كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

موظفو صالات كانوا ضد «عصفوري» لسبب أجهله

فؤاد عليوان: أردت أن أحوّل الفن إلى مادة شعبية

أجرى الحوار: نديم جرجوره

 

في الأسابيع القليلة الفائتة، شارك «عصفوري»، الفيلم الروائي الطويل الأول للّبناني فؤاد عليوان، في مهرجانات سينمائية عديدة، عربية وأجنبية. فيلم مليء بالقصص. عناوين عديدة احتضنها، أبرزها البناء المتصدّع، والأحلام الموؤودة، والعلاقات المحطّمة. ابن بيروت يقول أشياء كثيرة من دون أن يذهب بها إلى الآخر. يؤكّد أن نجاحه الأساسي كامنٌ في أنه صنع فيلماً، أما عن النجاح الجماهيري والنقدي، فالمسألة مختلفة. يقول إن مُشاهدين عاديين كثيرين أحبّوه، لكن سياسة التوزيع السينمائي في لبنان وضعت «حظراً» عليه، وسحبته من العروض التجارية باكراً جداً.

عن الفيلم، لقاء مع المخرج، وأجوبة يقولها بحماسته المعهودة، وبغضبه الجميل.

·        أودّ العودة إلى بداية المشروع، وإلى كتابته؟

^ الكتابة، بحدّ ذاتها، كانت صعبة. تأليف موضوع ما يبدأ من الصفر. عندما أكتب، أضع توجهاً لموضوع الفيلم بشكل شاعري، وأضع فيه شيئاً شخصياً. في الوقت نفسه، أربط الشخصيّ بالعام. أنا ابن هذه المدينة. القصص التي أختارها عشتها وأعيشها. أحكي عن جيل يجمعني بالجميع. جيلك وجيلي. أحكي عن الجغرافيا، وعن علاقتي بالمدينة وبذاكرتها.

السؤال المطروح: كيف يُمكن جمع هذا كلّه في قصّة؟ عندما بدأت كتابة «عصفوري»، كان قد مرّ عليّ في هذا البلد منذ عودتي من الولايات المتحدّة الأميركية نحو 20 عاماً، وكنتُ قد بدأتُ أفهم هذه المدينة.

على الصعيد الشخصي، كانت عندي توقّعات كبيرة في الحب والبلد والحاضر والمستقبل. غير أني بلغت لحظة لم يعد عندي فيها توقّعات كبيرة على مستوى علاقاتي الشخصية، وعلاقتي بالمدينة أيضاً. أنا ابن بيروت، أقيم في منطقة الصنايع، التي تُذكّرني بأيام حلوة وصعبة. الحَمَام في «جنينة الصنايع» يدور دورته المعتادة، فكان أن استعدتُ تلك الجملة الشعرية القائلة «إن الطيور على أشكالها تقع». في هذه اللحظة بالذات، ولدت فكرة «عصفوري».

علاقات ملتبسة

·        تتحدّث عن أمور عديدة. عن الذاكرة والحرب، عن الحب والعلاقات المحطّمة، عن العمارة وتحوّلات المدينة.

^ وعن العلاقة الشخصية بالمدينة أيضاً. كنتُ أسأل نفسي، ولا أزال أسألها: «هل سيصطلح أمر هذه المدينة مع نفسها؟». أشاهد المدينة كل يوم، وأشاهد انهيار كل شيء فيها، الشخصي والعام. هنا كانت تكمن صعوبة كتابة السيناريو، وصعوبة العثور على ما يُعينني على صناعة «عجينة» الفيلم. قصص كثيرة يجب توحيدها في سياق درامي وزمني، شعرتُ بأن هناك إمكانية أن تروي الأمور بعضها البعض، وأن أترك لعبة التفاعل/ الكتابة مفتوحة.

ما حصل لاحقاً، وبعد عرض الفيلم في لبنان والخارج، نال «عصفوري» إعجاب أناس عديدين، في مقابل قلّة نفرت منه. أناسٌ أحبّوه أكثر من المتوقّع، وآخرون لم يستوعبوه ولم يفهموه، وشعروا بأنه مُشتَّت. بالنسبة إليّ، هذا الفيلم هو المخرج وأسلوبه أيضاً. هل نجحت 100 بالمئـة؟ لا أعـرف. ما أعرفـه أني نجـحت 100 بالمئة على مسـتوى صـناعتي فيلماً، و75 بالمئة على مستوى وصوله إلى الناس، و20 بالمئة على مستوى إثارته نقاشاً مفتوحاً. لديّ أخطاء، وأنا أشتغل على نفسي، وهذه هي لغتي السينمائية، ومشروعي في الحياة. هذه هي السينما التي أعرف صنعها.

·        ما الذي تعنيه بأن هناك مُشاهدين لم يستوعبوا الفيلم؟

^ كنتُ خائفاً في البداية من المُشاهِد. عندما أكتب، أفكّر بالمُشاهِد العادي، وليس بالنقّاد وبالمثقفين. «عصفوري» يحكي عن الانفصام والخيانة والضياع. شباب وأناس بسطاء جداً وتلامذة «البكالوريا» وما بعدها كانت لديهم ردود فعل إيجابية على الفيلم، وأشعروني بأنهم فهموه بشكل جعلني أندهش. في المقابل، هناك من لا يريد فهمه، لأنه لا يريد مواجهة المرآة، أو ربما لأن الفيلم شتَّته، وأصاب منطقة حسّاسة فيه. الفيلم، بلغته، مختلف عن السينما اللبنانية وأفلامها. وصل إلى أناس عاديين جداً. هذا ليس فيلم مخرج فقط. أردتُ أن أجمع السينما والفن بالجمهور. أن أحوّل الفن إلى مادة شعبية. السينما، منذ البداية، خُلقت للناس، وليس لمجموعة أو لحزب أو لجماعة. إنها للجمهور العريض.

«سقّالات»
ليس الفيلم مبنياً على قصّة ببداية ونهاية. عندما تُشاهده، لا تعرف إلى أين هو ذاهب. لا يوصلك إلى المتوقّع. في منتصفه تقريباً، تفهم ما يجري: هناك خاص وعام. هناك حب وبناية وعملية هدم. تنبني الأفكار شيئاً فشيئاً، وتبدأ الدخول إلى «العصفورية» اللبنانية. يضيع المُشاهدون، ثم تلتقطهم. ليس السياق كلاسيكياً. الأفكار أهمّ من السيناريو. لعبتي مع الأفكار والممثلين. كما «السقّالات»، أرمّم وأبني الفيلم مع شخصيات/ ممثلين مرّوا سريعاً. هذه هي الصعوبة: تركيب الفيلم يُشبه تركيب البناية أو البلد. أحياناً، يمكن أن يكون الفيلم جميلاً جداً، ثم ينهار في أي لحظة. سريع، و«فاتح عَ حسابو». خفيف من دون أن يكون ذا خفّة. ليس ثقيلاً. لهذا، تجد فيه مشاهد متنوّعة: الحلاّق، قصّة البناية، علاقات الناس المقيمين بها. أمور كبرت من التسعينيات، والطوائف كلّها مقيمة في المبنى. في التسعينيات، صار هناك حلم فاجر. تفشّى فجورٌ أصاب المدينة، وأصابنا جميعنا. تغيّرت المدينة والبناية، و«ظهر» سماسرة مُجدداً، هم الذين أداروا البلد منذ زمن بعيد.

التوجّه بالفيلم واضح، لكني لا أتابع المسار. هذا الفيلم ليس عن الذاكرة، بل عن ذاكرة المرض. للفيلم ذاكرة مرضية. بلعبته، يطلع من المرض. فيه شيء يشبه مرضنا. مُبعثرٌ ومُشتّت، وفي الوقت نفسه يجمع كل شيء فيه، ويقذف بك إلى مكان آخر. تحتاج إلى وقت لاستيعابه. يضع الأمور على الحافة، ويعكس شيئاً من البلد. البلد فاتن، لكنه مثير للفتن أيضاً. أحملُ جنسية أجنبية، وأستطيع المغـادرة سـاعة أشاء، لكني لا أريد. هذا ما يجعلني أسأل نفسي: ما هي هذه العلاقة القائمة بيني وبين البلد؟

نحن لا نستطيع معالجة أنفسنا. نحن مسرورون بدمارنا، ونلتذّ به. نحن مرضى. لهذا، لا نعرف أن نحبّ، ونعمّر، وأن نكون شعباً حضارياً. كل واحد منا إما أن يكون «منيح كتير» أو «ما بِيسوا بالمرّة». هذا خطأ. ما من أحد «منيح» أو «ما بِيسوا». هذا هو «عصفوري». التشعّب الذي فيه، كان على البناية أن تحمله. «السقّالات» ليست مجرّد ديكور. البلد يرتكز عليها أصلاً: لا يتهدّم ولا يتعمّر. إنه هكذا منذ ولادته. بناء متصدّع يعيش على «سقّالات»، وكل من «يُعربش» عليه يصل. هذا هو البلد، وهذا هو الفيلم. البلد من الداخل لطيف واجتماعي وجميل وإنساني. لكننا لا نعامله هكذا.

·        سؤال أخير: ما الذي جرى على مستوى العروض التجارية اللبنانية؟

^ لغاية اليوم لم أفهم ما الذي جرى. ربما لأني لا أفهم لبنـان، ولا أفهم لماذا صديقي لم يعد صديـقي. لا أعرف. لم تُسنَح فرصـة للفيـلم ليشاهده الناس، مع أن صداه الإعلامي كبير لدى الجمهور على مدى شهر ونصف الشهر. «عصفوري» فيلم خفيف. لكن ما جرى، لا أستطيع وصفه إلاّ بأنه لعبة بائخة. أصحاب الصالات اتصلوا بنا طالبين مشاهدة الفيلم، الذي أعجبهم. صنعوا له حملة دعائية. نظام العرض في لبنان مبنيّ على أساس تقييم كل فيلم، سواء كان أجنبياً أو لبنانياً، بعد أسبوعين من بداية عرضه التجاري. طلبنا منهم مساعدة الفيلم. في اليوم الثالث، قالوا إنهم سيلغون حفلات عديدة له، وبدأت المجزرة. سحبوه من صالات «أمبير» وABC، تاركينه لعرض واحد فقط. عرفتُ أن موظفي صالات عديدة كانوا ضد الفيلم. هذا ما حصل بصراحة. أما السبب؟ فلغاية اليوم، لا أعرفه.

السفير اللبنانية في

14.04.2014

 
 

عبد الرحمن آل رشي:

صقر الدراما السورية يحطّ في قاسيون

سامر محمد إسماعيل (دمشق

بنظرته وصوته الجارحين، رسّخ عبد الرحمن آل رشي (1934ـ 2014) مكانة خاصّة له، سواء على المسرح أو أمام الكاميرا أو حتى وراء ميكروفون «إذاعة دمشق». سجّل الممثل السوري الكبير الذي غادرنا أمس الأوّل، أكثر من 25 ألف ساعة برامجية ودرامية، مدوّناً بحنجرته الذهبية ذاكرة جيل روّاد الدراما السورية.

تدهورت صحّة «الزعيم» خلال الأشهر الماضيّة، وتوفيّ إثر أزمة حادّة في الجهاز التنفسي في أحد مستشفيات دمشق. وبالأمس، شيّع إلى مثواه الأخير في مقبرة الأكراد، في حيّ ركن الدين الدمشقي. أطبق جفونه قبالة جبل قاسيون، بعد ثمانية عقود ونيف من عمرٍ قضاه مندمجاً مع الناس وهمومهم، بعيداً عن وهم النجومية وطقوسها.

ودّع الراحل بلاده التي آلمه احتراب أبنائها، بعدما كان من الأصوات المنادية بضرورة الاحتكام إلى الحوار، كما قال حين وقف يخطب بجمهور عريض، في ساحة «السبع بحرات» مع بداية الأزمة. وجّه النداء ذاته في خاتمة أوبريت «بالحب نعمرها» (2013)، منشداً بصوته المزلزل: « كل شي تدمر بدّه يعمر». تواءمت رسالته الأخيرة، مع ما قدّمه قبل ذلك بسنوات، في أغنية «أنا سوري آه يا نيالي» الشهيرة (من كلمات وألحان للفنان حسام تحسين بك). تتناول الأهزوجة الشعبية استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي، وأعلن فيها الراحل الانتماء إلى الهويّة السوريّة، فوق أيّ هوية عرقية أو إثنية بديلة، كونه يتحدّر من أصول كردية.

لقي آل رشي مقاومة شديدة من أسرته، عندما قرّر الدخول إلى عالم الفن. لم تسمح له تقاليد العائلة المحافظة، خمسينيات القرن الفائت، إلا بتجويد القرآن الكريم كحدٍّ أقصى لإبراز مواهبه الفطريَّة في النشيد والإلقاء. كان الشاب الخارج إلى بريّة الحياة بشهادة «سارتفيكا»، ملوّعاً بحبّ الغناء والتمثيل، لكنّ والده منعه عن خوض مجال الفنّ. لهذا، لم يدخل آل رشي مجال الفن إلا بعد موت أبيه، ملتحقاً بالنادي الشرقي للتمثيل والغناء العام 1955.

بعد تمارين فنّ القراءة والإلقاء ومهارات الخطاب، شارك عبد الرحمن آل رشي بمسرحيَّة «لولا النساء» (1957) في القاهرة، مسجِّلاً حضوراً قويّاً منذ إطلالته الأولى على الخشبة. لكنّ ظهوره الأمضى جاء في فيلم «المخدوعون» (1972) للمخرج المصري توفيق صالح، ثمّ مع اللبناني برهان علوية في فيلم «كفر قاسم» (1975). بلغت مشاركاته في السينما نحو ثمانية أفلام، فيما صوّر أضعاف ذلك في التلفزيون، مع أكثر من ثمانين مسلسلاً، كان أشهرها منذ بدايات التلفزيون السوري «مذكرات حرامي» (1968) للمخرج علاء الدين كوكش، و«غضب الصحراء» (1989) للمخرج هيثم حقي. فمن ينسى مشهد النهاية في العمل الأخير، حين أدى آل رشي شخصية «الأزرق»، تاركاً ضحكته خاتمةً للعمل، وفق رؤيا فانتازيّة أرادت إسقاطاً باهراً على طبيعة السلطة وانهيارها العبثي في ممالك الصحراء العربية.

لمع نجم عبد الرحمن آل رشي بعد نجاحات متواترة، وضعته في مقدّمة ممثلي الصف الأول. أدّى شخصيات شريرة ومتسلطة، عميقة وشكسبيرية من حيث غرابتها ومآلاتها التراجيدية، بعيدة عن شخصيته الواقعية كإنسان مرح، حاضر النكتة، ضحكاته تتقدم خطواته أينما جلس. برز آل رشي بعيداً عن أدوار الشر والسلطة، نجماً من نجوم الكوميديا، وصاحب ظل خفيف، خصوصاً في مسلسل «أربع بنات وأنا» (2004) لهشام شربتجي، أو في لوحات المسلسل الكوميدي «بقعة ضوء». نجح أيضاً في أدوار سوداويّة، كما في «راس غليص» (1976) لعلاء الدين كوكش، أو دور «معلم المينا» في «نهاية رجل شجاع» (1993) لنجدة إسماعيل أنزور، أو حتى شخصية ملك الروم في مسلسل «العبابيد» (1996) لبسام الملا.

ترسخّت مكانة آل رشي على الشاشة، في ذاكرة المشاهدين، من خلال عدّة أدوار لقيت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، كما في «جواهر»، و«الخوالي»، و«الظاهر بيبرس»، و«باب الحارة» بجزءيه الأوّل والثاني. في العمل الأخير لعب دور زعيم الحارة، وهو الدور الذي رافقه في آخر أعماله «الغربال» لناجي طعمة المتوقّع عرضه في رمضان المقبل، حيث يؤدّي شخصيّة أبو سالم عقيد الشاغور. وفي العام 2002، قدم آل رشي آخر أعماله المسرحية بعنوان «شيترا»، عن قصيدة لطاغور، وقام بإخراجه أسامة شقير بتعاون مع ابنه محمد آل رشي.

برحيله، يختم عبد الرحمن آل رشي مسيرة نصف قرن ونيف من العطاء غير المحدود، كلّله بجوائز وشهادات تكريم عدّة. وبرحيله، تتواصل رحلة الحداد في وسط الدراما السوريّة التي فقدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية مجموعة كبيرة من روّاد الرعيل الأوّل، منهم إلى جانب آل رشي، طلحت حمدي، وخالد تاجا.

السفير اللبنانية في

14.04.2014

 
 

عبد الرحمن آل رشي...

قامة هَوَتْ من جيل الرواد

خليل صويلح/ دمشق 

غيّب الموت أوّل من أمس، عبد الرحمن آل رشي (1934 ـ 2014) ودُفن أمس في مقبرة الشيخ خالد في حي ركن الدين الدمشقي. كان الفنان السوري المخضرم يستعد لأداء دوره في مسلسل «الغربال» للمخرج ناجي طعمة، معانداً المرض والشيخوخة والتعب، لكن أزمة صحية مباغتة أطاحت ظهوره الأخير أمام الكاميرا. المسافة بين صعوده إلى خشبة المسرح في خمسينيات القرن المنصرم، وأعماله الأخيرة، تنطوي على مغامرة متفرّدة، ذلك أنّ الشاب الذي أتى من الشوارع الخلفية في حي ركن الدين، بالكاد نال الـ«سرتفيكا»، وقد أحسّ باكراً بميله إلى التمثيل والموسيقى والغناء.

لكن والده رفض بحزم أن يسلك ابنه طريق الفن. حالما رحل والده، انتسب آل رشي إلى «النادي الشرقي» لتحقيق حلمه المؤجّل، وسوف يخرج من الحي الكردي نفسه الممثلان الراحلان طلحت حمدي وخالد تاجا. في النادي، وجد الراحل نفسه إلى جانب ممثلين بخبرات وثقافات واسعة مثل نهاد قلعي وعادل خياطة، ما أوقعه في مواقف لا يحسد عليها، فهو بالكاد يجيد القراءة والكتابة. أخذ يطوّر أدواته بدأب وحماسة، إذ وجد في تجويد القرآن ملاذاً آمناً ورحباً لاكتساب المعرفة اللغوية الصحيحة والنطق السليم، متكئاً على صوتٍ رخيم، سيكون مدماكه الأساسي في تأكيد حضوره اللافت. فضلاً عن الكاريزما الشخصية، وتضاريس وجهه المعبّرة وأدائه الآسر، نحن إزاء ممثل صوت في المقام الأوّل. هكذا سننصت بخشوع إلى صوته في «أسماء الله الحسنى»، ونستعيد بنبرته المهيبة معلّقة امرئ القيس بكل مشهديّتها العالية، كذلك سيخوض تجربة مماثلة بأداء أشعار أبي الطيّب المتنبي في «موسوعة الشعر العربي»، إضافة إلى 25 ألف ساعة إذاعية، كانت الأرض الصلبة التي منحته خصوصية في الأداء المرئي والمسموع. تمكُّن آل رشي من الفصحى كان جسره إلى الدراما التلفزيونية التاريخية، ليجسد شخصيات لا تُحصى، أبرزها أدواره في «ملوك الطوائف» (2005)، و«صلاح الدين» (2001)، و«الظاهر بيبرس» (2005)، و«أبو الطيّب المتنبي» (2004)، و«تاج من شوك» (1998)، و«القعقاع بن عمرو التميمي» (2010).

ممثل شكسبيري بامتياز تمكّن من إكساء شخصياته رونقاً مختلفاًإنّه ممثّل بمرايا متعددة، لطالما حطّم القوالب الجاهزة، ليغرّد منفرداً خارج الجوقة. وجوده في المشهد سيضفي على الصورة ألقاً إضافياً. لعل مأساة عبد الرحمن آل رشي، تتمثّل في ندرة النصوص التي تواكب موهبة هذا الممثل الشكسبيري النادر. رغم هذه المعضلة، تمكّن من إكساء شخصياته رونقاً مختلفاً، سواء أثناء أدائه دوراً في مسلسل بدوي، كما في «رأس غليص» (2006) و«غضب الصحراء» (1989)، أو في عمل شامي كما في «باب الحارة» (2006) ومترادفاته من مسلسلات البيئة الشامية كـ«الخوالي» (2000) و«أهل الراية» (2008)، فضلاً عن أدواره الأخرى في الأعمال المعاصرة مثل «حارة القصر» (1970)، و«مذكرات حرامي» (1968)، و«نهاية رجل شجاع» (1993).

العبوس والتجهم والصرامة في ملامحه، تنطوي في الواقع على شخصية مرحة، لم تُستثمر جيداً في الكوميديا أو صناعة المفارقة. مهما كانت خسائره في تظهير قدراته الإبداعية، وخصوصاً في المسرح، فإنّ آل رشي تمكّن من اقتناص فرص سينمائية تليق بموهبته، أبرزها دوره في فيلم «المخدوعون» (1972) للمخرج الراحل توفيق صالح، عن رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس». في هذا العمل، أدى دور «أبو الخيزران»، سائق الشاحنة الفلسطيني الذي يقوم بأعمال تهريب إلى الكويت. شخصية مكتوبة بإتقان عن مناضل سابق فقد رجولته بانفجار قنبلة في إحدى العمليات المسلحة، فتحوّل إلى شخص معطوب جسدياً وإنسانياً، وسوف تبقى صرخته (إثر موت ثلاثة فلسطينيين داخل خزّان الشاحنة عند نقطة الحدود الصحراوية) «لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟» إحدى أشهر العبارات في تاريخ السينما العربية. لن ننسى ملامح «أبي الخيزران»، وهو يسحب جثث الموتى من فوهة الخزّان، ثم يكمل طريقه وحيداً، في متاهة الصحراء. هذه التجربة السينمائية الاستثنائية نبّهت مخرجين آخرين إلى قوّة موهبته، فاستعان به خلال عامٍ واحد (1974)، المخرج برهان علوية في فيلم «كفر قاسم»، وبعده جورج نصر في فيلم «المطلوب رجل واحد»، وبلال صابوني في «العار»، ثم نبيل المالح في «السيد التقدمي». ورغم انخراطه في الدراما التلفزيونية بأدوار متفاوتة في أهميتها، خاض آل رشي تجارب سينمائية لاحقة، مثل «المهد» (2007) مع محمد ملص، و«هوى» (2012) مع واحة الراهب.

قامة رائدة أخرى تهوي، تحت وقع ضربات الزمن السوري الصعب. كان الفنان الراحل علامة فارقة في المشهد الفني السوري، ووشماً لا يُمحى في ذاكرة المشاهد العربي. رحل «الزعيم» و«الآغا» و«المعلّم»، وستفتقد الحارة الشامية سراجها المضيء، وآثار خطواته الصلبة، وصدى صوته الأجش يردّد «سيبقى الهدّامون يلهثون وراء البنّائين».

الأخبار اللبنانية في

14.04.2014

 
 

«آغا» الدراما السورية

وسام كنعان 

مجدداً، تخسر سوريا أشهر ضحكاتها وأقوى أصواتها برحيل «آغا» الدراما السورية عبد الرحمن آل رشي. رحل الرجل الذي تناقلت الأجيال طرائفه وخفة ظلّه، وحفظت نبرة صوته المميزة التي كانت السبب الرئيسي في رواج بعض الأغنيات الوطنية والتقارير الحربية التي سجّلها بصوته. ترجّل «الأزرق» عن حصانه ومضى وحيداً تاركاً «غضب الصحراء» وراءه، وترك كذلك العشرات من الأعمال الفنية التي أدى فيها دور الزعيم، وكان زعيماً بكل ما للكلمة من معنى.

لم يذكر أحد أنّ نجم «العبابيد» (1996) تأخر يوماً عن التصوير أو احتاج للإعادة أكثر من مرة أمام الكاميرا، وخصوصاً عندما كان يصوّر أعمالاً تاريخية بلغتها الفصحى وحواراتها الصعبة. قد يكون إرثه الأهم أيضاً ما كان يصنعه من طرفة وفكاهة خلف الكواليس.

بمجرد وصول خبر رحيله إلى زملائه، دمعت العيون. لكن سرعان ما انتصرت الابتسامة مستذكرين قصصه الكوميدية وقوة شخصيته وصداميته بآرائه الحادة والعلنية بكبار الشخصيات التي تمثّل السلطة في سوريا. لعل أبرز طرائفه يوم اضطر إلى إعادة الحوار في مسلسل «القعقاع» أمام ممثل جديد عشرات المرات من دون أن يتمكن الممثل من إتقان حواره، حتى اضطر أبو محمد إلى إدخال جمل وشتائم على حواره، ما حوّل أجواء التصوير المتشنّجة إلى ضحك متواصل، وخفّف من إرباك الممثل الصاعد وهو في حضرة أفضل من تكلّم الفصحى من الفنانين السوريين. قبل أسابيع، ألمّت به عوارض صحية نتيجة خلل في الجهاز التنفسي نقل على إثرها إلى المستشفى، قبل أن يغمض عينيه ويطوي الصفحة الأخيرة من حياته ويوارى ثرى مقبرة الشيخ خالد في ركن الدين. من هناك، سيبدأ عبد الرحمن آل رشي رحلة بحث جديدة عن حقيقة مطلقة لم يتمكن من إيجادها في حياته، علّه يجدها بعد الموت. قد ينطبق ذلك على ما قاله لنا المخرج والممثل سيف الدين السبيعي في رثاء الفنان الراحل: «سيصعد أبو محمد إلى السماء حاملاً معه أسئلة كثيرة أمضى حياته يبحث عن أجوبة لها. روحه لن ترقد بسلام، بل ستنطلق باحثة عن الحقيقة علها موجودة في ما بعد الحياة». أما المخرج سامر البرقاوي، فيتذكر لقاءه الأول بالراحل قائلاً: «دعك مما في رأسك وتعال معي لنفكر بهذه الدنيا من زاوية أخرى. تلك هي كلماته لشباب في حضرته، وهذا ما جعل لهذه القامة نكهتها وجاذبيتها أينما حلت. كان لي شرف التعامل معه في أكثر من عمل. كان محكوماً بالتزامه الاخلاقي والمهني، وهذا ما يجعل موقع التصوير أكثر حرصاً والتزاماً بوجوده».

في مذكراته، يروي الممثل الثمانيني كيف أحب طريق الفن رغم وعورته وظلامه الدامس: «ليالينا كانت بلا كهربا». تعود الحقبة الزمنية تلك إلى مطلع الخمسينيات. لكن والده كان له بالمرصاد، فهدّده بالتبرؤ منه إذا سلك درب الفن.

لم يتمكن ابنه الممثل محمد آل رشي من حضور تشييعه

لم يجد عبد الرحمن آل رشي أمامه سوى تجويد القرآن: «كنت أخاف من والدي كثيراً فتحولت عن الفكرة ولم أدخل مجال التمثيل إلا بعد وفاته. وكان ذلك من خلال النادي الشرقي عام 1955». في نادي الهواة، تدرّج نجم مسلسل «الطير» ليقف على خشبة المسرح، ثم يسجل أعمالاً إذاعية من دون أن يغيب عن الفن السابع الذي قدم له أعمالاً مهمة. سرعان ما تحول إلى نجم جماهيري قدم عشرات المسلسلات الناجحة من «رأس غليص» إلى «غضب الصحراء» ثم «العبابيد» و«الطير» و«بقعة ضوء» و«فوق السقف» والعديد من الأعمال الشامية كـ«باب الحارة» و«أهل الراية»، . وكان قد باشر بتصوير دوره في مسلسل «الغربال»، لكن الموت كان أسرع. تاريخه الفني الحافل جعله يؤمن بأن التمثيل كان خياره الصائب. اختبر ألوانه المختلفة وعوالمه المتنوعة باستثناء شخصية الجبان. لم يتمكن أبو محمد من أداء هذا الدور، لأنه لم يعرف كيف يقبض على خيوط هذه الشخصية بشكل حقيقي وينسجم معها. مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا، اعتقل ابنه الممثل محمد آل رشي نتيجة مشاركته في التظاهرات السلمية. يومها، انتشرت شائعات عن خلاف نشب بينه وبين والده. لكنّ الراحل نفى تلك الأخبار، مفضلاً لابنه الخوض في غمار الفن بعيداً عن الصراع الدائر في سوريا. وبينما صارت صفحات النجوم السوريين الافتراضية أشبه بخيمة عزاء كبيرة أمس، تحوّلت غرفة محمد آل رشي في أبوظبي إلى صالة عزاء تلقى فيها المواساة من زملائه الذين يعمل معهم حالياً ويواظب على تصوير دوره في مسلسل «الإخوة» لسيف الدين السبيعي وسيف الشيخ نجيب. لذلك لم يتمكن من العودة إلى دمشق وتشييع والده. في حديثنا معه، بدا محمد آل رشي مستوعباً المصيبة، وخصوصاً أنّه هيِّئ لها قبل أيام من رحيل والده. يبدو أنه يعزي نفسه بالتزامه عمله كما كان يتمنى له والده. يتوجه إلى غرفة الماكياج وينطلق بمنتهى الثبات لتصوير مشاهده، بينما يشيِّع والده في عاصمة البوابات السبع.

مغنٍّ و«أزعر»

كان عبد الرحمن آل رشي في صباه فتى مشاغباً و«أزعر»، متمرّداً على محيطه. عاش حياة القاع بكل أطيافها، وخصوصاً أنّ حي ركن الدين الذي نشأ فيه كان ملاذاً للموبقات. صوته المميّز وحده من أنقذه من الانزلاق إلى العالم السفلي، إذ استهواه الغناء. ورغم ممانعة والده بشدّة لممارسة هوايته «المعيبة»، إلا أنّه كان يغنّي سرّاً في الأعراس إلى أن اهتدى إلى خشبة المسرح، ليشارك في 15 عملاً مسرحياً. لكن الغناء ظلّ حلماً يراوده، فوجد مسرباً لهذه الموهبة في بعض الاسكتشات الدرامية، والأغاني الجماعية. أغنية «أنا سوري يا نيالي» المحمولة على زخم وطني كبير، كانت أحد تجليّاته صوتاً وصورة، وقد أكمل هذه التجربة بأغنية أخرى تصبّ في المسلك نفسه، هي «كل شي تدمّر رح يتعمّر».

الأخبار اللبنانية في

14.04.2014

 
 

مصلح كريّم | تونس الثمانينيات

نور الدين بالطيب/ تونس 

عمل مصلح كريّم كمساعد مخرج مع أغلب السينمائيين التونسيين قبل أن يقدم باكورته «باب الفلة» التي تتواصل عروضها حالياً في الصالات وسط إقبال لم تشهده السينما التونسية منذ سنوات. يعدّ هذا الفيلم من الأعمال القليلة التي تعتمد على نجوم الشاشة الرمضانية، إذ اعتاد المخرجون تقديم وجوه جديدة في كل فيلم.

يجمع الشريط فتحي الهداوي، ودرّة زرّوق، وفاطمة بن سعيدان، وشاكرة رماح، ويونس الفارحي، وعلي بنور، ومنصف السويسي، وعبد المجيد الاكحل، وسهام مصدق، وقابيل السياري، وتوفيق البحري، ومنال عبد القوي الى جانب الممثلة المغربية نفيسة بن شهيدة. إنّها حكاية حبّ تدور في حي شعبي، بطلها صاحب صالة سينما يدعى جياني. عبر هذه الحكاية، يبرز الشريط المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي في تونس التسعينيات أي في بداية حكم زين العابدين بن علي ضمن أحداث تجري وسط حي شعبي شهير (باب الفلة) وسط المدينة العتيقة. طارق صحافي شاب يشتري والده الصالة القديمة، فيعثر في أرشيفها على مذكرات صاحبها الايطالي جياني (علي بنور)، فيقرّر البحث عنه. بعد بحث مضنٍ، يصل الى جياني الذي صار مقعداً يعيش في دير للراهبات يتولين رعايته. تستيقظ في وجدان جياني ذكريات «سينما العالم» التي كان يديرها وسط تونس العتيقة ويتذكّر أهل ذلك الحي الغارق في البطالة والانحراف والجنون.

يبرز «باب الفلة»

المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي

في بداية حكم بن علي

ستحضر شخصيات الحي مثل الشاب سليم (قابيل السياري) الذي افتتن بالسينما، وخطيبته عزة (درة زروق) التي سلبت قلبه قبل أن تموت في آخر الفيلم مع حبيبها سليم على يد عشيقته جانيت (نفيسة بن شهيدة) التي تدير داراً للمتعة. أما سليم، فيموت مقتولاً بسكين تنتوشة (يونس الفارحي) شقيق جانيت الذي قتل عاملات في دار المتعة لأنّهن غادرنا الدار من دون علم جانيت بذلك، ليمارسن الحب خارجها. وهو ما اعتبره تنتوشة المخبول خيانةً لشقيقته. وعندما يعلم جياني بحقيقة عشيقته جانيت، وشقيقها تنتوشة، يصاب بأزمة قلبية تقعده عن الحركة. الفيلم الذي يقدم حكاية حب دامية هو تراجيديا حديثة أراد مصلح كريّم من خلالها أن يحيّي سينما الثمانينيات في تونس بعرض مشاهد من فيلمي «يا سلطان المدينة» لمنصف ذويب و«عصفور سطح» لفريد بوغدير، خصوصاً المشاهد التي كانت صادمة آنذاك وأثارت الجدل في تونس كمشهد النساء في الحمام. تضمن الشريط روحاً من الدعابة في تقديم تفاعل الجمهور مع هذه المشاهد، وبعض شخصيات الحي الشعبي مثل حسن (منصف السويسي) الذي يجسّد دور رئيس شعبة للحزب الحاكم سابقاً، وربيعة (فاطمة بن سعيدان) التي تؤدي دور المخبولة.

الأخبار اللبنانية في

14.04.2014

 
 

«مونديال 2010»:

علاقات ومدن في عتمة الخوف

بانة بيضون 

في فيلمه القصير الذي نال «جائزة تيدي» أخيراً وعرض ضمن «أشغال فيديو» في «متروبوليس أمبير صوفيل»، يعرض الزميل روي ديب رحلة شابين مثليين من لبنان إلى رام الله تزامناً مع مونديال 2010. يبدأ الشريط بلقطات من نافذة السيارة المتجهة نحو رام الله، بينما نستمع إلى أحاديث الشابين اللذين لا نراهما طوال الفيلم. عدم رؤية الشابين العشيقين، يضع الصورة الظاهرة في تناقض دائم مع الصوت الذي يخبر قصة أخرى.

هذه الناحية التجريبية كافية لأن تزرع مساحة متخيلة خفية ضمن الشريط الذي يقارب في أسلوب تصويره الفيلم الوثائقي أو أفلام الطريق (Road Movies). هكذا نشعر كأنّ فيلماً آخر قيد الحدوث في عتمة كواليس الشريط المصوّر. حتى في اختياره للعنوان «مونديال 2010»، أو أمام ذريعة الفيلم المتمثّلة في الرحلة إلى رام الله، يحيد بنا المخرج عمداً عن موضوع الفيلم الرئيس. كأنه يخلق هدفاً وهمياً ليؤكد لنا في النهاية على عدم جدوى البحث من خلال كل الطرقات التي يجوبها بالكاميرا أثناء الفيلم، وصولاً إلى المشهد الأخير حين يخبر أحد الشابين صديقه عن إحساسه بأنّ مدينة رام الله تختفي.

نقل معاناة مثليي العالم العربي بطريقة غير مباشرة

من خلال تجسيده للعلاقة العاطفية بين الشابين (نسمع عنها و لا نراها)، ينقل المخرج بطريقة غير مباشرة معاناة المثليين في العالم العربي التي تحتم عليهم التخفي وعيش حياة مزدوجة، تماماً كالفيلم الذي يتماهى بأسلوبه مع هذه الحالة ويجسد هذا التناقض بين الخارج والداخل. علماً أن هذه المعاناة لا تقتصر على المثليين والمثليات، وإن كان المجتمع أكثر قسوة وعنصرية تجاهم، بل تتخطاها لتعبّر أيضاً عن قمع كل الحريات الفردية في العالم العربي، فتصبح أي علاقة عاطفية أو جنسية خارج مؤسسة الزواج قيد المحاكمة. تمثّل الحوارات، بعفويتها وحميميتها، نقطة قوة أخرى. من دون حاجة للصورة، ينجح الحوار في أن يجسد لنا العلاقة العاطفية بين الشابين بتقلباتها وتوترها التصاعدي الذي يصل إلى ذروته في النهاية. علاقة يعزّز قوتها التفاعل الناجح بين الممثلين زياد شكرون وعبد قبيسي. قد يكون اختيار المخرج لرام الله تجسيداً آخر لحالة القمع نفسها التي يعيشها الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنات التي تبتلع شيئاً فشيئاً ما تبقى من فلسطين. تجد المستوطنات مكاناً لها في مشهد من الفيلم، فيما تأتي المشاهد الأخيرة لرام الله المعتمة من السيارة لتتماهى مع علاقة الحب الخفية بين الشابين وتنقل رؤية أكثر سوداوية رغم خفة العمل الظاهرية التي يتبناها المخرج في البداية، قبل أن يقودنا تدريجياً نحو الدراما. كأنه يؤكّد عبر هذه الصور الأخيرة أن كل حياة تعيش في عتمة الخوف والقمع مهددة دوماً بالاختفاء، تماماً كرام الله، وكعلاقة الحب بين الشابين.

الأخبار اللبنانية في

14.04.2014

 
 

مقدمة لمشاهدة فيلم "الأبدية ويوم واحد" لأنجيلوبولوس

عمار محمود 

"لا أعرف متى كان موتي، بدا لي دائما أني كنت عجوزا، في حوالي التسعين، ويا لها من سنين، يؤكد مرورها جسدي من الرأس إلى القدم، و لكن هذا المساء، وحيدا في سريري الجليدي، حيث السماء تسقط بكل أضواءها فوقي، تلك التي غالبا ما حدقت فيها، منذ خطواتي الأولى المتعثرة على الأرض البعيدة، يتملكني شعور أني أطول عمرا من الأيام والليالي، ولأني خائف جدا هذا المساء لأصغي لتعفن نفسي، منتظرا نوبات القلب الحادة، وتهتكات جدران الأمعاء، وانتهاء عمليات القتل البطئ في جمجمتي، الإنقضاض على أعمدة راسخة، الجماع مع الموتى، لذا سأحكي لنفسي قصة، سأحاول، وأحكي لنفسي قصة أخرى، أحاول تهدئة نفسي، آنذاك أشعر أني عجوز، عجوز، أطول عمراً من اليوم الذي سقطت فيه طالبا المساعدة، التي أتت، أو من الممكن أني في هذه القصة قد عدت ثانية للحياة بعد موتي..  كلا.. ليس أنا الذي يعود للحياة بعد موته".

صامويل بيكيت (النهاية)

بطل الفيلم شاعر يحمل بداخله مرض يبقيه خارج المستشفى يوما واحد، وكأن الشاعر ذلك إعتقد بأن الموت على عتبات المستشفى ، فيحاول جاهدا أن يتحرر من بضعة قيود وأن يخوض مغامرته الأخيرة في الحياة.

ثيودوروس أنجيلوبولوس المخرج اليوناني والشاعر بالكلمات في مبتدئ الرحلة وبالصورة في منتهاها، الشاعر الذي تأثر بكتابات كازانتزاكيس و يوريوس سيفيرس، الذي كان في بادئ الأمر متأثرا بالرومانسية ثم إنتهى إلى الرمزية من مدارس الشعر، عندما بدأ الخيال يخصب شيئا فشيئا، عندما إتسعت أفقه وتعددت مدارك الإبداع لديه.

للشعر مكانة خاصة في سينما أنجيلوبولوس أو لنقل، إن التجربة السينمائية بالنسبة له كان مردها الشعر، أثر فيها تأثيرا لا يخطئه القلب الواعي أو المشاهد المتمعن. في أفلام أنجيلوبولوس يتبدى للمشاهد إيمان المخرج بالموسيقى الداخلية التي إستقى تجربتها كاملة من كتاباته الخاصة ومن شعرائه الآنف ذكرهم، شعراء المدرسة الرمزية.

عند إستحضار "المدرسة الرمزية" في الأدب، لابد من إستحضار مميزات تلك المدرسة الحداثية، بما أن مخرجنا كان من مريديها ولكي نكشّف عن مداخل أخرى لسينماه الغامضة، تلك المدرسة التي لا تؤمن بالتلقين المباشر ولا موسيقى الألفاظ الخارجية ولا النص الواحد.. في النصوص الرمزية، لا تنتهي قراءة النص عند أول محاولة، لابد من السعي وراء الكلمات ودلالاتها وتآويلها المتعددة ، للوصول إلى المعنى الأوسع والأرحب، الذي يعمق تجربة المتلقي، وغزو تلك المساحات من الخيال النضر، و إهتمامها بإستحالة القارئ وتوحده مع عناصر الأبيات ومعانيها والصور الجمالية التي تتفجر بداخلها، لنجد عند أنجيلوبولوس مثلا إختياراته للموسيقى التصويرية في فيلمه "الأبدية.. ويوم"تتشذّر من سياق الفيلم، مرة عند محاولة التواصل مع الجيران من مذياع أو مرة عند عبوره على أحد المقاهي وهكذا أو بأن تكن مستقلة تماما لكنها في سياق التشذّر كـتغليف لحالة العزلة في المشهد، لتتناغم مع الثالوث المقدس من ممثل ومنظر و حركة كاميرا بإحكام مفرط في إتقانه.

بعض المخرجين لا يجب على المشاهد أن يتلقى أفلامهم من خلال القصة التي تحدث فحسب، بل عليه أن يستكشف العوالم الموازية أو لنقل، عالم الصورة وعالم القصة المسرودة والعالم الموازي بكل تلك الدلالات المشحونة التي تؤدي إلى شيء ما، أو تجيب عن أسئلة تم وضعها في سياق الفيلم. عند أنجيلوبولوس القدرة على تخطي حدود القصة والولوج إلى عوالم متعددة، وأنا كمشاهد أو كقارئ سوف أتحدث من خلال سياق الصورة والإسترشاد ببعض العبارات التي تحدث بها أثناء أحداث الفيلم أبطاله الهائمون.

مفتاح مثالي

لا توجد أبعاد لشخصيات أنجيلوبولوس في ذلك الفيلم سوى من سياق الحدث، حدث أكبر يضم أحداثا أعمق، تتوالف كلها في تيمة مهيبة، تجلجل في خيال المتلقي وتنبش فيه عن أماكن أقل إنارة.

المشهد الإفتتاحي في فيلم  "الأبدية .. و يوم" (Eternity and a Day (1998-  يضع نصب أعيننا سؤالا مباشرا وعلينا الإنتباه ، فقد يكون هو المفتاح المثالي للولوج إلى العوالم الموازية في المشاهد اللاحقة أو هو عنصر في عالم ما ضل طريقه وعلى المشاهد أن يضعه في مكانه الصحيح ، أفتتح الحوار بداخل الفيلم بسؤال من طفل لآخر قائلا:

ماهو الزمن؟ ، يجيبه الآخر بأنه طفل يعبث بقطعة نرد على الشاطئ هكذا قال له جده أو هكذا قال هرقليطس الحكيم اليوناني.

في المشاهد المقبلة ، يتأكد لنا تماما بأن الأطفال في سياق الفيلم، هي الأزمنة المختلفة ، من ضمنها الزمن الذي إصطدم به أليكساندر البطل بعد زيارته لابنته، الزمن يصطدم بك وتصطدم به ، تعتقد بأنك من صنعه و اختاره، و لكنك دون أدنى وعي منك تسير بداخله وتتشرّبه إلى أن تقترن به أبداً وذلك ماحدث.

بطل الفيلم شاعر ترك قصيدة غير منتهية ، والشاعر يبحث طيلة عمره عن المعاني الصحيحة للكلمات، يمعن في إختيارها و شحنها بمشاعر متجددة، يكتبها في قصائده لينير طريقا جديدا للمتلقي يحتوي معنى آخر أو جديدا لكلمة ما، ومن خلال الفيلم، يحاول أن يورّث تلك المعاني التي إنتقاها بعناية شديدة لأقرب الناس إليه لإبنته، يحاول أن ينقل لها معنى الوفاء، ذلك المعنى النقي تماما، الذي إستبدله المخرج بكلب وفي، وأي المخلوقات أوفى من الكلب، لكن ذلك الصراع بين الماضي والحاضر، تلك الهوية التي تتقلقل، ذلك الإنفتاح على العوالم الأخرى، يستدعي زوج ابنته لرفض ذلك المعنى، بحجة أنه لا يحب الكلاب، ويسهب في ذلك بإخباره والد زوجته بأنه قد باع بيتهما القديم، وكأنما يخبرنا المخرج عن تلك الأزمة الحاصلة في التواصل بين الأجيال المتعاقبة، وتلك إحدى مميزات الفيلم، إتساع رؤية المخرج، صدقها البالغ الشدة، إحكام إستخدامه للصورة وما تشير إليه، جمعها لعناصر كثيرة، تدل على شيء يتسع ويستوعب تلك المشاهد، المعنى، تغيّر المعاني من شخص لشخص، زمن لآخر.. إلخ.

مشهد الطفل

في بداية الفيلم يخبرنا المخرج عبر مشهد الطفل وهو نائم ، يخبرنا من خلال ستائر مغلقة عن معنى آخر، في مقتبل عمرك لابد من إستعمال قوتك، أو في صغرك كل شبابيك العالم مغلقة وعليك فتحها، عليك أن تستكشف وأن تضع ذلك غاية وأن تسبر لها كل السبل.

في المشهد التالي معنى آخر، يتسلل الزمن من بين أعظم لحظات البهجة لديك، أو زمن الفرحة ليس بطويل لتتمكن من التأمل والإستمتاع به، وذلك من خلال ضحكات عبر ثواني معدودة من الأب والأم أثناء هروب الإبن إلى الحياة ، المغامرة، الإستكشاف.

في أحد المشاهد أيضاً وما يؤكد رؤيتي، المشهد الأول لأليكسندر الكبير ، ستائر مفتوحة بإستثناء واحدة، وذلك ما كان حاصل لبطل الفي، لم يفتح كل الأبواب، كان يعاني من عزلة شديدة، بالرغم من حياة الكتاب الملآنة بالمعجبين والمريدين، لابد من مشكلة ما تمنع ذلك الكاتب من الإنخراط مباشرة في المشهد اللاحق، نستكشف أن المشكلة هي إشكالية التواصل، بالرغم من جاره الذي يتواصل معه بالموسيقى، وبرغم تشابه الأذواق إلى حد أن نفس الأسطوانة عند كليهما، لا يستطيع الكاتب أن يمضي ويتعرف على ذلك الجار الذي لا يعلم إن كان طفلا يعبث بالراديو قبل المدرسة أو أنه رجل حقيقي أو إلى آخر تلك المعوقات التي يضعها أمامه كيلا يتقدم تلك الخطوة ويتعرف على جاره.

وفي مشهد بليغ تتسحّب الكاميرا من شقته في إحدى الأدوار العلوية إلى أن تنظر من الشرفة على شرفة الجار المنخفضة ثم تقترب شيئا فـشيئا بدون أن تدخل شقة ذلك الجار، حيث أن التفاعل الذي ينقصه الإحتكاك والمشاركة منقوص، معناه غير مكتمل، أزمة أخرى في المعنى لأليكسندر حاول أن يتخطاها لكن بمحاولة فاشلة، يخيب ظن نفسه.

نهاية مفتوحة

في الأحداث اللاحقة يتعرف على ذلك الطفل الصغير، ذلك الطفل الزمن، الذي سيبدل حياة الكاتب أو يجعلها تستمر حيناً آخرا، يخوضون معا إحدى التجارب السياسية عندما أختطف الطفل من قبل أحد المجرمين مع آخرون لبيعهم، تلك الرأسمالية التي حاربها أنجيلوبولوس وأهال عليها الكثير من الإنتقاد في أفلام عدة أو أثناء صناعته لأفلامه بعدم إنصياعه لرغبات الشركات الكبيرة بالتعاقد معه حيث أن ذلك مضاد لحريته ، وذلك تبدى في المشهد ، تم اختطاف الزمن الخاص بأليكساندر ، الطفل لا توجد أية معرفة مسبقة بينه وبين البطل ، ببشرته الشاحبة وملابسه المهلهلة الصفراء، ثم يعرض ذلك الطفل على آخرون يملكون الأموال، التي تستطيع أن تبدل الأحوال من سيء لأسوأ أو العكس في أحيان قليلة ، يلاحقه أليكساندر إلى أن يبتاع الزمن بكل ما تبقى له من مال في محفظته.

يستمر أليكسندر بصحبة الطفل الزمن، يهرب الطفل من الشرطة التي تلاحقه ، والتي لا تلاحقه ، ذلك الإنطلاق واللا سكون ، ثم الإلتصاق بصاحبه أليكساندر ، الذي يبدأ البكاء على الأطلال ويبدأ رحلة البحث عن المعاني الناقصة من قصيدته بصحبة الطفل ، الذي أنقذه بثلاثة كلمات "الغريب - آخر الليل - وردة ما"

تلك الكلمات التي كانت تنقصه.. تلك الكلمات التي قدمت إجابة رحبة، ما هو الزمن؟، هو ما يشعر به الغريب ، حيث لا أثقل من وقع الدقائق على شخص ضل أحبابه أو وطنه، ما هو الزمن؟، الوقت المتأخّر جدا، غسق الليل، وقت الإبتهال والنظر إلى الوراء، ما هو الزمن؟، عندها نشعر بالزمن، ذلك اللا مرئي، ذلك اللا مرئي.

يتنقل الزمن في الفيلم بسلاسة شديدة، لكي لا نشعر به، لكي يرسَّخُ لدينا ما يريد المخرج في نهاية الفيلم، قد طرح من خلال أليكساندر الشاعر مفهومه عن الزمن، ولكن بدون ان يصرّح به ، لكي يثقل المشاهد و يحرضه على النبش في جنبات عقله ووعيه و لاوعيه عن معنى الزمن ، هل عندما تشعر بالإغتراب، هل عند النظر إلى الوراء، ترك نهاية الفيلم مفتوحة، وترك السؤال بدون إجابة قاطعة ، ليسأل المشاهد: ما هو الزمن؟

عين على السينما في

14.04.2014

 
 

قالت الدولة إنها ستدعم السينمائيين

أمجد أبوالعلاء لـ24: السينما السودانية كهل وجد إكسير الشباب

24 - خاص 

أمجد أبوالعلاء، مخرج سوداني الجنسية، وُلد وترعرع ويقيم في دولة الإمارات. درس الإعلام في "جامعة الإمارات"، وعمل مخرجاً لأفلام وبرامج وثائقية، في العديد من المؤسسات الإعلامية، ويعمل الآن بصفة مُنتج ومُخرج مُستقل لمختلف القنوات، العربية والأجنبية.

تخصّص أمجد في البرامج التسجيلية والوثائقيات الإنسانية الطابع، كالتي تتحدث عن اللاجئين، وضحايا الفقر، مثل برنامج "مع الود والتقدير"، بالإضافة لنشاطه الدرامي ممثلاً وكاتباً في بعض الأعمال الدرامية في الخليج، وله العديد من الأفلام القصيرة العربية والسودانية، التي عُرضت في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وحصد بعضها الجوائز وشهادات التقدير.

من أهمّ أفلامه، فيلم "تينا" بطولة النجمة فرح بسيسو، و"قهوة وبرتقال"، وفيلم "ريش الطيور" الذي تشارك فيه الفنانة السودانية الكبيرة فائزة عمسيب، والذي اعتُبر وقتها عودة لصناعة الأفلام السودانية، بعد سنوات من التوقّف، وفيلم "ستوديو"، وبطولة النجم السوداني الرشيد أحمد عيسى.

كما يُذكر أن أمجد أبوالعلاء وحاز على جائزة أفضل نصّ مسرحي عربي لعام 2012، عن مسرحيته "فطائر التفاح"، من "الهيئة العربية للمسرح".

حدث هذا كله، قبل أن يتمكّن أمجد أبوالعلاء من عرض أيّ من أفلامه في السودان، هذه الفرصة التي تحققت مؤخراً، وللمرة الأولى بحضوره شخصياً في الخرطوم، بمبادرة من مؤسسة "سودان فيلم فاكتوري"، صاحبة "مهرجان السودان للفيلم المستقل"، وبالتعاون مع منتدى "دال" الثقافي.

يتحدث أمجد أبوالعلاء لـ24 عن هذه الفرصة، فيقول إنه كان من المُفترض أن يحدث هذا منذ زمن، خاصة أن أفلامه وجدت سبيلها للعرض في عدد من البلدان العربية، وغير العربية، باستثناء بلده السودان. ولكنه ينتبه، في الوقت نفسه، إلى أنه حتى الصالة التي عرضت أفلامه في الخرطوم، هي صالة حديثة العهد أقامتها منتدى "دال" ضمن حراكه الثقافي الجديد. كما يلفت النظر إلى أن الجو أصبح الآن مهيأ لعروض سودان، وهو الأمر الذي لم يكن متوفراً في السنوات الماضية.

وعن فيلمه "ستوديو"، يُوضح أمجد أن هذا الفيلم نتاج ورشة سينمائية، قام بها المخرج الإيراني العالمي عباس كياروستامي، في "مهرجان الخليج السينمائي"، وتنوع إنتاج الفيلم بين السوداني والإماراتي والإيراني، كتب النص السيناريست الإماراتي محمد الحمادي، وقام بالتصوير الفنان السعودي بدر الحمود، والمونتاج للسعودي تركي الرويتع. عُرض الفيلم في العديد من المهرجانات العربية والأفريقية والأوروبية، في كلّ من دبي، وبنغازي، والمغرب، وتونس، وسويسرا، وباريس، ومالمو، وروتردام، ودار الأوبرا المصرية بالقاهرة، كما حصل على جائزة من مهرجان تاونات المغرب للسينما الآسيوية، وشهادة تقدير من مهرجان الشاشة العربية المستقلة ببنغازي، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.

وعن موقف الدولة من السينما في السودان الآن، قال يبدو أن تغيراً حدث في موقف الدولة، إذ بالتزامن مع عروض أفلامه في الخرطوم، كانت الدولة تدعم الشباب في "مهرجان سينما الموبايل"، كما أعلنت بحضور وزير الثقافة السوداني أنها ستقوم بتوظيف الفائزين الـ10 في النلفزيون القومي السوداني، كما ستقوم بإعفاء المشاركين في الأفلام من الخدمة العسكرية.

من هم السينمائيون السودانيون الواعدون؟ نسأل أمجد أبوالعلاء، فيجيب: رأيت أغلب الإنتاجات الجديدة، وبعيداً عن الأسماء التي بدأنا سوياً نوعاً ما، مثل تغريد السنهوري، ومروى زين، يلفت نظري الشاب أمجد النور، المُقيم في السعودية بفيلميه "تزعة"، و"120 ثانية"، وهناك شاب موهوب جداً يدعى عبدالله الليلي، ومن أقرب الشباب الذين أنتظر منهم نتيجة حقيقية هو محمد العمدة، الذي أخرج فيلماً قصيراً بعنوان "ذاكرة البئر"، والآن تمّ قبول فيلمه الطويل "هنا"، في "بيروت فيلم ستيشن"، حيث سيقيم لمدة أشهر في بيروت للعمل على سيناريو فيلمه، كما أتوقّع الكثير من الشاب السوداني، المُقيم بفرنسا، صهيب قسم الباري، الحاصل حديثاً على منحة "سند"، من "مهرجان أبوظبي السينمائي".

وعن المسؤولية التي يجد نفسه معنياً بها في هذا الموقف السينمائي السوداني، قال: لا أجد نفسي في مسؤولية تجاه شيء. قد أجيبك تلك الإجابات من قبيل مسؤول عن تمثيل بلدي في المحافل الدولية، وتمثيل الشباب السوداني، وقد أشعر بذلك أحياناً، أو أن الاحتفاء السوداني بتجربتي يقودني إلى ذلك، ولكن حقيقة أعتقد أن هذا خطأ، وفخ عليّ أن لا أقع فيه كسينمائي. قلتُ ذلك في الندوة عندما سألني أحدهم عن تنوّع الجنسيات واللغات واللهجات في أفلامي، وسأقرر بعد اليوم أن لا أنجز إلا سينما سودانية خالصة. أجبت قطعاً لا.. فأنا من أحلامي تقديم فيلم موريتاني خالص، وأفلام إماراتية، تدور في رأسي بالتوازي مع أفلام سودانية، أود أن أحكيها. لا أؤمن أن السينمائي يجب أن يثقل كاهله بتلك المسؤولية تجاه أي شيء سوى فنه، وسينماه. المسؤولية الوحيدة التي أحسها هي تجاه السينمائيين الشباب في السودان، وأحاول قدر المُستطاع أن أقدم لهم ما يمكن تقديمه.

أما بصدد تقييمه للواقع السينمائي السوداني الراهن، فقال أمجد أبوالعلاء إنه مثل "كهل عجوز وجد إكسير الشباب"، متمنياً أن يتمكّن من تنفيذ مشروعه السينمائي القادم في السودان، وهو فيلم طويل وضع له عنواناً أولياً باسم "فانتازي الخرطوم".

موقع "24" في

14.04.2014

 
 

مارسيليا تناقش مشاكل الجنوب عبر الكاميرا

العرب/ مرسيليا 

'اللقاءات الدولية للسينماءات العربية' ضم أفلاما من المغرب العربي مراعاة للجمهور في مرسيليا والذي يأتي نصفه من المهاجرين وأبنائهم.

اختتمت مساء أمس الأحد 13 أبريل الجاري في مدينة مرسيليا (جنوب فرنسا) الدورة الثانية من “اللقاءات الدولية للسينماءات العربية” بمشاركة عدد من الأفلام على اختلاف أنواعها.

رغم طغيان الطابع المغاربي على المهرجان، فإن افتتاحه واختتامه هذا العام كان فلسطينيين، حيث افتتح فيلم “جيرافادا” للمخرج الفلسطيني المقيم بفرنسا رامي مصالحة عروض اللقاءات، مقدّما عالما ناعما وعنيفا في الوقت عينه عبر سينما شاعرية- سياسية، من خلال واقعة نفوق زرافة في حديقة حيوانات قلقيلية جراء الرصاص الإسرائيلي، وهو الحادث الذي قرأه المخرج في خبر صحافي، قبل أن يقرر الذهاب إلى هناك وتصوير فيلمه.

واختتمت اللقاءات بفيلم “عمر” للمخرج هاني أبو أسعد الذي حاز نجاحا كبيرا، وفاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بفئة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي الأخير، كما وصل إلى قائمة الترشيحات القصيرة في جوائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي هذه السنة. وفاز أيضا بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي.

والفيلم يتحدّث عن كفاح شاب يعيش في القدس اليوم، محاولا التخلص من ضغوط الاحتلال بشتى أنواعها ومن بينها الجدار الذي يجتازه باستمرار قصد رؤية حبيبته في الجانب الآخر من المدينة.

وقال المدير الفني للتظاهرة التونسي طاهر شيخاوي إن الدورة الأولى من المهرجان العام الماضي جاءت في إطار احتفالات “مرسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية”. موضحا أنه رغم الصعوبات سيصبح المهرجان موعدا سنويا، يكون له مكانه في المشهد السينمائي بمرسيليا.

وأشار إلى الطابع “التجوالي” للمهرجان، بمعنى تنقله عبر أكثر من مدينة ومنطقة في الجنوب الفرنسي بشكل جزئي، وهذه هي الركيزة الخامسة للقاءات التي تنظمها جمعية “أفلام” الناشطة منذ سنوات في مجال السينما العربية بمرسيليا عبر عروض خاصة ونواد سينمائية.

وضمّ المهرجان أفلاما من المغرب العربي مراعاة للجمهور في مرسيليا والذي يأتي نصفه من المهاجرين وأبنائهم. وقد نجح المهرجان في دورته الماضية في اجتذاب ما يقارب خمسة آلاف شخص. وشكل قسم “نظرات متقاطعة” إحدى ركائز “اللقاءات الدولية للسينماءات العربية، إذ يوفر إطلالة على عمل سينمائي من دول الجوار العربي التي تنتج في ظروف مشابهة لظروف الإنتاج بالبلدان العربية. وقد اختير هذا العام المخرج التشادي محمد صالح هارون.

ومن بين الأفلام التي شاركت ستة أفلام للمخرج المغربي فوزي بن سعيدي آخرها “موت للبيع” (2012)، والفيلم القصير “الصخرة” (2008). وعملان من الجزائر ولبنان وهما فيلم اللبناني غسان سلهب “1948” وفيلم “حاصلة” للجزائري طارق تقية.

وقدّمت التظاهرة في الأعمال الطويلة من سوريا أفلام “سلم إلى دمشق” لمحمد ملص و”الجنرال لا يموت” لزياد كلثوم، ومن مصر “فرش وغطا” لأحمد عبدالله، ومن تونس “وداعا المغرب” لنادر مكناش ومن الجزائر “ثورة الزنج” لطارق تقية.

أما في الوثائقي فعرض من لبنان شريط “ليال بلا نوم” لإليان الراهب ومن مصر “محمد ينجو من الماء” للشاعرة والمخرجة صفاء فتحي. وتحت عنوان “مواهب جديدة” فقد شاركت أفلام قصيرة من تونس ولبنان والمغرب والجزائر والعراق وفرنسا وبلجيكا وفلسطين ومصر والسعودية.

العرب اللندنية في

14.04.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)