كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الله في السينما!

عصام زكريا

 

كلنا نفكر في الله سبحانه وتعالى، مهما كانت علاقتنا به ومهما كانت درجة إيماننا به، وكل شخص فينا يتصور الله سبحانه في هيئة من صنع خياله مستوحاة عادة من الأفكار والمشاعر الأولى التي غرزت داخل الشخص في طفولته المبكرة. فهناك من يتصوره جدا حانيا رحيما، وهناك من يتصوره أبا غضوبا يميل للبطش والعقاب، وهناك من يتخيله قاضيا أو حكما عادلا في مباراة كرة.. يمنح الطيبين أهدافا، ويصد ركلات السيئين!

الله موجود في خيالنا وصلواتنا وكلماتنا كل يوم، ونحن نتحدث عنه ونصفه ونضع على لسانه الكثير مما نرغب نحن في قوله ولا أحد يحاسبنا على ذلك، ولكن حين يأتي الأمر للسينما فالحساب يكون عسيرا في الغالب، والسبب هو فكرة التصوير التي تنتقل عبرها أفكارنا من التخيل إلى التجسيد. كيف تخيلت السينما، الفن الشعبي الأول، صورة الله، وكيف جسدتها؟

هذه رحلة عبر أكثر الموضوعات صعوبة وخطورة في السينما.

الله في السينما المصرية.. والحرية المفقودة

في الفيلم المصري "رسالة إلى الله" إخراج كمال عطية 1961 يقوم كل أبطال الفيلم تقريبا بكتابة رسائل إلى الله، ليس فقط الطفلة عائشة التي تريد منه أن يبث الحياة في دميتها، ولكن أيضا الصحفي الذي يصبح زوجها عندما تكبر، والذي ينشر رسالته إلى الله في الصحيفة التي يعمل بها، ويطالبه فيها ببث الحياة في أطراف عائشة المشلولة وإنقاذ حياتها المهددة، وفي النهاية يقوم الأب نفسه، حسين رياض، وهو الذي يقدمه الفيلم كصاحب إيمان عقلاني يؤمن بالسببية والعلم، بكتابة رسالة إلى الله هو أيضا، يعتذر فيها عن إيمانه العقلاني ويطلب منه أن ينقذ حياة ابنته.

الفيلم هو أحد الأعمال النادرة في السينما المصرية التي تتناول موضوع الإيمان بجرأة نسبية، وسوف يقوم المخرج كمال عطية بمناقشة ثنائية الإيمان والعلم في فيلم لاحق هو "قنديل أم هاشم" (1968) الذي قدم فيه شخصية الطبيب الشاب المتعلم في أوروبا المنحاز للعلم ضد الخرافات الشعبية المخلوطة بالدين، والتي أودت بعيون ابنة خالته وحبيبته. وفي أحد المشاهد القوية في الفيلم يقوم الطبيب، الذي يؤدي دوره شكري سرحان، بتحطيم قنديل الزيت بمسجد السيدة زينب الذي "يتبرك" به العامة ويزعمون أنه يعالج العيون المريضة فتكون النتيجة تفاقم المرض وإصابة الكثيرين بالعمى.

القنديل أو زيته لا علاقة لهما بالدين، وهما ينتميان للخرافات الشعبية، وتحطيم القنديل ليس معناه رفض الدين أو الله، والمجتمع المصري في الستينيات كان يفهم ذلك أفضل مما يفهمه الآن، وبالتحديد منذ بداية الثمانينيات عندما هبت موجات متتالية من التطرف والتخلف على العقل المصري.. ولذلك قام البعض بشن هجمة "قانونية"، من خلال بلاغات ومحاضر، لفيلم "للحب قصة أخيرة" (إخراج رأفت الميهي 1986) لأنه ينتهي بمشهد تقوم فيه الزوجة معالي زايد بتحطيم شاهد ضريح يستخدمه دجال مشعوذ في النصب على العامة باسم الدين.

ومن العجيب أن ما تحطمه معالي زايد هنا لا ينتمي لبيوت الله وليس مزارا دينيا رسميا، وإنما رمز للتدين الشعبي الخرافي، أو للخرافات الملتصقة بالدين، ومع ذلك فقد اعتبره البعض رمزا للدين نفسه.

ولو عدنا لفيلم "رسالة إلى الله" فمن العجيب أيضا أنه على الرغم من أن الصلاة هي عبارة عن حديث إلى الله، أو معه أحيانا، إلا أن الرقابة الرسمية والشعبية طالما أصيبت بالهلع من المشاهد التي تقوم فيها الشخصيات السينمائية بالتحدث إلى الله، إلا لو كان هذا الحديث مجرد ترديد للنصوص الدينية، أو الأدعية والجمل المحفوظة.. لدرجة أن الكثيرين دهشوا من مشهد محمود حميدة في فيلم "بحب السيما" (إخراج أسامة فوزي 2004) الذي يقوم فيه بالحديث مباشرة إلى الله معترفا له بأنه اعتاد على أن يخشاه ويفزع من عقابه وليس على أن يحبه. وربما لا يعلم الكثيرون أن رجال دين مشهورين أقاموا الدنيا في الثمانينيات على الأديب الكبير توفيق الحكيم عندما قام بنشر سلسلة من المقالات في صحيفة "الأهرام" عام 1983 تحت عنوان "حديث مع الله".

لن تجد الكثير من الأفلام التي تشبه "رسالة إلى الله" أو "قنديل أم هاشم" في السينما المصرية التي اعتادت الانحناء أمام كل أنواع الرقابة والسلطة سواء الرسمية أو الشعبية، وفي سينما غير مسموح لها أصلا بتصوير الأنبياء أو الصحابة وغيرهم من الشخصيات الإسلامية التاريخية، فمن غير المتصور بالطبع أن يفكر أحد، مجرد تفكير، في أن يقوم بتصوير الله، رمزيا بالطبع، على الشاشة.

مع ذلك فهناك بعض الحالات الاستثنائية مثل فيلم "طريد الفردوس" (إخراج فطين عبد الوهاب 1965)، الذي يروي في قالب كوميدي قصة رجل ساذج اسمه الشيخ عليش – يؤدي دوره فريد شوقي- يموت ويذهب إلى الآخرة فلا يجد اسمه في كشوف أهل الجنة ولا في كشوف أهل النار، لأنه شخص سلبي لم يفعل خيرا أو يرتكب شرا في حياته!

الفيلم لا يصور الله بشكل مباشر ولكنه يصور عالم الآخرة في إطار خيالي رمزي حيث نسمع صوت الله أو حارس الجنة، بأداء عماد حمدي، والشيطان أو حارس النار، بأداء توفيق الدقن!...والطريف أن الفيلم بالأبيض والأسود ولكن مشاهد الآخرة تم تصويرها بالألوان، في إشارة إلى أن الحياة على الأرض ليست سوى نسخة أقل من الحياة الآخرة.

ينادي عليش الله طالبا الهداية والنصيحة فيجيبه صوت عماد حمدي من بين السحاب ناصحا إياه بالعودة لبلده وعمل الخير، ويقاطعه صوت توفيق الدقن مطالبا عليش بعيش حياته بالطول والعرض والاستمتاع بها ليجني الذنوب ويستحق جهنم، وهكذا يعود عليش إلى الأرض من جديد ليبدأ حياة جديدة ممتلئة بالتجارب.. هذه المرة يتعلم عليش الإيمان الحقيقي من خلال تجربة الخير والشر ولكن الطريف أن الفيلم الذي بدأ بأهل القرية السذج وهم يودعون جثمان عليش باعتباره وليا من أولياء الله الصالحين، ينتهي بقيامهم بقتله لأنه هدم الضريح ومعتقداتهم الخرافية.. وفي مشهد أخير بالألوان تصعد روح عليش إلى السماء مرة أخرى مع تعليق بصوت عماد حمدي يشير فيه إلى النهاية السعيدة لعليش.

الله في السينما العالمية.. رجل وامرأة وبرنامج كمبيوتر!

على العكس من السينما المصرية التي تراجعت مساحات الحرية فيها أسوة بالمجتمع كله، سنجد أن السينما العالمية قفزت إلى الحاضر والمستقبل بسرعات خيالية تتناسب مع الطفرات التي حدثت في هذه المجتمعات.

من الصعب أن نحصر عدد الأفلام التي ظهر فيها الله، سواء كنص مكتوب على الشاشة في الأفلام الصامتة، أو كصوت فقط في معظم الأفلام الدينية وبعض الأفلام الأخرى، أو صوتا وصورة في العقدين أو الثلاثة الماضيين. وبعيدا عن الأفلام المستقلة التي يتمتع صناعها بحرية أكبر، أو الأفلام المأخوذة عن الأساطير الإغريقية أو الفرعونية وغيرها أو الديانة البوذية أو الهندوسية أو غيرها، والتي تختلف فيها صور الآلهة وكبير الآلهة كثيرا. سوف نقتصر هنا على الأفلام التجارية التي صنعت بهدف المشاهدة على نطاق واسع، والمبنية بالأساس على صورة الله وفقا للأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام.

هذه الأفلام طالما قدمت صورة الله عادة في هيئة رمزية من خلال الصوت فقط أو كنور أو نار أو رعد وبرق قادم من خلف السحب، ونجد هذا الأسلوب في معظم الأفلام الدينية المأخوذة عن الكتاب المقدس.

ولعل أول فيلم يصور الله في هيئة بشرية عادية هو الفيلم البريطاني الكوميدي "يا الله!" إخراج كارل رينر، 1977)، حيث أدى الدور الممثل الكوميدي جورج بيرنز في هيئة رجل مسن ظريف يبحث عن ابن ليوصل رسالته إلى الناس!

وعلى الرغم من أن معظم الأفلام التي حاولت تصوير الله، أو مبعوث منه، في هيئة بشرية قدمته كرجل كبير أبيض أشيب غزير الشعر، يشبه الصورة التي تخيلها الرسام الإيطالي مايكل أنجلو في لوحته الشهيرة "قصة الخلق"، وبالتحديد الجزء الخاص بخلق آدم، المرسومة على سقف كنيسة "ألسستين" في بداية القرن السادس عشر.. إلا أن البحث قادنا إلى فيلم أمريكي طريف قديم بعنوان "القسس الخضر" يعود إلى عام 1936 من إخراج ويليام كيهلي. الغريب في هذا الفيلم أن أبطاله جميعا من السود (الأمريكيين الأفارقة) في وقت لم يكن للسود فيه مثل هذه المساحة في أي فيلم من الأفلام، والأغرب أن من بين شخصيات الفيلم رجل أسود في هيئة الله، في وقت لم يكن لمثل هذا التجاوز أن يحدث في السينما السائدة.

وتفسير ذلك كله يظهر في العناوين الافتتاحية للفيلم التي تنص على أن الشعوب المختلفة تتصور الله والرسل في هيئات تشبهها، وأن "الزنوج في الجنوب البعيد" يتخيلون الله والسماء على شاكلة حياتهم اليومية"، وهكذا يتخلص صناع الفيلم من المأزق الرقابي بمقدمة عنصرية بغيضة ظاهريا، ولكن المؤكد أن جمهور البيض حين يتأمل في الكلام ببعض العمق سيدرك أنه لا يختلف كثيرا عن الزنوج في مجاهل إفريقيا.

في الغالب لم تدرك، أو تعترف، هوليوود بهذه الحقيقة إلا مع بداية الألفية الجديدة تقريبا، التي شهدت حضورا كثيفا لصور الله على الشاشة في العديد من الشخصيات المثيرة للجدل: في صورة مدير تنفيذي لأحد برامج الواقع التليفزيونية في فيلم "برنامج ترومان" (1998)، حيث أدى الدور الممثل إيد هاريس، أو في صورة امرأة أدتها المغنية ألانيس موريسيت في فيلم "دوجما" (1999)، أو في صورة رجل أسود لعب دوره مورجان فريمان في فيلم "بروس القوي"، كما ظهر في بعض أفلام الخيال العلمي على هيئة مصمم برامج كمبيوتر، أو العقل الرئيسي للبرنامج، مثلما نجد في ثلاثية أفلام "الماتريكس"، أو أخيرا كأب لمجموعة من أنصاف البشر أنصاف الآلهة في المسلسل التليفزيوني "خرافات" الذي يبدأ عادة بعبارة تقول "هناك فرق بين القصص التي نؤمن بها وبين القصص التي نرويها"، في محاولة لتأكيد القاعدة الأساسية التي ينساها الجميع: السينما والحكايات هي مجرد ألعاب خيال تعزز علاقتنا بالواقع، ولكنها ليست الواقع نفسه!

البوابة نيوز المصرية في

27.04.2014

 
 

25 فيلم رعب ستخرج إلى العلن لتنضم إلى سبعة أخرى سبقتها منذ مطلع هذا العام

أفلام الرعب ما زالت تسود.. وتنجح وعددها في تزايد

لوس أنجليس: محمد رُضا 

هناك «حملة تطهير». لقد مر نحو عام واحد على الحملة الأولى وقريبا، في الثامن عشر من شهر يوليو (تموز) المقبل، تبدأ حملة جديدة. وتستطيع أن تقول إن الأولى كانت ناجحة. كيف لا وهي تكلفت ثلاثة ملايين دولار وحققت رصيدا بلغ 84 مليون دولار حول العالم.

أين وقعت؟ وقعت في كل مكان عُرض فيه فيلم بذلك العنوان «حملة تطهير» أو(The Purge) ما يعني أننا ما زلنا نتحدّث سينما هنا وليس في حملات تطهير واقعية ضد الفساد الإداري أو السياسي أو أي فساد آخر.

الفكرة التي قام عليها فيلم جيمس ديموناكو ذاك كانت أن الحكومة الأميركية، والحكومات حول العالم أو بعضها على الأقل، أعلنت عن يوم تُباح فيه الجريمة. افعل ما تشاء. دمّر. انهب. اعتدِ. اقتل.. أنت حر في هذا اليوم أن ترتكب ما تريد. لن يتصدّى لك أحد، إلا على حساب أمنه الخاص، ولن ترى رجال القانون يحاصرونك ويقبضون عليك محذرين إياك أن «كل شيء تقوله قد وسوف يؤخذ عليك في محكمة القانون».. أساسا لن ترى أيا منهم. إنه يوم القتل المجاني. يوم الجريمة بلا عقاب.

ديموناكو صنع فيلم رعب وتشويق جيّدا من هذه التوليفة، لكنه استند إلى مسألة تستحوذ الاهتمام وتعاود الإطلال في الجزء الثاني قريبا: لكي تصون الدولة نفسها بات عليها أن ترعى ما كانت ترفض رعايته من قبل. سمّ ذلك شراكة في الجريمة، لكن الأساس أنها أدركت أن إتاحة يوم في السنة لكي يفرغ الناس العنف الذي في الداخل سيصون المجتمعات من العنف لباقي أيام السنة. ربما في البداية، ماذا لو أن يوما واحدا لا يعود كافيا؟

* الخوف من الطبيعي

* سينما الرعب تمشي على القاعدة ذاتها. من الآن وحتى نهاية هذه السنة هناك نحو 25 فيلم رعب ستخرج إلى العلن لكي تنضم إلى نحو سبعة أفلام سبقتها منذ مطلع هذا العام. والقاعدة المشتركة هي أن الناس، في تفسير سيكولوجي تبنّاه أكثر من باحث، تريد أن تفزع لكي تنفث الرغبة الكامنة في داخلها بحيث تجمع من الفيلم أسلحة المواجهة إذا ما تعرّضت إلى الموقف ذاته. حسب سيغموند فرويد، لا غيره، العنف المتأتي من الصور والقراءات على حد سواء هو ترجمة لما اعتمر داخل الذات طويلا وتم كبته مع تحوّل المجتمع إلى حضاري. بكلمات أخرى، لأن الإنسان بات يعيش (نظريا على الأقل) على نحو حضاري فإن حبه لأفلام العنف (وكثير منها مدفون في سينما الرعب) عائد إلى أنه كان يود لو قام به هو نفسه لأن بعض خصائصه عدواني في الأساس. لكنه لن يقوم بذلك (هناك من يفعل بالطبع لكنهم قلة في نهاية الأمر) وسيستعيض بالبصبصة على آخرين يفعلون ذلك.

لكن حقيقة أن فرويد قال ذلك لا تعني أنه كان على صواب.

هناك المزيد من العنف اليوم عما كان عليه الحال في عهده. وفي عهده لم تكن السينما قادرة على تصوير رؤوس مقطوعة وأعناق مذبوحة وأطراف مقطوعة وضحايا ترقص كالدجاج المذبوح. تعاليمه تستمد قيمتها من الدراسات المنفردة لحالات تتبع نظاما من السلوكيات اشتغلت عليها السينما كثيرا من قبل. الآن ما توفره السينما لم يعد يخضع للمنطق. هاك أستاذ مدرسة في الفيلم الحالي «الهادئون»، إخراج جون بوك، يؤلف فريقا من التلامذة لصنع أشباح ظلام مستخدما الطاقة البشرية في ذلك. طبعا سترتد التجارب على أصحابها وشرور الإنسان الموضوعة في أشباح سوف تنطلق لممارسة العنف بلا هوادة.

حالة لا تختلف كثيرا مدفونة في طيات «خوف مسرحي» Stage Fear. العنوان ذاته مأخوذ بتحريف من العبارة التي تعني ما يشعر به بعض الممثلين الجدد عندما يتأهبون للوقوف على خشبة المسرح، لكن في فيلم جيروم سابل الذي سيعرض في التاسع عشر من مايو (أيار) المقبل هو أكثر علاقة بأسباب غير نفسية لهذا الخوف، فهناك مقنع يقتل ويذبح الممثلين الذين يقومون بالتمارين المسرحية.

في «دوار العين» أو Oculus المعروض حاليا أيضا يرمي المخرج الجديد (ومعظم مخرجي هذه الأفلام جدد) مايك فلاناغان إلى تقديم مرآة قديمة كمصدر للشرور. إنها تتمتع بقدرة غرائبية خارقة تدفع من أمامها لارتكاب الجريمة. تسيطر عليه. تقلبه إلى قاتل شرس. ليس بعيدا ما تقوم به عن أشرطة الفيديو الفتّاكة في «الخاتم» الذي نقلته هوليوود عن فيلم ياماني بالعنوان ذاته سنة 2002 وأنجز نجاحا كان من شأنه أن أنجبت بضعة أجزاء أخرى.

* انحراف

* في الواقع، تبدو أفلام الرعب اليوم ومنذ سنوات، خالية من كل منطق. في الوقت ذاته تنتمي إلى عالم دائما ما نشعر أنه على بعد خطوات منا. ربما هو في ذلك البيت الواقع في آخر الشارع، أو في شخص ذلك الرجل الغامض الذي لا يعرف سرّه. أو ربما في تلك البلدة القريبة التي تبدو لك آمنة وهادئة لكن الإشاعات تقول إنها مسكونة بالأشباح. وماذا عن ذلك المنزل القريب والمهجور الذي يوحي بأنه فجأة ما عاد مهجورا وأن هناك من يعيش فيه وربما كان يراقبك؟

للوصول إلى تخويفك على فيلم الرعب أولا تقديم حالة تبدو عادية تعرفها. في اللحظات التالية، سيجري نزع تلك الطمأنينة الناتجة عن الحالة العادية ورميها بعيدا. بطلا «حملة التطهير 2» رجل وامرأة يقودان سيارتهما بسرعة محاولين الوصول إلى البيت للتحصن فيه قبل غروب الشمس، ذلك لأن العطلة تبدأ من ذلك التوقيت. تقول له: «أسرع، الشمس ستغيب قريبا»، يقول لها مطمئنا: «لا تقلقي، كل شيء على ما يرام».. ما إن ينتهي من عبارته حتى تتوقف السيارة في ضاحية هي - في الأحوال العادية – خطرة.. ماذا عن حالها في يوم القتل المشاع؟

خروج المسافرين عن خط سيرهم الطبيعي هو منوال معتاد في أفلام الرعب.

في «الهضاب لها أعين» (1977) لمخرج كانت له إسهامات مهمّة في هذا المضمار هو لس كرافن، هناك تلك العائلة التي تنطلق في صحراء أميركا الوسطى في طريقها إلى كاليفورنيا. في لحظة ما، في مكان ما تنحرف السيارة عن الطريق الذي كان يجب عليها أن تمضي فيه لتجد نفسها وسط هضاب وتلال صخرية. ما إن يحل الظلام حتى تدرك أن المكان مسكون بوحوش آدمية تقتل للقتل وربما للأكل أيضا.

الفيلم تحوّل إلى إنجاز كلاسيكي في نوعه ما دفع لإعادة صنعه سنة 2006 في فيلم أخرجه أليكس آجا بالعنوان نفسه. في العام التالي تم صنع جزء ثان من تلك الإعادة من إخراج مارتن وايز. كلاهما لا يصل إلى مشارف الرعب المسجل في الفيلم الأصلي.

قبل «الهضاب لها أعين» بثلاث سنوات أنجز توبي هوبر «مذبحة تكساس المنشارية» Texas Chainsaw Massacre. الحبكة ذاتها: عائلة في سيارة تفقد طريقها. تجد نفسها في بلدة مهجورة إلا من قاطنين قلة من آكلي لحوم البشر.

سنة 1986 تم تقديم جزء ثان من إخراج توبي هوبر أيضا تم منعه في أستراليا بسبب عنفه ودمويّته. بعد ذلك تعددت النسخ المنتجة منه وأعيد صنعه مرّات والاستيحاء منه مرّات أخرى وصولا إلى فيلم بعنوان «مذبحة تكساس المنشارية: الجيل التالي» (1995) كما لو أن المسألة وراثية. وفي سنة 2006 تم تحقيق فيلم ينتقل إلى ما قبل الجيل الأول وجزء آخر بنظام الأبعاد الثلاثة خرج في العام الماضي كسابع فيلم في السلسلة.

* مسؤولية

* وس كرافن وتوبي هوبر كانا من بين سينمائيين اخترقوا المنوال التقليدي لفيلم الرعب في أواخر الستينات ومطلع السبعينات. أولهم جورج أ. روميرو الذي مال إلى الرموز السياسية في سلسلة أفلامه عن الموتى - الأحياء من الزومبيز وآكلي لحوم البشر. في عام 1968 حقق أول أفلامه في هذا الحقل «ليل الموتى - الأحياء» حيث أصاب فيروس فتّاك الشرق الأميركي نتج عنه تحوّل الآدميين إلى زومبيز يجولون في المزارع خارج المدن. من أول الفيلم يطالعنا فن التخويف: رجل وشقيقته في زيارة لقبر الأم. من بعيد يقترب رجل يسير على نحو غريب. لا شيء يبدو خارج المألوف للحظات.. ثم ها هو الرجل ينقض على الشاب والفتاة تهرب لاجئة إلى بيت ريفي لجأ إليه شاب أسود ثم عائلة بيضاء. شقيقها من بين المتحوّلين إلى تلك الوحوش الآدمية التي تحاصر البيت وتحاول اقتحامه. عندما مات كل من لجأ إلى البيت باستثناء ذلك الشاب الأسود، فتح عليه البوليس النار وأرداه معتقدا أنه من تلك الوحوش. لكن في الطريقة التي تم تنفيذ المشهد فيها، أطلق البوليس النار عليه لأنه أسود البشرة أولا.

بعد ذلك انتقل روميرو إلى المدن ووجد في «فجر الموتى» (1978) أن المسؤولية في هذا الوضع يعود إلى مجتمع استهلاكي سمح لنفسه باضطهاد تلقائي لمعظم الناس هم من أصيب بالفيروس. في الجزء الثالث «يوم الموتى» (1985) شاهدناه يرمي العسكر بالمسؤولية نتيجة تجاربهم غير الآمنة، ثم هو الإعلام والتكنولوجيا في «أرض الموتى» (2005) وواشنطن والمؤسسة في «يوم الموتى» (2008). على ذلك كله، بقي مخرجا جيّدا للنوع. أفلامه تخيف على مستويين: مستوى الفكرة التي قد تتحوّل إلى حقيقة، ومستوى إخراج المشاهد بحد ذاتها.

* الأداة والرمز

* الجامع بين سلاسل «الهضاب لها أعين» و«مذبحة تكساس المنشارية» و«ليل الموتى - الأحياء» هو التخويف مما يتبدّى أمرا لا غبار عليه. طبيعي إلى حد بعيد قبل أن ينفجر في عنف كبير. لكن إذا ما لجأ وس كرافن وتوبي هوبر إلى العنف الدموي للتأثير فإن العنف في أفلام روميرو بقي نتيجة اللعبة الإخراجية القائمة على عنصر التشويق. لكن حقيقة أن التخويف من حياة كل يوم وقد أصبحت كابوسا (والتي ينضم إليها سلسلة أخرى لوس كرافن عنوانها «كابوس شارع إيلم» حول خطر القتل إذا ما غلب النوم الضحية) يسود بينها ويترك المشاهد شبه عار من الأسلحة.

وهذا هو أيضا لب سلسلة أفلام «هالووين» التي بدأها المخرج المقل جون كاربنتر سنة 1978 في إنتاج للراحل مصطفى العقاد (لاحقا أكمل العقاد المجموعة مع مخرجين مختلفين وحقق ثروة كبيرة من ورائها). الفارق بينها أن تخويف «هالووين» كان يجري بناء على عقدة سيكولوجية في حين أن حبكات الأفلام الأخرى المذكورة خلت من العقد السيكولوجية على نحو تام. «هالووين» هو عن شاب عاش في كنف مؤسسة صحية لأنه كان قتل، وهو صغير، بعض أفراد العائلة. حين كبر وخرج من المصحة عاد إلى الكنف ذاته لكي يكمل ما بدأه، ثم - وفي الأفلام الأخرى - ليلاحق من فلت منه في الفيلم الأول أو لمن أراد إضافته من ضحايا.

القاتل في سلسلة «هالووين» مندفع لأسباب غامضة. لا يتكلم مطلقا ولا ينثني عن هدفه. لماذا ينثني أو يتردد إذا كان لا يمكن قتله؟

يتركك وجوده في سؤال حول حقيقته. المنتج مصطفى العقاد رآه خارقا للعادة. تجسيد للشر في شخص رجل. والشر لا يموت.

هذا الرمز، الناجح ضمن السلسلة، متوفّر في الأفلام الأخرى من فترة السبعينات، في سلسلة «كابوس شارع إيلم» وسلسلة «مذبحة تكساس المنشارية» و«ليل الموتى - الأحياء». ما يختلف هو الأداة التي يمارس بها الشرير جرائمه: السكين بيد مايكل مايرز في سلسلة «هالووين»، الأظافر ذات النصال في «كابوس شارع إيلم» ومنشار قطع الأشجار في «مذبحة تكساس المنشارية». وهي تعيش في جوانب تبدو طبيعية.

هذا جانب أساسي من فن التخويف: كل شيء يبدو هادئا على مياه شاطئ صيفي لحين ظهور سمكة القرش الكبيرة في Jaws (ستيفن سبيلبرغ - 1975). المنظر جميل في ذلك المنتجع النائي إلى حين يفقد جاك نكلسون رشده في «اللمعان» (ستانلي كوبريك - 1980) وعندما تقرر جانيت لي أن الوقت حان لكي تلجأ إلى الفندق الهادئ الذي وجدته في طريقها ما بين أريزونا وكاليفورنيا في «سايكو» (ألفرد هيتشكوك - 1960) تفاجأ بأن المكان هو نهاية رحلتها في الحياة. هناك تحت رذاذ «الدوش»، فعل يقوم به كل منا حين نصل إلى فندق بعد رحلة سفر، يقتحم مجهول غرفتها ويقتلها.

الحال ذاته في أفلام الرعب غير الكلاسيكية على شاكلة «هالووين» وسواه: المفاجأة تكمن أكثر في اللحظة التي سيظهر فيها الوحش البشري وفي يده آلة القتل. الفارق الأساس هو أن أفلام سبيلبرغ وكوبريك وهيتشكوك عملت على منوال ذهني شاسع. حامت فوق خريطة من التضاريس البشرية والنفسية قبل ثم خلال لجوء كل منها إلى مشاهد رعبه.

الأفلام الحديثة، كتلك المذكورة في مقدّمة هذا المقال، عليها مهمة أصعب في مجال استدرار إعجاب المشاهدين. فنحو مائة وعشرين سنة من السينما أتت على كل فكرة ممكنة أكثر من مرّة. والمشاهدون المدمنون باتوا مثل الفيروس المنيع حيال معظم ما ينتج من هذه الأفلام. كيف إذن يمكن لسينما الرعب اليوم أن تبقى ذات ضرورة أو وظيفة إذا لم يعد هناك جديد يمكن تقديمه؟ الوسيلة شبه الوحيدة هي رفع نسبة المشاهد الدموية وتلك التي تصوّر كيفية الفتك بالضحايا. لكن هذا وحده سرعان ما يصبح مكررا بدوره. حيال هذا التكرار لا تجد هذه السينما بدّا من الإصرار على النحو ذاته ما يجعل الأفلام متشابهة بحبكاتها (وأحيانا كثيرة مشاهدها) المتكررة. لكنه نوع من الإصرار النافع الذي لا يزال يتوالد من دون توقّف.

والنموذج الواضح نجده في صنف آخر من أفلام الرعب هي تلك التي تتحدّث عن البيوت والقصور المسكونة بالأرواح والأشباح التي من بين آخرها سلسلة «الحقد» The Grudge التي انتابت شاشاتنا من عام 1994، وقبلها «رعب أميتيفيل» (1979) ومشتقاته وأفلام منفردة مثل «عظام» (2001) و«كاسبر» (1995) و«منزل معتم» (2014) وأكثر من 170 فيلما آخر احتوى على حكايات الأشباح التي توارثت الحياة داخل جدران البيت العتيق والهادئ و(ربما) الجميل قبل أن ينضح بما خفي فيه ويتحوّل قاطنوه الجدد إلى ضحايا تصرخ ولا مستجيب.

الشرق الأوسط في

27.04.2014

 
 

«زاوية» للأفلام اللى مابتجيش فى السينما

هالة خليل 

افتتحت مؤخرًا قاعة لعرض الأفلام السينمائية بسينما أوديون تحت اسم «زاوية». وزاوية هى القاعة الفريدة من نوعها فى مصر والتى تقوم بعرض الأفلام (اللى مابتجيش فى السينما) عرضًا تجاريًّا، والسبب وراء عدم عرض تلك الأفلام يرجع إلى أنها رغم جمالها ورغم قيمتها الفنية العالية، فإنها تخرج عن الإطار الذى حدده الموزعون فى مصر لعرض الأفلام فى دور السينما، إذ يقتصر هذا الإطار على الأفلام التجارية المصرية والأمريكية فقط، مرتكبين بذلك جريمة كبرى فى حق الجمهور وهى عزلهم عن الإنتاج الثرى والضخم لسينما العالم وحرمانهم من التعرف على السينما الأخرى حتى العربية منها، وجريمة أخرى فى حق السينمائيين وهى تقليص المرجعية الفيلمية فى عقلية المشاهد إلى حدود مواصفات الفيلم التجارى فقط. وبناء مثال مشوه فى الأذهان لما يجب أن يكون عليه الفيلم وهو المثال الأمريكى، وبذلك تمتد حدود جريمة هؤلاء الموزعين حتى تطول جماليات الفن السينمائى ذاته.

ومن هنا تأتى قيمة قاعة زاوية، والتى يبذل القائمون عليها وعلى رأسهم المنتجة ماريان خورى جهدًا كبيرًا فى الحصول على أهم أفلام العالم والتى تم إنتاجها خلال العام وعرضت فى المهرجانات السينمائية الدولية وحصل معظمها على جوائز كبرى، إذ تعرض «زاوية» فى شاشتها فيلمًا كل أسبوع، بواقع خمس حفلات يومية. غير أن الأمر المؤسف حقًا هو أن تردد الجمهور على قاعة زاوية ما زال محدودًا، وهو ما أثار قلقى على إمكانية استمرار تلك التجربة. والتى أرى أن الجمهور أيضًا تقع عليه مسؤولية كبيرة فى إنجاحها، وأعنى بذلك الجمهور المدرك لأهمية وجود قاعة مثل زاوية كإحدى النوافذ على عوالم وبلاد وأناس بعيدين لا نعرفهم وتظل شاشة السينما هى النافذة الأجمل والأمتع على الإطلاق، هذا الجمهور المحب للسينما الجميلة والمدرك لتلك القيمة لا بد من أن يكون حريصًا على وجود قاعة مثل زاوية، ومن ثم فعليه دعم تلك التجربة بكل الوسائل الممكنة، وذلك من خلال الحرص على حضور الأفلام بقدر الإمكان والتعريف بقاعة زاوية للمحيطين بهم ونشر التجربة بقدر الإمكان، ولو حتى على صفحاتهم الإلكترونية، كما أتمنى أيضًا أن تقدم القنوات التليفزيونية دعمًا إلى تلك التجربة من خلال تخصيص مساحات إعلانية مجانية للأفلام التى تعرض أسبوعيًّا فى قاعة زاوية وذلك إسهامًا منها فى إثراء الحركة الثقافية والفن السينمائى. وأخيرًا فعلى القائمين على تجربة زاوية أنفسهم أن يعطوا اهتمامًا أكبر للدعاية ولو بالوسائل غير التقليدية والمبتكرة. فهذه الفكرة الرائعة والمخلصة للسينما أخشى أن تكون وحدها لا تكفى.

التحرير المصرية في

27.04.2014

 
 

الكتب الهزلية عن «كابتن أميركا»...

مراجعة تاريخ «جندي الشتاء»! 

كتب الخبرأندرو. أ. سميث 

اجتاح فيلم {كابتن أميركا: جندي الشتاء} (Captain America: The Winter Soldier) صالات السينما في أنحاء العالم. لكنه لم يكن وليد ابتكار كاتب السيناريو، فقد سبق ووردت أحداث كثيرة من القصة في الكتب الهزلية السابقة، وقد جُمع معظمها بشكل أو بآخر.

تحذير: نعرض في ما يلي تفاصيل قد تفسد متعة مشاهدة فيلمCaptain America: The Winter Soldier لكن هل من ضرورة لذلك أصلاً؟ ذكر موقع Boxofficemojo.com أن فيلم {جندي الشتاء} (Winter Soldier) كسب 317.7 مليون دولار خارجياً و159 مليون دولار في الولايات المتحدة حتى 14 أبريل. هل يريد أحد مشاهدته ولم يفعل بعد؟ في هذه الحالة، تشير النسبة الإيجابية (89%) على موقع rottentomatoes.com إلى أنكم ستستمتعون بالفيلم سواء كشفنا التفاصيل أو لم نفعل.

أولاً، إليكم التفاصيل الواضحة: يرتكز فيلم Winter Soldier على قصة تعود إلى عامَي 2006-2005 وتحمل الاسم نفسه للكاتب إيد بروباكر والفنانين ستيف إيبتينغ ومايكل لارك ومايكل بيركنز وجون بول ليون. في تلك القصة، يتم الكشف عن وجود {جندي الشتاء} الأسطوري، لكن يتبين أنه الشخصية التي أداها سيباستيان ستان في فيلمَي {كابتن أميركا}. إنها الشخصية التي ندبها الكابتن منذ 1963. بالتالي، عند الكشف عن بقائه على قيد الحياة، يجب أن يتعقب الكابتن و«الأرملة السوداء} و«الصقر} ذلك الجندي، ويحرره من السيطرة الروسية. لكن يصبح الوضع شائكاً بعض الشيء لأن {الجندي} يتابع محاولة قتلهم.

إنها قصة تجسس درامية ممتازة وقد أعيد إصدارها حديثاً بغلاف فني (2014) وبطبعة ورقية تجارية (2010) تحت اسم {كابتن أميركا: جندي الشتاء بالنسخة النهائية} (Captain America: The Winter Soldier Ultimate Edition).

لكن ماذا عن العاملين مع وكالة التجسس {شيلد}، فهل تعرضوا للاختراق والتدمير من الداخل؟

حصل ذلك فعلاً لكن ليس في القصة عينها. فقد انقلبت وكالة {شيلد} على نيك فيوري بضع مرات، وأتصور أنه جزء طبيعي من المخاطر المهنية في مجال التجسس. لكن تبرز قصص عدة في هذا المجال.

قصص إضافية

تشمل إحدى القصص المسلسل القصير {نيك فيوري في مواجهة شيلد} (Nick Fury vs. S.H.I.E.L.D.) للكاتب بوب هاراس والفنان بول نيري (صدر 1988)، وقد أطلقته شركة {مارفل} في 2011 بنسختين فنية وورقية. في المسلسل، يكتشف فيوري أن جميع أصدقائه المقربين ومعظم العملاء المهمين قُتلوا واستُبدلوا بأنظمة الأندرويد المتطورة {أفخاخ نموذج الحياة}.
هذه القصة مشهورة بأمرين: أولاً، قُتل الممثلون الثانويون إلى جانب فيوري. ثانياً، أدرك أحدهم لاحقاً أن قتل الممثلين كلهم إلى جانب فيوري كان خطأً فادحاً، لذا تبين أنهم لا يزالون أحياء (في معظمهم) في 1994. إنها القصة التي عرّفتنا على العميل ألكسندر بيرس، شخصية لا تشبهه كثيراً، ويؤديها روبرت ريدفورد في Winter Soldier.

ثمة قصتان إضافيتان عن وكالة {شيلد} ولهما وقع أكبر في Winter Soldier. أحدهما مسلسل {الحرب السرية} (Secret War) الذي صدر بين عامَي 2004 و2005 للكاتب براين مايكل بنديس والفنان غابريال ديلوتو، حيث يقود فيوري فريقاً من الأبطال الذين يجمعهم لمنع اعتداء مفاجئ على الولايات المتحدة. بما أنه كان يتحرك ضد الأوامر التي تلقاها وضد بلد يُعتبر حليفنا، أمر رؤساؤه بإقالته من منصب مدير وكالة {شيلد} ومحاكمته في محكمة عسكرية. لكن كيف يمكن القبض على رجل يعرف جميع مخابئ وأسرار {شيلد}؟ أصبح فيوري عميلاً سرياً في ذلك المسلسل كما يفعل في نهاية Winter Soldier، ويبقى {شبحاً غامضاً في الآلة} في كتب {مارفل} الهزلية اليوم.

القصة الثانية {المحاربون السريون} (Secret Warriors)، عبارة عن مسلسل قصير صدر بين عامَي 2009 و2011، من بطولة فيوري ومجموعة منتقاة (وموثوقة على الأرجح) من عملاء {شيلد} السابقين (يتمتع بعضهم بقدرات خارقة)، وهم يحققون بأمر المنظمة الغامضة {ليفياثان}، فيكتشفون أنها كانت مسؤولة سراً عن منظمتَي {شيلد} و}هيدرا} منذ نشوئهما. تتكرر هذه المعطيات في فيلمWinter Soldier وبرنامج {عملاء شيلد} ( Agents of S.H.I.E.L.D) الذي كشف أن منظمة {هيدرا} كانت تتجسس على وكالة {شيلد} طوال 70 سنة، وتوشك الآن على السيطرة عليها.

في هذا السياق، يمكن أن أذكر قصة أخرى تُعتبر مهمة لفهم حقيقة فيوري. في القصص الآنف ذكرها، يكون نيك فيوري رجلاً أبيض ومحارباً سابقاً في الحرب العالمية الثانية، وقد أطال حياته عبر مادة كيماوية اسمها {تركيبة الخلود}. يظهر نيك فيوري الأسود (يشبه صامويل جاكسون الابن) في كون بديل يتم ذكره في مجموعة {أبرز الكتب الهزلية} من إنتاج {مارفل}. للتخلص من الإرباك، قدمت شركة {مارفل} نيك فيوري الابن في المسلسل القصير {ندوب المعركة} (Battle Scars) في 2012 (يظهر فيوري هنا أسود اللون وله أم أميركية من أصل إفريقي ويشبه صامويل جاكسون). سأصاب بصدمة حتماً إذا لم يبقَ فيوري عميلاً رفيع المستوى في وكالة {شيلد} وإذا لم يصبح مديرها يوماً.

إرباك وحيرة

لكن لا تقف الروابط بين فيلم Winter Soldier والكتب الهزلية عند هذا الحد! لا تجيد شركة {مارفل} صنع أفلام مدهشة فحسب، بل تبرع، أيضاً، في توزيع بيض الفصح لتجعل محبي الكتب الهزلية يهتفون من الفرح في أوقات غير مناسبة أثناء عرض الفيلم.

على سبيل المثال، تشمل الثوابت في القصص عن منظمة {هيدرا} واقع أن خصم فيوري في زمن الحرب، البارون ولفغانغ فون ستراكر (رجل أبيض)، لطالما كان مسؤولاً عن الوضع. تم الكشف عن ذلك بعد ظهور بضعة تفاصيل مضلِّلة في أولى القصص عن وكالة {شيلد} ضمن مجلّدَي {روائع مارفل: العميل نيك فيوري من وكالة شيلد} (Marvel Masterworks: Nick Fury Agent of S.H.I.E.L.D.). أين هو ستراكر، إذاً، في فيلم Winter Soldier؟ إنه الرجل الذي يضع نظارة لعين واحدة مع اقتراب النهاية، لكن لم يُذكَر اسم الممثل الذي أدى دوره، وهو توماس كريتشمان!

ماذا عن بروك روملو الذي أدى دوره فرانك غريلو وهو لا يكفّ عن الظهور ليحاول قتل الصالحين؟ في الكتب الهزلية، يحمل روملو اسم {كروس بونز} وهو اليد اليمنى لشخصية {الجمجمة الحمراء} (Red Skull). إنه الشخص الذي احترق مع اقتراب النهاية لكنه لم يمت، ما يعني أنه سيعود، على الأرجح، مع عودة {كروس بونز} لمداواة ندوبه. إنه مجرد حدس لديّ!

ماذا عن تلك الشقراء الظريفة التي كانت تدعي أنها ممرضة لكن تبين أنها العميلة 13 في وكالة {شيلد} وتم تكليفها بحراسة الكابتن سراً؟ نعم، هي موجودة في الكتب الهزلية وليست مجرد عميلة في {شيلد} بل شريكة مهمة للكابتن. هي ميتة راهناً لكنها ستعود. اسمها شارون كارتر وتنتمي إلى عائلة بيغي كارتر، إحدى أوائل العملاء في {شيلد} (وحبيبة الكابتن خلال الحرب العالمية الأولى).

وماذا عن الشاب الفرنسي الذي حارب بقدميه؟ إنه موجود في الكتب الهزلية أيضاً بدور الشرير باتروك الخبير بالملاكمة.

هل تشعرون بالحيرة والإرباك؟ لم أتحدث بعد عن جاسبر سيتويل الذي ظهر، للمرة الأولى، في الكتب الهزلية بدور صلة الوصل بين {شيلد} وشركة {صناعات ستارك} (سرعان ما أوكلت المهمة لفيل كولسون في الأفلام). ولا ننسى ماريا هيل التي تجسدها  كوبي سمالدرز وكانت مديرة {شيلد} بضع مرات في الكتب الهزلية، أو العميلَين جون غاريت وفيكتوريا هاند، ويؤدي دورهما بيل باكستون وسافرون بوروز في برنامج {عملاء شيلد}. ولا ننسى كيف اشتبه محبو الكتب الهزلية بأنهما يخفيان أموراً كثيرة.

لكني ما عدت أستطيع كتابة المزيد عن الموضوع. لذا سأنتظر إلى حين صدور فيلم {كابتن أميركا 3} (Captain America 3)!

الجريدة الكويتية في

27.04.2014

 
 

ليالى مهرجان دبى السينمائى الدولى فى مركز "مرايا للفنون"

علا الشافعى 

يقدم مهرجان دبى السينمائى الدولى و"مركز مرايا للفنون" فى الشارقة، عروضا سينمائية تتيح للمتابعين وعشاق السينما، التعرف على جديد إنتاجات أفلام الطلبة فى منطقة الخليج العربى، السبت المقبل فى الساعة السادسة والنصف مساءً فى منطقة القصباء فى الشارقة، وسيكون الدخول مجاناً، وسيحمل برنامج العرض ثمانية أفلام قصيرة لطلبة من الإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق والسعودية.

وفى هذا السياق، قال المدير الفنى لمهرجان دبى السينمائى مسعود أمر الله آل على بأن "ليالى مهرجان دبى السينمائى الدولى فى الشارقة ستكون مناسبة خاصة للتعريف بآفاق السينما الخليجية، والتعرف على سينمائيين جدد، وتقنيات وتجارب جديدة فى منطقة الخليج العربى، ولعلها فرصة لمعاينة ذلك عن كثب، والتعرف على تطلعات الشباب الخليجى أو المقيمين فى أرجاء الخليج وآمالهم وفقاً للغة السينمائية التى يقدمونها".

ويعرض ليلة السبت كل من فيلم "الشائنة" للمخرج الكويتى أحمد التركيت، والذى يمضى مع سارة، فى رحلة بحثها عن أختها الضائعة دنيا، بينما يكون البحث فى فيلم السعودى نواف الحوشان "مجرد صورة" قائماً من خلال ثلاثة شبان يسعون لالتقاط صورة مميزة لهم فى الصحراء.

ويقدم كل من تيمو فون جونتن وجواهر السديرى فيلماً خاصاً بعنوان "رياح الشرق" ليرصدا من خلاله الأنشودة التى طالبت بالحرية والإصلاح، وليأتى هذا الفيلم بمثابة عرض موسيقى راقص لهذه الأحداث والصراعات التى شهدها العالم العربى، أما المخرج والكاتب السعودى عبدالرحمن الجراش، فيحضر من خلال فيلم "العهد"، إذ إن العهد المنقوض سرعان ما يعود، فبعض أجزاء من حياتنا تبقى فى الذاكرة، وبعضها تبقينا فى ذاكرتها.

وفيلم "التوقيع" للإماراتية إيمان البركانى، يدور فى أجواء مشوقة، ونحن نتابع سارة الطالبة المجتهدة، وهى تواصل عملها على مشروعها لوقت متأخر فى كليتها، لكن فجأة تحدث أشياء غريبة، وكلها قادمة من سر مرتبط بها، أيضاً إماراتياً يقدم إبراهيم الراسبى فيلمه "لحظات" الحائز على جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج فى المسابقة الرسمية الخليجية لأفلام الطلبة 2013، وهو فيلم متمحور حول الحب والوفاء من خلال استعادة صديقين للأعمال الخيّرة لصديقهما المتوفى.

ومن العراق يعرض فيلم خالد البياتى "بالونات" الذى فاز فيه بجائزة أفضل موهبة صاعدة فى مهرجان الخليج السينمائى 2013، حيث يسعى بائع بالونات إيصال إحداها إلى طفلة فقدت بالونها، الفيلم يحاكى الواقع المر الذى يحاصر نسبة ليست بالقليلة من أطفال العالم، وعراقياً أيضاً يعرض فيلم حسين المالكى "موت بطىء"، حيث يكون التلفزيون "صندوق المشاكل" الموجود فى كل بيت فى هذا العالم.

اليوم السابع المصرية في

27.04.2014

 
 

«نهوض إمبراطورية» ..ديمقراطية ترتوى بـالـدمــاء

محمود عبدالشكور 

يقدّم الفيلم الأمريكى الضخم ذى الأبعاد الثلاثية « 300: rise of an empire» تنويعة جديدة على نفس نغمة فيلم «300» الشهير، حيث يدور الصراع بوضوح، وعلى بلاطة كدة، بين الغرب الحر المؤمن بالديمقراطية، وحامل مشعل الحضارة، وبين الشرق الاستبدادى الذى يحوّل زعماءه إلى آلهة ممثلا فى الإمبراطورية الفارسية القديمة. الجزء الجديد الذى اشترك فى كتابته وإنتاجه زاك سنايدر مخرج فيلم «300» جاء أكثر إبهارا ودموية، هناك وحشية هائلة وغير مسبوقة فى سبيل المجد: أياد مقطوعة، وأحشاء مبقورة، ورؤوس مذبوحة جعلت عرض الفيلم فى الصالات المصرية تحت لا فتة «للكبار فقط»، مع وجود دور أقوى لبطلتى الفيلم، وكلتاهما ( على الطرف الفارسى أوعلى الطرف الإغريقى ) من أصول يونانية ! يتحوّل تحالف أثينا وإسبرطة، وانتصارهما على الفرس فى موقعة سلاميس المعروفة، الى انتصار للحرية عموما، للحضارة الأرقى، وللإنسانية جمعاء. الإسقاط واضح وصريح على ما يحدث أيضا فى عالم اليوم، تماما كما شاهدنا فى فيلم 300»، يقول الفيلم ببساطة إنه عندما يحمل الغرب السلاح سيكون ذلك فقط من أجل الحرية، ودفاعا عن الديمقراطية، وعن الإنسان ضد قوى بربرية وهمجية. لدينا بالفعل عمل شديد الإبهار لايمكن مشاهدته إلا فى دارالعرض، ولكن لا علاقة للفيلم بالتاريخ، وإنما علاقته بالحاضر، وبالسياسة، وبرؤية غربية تربط الإستعمار بحروب الشرق، وتقرن التحرر بمعارك الغرب.. شوف ازاى يا جدع ؟أ المهم ما تنساش تبتسم وانت بتاكل الفيشار !!

يبدأ الفيلم وقد انهال سيف ملك الفرس على أحد المقاتلين الإسبرطيين الذى قتلوا فى أثناء دفاعهم الأسطورى عن أنفسهم ووطنهم، وهو ما شاهدناه فى فيلم «300» بالتفصيل، وينتهى الفيلم وبطل اليونان الجديد «ثيمستوكليس» يوجه ضربة سيفه فى اتجاة الكاميرا/ بديل جيوش الفرس المهزومة فى سلاميس، وبين اللقطتين نعود الى ماقبل معركة مجزرة الإسبرطيين، ثم نستكمل ما حدث بعدها، تقود السرد والحكى ملكة إسبرطة وأرملة الملك ليونايدس المقتول فى المعركة وهى الملكة جورجو، إنها تتحدث الى مقاتليها، وتقول إن الوسيطة المتنبئة أكدت أنه لن يبق شئ من اليونان وأثينا سوى بشر على سفن عائمة، وعلى هؤلاء سيتوقف مصير البشرية، ثم تحكى الملكة أصل الحكاية عندما قرر داريوس زعيم الفرس أن «يستعبد» مدن اليونان، غار من مدن الأحرار، فقررغزوها، ولكن ثميستوكليس (يلعب دوره سوليفان ستابلتون)، نجح فى إيقاف الزحف القادم من فارس عند مدينة ماراثون، ليس ذلك فحسب، بل إن القائد اليونانى الشاب والشجاع، استطاع أن يصيب داريوس قائد الفرس بسهم نافذ، مما أطلق شراسة ابنه زيركسيس، ومما جعل ثميستوكليس يشعر بالذنب، لأن الأولى بالقتل الابن الأكثر شراسة وليس الأب العجوز، ولأن اغتيال داريوس سيفتح الباب لغزو أعظم وأخطر. زيركسيس الباكى الحزين، يذهب الى مغارة للنساك، ويخرج منها عملاقا مدعيا الألوهية، ويتحريض من أرتيمسيا (إيفا جرين فى دور جيد) يتخلص زيركسيس من طفولته وبراءته، أما أرتيمسيا فحكايتها غريبة وعجيبة، هى أصلا يونانية قام أهل وطنها بقتل أسرتها واغتصبوها فى صباها ضمن فوضى الحرب، عثر عليها أحد الفرس، فأخذها الى فارس، تربت على القتال والقسوة، واختارها داريوس لتكون من قوّاده العسكريين، نراها وهى تذبح الرجال والجواسيس بلا رحمة، بل إنها تنزع السهم عن داريوس حتى يموت، بعد أن لمست فى كلامه وصية لابنه بعدم غزو بلاد اليونان، لأنها بلاد لا يمكن أن يغزوها إلا الأبطال، ولأن أرتيمسيا تريد الإنتقام من أهل وطنها السابق، فإنها تفتح المجال لسيطرة زيركسيس، وتبدأ حملة تقودها أرتيميسا شخصيا لغزو بلاد اليونان، تضم حوالى مليون مقاتل.

منذ الوهلة الأولى، يقدم الفيلم ثيمستوكليس باعتباره صاحب حلم توحيد مدن اليونان لمواجهة الخطر الفارسى، وهو الذى يضع الصراع فى إطار الشرق الهمجى المستبد الذى يحاول سلب حرية اليونانيين وديمقراطيتهم، ولذلك تتحول المعركة الى دفاع عن الحضارة والإنسانية، والى مناسبة للفوز بالمجد، ويتجاهل الفيلم أن الحرب بين إسبرطة وأثينا كانت لا تقل شراسة وهمجية عن حرب فارس ضد مدن اليونان، هناك ظلال لهذا العداء سنراه فى الفيلم، فالإسبرطيون المقاتلون ومليكتهم جورجو سيرفضون التحالف مع ثيمستوكليس الذى حشد بعض السفن، و بعض المقاتلين الذين هم أصلا مزارعون ومفكرون وفنانون وفلاسفة من أثينا، ستكتفى إسبرطية بإرسال 300مقاتل سيبيدهم الفرس عن آخرهم، أما ثيمستوكليس فيواجه سفن آرتيمسيا التى تسد الأفق بالحيلة، يدور حولها ثم يخترقها من الوسط، أو يدفعها باتجاه الصخور، يرفض إغواء آرتميسيا له، وطلبها أن ينضم إليها ضد قومه، تنجح جيوش فارس فى إحراق سفن أهل أثينا رغم نضالهم الباسل، يتم إحراق أثينا أيضا، تتحقق نبوءة الوسيطة التى قالت إنه لن يبق سوى أشخاص فوق السفن، هنا فقط تتحرك إسبرطة ومليكتها جورجو، التى تريد الانتقام لثلاثمائة قتيل إسبرطى، على رأسهم زوجها الشجاع ليونايدس، تظهر فى الأفق سفن أهل إسبرطة حاملة مقاتليها المحترفين، تواصل آرتيمسيا معركتها حتى النهاية، تنزل بنفسها لتقود الحرب الأخيرة، يبارزها ثيمستوكليس بشراسة، ينجح فى قتلها، ينقض مقاتلو إسبرطة على سفن الفرس، الدماء تغرق الشاشة، يسدد ثيمستوكليس سيفه باتجاه الكاميرا والمتفرجين، لقد حقق أكثر من هدف بضربة واحدة: قام بحماية الحرية والديمقراطية التى ارتوت بدماء الفرس، ونجح فى توحيد كل مدن اليونان ضد الخطر، وتحرر من ذنب التسبب فى تدمير بلاده، بعد أن أصاب فى الماضى الملك الفارسى داريوس بسهم مميت، صحيح أنه تم تدمير أثينا، ولكن البشر حققوا المجد، وكسروا أسطورة ألوهية ملك الفرس، الذى نراه قبل النهاية وقد تراجع عن استكمال المعركة، وكأنه يعترف بأنه لن يستطيع أن يغزو وطنا يحميه أبطال مثل أهل إسبرطة واليونان.

نجح نوام مورّو مخرج هذا الجزء الجديد من بطولات الإغريق فى مواجهة الفرس فى تقديم عمل أكثر عنفا وشراسة، سماء رمادية ودماء حمراء طوال الوقت، واحتفال بالحركة وفنيات المبارزة والقتل. هناك تسليم فيما يبدو أبن الحرية لابد أن تكون لها أنياب، فى أحد المشاهد، يرفض ثيمستوكليس تماما فكرة التفاوض مع الفرس المستبدين، بينما يدفع الإسبرطيون ثمنا باهظا لسوء تقدير الموقف، ربما يعطى هذا الجزء مساحة أكبر وأكثر فاعلية للأدوار النسائية، حيث تبدو المعركة فى الواقع بين ثيمستوكليس وأرتيمسيا، وتنتهى بمقتل أرتميسيا، ودون حتى معركة ضخمة. هناك دوما إيقاع متوتر مشدود، موسيقى تستخدم الطبول، وتوظيف ممتاز للبعد الثالث، أحسسنا ونحن فى الصالة أن الدماء تغرقنا، وأن السيوف تتجه إلينا، ولم يكن لذلك إلا معنى واحد، هو أن تشكر الظروف لأن ثيمستوكليس ممثل الحضارة الغربية انتصر على الهمجية والبربرية الشرقية، هذا فيما يبدو هو معنى السلسلة: الاستعمار والعبودية فكرة شرقية تولد مع أصحابها ، والحرية فكرة غربية لا يدافع عنها سوى من يعرف قيمتها!!

أكتوبر المصرية في

27.04.2014

 
 

مظالم الأكراد من قلب إسطنبول

محمد موسى 

في ظاهرة لافتة،عرضت وضمن الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان إسطنبول الدولي (5-20 من شهر أبريل)، مجموعة كبيرة من الأفلام التي تقدم قصصاً لأكراد أتراك يواجهون تركات الماضي الجمعي وتحديات الحياة المعاصرة، والمتأتية في معظمها من وضعهم كأقلية تخوض منذ عقود نضال علني مسلح وآخر مخفي وبدون عنف للحصول على مطالبها، بمزيد من الحريات ولتحسين وضعها السياسي والإجتماعي. يُعد هذا الحضور الكردي في أفلام سينمائية من إنتاج تركي والتي عرضت عبر منصة أكبر مهرجان سينمائي تركي، أمراً غير مسبوقاً في الحياة الفنيّة في تركيا، فلعقود كان الشأن الكردي العام، بما يستدعيه من أسئلة عن سجل الدولة التركية في التعامل مع الأكراد، من المحظورات في السينما التركية.

في فيلم "الام" للمخرج أبوبيكير أوغور والذي عرض ضمن تظاهرة السينما التركية في مهرجان إسطنبول، يوجه المخرج الانتباه إلى قسوة وفوضوية الإجراءات الرسمية التركية بحق الأكراد (يستند الفيلم على وقائع حقيقية)، فالأم التي يشير إليها عنوان الفيلم، هي سيدة في بداية عقدها السابع يوجه لها اتهام بدعم حزب كردي معارض (لا يشير الفيلم إلى هوية الحزب). هذه السيدة الكردية الريفية التي فقدت أحد أبنائها للصراع الدائر في تركيا (اختفى بعد أن انتمى لحركة كردية مسلحة)، قامت بمساعدة عمال بناء أكراد، يعملون قريبا من بيتها، بالطبخ لهم أحياناً. بعد أن تبين أن العمال ينتمون لحركة كردية مُسلحة محظورة، تم القبض على السيدة العجوز وقدمت للمحاكمة.

يرافق الفيلم، الذي نفذ بأسلوب الدراما التسجيلية واستعان بممثلين غير محترفين. ابن السيدة وحفيدها وهم يحاولون أن يجدوا طريقهم وسط الكارثة التي حلت بهم. يفرد الفيلم مساحة كبيرة للتفاصيل الصغيرة للعائلة وهي تواجه  تبعات الأزمة، مثل التوجه الى المحكمة التي ستعقد في مدينة بعيدة، ومن سيرافق الأم. هناك مشاهدة مؤثرة كثيراً عن التقارب الذي يحصل بين الابن والحفيد  بسبب الأزمة، فعندما يجمعهما فندق واحد بانتظار المحكمة، يرغب الأب أن يشارك ابنه بسيجارة. إنها المرة الأولى التي يدخنان فيها معا. هي اعتراف عاطفي مكتوم بنضوج الابن وأيضاً على ضعف الأب وحاجته إلى ابنه. الفيلم يتجه للعاطفية المبالغ فيها في نصفه الآخر، وخاصة  بعد أن تقرر المحكمة  تقييد حركة الأم، ولحين انتظار قرار المحكمة، بوضع جهاز برجلها يُسجل تحركاتها.

يبدو فيلم "الأم" وكأنه يخشى الغوص عميقاً في تعقيد التاريخ الكردي واكتفى بالقصة المؤثرة التي قدمها. فهو يتجنب تقديم أي خلفيات تاريخية للشخصيات التي قدمها. صحيح أن أزمة العائلة التي يقدمها الفيلم جسيمة، وتقديم الأم إلى محاكمة هو لذاته عملاً ظالماً، لكن هذا قُدم معزولاً عن السياقات التاريخية والاجتماعية. حتى بدا إن فعل الابن الأصغر بالانضمام إلى حركة مسلحة، هو الذي قاد إلى الأزمات والأحزان الحالية التي تمر بها العائلة، رغم أنه كان حلقة في سلسلة متواصلة من الأحداث التاريخية. هذا الأمر جعل الفيلم يقارب مشاهديه مراهناً على ما يثيره من عواطف تتعلق بوضع "الأم"، وليس عن طريق إثارة الجدل، الذي يطلقه اعتقال السيدة المُسنة.

يذهب الفيلم الروائي الطويل "تعال إلى صوتي" للمخرج حسين كارابي، وعرض أيضا ضمن تظاهرة السينما التركية، إلى حدود أبعد لجهة  نقده للحياة التي يعيشها أكراد كُثر في تركيا. يقدم الفيلم، الذي نفذ باحترافية كبيرة وبدا واعياً بأهمية الترميز الذي لا يجب أن يطغى على السينما، رحلة سيدة متقدمة في العمر مع حفيدتها في محاولة لإطلاق سراح ابنها (والد الطفلة ) الذي اعتقل من قبل الجيش التركي على خلفية حيازته لسلاح. والذي لم يعثر عليه أفراد الجيش عندما فتشوا منزل الرجل، ليكون شرط إطلاق سراح هذا الأخير هو تقديم  قطعه سلاح للجيش.

يحقق فيلم الطريق هذا هدفه بالكامل، عندما يجعل غاية رحلة أبطاله الأكراد هو الحصول على سلاح لإطلاق سراح الأب، في بلد يدعي أنه يريد أن ينبذ السلاح. هناك مثلاً مشهد شديد الذكاء للطفلة وهي تكتب أمنيتها وتعلقها على شجرة خاصة، يقوم أبناء المنطقة بتعليق أمنياتهم على أغصانها. ترسم الفتاة الصغيرة مسدساً صغيراً وتربطه على الشجرة. هذا بالضبط كل ما تتمناه البنت من أجل حرية والدها، لكنه يشير أيضاً إلى عُمق الأزمة في المنطقة، أي عندما يحلم الأطفال بالأسلحة، وعندما تكون هذه الأخيرة هي التي ستجلب السلام!

يُوجه الفيلم، وبدون تشنجات، لكن بلغة رمزية أحياناً وبقسوة أحياناً أخرى، انتقادات عنيفة للسلطة التركية، الأمر الذي يطلق التساؤلات عن التغيير الذي يشهده الفن في تركيا المعاصرة. فالفيلم يقدم الجيش التركي كمؤسسة ينخرها الفساد، لكنه مازال الذراع الاعلى في المناطق الكردية في تركيا. وقائد الوحدة العسكرية التركية الذي يفرض على الأهالي تسليم أسلحة، يقوم ببيعها سراً إلى أحد القادة الأكراد المحليين. والجنود الأتراك يعاملون الأكراد كبلد مُحتل. رغم قوة الفيلم إلا أنه كان سينتفع بتقديم قصص خلفية لشخصياته الرئيسية او الثانوية، مثل مجموعة الرواة العميان المتجولين، والذين يتنقلون بين القرى، مقدمين قصصاً من التراث الكردي في مناسبات اجتماعية عامة.

ومن الأفلام الأخرى التي عرضت ضمن تظاهرة السينما التركية في الدورة الأخيرة لمهرجان إسطنبول السينمائي وتناولت شخصيات كردية أفلام: "كان ياما كان" للمخرج كاظم أوز عن الأكراد الذين يشكلون النسبة الأكبر من عمال الحقول الزراعية في تركيا. فيلم "السقوط من الجنة" للمخرج فريت كراهان، عن أختين يواجهن صعوبات كبيرة في تقبل مقتل أخيهن التركي، في النزاع المتواصل بين الجيش التركي والحركات المسلحة الكردية. فعندما تبدأ إحدى الأختين في العمل مع مجموعة من العمال الأكراد في مدينة إسطنبول تتيقن إنها مازالت بعيدة عن نسيان ما حدث، وإنها تواجه صعوبة كبيرة في فصل الصراع المسلح عن التعاملات الإنسانية اليومية.

ومن الأفلام الوثائقية التي قدمت ضمن التظاهرة ذاتها: فيلم "موسى بدون الأحمر" للمخرج أيدين اوراك عن الناشط والكاتب الكردي موسى انتير والذي اغتيل في عام 1992. الفيلم الوثائقي "أمنيتي السلام" للمخرجة كيفيسيم اكاي، الذي يقدم شهادات ثلاث أمهات من مدينة ديار بكر، وصعوبة العيش في مجتمع تهمين عليه أجواء التوتر منذ أكثر من ثلاثين عاماً. فيلم"الحزن الذي لانهاية له" للمخرج زينل كوسر، عن المآساة المتواصلة لعوائل مفقودين أكراد، بعضهم تم العثور عليه مؤخراً في مقابر جماعية.

الجزيرة الوثائقية في

27.04.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)