كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

طارق الشناوي يكتب:

المصابيح المظلمة!

الأربعاء 30 أبريل 2014 - 10:15 ص

 

فى نهاية الأربعينيات هتف عدد كبير من المطربين والمطربات فى نقابة الموسيقيين، قائلين بصوت نشاز «أخى جاوز الظالمون المدى/ جاءت صباح بعد نور الهدى».

والمقصود بالظالمين الفنانون القادمون من الدول العربية، ولم تنقذ الموقف سوى نقيبة الموسيقيين فى تلك السنوات الرائعة أم كلثوم التى رفضت الانصياع إلى تلك الرغبة المجنونة الحاقدة التى أطلقها عدد من محدودى وأنصاف الموهوبين عندما اعتقدوا أن منع الفنان العربى سيمنحهم المساحة كلها ولهذا طالبوا بغلق أبواب مصر أمام صباح اللبنانية، وكانت قد سبقتها بسنوات قليلة أيضا من لبنان نور الهدى.

بين الحين والآخر نجد الفنانين المصريين حائرين يتساءلون فى جنون: كيف لفنان عربى أن ينطق اللهجة أو يؤدى شخصية مصرية أليسوا هم الأولى؟ فى لحظات يعلو ثم يخبو هذا الصوت، ولكنه تردد بقوة فى الأيام الأخيرة، خصوصا مع اقتراب عرض مسلسل «صديق العمر» الذى يؤدى فيه النجم السورى جمال سليمان شخصية جمال عبد الناصر.

اسم عبد الناصر صار مرادفًا لمصر، فهو يستدعى على الفور زمن الزهو والعزة والقومية قبل انكسارة 67، وعلينا أن ننتظر ما الذى سيسفر عنه المسلسل، خصوصا أن هناك أيضا باسم سمرة الذى يؤدى دور عبد الحكيم عامر، وأراها مبارزة فى الأداء. سألنى بعض الزملاء فأجبت: لا بأس على الإطلاق والمشاهِد لا يسأل فى العادة عن جواز السفر، أنا شديد الإعجاب بموهبة جمال سليمان، فهو الذى فتح الباب بقوة للفنان العربى للوجود فى الدراما المصرية بعد هذا النجاح غير المسبوق الذى حققه بدوره مندور أبو الدهب قبل 8 سنوات فى مسلسل «حدائق الشيطان»، تجارب جمال فى الأعمال الدرامية القاهرية لم تكن مقنعة بالنسبة إلىّ بالقياس إلى المسلسلات التى أدى فيها دورَ صعيدىٍّ، وعبد الناصر الصعيدى الجذور والنشأة كان يتحدث باللهجة القاهرية، ولن يغفر الجمهور له أى خطأ، وأتصور أن جمال يدرك تلك الخطورة.

الأمر ليس له علاقة بالجنسية، مثلًا هند صبرى من أكثر الفنانات قدرة على أداء شخصية بنت البلد المصرية لديها استعداد فطرى للتقمص، رغم أن الأساس هو الإحساس بالمشاعر، ولكن الإطار الخارجى للشخصية فى الحركة واللهجة لا يمكن للمؤدى إلا أن يتماثل معه.

أتذكر أن المطرب مدحت صالح طالب أكثر من مرة وبنفس المنطق بأن لا يغنى المطرب العربى إلا لهجة بلاده، وهى دعوة غريبة، تعنى لو طبقناها بأثر رجعى وحتى الآن نفقد أكثر من 25% من تراثنا الغنائى المصرى، ألم يغنِّ فريد وصباح وأسمهان وسعاد محمد وفايزة ووردة ونجاح سلام ونور الهدى وفهد بلان، وغيرهم وصولًا لجيل الوسط لطيفة وسميرة ثم راغب ونانسى وإليسا وهيفاء والجسمى، وغيرهم بالمصرية.

الفنان العربى عندما يأتى لهوليوود الشرق يفضل من أجل سرعة الانتشار الأداء باللهجة المصرية، وهو فى العادة لا يلقى من أهل بلده لومًا، لأنه يتخلى طواعية عن لهجته. العرب توافقوا على أن اللهجة المصرية منذ أن سكنت وجدانهم مع بدايات عصر الأسطوانة والفيلم الأبيض والأسود هى أيضا لهجتهم.

لماذا يحتج البعض؟ الإجابة المباشرة لأنه يعتقد أن مساحة وجوده تتأثر سلبًا بمزاحمة الآخرين، التجربة العملية أثبتت أن هذا قصر نظر اقتصادى وثقافى وسياسى وفنى.

لا أحد من الممكن أن يقتنص نجاح أحد، والفنان العربى عندما يغنى أو يمثل باللهجة المصرية يضيف إلى رصيدنا إحساسًا بمذاق خاص، عندما تستمع إلى نجاح سلام وهى تغنى «يا أغلى اسم فى الوجود يا مصر» و«أنا النيل مقبرة للغزاة»

أو وديع الصافى «عظيمة يا مصر» أو نانسى «أنا مصرى وابويا مصرى وخفة دمى مصرى» أو لطيفة «تبقى انت أكيد المصرى» أوحسين الحسمى «عينى على أهل كايرو» و«تسلم إيدينك» وغيرها وغيرها، أنه قصر ديل لمن يعتقدون أن الدنيا ستبتسم لهم لو اختفى كل الموهوبين من الحياة ليحتلوا هم كل المساحات، كان بعض المطربين المصريين يعتقدون أن حضور عبد الحليم يحجب عنهم النجاح، ولكنهم بعد رحيله الجسدى رحلوا هم أيضًا من الخريطة الفنية، الواقع أثبت أن من عاش فى الظل مع المضيئين، سيظل إلى الأبد مظلمًا حتى لو أطفؤوا من حوله كل المصابيح.

 

صورة مبارك

طارق الشناوي

الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 9:49 ص

قالت د.درية شرف الدين وزيرة الإعلام، إنها لم تقصد أبدًا حذف صورة مبارك من اللقطات التسجيلية التى صاحبت احتفالات التليفزيون بعيد تحرير سيناء.

هل كانت هذه هى بالضبط الحقيقة، أم أن الصحيح هو أن الدولة لا تزال حائرة فى التعامل إعلاميًّا مع مبارك؟ دعونا نوسّع الدائرة قليلًا، ونسأل: هل الإذاعة تقدّم مثلًا أغانى بها اسم مبارك فى ذكرى أكتوبر أو تحرير سيناء؟ هل إذاعة الأغانى المتخصصة فعلت ذلك؟ الإذاعة كثيرًا ما تجد نفسها فى حيرة، ولكن القرار السياسى الذى يلتزم به الإعلام الرسمى منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن هو أن لا يأتى ذكر مبارك فى أى أغنية، ولم يتغيّر الموقف بعد ثورة 30 يونيو، والدليل أن القوات المسلحة عندما أقامت احتفالية أكتوبر الماضى لم تأتِ على ذكر حسنى مبارك فى الأوبريت الذى كتبه جمال بخيت وأطلق عليه «قد الدنيا»، وكان يقدّم أسماء أبطال أكتوبر، وأسقط عامدًا متعمدًا اسم مبارك، وفى مثل هذه الأمور الحساسة يتم فى العادة الرجوع إلى القيادة العليا فى القوات المسلحة.

نقلوا عن مبارك وقتها أنه حزين لتجاهل اسمه، ولكن ما حدث بعدها بأسابيع ولم تمنحه الصحافة أى مساحة من الاهتمام هو الاحتفال بمرور 25 عامًا على افتتاح الأوبرا «اليوبيل الفضى»، حيث قدَّمت الدار فيلمًا تسجيليًّا تضمن لقطات سريعة لمبارك وسوزان فى أثناء الافتتاح، أكثر من ذلك كان فاروق حسنى مدعوًّا للاحتفالية، مثل هذه الأمور لا تستطيع مثلًا أن تقول إنه مجرد اجتهاد من رئيسة دار الأوبرا الفنانة إيناس عبد الدايم، ولكنها من المؤكد أخذت ضوءًا أخضر من وزير الثقافة صابر عرب، وهو بدوره تلقَّى الموافقة من السلطة الأعلى، وربما هى نفس السلطة التى حذفت اسم مبارك من احتفالية القوات المسلحة. أغلب الظن أن الدولة نفسها لا تدرى فى هذه اللحظات كيف تتعامل عسكريًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا مع مبارك، إذا كانت «الثقافة» سمحت له بمساحة فالإعلام لا يستطيع، ولكنه على المقابل لا يملك القدرة على إعلان موقفه.

ما الذى تخبئه الأيام القادمة؟ الإرهاصات تؤكّد أن مبارك سيحظى بقدر من الرعاية الأدبية، أصحاب رؤوس الأموال أراهم قريبين من ترسيخ تلك الصورة، ربما كان الفيلم الروائى «حظ سعيد» الذى لعب بطولته أحمد عيد هو الأكثر مباشرة فى إدانة مبارك، نعم لدينا عشرات بل ربما مئات من الأفلام التسجيلية التى هاجمته بقوة، ولكن فى المجال الروائى رأينا لمحات وقفشات سينمائية فقط ضد مبارك، وأغلب الأفلام آثرت الانتظار، إلا أن القادم يشير إلى تغيير صورة مبارك وبنسبة كبيرة فى «الميديا» كلها ليتحوَّل من طاغية مستبد إلى بطل قومى.

ثورة 25 يناير حاضرة بكل تفاصيلها فى الذاكرة، وكلنا نعلم أن مبارك أُجبر على التنحّى ولو كان يملك القرار لاستمر على الكرسى، وكان من السهل بعد أسابيع قليلة أو ربما أيام إدانة الثورة باعتبارها مؤامرة أجنبية وتخرج بعدها الملايين إلى الشوارع لكى تهتف باسم القائد وصاحب الضربة الجوية ويعلو الصوت القائل «آسفين يا ريس»، وما كان يجرى فى أثناء ثورة يناير فى ميدان «مصطفى محمود» ليس بعيدًا عن الأذهان، تجييش فنانين ومثقفين ولاعبى كرة، لعبة ممكنة جدًّا، وهناك مَن لديهم خبرة فى تحقيق هذا الهدف ببساطة، وفى غضون ساعات قليلة يتم تغيير توجه الرأى العام.

تستطيع أن ترى الصورة القادمة على هذا النحو، عدد من البرامج وقطاع وافر من النجوم والإعلاميين يمهّدون إلى هذا الطريق فى كل برامجهم، والدراما بدأت فى التسخين.

هل أذكركم بلقاء عادل إمام فى رأس السنة عبر قناة «الحياة» فى حواره مع أشرف عبد الباقى، كان عادل واضحًا ومباشرًا فى دفاعه عن مبارك ووصفه بالبطل المظلوم الذى منح الوطن الكثير ولم يحصل سوى على النكران، عادل يغيّر دائمًا البوصلة فى لمح البصر تبعًا لتغيير موازين القوى، أغلب النجوم فى عالمنا العربى «هذا الرجل»، عندما يقتربون من السلطة يصبح مع الزمن صوتهم هو صوتها ومن الممكن فى لحظات أخرى أن يصبحوا أيضًا سوطها.

الناس فى العادة تطل على الماضى بعيون ليست محايدة، وهم على المستوى الشخصى لم يحصلوا على مكاسب ملموسة من الثورة ويعيشون مشاعر الإحباط، وهى الثغرة التى سيطل منها مبارك وسيلعب الإعلام وأصحاب رؤوس الأموال دور البطولة فى تقديم صورة زائفة لمبارك البطل المظلوم والمغدور.

 

عتمة القلوب و«الخروج للنهار»!!

طارق الشناوي

الإثنين 28 أبريل 2014 - 9:51 ص

مهما كانت العتمة، فإن هناك بصيصا من نور تستطيع أن تُمسك به لو أطلت النظر وأمعنت التأمل. تفاصيل دقيقة لواقع الحياة التى تتجاوز حدود الفقر إلى الانسحاق أمام القدر، ورغم ذلك ومهما اشتدت قتامة الصورة، يبقى هناك انفراجة قادمة. أتحدث عن مصر وعن السينما المصرية التى استقبلت موهبة شديدة العمق والخصوصية، إنها المخرجة هالة لطفى. أطلت هالة من خلال مهرجان «أبو ظبى» مع فيلمها «الخروج للنهار»، وحصلت على جائزة النقاد العالميين، وعلى جائزة أحسن إخراج فى قسم آفاق جديدة للعمل الأول. ومنذ ذلك الحين وهى تحصد الجوائز فى الخارج، بينما فى الداخل يتم حصار الفيلم، ويتفق أصحاب دور العرض على سحقه، حتى أطل علينا من خلال «زاوية» التى تُشرف عليها ماريان خورى مع عدد محدود آخر من السينمات ليشرق فى أعماقنا نهار جديد.

ما تراه على الشريط يتجاوز ما يمكن أن نطلق عليه الصدق، إنها الحياة التى تمر رتيبة على تلك الأسرة المكونة من أب عاجز مشلول، غير قادر على التواصل مع الحياة، وأم تعمل ممرضة بالمستشفى، صنعت حولها سياجا من البرودة فى المشاعر، وابنة لا تجد حتى بقايا الحياة لتعيش عليها.

الأب على السرير غير قادر على رعاية نفسه، الابنة تبدو أشد اقترابًا للأب، الحوار محدود يكاد تفلت منه بين الحين والآخر مجرد شذرات هنا أو هناك، الصمت يسكن هذا البيت، ولكن بلاغة التعبير السينمائى هى الوجه الآخر للصمت.

فى هذا البيت الصغير ترى مصر الآن، لا أتحدث عن مصر قبل أو بعد الثورة، ولكن مصر التى تعيش الحياة بينما هى فى الواقع لا تعيشها.

السرير كان هو البطل، والمرتبة الطبية الرخيصة نسبيًّا «الكورية» الصنع كانت هى الأمل الذى سعت الابنة لشرائه لأبيها ولو بالتقسيط، وينتهى الأمر فى المشهد الأخير ونحن نرى الأم وهى تتولى يدويًّا تنجيد المرتبة، وتُخرج القطن العطن، بينما تسأل الابنة عن مكان دفن الأب.. لم يجدوا له ولهم مكانا على الأرض، فهل يعثرون على مكان تحت الأرض؟!

الصورة القاتمة التى تنضح بالتلقائية فى الأداء تتجاوز الواقع إلى معنى الحقيقة، تذوب تماما على الشاشة كل المفردات السينمائية كأنك لا تراها. حطمت المخرجة الحاجز الدرامى، كأنها تُقدم لنا قطعة من الحياة وتلمس ذلك بقوة فى أداء الممثلات دنيا ماهر الابنة، وسلمى النجار الأم، بينهما حالة من التناغم فى الأداء، كأنها مباراة «تنس طاولة» تتحرك فيها الكرة برشاقة، ولا تسقط أبدًا بعيدا عن الرقعة. الأب أحمد الشرف لم ينطق بكلمة واحدة، ولكن كانت عيناه تصرخ بالاستسلام للقدر الوشيك القادم لا محالة، أيضا فى مشهد واحد لا ينسى تتفوق دعاء عريقات.

المنزل هو الساحة الرئيسية للأحداث، يبدو قطعة مصرية تشم فيه رائحة الناس.. الشاب الذى يمت بصلة قربى إلى العائلة، ويأتى للمنزل للسؤال عن والدها، ولكننا نلمح أنه يريد الارتباط بالفتاة التى تجاوزت الثلاثين، ويشى الفيلم برغبة من جانبه ورفض منها.. نتابع الفتاة وهى تُمسك بالقليل المتاح لها تحاول أن تتزين عند الكوافير. إنها لا ترتدى الحجاب، وعلى الفور وفى الميكروباص تعتقد جارتها فى المقعد «دعاء عريقات» أنها مسيحية. الفتاة لم تتزوج وتعانى من حالة كبت أدت بها إلى نوع من الهلاوس، فتذهب للشيوخ لأنها مسكونة بالجن، وعندما لا تتمكن من طرده تلجأ إلى القسيس. إنها الطبيعة المصرية فى العلاقة مع المجهول الذى يحيطونه بهالة من القدسية. البطلة مرتبطة بشاب لا نراه، ونكتشف أنه يتهرب منها، وندرك أنه لن يكمل معها الطريق.

اختيارات عبقرية لأماكن التصوير.. الوصول إلى الحدود الدنيا فى استخدام الإضاءة لمدير التصوير محمود لطفى، للحفاظ على روح الحياة فى الفيلم. الأماكن التى تجرى فيها الأحداث تُصبح ملامح خاصة لكل من وما تراه على الشاشة.

لم تكن هناك موسيقى تصويرية، لأن الشاشة بتفاصيلها سيمفونية مرئية.. هى فى سياق هذا الفيلم تحديدًا من الممكن أن تُخرجنا عن حالة الفيلم، ولكننا نتعايش فى الأحداث مع أغنية لأم كلثوم «أنا وانت ظلمنا الحب» ودويتو غنائى «طال انتظارى» لمحمد عبد الوهاب وليلى مراد.

الحكاية التى يرويها الفيلم تبدو متكررة آلاف وربما ملايين المرات، ولهذا ليست هناك حكاية، ولكننا نتعايش مع مصر على مدى ساعة ونصف الساعة على الشاشة.

هل بطلة الفيلم تستسلم للواقع أم تتحايل عليه؟ الفيلم لا يقدم موقفًا ثوريًّا نتبناه أو نرفضه، ولا يعنيه أيضا أن توافق على منطق الشخصيات، ليس هذا هو هدف الفيلم ولكننا فقط نرى مصر ومصريين.

سينما لا تخضع إلا لصدق الإحساس، كأنها الأصل ويبقى ما هو خارج تلك السينما كأنه هو الصورة، حقيقة الحياة هى فقط التى عشناها فى «الخروج للنهار»!!

المشاهد طرف إيجابى، المخرجة تمنحك بداية الخيط وأنت تُكمله، ترسم الخطوط العريضة للشخصيات والملامح وأنت تضع باقى التفاصيل كما يحلو لك.

ملحوظة: الفيلم الاستثنائى فى تاريخ السينما المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة يستحق أيضا حالة دافئة واستثنائية من النقد، ولهذا أعيد نشر هذا المقال بعد أكثر من عام ونصف العام!!

 

نور على نور!

طارق الشناوي

الأحد 27 أبريل 2014 - 9:59 ص

فى منتصف السبعينيات كان التنافس فى الشارع على أشده بين محمود ياسين ونور الشريف، محمود أكثر وسامةً وفتى أحلام البنات، لم يكن محمود فقط مجرد شاب موهوب وسيم الملامح، ولكن كان صوته يشكل عامل جذب نسائى، حتى إن بعض منتقديه كان يعتبره مجرد ظاهرة صوتية، وهذا ما دفعه إلى الرد العملى بفيلم «الأخرس».

نور الشريف كان يشكل حالة أخرى، فهو لا ينافس على لقب فتى الأحلام ولا يجلس على عرش الإيرادات، ولكنه نجم الأدوار الصعبة، وهكذا ظل على مدى يقترب من خمسة عقود من الزمان، وهو داخل دائرة النجومية لم يعتلِ أبدًا كرسىَّ الملك، ولكنه على المقابل لم يغادر أبدًا الدائرة.

غدًا يكمل نور الشريف شاطئ الثامنة والستين من عمره ليواصل العطاء متطلعًا لشمس الأيام القادمة، فهو دائمًا يعقد حالة صُلح مع الزمن.

أغلب نجومنا تلمح لديهم تلك الرعونة والتطرف حبًّا أو كرهًا بينما نور فى القسط الوافر من اختياراته وآرائه تكتشف أن وراءه عقلًا يحدد له البوصلة، يخطئ ربما، وهذا بالطبع وارد إلا أن المؤكد أنه قادر دائما على النهوض والصمود مجددًا.

عندما يمر الزمن ونبدأ فى تقييم النجوم الذين أضاؤوا حياتنا فى الخمسين عامًا الأخيرة ونبحث عمّن هو صاحب الرصيد الفنى الباقى؟! لو سألتمونى أقول لكم إنهما اثنان يحتلان المركز الأول، أحمد زكى ونور الشريف.. كل منهما له اختيارات سينمائية وإبداعات خاصة تتحدى الأيام، الفارق بين أحمد ونور أن أحمد يختار الدور ويؤديه بمشاعره، بينما نور مزيج من العقل والمشاعر، وفى أحيان كثيرة يترك لعقله الرأى الفاصل والنهائى. يشعرنى أحمد أن الدور يبدو وكأنه هو الذى يبحث عن أحمد، يتلبسه ويأمره بالحركة والكلمة واللمحة، بينما نور هو الذى يبحث عن الدور، ويضع بعقلانية ملامحه وحركاته وسكناته.

ما سيبقى مع الزمن للنجمين من أعمال فنية هو الأكثر عددًا، رصيد نور ربما يصل إلى ضعف ما قدمه أحمد زكى، لأن «نور» دائمًا ما يترك مساحة للعقل الذى يقول له إن هناك وجهًا آخر للسينما، وهو الأعمال التجارية، والفنان بين الحين والآخر لا بأس من أن يقدم لجمهوره المذاقين معًا.

نور يُمسك هذا المزيج المتوازن من الانضباط والمرونة، فهو دائمًا يطرح اسمه على الخريطة الفنية ويعرف بالضبط كم يساوى كأجر وكمساحة درامية وقيمة أدبية.. يحدد كل شىء بلا تعالٍ مصنوع ولا تواضع كاذب. يدرك دهاليز توزيع الأفلام فى الداخل والخارج ويؤمن أن كل زمن له إيقاع وله نجوم.

يعرف بالضبط متى يقول لا.. أو نعم.. متى يُقبل أو يُحجم.. متى يظهر على الشاشة الصغيرة أو يكتفى بهذا القدر، متى يقف على خشبة المسرح أو خلف ميكروفون الإذاعة أو يصمت وينتظر.. ومتى يعتذر إلى الناس.. نعم يعتذر.. حيث إنه لم يجد أى حرج فى أن يعلن أكثر من مرة أنه أخفق فى الاختيار فيريح ويستريح، ولا يبدد طاقته فى قضية خاسرة.

نور هو واحد من القلائل أو ربما الوحيد الذى حسم منذ زمن بعيد مأزقًا يواجه كل النجوم، وكان السبب وراء اعتزال بعضهم، وهو مكانة اسم النجم على الأفيش والتترات، وأيضًا ترتيب النجوم.. الكبار يريدون أن تتصدر أسماؤهم الأفيشات والجدد يطالبون بأحقيتهم فى الصدارة، ما دام شباك التذاكر يشهد لصالحهم، ولم يصمت نور وطالب بتطبيق قانون صارم قائلا «اللى أجره أكبر منى يسبقنى».

قال لى فى حوار خاص إنه دائما يحتفظ بورقة يكتب فيها ملاحظات على بعض الشخصيات التى يقابلها.. يحتفظ بتفاصيل يلتقطها من الحياة ليعيدها أمام الكاميرا.. وأخذ نور هذه النصيحة من رشدى أباظة، فهو يتعامل مع الشخصية الدرامية بدرجة ملحوظة من الاحتراف.

التقيت نور قبل شهرين فى مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، تبادلنا السلام العابر على مائدة الإفطار ولم ألمح تلك الحالة من السخونة فى ملامحه ومشاعره التى تعودت عليها، ولم أسأله ولكنه بعد أقل من الساعة كان موعدنا مع ندوة لتكريمه على عطائه الفنى، وفجأة وجدت أمامى نور الشريف، وقد عاد شابًّا حضورًا وسخونةً وعقلًا يقظًا، ليظل دائما نور يتطلع إلى إشراقة نور الغد، التى تمنح «نور» «نورًا على نور»!!

 

أبو الوفا.. أبو الوفا!!

طارق الشناوي

السبت 26 أبريل 2014 - 10:23 ص

دائما ما يقولون إنه الرأى العام الذى لا رأى قبله ولا بعده، على الفور يطلبون حق اللجوء إلى مراكز الاستقصاء التى تؤكد ما يريدونه.

وبرغم أن كثيرا من تلك الدراسات تنقصها الأسس العلمية للوصول إلى نتائج يعتد بها، فإننى سوف أذهب إلى ما هو أبعد، وهو أن هذه النتائج بالفعل تعبر بالضبط عن مشاعر الناس فى اللحظة الراهنة، فهل معنى ذلك أن الرأى العام دائما على صواب، وأنه يملك من المقومات ما يمنحه الثبات مع الزمن.

فى قضية «حلاوة روح»، لم تكن مفاجأة لمن يعيش مفتوح العينين ومنصت الأذنين إدراك أن الأغلبية من المصريين مع المصادرة للفيلم الذى يهز أركان الفضيلة وينتهك ثوابت الأمة.

لا أحد من الممكن أن يقول مثلا إن الأغلبية تقف إلى جانب عمل فنى متهم بالتجاوز الأخلاقى، الإحساس الجمعى فى تلك اللحظة ينتظر «أبو الوفا» ليوقف هذا التسيب وتلك المسخرة، التى تأتى من دار الفاسق الفاجر الذى يقطن فى خيمة الجيران المجاورة لخيمتنا.

الرأى العام طبقا للموسوعة يعنى تكوين فكرة تخص أعضاء جماعة أو أمة تشترك فى الرأى رغم تباينهم الطبقى أو الثقافى أو الاجتماعى، فهو إذن الرأى الغالب تجاه أمر يشغل الناس ويثار حوله فى العادة قدر من الجدل، ويجب أن نضع فى أثناء هذا الرصد الميل العام والحالة المزاجية للمجتمع فى تلك اللحظة الراهنة، بالتأكيد كل ما يصب فى اتجاه المحافظة على ما توارثناه هو ما تميل الأغلبية للتصديق عليه،

لأنه فى العادة يجنبها شر الدخول فى صراعات مع ثوابت انتقلت من جيل إلى جيل، إنها الرغبة فى الركون إلى الراحة وهى أن تتولى مثلا الدولة الدفاع عن الأخلاق وخط الدفاع الأول هو أن تزداد الرقابة شراسة وتحذف من البداية ما تراه يحمل تجاوزا أخلاقيا، وهذا بالطبع لا يحتاج إلى مجهود من الأسرة ولا يعنيهم أن كل شىء وما هو أكثر من «هيفاء» متوفر على النت بالمجان.

الناس فى العادة تريد من الذين تعودنا أن نطلق عليهم النخبة برغم ما يحمله هذا التوصيف من تعالٍ، إلا أننا سوف نلجأ إليه من أجل توصيل الفكرة، وهى أن الناس عندما تقرأ مقالا أو تتابع حديثا لأحد المشاهير هم يريدون لا شعوريا أن تؤكد ما لديهم لا أن تصدمهم فى ما يعتقدونه أنه الصواب، أغلب الفنانين والمثقفين يدركون أن رصيدهم من إعجاب الناس يتأثر سلبا أو إيجابا بعديد من المواقف التى يضعهم فيها الرأى العام تحت المجهر، ومن بعدها يقرر إذا كان سوف يزيد من مساحة الحب أو يخصم منها أو يلجأ إلى زر «ديليت» ويحذفك تماما من القائمة.

تلك هى الدوافع التى تجعل البعض يسارع بقراءة خريطة توجه الناس ويضبط الموجة فى هذا الاتجاه أو الاتجاه المعاكس، بناء على ما يريده الرأى العام. ولا أقول مثلا إن الجميع يفعلون ذلك ولكن من المؤكد أن قطاعا وافرا من الإعلاميين يرددون فى العادة ما تريد الناس أن تسمعه منهم، لأنهم يعلمون أن الرأى العام شديد القسوة قد يحبك اليوم لأنك تتوافق معه،

بل قد يحبك أكثر لو زدته من الشعر بيتا وتطرفت فى إعلان ذلك، فإذا كان الرأى العام مع إقصاء كل من انتمى للإخوان حتى لو لم يمارس العنف، ولكنه فقط انتمى يوما للجماعة الإسلامية، وأعلنت أنت أنك تطالب بإدخالهم جميعا ودون محاكمات للمعتقلات سوف تكسب ولا شك بنطًا.

عندما يعيش المجتمع فى حالة صخب يكسب صاحب الصوت الأعلى، وأعنى به الأكثر تطرفا، ويبقى فى المعادلة من تخونه شجاعته ويكتفى بالصمت أمام هذا السيل الجارف من الغضب، وعبر التاريخ تكتشف أن الصامتين يشكلون قسطا لا بأس به.

وفى لقائنا مع رئيس الوزراء وجدت بعض الكبار ينقلون دفة الحوار إلى مناطق أخرى أكثر أمانا بعيدا عن مناقشة مشروعية المصادرة وجدواها فى هذا الزمن، حتى لا يفقدون الرأى العام أو يدخلون فى خصومة مع الدولة.

الرأى العام هو «أبو الوفا»، ولكن ماذا لو «أحب القس سلامة وهو التقى الورع الطاهر»؟ فى هذه الحالة سيلعنون أبو الوفا وسنين أبو الوفا!!

 

الله حىّ والسيسى جىّ!!

طارق الشناوي

الجمعة 25 أبريل 2014 - 9:56 م

من الممكن أن أتفهم مثلا مشاعر الفتيات اللاتى انتحرن قبل نحو 37 عاما بمجرد سماع خبر موت عبد الحليم حافظ، فهو فتى أحلام البنات، والحياة بعده فى تلك المرحلة العمرية كانت تبدو مستحيلة،

ولكن أن يهدد بالانتحار إنسان ناضج لو لم يفز المشير السيسى بمقعد الرئيس، أراها تحتاج إلى تدخل فورى من أستاذ الطب النفسى أحمد عكاشة،

وإذا لم نجد لديه حلا فلا بأس فى هذه الحالة من العرض على توفيق عكاشة. فى تلك المرحلة الهلامية التى يطلقون عليها خطأ انتقالية، اختلطت الوقائع بالادعاءات بين الحب والنفاق وتحطم الخط الفاصل بينهما، هل صدقتم التهديد الذى سبق أن أعلنه الملحن حلمى بكر فى أحد البرامج الفضائية، مؤكدا أنه فى حالة عدم نجاح المشير السيسى فى انتخابات الرئاسة المقبلة، فإنه سوف ينتحر؟ لم يحدد الأسلوب، ولكنه ترك المشاهد يضع السيناريو كما يحلو له،

هل يلجأ مثلا لابتلاع كمية ضخمة من الحبوب المنومة، أم يقطع شرايين يده، أم يلقى بنفسه من الطابق العاشر، رغم أنه فى الحقيقة يقطن فى شقة بالطابق الأرضى؟! وبعيدا عن مخالفة هذا التهديد لكل الشرائع السماوية،

فإن حلمى بالطبع يعلم أن السيسى هو الأوفر حظا فى اعتلاء الكرسى وبلا منافسة حقيقية، وأن وصوله إلى حكم مصر بات فقط ينتظر بضعة أسابيع موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وهكذا يكسب الرهان وينقذ حياته، محققا نقطة لصالحه لدى العهد القادم، ولكن السؤال ماذا لو، أقصد بالطبع لو جاءت «الطوبة فى المعطوبة»، ولم يفز السيسى لسبب أو لآخر، هل ينفذ بكر وعده أمام الملايين؟ بالتأكيد تعرفون الإجابة، سوف يراجع نفسه ويقول إنه سوف يواصل النضال ليس من أجل السيسى، ولكن من أجل مصر وسيرفع شعار «نموت نموت ويحيا صباحى»، هكذا تعودنا مع قبيلة «يا ليل يا عين» الذين يحددون بوصلة الاختيار تبعا لمصالحهم ورهانهم دائما على الأقوى. ولم تكن المرة الأولى التى يفعلها واحد من أهل المغنى سبق فى أثناء ثورة 25 يناير وقبل أن تُجبر الجماهير الغاضبة مبارك على الرحيل،

أن توجه المطرب محمد فؤاد برسالة عبر التليفزيون الرسمى المصرى، مهددا أيضا بالانتحار إذا لم يعد الشباب من ميدان التحرير والميادين الأخرى، منذرا معجبيه بأنهم إذا استمروا فى الاعتصام، فليس أمامه فى هذه الحالة سوى تنفيذ وعده، فلقد كان يبدو وقتها أن رحيل مبارك مستحيل، ولهذا كان أغلب الفنانين يعلنون فى أجهزة الإعلام تأييده، ولكن فؤاد زادهم من النفاق بيتا وهدد بالانتحار، وبعدها امتلأ «فيسبوك» بسخرية من فؤاد الذى لم يكلف خاطره حتى بالاعتذار عن تورطه فى وعد، الكل يعلم أنه لن يجرؤ على الالتزام به!! من الممكن أن تعتبرها أقرب إلى الطفولة المتأخرة فى التعبير عن المشاعر. أغلب الفنانين والمثقفين فى مصر أعلنوا أنهم يؤيدون السيسى،

وهذا مفهوم بالطبع ولا غبار عليه، وبعضهم صار يردد على طريقة المخرج خالد يوسف «حمدين صديقى والسيسى رئيسى»، إلا أن الأمر لم يخل كالعادة من تجاوزات هنا أو هناك، نلمح فيها البعض وهو يحاول عنوة «الشعبطة» على كتف المشير، واستمعنا إلى مطرب ينعت السيسى بأنه مثل الخليفة عمر بن عبد العزيز، صحيح أننا مثلا فى زمن جمال عبد الناصر كنا نتابع ما هو أكثر، وانتقلنا إلى زمن السادات ومبارك واستمرت نفس حالة النفاق للحاكم، إلا أننا بعد ثورتين وتقديم رئيسين للمحاكمة كان ينبغى أن نرى خطابا مختلفا وهو ما لم يحدث مع الأسف، الكل يعتقد أن الطريق الوحيد لكى يجد له مكانا فى الخريطة القادمة أن يزايد فى المبايعة. جزء كبير فى الوسطين الفنى والثقافى لا يعنيه سوى ضمان رضاء الرجل القادم، فهم مع الأسف يستنسخون أيام مبارك بعد أن تصورنا أننا قفزنا فوقها ولكن «يموت الزمار». لا يعنى هذا بالطبع أن يختار الفنانون والمثقفون الوقوف دائما على الجانب الآخر من السلطة الحالية أو القادمة، ولكن كل شىء فى الدنيا له أصوله وينبغى الحفاظ على تقنين الجرعة. إنه موسم النفاق الكبير بين قطاع وافر من الفنانين والمثقفين وأغلبهم يضبطون موجتهم على نداء «الله حىّ والسيسى جىّ»!!

 

الأسلحة الممنوعة!!

طارق الشناوي

الأربعاء 23 أبريل 2014 - 11:05 ص

من المؤكد أننا وصلنا إلى مرحلة التشبع ولا أتصور أن القارئ من الممكن أن يتحمل المزيد من الحديث عن هيفاء وهبى و«حلاوة روح»، ولكنْ هناك تفاصيل لا يمكن أن تمر بدون أن نتوقف عندها لما تُحدثه من مشاعر سلبية خاصة وعامة.

فوجئت بأن شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى يدخل على الخط ويعلن تبرُّءَه من طفل هو شخصيا كان يحبه وقدمه للمشاهدين فى برنامج «البيت بيتك» قبل نحو 8 سنوات فى فقرة أدارها محمود سعد، وكان الطفل قد أطلق على نفسه كريم الأبنودى حبًّا فى شاعرنا، وحفظ أشعاره وأدرك وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره وقتها، معانى الكلمات، بل وكتب أشعارًا بسيطة على الطريقة الأبنودية، وظل الطفل على علاقة مع أستاذه يراسله ويتواصل معه ويلقى منه على المقابل كل ترحيب، وشارك فى بطولة مسلسل «الرحايا» الذى كتب الأبنودى أشعاره، ولكن فى هوجة الهجوم على الفيلم تبرأ الأبنودى من الطفل كريم خوفًا من أن ينسبه أحد إليه، رغم أن الكل يعلم أن شاعرنا الكبير أنجب فقط ابنتين شابتين رائعتين.

شاعرنا الكبير تصور فى هذا التوقيت الشائك أن الطفل صار عنوانا للرذيلة فأراد أن يبرئ ساحته وعائلته أمام الرأى العام بل هدد بإقامة دعوى قضائية لو لم يمتثل الطفل طواعية ويغير اسم الشهرة، رغم أن هناك آلافًا اسمهم أبنودى ولا ينتمون بصلة قربى بالضرورة إلى شاعرنا الكبير، ورغم ذلك فالمؤكد أن الطفل لو كان بيده الأمر، وربما فى مرحلة عمرية أكبر، سيكتشف أن من صالحه أن يعود إلى اسمه الرسمى، لأن من تمنى أن يرتبط به يجرحه أمام الملايين.

المجلس القومى للأمومة والطفولة الذى انتفض ثائرًا بسبب الطفل كريم واستخدامه فى الأعمال الفنية لن ينتفض هذه المرة رغم قسوة تلك الكلمات على مشاعر الطفل، فلو اعتبرنا أن فيلم «حلاوة روح» خطيئة لا تغتفر، فما الجريمة التى ارتكبها طفل لا يدرك التفاصيل الفنية ولم يكن له يد فى الترشيح للدور وليست لديه ثقافة الاختيار؟

فكيف يهين شاعرنا الكبير أحاسيس طفل لا حول له ولا قوة؟ بل إن كل ذنبه أنه أحب الأبنودى وتمثله وكتب بطريقته وكان هو مثله الأعلى.

ويبقى فى الحقيقة ما هو أشد ضراوة مثل كلمات الملحن عمرو مصطفى ومطالبته بمنع هيفاء وهبى من دخول البلاد، وهو يذكرنى بدعوات مماثلة كنا نسمعها ونسخر منها فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك عندما كانوا يطالبون تحت قبة البرلمان بمنع دخول- بالإضافة إلى هيفاء- كلًّا من نانسى عجرم وإليسا ونيكول ورزان وغيرهن، وبنفس المنطق وهو مقاومة الغزو اللبنانى الذى يؤثر على أخلاقنا المصرية، دائما ما تكتشف مع مرور الزمن أن هناك معادلة أخرى، ولكنها تتدثر كالعادة بغطاء أخلاقى، وهو ما يحظى بمساندة ضمنية من الرأى العام، أقصد بالطبع أغلبه، لأننا بالطبع نميل أكثر إلى مثل هذه الآراء والقرارات المتحفظة التى تصرخ فى دفاعها عن الفضيلة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلقد وصلنا إلى ذروة التشنيع وانتقلنا من مجرد الهجوم على عمل فنى أو فنانة إلى الهجوم بل توجيه إهانة إلى المرأة اللبنانية مثلما فعلت مثلًا آثار الحكيم، وهى تفتح النيران على المرأة اللبنانية التى تراها متسيبة، وهو تعبير مخفف جدًّا لما أوحت به كلماتها فى لقائها بـ«العاشرة مساء» مع وائل الإبراشى، ولم تكتف بهذا القدر بل رسمت صورة للرجل اللبنانى «المطنش» وهو تعبير مهذب جدًّا لحقيقة ما ذكرته آثار، فهو كما تراه لا تعنيه ملابس زوجته مقارنة بالمصرى الشهم، الذى لا يمكن أن يسمح بهذا الانفلات الأخلاقى رغم أن الشارع اللبنانى ترى فيه الحجاب والنقاب، ولكنه لا يمارس الإقصاء لمن ترتدى الميكروجيب.

إنه نوع من التطرف والمزايدة فى نظرة ضيقة جدًّا لمفهوم الأخلاق، يسعى البعض إلى ترسيخها، أراها أشبه بتوابع الزلزال، كل ذلك لأن هناك من يعتقد أن الفرصة مواتية لكى يكسب بنطا لدى الرأى العام، إلا أنهم فى أثناء تحقيق هذا الهدف يجرحون مشاعر طفل ويسيئون إلى المرأة والرجل فى بلد نحمل له كل تقدير واعتزاز، ويصدرون للشارع صورة ذهنية، وكأن كل النساء اللبنانيات «روح» وكل الرجال المصريين «سى السيد»!!

 

بِنَاءً على طلب الربيع!

طارق الشناوي

الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 9:50 ص

يرفض الشاعر مأمون الشناوى أن يجرى أى تغيير على كلمات الأغنية وتصر أم كلثوم على تعديل بضع كلمات، قائلا لها إنه مثل الفنان التشكيلى انتهى من لوحة ولا يمكن أن يضيف لونًا أو ظلًّا، بينما أم كلثوم تعتبر أن الأغنية عمل جماعى، ومن حقها أن تتدخل فيذهب بالأغنية إلى صديقه فريد الأطرش الذى يبعد منزله بأقل من 100 متر عن فيلا أم كلثوم فيصبح الربيع لا يشعر به الناس إلا بعد أن يشدو فريد برائعة مأمون.

كان محمد الموجى ومنير مراد هما الملحنين الأقرب إلى سعاد حسنى، وفجأة تتوقف إشارة المرور ويستمع كمال الطويل إلى صوت يستحوذ عليه من فرط رقته يقول له «إمتى حغنّى من ألحانك يا أستاذ» ينظر فيكتشف أنها سعاد حسنى.

قال لى الأستاذ كمال إنه مع سعاد لا يلحن فقط الكلمات، ولكن الصوت يلهمه النغمة ويبدأ بـ«يا واد يا تقيل» فى «خلّى بالك من زوزو» وتتعدد الألحان وتأتى «الدنيا ربيع» فى «أميرة حبى أنا» لتصبح عنوانا مغايرًا للربيع.

الفيلسوف الفرنسى الحائز على نوبل هنرى بيرجسون صاحب كتاب «الضحك» الذى صار حجر الزاوية فى الكوميديا، له عبارة شهيرة تتسع تخومها لتتجاوز خشبة المسرح وكادر السينما إلى الدنيا وهى «الحياة مأساة تراجيدية لمن يشعرون وملهاة كوميدية لمن يفكرون».

المهم ليس الحدث أو الموقف، ولكن زاوية الرؤية التى نُطل من خلالها عليه، هل بالقلب أم بالعقل، وهكذا تستطيع أن تلمح كل شىء فى حياتنا وهو يخضع لنظرية بيرجسون حتى على المستوى السياسى، أطلقنا على الثورات العربية بقلوبنا صفة ربيع، رغم أنها انطلقت فى عز الشتاء، وكلنا ندرك الآن أن قسطًا وافرًا من الناس- ولست بالمناسبة منهم- يرونها بعقولهم خريفًا.

عشنا قبل أسبوع بزوغ فصل الربيع وعلى الفور تصعد أغنية «الربيع» لفريد الأطرش التى انطلقت فى منتصف الأربعينيات فصارت بمثابة ارتباط شرطى. الربيع لا نعرفه بأوراق شجر أخضر ولا بتغريد العصافير الملونة، ولكنه «ربيع» عندما نستمع فقط لأغنية فريد، ظلت الأغنية مسيطرة بمفردها على المشهد لمدة ثلاثين عاما، حتى جاءت «الدنيا ربيع»، ومنذ ذلك الحين صار للربيع أغنيتان ووجهان مثلما قال بيرجسون، فهو مأساة عند فريد وملهاة عند سعاد!!

جاهين والطويل وسعاد قدموا وجهًا آخر ضاحكا للربيع، بينما مأمون وفريد قدما وجها مليئا بالشجن.. لدينا فى الدراما «البارودى»، أى أن هناك رؤية ساخرة لعمل فنى مغرق فى الدموية، مثلا أفلام الكاوبوى الأمريكية المليئة بالمسدسات والبنادق والدماء، ثم شاهدنا أفلامًا تُقدم الوجه الآخر كاوبوى إيطاليا وإسبانيا بمذاق كوميدى أطلقوا عليه على سبيل السخرية «كاوبوى إسباجيتى»، ولدينا مثلًا فى منتصف الخمسينيات فيلم المخرج صلاح أبو سيف «ريا وسكينة» الذى تناول حياة أشهر قاتلتين فى مصر، بعدها بعام واحد لعب إسماعيل يسن ومع نفس بطلتى الفيلم نجمة إبراهيم وزوزو حمدى الحكيم بطولة فيلم «إسماعيل يسن يقابل ريا وسكينة» إخراج حمادة عبد الوهاب، وفى الثمانينيات شاهدنا يونس شلبى مع شريهان فى رؤية ساخرة، وهو ما كرره المخرج حسين كمال فى المسرحية التى حملت نفس الاسم بطولة شادية وسهير البابلى، وهو آخر عمل فنى لعبت شادية بطولته قبل اعتزالها، وفى الغناء مثلًا يقدم شكوكو ساخرًا من نجاة «لا تكذبى إنى رأيتكما معًا كنت بحسبك ملوخية لكن طلعتى مسقعة» بينما عدوية يغنى ساخرًا من عبد الحليم «نار يا حبيبى نار فول بالزيت الحار».

فى ربيع سعاد نتأكد أنها لا تريد أن تثير أى لحظات من الألم ولكنها تتجاوز عن كل شىء من الممكن أن يعكر صفو اللحظة «قفِّلى على كل المواضيع»!

لنرى تلك الحالة من الامتزاج بهذا التوافق اللا شعورى بين الموسيقى والكلمة وبهجة صوت سعاد حسنى الذى عبر عن حالة التصالح مع الحياة بهذا الرنين الخفى «الشجر الناشف بقى ورور والطير بقى لعبى ومتهور»، بينما فريد لا يزال صوته يحلق بنا فى علِّيين وهو يقول «وغاب عنى لا طمنى ولا قال إمتى راح أشوفه وأقول يمكن ح يرحمنى ويبعت للربيع طيفه».

ملحوظة بناء على طلب الربيع أعيد نشر العمود ثانى مرة!!

 

قبضة محلب

طارق الشناوي

السبت 19 أبريل 2014 - 10:34 ص

صابر عرب، الموظف بدرجة وزير ثقافة، أيد على الفور قرار رئيسه المباشر، أقصد رئيس الوزراء محلب، بمصادرة فيلم «حلاوة روح»، ومن يعرف عرب لا يمكن أن يتعجب من هذا الموقف لوزير احتفظ بمقعده رغم أنه قد تبادل عليه خمسة رؤساء وزراء تعددت فيها توجهات الدولة من مجلس عسكرى إلى إخوانى إلى انتقالى بلا طعم ولا روح ولا رائحة، لا يستطيع أحد أن يتجاهل أن قطاعا من الرأى العام، أتصوره يشكل الأغلبية سعيد بضربة محلب، بل ويراها تأخرت كثيرا، وينتظر ضربات أخرى مماثلة ليعدل الحال المايل.

على الجانب الآخر نتابع فى هذه الساعات غضبة من كل النقابات والاتحادات الفنية ترى أن هذا القرار سيؤدى، لا محالة، إلى أن يتراجع الفن خطوات إلى الخلف دُر، فهل من الممكن أن يستمر وزير أو رئيس وزراء على مقعده، بينما يقف أغلب المثقفين على الجانب الآخر.

لا أحد يدافع عن الفن الردىء، لكننا بصدد قضية أخرى تتجاوز فيلم «حلاوة روح»، وهى تدخل سلطة تنفيذية بمكانة رئيس الوزراء لكى تمارس صلاحيتها فى المنع، اليوم تتدثر بغطاء أخلاقى وغدا سياسى، ولن يستطيع أحد إيقاف توحش السلطة ورغبتها فى أن تمتد سطوتها إلى الحياة بكل تفاصيلها، الفن الردىء يستطيع المجتمع مواجهته دون قرارات قمعية، والدليل أن فيلمين جادين عرضا مؤخرا، مثل «لا مؤاخذة» و«فتاة المصنع» استطاعا الصمود فى دور العرض وحققا إيرادات أكبر من «حلاوة روح»، لماذا نفتح الباب لتوحش السلطة الأبوية التى تزداد شراسة كلما استشعرت أن المجتمع يرى فيها طوق النجاة الوحيد؟

ومع الانتشار الفضائى صرنا دائما ما نستجير به ليحمينا من حالة الانفلات اللفظى والحركى الذى نعيشه، أعنى به «ميثاق الشرف» الذى أرى أن اسمه سيتكرر كثيرا فى تلك الأيام، بحجة إنقاذ البيت المصرى، بينما كلمات كثيرة تسللت إلى البيوت عن طريق المسلسلات والأفلام والبرامج، الكلمة قبل أن يتم تداولها لا تأخذ ضوءا أخضر من مجمع اللغة العربية، لكنها تنتزع حضورها عنوة فى الحياة.

ليس هذا تبريرا ولا دفاعا، لكن علينا أن نذكر أن الشارع يردد مثلا قصيدة لجمال بخيت «دين أبوهم اسمه إيه»، هذا التعبير يتم التعامل معه الآن ببساطة وأريحية، وهذا يعنى أن شفرة الدلالة اللفظية قد تغيرت!

هناك ولا شك من يسعى إلى الإسراف فى استخدام بعض الكلمات، وكأننا فى مزاد علنى، كل يريد زيادة الجرعة لكى يلفت إليه الانتباه، دخل إلى سوق الكتابة جيل جديد، القليل منهم موهوب، والأغلبية موهوم، تعتقد أن مجرد كلمة «روشة» تمنح الحوار نكهة عصرية، وتجعله على موجة الناس، بل إن هناك من يزيد أجره فى كل مسلسل أو فيلم أو برنامج بمقدار ما يستخدمه فى الحوار من ألفاظ بذيئة.

لا ينجح عمل فنى لأن به بذاءات أو مساحة عرى أكثر، لكننا لا يمكن أن نجد الحل فى الدعوة التى انتشرت ورفعت شعار الفن النظيف، لأنه فى هذه الحالة يصبح كل ما هو غير نظيف موصوم بالتجاوز الأخلاقى، وبقدر ما أرفض الأعمال التى تبدو معقمة، فأنا أرفض أيضا الإسراف الذى يصل إلى حد الإسفاف فى أعمال أخرى، النوعان مرفوضان سواء تلك التى تغلف نفسها حياء بغطاء من أوراق «السوليفان» أو الأخرى التى تبدو وكأنها قد تخلصت حتى من ورقة التوت، إلا أن الحل لا يمكن أن يتحقق بسلاح المصادرة، لكن بوجود البديل.

حالة الانفلات اللفظى والحركى لن تتوقف بمجرد أن تتدخل الدولة بالسيطرة وفرض الأمر الواقع بالمصادرة، ويصاحب ذلك فى العادة توجه بالدعوة للتوافق المجتمعى على ميثاق شرف سوف تتعدد فيه التوجهات والاجتهادات، وفى النهاية سيخرج مبتسرا لن يحترمه أحد.

لن يضبط الإيقاع بميثاق ولا بقرارات قمعية، الفن الجيد عندما نهيئ له المناخ الصحى هو الكفيل بتحقيق ذلك، أما أن يفتح الباب لسلطة سياسية أو دينية للتدخل فى الشؤون الفنية والثقافية فلا يوجد له سوى تفسير واحد، هو أن القبضة الحديدية قادمة لا محالة، اليوم يرحب بها قطاع كبير من الرأى العام وغدا سندفع جميعا الثمن!

 

فيلم سيئ.. وقرار أسوأ!

طارق الشناوي

الجمعة 18 أبريل 2014 - 9:54 ص

نحن نتحدث عن واحد من أسوأ الأفلام التى شاهدتها فى السنوات الأخيرة ليس الأسوأ ولكنه ينافس الأفلام الأخرى فى احتلال نفس المكانة، إلا أننى أرى أن الأسوأ هو قرار مصادرة «حلاوة روح» أو إحالة الأمر مرة أخرى إلى الرقابة بما يعنى أن السلطة السياسية العليا ممثلة فى المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ترى أن هذا الجهاز لا يؤدى دوره فى المنع.عواقب وخيمة وظلال قادمة توحى بأن هناك توجهًا يتدثر بغطاء أخلاقى سوف يسيطر على أوجه الثقافة فى المجتمع، خصوصا أن مثل هذه القرارات تلقى ترحيبًا منقطع النظير عادة من الرأى العام، بل تنظر بعين الريبة والشك لمن يعترض عليها.

ما الذى يعنيه أن يتدخل رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب وينبه الرقابة بإعادة الفيلم مرة أخرى للمشاهدة بعد التصريح به، سوى أن حضرة الناظر يرى خللًا ما فى جهاز الرقابة يصل إلى حدود التسيب ويريدها أن تزداد شراسة فى مواجهة هذه الأفلام، بالطبع كانت المرة الأولى التى يتدخل فيها رئيس وزراء بعد ثورة 23 يوليو فى الشأن الرقابى بطلب المنع والمصادرة.

تعودنا فى الماضى أن رؤساء الجمهورية الثلاثة ناصر والسادات ومبارك يتدخلون من أجل السماح بالعرض عندما يتلمسون تخوفًا ما من الرقباء، فمثلًا ارتباط جمال عبد الناصر بالتصريح بفيلم «شىء من الخوف» لحسين كمال بعد تراجع الرقابة عندما اعتقدوا أن شخصية عتريس التى أداها محمود مرسى هى عبد الناصر وفؤادة التى أدتها شادية هى مصر، وهتاف «جواز عتريس من فؤادة باطل» يعنى أن مصر تحتج على شرعية عبد الناصر. بينما فى «أهل القمة» لعلى بدرخان كان الفيلم ينتقد الانفتاح الاقتصادى وهو واحد من القرارات التى ارتبطت سياسيا بزمن السادات ورغم ذلك وافق على عرض الفيلم.

وتم السماح بـ«السفارة فى العمارة» لعمرو عرفة كما ذكر عادل إمام فى أكثر من تصريح بعد فشله فى الحصول على موافقة حبيب العادلى على تصوير السيناريو لم ينقذه سوى تليفون من مبارك، بالطبع البعض يضع تلك المواقف فى ميزان حسنات الرؤساء السياسية للتدليل على تمتعهم بحس ديمقراطى، ولكنى أراها على العكس تماما، فهى دلالة لا تحتمل الشك على أنهم كانوا يزرعون الخوف فى النفوس فلا يجرؤ مسؤول مهما علا شأنه بالتصريح بالعمل الفنى، لأنه يخشى من غضب رأس النظام فهو الوحيد الذى يملك تحديد درجة «ترمومتر» المسموح والممنوع.

إنها مأساة متكاملة الأركان، وظلام عشناه فى الماضى أما مع قرار رئيس الوزراء فنحن نعيش الظلام الدامس.

أتذكر فى منتصف الثمانينيات أن وزير الثقافة الأسبق عبد الحميد رضوان فى قرار مشابه بعد أن وافقت الرقابة على عرض فيلمَى «درب الهوى» و«خمسة باب» أصدر قراره بمصادرة الفيلمين اللذين كان تجرى أحداثهما فى أجواء مشابهة، ولجأ المنتجان إلى القضاء الإدارى الذى أباح العرض بعد خمس سنوات.

سبق وأن اعترضت الدولة مثلًا على فيلم «مذكرات مراهقة» فى مطلع هذه الألفية وقررت المطربة الراحلة فايدة كامل أن تحيل مجلس الشعب من خلال اللجنة الثقافية التى كانت ترأسها إلى جهاز رقابى وشاهدت الفيلم من منطلق حماية المجتمع أخلاقيا، ولكن ما حدث هو أن اللجنة وافقت على عرضه كاملًا، سبق مثلا أن زكريا عزمى، وما أدراك ما زكريا عزمى فى زمن مبارك، اعترض على أغنية «حب إيه» التى كان يؤديها محمد سعد داخل أحداث فيلم «اللمبى» مؤكدًا أنه بأدائه الساخر للأغنية يخدش قيمة وقامة أم كلثوم، وطالب الرقابة من تحت قبة البرلمان بحذف الأغنية وهو ما رضخت له فى بعض نسخ الفيلم وسط ترحيب شعبى من الأغلبية.

ولم يدرك الكثيرون أن مثل هذه القرارات تحمل فى عمقها عودة لدولة القهر مهما رفعت من شعار الحرية، فهى تلوّح بسلاح المنع، لا أتصور أن الرقابة قبل إصدار قرار محلب هى نفسها الرقابة قبله، الرقيب فى النهاية موظف سوف يسعى جاهدًا للحفاظ على موقعه وأكل عيشه.

الفيلم تضاءلت إيراداته ولم يقبل عليه الناس، بينما قرار المصادرة من الممكن أن يصبح بمثابة قبلة الحياة لهيفاء وهبى!!

 

رغيف العيش والطعمية.. وقصة حب أبدية!

طارق الشناوي

الأربعاء 16 أبريل 2014 - 10:13 ص

الرغيف الساخن بنار الفرن وقُرص الطعمية الخارج توًّا من حلة الزيت أشهر قصة حب تناقلتها الأجيال فى التاريخ المصرى المعاصر، انتهت بزواج كاثوليكى أبدى لا يعترف بأن الضرورات تبيح المحظورات فلا يمكن أن يحدث بينهما طلاق حتى فى حالة ثبوت الزنى، والزنى يعنى أن يضبط القرص الرغيف وهو يحتضن صنفًا آخر. الطعمية هى الحبيب الأول، وكما يقولون: ما العشق إلا للحبيب الأول.

وتذكّرنى الطعمية بتلك الحكاية، روى لى كمال الشناوى أنه فى واحد من الصراعات التى كانت ولا تزال تتكرر بين النجوم من مختلف الأجيال كانت بينه وبين أنور وجدى معركة ساخنة على صفحات الجرائد، حيث إن وجدى فى واحد من انفعالاته أو بالأحرى انفلاتاته نزع عنه تماما موهبته كممثل واعتبره مجرد شاب وسيم جاء خطأ إلى دنيا التمثيل وسوف يغادرها سريعًا عندما يكتشف الناس أنه مجرد أكذوبة فقرر كمال الشناوى أن يسخر من فتى مصر الأول كما كانوا يطلقون عليه فى الأربعينيات قائلا: كيف يصبح نجم النجوم وهو بهذا الكرش الذى يمتد أمامه أكثر من نصف متر؟ ثم لو أنك عبرت تلك الهضبة ووجهت بصرك إلى أعلى لرأيت هذا اللدغ الذى يتدلى أمامه متفوقا على كرشه فى الحجم والترهل.

وكانت كلمة قاسية أصابت وجدى فى مقتل وسلم السلاح وتوقف بعدها من الاقتراب من كمال، وعندما التقاه صدفة قال له إلا كرشى ولغدى، وذكر له أنه كان يشترى رغيفين وقرص طعمية، العيش أرخص من الطعمية ويقسم القرص نصفين، كل نصف فى رغيف، فهو لا يدرى بعد الإفطار هل يجد غذاء، بعد أن تعود على النوم خفيفًا.

كان أنور وجدى فى تلك السنوات نحيلًا ولهذا أقسم إنه مع الزمن عندما يصبح متاحًا فى يديه النقود فلن يتوقف عن التهام الطعام وكان يحقق أرقاما قياسية فى هذا الشأن لتعويض ما افتقده فى شبابه، وبالطبع كان يهتم أكثر بالغموس ومن كل الأصناف حتى صار يعتز جدًّا بهذا الكرش، إحدى علامات هزيمة الفقر فى ذلك الزمان. عندما لا يجد الفقير غموسًا يسرف فى التهام ما تيسر من الأرغفة، وهكذا يظل رغيف العيش خطًّا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، تعلم الدولة أن الأمن القومى مرتبط ببقاء الرغيف بخمسة قروش ومجرد الاقتراب من سعره أو حجمه يعنى أن البلد تضع بنزينًا على النار، الكل يدرك ذلك لكن التحايل ممكن وهو فى تحديد عدد الأرغفة ليصبح الحد الأقصى للمواطن هو خمسة على المقابل، وكما أعلن وزير التموين سوف يتم تخفيض وزن الرغيف، أى أن الخمسة ستصبح فى واقع الأمر اثنين، الكل يعلم أن المواطن المصرى يسرف فى الخبز المدعم كلما عز عليه اللحم والسمك والخضار، الكل يشكو أن الرغيف سيئ الطعم بقدر ما هو صغير الحجم.

والقصة المعروفة هى أن جمال عبد الناصر فى أحد اجتماعات مجلس الوزراء وزع على وزرائه رغيفًا لكل وزير حتى يجبرهم على تذوقه وتحسين مذاقه. هناك من يتاجر من الباطن فى الرغيف ويبيع الدقيق المدعوم للأفران الخاصة، يقبض الثمن والبعض يحيله إلى غذاء رخيص للدواجن والحيوانات هذه حقيقة، ولكن علينا أن نغلق المنافذ ونرصد المخالفات حتى لا يذهب الرغيف إلى من لا يستحقه، نحن الشعب الوحيد فى العالم الذى يأكل ساندوتش عيش بالمكرونة، لأن المقصود هو أن نملأ «التنك» بأقل ثمن ممكن.

تحديد عدد الأرغفة سيؤدى لا محالة إلى زيادة فى أسعار ساندوتش الفول والطعمية والباذنجان والبطاطس وغيرها، لأنه سيفتح الباب لشراء الرغيف بأكثر من خمسة قروش، لا تشعلوا الحرائق فى البلد، اتركوا رغيف الخبز بلا حد أقصى حتى لا يسألكم الشعب عن الغموس!!  

 

هيفاء بين القبيح و«الأبيح»!

طارق الشناوي

الثلاثاء 15 أبريل 2014 - 9:58 ص

عندما تضطر الظروف الفنان إلى المشاركة فى عمل فنى متواضع، هل يبدد طاقته فى الدفاع عن الإسفاف أم يعترف بأنه فى النهاية كان هدفه أكل العيش، ومن كان منكم بلا عمل ردىء فنى أو غير فنى فليرمِه بحجر؟

أتفهم دفاع هيفاء وهبى عن بضاعتها ولكن كان الصمت أجدى بمن شاركها فى تسويق البضاعة، بمجرد عرض فيلم «حلاوة روح» تلقى صُناعه الكثير من الانتقادات التى يستحقونها، ولكن فجأة ظهر المخرج سامح عبد العزيز مدافعا شرسا رغم أن اسم المنتج محمد السبكى كمشرف عام على الفيلم يعنى أنه لا يتحمل فقط المسؤولية الإنتاجية ولكنه يشاطر المخرج بنصيب وافر فى ما نضحت به الشاشة من فجاجة سينمائية على الطريقة السبكية.

اختلط الأمر فى هذا الفيلم بين ما هو قبيح وما هو «أبيح»، ورأيى الشخصى أن رغم ما فى الشريط السينمائى من «أباحة» فإن القُبح هو الخطيئة الكُبرى.

فى تاريخ السينما المصرية أفلام لها باع أكبر فى تقديم مشاهد «أبيحة» ولكن «حلاوة روح» تفوّق فى القبح، نفس هذا المخرج قدم من قبل فيلمى «كباريه» و«فرح» وحظى بثناء نقدىّ، ولكنه تخبط بعدها فى أفلام مثل «صرخة نملة» الذى أراد فيه أن يرقص على إيقاع ثورة 25 يناير مهاجما فساد مبارك، رغم أن الفيلم كان مصنوعا فى نهاية زمن مبارك لنفاق مبارك، وجاءت الثورة قبل عرض الفيلم فتغير كل شىء فى المونتاج.

الفنان الحقيقى -أكرر، الحقيقى- لا يدافع عن باطل، أتذكر أننى سألت يوما المخرج الكبير الراحل هنرى بركات: لماذا تُخرج أفلاما متواضعة لا تتناسب مع تاريخك كصانع لأفلام عظيمة مثل «دعاء الكروان» و«فى بيتنا رجل» و«الباب المفتوح» و«الحرام» وغيرها من العلامات السينمائية، إذ كان فى سنواته الأخيرة يقدم أفلاما دون المستوى مثل «نوارة والوحش» و«أرملة رجل حى» و«لعنة الأشرار» و«العسكرى شبراوى»، مع ملاحظة أن هذه الأفلام تعتبر تحفًا فنية لو قارنّاها بـ«حلاوة روح»؟ فقال لى بركات: أنا أنفّذ وصية الشاعر والكاتب الكبير بديع خيرى عندما وجدنى أعتذر عن العديد من الأفلام لأنها لا تحقق طموحى، فنصحنى قائلا «يا هنرى أنت فنان نعم ولكنك أيضا حرفىّ صاحب مهنة.. إذا وجدت سيناريو عظيما مثل (دعاء الكروان) ارتدِ (الاسموكن) واذهب إلى الاستوديو وإذا لم تجد سوى (العسكرى شبراوى) فارتدِ (العفريتة) واذهب إلى الاستوديو»، وأنقذتنى نصيحة بديع من أن أقعد فى البيت أعدّ النجوم وأنتظر أن تنقذنى السماء بسيناريو «بديع»!

هل صحيح أن نجومنا ينفّذون تلك الحكمة التى تعنى أن يتماشى الفنان بقدر من المرونة مع ما هو متاح أمامه ويحاول بقدر المستطاع الاجتهاد، وفى نفس الوقت يظل فى أعماقه ينتظر أن يأتى له العمل الفنى الذى يُرضِى غروره؟ أتصور أن أغلب فنانينا لا ينتظرون سوى الأجر وهم مستعدون لتكرار نفس الأخطاء بل يُمعنون فيها أكثر وأكثر ما دامت ازدادت أرقام عقودهم أكثر فأكثر.. دستورهم الوحيد «أبّجنى تجدنى»!!

الدفاع عن الأجر هو الذى يحيل نجومنا إلى قنابل موقوتة تدمر من يقترب منها، فجأة تكتشف أن لهم مخالب وأنياب تجرح وتقتل، لأن الأمر يتحول إلى صفقة بالملايين ويعتقدون خطأً أن كلمات النقاد سوف تمنع عنهم الزاد والزواد!

متى يلبس الفنان العفريتة؟ لا يوجد فنان لم يرتدِ العفريتة يوما ما مهما بلغ التزامه وموهبته، هناك دائما ظرف قاهر.. مثلا قال لى المخرج الكبير سعيد مرزوق إنه كان فى مطلع التسعينيات فى احتياج إلى النقود بعد أن دخلت أمه المستشفى للعلاج إثر إصابتها بفشل كلوى والمطلوب أن يدفع بضعة آلاف من الجنيهات كل أسبوع ولهذا وافق على أن يُخرج فيلما اسمه «الدكتورة منال ترقص»، قلت له: هو أردأ فيلم فى تاريخك، فأجابنى: هذه مجاملة منك.. إنه أردأ فيلم فى تاريخ السينما كلها. قال هذا الرأى بالطبع سعيد مرزوق قبل أن يرى «حلاوة روح».

قدمت هيفاء وهبى فيلما قبيحا أكثر من كونه «أبيحا» ولكن هناك من يحلو له الدفاع بسذاجة منقطعة النظير عن الأبيح والقبيح!

 

ماسبيرو ضد ماسبيرو!

طارق الشناوي

الإثنين 14 أبريل 2014 - 9:57 ص

لن يعترف أحد بأن هناك قائمة سوداء يتم تناقلها فى إعلام الدولة الرسمى وتمتد بين الحين والآخر إلى القطاع الخاص. مؤخرا تم منع هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، من الظهور عبر التليفزيون الرسمى، خوفا من أن تنفلت كلمة من رجل مسؤول كبير فى الدولة تفضح فسادا متوغلا فى النظام، نفى رئيس التليفزيون الواقعة رغم أنها موثَّقة على الهواء.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فأمس كان رئيس اتحاد الإذاعة التليفزيون يؤكد فى تصريح لـ«المصرى اليوم» للزميل محمد طه، أن هناك مؤامرة وتربُّص تمنع وصول الإعلانات إلى برامج ماسبيرو ويدلل على ذلك بأنه قد أحضر لهم نجمهم المحبوب مدحت شلبى فى برنامج رياضى ومعه على الميمنة حسن شحاتة وعلى الميسرة فاروق جعفر، وبَخِل المعلنون بأموالهم ووجهوها إلى القنوات الخاصة.

لم يحاول رئيس الاتحاد مواجهة الفشل بالاعتراف بأن هناك خطأ ما فى تلك المنظومة، هل هذا ما ينتظره الناس من تليفزيون الدولة، أن يأخذ بقايا القنوات الفضائية ويكرر ما تُقدمه معتقدا أنه سيحقق نفس النتائج؟

قدم التليفزيون الرسمى قبل شهرين برنامج توك شو «على اسم مصر» لم يحقق كثافة إعلانية، هل هى مؤامرة؟الحقيقة أنه أطلق برنامجا بلا جاذبية من خلال كاتب سياسى مرموق مأمون فندى، ومذيع مخضرم من إذاعة «بى بى سى» حسام السكرى، ومذيعة من أبنائه قصواء الخلالى، لكن هل أجرى التليفزيون اختبارا مبدئيا لمعرفة ما الذى تفعله هذه التركيبة الثلاثية؟ عدد كبير من مقدمى البرامج الناجحين والمحللين السياسيين فشلت برامجهم، الصحفى الناجح ليس هو بالضرورة المذيع الناجح، بديهيات معروفة لأى متخصص أو غير متخصص فى دُنيا الإعلام.

برامج ماسبيرو مثلا لا تمنح الضيوف مقابلا ماديا بينما الفضائيات المنافسة ترصد لهم أموالا، وعندما يعيش الوطن حادثا مهمًّا فإن هناك أسماء محددة تصبح هى الأهم للظهور، وهم بالطبع يفضلون مَن يدفع.

برنامج «البيت بيتك» لم يكن يدفع مقابلا للضيوف ولكنه ظهر فى زمن كانت الدولة فيه لها أنياب تخيف بها أى مسؤول أو فنان يرفض الحضور المجانى، أتذكر أن أحمد السقا خذل مرة معدِّى البرنامج ولم يأت للهواء، فصدرت على الفور تعليمات سرية بمنع الإشارة إليه فى البرامج أو عرض أفلامه على قنوات الدولة، وعلى الفور سارع بطلب السماح ووقف على باب «البيت بيتك» منتظرا إشارة.

لا توجد مؤامرة كما يعتقد رئيس الاتحاد، ولكن المعلِن لا يعنيه سوى أن يشاهد سلعتَه الملايين. هناك أرقام يتم تداوُلها عن كثافة المشاهدة تؤكد أن المركز الأخير محجوز دائما وبلا منافس للتليفزيون الرسمى، وهكذا تتباين أجور مقدمى برامج «التوك شو» من محطة إلى أخرى تبعا لتلك الكثافة، ولا تنسَ أن اسم القناة يلعب دورا، ومدى مصداقيتها لدى الجمهور، فهى منظومة متكاملة.

تليفزيون الدولة كان نصيبه قبل الثورة ثلثى الإعلانات، أما الآن فقد كل شىء فصار طاردا للإعلانات، قبل أقل من أربع سنوات كنا نتابع الصراع الشرس فى رمضان لعرض المسلسلات فى تليفزيون الدولة، وكان وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى يشكل لجنة برئاسة د.فوزى فهمى لاختيار الأفضل، بينما النجم الذى يتم استبعاد مسلسله لا يستسلم، ويحاول بشتى الطرق الحصول على مساحة فى تليفزيون الدولة وكثيرا ما كانوا يطاردون الوزير حتى بيته، الآن تكتشف أن الأعمال الدرامية التى تنتجها الدولة يسعى أبطالها ومخرجوها للحصول على فرصة لعرضها خارج ماسبيرو بعد أن صار مقبرة لأى برنامج أو مسلسل، الفساد الذى يعشش فى جنباته أصبح يشكل حاجزا بينه وبين الناس، نعم قبل الثورة كانت هناك دولة تدافع عن إعلامها الرسمى مهما كان فاسدا، تعتبره خط دفاع تحاول أن لا يخترقه أحد، الآن لا توجد دولة، كما أن القطاع الخاص صار هو الأكثر تعبيرا عن الرسالة الرسمية للنظام، فهو يجيد تسويقها بالقياس إلى تليفزيون الدولة، وهكذا تغيّرت أصول اللعبة ولكن لم يتغير تليفزيون الدولة، فهو مثل الدب عندما أراد أن ينشّ الذباب فوق وجه صاحبه فقتله، فهو يمنع رئيس «الجهاز المركزى» من الحديث عبر موجاته معتقدا أنه يحمى الدولة، فيقتل الدولة.

 

رد شمس بدران

طارق الشناوي

الأحد 13 أبريل 2014 - 9:52 ص

قبل نحو أسبوع نشرتُ فى هذه المساحة رأيًا تناول كتابا للصحفى حمدى الحسينى «مذكرات شمس بدران»، وجاءنى ردان، الأول من وزير الحربية الأسبق شمس بدران، ينفى شرعية نسب تلك المذكرات إليه، والثانى من الكاتب الصحفى محمد الصباغ يؤكد أنه الوحيد الذى يملك هذا الحق.

السيد/ طارق الشناوى..

طالعت ما كتبته فى جريدة «التحرير» يوم 5 أبريل عن عرض لكتاب ادعى من قام به أنه مذكراتى، وأريد أن أشير هنا أننى لم أقابل هذا الشخص بأى صفة صحفية، ولم أسجل معه مذكراتى أو ذكرياتى، وأننى أقوم الآن بمقاضاته. ولقد قمت بتسجيل مذكراتى أو ذكرياتى فى حلقات تليفزيونية مع الكاتب الصحفى محمد الصباغ.

وأنا أقوم الآن بمراجعة هذه المذكرات حتى تنشر عن طريق مؤسسة الأهرام ودار الخيال.

شمس بدران

الكاتب الصديق الأستاذ طارق الشناوى..

طالعت زاويتك الصحفية التى عرضت فيها لكتاب ادعى واضعه أنه «مذكرات شمس بدران»، ومن يطالع هذا العمل ابتداء لا يمكن أن يظن أن هذا الكلام الركيك البنيان واللغة يمكن أن تكون مذكرات شمس بدران، التى سبق وسجلتها أنا فى ساعات تليفزيونية على مرتين، فى التسجيل الأول كانت ممولة من مؤسسة «الأهرام»، وكان «مُدعى» نسبة العمل إلى نفسه أحد الحاضرين للتسجيل ضمن فريق الإعداد الفنى للتسجيل عن النص المكتوب للحلقات، الذى كنت قد انتهيت منه قبل السفر وسلمت صورة منه لرئيس تحرير «الأهرام» الأسبق أسامة سرايا، حيث كان العقد الموقع من مؤسسة «الأهرام» معى يتضمن نشر حلقات من المذكرات موقعة باسمى وتحت مسؤوليتى القانونية، مما تتضمنه من معلومات تاريخية. وكان مشروع تسجيل مذكرات شمس بدران ضمن مشروعًا لتسجيل الوقائع المحجوبة عن ثورة ٢٣ يوليو وأثرها على صنع القرار السياسى والقرار العسكرى فى هذه الفترة الهامة بأحداثها؛ بعدما استطاع مجموعة من الضباط لا يزيد من تحرك منهم فعلا مساء الثلاثاء ٢٢ يوليو ١٩٥٢ على المئة ضابط بتغيير نظام الحكم، وخضعت مصر منذ صباح الأربعاء ٢٣ يوليو ١٩٥٢ لحكم عسكرى امتد إلى الآن، وإن تلطف بصورة مدنية بعد أن خلع الرئيس البدلة العسكرية وارتدى الزى المدنى، لكن مؤسسات الدولة ظلت تدار برغبة الحاكم «العسكرى-المدنى».

كان منتحل مذكرات شمس بدران قد حضر هذا الجزء من التسجيل، وقد ألف على ما علق بذاكرته ومما طالعه مما نشرته أنا من حلقات تاريخية، فى دراستى المطولة عن ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وحقائقها التاريخية، ونشر فى مطبوعات «المصرى اليوم» و«المصور» و«الصباح» و«التحرير» ما اقتبس منه ما ادعى أنه مذكرات شمس بدران. وكانت الصدمة بالغة لوزير الحربية الأسبق شمس بدران، بسبب هذا السطو على مشروع مذكراته المطبوعة والمصورة، الذى قمت بتسجيله أيضا مع شمس بدران فى جزئه الثانى وبتمويل من دار «الخيال-مصر» لتكتمل أجزاء مذكرات شمس بدران. حاول مدعى كتابة مذكرات شمس بدران أن يشوه العمل كاملا بنشر كلام محرف، وأيضا مختَلَق تماما، ليحاول أن يشوه العمل التاريخى الذى سجل لحساب الأجيال القادمة، لتعرف حقيقة ما حدث فى الماضى فعلا، لتستطيع أن تبنى عليه فى المستقبل. فمذكرات وزير الحربية الأسبق عمل تاريخى؛ سجلته بأمانة علمية بعدما تدارست تاريخ هذه الفترة من خلال وثائق هامة ومذكرات مكتوبة بخط يد أصحابها، ولم تنشر بعد مثل مذكرات صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق ومذكرات المشير محمد عبد الحكيم عامر وأوراق شقيقه المهندس حسن عامر، ومذكرات عديد من رجال العسكرية المصرية ورجال الحياة السياسية فى فترات مختلفة من تاريخ مصر. وأخيرا فقد قام شمس بدران من ناحيته برفع دعاوى قضائية؛ كما قام بتأكيد أنه لم يقابل منتحل مذكراته بأى صفة صحفية؛ وأنه بعد أن سمع ما سمعه فى أثناء التسجيل الأول، وخلط بين ما سمعه وما ألفه هو، ليدعى أنه يكتب مذكرات أو ذكريات؛ أرجو أن يجد هذا الإيضاح طريقه للنشر عن طريق زاويتكم الصحفية، حتى لا يستمر الالتباس عن هذا الجرم المهنى والأخلاقى.

محمد الصباغ

انتهى التوضيح وسوف أغلق تماما هذا الملف، حتى يعلن القضاء كلمته المنصفة.

 

يحيا يحيى!

طارق الشناوي

السبت 12 أبريل 2014 - 10:51 ص

فى عيد ميلاده الذى حلّ قبل أيام قلائل حاولت أن أتأمَّل سر هذا الفنان الاستثنائى، إنه الإصرار على عبور الذُّرَى، فهو يقفز دائما من حاجز إبداعى إلى آخر برشاقة وأستاذية، يعتقد البعض أن الفشل هو العدو الأكبر للفنان، ولكن الحقيقة أن النجاح فى أحيان كثيرة يُصبح هو العدو الأشدّ ضراوة، البعض يتوقَّف أمام نجاحه فى حالة أقرب إلى النرجسية،

ويطيل النظر إلى مرآته الفنية، ويتغزّل فى الدور الذى لعبه وفى النجاح الذى انتقل به إلى قلوب الناس، حيث يتحول النجاح الطاغى إلى لقطة من كاميرا فوتوغرافية، لقطة ثابتة تُمسكها بيدك وتعصرها فى نشوة، هذا هو النجاح القاتل، أما يحيى الفخرانى فلا توجد لديه لقطات ثابتة، اللقطات الفنية التى تمر به لا تعرف الثبات، لقطاته تتحرَّك سريعا 24 كادرا فى الثانية بالضبط، وكأنها شريط سينمائى لا تستطيع أن تُوقفه، وهكذا فى كل مسلسل تليفزيونى لا يسكره النجاح، بل يُحرِّك بداخله على الفور غدة الإبداع ليطوى الصفحة سريعا، ويعيش مع اللحظة الحاضرة فى تجربة قادمة، يتحدَّى بها نجاحه ونفسه ليدخل فى مغامرة جديدة! الشخصيات تنتقل من الشاشة لتعيش معنا باعتبارها بشرا من لحم ودم، سبق أن التقيناها ثم يمر زمن وهى لم تغادرنا رغم أنها غادرت صاحبها، لأنه يعيش حالة أخرى، فلا يتبقى منها شىء فى دمائه تخونه مع شخصية سابقة، لقد طوى هذه الصفحة تماما ليكتب صفحة جديدة..

عرف الفخرانى أن هذا الجهاز السحرى «التليفزيون» يمتلك قوة جماهيرية، وحدثت بينه وبين التليفزيون كيمياء، وفى تاريخنا الفنى ستجد دائما أن هناك علاقة بين الوسيط الفنى والفنان، يصحبان بعدها وكأنهما وجهان لعملة واحدة.. إنه امتزاج غامض بحاجة إلى دراسة علمية لاكتشاف أسراره، إنه أرض وطقس وعندما تزرع فيها موهبة ما تحقق محصولا أكثر وفرة وغزارة، وهكذا يتباين النجاح فى العالم كله بين الفنانين من وسيط إلى آخر، كل مجال فنى يملك سرا ما، له مفتاح وشفرة والفخرانى يعرف «الباس وورد». لم يخضع الفخرانى إلى دور، هذه حقيقة، ولكن الأهم أنه لم يستسلم إلى تنميط أدائه أو إلى سيطرة الصنعة، لا تجد تعبيرا ثابتا يطوق تعبيراته، ولكن الشخصية هى التى تفرض عليه أسلوب اكتشافها وتجسيدها، هى التى تلهمه صوتها وحركتها ولزماتها. هو لا يسعى إلى امتلاك الشاشة بمفرده، نجاح الآخرين بجواره بل توهجهم لا يزيده سوى إصرار على أن يزيد بريقهم..

إنه يُدرك أن الفنان وحده لا يصنع عملا متكاملا، وأن النجاح عدوى مثل الفشل، وإذا لم يسعَ إلى نجاح الآخرين بجواره فسوف تنتشر عدوى الفشل وتغتال العمل الفنى كله وعلى رأسهم بطل العمل. الفخرانى يُصالح الزمن ويحتضن بصماته، ويتركه يمارس سطوته وقانونه، لقد رأيناه فى دور «حمادة عزو» قبل 8 سنوات، والذى بلغ الستين من عمره مع اليوم الأول لعرض حلقات «يتربى فى عزو»، وهو بالمناسبة كان نفس العمر الزمنى وقتها ليحيى الفخرانى. تبقى علاقة الفخرانى بالسينما فى حاجة إلى رصد، نعم هو ليس نجما للشباك لم يفعلها فى شبابه، ولن يستطيع بالطبع أن يُحقّقها الآن، لكنه قدَّم أدوارا لا تنسى وعددا من أفلامه رغم رصيده الضئيل أصبحت علامات سينمائية مثل: «خرج ولم يعد» و«عودة مواطن» و«للحب قصة أخيرة»،

والتى اعْتُبرت بين أفضل مئة فيلم فى تاريخ السينما المصرية. سألت الفخرانى يوما: هل تحلم بأن تُقدِّم أفلاما تحقق من خلالها نفس نجومية عادل إمام؟! أجابنى: أحلم بالطبع، ولكن على طريقتى، أغضبت هذه الكلمات عادل إمام لأنه يرى -أقصد عادل- أن النجومية والنجاح الجماهيرى لا يخضعان إلى مقاييس مسبقة، الجمهور هو الذى يضع القواعد، يحيى لديه قناعة بأن النجومية فى السينما لم تتحقق، إلا أن هذا لا يعنى أن تزداد الخصومة بينهما كل هذه السنوات، آخر أفلامه «مبروك وبلبل» عرض قبل 16 عاما.

. رغم أن السينمائيين كانوا ولا يزالون بين الحين والآخر يحلمون بفيلم يُشارك الفخرانى فى بطولته، لكنه كثيرا ما اعتذر، إنها بلا شك خسارة مزدوجة للسينما والفخرانى. قبل نحو ربع قرن أصبحت أحد شروط الصيام فى رمضان أن نفطر مع كوب من «الخُشاف» اسمه الحركى يحيى الفخرانى، إلا أن السينما القادمة التى أرى بشائرها الآن لا يمكن لها أن تتحقق أيضا بعيدا عن رشفات من خُشاف الفخرانى.

 

يبيعون مصر من أجل مصر!!

طارق الشناوي

الجمعة 11 أبريل 2014 - 9:52 ص

خفتت قليلًا مظاهرات الاحتجاج التى تحاصر المسؤولين فى ماسبيرو مع اقتراب بداية كل شهر، بسبب عدم توفر السيولة المادية لدفع المرتبات، قبل أسبوع تقرر إغلاق بعض أوجه الصرف التى كانت تتبدد فيها أموال المبنى فى ما لا طائل من ورائه، خصوصا الإنتاج الدرامى الذى تحول إلى سبوبة، الكل ينهل منها، وهو يردد فى نفس اللحظة «بحبك يا مصر يا مصر بحبك» ثم يكبش بعدها ما يستطيع من مال الدولة، وهكذا قرر رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون إغلاق أكثر من وحدة إنتاجية تابعة للدولة، وحتى إشعار آخر مثل «قطاع الإنتاج» و«صوت القاهرة» وهو بالمناسبة قرار خاطئ بالثلث لو حسبتها نظريا، ولكن على أرض الواقع هو القرار الصحيح، والذى يمكن من خلاله مواجهة هذا الفساد الذى عشش فى جنبات ماسبيرو. إنتاج الدولة يواجه بأبشع الأمراض وهو السرقة، النهب من مال الدولة الذى صار متاحًا لمن يعرف كلمة السر ويجيد التعامل مع كبار المسؤولين من أصحاب القرار، وهكذا طوال السنوات الأخيرة والتليفزيون المصرى ينتج مسلسلات بلا مردود مادى أو أدبى، حيث تتعدد الأبواب الخلفية التى يتسلل إليها كل من صار غير مطلوب فى القطاع الخاص ليبحث عن عمل فى دراما القطاع العام. فى الماضى كانت علامة الجودة مرتبطة بنسبة كبيرة بما يقدمه المبنى من أعمال درامية، لأن هناك دائما عيونًا تتابع وترصد، صحيح كانت تتسلل بعض المسلسلات الرديئة، ولكنها هى الاستثناء. استوديوهات الدولة كانت فى الماضى هى منصات لإطلاق أهم المسلسلات، ومع الزمن تحولت إلى جسد مشلول يزيد من الأحمال الثقيلة على جسد الإعلام الرسمى، وبدلا من أن تغير الدولة من طبيعة الإنتاج وتسأل مثل أى منتج عن التسويق قبل أن تشرع فى الإنتاج وجدنا ماسبيرو يبدد أمواله فى أعمال فنية متواضعة وبنجوم لا يملكون أى جاذبية لدى الجمهور. من المنتظر أن يكتفى التليفزيون بعرض مسلسلات إنتاج القطاع الخاص على قنواته الأرضية فى رمضان القادم، فهو الوحيد الذى يمتلك حتى الآن البث الأرضى ولا أحد يشاطره فى تلك المساحة الخاصة، وأغلب الظن أنه لن يدفع شيئا لشركات الإنتاج، ولكنه ربما يمنح لها- عن طريق المقايضة- نسبةً من الإعلانات المحتملة، ليغلق الباب أمام هؤلاء الذين استحلّوا مال الدولة رغم أنها تعمل بنظام «النوتة»، أى أنها لا تدفع مباشرة، وينتظر المتعامل معها حين ميسرة والكل ارتضى بذلك، وعلى هذا أصبح كل من لديه مشروع إنتاجى فاشل يرفضه القطاع الخاص توجه لصوت القاهرة أو لقطاع الإنتاج، من يريد مثلًا أن يقدم عملًا فنيًّا لصديقه الذى لم يعد مطلوبًا فلن يجد أمامه عائقًا، ومن تنكد عليه زوجته عيشته لأنها لم يعد لها مكان على الخريطة يجد الملاذ والحضن الدافئ فى إنتاج الدولة. الكل يتعامل معه باعتباره مالًا سائبًا يعلِّم السرقة، فما بالكم بأن مَن يتعاملون معه محترفو سرقة بالإكراه، الدولة لديها قطاع اقتصادى، المطلوب منه أن يحدد الأسماء التى لها قدرة على التسويق قبل التعاقد، ولكنْ عمليا هناك مجموعة من النجوم والنجمات منزوعى الجماهيرية هم الذين يستأثرون بالبطولة فى إنتاج الدولة، ولا أحد يسأل أو يحاسب. استنزاف الأموال فى تلك المسلسلات هو القاعدة، والغريب أن صناعها يملؤون الدنيا الآن ضجيجًا، مطالبين بباقى حقوقهم المادية، وهم فى الحقيقة صُناع الجريمة ويعلمون جيدًا أن المنتج الخاص لن يتحمس لهذه المسلسلات، ولا لهؤلاء الأبطال وقبل ذلك الكتاب والمخرجون الذين انتهى عمرهم الافتراضى. المخرج الذى يفرض زوجته فى كل مسلسل على حساب الدولة عليه الآن، لو كان حقيقة مؤمنًا بموهبتها، أن ينتج بالأموال التى أخذها من المبنى فى السنوات الأخيرة مسلسلًا بطولة زوجته، ولكنه لن يفعلها، لأنه يعلم أنْ لا أحد يشترى بضاعة رديئة. نعم هو قرار يزيد الجراح، خصوصا أن هناك واجبًا على الدولة عليها القيام به، الإنتاج الدرامى عندما يرتبط برؤية اقتصادية وتسويقية ووجهة نظر فكرية يتحول إلى قوة ومصدر دخل للمبنى، ولكننا لن نجد الآن إلا من يتباكى على توقف الإنتاج الرسمى، مؤكدًا أنه حزين من أجل مصر، الكل يبيع باسم حب مصر.. ارحمونا وارحموا مصر من هذا الحب!!

 

هيفاء وهبي وتضاريسها!!

طارق الشناوي

الأربعاء 9 أبريل 2014 - 10:22 ص

لماذا يذهب الناس إلى فيلم بطولة هيفاء؟.

وقبل ذلك ربما كان السؤال لماذا يشاهد الناس أصلا هيفاء على المسرح أو الفيديو كليب؟ هل لعذوبة وجمال صوتها، أم لأشياء أخرى؟ بالتأكيد إنها تلك الأشياء ولا شىء سوى الأشياء.

هيفاء سلعة يتم تسويقها فنيا على كل المستويات، وهى فى كل الأحوال تدرك أن عدوها اللدود هو الزمن، الذى يلعب دورا سلبيا فى خصم كثير من تلك التضاريس، التى تُشكل القوة الضاربة لقدرتها على الجذب.

كما أنه -أقصد الزمن- يطرح وبإيقاع سريع بسبب الانتشار الفضائى مواصفات أخرى للمرأة، التى تُصبح رمزا للأنوثة، ولهذا يبدو أن الأمر أمام هيفاء هو ضرورة الإجابة عن سؤال شكسبير الخالد تكون أو لا تكون، تلحق بقطار السينما فى المحطة الأخيرة أم تتركه يمر من أمامها، وهى موقنة أنها لن تتاح لها الفرصة مجددا، إلا أنها فى النهاية تشعبطت فى القطار الخطأ.

لا أتصور بالمناسبة أن الاتهام بالسرقة من الفيلم الشهير «مالينا» لمونيكا بيولتشى هو المأزق، المشكلة أنهم لم يتمكنوا من سرقته، ولم يستوعبوه أو يفهموه. سيطرت عليهم هيفاء وهبى كسلعة، اعتقدوا أنها مضمونة لكى يتم تسويقها واستثمارها.

المشكلة ليست فى أن تلعب البطولة، ولكن فى سوء الاستخدام، كثيرة هى الأفكار السينمائية التى رشحت هيفاء لبطولتها، ولكن بسبب المغالاة فى أجرها توقف المشروع، أتذكر أنها كانت الترشيح الأول لداوود عبد السيد فى فيلمه «رسائل حب»، مثلما فعل قبلها فى «مواطن ومخبر وحرامى» مع شعبان عبد الرحيم، فكانت المرة الأولى وأظنها الأخيرة التى تقبل فيها الناس شعبان ممثلا.

المخرج خالد يوسف كانت له محاولة سابقة مع هيفاء فى «دكان شحاتة»، قدمها فى دور نوسة فتاة شعبية، ويومها كتبت أن اللقطة الوحيدة التى أقنعتنى بهيفاء ممثلة هى تلك التى ارتدت فيها النقاب، حيث اختفت تعبيرات وجهها تماما، لأنه فى الحقيقة لا يعبر عن شىء سوى هيفاء، أقصد الصورة الذهنية التى تصدرها لنا هيفاء.

هذه المرة فى «حلاوة روح» لم يكن هناك نقاب، ولكن محاولات لا تنقطع من المخرج سامح عبد العزيز لكى نرى وبتلكيك مفضوح كل ما تيسر من جسد هيفاء، فهى تؤدى دور بنت البلد الفتاة المرغوبة من الجميع، وحتى يصبح الأمر من الممكن استمراره، فهو يبحث من كتاب المحفوظات السينمائية عن مفردات ارتبطت بمثل هذه الأنواع التى تخصص فيها محمد السبكى، والتى تعنى الإسراف فى المشهيات الجنسية.

وهكذا نرى نساء الحارة التى تجرى فيها الأحداث كلهن من المنحرفات، ولأن الشىء بالشىء يذكر، فكان ينبغى أن نرى القواد الذى يؤدى دوره باسم سمرة وتاجر المخدرات محمد لطفى.

ولكن ماذا بعد، ينبغى أن يتم زرع مشاهد لهيفاء، الكاتب على الجندى لم يسعفه خياله الدرامى المحدود بشىء سوى أن هيفاء تظل فى الحفظ والصون، فهى لا تنحرف مثل الأخريات، ولا تذهب حتى للغناء فى الكباريه، لا تفعل شيئا من الممكن أن يهز صورتها كامرأة صالحة تراعى ربنا فى كل تصرفاتها، الله منحها جسدا مثيرا أصبح لعنة تطاردها ولكنها غير قابلة للانحراف، ولا حتى لممارسة الرقص الشرقى، إلا أنها مثل كل البشر من الممكن أن تنحرف فى الحلم وترقص مع حكيم فى فرح ابنة الجيران، بعد ذلك ماذا تفعل؟ تذهب إلى كباريه تديره نجوى فؤاد، وتشاهد أغنية، ثم لا شىء من الممكن أن تلمحه أكثر من أن هناك طفلا يشاطرها البطولة، كريم الأبنودى، يعيش سن المراهقة، يشعر بميول عاطفية تجاه هيفاء، ولا بأس فى ذلك، فهى تظل لو تمت معالجتها دراميا خطا أصيلا، إلا أن الغرض الوحيد أن يصبح الطفل عينا تتلصص على أهل الحارة تفضح ممارساتهم الجنسية، حتى ليلة دخلة عريس فى الحارة، نرى الطفل تحت السرير ليصبح هو شاهد الإثبات على تعثر الرجل فى تلك الليلة المصيرية.

وتظل المهمة الرئيسية للطفل تقديم ما تيسر من تضاريس هيفاء، ولهذا كثيرا ما لجأ إلى حيلة شباك البلكونة، يقفز إليه كريم، ويطيل النظر من بين الفتحات ليشاركه الجمهور فى التلصص على التضاريس.

الطفل كان أقرب إلى حمل زائد فى مسيرة الفيلم، دائما هناك محاولة فاشلة لتقديمه فى مشهد مقحم، والمفارقة أن فيلما يلعب بطولته طفل، بينما الأطفال ممنوعون بحكم القانون من مشاهدة فيلم للكبار فقط!!

ورغم كل ذلك فلا أجد أى معنى لحملات المقاطعة المنتشرة عبر النت للمطالبة بالمصادرة، أنا موقن أن «حلاوة روح» لن يستطيع الصمود مع الأيام فى دور العرض وسريعا سيطلع فى الروح.

 

زغللة فكرية!!

طارق الشناوي

الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 9:53 ص

أصدر الرقيب أحمد عواض قبل نحو أسبوعين قرارا بالموافقة على عرض فيلم «نوح»، إلا أنه لم يتم تفعيله حتى الآن، فلم يتحدد بعد موعد لافتتاح الفيلم بالقاهرة، وترك الرقيب الأمر يحمل مساحة من الشك وأغلق تليفونه أمام كل وسائل الإعلام، كما أنه حذر كل الرقباء من التعامل فى تلك القضية مع الصحافة.

قرار الموافقة على الفيلم أصدره الرقيب قبل أسبوعين، ولكن لماذا لم يقترن ذلك بالعرض، أتصور أن الأمر تداخلت فيه عوامل عديدة فى صراع له غطاء سياسى متعلق بالدولة المصرية، التى تقف بين المدنية والدينية. العرض استند إلى رغبة الدولة فى إعلان مدنيتها، أما عدم تحديد موعد للعرض فيحمل فى طياته رغبة فى التأكيد أن هناك فى المعادلة رغبة فى تصدير رسالة للرأى العام، تشير إلى أن هذا لا يعنى أن الدولة ستغض الطرف تماما عن الإنصات للمؤسسات الدينية، خصوصا أن النظام يسعى لتهدئة النفوس هنا وهناك، ولا يريد أن يبدد طاقته فى معركة هامشية.

كان موقف لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة مباشرا وبلا أدنى لبس، عندما أصدرت بيانها فى عز الأزمة يمنح الرقابة غطاء أدبيا وقانونيا للموافقة، أهم ما تضمنه أنهم بقدر ما يحترمون أعضاء اللجنة ويبجلون أزهرنا الشريف فإن فصل الدينى، الذى بطبعه مطلق «الحلال والحرام» فى أحكامه عن الثقافى والفنى، الذى هو بطبيعته يقع فى إطار النسبى «الجميل والقبيح»، هذا الفصل ضرورى لمصلحة المؤسسات الدينية، وتقدم وقتها الرقيب بدراسة تؤكد أنه سيد قراره، وأنه لا توجد أى مؤسسة لها أن تتدخل فى شؤونه.

كان وزير الثقافة صابر عرب وبعض أعضاء اللجنة لديهم قناعة بأن جلسة مع الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب تنهى القضية، وتناسى الزملاء المبدأ وهو أن جلسة مع الأزهر حتى لو انتهت بالحصول على الموافقة، تعنى أن من حق الأزهر أن يتدخل فى الشأن الثقافى، وإذا وافق مرة فمن حقه أن يعترض فى الثانية، وهكذا يجد نفسه متورطا فى قضايا كان ينبغى أن ينأى عنها.

شىء من هذا القبيل كنت شاهدا عليه عندما عقد مفتى الديار المصرية السابق الشيخ على جمعة قبل نحو عامين، لقاء فى المشيخة بسبب فيلم «عبده موتة»، الذى تضمن أغنية «يا طاهرة يا أم الحسن والحسين»، وأعترف أن الشيخ جمعة كان متفهما لطبيعة العمل الفنى، وشاهد الفيلم كاملا، ولم يعترض على أى مشهد، رغم أن الفيلم تضمن لقطات للراقصة دينا وحورية فرغلى، والمفروض أنها فى الأحوال العادية تدفع رجل الدين نحو المنع، ولكن الرجل لم يعترض سوى على الأغنية، وهو ما أيده فيه صُناع الفيلم ووفد من الفنانين، بحضور مسعد فودة نقيب السينمائيين، وأشرف عبد الغفور نقيب الممثلين، وكنت حاضرا واعترضت وقتها على هذا الموقف من الناحية الشكلية، لأننا نرسخ قاعدة وهى أن يتدخل رجال الدين فى الموافقة أو الرفض، بينما خرج ممثلو النقابتين وهم يشعرون بزهو الانتصار وشاركهم مخرج الفيلم ومنتجه السعادة.

رجل الدين قد يتمتع بمرونة وأريحية ويوافق، ولكن يظل الخطأ هو أن نلجأ إليه فى قضايانا الحياتية التى تحتمل الخطأ والصواب لا الحلال والحرام. أشعر أن الدولة تخشى إثارة غضب المؤسسة الدينية، وفى نفس الوقت تريد أن تؤكد مدنية الدولة، وهكذا وافق الرقيب ولكن مع إيقاف التنفيذ. وأغلب الظن أن الفيلم لن يعرض الآن تحسبا لمشاعر غضب محتملة، خصوصا أن هناك فيلما آخر وهو «ابن الله» من المنتظر أن تطبق عليه نفس القواعد الرقابية، التى أباحت قبل عشر سنوات عرض فيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون.

كان قرار الدولة وقتها أن الفيلم تستند وقائعه إلى العهد الجديد «الإنجيل»، ولهذا لا تطبق عليه تلك المعايير الإسلامية، وشاهد الفيلم المسلمون والأقباط وحقق إيرادات مرتفعة، ولم يعترض الأزهر.

الدولة بالفعل فى عمقها تسعى لترسيخ مدنيتها، ولكن بنصف قوة ونصف إرادة، ولا أستبعد أن وراء كل تلك القرارات ضوءا أخضر من جهة سيادية بالموافقة، يعقبه ضوء أحمر من نفس الجهة بعدم التورط فى العرض الآن، وهكذا نعيش فى زغللة فكرية.

 

محمود سلطان

طارق الشناوي

الإثنين 7 أبريل 2014 - 1:34 م

فى جيلنا كان قارئ نشرة الأخبار قبل الانتشار الفضائى هو النجم الأول، ننتظره فى نشرات السادسة والتاسعة مساء والواحدة بعد منتصف الليل. وعرفنا فى السبعينيات كلا من أحمد سمير ومحمود سلطان. كان سمير قد سبق سلطان ببضع سنوات إلى ماسبيرو، حيث كانت بداية كل منهما فى الستينيات عبر أثير الإذاعة، ولكن سمير انطلق بسرعة الصاروخ من الميكروفون إلى الكاميرا.

كان من الممكن أن تلحظ تلك المعركة المحتدمة بينهما، التى لم يكن أى منهما طرفا فيها، وربما كانا صديقين على المستوى الشخصى. لا أظن أن الكواليس شهدت صراعا معلنا بين نجمى النشرة، بقدر ما كانت بين جمهوريهما، وكان السؤال عن أيهما الأكثر حضورا. وللأمانة التاريخية انطلق شفيع شلبى فى نفس الفترة الزمنية، وكان يشكل نبضا مغايرا، وأسلوبا أكثر عصرية وتحررا بل ومشاغبة، ولكن لظروف متعددة وبسبب مؤامرات حيكت ضده، ليس الآن مجال التحقق منها، اختفى بعد سنوات قليلة من المشهد التليفزيونى، كما كان حلمى البلك يشكل ثقلا، ولكن رصانته المفرطة فى أداء النشرة لم تضعه فى تلك المنافسة، وظل القطبان الرئيسيان هما سمير وسلطان.

كل منهما كان متأنقا فى ملبسه، ولكن سلطان كان هو الأبسط. كل منهما كانت لديه طلة خاصة، ولكن الأكثر وجودا على الصعيد الإعلامى هو سمير. لكل منهما علاقات متعددة بالوسط الفنى. سلطان ربطته صداقة حميمة مع نور الشريف، بينما سمير مع منافسه فى تلك السنوات محمود ياسين. كل منهما كان هدفا للأفلام السينمائية كلما كان المقصود هو تقديم لقطة لقارئ النشرة. كل منهما للمفارقة تزوج مذيعة تليفزيونية، سمير «سهير شلبى»، وسلطان «مها توفيق». ورحل أحمد سمير قبل نحو عشرين عاما، وواصل سلطان العمل فى النشرة، وأيضا كان له حضوره المتميز فى برنامج كانت كل مصر تشاهده بعد صلاة الجمعة، وهو «عالم الحيوان». كيف كان يطوع صوته بكل هذه الانسيابية لنعيش معه اللحظات المرعبة، عندما يطارد الأسد غزالا صغيرا، وكلنا نتوحد عاطفيا مع الغزال، ونتمنى أن يفلت من أنياب الأسد، ولكن فى النهاية نراه وقد خرّ صريعا تحت أنياب ومخالب ملك الغابة، ويقدم سلطان فى تلك اللحظة طبقة صوتية من القرار مليئة بالحزن على مصير الغزال، ولكن لا ينتهى البرنامج عند تلك اللقطة، فلا تزال فى السماء طيور ملونة تصالحنا مرة أخرى على عالم الحيوان. وأتصور أن محمود سلطان كان يتدخل بشكل أو بآخر فى تتابع تلك الحكايات، لنعيش الأمل مع الموسيقى المميزة فى نهاية الحلقة، وننتظره مجددا بلهفة الجمعة القادمة.

قال لى إن الصدفة كانت وراء تقديمه هذا البرنامج لإنقاذ الموقف، ثم أصبح واحدا من أهم البرامج فى تاريخ التليفزيون المصرى، الذى كان يحمل وقتها لقب العربى.

لم ألتق سلطان كثيرا، إلا أننى بحكم المهنة كثيرا ما نكشته لمعرفة بعض الكواليس، وبحكم أنه كان يشغل أخطر منطقة وهى نشرة الأخبار، التى كانت هى هدف الدولة فى إحكام السيطرة على الناس، وروى لى بعض الحكايات التى كان شاهد عيان عليها، مثلا عندما عتبت سوزان مبارك على صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق وقالت له «الحكاية دى ما تتكررش تانى»، عندما وجدته يرسل إلى مبارك بعض المذيعات الصغيرات من قطاع الأخبار للتسجيل معه، وبزى متحرر، ووصلت الرسالة بالطبع لصفوت، ولم يكررها ثانية. وروى لى أيضا أنه فى منتصف التسعينيات وبحضور مبارك وفى عيد الإعلاميين، طالب البعض بأن تتحرر نشرة الأخبار الرسمية من هذا التتابع القاتل، الذى يبدأ بخبر مبارك أو سوزان أو جمال، ثم رئيس الوزراء، وإن من اعترض هو صفوت نفسه، ربما لأنه الأدرى بالمفاتيح الشخصية لمبارك، الذى كان حريصا على إعلان أنه لا يهمه أن يحتفى به الإعلام، ولكنه فى الحقيقة لا يعنيه سوى أن يحتفى به الإعلام.

بعد ثورة يناير تقدم بفكرة برنامج بناء على اقتراح المسؤولين وقتها، ثم فوجئ أن لا أحد يسأله ليعرف بالضبط ما الذى انتهى إليه، وتوقف المشروع ولم ينته الأمر عند هذا الحد، كنت أتابع صوته فى الإذاعة الإخبارية خلال الأشهر الأخيرة، ولكنى لاحظت قدرا من الوهن، قد اعترى نبرات الصوت، ولكنه ظل يحمل كثيرا من ملامحه المميزة.

سلطان كان نموذجا لقارئ نشرة لا يصنع الأخبار، ولكنه يقدمها للناس بحياد، المساحة التى يتحرك فيها قارئ النشرة محدودة للغاية، ولديه هامش ضئيل من الإضافة، وكلما ضاقت المساحة احتاج الأمر لتحقيق التميز إلى موهبة استثنائية، ومحمود سلطان كان هو صاحب تلك الموهبة الاستثنائية!!

 

آلهة الهند يرقصون في الأوبرا!

طارق الشناوي

الأحد 6 أبريل 2014 - 12:50 م

اشتهر بأدائه الصوتى فى نشرات الأخبار وبرنامج عالم الحيوان لسنوات طويلة..

عندما وصلت الفرقة الهندية إلى مطار القاهرة لم تنتظر، أحالوا صالة الوصول إلى ساحة للرقص والغناء. لم أشهد تلك اللحظة، ولكنى كنت حاضرا فى دار الأوبرا المصرية، وعشت ساعتين من النشوة الممزوجة بالبراءة والطفولة وألوان قوس قزح.

سينما «بوليوود» هى فاكهة المهرجانات فى العالم، فهى تنضح بسحرها، وأيضا بسرها الخاص. قدموا فى الأوبرا عرضا يحمل عنوان «بوليوود قصة حب»، وكان هذا عنوانا لفيلم شاهدته قبل أربع سنوات على هامش مهرجان «كان». تكتشف بين ثنايا الفيلم، وهو ما تكرر فى العرض المسرحى، أن السينما الهندية عمقها الحقيقى يبدأ من البساطة وينتهى إلى البساطة. الشعب الهندى هو أكبر عاشق لسينما بلاده، التى تعددت فيها الأديان والأعراق واللغات، وتوحدوا على السينما ونجومها. إنه عشق مجنون يعيشونه ويمارسونه، حتى إنهم يطلقون على النجوم الهنود لقب آلهة، بل يحجون إليهم. واكتشفت مثلا أن أميتاب باتشان فى كل يوم أحد يهرع إليه الآلاف من المعجبين، وكثيرا ما يتحول الإعجاب إلى معركة وطنية. أتذكر أن إذاعة «بى بى سى» البريطانية أرادت أن تختار قبل نحو 14 عاما نجم القرن العشرين بين كل نجوم العالم، وبينما انقسم الأمريكيون والأوروبيون فى اختيار نجم القرن، فإن الهنود جميعا توحدوا حول اختيار باتشان فنان القرن على مستوى العالم، ومتفوقا على نجوم عالميين بحجم شارلى شابلن وأورسون ويلز وجريجورى بيك وجاك نيكلسون، وغيرهم من أساطير فن الأداء فى العالم أجمع، الذين لمعوا منذ ميلاد السينما فى العالم حتى نهاية القرن.

لا شك أن باتشان له أيضا جمهوره فى العالم كله، ولا أنسى تلك المظاهرات التى كانت تصاحبه قبل 20 عاما فى مهرجان القاهرة منذ هبوطه للمطار حتى عودته. الآن هناك أسماء أخرى بات يعرفها العالم مثل شاروخان وسالمان خان وشاهيد كابور وإيشورا راى وشابانا عزمى وغيرهم، أكد عرض «بوليوود» فى الأوبرا أن الحب لا يزال فى النفوس مشتعلا.

«بوليوود» تعنى بومباى، وهى المعادل الشرقى لهوليوود، إلا أنها تنتج فى العام الواحد ثلاثة أضعاف ما تنتجه أمريكا، حيث يتجاوز الرقم ألف فيلم. تستطيع أن ترى فى تلك السينما عناق الموسيقى الصاخبة والرقص والإيقاع والنساء الجميلات والحكاية الميلودرامية، التى تجمع بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، ولهذا تنتقل فى لحظات بين آهة حرقة الشجن وومضة فرحة القلب. الفيلم الهندى -أتحدث بالطبع عن الوجه المألوف لنا وفى العالم كله- يحيل خيال الناس إلى واقع يعيشونه أو يأملون أن يعيشوه، ولهذا يصدقونه. المبالغات فى الميلودراما تعنى أن الحياة نفسها من الممكن أن تحمل كل هذا التطرف فى المشاعر.

فى الهند تكتشف أن الفقراء يمثلون واحدة من أكبر النسب فى العالم. وتجد أيضا أن الأثرياء يمثلون شريحة من أكثر النسب فى العالم. إنها بلد المتناقضات، شاهدت فى بومباى عندما زرتها قبل عامين، المئات يعيشون على الأرصفة التى تطل عليها قصور الأثرياء. العرض المسرحى قدم للجمهور الحكاية التقليدية، الشاب الفقير الذى يقع فى حب الحسناء، ويعترض الأب، ويتحمل كل صنوف العذاب، وفى النهاية تعلو الزينات ويشارك الجميع فى الرقص والتصفيق. الهند بلد التسامح الدينى، الأغلبية الهندوسية لا تقهر الأقلية المسلمة التى تصل إلى 12% من عدد السكان، وأغلب نجوم السينما مسلمون.

الشعب الهندى فى علاقته بالسينما يحيل النجوم إلى حالة من التقديس، كأنها نوع من الترديد لهذا الإحساس الذى كان العربى القديم قبل الأديان يشعر به، حيث يصنع آلهة من التمر، وعندما يستبد به الجوع لا يجد أمامه سوى أن يلتهم تلك الآلهة غير آسف عليها، ومع مرور الزمن يخلق آلهة جديدة. كل النجوم فى العالم هم بشكل أو بآخر نتاج تلك الحالة، إنهم يخلقونهم ثم يعبدونهم، وبعد ذلك يلتهمونهم ويبحثون عن آلهة جديدة يعبدونها.

فى الهند يبدو أن الأمر مختلف، الأساطير تظل أساطير، نعم تولد أساطير حديثة، لأن لكل عصر مفرداته ونجومه، ولكن الشعب الهندى على عكس كل الجماهير فى العالم، لا يأكل نجومه بل يصدرهم للعالم كله، وهكذا عشنا معهم ساعتين فى الأوبرا نعانق الشمس ونحتضن القمر ونتنفس الجمال.

 

شمس.. بين سعاد وعبد الوهاب!

طارق الشناوي

السبت 5 أبريل 2014 - 10:49 ص

مع مرور الزمن يتحول أى شاهد عيان إلى فاعل لا مفعول به، ويصبح هو فى البؤرة، ولا يكتفى بهذا القدر فهو أيضا البطل المغوار الوطنى الذى ضحى بنفسه من أجل أن يعيش الوطن.

هذا هو الدور الذى يلعبه الآن شمس بدران، الذى أطلق أنور السادات سراحه من السجن الحربى قبل 40 عاما، وكان شرط الإفراج من حكم التأبيدة أن لا يتكلم فى الشأن السياسى، ومنحه السادات جواز سفر دبلوماسيا لكى يبدأ حياته خارج الحدود.

  التزم شمس الصمت طوال حكم السادات وحتى زمن مبارك، ولكنه قبل بضع سنوات سمعنا مجددا باسمه من خلال تسريب أحاديث منسوبة إليه، وكان من المنتظر أن تقدم إحدى الفضائيات حكاياته، ولكن هناك مقطعا أثار الأجهزة الأمنية أشار فيه إلى أن جمال عبد الناصر عانى من الضعف الجنسى، وكان يؤجل لقاءاته الرسمية حتى يشاهد شريطا لسعاد حسنى صورته لها المخابرات خلسة.

أوقفت الأجهزة وقتها عرض البرنامج ولكن بقى صدى الشائعات.   سافر إليه فى بريطانيا زميلنا فى «روزاليوسف» الكاتب الصحفى حمدى الحسينى، ووثق إجاباته فى كتاب، وتناول كل الملابسات التى عاشها منذ حصار «الفالوجا» فى 48 وعلاقته بالثورة وبالرئيس عبد الناصر والمشير عامر. كان شمس لديه ملفات عديدة، فهو واحد من أربعة مسموح لهم اللقاء بعبد الناصر فى أى لحظة دون استئذان، وكان أيضا وزير الحربية قبل هزيمة 67.

وببساطة يقول إنه غير مسؤول عن الهزيمة، بل يعتبر أن محمد حسنين هيكل يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية بعد عبد الناصر والمشير والفريق محمد فوزى، الذى يعرفه المؤرخون العسكريون باعتباره الرجل الذى أعاد بناء القوات المسلحة فى أعقاب هزيمة 67.   فى الصراع على السلطة انحاز شمس للمشير، ولهذا فهو يؤكد اغتياله لا انتحاره. أكبر عدو يواجه من يروى -خصوصا إذا كان الزمن قد فصله عن الحدث عقودا من الزمان- هو أن شهود العيان لم يعودوا بيننا، ولهذا يزداد شراسة ضد من امتد بهم العمر ولديهم حقائق مغايرة. وهكذا صار له عدوان لدودان، سامى شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر، ومحمد حسنين هيكل، الكتاب يمتلئ بعبارات اتهام وتجريح تطول الاثنين خصوصا هيكل.   ولكنه أضاف للحكايات سعاد حسنى والموسيقار محمد عبد الوهاب.

أراد أن يجرح عبد الناصر ويحيل صورته كزعيم إلى مجرد رجل عاجز جنسيا، بعد تفاقم إصابته بالسكر، وفى نفس الوقت يقدمه للرأى العام كرجل يشعر بلذة عندما يشاهد التعذيب فى السجن الحربى. ويمتد التشويه إلى الطعن فى كل ما يعرفه ويتداوله الناس عن شخصية عبد الناصر، حتى واقعة الجبنة القريش التى كانت طعامه المفضل، لم يستطع نفيها، ولكنه أضاف أن فى ثلاجة ناصر كل أنواع الجبن السويسرية المستوردة، وغيرها من الحكايات الصغيرة التى تريد أن تنال من الرجل.

والتحليل الجنسى هو المسيطر على شمس، مثلا السادات ورط مصر عام 66 للدخول فى حرب اليمن، لأنه كان على علاقة بامرأة يمنية، وينفى علاقته بالإعلامية الكبيرة الراحلة همت مصطفى، وهى الشائعة التى انطلقت فى آخر أيامه بسبب أحاديثه التى كان يسجلها فى قريته «ميت أبو الكوم» ويناديها «همت يا بنتى»، يؤكد شمس أن عبد الناصر هو الذى فرضها منذ الستينيات على المشهد السياسى والإعلامى الرسمى فى مصر. دائما هناك هاجس جنسى وراء كل هذه الأحداث. وتبقى قصة أغنيات وقصائد عبد الوهاب التى سجلها عبد الوهاب فى بيت شمس، وهو يعلم جيدا أن هناك حقوقا أدبية ومادية لا يمكن تجاهلها، ولهذا يحرص على التأكيد أنه بسبب كثرة تنقله لم يعد يحتفظ بها إلا شريطا واحدا أشار إليه استعاره منه صحفى وإعلامى مصرى كبير ولم يستعده حتى الآن، ولديه معلومة أن هذا الإعلامى باعه بالملايين لثرى عربى. مبالغة فى رقم البيع، ولكن تستطيع أن تعتبرها أيضا محاولة غير مباشرة لتحلية بضاعته، التى لا تزال حتى الآن بحوزته.

والرجل يؤكد أن الجميع كانوا يسعون إليه ومنهم أم كلثوم، ولكنه وهابى المذاق، ولهذا كان يصدها، والكل يعرف أن أم كلثوم كانت لها مكانة خاصة عند عبد الناصر، ولا تحتاج إلى حماية من أحد، ولكن إحساس شمس بأنه كان محور الكون، إنها بالتأكيد مأساة عاشها شمس بدران، فأراد أن يحيلها فى أيامه الأخيرة إلى فيلم «بورنو»!! 

 

مسافة واحدة بين السيسى وحمدين!

طارق الشناوي

الجمعة 4 أبريل 2014 - 9:52 ص

دائما ما نجد أمامنا كلمة تتكرر فتصبح هى شعار المرحلة، راجعوا فقط بعد الثورة كلمات مثل «فلول وقائمة سوداء»، أما قبل الثورة فستجد كلمات احتلت الصدارة سنوات وسنوات مثل «مصداقية وشفافية»، أما الآن فإنك تستمتع إلى الكل يغنى بصوت مسموع «مسافة واحدة». صحيح أنه ليس جديدا تماما بين الحين والآخر كان يتسلل هذا التعبير إلى مفردات الأحاديث سياسية وفنية، مثلا عندما احتدمت المعركة بين رانيا يوسف وغادة عبد الرازق حول فيلم «بون سواريه» قبل ثلاث سنوات أكد المخرج على رجب وقتها أنه يقف على مسافة واحدة بين النجمتين وفى الحقيقة لم تكن المسافة واحدة. الآن نحن نمسك بطوق نجاة «مسافة واحدة» ونطلقه على أهم استحقاق لثورة 30 يونيو وهو كرسى رئيس الجمهورية، والمطلوب والمعلن أن تقف كل الأجهزة على الحياد بين المترشحين للمنصب، وأتذكر ولعلك تتذكر أن نفس هذه المسافة كانت تتردد ولكن بقدر من الاستحياء أيام مبارك، وشاهدنا الراحل أحمد الصباحى رئيس حزب الأمة بطربوشه المعتبر عام 2005 يحصل فى التليفزيون الرسمى على نفس المساحة التى أتيحت لمبارك الأب، لكى يشرح برنامجه الانتخابى للمشاهدين، إلا أنه فى هذا الحوار حرص على التأكيد أنه سيمنح صوته لحسنى مبارك. الإعلام المصرى هذه المرة تلقى تعليمات مشددة من الدولة بتمثيل الحيادية أى «شوية هنا وشوية هناك»، ولو راجعت الجرائد القومية ستكتشف أنها حريصة مثلا فى الصفحة الأولى عندما تشير إلى أن السيسى ذهب للكشف الطبى، فإن هناك خبرا موازيا يؤكد أن حمدين لم يذهب بعد، وهو ليس خبرا، ولكن حتى تظل المسافة مسافة واحدة، يكتبون اسمه فى العنوان، ولو كان حمدين مثلا قد ارتدى الخوذة وركب «الفيسبا» اليابانى لكانت الصحافة وضعت صورته موازية لعجلة السيسى الألمانية صفحة أولى. حمدى قبل أن يشرع فى دخول الانتخابات كان يقول فى كل أحاديثه لو السيسى سينفذ مبادئ ثورتى 25 و30 فسوف أكتفى بدعمه، ومن الواضح أن هذا كان هو المطلوب وقتها، ولكن تغيرت قواعد اللعبة وبات دخول حمدين يشكل ضرورة للدولة وليس فقط رغبة لحمدين. الانتخابات لن تصبح انتخابات إلا إذا وجدت قوة موازية لا أقول متعادلة ولكنها موازية، وبعد أن بات معروفا أن كل من ينتمى للمؤسسة العسكرية لن يجرؤ على التقدم فى ظل رغبة المشير، فلقد تراجعوا، بل إن شفيق تبرأ من حملة «الكبير جاى يا شعب» وأرسل رسالة واضحة أن الكبير سيظل بعيدا عن تلك المعركة بل صوته سيدعم السيسى. حمدين أول من يعلم أن المزاج الشعبى والنفسى فى القسط الأكبر منه يؤيد السيسى، فهو الأكثر ملاءمة بحكم تكوينه العسكرى لتحقيق الضبط والربط للشارع الذى يشكل الهاجس الأكبر للملايين. حمدين يعلم تماما أيضا أن دخوله الآن بات ضرورة لو لم تجده الدولة لاخترعته، فهو يحمل المواصفات المطلوبة، يتقدم الانتخابات كمرشح جاد له تاريخ سابق، ولكنه يعلم أيضا أن هناك شروطا للعب مع الكبار، وهناك ثمنا فادحا لمن لا يحترم الشروط. سيظل السؤال عن النسبة التى سيحصل عليها، هو سيخسر والكل يعلم ذلك وأولهم حمدين، ولكن ما النسبة؟ ربما منحوه مثلا كحد أقصى 15% وهى نسبة آمنة للرئيس القادم، ولكن يبدو لى أنه يسعى لأن يحقق ما هو أكثر من المقرر له، وفى هذه الحالة يضمن أن النظام الجديد سوف يتعامل معه كقوة حقيقية فى المعادلة القادمة، وله مريدون، ولهذا من حقه أن يحصل على شىء من تورتة المناصب المحتملة. ولهذا حرص على التأكيد فى كل أحاديثه أنه لن يقبل أى منصب لن يحصل عليه بالانتخاب المباشر. لا آخذ تصريحات السياسيين على محمل الجد، دائما ستجد هناك مخرجا، مثلا يعلن أنه بالفعل قال ذلك من أجل مصر، ولكن من أجل مصر أيضا سوف يتولى المسؤولية تحت قيادة السيسى. المسافة الواحدة سيظل يتمتع بها الصباحى على شرط أن لا تتجاوز طموحاته النسبة المقررة، ولكن لا تتصوروا أن الإعلام الخاص قبل العام سوف يسمح بأن يتطلع إلى ما هو أكثر، ساعتها سيجد نفسه بعيدا عن الرقعة بمسافات ومسافات!!

 

سر عمر طاهر!

طارق الشناوي

الأربعاء 2 أبريل 2014 - 10:42 ص

مع بداية تغيير الموقع الإلكترونى لجريدة «التحرير» ظهر باب جديد فى الصفحة الرئيسية عنوانه المقالات الأكثر انتشارًا ووجدت فى البداية أن لى مقالًا هو «كاتمة أسرار عمر الشريف» فى المركز الرابع ولم يصمد كثيرًا، ثم بعدها استمر لمدة تجاوزت عشرة أيام مقال آخر «زعيم أونطة» فى الرابع بفارق معتبر عن الخامس، وكان يتطلع على استحياء إلى المركز الثالث، قبل أقل من 24 ساعة فقط تم التغيير للسماح للمقالات الجديدة بالوجود فلم أجد مقالى الأخير «شقيق الموجى وابن الطويل» بين الخمسة الأوائل واحتل موقعى الكاتب الكبير د.أحمد خالد توفيق، بمقالة رائعة عنوانها «كاسندرا من جديد»، ولكن عليه أن يعلم جيدًا أن البقاء غير مضمون وأنه ربما يهبط إلى الرابع أو الخامس وبعد قليل قد يجد نفسه خارج الحلبة، دائما هناك تغيير، ولكن الثابت فى المراكز الخمسة هو عمر طاهر يحتل الأول والثانى والثالث، وقد يترك الرابع، ولكنه فى الخامس.

أريد فى الحقيقة أن أطرح قضية علاقة الكاتب بالرقم، يجب ملاحظة أننا بصدد نوعين من القراء، ورقى وإلكترونى، بالتأكيد هناك قدر من الاختلاف، ولكنى أراه هامشيًّا فى حاسة التذوق. القراء الورقيون لا أتصورهم إلا وهم بنسبة كبيرة أيضًا فى التذوق إلكترونيين.

دائمًا ما يشغلنى أننا كصحفيين لم نقم بدورنا فى تأصيل هذه المهنة من الناحية الإبداعية، أتمنى مثلًا أن أرى دراسة علمية تحليلية عن الأعمدة التى كان يكتبها الكبار أمثال أنيس منصور وأحمد بهاء الدين ومصطفى أمين تتناول الأسلوب وما الفارق بين مقالى محمد التابعى وكامل الشناوى؟ وهل الكتابة الساخرة هى الأكثر تداولًا؟ وكيف تطورت من أيام يعقوب صنوع مرورًا بسعيد عبده وبيرم التونسى ومأمون الشناوى وجليل البندارى ومحمد عفيفى وأحمد رجب ومحمود السعدنى؟ وما الذى أضافه جلال عامر وفؤاد معوض وعاصم حنفى وجمال فهمى وأسامة غريب وبلال فضل وغادة الشريف وجيهان الغرباوى وغيرهم؟

وتتعدد بالفعل زوايا الرؤية عند الحديث عن الرقم.. الكتّاب مثل نجوم الشباك، فهناك نجوم يحققون قدرة على الجذب مثل عادل إمام، أغلب أفلام عادل لو وضعت أى نجم آخر فى نفس الدور فإن الشباك سيتأثر سلبًا، سر الصراع بينه وبين أحمد زكى هو أن كلًّا منهما كان يرى ما لدى الآخر ويتمنى أن يحققه، أحمد زكى تمنى أن يجمع بين الحُسْنيين ويصبح زعيمًا للأرقام مثلما هو زعيم للإبداع، وعادل إمام أراد أن يصبح زعيمًا للإبداع، ولكن تلك كانت هى القسمة الربانية التى منحت لكل منهما شيئًا، وليس معنى ذلك أن أحمد مثلًا لم تكن لديه إيرادات ولا تعنى أن عادلًا لا يتمتع على الإطلاق بموهبة المؤدى، ولكن لا شك فى أن القوة الحقيقية والضاربة لكل منهما مغايرة للآخر.

يجب ملاحظة أن الإبداع له أيضا ملامحه التجارية، هناك أنغام بطبعها سهلة التداول وأخرى تحتاج إلى زمن حتى يألفها الناس. ولدينا نموذج قصيدة «الأطلال» والتى اعتبرتها كل الدراسات هى قصيدة القرن العشرين صارت مع الزمن قصيدة شعبية، رغم وقار وجلال الكلمة والنغمة.

فى السنوات الأخيرة مثلًا الأديب علاء الأسوانى هو الأكثر مبيعًا بين كُتاب الرواية والأكثر تداولًا بين كُتاب الصحافة، إنها حزمة من الأسباب المجتمعة قد تحقق رواجًا لحظيًّا، ولكن مع الزمن هناك أيضًا وميض إبداعى يظل كامنًا فيها.

ما علاقة كل ذلك بصديقنا عمر طاهر وعموده فى «التحرير» واحتلاله دائمًا أربعة مراكز من الخمسة، بينها الأول والثانى.. لا شك أن كتابة الأعمدة مثل أى فن فى الدنيا يتأثر بالزمن، تغيرت مفردات عديدة فى مخاطبة الناس، خصوصًا مع توفر عناصر مغايرة فى أسلوب التواصل، ولدت كلمات ورحلت أخرى وشاهدنا تغييرًا فى الإطار الدلالى للكلمة ولديك مثلًا نموذج كلمة «فشخ» التى صارت تتردد على سبيل الإمعان فى الاستحسان، رغم أنها كانت فى جيلنا تعنى الاستهجان القبيح والأبيح، عمر طاهر ابن هذا الزمن ولد وفى فمه ملعقة من «الكيبورد» وتم فطامه على «الفيسبوك وتويتر» بينما جيلنا وُلد فى زمن الورقة والقلم، وتم فطامنا على «القلم الفلوماستر» ووجدنا فى البداية صعوبة فى تقبل العالم الافتراضى حتى فرض نفسه على عالمنا الواقعى الذى صار مع الأيام افتراضيًّا.

عمر لديه قدرة على الوصول إلى مساحة عريضة من القراء مثل مقال «تسجيلات أمى فى أثناء الثورة» التى أراها تحفة أدبية مزج فيها بين عيد الأم الخاص والعام، وكانت هى الأولى بقرابة 9 آلاف قراءة، وبعد رفعها فى الطريق لكى تطيح بها أرضًا «كشك كهرباء الوطن» لعمر طاهر!!

 

شقيق الموجي وابن الطويل!!

طارق الشناوي

الثلاثاء 1 أبريل 2014 - 9:53 ص

فى بداية بزوغ نجوميته عقد عبد الحليم اجتماعًا ثلاثيًّا مع شريكيه فى المشوار محمد الموجى وكمال الطويل، واتفق الثلاثة على أن الخطر الحقيقى الذى يواجههم هو فى تربّص محمد عبد الوهاب، وأنه سوف يسعى لإحداث الفُرقة بينهم، وأقسموا على أنهم لن يسمحوا له، ربما تجد بعض المبالغة فى المشاعر التى تتوافق أكثر مع طبيعة الشباب، إلا أن الحقيقة هى أن عبد الوهاب كان ينظر بقدر من الترقّب وبعض التوجّس إلى هؤلاء القادمين، وروى لى الموسيقار محمود الشريف أن عبد الوهاب اتفق معه على أن يفتح النيران عليهم، وأنه سوف يدعم رأيه، وبالفعل عندما سألوه فى الصحافة ما رأيك فى ألحان الطويل والموجى لعبد الحليم، قال الشريف أوجّه إليهم رسالة واحدة «أيها النمل عودوا إلى جحوركم»، بينما سألوا عبد الوهاب فى نفس التحقيق فخذل الشريف قائلًا إنهم مجتهدون.

الذكاء هو الذى جمع بين عبد الوهاب وعبد الحليم، كل منهما قرر أن لا يبدّد طاقته فى معركة خاسرة، عبد الحليم أدرك أن غطاءً شخصيًّا وفنيًّا من عبد الوهاب يحقّق له الحماية ويضمن له الاستمرار، وعلى الفور نفَّذ له عقد بطولة فيلم سينمائى «أيام وليالى» بأجر قديم 200 جنيه فقط، بينما أجره كان قد ارتفع وقتها إلى 1000 جنيه بعد نجاح فيلمه الأول «لحن الوفاء»، ولكنه علم أن عبد الوهاب لن يقبل الزيادة فقدَّم له فيلم «أيام وليالى» بالعقد القديم، ووضع عبد الوهاب كل ألحانه، مثل «إيه ذنبى إيه» و«عشانك يا قمر» و«أنا لك على طول»، ولم يسمح بوجود ألحان للموجى والطويل، ومع الزمن صار عبد الحليم شريكه فى «صوت الفن»، فصار نجاح كل من عبد الوهاب وعبد الحليم يصب لصالح الآخر، إنها صفقة رابحة للطرفين، ورغم ذلك استمرت المسيرة بين الموجى والطويل وحليم، ولكن كيف كان يطل كل منهما على عبد الحليم.

الموجى والطويل مواليد 23 وعبد الحليم 29، أى الفارق 6 سنوات لا تتيح حتى الإحساس بمشاعر الأخ الكبير، ناهيك بالأبوة، إلا أن الواقع هو أنه كانت تلك المشاعر تسيطر على العلاقة، ربما زادت مساحة الأخوة لدى الموجى والتى تعنى النديّة، بينما زادت مساحة الأبوة عند الطويل والتى تسمح بالمغفرة، كمال الطويل بلغ حبّه لعبد الحليم أنه لم يكن يلحّن لمطربين رجال إلا فى القليل النادر، وعبد الحليم كان يعتبر أنه الوحيد الأحق بألحان الطويل، حتى إنه عندما قدّم الطويل لمحمد قنديل أغنية «يا رايحين الغورية» قبل بزوغ نجومية حليم، فوجئ الطويل أن حليم يتمكّن من تسجيلها بصوته، وبالطبع لم يعد أحد يتذكّر الآن «الغورية» إلا بصوت مطربها الأصلى قنديل.

كل من الطويل والموجى كان له أسلوبه فى التعامل مع عبد الحليم، هما شركاء فى النجاح، ولكن عبد الحليم كان فى كثير من الأحيان يشعر أنه عبد الحليم صانع النجاح، فهو فى كل أفلامه المسؤول الأول والأخير عن اختيار الأغانى، يرشّح الشاعر والملحن، وبينما طالب الموجى بزيادة فى أجره تتناسب مع زيادة أجر عبد الحليم، لم يشغل هذا الموقف كثيرًا كمال الطويل، كان الموجى محترفًا، ولهذا يصحو من نومه وتداعبه نغمة يريد توثيقها ولا نتصوّر أن حليم يستوعب كل ألحان الموجى الذى أنشأ مدرسة وقدم عددًا من المطربين، أمثال كمال حسنى ومحرم فؤاد وعبد اللطيف التلبانى وماهر العطار، وصولًا إلى هانى شاكر، ابن الموجى الموزّع وعازف الكمان الموهوب يحيى الموجى يقول معقبًا على ذلك، إن والده كلما حدث خلاف مع عبد الحليم أطلق مطربًا جديدًا، لا أراها بالضبط صحيحة، لكن من الممكن أن نقول مثلًا إن الموجى مثل كاتب عمود يومى متاح له النشر أسبوعيًّا فقط، بالتأكيد سيبحث عن مطبوعات أخرى للنشر، حتى ولو كانت أقل انتشارًا، وحليم على الجانب الآخر لن يغنّى فقط للموجى، لديه عبد الوهاب ومنير وبليغ وكمال، ثم إنه بطبعه مُقل، فكل رصيده لا يتعدّى 500 أغنية، بينما الموجى يقترب من 3000 لحن. الطويل كانت تتغلب عليه فى علاقته بعبد الحليم مشاعر الأبوة أكثر من الأخ، وفى العادة فإن الأب يغفر ويسامح، بينما الأخ يأخذ عادة حقّه وكثيرًا ما فعلها الموجى بعوده وألحانه.

الدستور الأصلي المصرية في

29.04.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)