السينمائية ليسجل ما حوله، وأحياناً يوميات من حياته وما يعنيه أن يكون عربياً ومسلماً في الولايات المتحدة الأمريكية في العشرين عاماً الماضية.

يفتتح فيلم "الأمريكي العربي" بمشاهد من مقبرة تقع بين طرق سيارات سريعة. هناك يرقد إبن العائلة، وأخ مخرج الفيلم التسجيلي هذا. تتوزع المعلومات بدون ترتيب منطقي على شاهد القبر. هناك نص ديني باللغة العربية الى جانب معلومات بالإنكليزي. في زاوية القبر السفلية كتب "العراق" بالعربي. وهو البلد الذي ولد فيه الشاب لأب عراقي وام فلسطينية. تتحدث الأم بمرارة عن فقدان إبنها للإدمان. يهمين موضوع البلد الأصلي والبلد الجديد على حديث الأم. تقول إنها كانت تتمنى لو ابنها مات في أحد الحروب التي مرت على العراق، بدل الموت البطيء الذي عاشه لسنوات في أمريكا. يكشف المشهد ذاك تعقيد حياة العائلة، وهو التعقيد الذي سنشهد فصل صغير منه في هذا الفيلم العائلي الشخصي، الذي ينضم الى مجموعة قليلة من الأفلام الذاتية لمخرجين عرب. قوة هذا الفيلم تتركز في طبيعته الحميمية، وعندما رغب بتقديم مُوسع لموضوعة المهاجر العربي المسلم الى الولايات المتحدة الأمريكية فقد جزءاً من خصوصيته، فالفيلم، يكشف ويؤثر أكثر عندما يركز على عائلة المخرج، وحياة المخرج نفسه.

يواصل أسامة الشهابي في فيلمه "الأمريكي العربي"، ما كان قد بدئه في التجارب الفيلمية التي قدمها في مقتبل حياته. أي السخرية مما يجري حوله. فالشاب الذي ولد في العراق لا يفهم كيف يواصل المجتمع والثقافة الأمريكية إستهزائهم الطويل بالعرب وإعادة تقديم الصور النمطية ذاتها. يختار المخرج مشاهد إرشيفية ذكية من أفلام سينمائية أمريكية ومن تغطيات تلفزيونية لموضوعات عربية. منها واحد بليغ في دلالاته يكشف عن الصور النمطية التي يحملها كثير من الأمريكيين عن العرب. فعندما يمنح المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية جون ماكين، الميكرفون لسيدة أمريكية، تهاجم هذه الأخيرة منافسة باراك أوباما، وتصفه ب "مسلم عربي". ما فعله ماكين هو الذي يثير الحنق، وكان أكثر إساءة بكثير من هجوم السيدة، فهو، وبدل أن يصحح تلك الصورة النمطية المقيتة، ويقول إنه ليس من المعيب أن يكون المرء عربياً او مسلماً، نفى بالمقابل تهمة "العربية" عن أوباما، وأكد أن منافسه هو رجل أمريكي نبيل

ستغير أحداث الحادي عشر من سبتمبر من دينامية العلاقة بين المهاجر العربي المسلم ومجتمعه الأمريكي، ليصبح من الترف بعد تلك الاحداث مواصلة النشاط الصامت لتصحيح بعض الصور النمطية الشائعة عن العرب. تحول الأمريكي العربي الى شخص غير مرغوب و مشكوك به. ينتبه أسامة الشهابي الى تغيير المشهد من حوله. هو لن يعاني، وبسبب الطبقة الإجتماعية الفنية التي ينتمي اليها، من آثار التغييرات بعد الحادي عشر من سبتمبر، لكن حساسية ا

الجزيرة الوثائقية في

25.05.2014

 
 

ناصر عراق يكتب عن إسماعيل ياسين

فى الذكرى الـ 42 لرحيله

هل فكرت لحظة.. لماذا يعشق الأطفال أفلام إسماعيل ياسين؟ وهل خطر ببالك أن الأمر لا يقتصر على الأطفال المصريين فقط، لكنه يمتد إلى جميع الأطفال العرب؟.. لقد أثبت إسماعيل ياسين أنه يمتلك موهبة متفجرة قادرة على إضحاك الأطفال من قرن إلى آخر، وهو أمر لم يحدث من قبل فى تاريخنا الفنى، وسأشرح لك السر الكامن وراء ذلك فى السطور التالية.

فى البداية تعالوا نتعرف على ما تيسر من حياة إسماعيل ياسين ومأساته.. أجل، فقد بدأت حياته بفجيعة، وانتهى عمره بمأساة!

البداية البائسة

فى 15 سبتمبر 1912 ولد إسماعيل ياسين فى مدينة السويس، وقبل أن يكمل عامه العاشر توفيت والدته، ودخل أبوه السجن بعد أن أفلس محل الصاغة الذى يمتلكه، وهكذا وجد الصبى إسماعيل نفسه وحيدًا، فترك المدرسة قبل أن يحصل على الشهادة الابتدائية، وعمل مناديًا أمام محل لبيع الأقمشة يعدد مزايا القماش، ويغرى المارة والعابرين على الشراء!

هذه المأساة المروعة لم تمنع الفتى المسكين من أن يتلقى فى روحه نفحة الفن والانشداد إلى عالم الموسيقى والغناء، وهكذا وجد نفسه مفتونًا بأغنيات عبدالوهاب الذى سطع نجمه فى النصف الثانى من عشرينيات القرن الماضى، وقد ظن إسماعيل أنه قادر على ترديد أغانى مطرب الملوك والأمراء فى حفلات الزفاف التى كانت تقام فى السويس، وبالفعل كان يصعد على خشبة المسرح المعد كيفما اتفق، وما أن يشرع فى أداء الأغنيات العاطفية لعبدالوهاب حتى يضج الجمهور بالضحك!

لماذا؟

لأن ملامح إسماعيل عديمة التناسق وأقرب إلى الكاريكاتير، فحاجباه مقرونان كثيفان، وعيناه شبه ناعستين، أما فمه فواسع جدًا.. كل ذلك يفاقم من الشعور بالمسحة الكوميدية، وهكذا لم يتعاطف الجمهور مع أجواء الغرام واللوعة التى تضج بها أغنيات عبدالوهاب حين شدا بها «مطرب» مزود بملامح كاريكاتورية!

الانطلاق نحو المجد

بذكائه الحاد انتبه إسماعيل إلى أنه لا يصلح للغناء العاطفى، إنما قد يجد حظًا أوفر إذا قدم المونولوجات الغنائية التى تسخر من تصرفات بعض الناس وتنتقدهم، خاصة الأثرياء والبخلاء والكذابين، فراح يقلد مونولوجات حسن المليجى، النجم الشهير آنذاك، فحقق بذلك شهرة معقولة حرضته على أن يركب قطار المغامرة، ويهجر السويس ليأتى إلى عاصمة المجد والشهرة.

فى القاهرة عمل إسماعيل ياسين وكيلًا فى مكتب محام يعشق الفن والغناء، فكان هذا المحامى يصطحب ابن السويس إلى شارع عماد الدين، وما أدراك ما شارع عماد الدين فى ثلاثينيات القرن الماضى؟ إنه شارع مكتظ بفرق مسرحية وصالات رقص وغناء، حيث يصول ويجول يوسف وهبى، ونجيب الريحانى، وعلى الكسار على خشبة المسرح، بينما ترقص بديعة مصابنى، وببا عز الدين، وتحية كاريوكا فى الصالات التى تستضيف نجوم فن المونولوج، أمثال سيد سليمان، وحسن المليجى، وحسين إبراهيم، وغيرهم. وسرعان ما أدرك إسماعيل أن مستقبله مرهون بفنون المونولوج حين حاول أن يقلد عبدالوهاب فى القاهرة، وأخفق إخفاقًا شديدًا. نقطة الانطلاق بدأت من كازينو بديعة «كان يقع مكان شيراتون القاهرة حاليًا»، وهذا الكازينو عمل به معظم نجوم الغناء والرقص قبل أن يتألقوا فى فضاء السينما، مثل فريد الأطرش، ومحمد فوزى، ومحمد عبدالمطلب، وكارم محمود، وعبدالعزيز محمود، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، ومحمود شكوكو، وأخيرًا إسماعيل ياسين الذى استمع إلى نصيحة شاعر العامية الزجال «أبوبثينة» فى ضرورة أن يهجر أغنيات عبدالوهاب ويقدم المونولوجات فقط!

بخفة ظله وروحه الكاريكاتورية ومرحه على الخشبة تمكن إسماعيل ياسين من أسر الجمهور، وهو يؤدى مونولوجاته الخفيفة فى الصالات المنتشرة فى شارع عماد الدين حتى التقطه المخرج فؤاد الجزايرلى ليقدمه فى فيلم «خلف الحبايب 1939» بطولة أبيه الممثل فوزى الجزايرلى «المعلم بحبح».

على الفور حقق إسماعيل حضورًا على الشاشة فى أول أفلامه، ووفقا لما كتبه كمال رمزى فى مجلة «فن» البيروتية قبل ربع قرن تقريبًا «قدم إسماعيل ياسين أكثر من 300 فيلم، واشترك عام 1949 فى 14 فيلمًا، ووصل الرقم فى العام التالى 1950 إلى 17 فيلمًا.. وتنقسم أفلام إسماعيل ياسين إلى قسمين: أولها يمتد من عام 1939 إلى عام 1950 حين كان يؤدى الدور الثانى، أو الدور المساعد، فيضفى على الأفلام طابعًا محببًا من الحيوية والمرح، خصوصًا إذا كانت بطولة الفيلم لمطرب يعوزه التمكن من التمثيل، أما القسم الثانى فيقوم فيه بدور البطولة المطلقة وفيه حقق بعض النجاح».

إسماعيل وثورة يوليو

من أغرب الأحداث التى مرت فى حياة إسماعيل ياسين أنه أول من قدم أفلامًا تحتفى بثورة يوليو 1952، أو بتعبير أدق تحتفل بالجيش الذى قاد هذه الثورة، فقد ظلت السينما المصرية متحفظة تجاه ما حدث ليلة 23 يوليو لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، فلم تحاول أن تخوض من قريب أو بعيد فى هذا الحدث الجلل حتى جاء إسماعيل ياسين وقدم «إسماعيل ياسين فى الجيش» للمخرج فطين عبدالوهاب، فى 23 يناير 1955، ليكون أول الأفلام التى تنتصر للجيش المصرى، وتدعم بشكل غير مباشر ما قام به فى الليلة المشهودة، حتى إن كان فى إطار كوميدى طريف.

بعد ذلك توالت الأفلام التى قام ببطولتها إسماعيل ياسين من أجل الثناء على أفرع القوات المسلحة، ودورها وجديتها، مثل الطيران والأسطول، ثم انتقل إلى دنيا البوليس والمباحث ينشر الأفكار التى تعزز دور المؤسسات العسكرية والشرطية فى الدفاع عن الوطن، والحفاظ على أمن الشعب. حقق إسماعيل نجاحًا مدهشًا فى عقد الخمسينيات لدرجة أن المخرجين والمنتجين تجرأوا واستثمروا اسمه ليتصدر اسم الفيلم لكسب المزيد من الأرباح، حتى صار «إسماعيل ياسين فى..» ماركة مسجلة لأسماء العديد من الأفلام أظنك تعرفها أكثر منى، وهو مجد لم يحظ ببلوغه فى تاريخ السينما قبله إلا اثنان: الأول، الممثل المصرى اليهودى شالوم الذى أطلق اسمه على بعض الأفلام مثل «شالوم الرياضى/ شالوم الترجمان»، والثانية، ليلى مراد صاحبة الأفلام الشهيرة التى تبدأ باسمها مثل «ليلى بنت الفقراء/ ليلى بنت الأغنياء/ ليلى بنت الأكابر».

غلطة إسماعيل الكبرى

لم يفهم إسماعيل ياسين أبدًا أن الثورة التى كان أول من احتفى بها سينمائيًا هى التى ستطرده– دون قصد– من جنة النجومية بعد سنوات قليلة، إذ إنها ستغير مزاج الملايين وتنمّى ذائقتها، الأمر الذى سيجعلهم يتعاملون مع أفلامه وطريقته فى الأداء باستخفاف، فمع مطلع الستينيات كانت مصر تتغير بقوة، وكانت غالبية جمهور السينما من المتعلمين الذين زادوا بالآلاف عندما جعل عبدالناصر التعليم بالمجان، وهكذا ارتفعت ذائقة المصريين، فنفروا من إسماعيل وأفلامه «الرتيبة الساذجة»، وانحازوا إلى فؤاد المهندس، وعبدالمنعم مدبولى، فحاول النجم المنبوذ أن يستعيد مجده الضائع، فأسس فرقة مسرحية باسمه عام 1954 قدمت 51 مسرحية فى 12 سنة، وكالعادة لم ينتبه النجم – غير المتعلم – إلى التغييرات الهائلة التى حدثت فى المجتمع المصرى، وظل على نهجه القديم فى الأداء الساذج والطرح المفكك، فانصرف عنه الجمهور، وخسرت الفرقة 45 ألف جنيه «أيام كان الجنيه جنيهًا» كما يقول كمال رمزى فى مقالة إياه!

أجل.. تكسرت النصال على النصال، وزادت مصائب إسماعيل ياسين، وفقد العمارة التى بناها بعد أن وضعت مصلحة الضرائب يدها عليها لأنه لم يسدد ديونه، وهكذا هاجر إلى لبنان بحثًا عن عمل لائق هناك، فلم يلق الحفاوة المرجوة، فعمل فى الإعلانات التليفزيونية بعض الوقت ليعود إلى القاهرة حزينًا موجوعًا، فلفظته السينما التى تجاوزت طريقته فى الأداء بمراحل، فيقبل مضطرًا القيام بتقديم المونولوجات فى شارع الهرم!

إسماعيل والأطفال

ألم أقل لك فى بداية المقال إن حياته بدأت بفجيعة وانتهت بمأساة؟، ومع ذلك فالرجل مازال حاضرًا حتى الآن فى ابتسامة كل طفل مصرى وعربى، لأنه استطاع أن يرصد مشاعر الطيبة والبساطة بتفرد، كما أنه – وهذا هو الأهم – تمكن من التعبير عن أحاسيس الخوف بأسلوب بالغ الطرافة والصدق لدرجة تجعله يستغيث بوالدته فيصرخ «يا أمه»، وهنا بالضبط يكمن سر التفاعل العجيب بينه وبين الأطفال، فالطفل تنتابه مشاعر خوف بطبيعة الحال، فيلوذ بأمه، وحين يشاهد فى الفيلم رجلًا كبيرًا طيبًا يخاف مثله فلا شك أنه سينفعل به ويحبه ويتعاطف معه.

لقد كانت دهشتى عظيمة وأنا أعمل فى دبى حين كنت أفاجأ بأن الأطفال السوريين والفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين يعشقون إسماعيل ياسين، ويتلهفون على رؤيته، ويقهقهون من القلب حين يخاف ويرتعب، فأيقنت أن الفنان الأصيل الموهوب قادر على الحياة حتى بعد رحيله، وقد مات إسماعيل فى 24 مايو 1972، لكنى آثرت أن أكتب عنه اليوم 16 مايو لأن العدد المقبل سيكون من نصيب فاتن حمامة، وما أدراك ما فاتن حمامة؟

السبت 24 - 5 - 2014 12:30

بالصوت.. أمنية إسماعيل يس الأخيرة قبل وفاته مباشرة!

كتبت بسنت جميل

تعرض الفنان الراحل إسماعيل يس (15 سبتمبر 1912 ـ 24 مايو 1972) للكثير من الصدمات النفسية والآلام الجسمانية، حيث أصيب بأزمة قلبية منعته من مواصلة الدور الذى كان يلعبه فى فيلم “الرغبة والضياع” ببدايات عام 1972م.

وفى ذكرى رحيل إسماعيل يس الـ42 التى توافق اليوم 24 مايو من كل عام، كانت آخر أمنية قالها للإذاعة قبل وفاته مباشرة:

أنا نفسى أشاهد تقديرى وأنا على قيد الحياة، أنا لسه فاضلى شىء من الألم وشىء من الأمل أنا مريض بالنقرس، والمرض ده بيسموه مرض الملوك، مع إنى أنا والله العظيم راجل جمهورى، وأعتز بجمهوريتى، إنما ألم المرض مش مقصر عليا زى ألم النفس!”.

واستمكل أمنيته قائلا:

عايز أقول إنى بعد جهادى فى الفن لمدة 35 سنة أو أكثر، ملقتش الكاتب المنصف إللى يدينى حقى بشجاعة، بينما أنا بشوف كُتَّاب كتير، أقلامهم بتتقصف من كتر الكتابة والمدح فى بعض الزملاء، إللى يعتبروا بالنسبة لى ناشئين، مع إن الفنان الجاهز إللى استمر فى سبيل تأدية رسالته، وضيع زهرة عمره فى الجهاد الفنى، لازم يكرم ويحترم ويعتبر أستاذا للأجيال الجديدة”.

استمع إلى إسماعيل يس قبل وفاته فى الإذاعة

http://www.youtube.com/watch?v=SDd9oC6Q-hQ

كايرو دار المصرية في

24.05.2014

 
 

لكلّ سينماه:

35 فيلماً لتسجيل ذاكرة جماعية

ابراهيم العريس 

ربما لن يكون هناك موضوع يصلح أكثر من هذا الموضوع، نختتم به اليوم هذه السلسلة من حلقات «ألف وجه لألف عام» التي كرسناها لأفلام يجمع بينها انها كلها تتخذ من السينما نفسها موضوعاً لها، وذلك من خلال عمل جماعي اعتبر منذ تحقّقه قبل سنوات قليلة وفي إحدى دورات مهرجان «كان» السينمائي جزءاً من تاريخ السينما في المقام الأول، ولكن ايضاً جزءاً من تاريخ كل واحد من السينمائيين الذين اشتركوا في صنعه. العمل اسمه «لكل سينماه»، اما عدد المخرجين الذين «ساهموا» في وجوده، فخمسة وثلاثون مخرجاً يشكلون في مجموعهم زبدة اهل السينما في زمننا هذا. وهذا ما يجعل لـ «لكل سينماه» أكبر عدد من المخرجين في تاريخ الفن السابع.

> ولكن قبل ان يُدهش القارئ ويخيّل إليه انه أمام عمل يتوخى الدخول الى موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، لا بد من التوضيح: طول الفيلم في مجمله بالكاد يزيد على الساعة ونصف الساعة، وهو في الأصل مؤلف من 35 مقطعاً طول كل منها لا يزيد على ثلاث دقائق. وللوهلة الأولى - ومنطقياً - ليس لأية قطعة علاقة بالتي تليها أو تسبقها. كل ما في الأمر ان الحكاية بدأت حين ارتأى جيل جاكوب، رئيس مهرجان «كان» السينمائي، أن أمثل طريقة للاحتفال بستينية المهرجان، في دورة العام 2007، إنما تكمن في إعطاء ضوء أخضر لخمسة وثلاثين مخرجاً، من أهل «كان» وكبار المخرجين الذين نالوا جوائز دوراتها السابقة، كي يعبّر كل منهم - في ثلاث دقائق لا أكثر - عن علاقته بالسينما. ومنذ البداية لم تكن هناك شروط ولا قواعد. كل مخرج حر في اختيار أسلوبه، حكايته، لغته، حبه للسينما أو كراهيته لها، أيّ جانب من ذكرياته سيروي أو سيخفي. ما نتج من هذا كله، الشريط الطويل الذي نحن في صدده هنا.

> لكن الفيلم حين عُرض للمرة الأولى، عومل على شكل فصل ترفيهي متعدد الأوجه. عرض قطعاً متفرقة كما عرض مجتمعاً. دارت التكهنات في شأنه: هل يعرض في الصالات لاحقاً أم على شاشات التلفزة؟ اين سيكون الإقبال عليه أكثر؟ هل سيتعدى المهتمون به غلاة جمهور السينما الخاص أم يصبح عملاً شعبياً؟ ثم، أية مكانة ستكون لهذا العمل في تاريخ السينما نفسه؟ جواباً على مثل هذه الأسئلة تنوعت كتابات النقاد وتخميناتهم، لكن اللافت ان اكثرهم - وحتى الأكثر جدية من بينهم - رأى في الموضوع طرافته لا أكثر... كما رأى غرابته المدهشة ووجهت تحية عامة الى جيل جاكوب على فكرته الجيدة. وبعد ذلك، بعد ان انقضى المهرجان... دار بعض حديث عن الفيلم الجامع هذا، هنا أو هناك، ثم نسي بعض الشيء. ولكن بعد ان انقضت شهور عاد الفيلم ليبرز من جديد. ليتخذ «لكل سينماه» معاني ودلالات جديدة. لم يعد جزءاً من الحدث، صار جزءاً من السينما، وفي شكل أكثر وضوحاً: جزءاً من علاقة السينما مع نفسها. وهذا هو الجانب من الفيلم، الذي عاش منذ ذلك الحين.

> نعرف، طبعاً، ان السينما منذ طفولتها انشغلت بذاتها وأمعنت في تصوير حكايات تحكي عن السينما. وكأن بعض الشاشات في هذا الإطار اصبح مرايا مزدوجة السطح، تصور الحياة والسينما، ثم السينما والحياة في لحظة «تكعيبية» واحدة. وعلى مدى قرن كامل هو، اليوم، بعض عمر الفن السينمائي الجاد، تطور اهتمام السينما هذا بنفسها وصارت افلام السينما السينمائية نوعاً قائماً في ذاته، لا يكتفي بأن يثير فضول المتفرجين وإعجابهم، بل يتيح لبعض كبار المخرجين ان يحققوا بعض اجمل افلامهم. نقول هذا ونفكر طبعاً بأناس من طينة دزيغا فرتوف («رجل الكاميرا») وبيلي وايلدر («سانست بوليفارد») وفنشنتي مينيللي («أسبوعان في مدينة أخرى») وصولاً الى الذين مزجوا بين النوع هذا وبين سيرتهم الذاتية، من فلليني الى يوسف شاهين وعشرات غيرهم.

> ولا بد من ان نقول هنا ان معظم مخرجي هذا الصنف، أو هذا الصنف وتفرعاته، ابدعوا في هذه الأفلام بالتحديد، لأن حياتهم والسينما هما الشيء الذي يعرفونه أكثر من أي شيء آخر في وجودهم. لن نسترسل هنا في الحديث عن نوع سبق ان تحدثنا عنه. لكننا سننتقل الى ما يعني «لكل سينماه» من هذا الحديث. ذلك ان جيل جاكوب، حين أعطى هذه الفرصة لمبدعين كبار من مبدعي زمننا هذا، ليحققوا شرائط قصيرة عن سينماهم، وأعطاهم حرية التعبير كاملة، أفلت من الأسر عشرات المواضيع والصور والرؤى التي كانت مخبوءة في داخل كل واحد منهم، لتبدو النتيجة اشبه بجنون جرت عقلنته إبداعياً. أو بلعبة كلمات متقاطعة. ذلك ان كل واحد من المخرجين الآتين من القارات الخمس ومن أكثر من 24 بلداً وعدد من الثقافات والتواريخ، حين وجد نفسه وقد طلب منه ان يضع «علاقته» بالسينما في قالب محدود زمنياً، مفلوش إبداعياً، رأى ان الشيء الوحيد الذي يمكنه ان يضعه في ذلك القالب، هو علاقته مع ذاته السينمائية. ومع تكوّن هذه الذات في المسافة، اللامحدودة، التي تفصل بين عينه الآن وعينه ذات لحظة سابقة، وبين الشاشة.

> بعد هذا لا يهم إن كانت هذه «الشاشة» شاشة القرية الأولى، حين شاهد الطفل الذي كانه مبدع اليوم فيلمه الأول (شين كيغي)، أو شاشة مهرجان «كان» حين تحقق له، بعد انتظار 47 سنة حلم الفوز في ذلك المهرجان (يوسف شاهين) او شاشة يرمي عليها ذاته وهموم ذاته وإن بطريقة مرحة (ناني موريتي) أو شاشة يسجل من خلالها احتقاره للحاضر التلفزيوني (كين لوتش). أو شاشة غائبة تنظر هي الى الصالة وما يدور فيها (تهكم لارس فون تراير على من يختارون صالة السينما للثرثرة خلال عرض الفيلم واستمتاع الآخرين به)، أو شاشة للطبقة العاملة (آكي كورسماكي) أو شاشة يفرغ عليها الخيال من حول مشاعر نساء إيرانيات، امام خاتمة فيلم «روميو وجولييت» (كياروستامي). أو شاشة يقف راعي البقر حائراً فيها بين ان يشاهد فيلماً نخبوياً فنياً أو فيلماً نخبوياً فنياً آخر (واحد لرينوار والثاني للتركي نوري بلغي جيلان). هي دائماً الشاشات نفسها وربما ايضاً العلاقة بالسينما نفسها، ومع هذا تبدو الهوة كبيرة بين لقاء يجمع جان مورو بمارتشيلو ماستروياني (شريط ثيو انغلوبولوس) وشريط يصور فيه هسيو هيساوهسيين دخول عائلة الى صالة السينما، أو ثالث لدافيد كروننبرغ تعبر فيه الشاشة كلمات تتحدث عن «مقتل آخر يهودي في العالم في آخر صالة للسينما في العالم»، وربما رابع يصور فيه اندريه كونتشالوفسكي قوماً عاديين يشاهدون فيلماً غير عادي هو «ثمانية ونصف» لفلليني.

> لن نقول هنا ان هذه الأفلام في مجموعها، أو كلاً منها على انفراد، تصلح لأن تستخدم كجزء من سيرة صاحبها، أو سيرة علاقته بسينماه أو سينما الآخرين، ولكن من المؤكد اليوم، ان كل هذه الشرائط انما تبدو في نهاية الأمر وكأنها تنتمي الى متفرجي السينما انفسهم، الى طفولتهم وعلاقة هذه الطفولة بالسينما. ثم علاقة شبابهم بها. ذلك أن تجربة مشاهدة هذه الشرائط معاً، اليوم وقد نسي مبرر وجودها الأساسي وحكاية هذا الوجود، من شأنها ان تضع المتفرج، كل متفرج، امام تاريخه السينمائي الخاص، ما يجعل ترتيباً، أو إعادة ترتيب للأفلام، جزءاً اساسياً من ذلك التاريخ. اما مشاهدتها في ترتيب عشوائي فإنها كفيلة بأن تضع المشاهد امام لحظات من ذاكرته السينمائية تومض هنا وهناك، وفي الأحوال كافة امام علاقة متجددة بذاكرته السينمائية تقول له مباشرة كم ان السينما تشكل جزءاً اساسياً من تاريخه، من ذاكرته ومن وجوده. وهذه في الحقيقة، معجزة صغيرة حققها فيلم من المؤكد ان صانعيه، بمن فيهم صاحب فكرته الأساس، لم يخمّنوا وجودها. ترى، هل خمّن العاملون على بناء الكاتدرائيات الضخمة، زمن بنائهم لها، انها ستكون لاحقاً جزءاً دائماً من وجودهم واستمراراً لهذا الوجود بعد ان رحلوا وغابوا في نسيان الأزمنة؟

 alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

24.05.2014

 
 

فجر يوم جديد: جيران السعد !

كتب الخبرمجدي الطيب 

حتى زمن قريب كان ثمة من يرى في الشارع المصري أن {طبيب الأطفال} مواطن فشل في استكمال دراسة الطب فتوقف عند مرحلة الأطفال، وعلى النسق نفسه يتخيل بعض السينمائيين أن {فيلم الأطفال} أو {الفيلم العائلي} هو مرحلة أدنى من الفيلم الروائي الطويل، ومن ثم فهو لا يحتاج إلى اتقان ودقة واهتمام بالتفاصيل بل يقتضي قدراً كبيراً من {التهريج} و«الاستخفاف} و«السماجة} إذا لزم الأمر!

فيلم «جيران السعد» أحد الأعمال التي يُفترض أنها تُخاطب الأطفال، وتُرضي غرور الأسرة، لكن كاتبه أحمد عيسى أبى أن يبذل الجهد الذي يؤهله لصنع الفيلم المُتقن، وكأن الأقدار لم تقده يوماً إلى مشاهدة أفلام عالمية من نوعية: Home Alone (1990)، الذي عُرض تجارياً تحت اسم {وحدى في المنزل} و}Baby’s Day Out} 1994))، الذي عُرض تحت اسم {مواقف وطرائف طفل}. فالكاتب، الذي شارك عمر طاهر في كتابة سيناريو فيلم {عمليات خاصة} (2007) وحواره ثم قدم مستقلاً ثاني أفلامه {كاريوكي} (2008) اختار {الاستسهال} طريقاً له، وأفرط في افتعال المواقف التي فضحت قلة حيلته، وضيق أفقه، ومحدودية خياله؛ فالبداية المبشرة المتمثلة في الرسم الدقيق لشخصية البطل {سعد السعد} (سامح حسين) المتردد، الذي قادته قلة ثقته في نفسه ونرجسيته، إلى الاحتماء بصوره الشخصية التي وضعها في كل مكان، والتعامل مع موظفي الشركة التي ورثها عن أبيه بقسوة وغلظة ودكتاتورية، تنحرف وتتجه إلى النقيض، عقب زواجه من {ميريت} (ميرنا المهندس) وانتقال عائلة مدرب كرة السلة (سليمان عيد) وزوجته (بدرية طلبة) وأولادهما الخمسة إلى الإقامة في الفيللا المجاورة لهما؛ فالبطل يُعلن الحرب على الأطفال بحجة أنه لم يعش طفولته، في حين أن العكس هو الصحيح، ثم تتجه المواقف إلى المبالغة، والابتذال،بعد أن تتأزم العروس الشابة بسبب عجزها عن استكمال خلوتها الجنسية مع زوجها، الذي تفرغ لمطاردة الأولاد، والكيد لهم!

من مشهد إلى آخر تغيب الطرافة والحيل الطازجة عن المواقف الدرامية، وتطغى البلادة، والخيال الكسيح، و}الإفيهات} السخيفة المستهلكة، كالتوظيف المتكرر للعبارة القديمة {أنا سعد الدالي... انت مين؟}، والاستعانة بالفرح كمبرر لوجود المطرب الشعبي سعد الصغير، والراقصة البدينة المقززة التي نعرف في ما بعد أنها الخادمة المفضلة للعروس. وسرعان ما تختفي الشركة، بعمالها وموظفيها المزعجين، بحجة أن البطل في شهر العسل، وتُصبح الدراما سجينة {الكومباوند}؛ حيث يعيش البطل وزوجته و}جيران السعد}، وبينما كانت الفرصة مهيأة لتقويم تجربة المجتمعات المنعزلة {الكومباوند}، والأغنياء الجدد الذين وصلوا إليها وأفسدوها، يتسبب فقر الخيال والسيناريو الغارق في المبالغات، في تقييد حرية المخرج تامر بسيوني الذي أظهر سابقاً قدرة فنية عالية، وبلغ درجة كبيرة في ما يتعلق بتوظيف عناصر الصورة والإضاءة، في فيلم {خطة جيمي} ومن قبله فيلم {يا أنا يا هوه}. فباستثناء توظيف {الغرافيك}، والاستثمار الجيد لانفجار محول الكهرباء، واللعب على وتر {حرب المياه الملونة} ونجاحه في إلقاء ظلال لونية  مبهرة على عدد من {الكادرات}، ارتمى {بسيوني} في براثن سيناريو ركيك، وإنتاج شحيح، وضاعت محاولاته اليائسة لإنقاذ التجربة من الفشل؛ فالزوجة التي تحاكي نانسي عجرم لتستثير رجلها ليست سوى حيلة قديمة، وغاب الهارموني عن الموسيقى التي صاغها اثنان هما: شريف الوسيمي وشادي محسن، والاستعانة بالغناء الشعبي (فيفتي والسادات وعمرو حاحا) قد يكون مبرراً في الحفلة التي أقامها {ثري زمن الفساد}، بمناسبة امتلاك فيللا في {الكومباوند}، لكن العودة للمطربين أنفسهم داخل الفيللا بدا مُقحماً ومباغتاً، بل هو أغرب من الخيال، كونهم ظهروا فجأة كالأشباح والعفاريت!

في فيلم {جيران السعد} قالت زوجة البطل، وهي تُحذره من مواصلة التصعيد ضد الأطفال: {بدل ما تحاربهم افهمهم... وبدل ما تفرض سطوتك عليهم تعاون معاهم}. وفي هذه الجملة  السحرية يكمن مفتاح الفيلم؛ إذ تكشف عمق الهوة بين الأجيال، وأيضاً الصدام بين الآباء والأبناء، وتؤكد على أهمية الصفح والمغفرة. لكن أحداً لم يهتم بالتركيز على فحوى الرسالة، ومن ثم ضلت الطريق إلى المتلقي، في ظل اهتمام الكاتب بتفاصيل تافهة، وعجزه عن تطوير فكرته، وحالة  {التوهان} التي أصابت المخرج وأفقدته التركيز. كذلك القدرة على إحكام قبضته على عناصره الفنية، على رأسها طاقم التمثيل، الذي كان في أسوأ حالاته؛ فالممثل سامح حسين منفعل ومفتعل وبعيد عن الشخصية وميرنا المهندس استنفدت جميع الفرص التي تجعل منها ممثلة، والأطفال ضاعت براءتهم، وافتقدوا خفة ظلهم، وتحولوا إلى شياطين من دون مبرر درامي، وجاءت النهاية السعيدة التي تبادل فيها كل طرف الاعتذار مع الآخر، وعادت الزوجة إلى أحضان زوجها مطلع السنة الجديدة، بمثابة مقلب كبير اعتدناه كثيراً في أفلام {السبكية}!

الجريدة الكويتية في

23.05.2014

 
 

إبرام نشأت :

«ظرف صحي» فيلم إنساني كوميدي خفيف

كتب الخبرهند موسى 

جملة من الانتقادات واجهها فيلم {ظرف صحي} للمخرج الشاب إبرام نشأت الذي طُرح أخيراً في دور العرض، تتعلق بوجود أحداث غير مفهومة، واقتطاع مفاجئ للمشاهد، فضلا عن نشوب خلافات بين الفنانين المشاركين في العمل، واعتراضهم على خروج أدوارهم بهذا النحو.

حول هذه الانتقادات، وتجربته الإخراجية الأولى والصعوبات التي واجهته كان لـ«الجريدة} اللقاء التالي معه.

·        من رشحك لإخراج {ظرف صحي}؟

المنتجة ابتسام مكي، وعندما عرضت علي الفكرة أعجبتني، وتحمست لإخراجها.

·        كيف تحدد الفيلم؟

قدمت فيه توليفة مضحكة بشكل متميز، فخرج ضمن إطار إنساني كوميدي خفيف، يُخرج الناس من الحالة النفسية الصعبة التي يعيشونها بفعل الأحداث السياسية، وليس جاداً يحتاج قدرات تفكير عميقة مثل: {الجزيرة}، {ملاكي إسكندرية} و}عمارة يعقوبيان}.

·        كيف تمّ اختيار الأبطال؟

بالاتفاق بيني وبين المنتجة، يشارك فيه حوالي 17 ممثلا وممثلة.

·        أخبرنا عن أداء أبرز الأبطال.

محمد رضا ممثل مجتهد وموهوب يخاف على عمله، ويحضر إلى موقع التصوير قبل موعده، ويناقش دوره رغبة منه في عدم حدوث أي أخطاء، ويتفق معي على الإفيهات التي يرددها داخل المشاهد. كذلك اخترت دوللي شاهين لأن ملامحها تقترب من الملامح المصرية، فيما روان فؤاد مناسبة لدور الفتاة الشعبية الدلوعة المهتمة بنفسها ومظهرها الخارجي.

·        ألم تقلق من إسناد البطولة في أول أفلامك إلى ممثل يؤديها للمرة الأولى؟

لا، لأنه يستحقها نظراً إلى موهبته الكبيرة، ثم أرى فيه نجماً سينمائياً قوياً، وأتوقع أنه سيحقق نجاحات مقبلة، لا سيما أن الجمهور كان في انتظار ممثل أسمر يضحكه.

·        شعر البعض أثناء متابعة الفيلم بأن ثمة اقتطاعاً واضحاً للمشاهد، ما السبب في ذلك؟

لا يوجد اقتطاع على الإطلاق، إذا تابع المتفرج كل مشهد بمفرده سيجده متكاملا، لأنني اهتممت بمستوى كل مشهد من ناحيتي الصوت والصورة التي تميزت بدرجة كبيرة في العمل ككل، إلى جانب النواحي الإخراجية الأخرى، وقد يرجع ذلك إلى كثرة المشاهد الكوميدية ما أدى إلى انفصالها عن المشاهد الجادة التي تربط بين الأحداث.

·        في الفيلم أحداث غير مفهومة من بينها بيع الشخصية التي تجسدها دوللي شاهين الفُل في إشارات المرور مع أنها من أسرة ميسورة الحال، كيف تفسر ذلك؟

في المشهد الرابع من الفيلم تظهر والدة دوللي شاهين (بدرية طلبة) وهي جالسة مع ثري خليجي ترغب في تزويجه لابنتها، وبعدها يأتي مشهد لدوللي مع نرمين ماهر تشكو إليها والدتها وتعرب عن رفضها لهذا الزواج، لذا تضطر إلى بيع الفل، والعمل كخادمة في البيوت، حتى لا تخضع إلى ما تريده والدتها. من الطبيعي أن يتفهم المتفرج ذلك.

·        وماذا عن علاقة روان فؤاد المفاجئة بشاب عبر الهاتف؟

كان يفترض تقديم مشهد يبين فيه أنها شقيقة نرمين ماهر، والممثل الشاب الذي يؤدي شخصية شقيقها الأكبر {عوض} مع إبراز الفرق بينهم، لكنه حذف لعدم الحاجة إليه وإلى مشهد يبين أن ثمة علاقة حب بينها وبين هذا الشاب، بل يتم استعراض ذلك من خلال تفاصيل بداية علاقتهما وخروجهما سوياً وهكذا، إذ تطورنا بالأحداث إلى أهمها، وهو حدوث علاقة حميمية بينهما، كانت سبباً في حملها فتلجأ إلى الخضوع لجراحة لإجهاض الجنين تؤدي إلى موتها.

·        هل فرضت المنتجة ابتسام مكي نفسها على العمل كممثلة؟

لا، طلبت منها أداء هذا الدور. بعدما قرأت النص واخترت كل ممثل في مكانه، وجدت أن ثمة دوراً لمعلمة في قهوة بلدي فعرضته عليها ووافقت على الفور.

·        ما سبب مشكلاتها مع دوللي شاهين؟

لا أريد التطرق إليها، لأنها وقعت في بداية التصوير، ثم اختلف الوضع راهناً وأصبح هادئاً، ومع طرح العمل في دور العرض لم يعد ثمة مجال للحديث عنها.

·        لماذا كتب اسمها كضيفة شرف على شارة الفيلم؟

لأنها بالفعل ضيفة شرف وليست من ضمن الأبطال الأساسيين، ثم هي طلبت هذا الأمر، أي تم بناء على رغبتها.

·        من هم إذاً الأبطال الأساسيون؟

محمد رضا فحسب. أما سليمان عيد، علاء مرسي، نرمين ماهر، روان فؤاد فيؤدون أدواراً ثانية.

·        ما الصعوبات التي واجهتها في أولى تجاربك الإخراجية؟

العمل تحت ضغط شديد لارتباطي بموعد معين للانتهاء من التصوير، فكنت أصور حوالى 12 مشهدا يومياً، وأحياناً 15 مشهداً، إلى جانب أن العمل يضم سبعة وجوه جديدة، وقد وجدت صعوبة في توجيههم. لكن، في الحقيقة، كانت لديهم استجابة واضحة.

·        هل أنت راضٍ عن هذه التجربة؟

بنسبة كبيرة، رغم أنني تمنيت خروجها على نحو أفضل ولكنها ليست أقصى طموحاتي، بل تمثل 20% من قدراتي الحقيقية. أودّ أن يحكم الجمهور على عملي من خلال الصوت والصورة وتقسيم المشاهد.

·        هل تنوي الاستمرار في تقديم هذه النوعية من الأعمال؟

لا أفضل حصر قدراتي ضمن أفلام كوميدية شعبية مثل {ظرف صحي}، إنما أرغب في تقديم الأنواع كافة: كوميدية، عاطفية، حركة، تشويق، وأعمالي المقبلة ستثبت ذلك.

·        كيف تقيّم المنافسة مع الأفلام المطروحة في هذا الموسم؟

سعيد بها، لا سيما أن ثمة فيلماً واحداً فقط ينافسنا من ناحية النوع، هو {سالم أبو أخته} الذي نجح في تحقيق إيرادات مرتفعة في دور عرض معينة، بينما نجحنا نحن في دور عرض أخرى.

·        وأفلام السبكي؟

أتمنى العمل مع أحمد السبكي لأنه أحد المنتجين الماهرين، فهو يُحسن اختيار القصص التي تهم الجمهور، ويحدد الوقت المناسب لعرض العمل. بالنسبة إلي لا أريد تقديم موضوع ذي أبعاد يصعب على المشاهد التعامل معها، بل موضوع خفيف يستوعبه المشاهد بسهولة من دون إرهاق.

·        أخبرنا عن أعمالك المقبلة؟

أنتظر طرح فيلمي الثاني {جرح سطحي} قريباً، يؤدي بطولته: أشرف مصيلحي، ساندي، نرمين ماهر، حسام فارس. أنا متفائل بهذا العمل، وأتوقع أن يُحدث ضجة عند عرضه، لأن أحداثه تدور في إطار تشويقي، مليء بالمطاردات، ويستدعي من المشاهد إعمال عقله.

الجريدة الكويتية في

23.05.2014

 
 

رحيل فايز غالي... «فارس الواقعية» 

كتب الخبرروميساء إبراهيم 

قبل أن يغيب السيناريست فايز غالي عن عالمنا منذ أيام، كان غاب عن السينما منذ سنوات، بعدما تغيرت شروطها ولم تعد ملائمة له، ما سبب له اكتئاباً شديداً. إلا أنه خرج أخيراً من الاكتئاب، وعاد إلى الكتابة السينمائية بمشروع عن السيد المسيح. لكن القدر لم يمهله، فدخل في صراع مع المرض وتُوفي في أعقاب جراحة دقيقة خضع لها.

وُلد فايز غالي في 20 يوليو 1946 في حي الأزبكية في القاهرة، عاش طفولته في حي شبرا حتى نيله الثانوية العامة، ثم التحق بكلية الآداب قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة الإسكندرية، وتخرج عام 1966.

في أبريل عام 1967 عين بوظيفة اختصاصي اجتماعي في مصلحة السجون في ليمان أبي زعبل. كتب أول قصة روائية مكتملة بعنوان «أبطال أبي زعبل» بعد نكسة 5 يونيو التي دمر فيها مصنع أبو زعبل وهو يقع أمام الليمان مباشرة.

درس  السيناريو وكتب أول سهرة بعنوان «وجهة نظر»، عرضت عام 1974 ، ثم توالت أعماله التلفزيونية ومن بينها: «العقاب،  رجل اسمه عباس، الموج والصخر».

خاض غالي مجال الكتابة السينمائية، وكان أول أفلامه «الأقمر»  إخراج هشام أبو النصر، من ثم قدم أعمالاً مهمة تشكل علامات في السينما المصرية، من بينها: «ضربة شمس» (1980) و«الثأر» (1982) و«فارس المدينة» (1992) من إخراج محمد خان، «العوامة 70» (1982) و«يوم مر يوم حلو» (1988) إخراج خيري بشارة، «الإمبراطور» (1990) إخراج طارق العريان، «الطريق إلى إيلات» (1993) إخراج إنعام محمد علي.

نال غالي دبلوم دراسات عليا في النقد، في المعهد العالي للنقد الفني (1975)، وهو عضو اتحاد نقاد السينما المصريين، وعضو الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما. كتب مقالات ودراسات في نشرة نادي سينما القاهرة منذ مطلع السبعينيات حتى منتصفها، وفي المجلات السينمائية العربية المتخصصة.

واقعي منضبط

يؤكد المخرج محمد خان، أن غالي لم يكن بالنسبة إليه مجرد سيناريست مبدع، بل هو صديق ورفيق مشوار وشريك رؤية فنية مهمومة بوجود سينما حالمة وطموحة تعكس واقع حياتنا.

بدوره يوضح المخرج هاني لاشين، أن فايز غالي كاتب موهوب، قدم أفلاماً مهمة مع مخرجين لهم ثقل ووزن كبير في السينما المصرية، وشكلت أعماله نقلة نوعية نحو الواقعية، وكان لها مذاق شديد الخصوصية، كونه قدم الواقعية بأسلوب راق وليس مبتذلا، كما يحدث حالياً.

يضيف: «رغم أن أفلامه ترصد واقعاً صعباً إلا أنها ممتعة ويمكن أن يطلق عليها «الواقعية المنضبطة»، برحيله فقدت السينما موهبة وقامة كبيرة في كتابة السيناريو».

يتابع: «ظلمت  الظروف فايز غالي، وحرمتنا من إبداعه نظراً إلى الحال السيئة التي وصلت اليها السينما المصرية ولم تعد ملائمة لأي إبداع، مع ذلك لم يفقد فايز غالي الأمل حتى آخر لحظة، متمنياً إنجاز مشروع سينمائي عن السيد المسيح».

أما الإعلامي فادي غالي ابن السيناريست الراحل، فيؤكد أنه لن يهدأ له بال إلا بعد أن يستكمل الأعمال التي تمنى والده أن تخرج إلى النور.

من جهته يشير الناقد يعقوب وهبي، إلى أن السينما المصرية فقدت كثيراً برحيل فايز غالي، «فهو قدم  أفلاماً واقعية مهمة أحدثت طفرة في السينما المصرية، وتميزت كتاباته بالتعبير عن الواقع  المحيط بنا بصدق شديد، ساهمت أفلامه في نجاح مخرجين كبار مثل خيري بشارة ومحمد خان ووضعهم على الطريق الصحيح.

الجريدة الكويتية في

23.05.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)