كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

مهرجان «كان» يتذكر ثلاثية إيستوود - ليوني

حكايات البداية للممثل الذي قيل له «ابحث لك عن مهنة أخرى»

كان: محمد رُضا

 

من بين العروض الخاصّة التي يوفّرها مهرجان «كان» السينمائي في دورته الحالية التي تنتهي يوم الأحد المقبل، ثلاثية المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني (1929 - 1989) مع الممثل كلينت إيستوود (83 سنة).

إنها ثلاثة أفلام دخلت تاريخهما المشترك، وإيستوود طالما أكّد أن ليوني من بين من يكن لهم التقدير لدوره في اكتشافه. هذه الأفلام الثلاثة هي «حفنة دولارات» (1964) و«لأجل حفنة دولارات أكثر» (1965) و«الطيّب والسيئ والبشع» (1966) وفيها لعب ذلك الشاب الطويل أدوار المقاتل الذي لا يحمل اسما والذي حط، في الفيلمين الأولين، وسط حرب العصابات، وفي الثالث وسط الحرب الأهلية الأميركية بأسرها.

قبل ذلك، لم يكن الجمهور الواسع عرف ذلك الاسم الذي سيصبح نجما كبيرا قبل نهاية العقد الستيناتي. فهو أم التمثيل سنة 1955 عندما كان لا يزال في السادسة والعشرين من العمر. المخرج جاك أرنولد الذي عرف بأفلام الرعب والتشويق أسند إليه دورا صغيرا في «انتقام المخلوق» (Revenge of the Creature)، وكان ذلك أول ظهور له على الشاشة. الهوليوودي العتيق آرثر لوبين منحه دورين صغيرين قبل نهاية العام ذاته هما «فرنسيس في البحرية» و«لادي غوديفا المنبوذة» (Lady Godiva of Coventry). هذا من قبل أن يعود جاك رينولدز ويمنحه دور الطيّار الذي يقصف العنكبوت الضخم في Tarantula: حكاية عالم مهووس باستخدام مادة إشعاعية تكبر حجم عنكبوت أسود مما يحوّله إلى وحش لا يمكن الحد من فتكه. دور إيستوود لا يزال صغيرا وهو يقود سرب الطائرات الحربية التي ستقصف هذا العدو بالنابالم!

هذا المنوال من الأدوار الصغيرة استمر في العام التالي: «لا تقل وداعا أبدا» لجيري هوبر (لعب إيستوود فيه دور موظف في مختبر طبي). هذا الفيلم من بطولة «النجم» روك هدسون الذي انزعج من كون إيستوود يرتدي نظارة طبية وهو لا فاحتج. بعد تجربة عدّة نظارات لم يجدها هدسون مناسبة تم خلع النظارة من على إيستوود وأعطاها لهدسون كي يسكت.

ثم هو في الوسترن الأول له «نجمة في الغبار» (A Star in the Dust) لتشارلز هاس، وإيستوود فيه أحد المزارعين في مشاهد قليلة، ثم هو في «إبحار القوارب» (Away All Boats) لجوزيف بفني حيث يظهر إيستوود ويختفي في لقطات قليلة ترد في نصف الساعة الأول من الفيلم. المخرج آرثر لوبين عاد فطلبه لفيلم ثالث بينهما هو «أول امرأة أعمال رحّالة» (The First Traveling Saleslady) حيث دوره هنا أكبر قليلا من أدواره السابقة، ثم كان آرثر لوبين مرّة رابعة وأخيرة مخرجا لـ«هروب من اليابان» (1957) حيث ظهر إيستوود في دور صغير كبحّار.

إنها الفترة التي كان مستقبل إيستوود السينمائي فيها في مهب الريح رغم حداثة عهده، فأخذ يعمل في مهن يدوية صغيرة. خلالها طلبه ويليام أ. ولمان لدور كبير في فيلمه الأخير «هذه هي الحرب» (ولمان صاحب أول فيلم حاز الأوسكار وهو «أجنحة» Wings سنة 1927). مرة أخرى غار بطل الفيلم، تاب هنتر، من إيستوود فتنازل ولمان عن رغبته ومنح إيستوود دورا صغيرا. في العام التالي قامت مخرجة غير معروفة اسمها جودي كوبلان بتحقيق فيلم وسترن صغير عنوانه (Ambush at Cimarron Pass) وكان ذلك أول دور فعلي لإيستوود رغم أنه ليس دور بطولة: إنه جندي عنصري ومثير للمتاعب يمتثل، غصبا، لقيادة سكوت برادي الذي عليه النفاذ برجاله من كمين للهنود الحمر.

* وسترن مطبوخ

عند هذا الحد، توقف إيستوود عن التمثيل للشاشة الكبيرة بعدما انتقي للظهور في دور مساند أوّل في المسلسل التلفزيوني الوسترن «روهايد» (Rawhide). هذا المسلسل (1959 - 1965) من إنتاج شركة كولومبيا التي ذكر إيستوود في بعض تصريحاته لاحقا أن مديرها قال له بصراحة «لن تصبح نجما في المستقبل بسبب حنجرتك البارزة. نصيحتي أن تبحث عن عمل آخر». لكن إيستوود لم يبحث عن عمل آخر، وعمله في ذلك المسلسل رفع من شعبيته (كان أكثر شبابا من باقي الممثلين)، ولفت نظر المخرج الإيطالي ليوني الذي طلب منه، سنة 1964، ترك كل شيء ولعب بطولة «حفنة من الدولارات».

لم يكن ليوني نفسه يعرف ما الذي سينجزه هذا الفيلم من ردود فعل. ورد في الحقبة التي انتشرت فيها أفلام «سباغيتي وسترن». سمّيت كذلك لأنها كانت «تطبخ» في الاستوديوهات الإيطالية. لكنها كانت عديدة، ولاحقا ما أقدمت عليها شركات ألمانية وإسبانية من بين أخرى.

إلى أن أخرج ليوني هذا الفيلم كان مضى عليه نحو 25 سنة من العمل ككاتب ومساعد مخرج ثم مخرج وحدات الأكشن في أفلام تاريخية مثل «هيلين الطروادية» (1956) و«آخر أيام بومباي» (1959). هو الآخر وجد أن طريقه لا يؤدي إلى أي ازدهار إلا إذا بدأ إخراج الأفلام، وهو ما فعله بدءا من أول الستينات. حين أخرج «حفنة من الدولارات» كان بات جاهزا ليفاجئ العالم بما سمّاه «الشاعرية الصامتة».

لكن هذا الفيلم الذي لعب فيه إيستوود دور مقاتل يؤلّب عصابتين تحتلان بلدة منسية من بلدات الغرب الأميركي، لكي تتقاتلا، مأخوذ عن فيلم أكيرا كوروساوا «يوجيمبو» (1961)، وليوني وجد نفسه مطالبا بتوضيح نفسه أمام المحكمة. القضية منعت الفيلم من العرض لفترة داخل الولايات المتحدة، مما يمكن معه القول إن إيستوود شهد رواجه سينمائيا خارج أميركا وليس فيها أولا.

بناء على هذا النجاح قام إيستوود وليوني بالتعاون معا في فيلم «من أجل دولارات أكثر»، وهذه المرّة جلب ليوني من هوليوود ممثل أدوار الشر لي فان كليف. وكما جعل ليوني من إيستوود اسما معروفا، جعل من لي فإن كليف اسما معروفا أيضا. ففي السابق كان فان كليف عبارة عن شخصية متوترة في أفلام الوسترن الأميركي. صالح للقاتل في كل الحالات والذي يموت قبل أو مع نهاية كل فيلم. هنا هو في دور البطولة الثانية وشخصيته أكثر هدوءا من ذي قبل. هذا الفيلم كان بداية سلسلة لاحقة من أفلام السباغيتي وسترن التي استغلته ومنها سلسلة «ساباتا». أيضا تحت إدارة ليوني في هذا الفيلم الممثل الألماني كلاوس كينسكي الذي لاحقا وجه المخرج فرنر هرتزوغ المفضّل لحين وفاة الممثل سنة 1991.

حين تم تقديم العرض لإيستوود تم تخييره بين 20 ألف دولار وسيارة «فيراري» أو 25 ألف دولار من دون سيارة. اختار إيستوود السيارة على أساس أن عميله لا يستطيع أن يتقاضى عمولته عن السيارة.

الفيلم الثالث والأخير في ثلاثية ليوني مع إيستوود كان «الجيد والسيئ والبشع» (The Good, The Bad and the Ugly) سنة 1966. تختلف القصة عن سابقتيها لكن إيستوود يبقى بلا اسم. إيلاي والاك (الذي أعجب به ليوني عندما شاهده في دور الشرير الأول في «الرائعون السبعة» (لجون ستيرجز - 1960 والمأخوذ عن فيلم آخر لكوروساوا هو «الساموراي السبعة» (1954) يشارك إيستوود في دور الرجل السيئ ولي فان كليف في دور البشع. والحكاية عن ثروة من المال مدفونة في مقبرة ولا أحد يعرف داخل أي قبر بالتحديد تم دفنها. كل من السيئ والشرير يحاول إجبار الطيّب (إيستوود) على إخبارهما بالمكان. هذا كله على خلفية الحرب الأهلية وعلى نحو ملحمي كان بداية لفيلمين ملحميين كبيرين لليوني هما «حدث ذات مرة في الغرب» (1968) و«حدث ذات مرة في أميركا» (1984).

.. وبعد ذلك

المخرج الآخر الذي صنع شهرة إيستوود بيديه هو دون سيغال الذي تلقفه حال عودة إيستوود إلى أميركا سنة 1968 وأسند له بطولة «خديعة كوغان» (Coogan›s Bluff) الذي ظهر في الأسواق مع فيلم أميركي آخر من بطولة إيستوود هو «أشنقهم عاليا» (Hang ›em High). عدد الأفلام التي مثّـلها إيستوود تحت إدارة سيغال أربعة. في عام 1971 أخرج إيستوود أول فيلم له هو «أعزف لي ميستي» (Play Misty For Me) الذي لم يكن وسترن أو بوليسيا كما معظم أعماله الأخرى.

شاشة الناقد

مهاجرة تبحث عن أميركا

الفيلم: The Immigrant

إخراج: جيمس غراي

أدوار أولى: ماريون كوتيار، واكين فينكس، جيريمي رَنر

تقييم الناقد:(3*) 

تطلّب الأمر سنة كاملة، منذ افتتاحه في دورة مهرجان «كان» الماضية، حتى أتيح لهذا الفيلم مباشرة عروضه الأميركية. على نحو ما، هي أيضا هجرة إلى الجمهور الأميركي كون الفيلم ليس هوليووديا ولا لجمهور «السوبر هيروز».

بطلته إيوا (مارون كوتيار التي هي دائما أفضل في أفلامها الأوروبية) تصل إلى نيويورك في عام 1921 ومعها شقيقتها الصغيرة ماغدا (أنجيلا سارافيان) المصابة بالسل. بوليس مرفأ نيويورك يقرر إرسالها إلى مصحّة في حين أن إيوا مهددة بالإبعاد ذاتها. هنا ينبري برونو وايز (فينكس) لإنقاذ إيوا من مصيرها فيرشو من استطاع ويأخذها إلى منزله. إيوا ساذجة وتعتقد أن البعض قد يفعل الخير لذاته، لكن برونو يريدها أن تنضم إلى مجموعة فتياته اللواتي يبعن اللذة. تمانع ويصر ويدخل الفيلم في متاهة الدراميات التي تتوقّف أكثر مما تمشي خصوصا بعدما دخل على الخط شاب من النوع الذي كان على إيوا أن تلتقي به أولا (جيريمي رَنر) الذي يحبّها ويريد مساعدتها فعلا.

الفيلم ليس عن الرحلة الشاقّة لإيوا وأختها بل عن نتائجها. من قبل ذلك العام الذي يضع فيه أحداث فيلمه هذا وإلى اليوم، ورغم كل شيء، ما زالت الولايات المتحدة محط الرغبة في اللجوء إليها تحديا للواقع وحلما بمستقبل أفضل. وهناك أفلام انطلقت من هذا الحلم المفصلي بينها فيلم فرنسيس فورد كوبولا «العرّاب 2» (1974) الذي يؤرخ لبداية الحياة الجديدة لدون كارليوني (كما أدّاه شابا روبرت دينيرو) وقبله فيلم إيليا كازان «أميركا.. أميركا» (1963) وتستطيع أن تقتفي الأثر إلى بعض أفلام تشارلي شابلن الصامتة في العشرينات.

لكن المخرج جيمس غراي يريد أن يوسع دائرة البحث في هذا الصدد. لا يكترث لمعاينة مفهوم «الحلم الأميركي» بل يريد أن يبقى في إطار حكاية عاطفية حول خيبة أمل سببها من سبق بطلته الحضور و«التأمرك». في الوقت ذاته، وعن حسن اختيار، أراد تقديم شخصية برونو كشخصية مركبة، وفي هذه الحالة أنت المشاهد، كما وضع بطلة الفيلم، تكاد تشعر صوبه بالعطف لكنك لا توافق عليه.

ما يحسب للمخرج غراي اختياره لمدير التصوير داريوش خندجي معتمدا عليه لتوفير المسحة العشريناتية للفيلم. الألوان حينها لم تكن هي ذاتها اليوم في تلك الأماكن الداكنة، والإضاءة بدورها لم تشع كما هو حال اليوم، وخندجي (المولود في طهران واللاجئ إلى فرنسا من عقود) من بين أفضل من يؤمّن ذلك ومن دون تكلّف يرهق الفيلم.

كوتيار تمنح الشخصية الآتية حديثا من أوروبا التجسيد الذي تستحقه، لكنها تخفق في تأمين كل العمق الذي تحتاجه تلك الشخصية. هي ذات منوال واحد هنا وفينكس هو المتعدد والأعمق. الفيلم بدوره له منوال واحد. نبرة لا تتغير في دراما لا تشتعل أو تنمو، بل تبقى هادئة أكثر مما يجب.

سنوات السينما: 1943

الفيلم التشويقي الأفضل

«فيلم عظيم العالم لن ينساه»، تقول دعاية فيلم «ظل ريبة» (Shadow of a Doubt).
فيلم ألفريد هيتشكوك الذي قاد بطولته جوزيف كوتون وتيريزا رايت. حكاية تشويقية سيكولوجية من نسيج أعمال المخرج الفذ الأهم الذي اعتبره أفضل فيلم حققه. كعادته، ظهر هيتشكوك في لقطة خاطفة (راكب القطار الذي يلعب الورق) في هذا الفيلم متين الصنعة الذي لم يجاره فيلم تشويقي آخر جودة في ذلك العام.

لكن الأفلام الجيّدة مثله كانت كثيرة في ذلك العام ولو اختلفت في أنواعها. لدينا مثلا فيلم ويليام أ. ولمان «حادثة إكسبو» بطولة هنري فوندا: وسترن مختلف عن سواه و«هوس» دراما رائعة من الإيطالي لوكينو فيسكونتي.

10-TOP

ظلال هيتشكوكية

* الوحش الياباني «غودزيلا» هو نجم الأسبوع بعدما جرت إعادة صنعه وجعل الوحش المائي أكبر حجما مما كان عليه في أي فيلم سابق بما في ذلك نسخة رولاند إيميرش قبل قرابة عشر سنوات. البداية القوية أنجزت أكثر من 93 مليونا في الويك إند الأول، وأضاف إليها نحو خمسة عشر مليونا حتى نهاية الأسبوع. في لندن سجل ستة ملايين جنيه، وهو أنجز في باقي أوروبا أرقاما مرتفعة من بينها نحو تسعة ملايين دولار تم تسجيلها في 1814 صالة روسية.
*
الفيلم الجديد الثاني والوحيد هنا هو «رجل بذراع مليون دولار»، وهو دراما حطت باعتدال في المركز الرابع. في هذه الأثناء تجاوز «سبايدرمان المذهل 2» الـ172 مليون دولار كمجموع، في حين حقق فيلم الأكشن الآخر «كابتن أميركا»، وقد تراجع للمركز الثامن، أكثر من 250 مليون دولار.

* الأفلام

1 (3*) (-) Godzilla: $93,188,384 

2 (1*) (1) Neighbors: $25,065,895 

3 (2*) (2) The Amazing Spider-Man 2: $16,803,227 

4 (2*) (-) One Million Dollar Arm: $10,515,659 

5 (1*) (3) The Other Woman: $6,307,822 

6 (3*) (4) Heaven is for Real: $4,380,052 

7 (2*) (6) Rio 2: $3,744,200 

8 (3*) (5) Captain America 2: $3,664,058 

9 (3*) (8) Legends of Oz: $1,957, 456 

10 (2*) (7) Moms› Night Out: $1,774,460 

* حديثا على DVD

(3*) Nosferatu The Vampire

الألماني فرنر هرتزوغ جرّب العمل على هذه النسخة من حكاية مصاص الدماء (1979)

The Tourist Trap (3*)

فيلم تشويقي مرعب مع تشاك كونورز في دور معتوه يهدد حياة طلاب سياح (1979)

(3*)Winter›s Tale

كاتب السيناريو أكيفا غولدزمان أنجز قصّة حب باهتة مع كولين فارل (2013)

(4*) Top 20 Movies of the 30›s

صندوق من عشرين فيلما كوميديا من أعمال الثلاثينات بينها ما هو لشابلن (1930s)

المشهد

أخبار من الخارج

* بينما كان المجتمع السينمائي في «كان» مشغولا بالمهرجان وأفلامه وكاميراته وسوقه التجارية وحفلاته، وفي الوقت الذي كان فيه النقاد والصحافيون يتذمرون، وعن حق، من طول الوقوف على أبواب الصالات ومن عروض «خاصة بالصحافة» نصف من فيها من غير الصحافيين، كانت الأحداث السينمائية خارج المهرجان الفرنسي لا تتوقف بالطبع عن الوقوع. وهذه بعضها:

* مدير التصوير الفذ غوردون ويليس مات يوم الأحد الماضي عن 82 سنة. وقد باشر العمل سنة 1970، وسريعا ما أصبح مدير التصوير المفضل لدى طليعة مخرجي تلك الفترة، فاستخدم موهبته في التصوير بالضوء المخرج هال آشبي في «المالك» وآلان ج. باكولا في «كلوت» و«كل رجال الرئيس» وفرنسيس فورد كوبولا في «العراب» (الثلاثية الكاملة) وروبرت بنتون في «صحبة سيئة»، وكل هذا قبل أن يقوم بتصوير «آني هول» سنة 1977، أول تعاون بينه وبين المخرج وودي ألن. ثم عاد إليه باكولا في بعض أفلامه الأخيرة «ملف البجع» (1993) و«ملك الشيطان» (1997) الذي كان آخر ما صوّره ويليس قبل اعتزاله.

* الأخوان إيتان وجووَل كووَن سيكتبان ذلك السيناريو الذي سيبني عليه المخرج ستيفن سبيلبرغ فيلمه المقبل «The BFG». عادة ما يكتب الأخوان سيناريوهات الأفلام التي سيقومان بإخراجها، لكنهما الآن رصاص في مشط سبيلبيرغ الذي يحضّر لهذا الفيلم الذي سينكش في تاريخ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في السبعينات. الفيلم من بطولة توم هانكس في تعاون جديد مع المخرج ذاته بعد «إنقاذ المجند رايان» و«ترمينال» من بين أخرى.

* التصوير بدأ في فيلم «باتمان ضد سوبرمان» تحت إدارة مخرج المؤثرات الخاصة - بكثافة زاك سنايدر. فيه يتواجه البطلان الخارقان في معارك ضارية قبل أن يتحدا في مواجهة أعداء مشتركين. أماكن التصوير تنطلق من مدينة ديترويت الأميركية لتتجه لاحقا إلى القارة الأفريقية وجنوب شرقي آسيا. بن أفلك في دور باتمان وهنري كافيل في دور سوبرمان، وتستطيع تأييد من شئت منهما، لكن كن واثقا من أن صانعيه لن يعمدوا إلى إغضاب معجبي أي من هذين البطلين كما سنرى بعد عامين عندما سيباشر بعرض الفيلم في السادس من مايو (أيار) سنة 2016 كما تنص الخطة.

* على غرار «باتمان ضد سوبرمان» هناك فيلم، أكثر واقعية، عنوانه «سينغر ضد إيغان» أحداثه تنطلق عندما رفع الشاب مايكل إيغان الثالث قضية ضد المخرج برايان سينغر (مخرج الفيلم الركيك «عودة سوبرمان» سنة 2006 وسلسلة «رجال إكس» بما في ذلك أحدث جزء فيها الذي سينطلق للعروض خلال أيام قليلة وهو «رجال إكس: أيام المستقبل الماضي»)، متهما إياه بالاغتصاب الجنسي في حادثة تعود إلى عام 2003. سينغر تقدّم من المحكمة بطلب رد القضية على أساس أن إيغان كان سبق أن صرّح في قضية منفصلة بأنه لم يلتق اجتماعيا مع المخرج سينغر.

* وفي عالمنا العربي، هناك شركة مصرية تتمدد بالتدرج المريح اسمها «MAD»، وهي أعلنت أنها اشترت حقوق عشرة أفلام مصرية لتوزيعها عربيا من بينها «غرفة الفئران» (إخراج جماعي وكان عرض في مهرجان دبي الأخير) و«ورود سامة» لفوزي صالح، والفيلم المقبل لمحمد خان «قبل بداية الصيف». تخصص الشركة كان وسيستمر في نطاق الأفلام المستقلة والبديلة، والعروض المتوخاة ضمن صالات إماراتية ولبنانية ومصرية محددة تفاديا لاستثمار واسع قد لا يأتي بالفائدة المرجوّة، كون جمهور هذه الأفلام في العالم العربي لا يزال محدودا.

الشرق الأوسط في

23.05.2014

 
 

الفن يطهّر الأبناء من خطايا الماضي

القاهرة - أمل الجمل 

مهووس بتصوير حاله وعائلته وأطفاله من زوايا مختلفة كأنه يخاف أن ينتهي كل شيء فجأة بسبب الحرب التي لم يكن جزءاً منها في أي مرة، لكنها كانت دائماً جزءاً منه وأثرت في حياة عائلته. بهذا يعترف المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي ضمن أحداث فيلمه الجديد «ميراث». ترك فيليب لبنان ثلاث مرات ليستقر بعيداً عنه، تنقل خمس مرات بين البلدان ليعيش المنفى الإجباري الذي عاشته خمسة أجيال من عائلته، مؤكداً أن قرار العودة أحياناً يكون أصعب من قرار الهجرة في بلد ينتحر ولا يشفى من جنون الحرب.

لمناسبة عرض الفيلم التقته «الحياة» لتعرف كيف بدأت قصة «ميراث»، ولماذا تحول من تصوير حيوات الآخرين إلى تصوير نفسه وسرد حكاية عائلته. ومن هنا كان الجواب الأول: «صحيح أنني في الوثائقي أهتم بقصص غيري، لكني منذ 2006 بدأت أشعر أن ما عشته شيء مختلف كلياً، وقلت لنفسي بدلاً عن البحث عند غيري عن شيء مغاير لماذا لا أصور ما هو مختلف عندي، لأني منذ فترة كلما عشت في بلد أتركه مضطراً لأعيش في بلد آخر، فأشعر بنفس الأحاسيس. وكل مرة أعيد نفس القصة. وانتبهت أن ولا واحد في عائلتي من خمسة أجيال وُلد وعاش ومات في نفس المكان. كلهم تنقلوا من بلد لآخر. كلهم هربوا بسبب الحروب على الأقل مرة، فرأيت أننا نعيد التاريخ، ونعيده بلا وعي. فأنا أفعل مثل أبي الذي ترك الشام وجاء إلى بيروت لما كان عمره 42 سنة، وأنا في نفس السن تركت بيروت وسافرت فرنسا. فعلت هذا من دون وعي. وعلماء النفس يقولون كأن الفرد يفتش عن تاريخ أهله فيعيده بلا وعي. عندما أدركت هذا قررت أنه لا يكفي أن أنتبه له ولكن أيضاً من المهم أن أغرس هذا الوعي في أولادي».

بدايات الحكاية

·        قبل أن تظهر فكرة الفيلم هل كان ثمة نقاش يدور بينك وبين أولادك جعلك حتى لو في وعيك الباطن تفكر في صنعه؟

- ذات مرة وأنا أتأمل صورة قديمة سألتني ابنتي وعمرها 4 سنين: أبي.. كيف وصلنا فرنسا؟ واحترت بماذا أخبرها، هل بالحرب في 2006 التي بدأت وانتهت في العام نفسه، أم أخبرها بدخول الإسرائيليين في 1988، أم أعود إلى 1947 عندما جاء الإسرائيليون واحتلوا فلسطين، لأن القصة لم تبدأ فقط في 2006، لماذا وصلنا لهذه الحال؟ ثم قررت أن أخبرها عن فترة زمنية أطول. من هنا كان الوعي بضرورة عمل فيلم وثائقي عن 100 سنة لأن الفيلم تبدأ أحداثه من 1913 وينتهي 2013.

·        ألم تساورك المخاوف أو القلق من فتح هذا الموضوع مع أولادك، أم أنك حسمت أمرك بجرأة منذ البداية؟

- كنت خائفاً كثيراً، وظللت ثلاث سنوات ونصف متردداً أحققه أو لا أحققه؟ إضافة إلى أن الفيلم أخد وقتاً مني أثناء صناعته بسبب البحث عن تمويل ثم البحث في الأرشيف وكذلك المونتاج، وكنت متردداً خوفاً من تأثيره في أولادي. فبحثت واطلعت على كتب ودراسات وقابلت علماء نفس وسألتهم: هل من الجيد أن أخبرهم بالماضي أم لا؟ ألا يوجد خوف من أن نحمّلهم ثقل ماضينا فوق أكتفاهم؟ لكنَّ عدداً منهم أكد أنه من الضروري أن أخبرهم، والأفضل أن يتم ذلك من خلال العمل الفني، لأنه بدلاً من أن أرمي عليهم مصائبي القديمة فأنا أجعلهم بشكل غير مباشر يلعبون الدور وبذلك أمرر ما أريد تمريره. وكان منهم طبيب موجود أثناء التصوير أثناء مشاهد تفريغ الرصاصات، ما أتاح لي أن أكون مطمئناً وأنا أحكي مع أولادي.

·        ألم تشعر بالندم من جراء تصوير بعض المشاهد... فمثلاً في إحدى اللقطات تتحدث ابنتك عن ماذا تعني الحرب بالنسبة إليها فتقول: «إنها خراب ودمار وإنها لا تحب أن يذهب زوجها إلى الجيش أو الحرب» هذه الكلمات بطريقة الإلقاء هذه تشي بأن مَنْ تتحدث ليست طفلة ولكنها إنسانة كبيرة ناضجة... ألم تنزعج من هذا الوعي المبكر لابنتك؟

- أنا لم ألقنها ما تقول. هي حكت عما تشعر به.

·        أنا لم أتهمك بأنك لقنتها ما تقول، لكن ما أقلقني هذا الوعي المبكر الذي أفقد الطفلة طفولتها؟

- أنا فرحت وكنت فخوراً بأن ابنتي تمتلك هذا الوعي في هذه السن مثلما وعيت أنا على الحرب وعمري عشر سنين. اليوم نحن في لبنان نحتاج إلى هدنة من الحرب، وإلى أن نوقفها. الطفل في فرنسا يعيش حياته، ولا يكون لديه هذه التجارب وهذا الوعي عن الحرب. لذلك أيضاً يوجد في نهاية الفيلم مشهد المنطاد الذي أقول لهم فيه: عيشوا الحياة وتحرروا من الحقائب الثقيلة حتى تسهل حركتكم وحتى تطيروا وتكونوا أخف، لذلك نرمي حقائبنا في الآخر ونطير كنوع من الاستعارة أو الرمز.

بين الوعي والحزن

·        هناك أيضاً مشهد لابنك وهو يستخرج الذخيرة ويفحصها ثم يقول إنه: «في البداية كان يحب أن يعيش حياتك، لكن الآن – الصبي يتأثر ويكاد يبكي - بعد ما عرف ورأى فإنه لا يحب أن يعيش حياتك...» لذا أعود لسؤالك: هذا الإحساس بالفخر لوعي أطفالك ألم يختلط بالحزن بسبب ما حكيت لهم؟

- أكيد شعرت بالحزن، لذلك منذ البداية أقول: أنا آسف لأن الحرب في 2006 لم تضرني وحدي ولكن أولادي تضرروا منها أيضاً، فقد عشت الوحدة والاغتراب لكن هذه المرة أتشاركهما مع عائلتي. هذا قدر. ماذا سنفعل؟ أما بخصوص مشهد ابني فأعتبره من أهم الأشياء في الفيلم ويعطي معنى له وحين أقول له في النهاية في لقطة المنطاد: «أبوك عنده أثقال لا تأخذها معك، القها من فوق كتفيك ومن فوق ظهرك قبل الطيران والتحليق». هو كان يراني أباً مثالياً لذلك كان يريد أن يعيش حياتي ثم عندما اكتشف واقع الحرب قال: أُوووه لا... لا أريد مثل ذلك. والحمد لله أنني لم أعش حياتك... ومن هنا أنا خففت العبء والثقل الذي يكتسبه بالوراثة، وهذا ما أقصده بعنوان الفيلم «ميراث».

·        لكن من خلال الفيلم يبدو المقصود بالميراث ما تخلفه الحرب بين الأجيال، وليس بالضرورة ما يرثونه بالوراثة الجينية؟

- لا... ما أقصده هو ما يتم نقله بالوراثة، وبلا وعي، ودعيني أخبرك قصة صارت مع عالم نفس تعرفت عليه في فرنسا... هو يهودي أخذه الألمان وقت النازية ووضعوه في المعسكرات لكنه هرب وعمره 8 سنوات وبعدها بدأ يحكي لمن حوله فنهروه وطلبوا منه الصمت فسكت... وعندما شاهد فيلمي قال: «أنت قدرت أن تفعل ما لم أستطع فعله... أنا لم أقدر على أن أحكي لابنتي ما حدث معي». وصارت ابنته مخرجة مسرحية، وفي أحد الأيام حضر مسرحية لها فرأى على الخشبة قصة طفل هي نفسها قصته. وهذا الطبيب يُؤكد أنه أبداً لم يخبر ابنته بما حدث له... لذلك يُؤكد لي أنه إذا لم تُخبر سيأتي الأمر بالوراثة، فأفضل أن تحكي أنت، وتحكي بطريقة فنية لأن الصمت لا يوجد ما هو أبشع منه. فابنته حدث لها ذلك من دون وعي وأرادت أن تتخلص من هذا الثقل على الخشبة أو من خلال الفن.

·        تقول إن التاريخ يعيد نفسه طوال الوقت لذلك يرد عليك ابنك بذكاء: إن كلامك يعني أننا لسنا أحراراً.

- في رأيي أننا أحرار، وعندما نخفف الأعباء من فوق ظهورنا نصبح أحراراً أكثر... أما الأسئلة الكبيرة من نوعية: هل محكوم علينا أم لا؟ وهل نحن أحرار كلياً أم لا؟ فليس لدي إجابة عنها.

·        إذن فأنت ترى كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها التاريخ يكون بالوعي، ثم بالتخفيف من الأعباء... هذا كل شيء في نظرك؟

- الأهم الوعي بتاريخ جدودنا وأخطائهم ومشاكلهم حتى نتخطاها ولا نعيشها ثانية أو نكررها، وهذا هو اتجاه علماء النفس الآن.

·        وهل يمكن فصل هذا عن المنظومة العالمية التي تخطط للحرب في لبنان؟

- هذا موضوع آخر. أنا أخفف ما أستطيع تخفيفه... لكن موضوع دخول إسرائيل وغيرها من السياسات العالمية فما الذي يمكنني أن أفعله إزاءها... ربما التوعية الشخصية.

وثائقي ــ روائي

·        يقترب فيلمك «تحت القصف» من «ميراث» في كونه يمزج بين الوثائقي والروائي، وإن كانت الغلبة للوثائقي في الأخير إلى جانب رسم بعض المشاهد الروائية لتجسيد الماضي، وهو نوع يمكن تسميته بـ «الفيلم العابر للنوعية» الذي انتشر عالمياً، لماذا اخترت هذه الصيغة الفنية من دون أن تجعله روائياً خالصاً؟

- لماذا نقول وثائقياً أو روائياً. العمل في النهاية فيلم سينمائي. أنا ضد التصنيف. قدمت أربعين فيلماً وثائقياً، كل أفلامي على الحافة أو على خط التماس بين الوثائقي والروائي. ربما لأني قادم من الوثائقي، وشغلي معظمه وثائقي، أحياناً أعمل روائياً، وأحياناً أعود للجمع بين الروائي والوثائقي لكني أعثر على هويتي كمخرج يمزج بين الوثائقي والروائي، مثل هويتي كفرنسي وعربي، أحكي جيداً بالعربي وكذلك بالفرنسي... إذا استعنت بالأرشيف صار وثائقياً... ولكن إذا أردت أن أقول إن والدي كان يُضرب في المدرسة... كيف أقول هذا؟ لا بد من التمثيل. مهنتي أن أخبر القصص، كيف أخبر القصة، وكيف أجعلها في قالب يحبه المشاهد... هذا بخلاف المسألة المادية، حيث أننا نقضي عمرنا نفتش على أموال للإنتاج.

·        في المشاهد التمثيلية هل كنت تترك الأولاد يرتجلون أم أنك كتبت السيناريو والحوار؟

- في المشاهد التي يمثل فيها ابني دوري والتي لها علاقة بالسلاح، وكذلك ابنتي وهي تمثل دور أمها وتلعب بالدمية رسمت «ستوري بورد» بسبب أشياء تقنية متعلقة أساساً بالتصوير والشاشة والأوراق في الخلفية... أما مشهد ابني مع الأطفال في المدرسة ففيه قدر من الارتجال، قدر ليس كبيراً. لكن في المشاهد الأخرى مع الممثلين هناك أشياء مرسومة وأخرى لا، لأنه ليس هناك إطار محدد... أنا أشتغل كثيراً على الإلهام. أقوم بالتحضير الطويل لكن أترك مجالاً للتغيير. فمثلاً مشهد الذخيرة أخبرتهم بوجود ذخيرة فيه، فقال ابني: أنا ضد الحرب. فتركته يقول ما يريد. نحن نعرف عماذا سنحكي لكني لم أقل لهم قولوا هذا أو ذاك. تركتهم يتحدثون بشكل عفوي... كذلك في مشهد المنطاد قال ابني الصغير: «أنا أفضل فرنسا» بينما قال الابن الكبير: «أنا أشعر بأني ضائع في فرنسا وفي التنقل بين كل بلد جديد...» فقلت لهما: كل واحد يقول ما يُريد وما يدور في ذهنه، لكن دعونا نعرف حتى نستطيع أن ننظمه أثناء التصوير.

·        في رأيك ما الذي جعل السينما اللبنانية تُحرز تقدماً لافتاً على المستوى البصري والتخييلي في أفلامها الوثائقية، وخصوصاً «العابرة للنوعية»؟

- نحن من زمان عندنا الحرب، عندنا ضرورة للتصوير وللتوثيق، وصار عندنا مع الوقت مخرجون وكتاب سينمائيون اكتسبوا خبرة، كما أن العالم يتغير وظهرت الكاميرا الصغيرة. أنا منذ صغري كنت ألتقط الصور وأبيعها للأجانب فصارت عندي خبرة. إنها الحرب.

الحياة اللندنية في

23.05.2014

 
 

«الآخر والمجهول»:

الهجرة بطاقات بريد ملغومة

أمستردام - محمد موسى 

ركز معظم أفلام الهجرة والمهاجرين التي أُنتجت في أوروبا خلال العقد الأخير، على تعقيدات الحياة والخيبات التي يواجهها مهاجرون في بلدانهم الجديدة، فيما تناولت أفلام قليلة «الطريق» نفسه الذي يقطعه الباحثون عن حياة جديدة للوصول إلى بلاد الأحلام، وكيف تنتهي أحياناً حياة أبطال تلك الرحلات على قارعات طُرق غريبة مُوحشة وبعنف كبير. ولكن، في المقابل تبدو نادرة الأفلام التي تجمع بين تقديم حياة المهاجر في بلده الأم، والبلد الجديد، كما فعل بتفصيلية وإسهاب فيلم «رَحل: الآخر والمجهول» للمخرج التركي كنعان كوركماز، والذي كان أحد أفلام الدورة الأخيرة لمهرجان اسطنبول الدولي (5 - 20 من شهر نيسان/ أبريل).

يمكن وصف الفيلم الجديد، بأنه فيلمان منفصلان جُمعا في فيلم واحد. فبعد أكثر من ساعة على ما كان يبدو أنه القصة الوحيدة في الفيلم، يبدأ قسم آخر وبطول الجزء الأول ذاته، لكن بأبطال ومناخات مختلفة. القصتان تقدمان أخوين (جوزيف ويوحنا)، الأول يعيش في قريته الصغيرة في تركيا فيما الآخر يعيش لاجئاً في السويد. سنسمع عن هجرة هذا الأخير مراراً في الجزء الأول، بل إن هذه الهجرة تربك حياة الأخ في القرية التركية الصغيرة. فهناك مئات الأسباب للالتحاق بالأخ المغترب، وهناك أسباب شخصية عدة أخرى للبقاء. يواجه الأخ الأكبر السؤال الأشد صعوبة في حياته كل يوم تقريباً. وهو يرى أن عالمه الصغير يتضاءل. والقرية السريانية التي ولد وعاش فيها، هجرها معظم شبابها إلى دول بعيدة. أما هو، فإنه ما زال متشبثاً بهذا العالم وعاجزاً على توديعه.

يواصل المخرج الكردي الشاب في فيلمه الجديد هذا ما بدأه في باكورته «الفندق الفخم»، بالبحث عن تعريفات سينمائية مبتكرة لعلاقة الإنسان بالمكان، واقتصاده الكبير في الحوار واستخدامه ممثلين غير محترفين. يصور المخرج الجزء الأول من فيلمه في قرية غيلوغوز الأثرية السريانية. بعد مشاهد افتتاحية عدة بدت مفتونة بإرث القرية وجمالها، يعثر المخرج على أسلوبه الخاص الذي يجمع هنا بين الرغبة في تجسيد ثقل الزمن وتكراره على «جوزيف» من جهة، وعزلة المكان ووحدة ساكنيه من جهة أخرى. يكرر المخرج مشاهد بعينها مرات عدة. فيقدم الرحلة الأسبوعية للبطل الأربعيني وهو يتجه إلى المدينة القريبة لبيع منتجاته الزراعية. والعجوز التي تنتظره على طريق القرية (تعيش وحيدة بعد هجرة أبنائها)، مع وصفة أدوية لجلبها لها من المدينة، والطريق الحلزوني الذي يمر عليه في طريقه للمدينة.

على رغم الخلفية الإثنية الخاصة لأبطال الحكاية، إلا أن المخرج اختار ألا يجعلها مناسبة للغوص أكثر في ما يعنيه أن يكون المرء مسيحياً في الشرق الآن. فلا تكاد العائلة والمجتمع الصغير الذي يقدمه الفيلم يختلفان كثيراً عن ذاك لأتراك من خلفيات اجتماعية أخرى، صحيح أن عالم أبطال الحكاية يتلاشى تدريجاً، لكن الفيلم أراد أن يُعبر عن الهجرات بمعناها وأثرها العام. يحقق الفيلم مشاهد شاعرية عدة للحياة اليومية في القرية الصغيرة، ويركز على محنة «جوزيف»، قلقه على والده المريض، حياته المشتتة. صمته، والذي يبدو كأنه مقدمة لفعل عنيف، كما يمر الفيلم على وحدة النساء في القرية اللواتي يقبعن في خلفية الأحداث، لكنهن كالعادة يحملن الألم الأكبر.

قتامة المنفى

عندما يصل الفيلم، في جزئه الثاني إلى «يوحنا»، كان هذا الأخير قد سمع لتوه بخبر وفاة الأب في الوطن الأصلي. ما سيزيد القتامة في حياته المعتمة أصلاً في الدولة الاسكندنافية. يبدو الأخ المغترب كأنه يحمل هموم العالم كله على كتفيه، وكما لو أن هناك رائحة عفنة لا تشاء أن تتركه. هي ليست رائحة السمك الذي يعمل في تعليبه في معمل سويدي، بل أقرب إلى رائحة جثة، ربما موته الرمزي أو موت أحلامه. يرافق الفيلم يوحنا في حياته اليومية وكما فعل مع أخيه في تركيا. لكن من دون القوة والشاعرية اللتين ميزتا الجزء الأول، كأن المخرج لم يعثر على الإيقاع الخاص المناسب للمدينة الغربية. كما أن البوتريت المفرط في سوداويته سيتأثر كثيراً عندما يتجه الفيلم للتعرض لموضوعات متشعبه مثل العنصرية والحب، شغلته عن الاتجاه الأصلي، أي محنة المهاجر وألمه الذي يستمر طويلاً لترك بلد الطفولة والعائلة.

ستحظى بطاقات بريد أرسلها الأخوان إلى بعضهما بعضاً بمكانة وأهمية كبيرتين. سيرجع الأخوان إلى تلك البطاقات في مناسبات عدة، عندما تضيق طرقهما مثلاً. هي محفوظة بين أغراضهما لتذكرهما بالحياة التي تنتظرهما في مكان آخر، ولتعيد الأخ المغترب إلى ذكريات القرية الأصلية التي تركها. يجتهد الممثلان اللذان لعبا دور الأخوين في تجسيد الأزمة التي تمر بها شخصيتاهما. لكن ممثلي الأدوار الثانوية كانوا نجوم الفيلم الفعليين. كزوجة جوزيف، والتي ربما تقف أمام الكاميرا للمرة الأولى في حياتها. هي تملك سحنة المرأة الريفية التي لم تتعكر بعد بتعقيدات الحياة المعاصرة. ستعاني هذة الزوجة المحبة بصمت من غياب زوجها النفسي عن حياتها، وستقدم واحداً من أجمل مشاهد الفيلم، فعندما توفي والد زوجها، نراها وقد حضنت ابنها الصغير بقوة وجلست على الطريق بانتظار الزوج، بوجه ينفطر من الحب والحزن.

الحياة اللندنية في

23.05.2014

 
 

«الفيل الأزرق» يعيد حامد إلى السينما

القاهرة - نيرمين سامي 

الأعمال الأولى لأي مخرج يُشار إليها اصطلاحاً بأنها تجارب، وهو مصطلح يصف قيام المخرج بتجربة قدراته وموهبته في صناعة الأفلام. المخرج المصري مروان حامد يعد من المخرجين أصحاب الجرأة في التجريب رغم عمله سنوات في المجال السينمائي، حيث يفضل تجربة أجواء، وأنواع، وأدوات، ومشاعر جديدة على السينما المصرية. يعمل حامد حالياً على فيلمه الجديد «الفيل الأزرق»، وهو مأخوذ عن رواية تحمل العنوان نفسه للمؤلف الشاب أحمد مراد والتي تصدرت قوائم المبيعات بعد صدورها في العام 2012. الرواية تحفل بأجواء نفسية مثيرة وغامضة، إضافة إلى احتكاكها بعالم ما وراء الطبيعة. ويشارك في بطولة الفيلم كريم عبدالعزيز، وخالد الصاوي ونيللي كريم.

أكد مروان حامد في حواره مع «الحياة»، أن ما جذبه إلى رواية «الفيل الأزرق» هو ما تتمتع به من اختلاف عن السائد، وهو ما يبحث عنه في كل تجربة جديدة، ويستفيض في الحديث قائلاً: «وقعت في غرام الشخصيات، قرأت الفيل الأزرق قبل إصدارها وقررت أن أحوّلها الى فيلم سينمائي في غضون يوم واحد، وشعرت كأنني أشاهد فيلماً أمام عيني، فاتصلت بأحمد مراد واتفقنا على ذلك. لكني أصررت على أن يكتب هو النص بنفسه. تحمل كتابات أحمد مراد بعض الملامح السينمائية. واعتقدت أن أفضل من يمكن ان يكتب هذا الفيلم هو الشخص الذي كتب الرواية في الأساس. لقد حقق الكتاب نجاحاً كبيراً خصوصاً عند القراء الصغار السن».

وعن المعايير المحددة لاختياراته لفريق عمل الفيلم، أجاب صاحب «عمارة يعقوبيان»: «نرغب أنا وكريم عبدالعزيز في القيام بعمل مشترك منذ فترة طويلة، وسعدت للغاية بالعمل معه. يستعد كريم لهذا الدور منذ 5 أشهر قبل بداية التصوير. اعتقد أن كريم سوف يكون مفاجأة حقيقية للجمهور. أشعر بالفخر حقاً حيال هذه التجربة. من جهة أخرى، هذا هو العمل الثاني الذي يجمعني بخالد الصاوي بعد «عمارة يعقوبيان». أجد أن هناك كيمياء قوية بيننا، وأستمتع بالعمل معه، فهو ممثل غاية في التألق». مروان حامد رغم اعترافه بتدهور وضع صناعة السينما في مصر منذ العام 2010، فضلاً عما شهدته من انخفاض حاد من حيث الكم والنوع، يرى من الشجاعة أن يُقدم أحد على إنتاج فيلم بمثل هذه الموازنة العالية وبكم الجهد المبذول في الخدع البصرية وأعمال الجرافيكس، مرجعاً الفضل في ذلك إلى كامل أبو علي المنتج الرئيسي لهذا الفيلم، والذي مكّن «الفيل الأزرق» من أن يكون أول فيلم مصري يتعامل مع واحدة من أهم شركات المؤثرات الخاصة في العالم وهي الشركة الفرنسية «BUF». ونسأل مروان حامد:

« مشروعك الجديد «الفيل الأزرق» ثالث فيلم لك مأخوذ عن الأدب بعد «لي لي» - المأخوذ من الراحل يوسف إدريس - و»عمارة يعقوبيان» - المأخوذ من علاء الأسواني- هل هذا مجرد مصادفة أو يستهويك تحويل الروايات الى اللغة السينمائية»، فيجيب: «يمثل الأدب المنبع الرئيسي لكثير من الأفكار المستخدمة في الأفلام كما هي الحال في هوليوود على سبيل المثال وكذلك في كلاسيكيات السينما المصرية. كما إنني أستمتع كثيراً بالإشتغال على الأعمال الأدبية».

·        أنت منتج أيضاً...هل تلتمس العذر لبعض المنتجين في ما يقدمونه بخاصة والعائد المالي أمر مهم في المعادلة الإنتاجية؟

- لا أنسي أبداً مقولة أبي الكاتب وحيد حامد: «تاجر الحشيش بيكسب أكتر من تاجر العيش..انت عايز تبقى ايه؟» يمكننا أن نصنع أفلاماً جيدة ونجني عائداً مالياً كبيراً. وللعلم هذه هي طبيعة هذه الصناعة على مر العصور، كما أنهم في بقية أنحاء العالم يصنعون أفلاماً جيدة ويجنون عوائد مالية ضخمة. يكمن السر في حسن الاختيار والثقة في الجمهور وأنا أشعر بثقة عالية جداً حيال الجمهور وأثق بأنهم سيقدرون أي فيلم جيد».

وأشار مروان إلى أن مشروعه التالي يحمل عنوان «الحشاشين»، وهو يتناول قصة حسن الصباح مؤسس طائفة الحشاشين، أول مجموعة إرهابية عرفها التاريخ، «أحمد مراد هو كاتب نص هذا الفيلم كذلك، ونعمل عليه منذ 2011. ما نكتشفه بين طيات التاريخ مثير للاهتمام، لكننا دائماً ما نتجاهل التاريخ كما لو كنا أول جيل بشري يلمس هذه الأرض، ومن الواضح أننا نسير على خطى أجدادنا».

علاقة مروان حامد بالسينما بدأت مع التحاقه ومن ثم تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1999، كما عمل مخرجاً مساعداً في أفلام عدة وإعلانات تجارية. وفيما كان لايزال يدرس، قام مروان بإخراج فيلمين قصيرين وأفلام وثائقية عدة، لكن فيلم «لي لي» (40 دقيقة) كان أكثرها شهرة وتميزاً. «لي لي» هو فيلم مقتبس كما أشرنا عن قصة قصيرة تحمل العنوان نفسه للكاتب الراحل يوسف إدريس. وكان الفيلم المثير للجدل «عمارة يعقوبيان» هو أول فيلم روائي قام بإخراجه، وتم عرض الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية منها مهرجان برلين السينمائي، ضمن قسم البانوراما. كما فاز بالعديد من الجوائز منها جائزة أفضل مخرج روائي جديد في مهرجان ترايبكا السينمائي عام 2006. وهو كثاني فيلم له قام بإخراج فيلم «إبراهيم الأبيض» عام 2009 من بطولة الفنان أحمد السقا ومحمود عبدالعزيز. أحدث أعمال مروان حامد هو إخراجه للفيلم القصير «1919»، وهو جزء من فيلم «18 يوم»، الذي يتكون من عشرة أفلام قصيرة تحكي عن ثورة «25 يناير» المصرية، حيث قام بإخراج الفيلم عشرة من المخرجين المصريين وتم عرضه للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2011 في عرض خاص.

الحياة اللندنية في

23.05.2014

 
 

«الليل الأميركي» لتروفو: حدث ذات مرة في ليل لبناني

ابراهيم العريس 

للحديث عن هذا الفيلم الذي ندرجه في هذه السلسلة اليومية التي نتناول فيها عدداً من الأفلام التي جعلت من الفن السابع نفسه موضوعاً لها، وننشرها على هامش الدورة الجديدة لمهرجان «كان» السينمائي المعتبرة في حدّ ذاتها وفي عدد من أبرز أفلامها، تحية الى فن السينما (من فيلم «غريس أوف موناكو» الى فيلم «خارطة الى النجوم»...)، قد يكون من الملائم والطريف البدء بالحديث عن «الليل الأميركي» انطلاقاً مما حدث في ليلة لبنانية قبل أكثر من أربعين عاماً، وتحديداً في اوائل سبعينات القرن العشرين حين جاء فرنسوا تروفو، وكان قبل ذلك أحد أقطاب «الموجة الجديدة» الفرنسية الى جانب غودار وشابرول، ليعرض فيلمه الجديد هذا ضمن إطار مهرجان سينمائي فرانكوفوني كانت دورته في ذلك العام تقام في بلدة بيت مري اللبنانية. لم يكن أحد قد شاهد الفيلم بعد، لكن الناقد الفرنسي غي هينيبيل الذي كان حينها مقعداً يجول على كرسي متحرك هو الذي كان يعتبر من بارونات النقد السينمائي التقدمي الماركسي ومن العتاة العالمثالثيين، استبق الأمر بتحريض مجموعة من السينمائيين والنقاد اللبنانيين - الذين كانوا تجمعوا للاحتجاج ضد اعتبار لبنان بلداً فرانكوفونياً -، ضد تروفو الذي كان على خصومة معه. والتهمة في التحريض أن تروفو اصبح «عميلاً أميركياً» بعدما كان «مناضلاً ثورياً قبل ذلك بأعوام قليلة وقاد حملة إغلاق دورة مهرجان «كان» ضمن إطار أحداث أيار 1968». أما «دليل الاتهام القاطع» فهو فيلمه الجديد وعنوانه الفصيح: «الليل الأميركي». التقط «الشباب» التهمة يومها ليوجهوا الى تروفو في ليلة الافتتاح، وفي حضوره طبعاً ببذلته الأنيقة وطلّته «البورجوازية»، اللوم لتأمركه. حين اصغى تروفو الى بيان «السينمائيين اللبنانيين الجدد»، بدا شيء من الاستغراب على ملامحه وسأل زملاءه الغاضبين أيّ دليل يملكون على تلك «التهمة الخطيرة»، فجاء جوابهم قاطعاً: فيلمك الجديد يا مسيو تروفو! ذهل الرجل وسألهم علناً وأمام الحضور الأنيق عما إذا كانوا رأوا الفيلم حتى يحكموا عليه؟ فكان جوابهم انهم لم يشاهدوا الفيلم طبعاً «لكن المكتوب يُقرأ من عنوانه» والفيلم كذلك. هنا وإذ تنبه صاحب «الضربات الأربعمئة» و «العروس كانت ترتدي السواد» الى ما خمّنه السينمائيون اللبنانيون، استغرق في الضحك شارحاً ان العنوان لا علاقة له بأميركا وإنما يعبر عن مصطلح تقني يعني تصوير المشاهد في النهار والزعم انها صُوّرت ليلاً باستخدام مرشحات خاصة... ما يعني غشّ العملية السينمائية كلها. هنا إذ أدرك السينمائيون الخطأ السخيف الذي جرّهم إمام النقد السينمائي اليساري اليه التفتوا ناحية هذا الأخير للومه، فإذا به قد اختفى!

> المهم هنا هو ان الفيلم عاد وعرض ليتبين انه واحد من اجمل أفلام تروفو ويصبح مع الزمن إحدى أجمل التحيات التي وجهها الفن السينمائي الى السينما نفسها. صحيح ان السينما كانت قد اعتادت ان تقدم موضوعات سينمائية، ولكن ليس الى ذلك الحدّ من الوضوح. ففيلم «الليل الأميركي» إذ نراه اليوم سيبدو لنا اقرب الى ان يكون من نوع تلك الأفلام التي تسمى «ماكنغ أوف» والتي صارت عملة رائجة حيث يتولى فريق تقني تصوير عملية تصوير فيلم حقيقي ليعرض الشريط الجديد تحية الى الفيلم المصوّر وترويجاً له. غير ان المسألة مع «الليل الأميركي» تبدو أعمق بكثير... إنه فيلم عن أزمة الإبداع. وعن انهماك فريق العمل في الاشتغال على الفيلم فيما الحياة تدور من حوله وربما بشكل مختلف تماماً عما يبدو في الفيلم من زعم بأنه يصوّر الواقع والحياة نفسيهما. فهنا لدينا الفريق الذي يقوده المخرج – ويلعب الدور فرانسوا تروفو نفسه في واحدة من اجمل تجاربه التمثيلية التي قادته لأن يمثل بعد ذلك تحت إدارة ستيفن سبيلبرغ في «لقاءات قريبة من النوع الثالث» -. واسم المخرج هو نفسه الاسم «المستعار» الذي كان تروفو اعتاد استعماله «مسيو فرّان» -... أما بطلة الفيلم الذي يصوره الفريق في أرجاء ومواقع متنوعة من فرنسا فهي فاتنة تلك الأيام الأميركية جاكلين بيسيه التي تُعامل من جانب الفريق كنجمة هوليوودية مع شيء من السخرية اللطيفة من تلك النجومية. اما فريق العمل فيعيش طوال ساعتي الفيلم تلك الأزمات المعتادة في مثل هذا النوع من المهن المتنقلة: غراميات عابرة، انتظار قلق لأموال الإنتاج التي تتأخر، أزمة إبداع وانسداد في أفق الرغبات الفنية لمصلحة الاضطرار الى تقديم التنازل تلو الآخر أمام التناقض الكبير، بل الخطير أحياناً، بين الواقع والطموح، بعض الضمير الذي يستيقظ لدى المخرج كما لدى عاملين آخرين أمام لعبة الغشّ المسماة سينما والتي تُلعب بتواطؤ توافقي في كل لحظة من لحظات تصوير الفيلم، وكل هذا تحت رعاية ذلك التصوير للمشاهد نهاراً وإقناع المتفرج بأنها صوّرت ليلاً.

> من الواضح ان ما كان تروفو يحاول تقديمه في ذلك الفيلم المبكر، إنما كان نوعاً من الاعتراف بأن الحكاية كلها «لعب في لعب»، ما يعني ان «الليل الأميركي» إنما كان في معنى من المعاني أشبه بأفلام السيرة الذاتية، حيث عبّر المخرج، الذي هو ايضاً كاتب السيناريو، عن معاناته وأشجانه خلال العمل، من دون ان ينسى ان في الأمر لحظات حب وتسلية ومرح. «فنحن، بعد كل شيء، في حاجة الى قليل من كلّ شيء حتى نصنع عالماً» كما سيقول تروفو لاحقاً. وما تحقيق الفيلم في رأيه سوى الصناعة المدهشة لعالم كهذا. صحيح ان اشتغال فرنسوا تروفو على موضوعه السينمائي في «الليل الأميركي» لم يأت على عمق «ثمانية ونصف» لفلليني، على سبيل المثال، لكنه لا يقلّ عنه أهمية في مجال كشفه خلفيات معاناة المخرج وهو يبدع فيلمه، سواء أكان هذا الفيلم تحفة سينمائية عبقرية يريد المبدع ان يمررها من وراء ظهر المنتج الذي يهمه ان يحقق فيلمه نجاحات كبيرة في شباك التذاكر (حال الفيلم الذي يصوره ماستروياني في «ثمانية ونصف») أم كان فيلماً يرضخ لشروط الإنتاج الهوليوودي ذي النجوم ومواضيع «ماء الورد» (حال الفيلم الذي يصوره مسيو فرّان في «الليل الأميركي»). في الحالين، لدينا التعب نفسه والمعاناة نفسها مع فارق اساسي يكمن في ان النتيجة في فيلم ماستروياني، إن تمّ تحقيق الفيلم كما يشاء المخرج رغم أنف المنتج، ستكون نجاحاً باهراً في المهرجانات ولدى النقاد، وليسع المنتج الى استعادة أمواله إن كان قادراً على ذلك! أما في حال الفيلم الذي يصوّر في «الليل الأميركي»، فإن المنتج سيحقق أرباحه وبالتحديد على حساب سمعة المخرج واحترام النقاد له.

> انها المعضلة الأبدية في عالم السينما عبّر عنها فيلمان كبيران، وكلّ على طريقته، لمخرجين كانا من أوائل الأوروبيين الذين وجدوا أن في إمكان الفن السينمائي أن يطرح قضيته نفسها على المتفرجين. مع فارق إضافي هو ان «ثمانية ونصف» أتى في نهاية الأمر فيلماً جوّانياً يطرح قضيته من خلال المعاناة والأحلام والكوابيس التي يعيشها بطله، فيما أتى فيلم فرانسوا تروفو فيلماً برّانياً يعالج الأمور من خارجها. وقد نقول في هذا السياق ان الفيلمين جاءا متكاملين. بيد ان علينا ألا ننسى هنا انه فيما أتى فيلم فلليني فنياً خالصاً وصعب المنال بالنسبة الى المتفرج العادي، ما أسفر عن خسائر مالية لمنتجه، أتى فيلم تروفو محققاً واحداً من اكبر النجاحات التجارية التي حققها ذلك المخرج اللطيف الأنيق حتى ذلك الحين. والحقيقة ان كثراً ادركوا ما سيجره «الليل الأميركي» من نجاح لمخرجه منذ تلك الليلة اللبنانية التي لا شك في أن «ابطالها» يفضلون دائماً نسيانها مع ان بعض الصحف الفرنسية تناقلتها في شكل طريف في ذلك الحين مركزة على دوري غي هينيبيل وفرانسوا تروفو فيها، متناسية الدور الساذج الذي لعبه السينمائيون والنقاد اللبنانيون الشبان، ما فاقم من إغضاب هؤلاء طبعاً.

 alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

23.05.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)