كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

تساؤلات بشأن "السينما المستقلة" في مصر

* أمير العمري

 

يكثر الحديث منذ سنوات عما يطلق عليه "السينما المستقلة"، دون تحديد واضح -في معظم الأحيان- لماهية هذه السينما، وما إذا كانت تمثل شكلا "ثوريا"، يتمرد على التقاليد العتيقة للسينما "التقليدية"، وهل تمتلك أصلا مشروعا فكريا وجماليا مشتركا، يطرح بديلا لما هو سائد؟

إن أول ما نلاحظه في هذا المجال غياب ارتباط صناع الأفلام "المستقلة" بحركة نقد سينمائي تمتلك القدرة على وضع أساس نظري أو حتى تسعى بشكل حقيقي إلى الدخول في جدل حقيقي نقدي مع الأفلام الجديدة التي تظهر ومحاولة تقويمها بعيدا عن اللغة الاحتفالية المغالى فيها التي تغلب للأسف، على ما يكتب من نقد في هذا المجال، خصوصا مع إغراء فكرة حصول بعض هذه الأفلام على جوائز المهرجانات المحلية والدولية، الأمر الذي يعده هؤلاء انتصارا وطنيا.

"كثير من أفلام المستقلين تبدو متأثرة تأثرا يقترب من النقل أحيانا، بتجارب سينمائية في بلدان أخرى شديدة الاختلاف"

الملمح الثاني المهم أن هناك خلطا كبيرا في المفاهيم يسود ما يطرح على استحياء أحيانا، سواء من خلال ما يكتب من نقد، أو من خلال أحاديث مخرجي هذا النوع من الأفلام، وهم يقدمون أفلامهم في الإعلام أو في المهرجانات التي أصبحت تتهافت على إبراز أي فيلم يقال إنه ينتمي لـ"السينما المستقلة" للتباهي بدعم الجديد المختلف، وفي كثير من الأحيان بغض النظر عن مستواه الفني، وهي بالطبع مشكلة أخرى.

هناك أولا خلط بين الاستقلال عن التقاليد العتيقة التي تخضع لها "أفلام السوق" التجارية المصرية التي تصنع بهدف التسلية وتحقيق الأرباح فقط (أفلام الحدوتة والمغامرة المفتعلة والقصص الهزلية) ولا تسمح لصانعيها بالبحث عن أسلوب جديد أو بهامش من "التجريب"، وبين الاستقلال عن نظام الإنتاج والتوزيع السائد، وبمعنى ما، الاستغناء أيضا عن السوق، بما يعني في النهاية -عمليا- الاستغناء عن الجمهور.

فهل الاستقلال عن السوق الذي يفرض نظاما للنجوم لترويج الفيلم وضمان درجة ما من الإقبال الجماهيري عليه هو عيب في حد ذاته؟ أم من الممكن الاستفادة منه في دعم تجارب السينما المستقلة، ودعم وجود نوع آخر من الممثل الذي لا يتمتع بالنجومية إلى جانب الممثل النجم صاحب الجاذبية؟

من قراءتي لمعظم ما كتب عن "السينما المستقلة" أكاد لا أعثر على شيء يتجاوز ما سبق أن طرحته "جماعة السينما الجديدة" في مصر في أواخر الستينيات من القرن الماضي.

ربما يكون الجيل الحالي من صناع هذا النوع من الأفلام أسعد حظا بوجود كاميرا الديجيتال الرقمي، لكن كبار السينمائيين (في هوليود أيضا) يستخدمون اليوم كاميرا الديجيتال في تصوير أفلامهم دون أن يقال إنها مستقلة عن هوليود لأنها تخلصت من عبء وتكاليف الكاميرا السينمائية.

قد يكون هناك ما يجمع بين الأفلام "المستقلة" التي ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة في مصر، من إخراج مجموعة من شباب السينمائيين يتمثل هذا أولا في فكرة محاولة تقديم قراءة سينمائية جديدة للواقع ولو عن طريق صنع "واقع آخر بديل"، وتصوير الفقر وسكان الهوامش والشباب المتمرد والمحبط.

وثانيا استخدام كاميرا الديجيتال لتحرير "الصنعة" وبالتالي التجرؤ على اقتحام أماكن وعوالم لم يكن ممكنا لهم اقتحامها، ولكن أساس استخدام "الديجيتال" (في العالم كله في الحقيقة) يظل هو العنصر المالي الذي يرتبط بخفض التكاليف.

ولكن هل الاعتماد على ميزانية صغيرة هدف في حد ذاته؟ ألم تظهر شركات نجحت في العثور على "صيغة" للتمويل من الخارج تكفل تغطية التكاليف قبل بدء التصوير من أجل تحقيق "سمعة جيدة" لهذه الأفلام في مهرجانات السينما (التي تقام في الخليج) والتي خلقت إطارات للتمويل أيضا؟

إن مشكلة السينما المستقلة لا تكمن فقط في غياب الرؤية أو المشروع النقدي النظري الذي يقدم إطارا نظريا متماسكا لها، بل غياب منهج واضح في التعامل مع الصورة، مع الفيلم كشكل، كلغة تعبير، كأسلوب يستند إلى ثقافة مجتمع ذي ملامح خاصة مختلفة عن غيرها.

فكثير من أفلام المستقلين تبدو متأثرة تأثرا يقترب من النقل أحيانا، بتجارب سينمائية في بلدان أخرى شديدة الاختلاف: في اللغة التي يتحدث بها الناس، في العلاقة العضوية بين الأفراد والمجاميع، في طريقة النظر والحديث وإيقاع الحركة.

"يجب أن تشكل هذه الأفلام تجارب حقيقية لتجمعات السينمائيين الشباب أنفسهم، لا أن تكون "غنيمة" لمنتج "شاطر" يستغل حاجة مجموعة من السينمائيين الشباب لصنع أفلامهم الأولى"

فهل يتحدث الإنسان الروسي ابن الطبقة الوسطى مثلا، كما يتحدث المصري من الطبقة نفسها؟ وهل يتحرك الناس في الشوارع بنفس الإيقاع كما يتحرك سكان فنلندا مثلا (كما نشاهد في أفلام المخرج أكي كوريسماكي)؟

وهل يفكرون أكثر مما يتحدثون، وهل كفوا عن التحديق في الآخرين، وفي استخدام أيديهم بكثرة ملفتة أثناء الحديث، وهل يجلس المصري داخل بيته منعزلا مكتئبا معظم الوقت، لا يتحدث مع أحد بل يكتفي بالتحديق في الفراغ، أم يعبر عن نفسه بالصراخ وعن غضبه بالعنف؟

هذه الملامح هي التي نصفها بأنها أولا: تصنع واقعا فنيا على الشاشة فقط، لكنه مرتبط برؤية ما، لكنه يساهم في تغريب الفيلم عن محيطه، وهذه الإشكالية وحدها أراها جديرة بالبحث والمناقشة الجادة بين النقاد والسينمائيين الشباب.

هل يمكن الانفصال عن الإيقاع الخاص المحدد لشعب ما، والقول بعد ذلك، بواقعية الفيلم؟ وهل الواقعية هدف في حد ذاته ترتبط فقط بتصوير الفقر والتخلف وحياة المهمشين ردا على تيار في السينما التجارية يصور نفس الأجواء ولكن بشكل نمطي ويجعل الفيلم مليئا بالمبالغات الفظة؟
وهل إغواء العرض في المهرجانات السينمائية التي أصبح متاحا لأي صاحب فيلم يعرف كيف يستخدم الإنترنت، هو بديل كاف يغني عن الوصول إلى الجمهور الحقيقي خارج نطاق دائرة الأصدقاء المحدودة في منتديات وسط العاصمة؟

وهل الاحتفاء المبالغ فيه من جانب الكثيرين ممن يكتبون عن الأفلام، بكل ما ينتج من أفلام "مستقلة" حتى لو كان الفيلم شديد التواضع فنيا، يدعم السينما الفنية ويساند مفهوم الفيلم البديل ضمن ثقافة المجتمع؟ أم يساهم في صنع أساطير "باطلة" لدى معظم المشاهدين أصحاب الوعي السينمائي المتوسط، وبالتالي يساهم في إضافة عامل آخر لعزلة هذه الأفلام عن الجمهور؟

وهل الانحياز يكون أساسا، للفيلم الجيد حتى لو كان "تقليديا" في بنائه، أو يعتمد على النجوم أو على ميزانية كبيرة نسبيا، أم للفيلم "المستقل" حتى لو كان رديئا؟

"السينما لكي تكون مستقلة يجب أن تستند على علاقات عمل جديدة مشتركة، وعلى شكل إنتاجي راسخ واتجاهات فكرية وهموم حقيقية تشغل بال أصحابها"

هناك فيلم تنطبق عليه كل "مواصفات" الفيلم المستقل هو فيلم "الغابة"، وهو عمل ضعيف فنيا بكل المقاييس، فرغم اعتماده على عناصر تعود للسينما المستقلة إلا أنه يعاني من طغيان المبالغات الميلودرامية والاستطرادات والحوارات المرهقة العقيمة.

كما يعاني من النمطية في بناء الشخصيات والمغالاة في تصوير مظاهر التدني الاجتماعي على طريقة "أفلام الأكشن"، الأمر الذي لا يجعله يختلف كثيرا عن الأفلام التجارية التقليدية السائدة مثل "الألماني" و"عبده موتة" و"قلب الأسد" وغيرها.

من جهة أخرى كان فيلم مثل "رسائل البحر" الذي يعد عملا من أعمال سينما الشركات الكبيرة (إنتاجا وتوزيعا) فيلما بديعا جريئا سواء في أسلوبه أو في موضوعه وطريقة صياغته وتعبيره عن فكر "مؤلفه" ومبدعه داود عبد السيد.

إن السينما لكي تكون مستقلة يجب أن تستند على علاقات عمل جديدة مشتركة، وعلى شكل إنتاجي راسخ واتجاهات فكرية وهموم حقيقية تشغل بال أصحابها، تدفعها الرغبة في اكتشاف أساليب جديدة تنبع من البيئة الواقعية، لا يتم استيرادها من أفلام نوري بيلج سيلان وتاركوفسكي وكياروستامي.

كما يجب أن تشكل هذه الأفلام تجارب حقيقية لتجمعات السينمائيين الشباب أنفسهم، لا أن تكون "غنيمة" لمنتج "شاطر" يستغل حاجة مجموعة من السينمائيين الشباب لصنع أفلامهم الأولى، لكي يقوم بتسويقها عبر شبكة علاقاته "الخاصة" في منتديات التمويل الخليجية، ثم يروج لها في المهرجانات الأوروبية بحيث تنتفي الحاجة إلى عرضها في "السوق" المحلية.

وبعد أن تنتهي دورة الفيلم في المهرجانات يرقد للأبد في الأدراج. إن هذه الوسيلة الإنتاجية تضر بقضية السينما المستقلة بل تخنقها وتحولها فقط إلى "سلعة" رخيصة التكاليف.

* ناقد سينمائي مصري

الجزيرة نت في

11.04.2014

 
 

مهرجان القاهرة السينمائي في قبضة الشرطة!

بيان من أسامة عبد الفتاح حول حقيقة ما حدث في المهرجان تحت رئاسة أمير العمري 

لم أكن أود أن أروي تجربتي المريرة مع وزارة ثقافة محمد صابر عرب، وتحديدا في أواخر عهد الناقد أمير العمري، الرئيس السابق لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أولا لأنني أكبر من الصغائر التي وجدت نفسي مضطرا لذكرها بالتفاصيل، وثانيا لأنني لم أكن أريد أن أسبب أي متاعب لرئيس المهرجان الحالي، الناقد سمير فريد، خاصة أنه ليس له ذنب فيما جرى، بل حاول – بقدر استطاعته – تصحيح الأخطاء الفادحة التي وقع فيها عرب ومساعدوه، وتقليل أثر الفضيحة الأخلاقية والمهنية التي تسببوا فيها.. لكنني قررت أن أقول الحقيقة وأحكي ما حدث بأمانة بعد اطلاعي على "دليل العمل" الذي أصدره فريد، ووزعه على الصحفيين في مؤتمر صحفي قبل أيام، لأن ما يحتوي عليه بشأني وشأن عدد من زملائي، غير صحيح أو على الأقل غير دقيق.

وكان العمري قرر الاستعانة بي في فريق إدارته بعد صدور قرار تعيينه رئيسا للمهرجان، وتوقيعه عقدا ينص على ذلك مع وزير الثقافة السابق علاء عبد العزيز العام الماضي.. وقد وافقت على التعاون معه لأنني أرى أنه أهل للمنصب، وقدّرت أن عمله – وبالتالي عملي – في المهرجان ليست له أي علاقة بوجود عبد العزيز على رأس وزارة الثقافة، لأن العقد يمنحه الاستقلالية والحق في إدارة العمل كما يشاء والاستعانة بمن يريد من كوادر وكفاءات.. والأهم: أنه لا يمكن لعاقل أن يزعم أن العمري – أو أيا ممن استعان بهم من النقاد، وهم رامي عبد الرازق وأحمد شوقي وشخصي الضعيف، ثم عصام زكريا لاحقا – له علاقة بالإخوان أو أي مصلحة معهم، بل أننا جميعا أكبر أعداء للإخوان، ويعرف ذلك القاصي والداني، بدليل أن فريد – بعد تعيينه خلفا للعمري – استعان بكل الأسماء التي اختارها العمري، فيما عداي لأن لي منصبا في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، وقد قال لي ذلك بشكل مباشر، وأكد لي أنه لولا ارتباطي بمهرجان الإسكندرية لتوليت مهمة محددة في مهرجان القاهرة أبلغني بها في حينه، وليس من المناسب الآن ذكرها.

وقد رفضت المزايدات وقتها، خاصة ممن كانوا يتولون المناصب في وزارة الثقافة ويكتبون في إصداراتها – تحت رئاسة نفس الوزير – ويزايدون على شرفاء مهنيين رأوا ان يعملوا في تخصصاتهم ويفعلوا شيئا لصالح المهرجان.. لكن المزايدات – كالعادة – انتصرت، ودفعت "الفاشية الثورية" عرب، خليفة عبد العزيز، دفعا لتصرف غير مسئول وغير مسبوق في تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي، حيث أرسل قوة من الشرطة لتحتل مقر المهرجان في 17 شارع قصر النيل وتمنع العاملين فيه من دخوله.

فقد توجهت، صباح آخر أيام يوليو 2013، مع الزميل رامي عبد الرازق، إلى مقر المهرجان لممارسة عملنا – هو كمدير للمسابقة العربية وأنا كمدير للمسابقة الدولية – وفوجئنا ببابه موصد في وجهينا، وبمن يحدثنا من خلف "الشرّاعة" الحديدية قائلا إننا ممنوعان من الدخول وفقا لقائمة مكتوبة على ورقة بيضاء كان ممسكا بها، وتضم معنا الزميلين أمير العمري وأحمد شوقي.. وعندما سألناه عن شخصيته، قال إنه المقدم فلان من قوة حراسة عرب، وعندما قلنا إن ذلك عيب وإن من حقنا الدخول ليس فقط كمسئولين ولكن أيضا كصحفيين، رد بأن هذه هي الأوامر التي لديه وأن علينا التوجه لمكتب الوزير إن كنا نريد مزيدا من الإيضاحات.. وكان كل ذلك يتم تحت مرأى ومسمع من موظفي المقر، الذين هربوا إلى الداخل وتجاهلوا نداءاتنا وكأنهم لا يعرفوننا ولم يكونوا يأتمرون بأوامرنا قبل ساعات من تلك الفضيحة.

حررنا محضرا في قسم قصر النيل من باب تسجيل واقعة غير مسبوقة في التاريخ، وباعثة على الاكتئاب والحزن على حال الثقافة المصرية كما هي باعثة على السخرية، لكننا رفضنا استكمال الإجراءات ورفضنا رفع دعوى قضائية لتمكيننا من أداء عملنا واستكمال عقدنا، أو منحنا قيمة ذلك العقد كاملة عن شهوره الخمسة كما ينص أحد بنوده بشكل واضح (صورة العقد موجودة لمن يريد) بمجرد تولي فريد رئاسة المهرجان، وتم اتخاذ  ذلك الموقف – على الأقل من ناحيتي – احتراما لفريد، ورغبة في تيسير عمله وعدم إثارة أي مشكلات قد تعيقه.

وبعد مقابلة مع فريد تمت بدعوة كريمة منه، وافقت على أن أكتفي بالحصول على أجر الشهر الذي عملته فقط وليس تنفيذ العقد كله.. وبعد اتصال آخر به، وافقت على أن يكون ذلك الأجر أقل من حقي بخمسمائة جنيه، حيث أبلغني بأن المستشار القانوني طلب تخفيض مستحقاتي بهذا المقدار حتى لا يكون سدادها كاملة اعترافا من ثقافة عرب بالعقد!

وبعد كل هذه المرونة، وكل تلك الموافقات، فوجئت بـ"دليل العمل"، الذي أصدره فريد وفريقه، يذكر "أنه تم سداد أجور العاملين عن شهر يوليو 2013"، ثم يذكر أسماءنا رباعية وأمامها الأجور "المخفضة" التي وافقنا على الحصول عليها حبا في المهرجان ورئيسه.. وقد أصابني ذلك بالضيق والإحباط، حيث كان من المفروض أن يذكر الدليل الحقيقة، ويقول إن النقاد الذين عملوا مع العمري تنازلوا عن حقوقهم، ورفضوا التصعيد القانوني ضد عرب ووزارته، ووافقوا على تخفيض أجورهم الرمزية أصلا.. ثم كان من المفترض أن يوجه لنا الشكر باعتبارنا نقادا محترمين أبدوا مرونة وحبا للمهرجان، لا أن ينشر قائمة بأسمائنا الرباعية ويؤكد حصولنا على كافة حقوقنا رغم أن فريد يعلم تماما أن ذلك غير صحيح.

أطالب فريد وإدارته بتعديل "دليل العمل" بما يليق بالتعامل مع "نقاد زملاء" وأصحاب فضل، وليس مع عمال باليومية، وأتمنى لهم في نفس الوقت كل التوفيق.

أسامة عبد الفتاح رزق

أبريل 2014     

عين على السينما في

11.04.2014

 
 

أزعر طائفي ميليشيوي مثقف مدمن في مرآة السينما

بيروت - محمد غندور 

تمر في هذه الأيام الذكرى التاسعة والثلاثون لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1989) التي شهد لبنان خلالها إنتاج كمّ هائل من الأفلام السينمائية، بل حتى ولادة المرحلة الأساس من تاريخ السينما في لبنان، وغالباً بدعم من الجهات الأوروبية، خصوصاً الفرنسية منها والبلجيكية. وهي حقبة ظهر خلالها عدد كبير من المخرجين المشحونين بالأفكار والنظريات، باحثين عن فرصة يعبّرون فيها عن أنفسهم، وكان من أبرزهم مارون بغدادي، جان شمعون، برهان علوية، سمير الغصيني، رفيق حجار، يوسف شرف الدين، رندا الشهال صباغ وجوسلين صعب وصولاً إلى جورج شمشوم وصبحي سيف الدين.

بدأت الأفلام بالظهور تباعاً، وتنوعت بين الروائية والوثائقية والتلفزيونية وحتى التجارية كـ «بطل من الجنوب»، «معركة» و «وطني فوق الجراح». وتأثراً بتجارب بعض الأحزاب العالمية كالاتحاد السوفياتي الذي اعتمد الصورة كنوع من الترويج الدعائي لأفكاره، اتبع بعض الأحزاب والفصائل اللبنانية هذه السياسة.

ومن جملة المخرجين، ظهرت مجموعة حاولت فهم الحرب وإبداء رأيها فيها. وبرز خط جديد في السينما اللبنانية، يغوص في الالتزام بموضوع الحرب والتنظير له. وحاول عدد من السينمائيين تقديم تجارب شخصية كما فعل مارون بغدادي وزياد دويري في فيلمي «حروب صغيرة» و «بيروت الغربية» حين حاولا أن يعرضا هواجسهما وتساؤلاتهما عن الحرب.

ومع بداية الحرب الأهلية التحق كثرٌ من الشبان الصغار في السن بجبهات القتال من دون عقائد أو أفكار، فقط من أجل الانتماء البيئي للمحيط، فاستخدم في الحرب منطق الصراع المفتوح والتفوق على الآخر، وغريزة البقاء كانت العنصر الأساس والمحرك للقتال لكثير منهم.

كل تلك الصور القاتمة عن الحرب حاول البعض أن يعكسها في أفلامه، مفرداً مساحة لصورة المقاتل، فمنهم من أظهره الواعي والمثقف والمتحضر، حامل السلاح من أجل الدفاع عن معتقداته وأفكاره السياسية، ومنهم من أظهره الميليشيوي، «الأزعر» الطائفي، في حين أظهرت فئة إنسانيته ودوافعه للدخول في هذه الحرب القذرة.

هنا جولة على نتاج أعمال بعض المخرجين لتبيان صورة المقاتل في هذه السينما، كيف تكونت؟ وعلامَ رست؟ من هو المقاتل؟ وكيف تحول الجميع إلى مقاتلين؟

التعبئة الطائفية

أخرجت جوسلين صعب فيلمها الوثائقي الأول «لبنان في الدوامة» عام 1975 تحت ظروف صعبة، وبدأت التصوير مباشرة بعد حادثة عين الرمانة. طرح العمل نماذج عدة لصورة المقاتل، معتمداً على الصورة الواقعية لا على النص، وساعدتها بداية الحرب في تسليط الضوء على شخصيات المقاتلين.

أظهرت جوسلين المقاتل يتمرّن على السلاح ويتلقى التعليم على فنون الحرب على يد مختصين، ويخضع للدروس النظرية وما يسمى «بالتحصين الفكري». وقدَّمت المقاتلين المهووسين بالرسوم الطائفية كالصليب والشعارات الإسلامية. وعرضت آراء المراهقين منهم، في حمل السلاح وتأثرهم ببيئتهم الاجتماعية. وعالج الفيلم فكرة نادراً ما تطرق إليها مخرجون لبنانيون، هي انضواء المقاتل اللبناني، والجنوبي تحديداً، في صفوف المقاومة الفلسطينية بعد فشل الجيش في ردع إسرائيل إثر ارتكابها مجزرة «بنت جبيل». ويتناول العمل فترة تحضر المقاتلين ونشوء حركة المحرومين على يد الإمام موسى الصدر، وتفعيل «الكتائب» مع بشير الجميل وانتشار «حركة فتح» في الجنوب، ونشاط الحركة الوطنية. وأعطى الفيلم صورة أخرى للمرأة بعيداً من المفهوم الأنثوي التقليدي، فقدمها متعسكرة منخرطة في الحرب «للدفاع عن لبنان الحر»، مقدماً حجم الكراهية المتبادلة بين المقاتلين المسلمين والمسيحيين.

أخرج مارون بغدادي فيلمه الروائي الطويل الثاني «حروب صغيرة» عام ،1982 وكان آخر فيلم يصوِّره في لبنان. أراد منه أن يكون آخر كلمة يلفظها حول عبثية الحرب اللبنانية. وأبرز فيه صورة جديدة للمقاتل وأعطاها بعداً آخر بعيداً من السلاح. فقدم شخصية نبيل «البهورجي» عاشق الأساطير والمصور الصحافي الذي يعيش الحرب على شكل لعبة ويخترع بطولات، ما جرّه، تدريجاً، إلى عمليات التهريب والتصادم والانخراط مع عصابات المخدرات، فتحولت لعبته إلى حقيقة قاتلة.

ويبرز الفيلم شخصية ثريا، الفتاة الجامعية التي قضت الحرب على أحلامها. فكان تمسكها بأنوثتها فعل مقاومة تبديها على وجهتين، فتصر على التجمُّل وارتداء الثياب الأنثوية وسط مناخ حربي، وتصر كذلك على الاحتفاظ بجنينها على رغم كل المعوقات. هنا، تبدو الحرب أقرب إلى التحدي منها إلى المأساة، وتجرّ الشخصيات إليها، لتحول الجميع إلى مقاتلين.

بعد أن ترك مارون بغدادي لبنان، انتشرت فيه ظاهرة الأحزاب الإسلامية. وأتيح له خلال فترة ابتعاده اكتساب رؤية جديدة، جعلته يخرج من اليوميات ويسلط الضوء على إنسانية المقاتل، فعرض فيلمه «لبنان بلد العسل والبخور (1988) عن خطف الأجانب.

تعمّق بغدادي في إنسانية المقاتلين، وعكس طريقة التعامل ما بين الخاطف والمخطوف، والحوارات التي تدور بينهم، وكيف يقدم المقاتل الطعام للمخطوف ويساعده في الدخول إلى الحمام، والحزن الذي يصيب المقاتلين حين ينفذون الأوامر كآلات. وأبرز المخرج معضلة الضحية والجلاد، حيث المقاتل هو الضحية وليس المخطوف. وعلى رغم ذلك، أعطى بغدادي صوراً متنوعة للمقاتل. فبرزت شخصية دي نيرو (حمزة نصرالله) المهووس بالممثل روبرت دي نيرو، وأفلام الأكشن الأميركية، لدرجة أنه يقلِّد مشهداً من أفلام المخرج مارتن سكورسيزي في فيلم «سائق التاكسي». وهنا عاد المخرج إلى صورة المقاتل التي طرحها في حروب صغيرة، صورة المقاتل «البهورجي».

ويقول الناقد إبراهيم العريس في كتابه «الحلم المعلق» عن سينما مارون بغدادي: «لا يأتي مقاتلو سينما مارون بغدادي من العدم. ليسوا مجرد آلات قتل. إنهم بشر من لحم ودم، أناس يعيشون اليومي ببساطة يأكلون ويشربون ويحبون أطفالهم، ويتابعون أخبار كرة القدم، ومنهم من ينظر إلى ما بعد القتال والحرب ويتحدث الفرنسية بطلاقة، ويحلم في أن ينال شهادة البكالوريا للالتحاق بجامعة فرنسية ويهرب من الحرب».

ازدواجية الرؤيا

أتيح لجان شمعون معالجة موضوع الحرب في فيلمين متباعدين. الأول وثائقي وهو «بيروت جيل الحرب» عام 1982، والثاني «طيف المدينة» (2001) وهو الفيلم الروائي الأول له. أعطى في العملين نماذج مختلفة للمقاتل نظراً إلى الفترة الفاصلة بينهما، وإلى نضوج تجربته السينمائية.

صَوَّر «بيروت جيل الحرب» الأطفال الذين تأثروا بها، وقلدوا الكبار في طريقة لعبهم، والذين دخلوا في بدايات الحرب عن قناعة، حاملين خلفيات سياسية وثقافية، وسرعان ما حملوا السلاح من أجل استبدال النظام بآخر عادل وديموقراطي لا طائفي. في المقابل يظهر الفيلم صورة مقاتل عشريني، يقطن في المنطقة الشرقية من بيروت. قاتل للدفاع فقط عن حيّه. لم يكن يملك آنذاك بُعد نظر سياسي أو ثقافي، فظهر في صورة منمطة عن مقاتل المنطقة الشرقية الذي لا يجيد إلا حمل السلاح.

ركز الفيلم على مشاهد يتعاطى فيها المقاتلون المخدرات لدى وجودهم على خطوط التماس، وصوّر ما أشيع لاحقاً من حوارات بين المتقاتلين على المحاور. وكانت تلك الحوارات تتسم بالطيبة والإلفة، لكن سرعان ما تتحول إلى شتائم وإطلاق نار. كما أظهر الفيلم صورة المقاتل الذي أعطته الحرب الفرصة في التعبير عن نفسه، وعن غضبه وحقده على الآخر.

في «طيف المدينة»، حاول شمعون الخروج من واقعية الحرب اليومية ورسم شخصيات ترمز إليها، ولعل أبرز الصور التي جسدها في الفيلم صورة رامي (مجدي مشموشي) الذي دخل الحرب بطريقة غير مباشرة، وعمل سائق إسعاف يساعد في نقل الجرحى، لكن ما لبث أن ابتلعته الحرب بعدما اختُطِف والده، فحمل السلاح لإرجاعه. هذه الصورة الإنسانية التي حاول حبكها شمعون في الفيلم أعطت المقاتل نظرة مغايرة. ويتفق شمعون مع بغدادي في تصوير المقاتل إنساناً.

«إليك أينما تكون» وثائقي للمخرج برهان علوية يستعرض بيروت ما بعد الحرب. ولكن، في أحد مشاهد الفيلم يلتقي المخرج بمقاتل سابق، ولكثرة إعجابه بأدائه يصوّره اعتقاداً منه أنه يمثل، من دون أن يعرف أن المقاتل يتكلم عن حقائق حصلت بالفعل، وأن تعابير وجهه حقيقية. هذا المشهد هو عبارة عن حالة المقاتل النفسية ما بعد الحرب، وما وصلت إليه. هذا فيما يعكس محمد عطوي (المقاتل) صورة المحارب المخمور، المدمن المخدرات. صوّر علوية المشهد ما بعد الحرب، وأبرز وحشية عطوي وكرهه الآخر، إذ كان يعذب قبل أن يقتل، إما بفقء العينين أو صلْم الأذنين، وتكلم عن أول قتيل أرداه وحالة الرعشة والخوف التي أصابته آنذاك.

لم تعط الحرب صورة واضحة عن المقاتل اللبناني، بل حاول كل مخرج رسمها على طريقته، وتأثرت تلك الصورة بأفكاره، فما محاولة مارون بغدادي وجان شمعون لإبراز صورة المقاتل اللاطائفي والمثقف الواعي والمدافع عن قضيته، إلا نتاج الفكر العلماني الذي يحملانه. غير أن الجميع أظهر صورة موحدة لشكل المقاتل في المنطقة الشرقية والغربية. فظهر في المنطقة الغربية (المنطقة الإسلامية) يقاتل وهو يرتدي ملابس عادية غير عسكرية، لحيته طويلة مهملة، شعره غير مسرّح، ويقاتل بحذاء رياضي، حاملاً رشاشاً وجعبة. أما في المنطقة الشرقية فظهر المقاتل في كامل عتاده العسكري الأنيق، بالبدلة الزيتية وجعبته المستوردة (غاليل) والحذاء العسكري اللامع، ما أبرز اهتمامه بمظهره الخارجي.

الحياة اللندنية في

11.04.2014

 
 

«ساتياجيت راي» سينما هندية خالية من الإفراط في الميلودية

أحمد زين 

يغوص كتاب المخرج والناقد الهندي تشيداناندا داس جوبتا «سينما ساتياجيت راي» (ترجمة محمد محمد عثمان وصادر عن مشروع كلمة - أبو ظبي)، في عوالم هذا المخرج الهندي الكبير الراحل السينمائية. يضيء ملامح أساسية في أفلامه، ويتطرق إلى مشاغله الفنية وأفكاره التي تكمن وراء كل فيلم أخرجه. ويقدم المؤلف تحليلاً دقيقاً للأفلام التي قدمها ساتياجيت راي، موضحاً أهميتها الفائقة بالنسبة الى السينما الهندية في شكل عام. فهذا المخرج (1921 - 1992)، الذي خلّص السينما الهندية من «الاستخدام المفرط» للرقص والغناء، وابتعد بها من الجو الميلودي الذي يستدر عطف المشاهد ومشاعره، يشكل علامة بارزة في السينما الهندية والعالمية.

في أفلامه يمكن الوقوف على الواقع الحقيقي الذي يعج بالمشكلات والأزمات، ما يجعله وريث سينما الواقعية الإيطالية الجديدة، وفق مقدمة الكتاب التي كتبها ناصر ونوس، تلك السينما التي تعرف إليها راي، خلال عيشه في لندن، مثلما هو وريث تقاليد الفن والأدب الهنديين.

العلاقة مع الواقع

يرى جوبتا (1921-2011) أفلام راي من خلال علاقاتها بالواقع الهندي، بتفاصيله ومشكلاته الاجتماعية والسياسية والثقافية، إضافة إلى علاقاتها بالأساطير والخرافات والعادات والتقاليد والحداثة الوافدة، من دون أن يتجاهل عناصر اللغة السينمائية والشكل الفني والبنية السردية، وكذلك السياق الثقافي المحلي والعالمي الذي ظهرت فيه أفلام صاحب «حجر الفيلسوف». ويتغلغل الكتاب، الذي يعد وفق ونوس أحد المراجع المهمة عن ساتياجيت، في أعماق المرحلة التاريخية التي تناولها راي في أفلامه، والممتدة على مدى 150 عاماً من تاريخ المجتمع الهندي الحديث، من الاحتلال البريطاني إلى مرحلة الاستقلال وما بعدها.

يتجلى الفرد، الفريد في فرحه بالحب والطبيعة والطفولة، في فيلم «أغنية الطريق»، هذا الفيلم الذي يمثل لحظة أساسية في مشروع راي السينمائي، الفرد الذي تبرز فرادته أيضاً في حال الحزن الموجع بسبب الموت والكفاح اليومي من أجل الحياة. سينما راي إذاً تمثل الوجه الإنساني للفقر في المناطق الريفية. ورث صاحب «غير المهزوم» منهجاً تقليدياً هندياً تجاه الفن، لا يمكن فصل الجمال فيه عن الحق والخير، لذلك يصعب التذوق الجمالي الصرف لأعماله.

لا يوجد أشرار في أفلام صاحب «الحملة» على الأقل في الأعمال التي أنجزها خلال الفترة (1955-1965). الظالم والمظلوم هما من الضحايا على حد سواء. الإحساس بالانفصال والابتعاد مسافة عن الحدث، هما ما يميز هذه الأعمال، إذ يغمرها «إحساس بأن الإنسان لا يختار زمان أو مكان ولادته أو الظروف التي تحيط بهما، وضمن هذه الدائرة المحددة سلفاً يناضل من أجل البقاء والاستفادة من الفرصة المتاحة».

النظرة الفلسفية الكامنة وراء أعمال راي هندية، «تجد متعة في الولادة والحياة، وتتقبل الموت بلطف وكياسة، إنها تنبع من المعرفة التي تجلب الانعزال والتحرر من الخوف والقلق». لكن عدم وجود غضب عنده، وبعده من الحدث، وتجنّبه المكشوف، والعمل المباشر، لم تجعله، وفقاً للكتاب، دائماً محبباً من الأجيال الأصغر سناً. وفي مرحلة لاحقة دخلت أعماله منعطفاً غير واضح المعالم، بعد الذروة التي بلغتها في «تشارولاتا». ربما بسبب ضغط أولئك «الذين عملوا على جعله يتخلى عن تشيخوف ويتحول إلى ماركس»، إضافة إلى تغير الظروف في البلد «وأفول الرؤى المثيرة للسرور في عهد نهرو، والأدلة المتزايدة على هروب الطبقات، التي تتمتع بالامتيازات، بثمار التنمية، فقد نجم عن ذلك تغـير دقيق في مزاج عمل راي»، إذ ابتعد من المواقف التقليدية التي ميزت أعماله السابقة، في معالجته للحياة المعاصرة.

تلقى «أغنية الطريق» (1955) أول أفلام راي والذي يعد بمثابة ميلاد حقيقي للسينما الهندية، تقويماً ممتازاً من النقاد الذين شاهدوه في متحف الفن الحديث في نيويورك عندما عرض للمرة الأولى عالمياً، أما في الهند فعرض أمام جمهور «كان أكثر اهتماماً بشرب الويسكي من مشاهدة الواقع الصارخ الذي يعرض على الشاشة. قلة فقط من الحاضرين عرفوا قيمة ما رأوه، لكن لاحقاً سيحظى بالنجاح الكبير، وكانت حماسة الجمهور منقطعة النظير، إذ تأثر به الناس، وهناك من قال بفظاظة «غشنا الأوغاد كل هذا الوقت، هذه هي الأفلام الحقيقية!». ومنح الفيلم جائزة في مهرجان «كان» 1956. بيد أن ثلاثية «آبو» تعتبر العمل السينمائي الأكثر شهرة على المستوى المحلي والدولي، والأكثر انتماء للهند، «وهي متدفقة بحرية في شكلها، وأقل إعداداً وأكثر عفوية».

تقليد وتقاليد

استمد راي جماليات أفلامه من الأشكال الموسيقية الغربية ومن تقاليد السرد الغربية في السينما، التي كان لهوليوود النصيب الأكبر منها، «لكن وراء هذا يجد المرء حبلاً سرياً يربطه مباشرة بوجهة النظر الفيدية للعالم، التي زودته بالمحتوى الروحي لأفلامه». لم يدرس صاحب «حديقة الحيوانات» السينما، إنما تعلم صناعتها من خلال المشاهدة، إذ كان يشاهد بعض الأفلام عشرات المرات، وما لم يتعلمه من المشاهدة تعلمه من خلال ممارسة الإخراج. واعتمد في صناعة أفلامه على السرد والوصف، «وتميزت أفلامه الروائية بأنها تشبه الرواية في بنيتها، ولكن ليست الرواية الحديثة». طوّر راي عمله ليطاول الكثير من أقسام صناعة الأفلام. فهو يكتب السيناريوات الخاصة به دائماً، وفي بعض الأحيان، القصص الخاصة به كذلك. «إنه لم يستطع حتى أن يحلم مجرد حلم بأن يقدم فيلماً كتب السيناريو له شخص آخر. فكل خطوة صغيرة في عملية صناعة الفيلم كانت، بالنسبة اليه عملاً حميماً له أهمية كبيرة وهو الوحيد الذي يستطيع التعامل معه».

وبالنسبة الى الممثلين، بخاصة غير المحترفين، يملي راي كل زاوية تبعاً لوضع الرأس، وكل حركة صغيرة، ويتأكد من أن الإيماءات ذات مغزى إنساني. أما مع المحترفين، فيترك الكثير للفهم الصامت، ولكن يملي عليهم الأوضاع والتحركات في كثير من الأحيان بوضوح تام. ويرى صاحب «الرعد البعيد» أن اللقطة تكون جميلة فقط إذا كانت صحيحة في سياقها، «وهذه الصحة لا علاقة لها كثيراً بما يبدو جميلاً للعين». وهو يبدو مغالياً كثيراً في التفرد بصناعة العمل. فالكثير من المخرجين، كما يذكر مؤلف الكتاب، يتركون الأقسام المختلفة لصناعة الأفلام للخبراء، ويطورون أفكارهم من خلال مختلف مراحل الإنتاج، وممارسة الرقابة العامة فقط على ما يحدث، ولكن يتركون المجال لأنفسهم لوضع بصمة شخصية على المنتج النهائي.

وما يميز أفلام راي الى هذا إنما هو الانتماء إلى إيقاع حياة الناس، وفي معظم الأفلام، بخاصة التي صوّرت في المناطق الريفية أو مواقع تاريخية محددة، يتم التعبير عن شعور أعمق بالواقع الهندي، أكثر من الواقع الذي تم التعود عليه في الجزر التي تتصف بالحداثة في الهند. ونادراً ما استخدم الحوار لمجرد نقل المعلومات، وقد يكون الحوار عبارة عن نصف جملة، وما تبقى يكون متضمناً بحركة أو حدث ما. وقد يقدم الحوار معلومات وفي الوقت ذاته يؤسس أو يعزز علاقة ما.

الرشاقة التي تتميز بها أفلام راي، سببها الطريقة الهامشية التي يتعامل بها مع الصدمات، وتجنب الإجراءات، والقرارات، والأحداث. «فحيثما كان يحاول أن يكون مباشراً، كانت النتيجة في كثير من الأحيان غير فعالة أو أدت إلى تنافر ونوع من الإزعاج». اعتبر ساتياجيت راي نفسه فناناً واعياً من دون شك، و «أدرك جيداً ما كان يفعله والسبب في ذلك. وكان يميل إلى التخطيط الدقيق، وخفض عناصر الارتجال في عمله إلى أدنى حد».

وكثيراً ما أكد راي، في كتاباته ومقابلاته وتصريحاته، عنصر الحداثة في تركيبته العقلية، مشدداً على عدم معرفته بالدين، «لا أعتقد أن تقاليد الفن الهندي كان لها أي تأثير في تطوري كمخرج على الإطلاق، وأنا أميل بشدة إلى الرأي القائل إن السينما هي نتاج الغرب، حيث مفهوم وجود شكل فني في زمن محدد سائد منذ قرون عدة. وإذا كنت قد نجحت مخرجاً، فإن ذلك يرجع إلى اطلاعي على التقاليد الفنية والأدبية والموسيقية الغربية».

بيد أن أهم سمة غير غربية في أفلام راي، وفق المؤلف، هي بطء الوتيرة وما يطلق عليه الفضاء التأملي، الذي دائماً ما توفره مشاهده على رغم نمطها الغربي في الأساس.

الحياة اللندنية في

11.04.2014

 
 

الواقعية الجديدة وما بعدها: ايطاليا بالأخطاء الفخمة

بيروت – فجر يعقوب 

يقسم الناقد العراقي فراس الشاروط كتابه الجديد الصادر عن دار نيبور في بغداد (2014) بعنوان «الواقعية الجديدة وما بعدها»، إلى أربعة فصول تحمل في مضامنيها قراءات في ايطاليا التكوين والثقافة والسينما وتحولات الدلالة الواقعية الجديدة وما بعدها، ثم «القراءة الموسعة في ثلاثية التاريخ الايطالي» ويقصد بها أفلام: الفهد، والقرن العشرون، والأفضل شباباً. أما الفصل الرابع فيقدم منفرداً قراءة مختلفة للتاريخ الايطالي من خلال فيلم ساتيريكون.

الأشياء على هذه الشاكلة. عبارة مقتضبة أطلقها روبرتو روسيلليني يوماً أثناء الاعداد لفيلمه «روما: مدينة مفتوحة» أصبحت شعاراً للواقعية الايطالية الجديدة. الواقعية التي فرضت نفسها كظاهرة يمكن من خلالها اكتشاف ايطاليا من خلال ذاتها. الاحساس المتعاظم بمآسٍ معاصرة سببتها الحرب العالمية الثانية دفع بسينمائيين معاصرين إلى الالتزام الأخلاقي بالأحوال المجتمعية السائدة من قبل أن يُسمى ذلك التزاماً فنياً. نقاد السينما ينظّرون بـ «فخر» اليوم لبعض الأخطاء التي ظهرت في فيلم روسيلليني. لم تكن ايطاليا المدمرة الخارجة من أتون الحرب والفاشية تنظر بجلاء للأخطاء المحتملة في كل خطوة سيخطوها مخرج سينمائي ايطالي في مضمار صناعة الأفلام المتعطشة للغة السينما.

لم يكن «الاحتفال بيوميات الأحداث» كما يقول المنظّر السينمائي زيغفريد كراكاور إلا هدفاً للسينما. بمعنى آخر إن الواقعية الايطالية الجديدة ولدت للتو من مجموعة واقعيات أخرى، حتى أنه يمكن القول إن مجد وقوة وعظمة السينما الايطالية إنها لا تستطيع الاستمرار في تقاليد الواقعية الجديدة حتى لو كان بامكانها أن تفعل ذلك، فالانتقال من «روما: مدينة مفتوحة» إلى «غامورا» أو «الأفضل شباباً»، أي الانتقال من الاحتجاج الاجتماعي المباشر إلى الفيلم الذي يترك لنا مهمة تفسير ما يدور على الشاشة، جاء بمثابة تكرار لغة الأسئلة على رغم فشل التاريخ في تقديم أجوبة عن حالة الواقع. «الاحتفال» هنا يفعل ذلك بموضوعية تفترض بمتلقيها استجابة على نحو غير عادي، على رغم أن الهدف الواقعي يستمر التأسيس له رغم اختلاف اتجاهات ما بعد الواقعـــية الجديدة وأساليبها، مع ما يعــــني ذلك الاختلاف بالدلالات المنتجة. بهذا المعنى لا يمكن السينما الايطالية المعاصرة أن تجعلنا ننسى ذلك الارث القديم «العظيم» الذي بدأ بحكايات عن الضمير الاجتماعي، وهو ما قدمته وستظل تقدمه على مدار الزمن.

وعلى رغم الميل إلى مراعاة كل تلك الظواهر التي أسست لصناعة السينما الايطالية وقربها من التصور الايطالي نفسه عن الذات والعالم المحيط، أي مراعاة الفخامة الانتاجية والحلول التقنية المركبة للسيطرة على حركة المجاميع فإن كل هذا أفضى إلى تطور خاص وملحوظ في التصوير السينمائي الايطالي الذي غلبت عليه البانورامية واستعمال الزوايا العلوية والكاميرا المحمولة التي تتيح حرية أكبر في نوع من الأفلام صار يسمى «لغة السينما البكر» التي تركت آثاراً عظيمة على الفن السابع في العالم كله. ربما يمكن ملاحظة أن طبيعة النظرة الايطالية السينمائية قامت على أساس إرث مدينة روما نفسها الحضارية التي جاءت في السياق البصري الواقعي وكأنها منحوتة كبيرة ومشروع معماري فخم. هذا التعوّد على جماليات الفخامة والتوازن والاتساع ترك بدوره تأثيراً كبيراً على جماليات الواقعية الجديدة ودفع بها نحو ايماءات خلاقة يحسب حسابها بعد كل هذه الفتوحات التي اسست لها واقعية لا تتكرر في عـالم السينما المتحول.

والمدهش في حكايات الواقعية الجديدة ونتاجاتها العظيمة أن السينما الايطالية لم تسع إلى مراعاة المتلقي الخارجي، حتى أنها لم تعمل على فتح أسواق «للمنتج» السينمائي المشاغب الذي ألهمت به سينمائيين كبار على مستوى العالم، وظل الفيلم الايطالي فيلماً ايطالياً خالصاً في مضامينه ووفياً لنظم اشاراته وتقنياته الجمالية، وهذا ساهم بدوره في تقديم نمط خاص من الممثلين والمخرجين والفنيين ليس لايطاليا وحدها، بل للسينما العالمية.

صحيح أن الفيلم الواقعي الايطالي الأول «روما: مدينة مفتوحة» كان مرثية لروما بوصفها الفاشي لا بوصفها المدينة المهزومة التي تذكر بانحطاط الامبراطورية الرومانية وسقوطها، بل ان وجود اسم روما في العنوان كان يستدعي الماضي الروماني مع الحاضر، وهذا يفضي إلى خلاصة «ملتبسة» تقول إن الواقعية الايطالية في أحد وجوهها السينمائية الكثيرة كانت بنت الفاشية، وليست هذه تهمة، بل توصيف لماهيتها وهو الأمر الذي جعلها جديرة على الدوام بصفتي الايطالية والواقعية، وهي بهذا المعنى سعي دؤوب إلى ملامسة الواقع لا لايمانها به، بل لأن الهزيمة أجبرتها على ملامسته واقعياً من دون أي قفاز يمنع الأشواك من أن تنغرس في اللحم الادمي فتُدمي وتُبكي.

يمــكــن الـــقـــول إن الواقـــــعيـة الايطالية الجديدة ليست تنويعاً ايطاليا على ما سبقها من تأويلات سينمائية في الواقع، بل هي اتجاه ايطالي خالص عجز غير الايطاليين عن تحقيقه بنفس الخصوصية، لأنهم لم يعنوا كثيراً بما تخفيه الواقعية الايطالية تحت الثوب الفني من بنى دلالية لا وجود لها – بطابعها المفارق – إلا في الظاهرة الايطالية.

الحياة اللندنية في

11.04.2014

 
 

الفنانون العرب في السينما المصرية ...

بين التميّز والمرور العابر

القاهرة - سعيد ياسين 

على رغم الحضور اللافت للفنانين العرب في الفن المصري خلال العقد الأخير، وتحقيق غالبيتهم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وقيام البعض بالبطولة المطلقة لعدد من المسلسلات التلفزيونية، فإن السينما لم تستفد منهم الاستفادة المرجوة، ربما لإصرارهم على الوجود المتواصل من خلال الدراما، أو لتغير مفاهيم السينما واختلاف مضامين أعمالها، ومرورها بظروف إنتاجية وتسويقية عانى منها الجميع، وتفاوت أداء هؤلاء في الأفلام التي شاركوا فيها ما بين الحضور اللافت والمتميز، والمرور العابر.

تأتي هند صبري في مقدم من أفادت واستفادت من السينما المصرية لأسباب متفاوتة، منها اجتهادها الكبير، وحسن اختياراتها، وتعاونها مع مخرجين متميزين سواء من الكبار أو الشباب، الذين استخرجوا طاقات إبداعية هائلة منها، إضافة إلى قلة أعمالها التلفزيونية مقارنة بزميلاتها، وهي تركت بصمة متميزة بأدوارها منذ ظهورها الأول مع إيناس الدغيدي في فيلم «مذكرات مراهقة» عام 2001، ومن بعده «مواطن ومخبر وحرامى» مع داوود عبدالسيد، و«عايز حقي» لأحمد جلال، و «أحلى الأوقات» لهالة خليل، و«بنات وسط البلد» لمحمد خان، و«ويجا» لخالد يوسف، و«ملك وكتابة» لكاملة أبو ذكرى، و«عمارة يعقوبيان» و«إبراهيم الأبيض» لمروان حامد، و«جنينة الأسماك» ليسري نصر الله، و«أسماء» لعمرو سلامة، و«الجزيرة» لشريف عرفة، والذي تشارك في بطولة جزئه الثاني حالياً أمام أحمد السقا وخالد صالح وخالد الصاوي.

وعلى رغم وجود جمال سليمان في مصر منذ عام 2006 حين لعب بطولة مسلسل «حدائق الشيطان» إلا أن حضوره في فيلمــــي «حليم» أمام أحمد زكي وإخراج شريف عرفة، و«ليلة البيبي دول» أمام نور الشريف وليلى علوي وإخراج عادل أديب، لم يضف إليه شيئاً، وهو ما أفقده حماسته لعدد من المشاريع التالية والتي توقف إنتاجها، بما فيها فيلم «الراهب» أمام هاني سلامة وإخراج هالة خليل، والذي توقف تصويره قبل عام.

هيفاء لدى السبكي

ويسعى المنتج أحمد السبكي صاحب نصيب الأسد من الأفلام المنتجة أخيراً إلى الاستفادة من جماهيرية وأنوثة هيفاء وهبي التي شاركت عام 2009 في فيلم «دكان شحاتة» مع خالد يوسف، من خلال فيلم يخاطب من خلاله، وكعادة أفلامه الأخيرة، غرائز الشباب وهو «حلاوة روح» الذي تلعب بطولته أمام باسم سمرة وإخراج سامح عبدالعزيز، وتجسد فيه شخصية فتاة ترتبط إنسانياً بشاب صغير ولكن والده يقع في حبها، فتنقلب الأحداث رأساً على عقب.

ولفتت كندة علوش التي جسدت مشهدين عام 2009 في فيلم «ولاد العم» أمام كريم عبدالعزيز ومني زكي وشريف منير وإخراج شريف عرفة، أنظار المنتجين والمخرجين إليها، على رغم مشاركاتها في عدد من المسلسلات قبل ذلك، وتزايد الطلب عليها بعد نجاحها في مسلسل «أهل كايرو» عام 2010، وفشلت السينما في الاستفادة منها على رغم مشاركتها في أفلام «الفاجومي» و«واحد صحيح» و«برتيتة» و«المصلحة»، و«لا مؤاخذة» والذي عرض أخيراً.

الأمر ذاته تكرر مع منذر رياحنة الذي فتحت له ثلاثة مشاهد جسدها في فيلم «المصلحة» طريق النجومية في مصر، ولكنه ارتمى في أحضان الدراما من خلال مسلسل «خطوط حمراء» أمام أحمد السقا، وغازلته البطولة المطلقة بعد ذلك في مسلسل «العقرب» الذي لم يحقق النجاح المأمول، وهو ما أثر سلباً عليه في تجربته السينمائية «جرسونيرة» أمام غادة عبدالرازق ونضال الشافعي.

في المقابل أضاعت الفنانة التونسية درة التي بدأت مشوارها مع السينما عام 2007 من خلال فيلم «الأولة في الغرام» أمام هاني سلامة، فرصة كبيرة في الحضور المتميز مقارنة بزميلتها هند صبري، حيث حرصت على الوجود المكثف ما بين الدراما والسينما التي قدمت فيها أفلام «الحب كدة» و«هي فوضى» و«جنينة الأسماك» و«سامي أكسيد الكربون» و«بابا» و«مصور قتيل» و«حفلة منتصف الليل»، و«المعدية» الذي عرض أخيراً.

تأثير سلبي

وأثّر الحضور المتكرر لجومانة مراد في العديد من المسلسلات سلباً عليها في السينما، وفي الوقت الذي كانت تصر على البطولة المطلقة في الدراما، كانت تقبل بأدوار أقل كثيراً في السينما لم تترك أثراً من خلالها كما في «الشياطين» و«كباريه» و«لحظات أنوثة» و«الفرح» و«كف القمر»، وآخرها «الحفلة» الذي شاركت في بطولته أمام أحمد عز.

وحاولت السينما الاستفادة من تيم حسن بعد قيامه ببطولة مسلسل «الملك فاروق» عام 2007، فقام عام 2009 ببطولة فيلم «ميكانو» أمام نور وخالد الصاوي، ولكن يبدو أن التجربة لم تحقق أهدافه منها فعاد سريعاً إلى الدراما.

أما سيرين عبدالنور التي كانت شاركت في عدد من المسلسلات اللبنانية نجاحها اللافت في السينما عام 2008 من خلال فيلم «مبروك رمضان أبو العلمين حمودة» أمام محمد هنيدي، فلم تتمكن من استثمار هذا النجاح السينمائي حيث عادت أدراجها سريعاً إلى الدراما ما بين مصر ولبنان، ولم تشفع لها مشاركتها في فيلم «المسافر» أمام عمر الشريف وخالد النبوي وإخراج أحمد ماهر عام 2010.

أما نيكول سابا التي كانت بدايتها مع التمثيل عام 2003 من خلال فيلم «التجربة الدنماركية» أمام عادل إمام، شاركت في عدد من الأفلام بعد ذلـــك ومنـــها «ثمــن دستة أشرار» و«قصـــة الحي الشعبي» و«عمليات خاصــــة» و«ليلة البيبي دول» و«السفاح»، ولكن تــــشتت مجهودها ما بين الغناء والــدراما التلفزيونية، على رغم مشاركتها العابرة لاحقاً في فيلمي «بابا» أمام أحمد السقا ودرة، و«سمير أبو النيل» أمام أحمد مكي.

وتشابهت الأدوار السينمائية التي قدمتها دوللي شاهين وبدت فيها وكأنها تحافظ على وجودها فقط ومنها «ويجا» و«الشياطين» و«المشمهندس حسن» و«نمس بوند» و«بدون رقابة» و«تتح».

الحياة اللندنية في

11.04.2014

 
 

علي وجيه يدشّن مرحلة في الفيلم السوري القصير

بشار إبراهيم 

مضى ذلك الوقت الذي كانت فيه الأفلام الروائية القصيرة السورية تتصدّر واجهة المشهد السينمائي العربي، وتحظى بتقدير عالمي. كان ذاك عند مطلع سبعينات القرن العشرين، على أيدي سينمائيين سوريين وعرب، عملوا مع «المؤسسة العامة للسينما» في سوريا، أمثال قيس الزبيدي ونبيل المالح وقاسم حَوَل، وغيرهم، من الذين قدّموا أفلاماً روائية قصيرة متألّقة، كما في فيلم «الزيارة» لقيس الزبيدي 1970، و«نابالم» لنبيل المالح 1970، «واليد» لقاسم حول 1971.

وعلى مدى أربعة عقود من الزمن، منذ ذلك الوقت، كان ثمة العديد من المُساهمات المتميزة التي تراوحت ما بين الفيلم الروائي القصير، والفيلم الوثائقي القصير، تلك التي مرّ بها غالبية (إن لم نقل كلّ) المخرجين السوريين، باعتبارها محطة أو خطوة في طريق الانتقال بهم إلى صناعة الفيلم الروائي الطويل، إلى درجة أننا سنلمح أطياف الأفلام القصيرة مُتضمَّنة في الأفلام الطويلة، في تجارب بعض المخرجين، بدءاً من محمد ملص وسمير ذكرى، وصولاً إلى أسامة محمد، وعبداللطيف عبدالحميد، وريمون بطرس، ورياض شيا... ودون أن ننسى تجربة عمر أميرلاي في محاولته عن «سدّ الفرات».

وقبيل مطلع القرن الحادي والعشرين، جاءت موجة تالية ومتميّزة من الأفلام الروائية القصيرة، على أيدي جيل آخر من السينمائيين: مثال نضال الدبس في «يا ليل يا عين»، بسام كوسا في «سهرة مهذبة»، ونضال دوجي في «قصة حب عتيق»، وأنطوانيت عازاريه في «الأطفال ليسوا دائماً حمقى»، وحاتم علي في «شغف»، وباسل الخطيب في «الحركة الخامسة»، وفجر يعقوب في «البطريق»، و«سراب»، و«السيدة المجهولة»، وأيهم عرسان في «وراء الوجوه»، وطلال ديركي في «رتل كامل من الأشجار»، فضلاً عن الأفلام القصيرة المتميزة التي حققها كلّ من جود سعيد، وبيان طربيه، ونضال حسن. وفي حين حاولت بعض المجموعات الشبابية، مثل «ورشة أيلول» السينمائية، مع علاء عربي كاتبي وسامر برقاوي ورامي فرح وعدنان العودة، الاشتغال منذ قرابة 10 سنوات، على أفلام روائية ووثائقية قصيرة، بشكل مغاير للمألوف والمُعتاد في إنتاجات «المؤسسة العامة للسينما»، وفي شكل يمكن أن ننسبه إلى «الفيلم المستقل»، ودون أن ننسى أفلام جود كوراني وديانا جيرودية، يمكن القول إن تجربة علي وجيه جاءت لتدشّن مرحلة جديدة في عمر الفيلم الروائي السوري القصير، ليس فقط من خلال الجمع بين ميراث هذا الفيلم سوريّاً، عبر عقوده الماضية، والانفلات من الأشكال التقليدية في الكتابة، والذهاب نحو مُقترح بصري وجمالي وفكري جديد، ومقاربة الراهن السوري، بل من حيث منح الدور الأساس لكاتب السيناريو، الشريك الأساس في صناعة الفيلم.

أفلام لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة، كتبها علي وجيه، خلال السنوات الماضية، وهي كلها تنمّ عن موهبة سينمائية تتقدّم على مهل، ودون أيّ استعجال. من فيلم «نخاع» 2011، إلى «دوران» 2013، وصولاً إلى «الرجل الذي صنع فيلماً» 2013، ينتقل علي وجيه من التعامل مع المخرج وسيم السيد في الفيلمين الأوليين، إلى المخرج أحمد إبراهيم أحمد في الفيلم الثالث. ولكنه سيعود مع فيلمه الجديد «ابتسم فأنت تموت» 2014، للتعاون مجدداً مع وسيم السيد، وبإنتاج «المؤسسة العامة للسينما».

على الصعيد المضموني، يبتعد علي وجيه عن الدور الوظيفي للفيلم الدعائي التحريضي، المعروف في زمن الحرب. يحاول الاتكاء على المُعطى الإنساني العام، للمأزق الكارثي، وانعكاساته على البشر العاديين، ليثير أسئلة أكثر مما يقدّم أجوبة. أما على صعيد الشكل، فلا يبدو علي وجيه خائفاً من صفة «التلفزيونية» لأفلامه، فهو الذي بدأ مع تجربة «فلاش سوري كتير» 2011، التي كانت عبارة عن حلقات قصيرة مُتتالية، تُبث عبر الإنترنيت، والذي تعاون في أفلامه مع المخرجيْن وسيم السيد وأحمد إبراهيم أحمد، القادمين من عالم الإخراج التلفزيوني، كأنما يُراهن على أن السيناريو هو أساس العملية الإبداعية السينمائية. متكئاً، ربما، على جوهرية طريقة كتابة السيناريو، في هذا المجال.

المشاهدة المتأنية لأفلامه تؤكّد أن الأساس عنده ينبع من السيناريو، بدءاً من التقاط الفكرة، وطريقة تناولها، وبنائها وسردها وعرضها، بشكل مُغاير ومختلف، يأخذ من التجريبية والرمزية إلى حدّ السريالية، كما ينتمي إلى الواقعية الحياتية إلى حدّ المباشرة التقليدية، لننتهي إلى نكهة سينمائية لا تشبه إلا نفسها، ويمكن لها في يوم ما أن تُنسب إلى كاتبها، بالقدر نفسه التي تنتسب إلى مخرجيها.

تُشارك الأفلام التي كتبها علي وجيه في العديد من المهرجانات السينمائية المتخصّصة بالفيلم الروائي القصير، حول العالم. تنال الجوائز، وتحظى بالتقدير. وفي كل حال يبدو أن علي وجيه ماضٍ في دربه المُؤسِّس لمعنىً جديد يُضاف إلى ميراث الفيلم السينمائي السوري القصير، وهو ميراث كبير دون شك، وهي إضافة مهمة، كما نعتقد.

الحياة اللندنية في

11.04.2014

 
 

انتقلت من مسرح شكسبير إلى دراما “شارع التتويج”

كاثرين كيلي: المنافسة حافز للتميز

إعداد: عبير حسين

هي واحدة من نجمات المسرح الملكي البريطاني، صقلت موهبتها الفطرية بالدراسة المتخصصة فحصلت على درجة علمية من الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية عام 2001 . لفتت الانتباه إلى قدراتها بأدائها المتميز لعدد من الشخصيات المعقدة لروايات شكسبير، وانتقلت من خشبة المسرح إلى الشاشة الصغيرة عام 2006 لتنضم إلى المسلسل الشهير "شارع التتويج" coronation street لمدة 6 مواسم متتالية، فحصدت شهرة واسعة لمسلسل جذب ملايين المشاهدين، وقدم دراما وثقت حياة وعلاقات الجيران في أحد الشوارع بضاحية "ويذرفيلد"، وحصلت عن أدائها لشخصية "بيكي ماكدونالد" في المسلسل على جائزة أفضل ممثلة دراما عام 2012

حديثاً بدأت قناة ITV الإنجليزية إضافة إلى 44 قناة أوروبية وأمريكية عرض الموسم الثاني من دراما "السيد سيلفريدج" الذي يشاركها البطولة فيه النجم "جيريمي بيفين" ويتوقع لها نجاح كبير بعد الأحداث المثيرة للجزء الأول

مجلة " WOMAN OWN التقت كيلي وسألتها عن دور "الليدي ماي" بالجزء الثاني، وكيف ضغطت جدول تصوير مشاهدها قبل ظهور علامات الحمل عليها، وعن زواجها الصيف الماضي من الأسترالي "رايان كلارك"، وعن نيتها الحصول على إجازة أمومة طويلة أم ستعود إلى الشاشة سريعاً؟ من هذا الحوار . .

·        في البداية تهانينا على بداية بث الموسم الثاني من "السيد سيلفريدج"، ولكن هل تعتقدين أن موعد إطلاقه الآن مناسب، خاصة مع الشعبية الكبيرة لمسلسل " ذا موسكيترز" على شاشة "بي بي سي" والذي يبث في نفس الموعد تقريباً؟

- أشكرك . تدور أحداث الموسم الثاني من المسلسل عام 1914 أي بعد 5 سنوات من انتهاء أحداث الجزء الأول الذي نجح في جذب نسبة مشاهدة عالية أعتقد أنها ستستمر في موسمه الثاني المملوء بالأحداث المشوقة، والتي تكشف عن جوانب خفية من المجتمع البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى . أما عن منافسة "موسكيترز" على"بي بي سي" فأراها طبيعية، فكل قناة من حقها عرض الدراما التي تنتجها في الوقت الذي تراه مناسباً، وعموماً أرى المنافسة مفيدة ولا أخشى منها، فقد قدمنا جميعاً أفضل ما لدينا، وعلى المشاهد متابعة ما يروق له

·        هل وصلتك ردود أفعال أولية عن أولى الحلقات التي عرضت؟ 

- نعم، المؤشرات الأولية لنسب المشاهدة مرتفعة، وأنا متفائلة، يكفي التعرف إلى عدد المشاهدات للشريط الدعائي "التريلر" للمسلسل على موقع يوتيوب، وأعتقد أن الجمهور متحمس لمتابعة تطور العلاقة بين هاري وروز سيلفريدج، وعلاقاتهما وصراعاتهما مع الآخرين خاصة "آنجي تولور" و"روجر جروف"، وتطور شخصية "الليدي ماي" التي تتغير الأمور لمصلحتها في هذا الموسم

·        في الموسم الأول تعرضت "الليدي ماي" إلى عنف وقهر من السيد "لوكسلي" هل ستتغير الحال في الموسم الثاني؟ 

- نعم ستتغير كثيراً، وهذا ما قصدته عندما قلت بأن الأمور ستتحول إلى مصلحتها، فشخصية "الليدي ماي" راقية، مهذبة، لكنها تصبح مثل "القط" الذي يهاجم من يعتدي عليه، وستصبح أكثر قوة وحزماً في هذا الموسم .

·        كيف كانت أجواء التصوير؟

- رائعة للغاية، فريق العمل من أفضل الأشخاص الذين عملت معهم منذ سنوات، وارتبطت بصداقة قوية مع "فرانسيس أونور" التي تؤدي دور روز سيلفريدج، وأيضاً "آيدن ماك آرديل" الذي يقوم بدور زوجي، إنهما من أفضل الممثلين الذين يساندون من يعمل معهم، ولا يبخلون بتقديم المساعدة في أي وقت

·        هل صادفتك صعوبات العمل مع حملك الأول؟

- لا، نجحت في ترتيب جدول أعمالي بشكل جيد، حتى أعمل في الصباح، وأحصل على قسط كاف من الراحة مساء، وانتهيت من التصوير قبل ظهور الحمل، ولن يلاحظ المشاهد أي تغيير خاصة في الوزن

·        هل صحيح أنك صرحت بأنك نادمة على مغادرة مسلسل "شارع التتويج" بعد 6 مواسم متصلة منحتك شهرة واسعة؟ 

- هذا غير صحيح، قلت أنني "أفتقد" زملائي وفريق العمل والمسلسل، عندما ترتبط بأشخاص مدة طويلة تشعر أنكم أصبحتم، عائلة واحدة، وكنا بالفعل كذلك، لكنني اتخذت قرار المغادرة بعد دراسة كافية، وكنت بحاجة إلى تقديم جديد، والبحث عن تحد مختلف، وبالفعل غادرت عام 2012 للمشاركة في مسرحية "توقفت لتغزو" على المسرح الملكي في لندن، وكانت واحدة من أفضل المسرحيات التي شاركت بها، وشخصية "السيدة هاردكاسل" من أصعب الأدوار .

·        هل أنت بطبيعتك مغامرة؟ 

- لا أعتقد ذلك، لكنني أفضل دوماً التجديد، والبحث عن مجالات جديدة تستفز القدرات والطاقات الكامنة، والعمل بالفن أفضل مجال يمنحك هذه الميزة

·        ماذا عن زواجك السريع من رايان كلارك الصيف الماضي، ولماذا كان العقد سرياً؟ 

- ماذا تعني بحفل سري؟ زواجي أمر شخصي يهمني أنا وعائلتي فقط، ورغم ذلك كان احتفالاً رائعاً في "لاس فيغاس"، اقتصر على أفراد العائلتين، وعدم دعوة أصدقاء فنانين لا يجعل منه "حفلاً سرياً" .

·        هل تغيرت بعد تكوين عائلة؟ 

- نعم إلى حد كبير، أصبحت أكثر تنظيماً واهتماماً بالتواجد في المنزل والتفرّغ لتربية طفلتي مدة ستة أشهر بلا عمل .

·        هل سنشاهدك في أعمال أخرى قريباً؟ 

- نعم، أعتقد إن موعد عرض فيلم "حقل الدماء" THE FIELD OF BLOOD تحدد قريباً . وأقدم فيه دور "مالوني" الطموحة التي تحارب لإثبات ذاتها، وتحاول أن تجد لنفسها موضع قدم كصحفية محترفة وسط عالم يسيطر عليه الرجال في إحدى الصحف البريطانية مطلع الثمانينات. وتبث قناة ITV مسلسل "المذنب" وهو بوليسي تشويقي، أقدم فيه دور أم تبحث عن طفلها المختفي في ظروف غامضة

·        هل ستشاركين في بطولة مسلسل "آخر الساحرات"؟ 

- نعم، سأظهر في بعض الحلقات فقط، وليس بطولتي كما يتصور البعض، وسأقدم دوراً مفاجأة للكثيرين، وعموماً أنا من الجمهور المتابع للمسلسل، وأعتقد أن كاتبته "سالي واين رايت" تتمتع بقدرات خاصة على حبك أحداث مختلفة تجذب المشاهد في كل موسم .

الخليج الإماراتية في

11.04.2014

 
 

ملحق فضائيات وفنون

نادين لبكي: أنا فنانة شاملة

بيروت- محمد حجازي:

علينا ألاّ نستغرب أي خبر فني نسمعه أو نقرأه عن المخرجة والممثلة والكاتبة والمنتجة نادين لبكي . لم نكد ننهي الكلام عن حضورها في فيلم: "روك القصبة" للمغربية ليلى مراكشي مع عمر الشريف، وهيام عباس، حتى قرأنا عن مشاركتها أحد عشر مخرجاً من العالم في إخراج جزء من فيلم "ريو أحبك"، اختارت له الممثل الأمريكي هارفي كيتل، وإذا بإعلان يشير إلى فيلم فرنسي عنوانه "ميا كولبا"، للمخرج فريد كافاييه، مع فنسنت لندن، وجيل لولوش، وفي البطولة النسائية نادين، التي تمهد هنا أيضاً لإيصال رسالة واضحة تؤكد فيها أن هذه بداية مع السينما الفرنسية التي صوّرت لها حديثاً فيلماً بعنوان la rancon de la gloire أي "ضريبة الانتصار" للمخرج كزافييه بوفوا، مع بيتر كويوت وشيارا ماستروياني وكاترين دونوف، كذلك عرفناها في الفيلم الإيطالي "الأب والغريب" .

هكذا هي صورة نادين التي لها في سوق الإخراج عملان روائيان مميزان "كاراميل" و"هلأ لوين"، تروي فيهما أحوال المرأة إبان الحرب التي ضربت لبنان بقوة . والسؤال لماذا لا تترك نادين منبراً للعطاء إلاّ وتجرّب التواصل معه وغالباً ما توفق خصوصاً على الخشبة .

في "ميا كولبا" تجسّد نادين دور أليس الشابة المتزوجة من الشرطي سيمون (فنسنت لندن) الذي يتميز بالعصبية الشديدة، مما جعلها تفضّل الانفصال عنه، رغم وجود فتى في العاشرة كان ثمرة علاقتهما التي ظلت متواصلة بفضل الابن الذي كان مع أمه وصديقها في مباراة مصارعة الثيران، حيث وقعت عيناه على مجموعة مسلحين قتلوا شاباً، هرب فوراً ولم يفلح أي من القتلة في الوصول إليه، وإذا بأفواج من المسلحين لا يكفون عن مطاردته بدءاً من مدخل مركز الشرطة .

اعترفت الفنانة نادين بأن كونها شرقية أضاف الكثير للدور فجاء أداؤها مؤثراً جداً . "فعاطفة الأمومة لها موقع خاص في شخصية الأم العربية"، وتضيف: "شكّل الدور بالنسبة لي محطة كان علي إنجازها بشكل صحيح خصوصاً أنه معروف عني الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة حين أعمل" . هكذا بادرتنا في اتصال هاتفي بها لتهنئتها بهذه القيمة الفنية التي تنالها أينما حلّت في العالم، خصوصاً أننا عدنا منذ أشهر من مهرجان دبي السينمائي وحضرنا الشريط الذي صوّرته مع الفنان العالمي عمر الشريف وكان ناطقاً بالعربية والفرنسية، وقالت عنه: "التصوير تم في المغرب وكنا كفريق سعداء جداً، أما الفنان عمر الشريف فحضر وصوّر مشاهده في فترة محددة" . اعتبرت نادين أن هذه المشروعات تضيف إلى شخصيتها الغنى والعمق، "لأن منطقتنا محدودة فإن مشروعاتنا قليلة ولا يستطيع الفنان رفض أي مشروع يعرض عليه وإلاّ طار عن الخريطة الفنية لعدة مواسم لاحقة" . ومن هنا يبدو وضع الممثلين محرجاً، لذا تفضّل نادين أن تبحث عن ملعب جديد للفوز بأدوار أخرى ربما لا تخطر ببال أحد، فها هي في آخر المطاف تواجدت في البرازيل حيث صوّرت مع 11 مخرجاً من العالم مقطعاً من فيلم "ريو أحبك" المفترض توزيعه عالمياً خلال أشهر . وأردفت "أنا فنانة شاملة فلا تستغربوا ظهوري في كل مكان" .

الخليج الإماراتية في

11.04.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)