كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

السياسى والثقافى فى مهرجان القاهرة!

طارق الشناوي

3/31/2014 13:42:45

 

عندما قرأتُ قرار وزير الأوقاف المصرى باستبعاد دولتَى تركيا وقطر من المشاركة قى المسابقة العالمية للقرآن بسبب موقفهما السياسى ضد مصر تذكرت موقفا عكسيا لمهرجان القاهرة عندما أعلن رئيس المهرجان الناقد الكبير سمير فريد أنه سوف يعرض الفيلم التسجيلى الإماراتى «أحمر أصفر أزرق» للمخرجة نجوم الغانم والذى يرصد حياة الفنانة التشكيلية الإماراتية نجاة مكى، فى المسابقة الرسمية للمهرجان بل وفى الافتتاح نظرا إلى موقف الإمارات المؤيد والداعم لمصر بعد ثورة 30 يونيو.

فى الحالتين هناك خلط ما بين السياسى والدينى والثقافى وهو ما يشكل خطورة شديدة. أتذكّر فى أعقاب ثورة 30 يونيو ومع زيادة مساحة الانتقاد لسياسة أردوغان حرص فضيلة الشيخ الإمام الأكبر إحمد الطيب على الاجتماع بالطلبة الأتراك الذين يدرسون فى الأزهر الشريف وطمأنهم على أنهم فى بلدهم الثانى لن يمسهم أحد بسوء. شىء مغاير حدث عندما رفعت الفضائيات المصرية الخاصة شعار «لا للدراما التركية» ردًّا أيضا على أردوغان ثم بعد ذلك أدركت أنها تعاقب مشاهديها فتراجعت عن القرار.

هذا هو الموقف الذى يجب أن نتبناه وفى جميع الأنشطة، وهو أن لا نخلط الأمور. الحقيقة أن مهرجان القاهرة بات فى مأزق بعد تصريح رئيس المهرجان، وهو ما دفع المتحدث الرسمى الكاتب الكبير خالد السرجانى إلى أن يسارع مؤكدا أن الفيلم الإماراتى سيعرض فى المسابقة لأسباب فنية ونفى عرضه فى الافتتاح. لقد وضع رئيس المهرجان بحُسن نية الجميعَ فى مأزق، فهو سرق الفرحة من مخرجة الفيلم الإماراتى عندما اعتبر أن الاختيار سياسى وبدد طاقة إدارة المهرجان فى محاولة لكى تنفى خبرا موثقا نشرته أكثر من جريدة.

المؤكد أن رئيس المهرجان انفعل أكثر مما ينبغى وهو بحكم خبرته العريضة فى المهرجانات يُدرك الخط الفاصل بين الثقافى والسياسى حتى ولو كانت بدايات المهرجانات الكبرى فى العالم مغموسة فى السياسة، وجاءت نقطة الانطلاق مثلا بدعم من موسولينى الفاشستى عام 32 بمهرجان «البندقية» فينسيا، وكان ينبغى أن ترد فرنسا التى تمثل واحدة من دول الحلفاء بإقامة مهرجان «كان» الذى أدت الحرب العالمية الثانية إلى تأخر انطلاقه حتى عام 1946، ورغم ذلك فلقد تحررت المهرجانات مع الزمن من تلك القيود السياسية، وبالمناسبة أنا شاهدت الفيلم الإماراتى فى مسابقة مهرجان دبى العام الماضى وهو فيلم تسجيلى جيد ويستحق المشاركة لأسباب فنية بحتة، إلا أنه وفى حدود علمى لا يجوز أن يشارك طبقا للائحة مهرجان القاهرة هذه الدورة رسميا لأنه شارك رسميا فى مهرجان آخر إلا إذا كانوا قد غيروا اللائحة. أقدّر بالطبع أن رئيس المهرجان يريد توصيل رسالة سياسية إلى الجميع هنا وهناك ولكنه فى الحقيقة أخطأ فى التوقيت، فهو بقدر ما يجرح السينما الإماراتية يجرح أيضا مهرجان القاهرة.

مثلا مهرجان «كان» فى عام 2011 شهر مايو حيث الموعد الدائم للمهرجان عندما قرر دعم ثورات الربيع العربى أقام احتفالية على الهامش للسينما المصرية والتونسية وعرض فيلمَى «18 يوم» المصرى و«لا خوف بعد اليوم» التونسى فى احتفال خاص، كما أن تظاهرة هامشية أخرى وهى سينما «البلاج» عرضت فيلم «صرخة نملة» ولم يَقُل أحد إن المهرجان قرر مجاملة الثورة فى البلدين. فى 2012 بمهرجان «كان» عُرض فيلم «بعد الموقعة» ليسرى نصر الله، والمقصود موقعة الجمل، ولم يقل أحد إن الفيلم تم اختياره لأسباب سياسية، رغم أن مصر غابت 16 عاما عن المسابقة الرسمية لـ«كان» بعد فيلم «المصير» ليوسف شاهين، فلا أحد من الممكن أن يهين مهرجانا ويهين فنانا سينمائيا عندما يعلن أن الاختيار الرسمى يحمل موقفا سياسيا.

الأمر فى الحقيقة يحتاج إلى مراجعة وتدقيق خصوصا أن المهرجان ولا شك يحمل هذه الدورة طموحا كبيرا، وشاركت أطراف أخرى فى المهرجان مثل نقابة السينمائيين وجمعية النقاد ومعهد السينما.

عندما طلب منى رئيس المهرجان المشاركة فى لجان الاختيار والسفر على حساب مهرجان القاهرة إلى «كان» أرسلت إليه خطابا يتضمن الشكر والاعتذار أيضا، ولا يعنى هذا أنه ليس من حق الزملاء الأعزاء المشاركة فى إدارة المهرجان فهو عمل مشروع ولكن من حق البعض أيضا أن يُطلّ على المهرجان من زاوية مغايرة.

 

عبد الحليم والإعلام!

طارق الشناوي

3/26/2014 10:03:45

فى نهاية هذا الشهر تحلّ ذكرى حليم الذى غاب عن عالمنا قبل 37 عاما، وسوف تمنح «الميديا» مساحات مسموعة ومرئية ومقروءة متعدّدة للحديث عن عبد الحليم حافظ الذى كان فى حياته يملك كثيرا بين يديه من أوراق اللعبة فى زمن ما قبل الفضائيات، حيث العدد محدود، ولكنّ التأثير طاغٍ، أما الآن فمع توفّر أكثر من 700 فضائية ناطقة بالعربية وغير مشفَّرة، فلا يمكن الحديث عن سيطرة.

كان عبد الحليم يحرص على أن يمنح المقرَّبين له من الصحفيين والمذيعين هدايا، وأغلبهم كان يقبلها، وبعضهم كان يُطالب بمزيد، وعدد قليل كان يرفض، حكى لى كاتب كبير تلك الواقعة عن صحفى كانت له سطوة وقلم ومساحة فى الستينيات، هذا الصحفى لم يقتنع بالهدايا التى يُرسلها حليم ما بين ساعة يد أو عطور غالية وغيرها، فطلب مباشرة من عبد الحليم عربة خاصة، وأضاف أريدها صغيرة وبباب واحد، فقال له: «من عنيَّة.. جيت فى جمل»، وكنا وقتها فى بداية انتشار الراديو الترانزستور، كانوا يصنَّعونه بمختلف الأشكال، واشترى حليم راديو بنفس مواصفات العربة الصغيرة، وأرسله إلى الصحفى لتتحوَّل الهدية إلى مقلب!!

وهناك عشرات من المقالب التى حكاها حليم ضد بعض كبار الصحفيين عندما ينشرون أشياء هو لا يريدها، أو يمنحون مساحات مبالَغ فيها لبعض منافسيه، إلا أن السؤال: هل من الممكن أن يصنع الإعلام فنانا؟ الإجابة القاطعة هى بالتأكيد لا، ولكن فى نفس الوقت لا يعيش النجم بمعزل عن الإعلام، أغلب النجوم يحرصون على أن تظلّ تلك الصلة قائمة بينهم والإعلام. حكى لى الراحل كمال الشناوى ما فعله به أحد المذيعين قبل أكثر من نصف قرن، عندما استضافه للحديث عن الأغانى التى يُحبّها، فقرَّر أن يختار أغنيات للذين ابتعدوا عن المجال مثل: عبده السروجى وعباس البليدى ورجاء عبده.. وغيرهم، وفجأة سأله المذيع هل أنت لا تحبّ أحدا من المشاهير؟ فقال له أحبّ عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد وعبد الحليم بالطبع، ولكننى أختار مطربين خارج الخريطة، إلا أن المذيع عندما أجرى مونتاج الحلقة حذف من إجابة كمال الشناوى جميع المطربين وأبقى فقط على حليم، ولم يستمع كمال الشناوى إلى البرنامج، ولكنْ همس له أحد الأصدقاء قائلا «فريد غضبان»، وتعجّب كمال لأنه كان يعتزّ بفريد الأطرش فنانا وصديقا، ولم يكن بالطبع المونتاج الذى قام به المذيع بريئا، المؤكَّد أن المذيع لسبب أو لآخر أراد مجاملة عبد الحليم حافظ، والمعروف أن عبد الحليم وفريد عاشا سنوات عديدة من التنافس والصراع، حتى إن السلطة السياسية -ممثَّلة فى جمال عبد الناصر- تدخَّلت أكثر من مرة لحسمه، كان عبد الحليم أكثر دهاءً لاستقطاب رجال الإعلام، وبالطبع يجب أن نُذكِّر القارئ بأن الإذاعة فى تلك السنوات -نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات- كانت وقتها المَلِك المُتوَّج على عرش الجماهيرية.

كان حليم أحيانا يدخل هو أيضا فى صراع مع الإعلام، ومما يروى أن الخبر الذى نشره الراحل كمال الملاخ عن طريق الخطأ لرحيل الملحّن عبد العظيم عبد الحق كان وراءه عبد الحليم الذى دسّ له الخبر مستعينا بأحد المصادر القريبة من الملاخ، وبعد أن تورَّط فى النشر كان الجزء الثانى من الحكاية هو أن يظهر عبد الحق فى برنامج سمير صبرى «النادى الدولى» لينفى الخبر، وكانت كل مصر تُشاهد هذا البرنامج فى السبعينيات، وينتقم حليم من الصحفى. إلا أنه على الجانب الآخر لم يسلم حليم من ضربات الصحافة، مثلا ينشر الراحل نبيل عصمت فى شهر أبريل على صفحات جريدة «الأخبار» تحذيرا فى سطرين أن اليوم هو أول أبريل ولا تُصدِّق كل ما تقرأه، وبعده وبمساحة كبيرة ينشر أن عبد الحليم حافظ سوف يذهب إلى معهد الموسيقى مساء اليوم ليُثبت أن هانى شاكر يضع فى حنجرته صفّارة صغيرة، تجعل صوته مثل حليم، وبالطبع كان المقصود هو تلميع هانى، وبعد أن ينجح الخبر فى تحقيق الهدف ينشر نبيل عصمت فى اليوم التالى خبرا: «ألم أقُل لكم أمس إن اليوم هو أول أبريل ولا تُصدِّقوا كل ما يُنشر!».

 

مهرجان مسقط السينمائي الدافئ!

طارق الشناوي

3/25/2014 04:42:50

قبل الحديث عن السينما واجب علينا الحديث عن البلد، إنها سلطنة عمان، وهى الدولة الخليجية التى ترى فيها أبناء البلد يمارسون كل شىء.. السائق عمانى وموظف الاستقبال فى الفندق عمانى، ومن يقدم لك القهوة فى الكافتيريا عمانى. صحيح هناك عمالة هندية منتشرة بقوة، ولكن أيضا اليد العمانية تعمل وتبنى جنبًا إلى جنب مع الوافدين إلى السلطنة.

فى الطريق بين الفندق ودار العرض، حيث تجرى فاعليات مهرجان مسقط السينمائى الدولى فى دورته الثامنة، نرى المدينة وهى تنضح بالجمال،لا يوجد بيت يخالف المزاج العام لا تلمح أبدًا نشازًا معماريًّا، البيوت تبدو كأنها تُقدم جملة موسيقية واحدة بتنويعات مختلفة، اسمها التنسيق الحضارى، البيوت المتراصة بجوار بعضها تحتفظ بالروح التراثية التى عاشتها السلطنة ذات الحضارة الضاربة فى عمق الزمان، البيت فى العادة تقطنه أسرة واحدة لا يتجاوز طابقين أو ثلاثة يضم حديقة صغيرة، وثمة نقوش على الأبواب والجدران تحمل بصمة الزمن.

فى هذا البلد طموح يكبر وينمو من خلال مجتمع منفتح يتطلع إلى الغد بنظرة تفيض أملًا، فى أغلب الدول الخليجية تستوقفك الأبراج الشاهقة التى تمتد رأسيًّا لتصل إلى عنان السماء، وفى مدينة مسقط العمران أفقى، وأينما وليت وجهك تجد الجبل الأخضر يحتضن ويحمى المدينة، كأنه كلمة الله ووعده لها بالأمان، لهذا البلد الطيب وناسه الطيبين.

فى مسقط جمعية سينمائية انطلقت قبل نحو خمسة عشر عاما، قليلة العدد محدودة العدة، ولكنها تملك طموحًا بلا حدود يقودها المخرج خالد الزدجالى خريج معهد السينما بمصر، حيث تمكن عام 2000 من إقامة أول مهرجان سينمائى فى السلطنة، بل فى الخليج كله، ليفتتح قبل يومين دورته الجديدة حيث يعقد المهرجان مرة كل عامين.

تستطيع أن تلمح فى هذا المهرجان إطلالة على سينما العالم، أفلامًا عربية وعالمية، ولا يكتفى بهذا القدر، بل هناك أيضا مساحة للسينما التسجيلية والقصيرة وعدد من الورش الفنية فى الإخراج والتصوير والإنتاج والنقد والسيناريو بشقيه السينمائى والتليفزيونى، بالإضافة إلى الندوات العامة لسينما المرأة فى الدول العربية وأخرى للحفاظ على التراث الفيلمى وثالثة لترويج التصوير فى السلطنة، حيث إن الطبيعة هناك ملهمة للإبداع، وكما قال لى مدير التصوير سعيد شيمى إن الكاميرا تحتار أمام كل هذا الجمال، كل زاوية تحمل سحرًا خاصًّا.

رئيس المهرجان الصديق العزيز خالد الزدجالى مصرى الهوى، ولهذا تجد أن الصبغة المصرية واضحة المعالم، نعم هو لا يغفل إطلالته العربية والعالمية، ولكن تابع معى أسماء المكرمين نبيلة عبيد ويسرا وعلى بدرخان ومحفوظ عبد الرحمن الذى اعتذر لظروف صحية فى اللحظات الأخيرة والورش التى يشارك فيها الأعزاء على أبو شادى وسعد هنداوى ومحمد القليوبى وكمال عبد العزيز وأشرف راجح، وتقود لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة نبيلة عبيد، ولنا فيلمان «هرج ومرج» لنادين خان و«الجرسونيرة» لهانى جرجس فوزى، بالإضافة إلى الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة.

المهرجان تتسع رؤيته ليضم أيضا اجتماعا لاتحاد الفنانين العرب الذى يرأسه نقيب السينمائيين فى مصر مسعد فودة، والحقيقة أن هذا الاتحاد صار له فى الأشهر الأخيرة نبض فى حياتنا الفنية العربية، ووجدت أن اليمن وموريتانيا والأردن وعمان والكويت والمغرب والسودان وغيرها حاضرة.

هذا الاتحاد والذى كنت شاهد عيان على ميلاده قبل نحو 30 عامًا عندما تزعمه الراحل الكاتب الكبير سعد الدين وهبة وكانت لديه آمال عظيمة تقلصت مثل العديد من الأشياء الجميلة فى حياتنا، وبعد سعد وهبة أصبح خيال مآتة، ولكن فودة أعاد إليه الحياة مجددًا ليصبح له انطلاقة جديدة هذه المرة من مسقط.

حفل الافتتاح حاول أن يجمع بين مختلف دول العالم، الهند والصين والسودان وسوريا ولبنان، مع استعراض يمزج بين الشاشة فى أغنية «دُقّوا الشماسى» من فيلم حليم «أبى فوق الشجرة» لحسين كمال وعرض على المسرح يستكمل ما رأيناه سينمائيا.

ما الذى يتبقى بعد المهرجان؟ أفلام، أنا أتابع العديد من المهرجانات مصريًّا وعربيًّا ودوليًّا، فلقد أتيح لى أن أرى أغلبها، يبقى شىء لا تراه على الشاشة، ولكنه يسكن القلب، إنها المدينة الساحرة وأهلها الكرماء، فهم يعيشون الحياة ويسرى فى دمائهم الحياء، ويحيطهم الجمال ويرعاهم الله.

 

زعيم أونطة!

طارق الشناوي

3/24/2014 05:05:33

بعد حريق منزل سعيد صالح تَلَقَّى اتصالًا تليفونيًّا من صديق العمر عادل إمام يقول له «حمد الله ع السلامة، واللى ييجى فى الريش بقشيش وسلام يا صاحبى»، مشاعر دافئة ولا شك، ولكن هل هذا هو كل ما ينتظره مرسى الزناتى من بهجت الأباصيرى، أم أن هناك شيئًا آخَر توقعه الناس؟ إنها صورة ذهنية راسخة عن صداقة كانت الجماهير شهود عيان عليها انتقلت من خشبة المسرح إلى شاشة السينما. ولها امتدادها فى الحياة منذ بدآ معًا الخطوة الأولى، بل لا يمكن أن ننسى أن سعيد مع أول طلَّة قرَّر أن يفسح له الطريق وتنازل عن دور الزعيم الأباصيرى ليمنحه لعادل ويأخذ هو دور الزناتى، لأنه قرأ فى عين صديقه رغبة فى أن يصبح هو زعيم «مدرسة المشاغبين»، وسوف نعود لاستكمال الحكاية بعد قليل، فلم تكُن تلك هى المرة الأولى التى يخذل فيها الزعيم صديقا. عندما حِيكَت مؤامرة ضدّ محمود يسن لإبعاده عن مسلسل «صاحب السعادة» انتظرنا أن يتحدث عادل ليدافع عن محمود ويحفظ له كرامته الفنية التى حاول البعض أن يريق ماءها على الأرض، فكيف لصاحب هذه القامة والقيمة الرفيعة فى تاريخنا الفنى أن يتم إبعاده عن المسلسل بعد تصوير عدد من المشاهد؟ وتشير الجرائد إلى الخبر بأن المخرج رامى إمام قرر استبدال خالد زكى به لأنه لم يعُد يتذكر الحوار. كان مسؤولو الإنتاج حريصين على تسجيل لقطات لمحمود لإظهار أنه غير قادر على الحفظ، بل كان الجزء الثانى من الخطة الشريرة هو توريط النقابة لتصبح طرفًا داخل اللعبة وتُستدعَى فى الكواليس ليشاهدوا الأستاذ وهو يعيد مشهدًا أو آخَر، وهى مسألة طبيعية جدًّا فى الأعمال الفنية، ولكنهم أرادوا التشهير بالأستاذ! كان هذا هو الموجز، وإليكم شىء من التفاصيل. لا أتصور أن ما رأيناه فى الفضائيات مؤخَّرًا هو ما يمكن أن يتبقى فى الذاكرة لفناننا الكبير سعيد صالح، إذ يبدو فى العراء وبلا مأوى ولا رعاية، صحيح أنه دور الدولة، ولكن كنا ننتظر لمحة أخرى، خطوة أسرع لا قرارًا رسميًّا، بل مجرد شقة مفروشة بالإيجار هدية من عادل إمام لشريك نجاحه، ولكنه كعادته يهرب فى اللحظات المصيرية، فعلها من قبل مع سمير خفاجة صاحب فرقة الفنانين المتحدين، الذى قدم للحياة الفنية فى مصر أهمّ فنانى الكوميديا. كان خفاجة يدرك أنه بحماسه للجيل التالى لمدبولى والمهندس سيثير الغضب ولكنه راهن على القادم، وعندما صار عادل هو نجم النجوم وصاحب الإيراد الأعلى محطِّمًا الإيرادات تحطيمًا فى المسرح، كان الاتفاق المادى بينهما هو أن يمنحه الثلث خالية من الضرائب والتكاليف، بينما يتحمل خفاجة كل شىء، وتعثر الرجل صحيًّا وماديًّا ولم يجد عادل بجواره، أغلب الفنانين الذين أدارت لهم الأيام ظهرها فى سنواتهم الأخيرة لم يجدوه معهم، مثل نظيم شعراوى ويونس شلبى ويوسف داوود، كل هؤلاء وغيرهم كانوا معه فى لحظات البداية، ولكن يظل الفارق أن سعيد وعادل حفرا صورة ذهنية لدى الجمهور كأنهما توأمان ملتصقان، وجهان لعملة واحدة، ثنائية لا تُمحَى من الذهن مثل الارتباط الشَّرطى، عندما تقول عادل تجد أمامك سعيد، وعندما تتذكر سعيد تتذكر فى نفس اللحظة عادل. هذا هو ما كان ينتظره الناس من الملياردير عادل إمام، كلمات المواساة واجبة بالطبع فى مثل هذه الأحوال، ولكنْ هناك موقف يحتاج إلى أموالٍ لا أتصوَّر أنها تحمِّله الكثير، يكفى شقة مفروشة بالإيجار يعيش فيها سنواته القادمة. موقف آخَر قبلها بأسابيع قليلة، هذه المرة من نصيب محمود يسن الذى لم يشاركه أى أعمال فنية، وكان مسلسل «صاحب السعادة» هو أول لقاء بعد مشوار لكل منهما شارف على نصف قرن، المخرج رامى إمام استبعده، هذا هو ما أعلنته الجرائد، ولكن هل يجرؤ أحد على أن يرشح فنانًا أو حتى عامل شاى وقهوة دون الحصول على موافقته؟ لا شىء يحدث بعيدًا عن عادل، ترشيح محمود واستبعاده فى الحالتين بضوء أخضر من عادل، ربما لم يتحمس عادل لقرار الاستبعاد، ربما، ولكنه رضخ له وصمت، والصمت لا يليق بالزعماء، إلا إذا كنا نتحدث عن «زعيم أونطة»!  

 

نجوم خارج الرقعة!!

طارق الشناوي

3/23/2014 16:22:26

قل لى كم هو أجرك أقل لك من أنت، مع الأسف صارت هذه هى القاعدة فى تقييم الفنانين، بل فى الحياة كلها. صحيح أن كل شىء فى الدنيا من الممكن إحالته إلى رقم، ولكن ليس صحيحًا أن كل ما فى الدنيا تزداد قيمته كلما ارتفع الرقم. كثيرًا ما يتنابز النجوم بالأرقام، إذا كانت التسريبات الشائعة هذه الأيام عبر الفضائيات هى تلك التى تتلصص على مكالمات النشطاء والمعارضين بغرض فضحهم لكى يزدريهم الرأى العام، فإن عددًا من النجوم على العكس تأتى تسريباتهم بناء على اتفاق مسبق مع شركة الإنتاج التى كثيرًا ما تعلن عن أرقام غير حقيقية مبالغًا فيها يتقاضونها عن المسلسل أو الفيلم أو الأغنية أو البرنامج. والمقصود هو أن «العيار اللى ما يصيبش يدوش» حيث إنهم يريدون توصيل رسالة لجمهورهم ولمنافسيهم تؤكد كم هم مطلوبون فى السوق، والرقم مثل قطنة «أبلة نظيفة ما بيكدبش»، ومصلحة الضرائب كثيرًا ما تصدق تلك الأرقام وتضاهى الخبر المنشور بالإقرار الضريبى الذى قدمه الفنان، فتكتشف أن «البون» شاسع فتأتى الإجابة على لسان النجوم «ده كلام جرائد حد عاقل يصدق الجرائد». الأجور الحقيقية متأرجحة، وغالبا فإن نجاح العمل الفنى الأخير هو الذى يدفع شركات الإنتاج للتعاقد مع الفنان بأجر أكبر، إلا أن الأمر لا يخلو بالتأكيد من قفزات وتراجعات، قد يرتفع أجر الفنان مرة واحدة إلى رقم لم يكن يحلم به، ثم يأتى عمل فنى آخر تنهار فيه إيراداته فيعيش فى هذه الحالة كابوسًا يهدده بفقدان أعز ما يملك. عدد لا بأس به من النجوم صاروا يلجؤون إلى الوصفات السحرية من أحجبة وذبح عجول مع تخميس أياديهم فى الدماء النازفة على الأرض، وذلك لدرء أى تهديد رقمى محتمل!! ومن النجوم من يضع الرقم فى البؤرة مثل عادل إمام، ألم تلاحظوا أنه ابتعد للعام الرابع على التوالى عن السينما بعد فيلمه «الزهايمر»، لقد صار موطنه الأصلى حاليا هو مسلسلات التليفزيون، تلك النقلة لا تعنى بالضرورة حبًّا للدراما التليفزيونية التى هجرها قبل 30 عاما، ولكن ما حدث بعد ثورة 25 يناير أن إيرادات السينما تراجعت لأسباب أمنية ونفسية واقتصادية فكان لا بد وأن تنخفض فى المقابل الأجور، وعادل لا يسمح أبدًا بأن يهتز رقمه. وهكذا توجّه عدد من النجوم للدراما التليفزيونية التى شهدت استقرارًا بعد الزيادة الملحوظة فى الفضائيات التى صارت تتوالد بمقياس «الفيمتو ثانية»، رقم عادل فى الدراما يتجاوز ضعف ما يحصل عليه نجوم الصف الأول، تجاوز فى مسلسله الأخير «صاحب السعادة» 30 مليون جنيه، الرقم يعبر عن ثمن حضوره التليفزيونى كما أنه يتضمن أيضًا ثمن غيابه ثلاثة عقود زمنية عن التليفزيون. نجوم هذا الجيل، لكى يواصلوا بقاءهم على الخريطة السينمائية خفضوا أجورهم، أو أنتجوا أو قرروا الحصول على نسبة من الأرباح فى الشباك كحل مؤقت حتى تستقر الأوضاع. شركات الإنتاج الكبرى صارت تتحسس خطواتها الإنتاجية، لأن العائد غير مضمون، وهذا يفسر مثلًا انتشار ظاهرة أفلام أصبحنا نطلق عليها «سينما بير السلم» فهى مصنوعة بأقل معدل فى الأسعار وبأكثر معدل فى العشوائية، وصارت تبحث عن أى فضائية تدفع أقل القليل، العام الماضى مثلًا تراجعت إيرادات السينما المصرية بنسبة تجاوزت 25%، ولم يستطع أحد أن يتجاوز فى الإيرادات فيلم محمد رمضان «قلب الأسد»، وهو ما تكرر فى العام الأسبق بفيلمه «عبده موتة»، ورغم ذلك أو ربما بسبب ذلك جاءت له الدراما التليفزيونية هذا العام لتمنحه أجرًا ينافس به ملوك الشاشة الصغيرة. كانت نصيحة مارلون براندو لجاك نيكلسون هى أن يعرف بالضبط ما الذى يساويه، وبعد ذلك يخفض من أجره حتى تتسع أمامه دائرة الاختيارات، وهى حكمة ينبغى أن يتدبرها نجوم هذا الجيل، فلا تزال شروط اللعبة هى «السلم والثعبان»، ومن لا يصادفه سلم يرتفع به وبأجره لأعلى، لا يأمن أن يلدغه فى المرة التالية ثعبان يعيده مهزومًا للمربع رقم واحد، ورغم ذلك فإن هناك نجومًا وعبر التاريخ الفنى يحرصون على البقاء خارج تلك الرقعة لا يحصلون بالتأكيد على الرقم الأكبر، ولكنهم لا يضعون الرقم على رأس معادلة الاختيار مثل محمود مرسى وعدد آخر مثل أحمد زكى ونور الشريف ومحمود حميدة لا يستسلمون تمامًا لسطوة الأرقام ولكن هذه قصة أخرى!!

 

مانديلا يُطل على الأقصر

طارق الشناوي

3/21/2014 08:10:28

تصدرت صورة نيلسون مانديلا مهرجان السينما الإفريقية فى دورته الثالثة. مانديلا كان ولا يزال روحا عظيما يملأ حياتنا، فكانت لمحة ذكية من سيد فؤاد رئيس المهرجان أن يُطل وجهه الأثير على الأقصر. لدىّ قناعة أن رسائل الله إلينا لم تتوقف، نعم سيدنا محمد هو آخر الأنبياء وخاتم المرسلين، إلا أن السماء لا تزال تمنحنا عطاياها فى صور أخرى، القدرة الإلهية تبعث بين الحين والآخر بشرا غير كل البشر، يحملون لنا رسائل فى الفن والثقافة والأدب والسياسة والعلم، هؤلاء لا تستطيع أن تلمح سوى بشريتهم، يخطئون بقدر ما يصيبون، ليسوا بالضرورة مثاليين، ولكن عالمهم تتجاوز تخومه حدودهم الشخصية بل وحدود أوطانهم لتصل إلى الكون كله. غاندى أو وليم شكسبير أو بيتهوفن أو بيكاسو وغيرهم. الله منحهم هذا الفيض ليشع نورهم على العالم أجمع، فلم يكتب شكسبير مسرحياته لمن عاشوا بين القرنين السادس عشر والسابع عشر فى المسافة الفاصلة بين سنوات ميلاده ورحيله، ولا فقط لقارئى الإنجليزية، ولكنه تجاوز قيد اللغة وحدود الزمن، ولم تكن سيمفونيات بيتهوفن لألمانيا ولا أفكار غاندى لإيقاف نزيف الدماء بين الهندوس والمسلمين، ولكن لكل الأديان والأعراق. وآخر هذه النفحات الإلهية أراها مجسدة فى نيلسون مانديلا، فهو لم يأت للعالم مثل سبارتاكوس ليحرر العبيد أو مارتن لوثر كنج ليحرر السود. مانديلا كان هدفه هو تحرير البشر أجمعين، الظالم قبل المظلوم، ولهذا عاشت دعوته. لم يكن مانديلا يريد تصدير صورة ذهنية لبطل، ولكن الناس حولوه إلى أسطورة، ظلت حياته هدفا لعديد من الأفلام منذ مطلع الستينيات بعد أن بدأت «الميديا» تتناقل أخباره. ستظل سيرته التى كتبها فى مذكراته «طريق الحرية الطويل» نبراسا للبشرية، وجاء فيلمه الذى حمل نفس الاسم وعرض فى مهرجان «السينما الإفريقية» حاملا سيرته، وكنت قد رأيت هذا الفيلم فى مهرجان «دبى» الأخير. عاش على هذه الأرض حتى الخامسة والتسعين من عمره، وكابد أسوأ ما عاشته البشرية وهو الفصل العنصرى «أبارتايد»، حاربه بعنف عندما وجد أن الحلول السلمية لا تضمن تحقيق العدالة، وزجوا به فى السجن وأدانوه لإعدامه تحت غطاء قانونى ولكن العالم انتفض ليتم التخفيف بالسجن مدى الحياة له ولرفاقه، ألا ترى أن الله كان يحفظ هذا الإنسان ليخرج من السجن بعد قرابة ثلاثة عقود من الزمان لينير البشرية، عندما يرفع راية التسامح، ويؤكد أنه غفر لمن عذبوه ومن سرقوا عمره لينقذ بلده من حرب دموية، وليقدم رسالة للعالم أجمع تعلن لا للانتقام؟ الفيلم حرص على أن نرى الإنسان قبل الأسطورة. مع اللحظات الأولى للشريط السينمائى نراه بعد أن ألقى بخطبة ساخنة ينهيها بأنه من الممكن أن يذهب للسجن ولن يخيفه ذلك، تطلب منه امرأة أن ينتظر قليلا قبل أن يدخل للمعتقل ليمارس معها الجنس، وتعلم زوجته وتعنفه فيصفعها وتنفصل عنه بعدها. حرص السيناريو الذى كتبه ويليام نيكسون على كل هذه التفاصيل التى تبدو للوهلة الأولى تسرق من جلال الشخصية على غير ما تعودنا، ونحن نقطع المسافة بين العام والخاص، ولكن المخرج جاستن شادويك كان يدرك أن ما يجرح الفيلم هو أن يجنب البطل ارتكاب تلك الأخطاء. أعظم إحساس يعيشه الإنسان ليس فى أن يمتلك بين يديه كثيرا، ولكن أن يرضى بما بين يديه حتى لو رآه البعض قليلا. مانديلا كان يعلم أنه اختار أن يحرر شعبه ورفض أن يعقد صفقة مع النظام، فهو لم يكن يسعى من أجل الحرية لمانديلا، ولكن للعبور ببلده من مذبحة الدماء التى كانت تقف على الباب، أغلبية سوداء مقهورة عانت كثيرا وأقلية بيضاء تسيطر على مقدرات البلد، ورجل عظيم لا يحمل غلا ولا حقدا ولا رغبة فى الرئاسة، بل حب للعدالة وشغف لاستمرار الحياة. سرقوا من عمره كل شىء حتى أبنائه لم يستطع أن يدفن ابنه الكبير. حرموه من حقوقه الشرعية، ولكنه ناضل لكى يضمن العدالة للجميع، ويُطل علينا الأسطورة مجددا فى مهرجان الأقصر، ويواصل مانديلا الحياة بعد الرحيل، فمثله لا يعرف الغياب!!  

 

كاتمة أسرار عمر الشريف

طارق الشناوي

3/18/2014

بضعة أسطر فى جريدة رحيل إيناس بكر، هل تعرفون هذا الاسم؟ شىء ما غامض جمع بينها وعمر الشريف فصارت هى الأقرب إليه، هى عند الصحفيين والإعلام معروفة بأنها سكرتيرة عمر الشريف، تتولّى تنظيم مواعيده، تدرك كل شطحاته، تعرف متى يتعكّر مزاجه وتنفلت ردود فعله ولا يستطيع ضبط انفعالاته، ومتى يصفو ويعود طفلًا وبراءة الأطفال فى عينيه، فكانت تتدخّل فى تلك اللحظات الحاسمة.

تفعل كل ذلك بحب، لا تريد شهرة ولا أضواء ولا فلوس، ولم يكن عمر يمنحها شيئًا معنويًّا أو ماديًّا، لم تقل ذلك مباشرة، ولكنها الحقيقة التى تعرفها الدائرة القريبة لعمر، ليس عن بخل أو شُحّ، عمر لا يعرف الأموال التى تدخل أو تخرج من جيبه، ولديه قناعة أن الله يرزقه دائمًا فى الوقت المناسب، عمر يحتاج إلى مَن يقول له ويذكّره، وهى كانت تفعل ذلك فى كل شؤون حياته ما عدا ما يتعلّق شخصيًّا بها، حياؤها يمنعها. دورها تنظيم مفردات حياته لتحيل الفوضى إلى نظام، ولكن الفوضى أيضًا كانت لها فوائدها، فهى أيضًا مثل عمر ليست منضبطة تمامًا، فكان هناك ما يمكن أن نطلق عليه الفوضى الخلاقة -الخلاقة بحق وحقيق- وسوف أضرب لكم بواحدة، قبل نحو سبع سنوات تسببت هذه الفوضى فى أن يذهب عمر الشريف إلى «مهرجان الإذاعة والتليفزيون» لكى يوزّع الجوائز على الفائزين، ولم يكن يعنيه إطلاقًا الذهاب إلى المهرجان، قرأت إيناس الدعوة «مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون» اعتقدت أنه «القاهرة السينمائى»، وعمر الشريف هو رئيس شرف لمهرجان القاهرة السينمائى ومن واجباته بالطبع الحضور فى حفل الختام وذهب إلى مدينة 6 أكتوبر، وفى أثناء دخوله إلى المسرح لمح على المسرح أنس الفقى وزير الإعلام، تعجب لأن المفروض أن يجد فاروق حسنى وزير الثقافة، ووجد نفسه مدعوًّا إلى المسرح لتوزيع الجوائز، وأشادت الصحافة بموقف عمر، ولم يعرف أحد أنها من مكاسب الفوضى الخلاقة.

إيناس توافقت مع طبيعة عمر، كتبت له مسلسل «حنان وحنين»، وعندما تعثّروا فى العثور على المخرج، تولّت هى المسؤولية، بداية الدخول للدائرة كانت مع تحفيظه كل أدواره مع بدايات عودته إلى مصر فى الثمانينيات عندما قدّم فيلم «أيوب» وبعده «الأراجوز» ثم «المواطن مصرى» «وحسن ومرقص»، فهى تدرك بحسّها أن عمر لديه مفاتيح خاصة، وانتقلت من الاستوديو لتصبح مسؤولة عن عمر فى تفاصيل حياته خارج الاستوديو بالقاهرة.

قبل خمسة أشهر لاحقت عمر شائعة إصابته بـ«الزهايمر» وبدأت الصحافة تكتب باستفاضة، فكانت إيناس هى التى تنفى رغم أنه فى النهاية مرض يستحق منا أن ندعو للمريض به بالشفاء، الصحافة أحيانًا لا تعنيها الحقيقة، ولكنها تلهث وراء الفضيحة أو ما تعتقد أنه فضيحة، تولّت إيناس بكل ما أوتيت من قوة بالتكذيب، كانت إيناس فى تلك الأوقات تقاوم المرض الشرس الذى انتقل إلى عظمها بعد أن سكن جسدها قبل نحو ثلاثين عامًا ومنحت له على سبيل المقايضة ثدييها، ولكنه أطل مرة أخرى يريد المزيد.

أعرف إيناس قبل 30 عامًا وهى كاتبة سيناريو لها نحو سبعة أفلام أشهرها الفيلم التليفزيونى «الجسر» بطولة محمود مرسى وإخراج عمرو بيومى، هو عمل فنى جيد كان من المفروض أن يحظى باهتمام نقدى أكبر.

إيناس فى بداية مشوارها كانت تكتب من الباطن، لها العديد من الأفلام منسوبة إلى آخرين، وكانت حريصة على عدم الإشارة إليهم، وحكت لى أن المخرجين كانوا يتندرون على الكاتب الذى كان أحيانًا بسبب السرعة يقدّم لهم الأوراق بعضها بخط يدها فيداعبونه، قائلين له: حلو قوى رائحة العطر الحريمى المرة دى، وروت لى كيف أنها عندما أرادت زيادة أجرها فقالت للكاتب الشهير إنها تكتب فى الكافيتيريا بعد أن تشرب عددًا من فناجين القهوة وإن ثمن المشاريب ارتفع، فوصلت الرسالة وزاد الأجر بما يتناسب والارتفاع فى سعر القهوة.

إيناس إنسانة لا تبحث عن شهرة، فهى مثلًا لم ترو شيئًا عن عمر الشريف فى حياته وبالتأكيد تملك الكثير من الأسرار التى طلبتها الفضائيات وعرضوا عليها مقابلًا ماديًّا كبيرًا، ولكنها أرادت أن تظل كاتمة الأسرار التى لا تبوح بشىء، ولا أدرى هل يتذكّرها عمر الشريف الآن ولو بكلمة.

 

عشوائية عيد الفن!!

طارق الشناوي

3/15/2014

كان من المهم أن يعود عيد الفن، ولكن ليس كما شاهدناه، أول من أمس، مفرطًا فى العشوائية والتلفيق والأخطاء المجانية، اختيار الموعد 13 مارس اقتراح صائب من هانى مهنا رئيس اتحاد النقابات الفنية، فهو يوم ذكرى ميلاد الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أبو الموسيقى المصرية والعربية، عاش بيننا 90 عامًا، بالطبع لو بحثنا عن الجذور سيطل علينا سيد درويش، ولكن اختيار اسم عبد الوهاب له أيضًا مبرراته.

الكثير من المبالغات صاحبت تلك الاحتفالية إلى درجة أن البعض اعتبر أن سر تدهور الفن طوال ثلاثة عقود من الزمان كان سببه الرئيسى توقّف العيد، هل يصدق أحد ذلك؟ ثم إن لدينا عشرات من الأعياد كانت ولا تزال يُكرّم فيها الفنانون، فهل يتقدّم الفن بكثرة الأعياد أم بالإخلاص فى الإبداع؟

دلالة عودة عيد الفن فى الحقيقة أراها تحمل بعدًا نفسيًّا مرتبطًا بثورة 25 يناير، حيث إن إلغاء العيد جاء فى عهد مبارك، وربما تجد فى تفسير غضبه من العيد ما يبرر ذلك عندما أرسله أنور السادات لتوزيع الجوائز عام 81 باعتباره نائبًا له، مما أثار احتجاج النقابات الفنية، وتزعّم وقتها الراحل سعد وهبة، ثورة الغضب، ولو تأملتها ستجدها تحمل تقديرًا لرئيس الجمهورية، وليس تحديًا له أو لنائبه، وبالمناسبة وزّع يومها مبارك الجوائز على المكرمين، ثم يأتى بعدها مبارك رئيسًا ويبدأ البعض، طبقًا لتركيبته الشخصية، يؤكد أن ميوله الانتقامية هى التى دفعته لإلغاء العيد، مبارك فى الحقيقة لم يلغِ علاقته بالفنانين، هل أذكّركم بزياراته الدائمة لتوشكى، وما أدراك ما توشكى، ألم يكن نجومنا يتهافتون على مبارك فى تلك الرحلة التى كان يصفها الإعلام بالميمونة وفى قول آخر المباركة؟! ظنى أن إلغاء عيد الفن وراءه صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق القريب نفسيًّا من مبارك، فهو يعرف مفاتيحه، فقرر إحالة كل شىء متعلق بالفن ناحيته فى عيد الإعلاميين، مخرجًا لسانه لمنافسه وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، لأن عيد الفن كان ولا يزال مرتبطًا بوزارة الثقافة، وفكرة العيد كان وراءها دكتور رشاد رشدى الكاتب والأديب ورئيس أكاديمية الفنون الأسبق، وقبل ذلك فهو صديق شخصى للسادات.

عاد العيد فى عهد عدلى -مشّيها عدلى- ولكن العشوائية سيطرت على الموقف، مبارك للتاريخ وهو موثّق فى الجرائد أعلن أنه سيعيد العيد والدليل أن طلعت زكريا بعد لقائه الشهير معه قبل خلعه بأربعة أشهر خرج للرأى العام، مؤكدًا أنه اتفق مع الكبير قوى واتصل بفاروق حسنى لاتخاذ اللازم، هل رأيتم عشوائية أكثر مما حدث فى نهاية أيام مبارك؟ نعم رأيتها فى حفل دار الأوبرا الذى شاهدناه قبل ساعات، أولًا ستلاحظ أن الراحلين تم تكريمهم وهى بادرة طيبة، ولكن لا تطبق قواعد الأسبقية الزمنية والعطاء، هل لا تدرك الدولة أن لدينا كتاب السيناريو السيد بدير وعلِى الزرقانى وأبو السعود الأبيارى وغيرهم أسبق زمنيًّا من الراحل عبد الحى أديب الذى يستحق ولا شك التكريم، ولكن بعدهم؟! ثم ما الحكمة أن تكرم ماجدة وفاتن وشادية ونادية لطفى معًا ثم الجمع بين حسن يوسف ومحمود ياسين وعزت العلايلى فى حزمة واحدة؟! كان يكتفى هذا العام مثلًا بفاتن، وتاريخيًّا فاتن بدأت المشوار قبل ماجدة وشادية، لأنها شاركت عبد الوهاب وهى طفلة فى فيلم «يوم سعيد»، ثم إن نادية لطفى من جيل تالٍ لهم، ويكتفى هذه المرة بين النجوم بحسن يوسف جيل أسبق. نجوم السينما يشكّلون القسط الوافر بين المكرمين، بينما المسرح لم يكرّم سوى سميحة أيوب، لماذا؟ أتحداك لو وجدت إجابة، وفى الموسيقى بالطبع محمد فوزى يستحق، ولكن هل نسينا سيد درويش وداوود حسنى وزكريا أحمد والقصبجى؟ ثم إن فوزى ليس مقطوعًا من شجرة حتى يتسلّم سمير صبرى جائزته.

الشاشة الخلفية فى أثناء التكريم على المسرح غلب عليها فى اختيارات المادة التوثيقية الاستعجال، وللدقة الاستهبال، حتى الصور الشعرية التى ألقاها المكرمون وكتبها جمال بخيت، كانوا يقرؤونها لأول مرة، وكلهم ينظرون إلى الورقة باستثناء فاروق الفيشاوى، الإخراج على المسرح نموذج للسبهللة، والهندسة الصوتية بعافية، حتى هانى شاكر يضع كلمات الأغانى على «البارتاتورة» ومثل أى تلميذ بليد يطيل النظر للبرشامة.

ذهب الفنانون لأن رئيس الجمهورية سيحضر، وكانوا متأكدين أن المشير سيأتى، حضرت الدولة، إلا أن حضور العشوائية كان أكبر!!

 

الأزهر والفاتيكان وسلاح المصادرَة!!

طارق الشناوي

10/3/2014 4:19 ص

لا وجه للمقارنة بين فيلمى «نوح» و«شفرة دافنشى». الفيلم الأخير مأخوذ عن عمل أدبى للكاتب دان براون، وبه كثير من الاختلاقات والشفرات الماسونية، ورغم ذلك فإن الفاتيكان اكتفى بإصدار بيان قبل 8 سنوات لأتباعه يحذرهم من مشاهدة الفيلم، ولكنه لم يطالب الحكومات بالمصادَرَة.

الذى حدث وقتها فى مصر هو أن الكنيسة اعترضت، والأزهر تضامن، والغريب أن مجلس الشعب دخل طرفا. وأتذكر جيدا أن تحت قبة البرلمان شاهدنا مزايدات للمنع، وكانت وقتها قضية الرسوم المسيئة للرسول مُثارة عالميا، وقال بعض الأقباط فى المجلس «لقد شجبنا تلك الرسوم، ومنعناها»، وطالبوا المسلمين برد الجميل، وهو ما حدث، حيث إن غدة المنع بلغت حدها الأقصى، حتى إن فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق لم يكتف بالتعهد باعتباره الرقيب الأعلى بمنع الفيلم من التداول فى مصر، بل أصدر -وهو لا يملك القرار- قرارا بمصادرة الرواية المأخوذ عنها الفيلم، برغم أن هذه سلطة أصيلة لوزارة الإعلام ولكننا كنا فى مزاد علنى.

قرارات الإقصاء والمصادرَة هى الأسهل، لأن المجتمع فى العادة نجده مهيئا لتقبل ذلك، أتحدث بالطبع عن الأغلبية التى سترى كحد أدنى «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح».

وما أشبه ما يجرى اليوم بالبارحة، تظل المرجعيات الدينية لها بالقطع كل توقير واحترام، ولكن هناك أيضا حق للبشر فى الاختيار، خصوصا أن الأمر يدخل فى إطار الاجتهاد الذى بطبعه، يحتمل إعادة التفكير فى بعض الملابسات المتعلقة بإصدار قرار ما، والظروف والتوقيت الزمنى. لا تستطيع أن تنكر أن الغيرة على الدين هى التى حركت رجال الأزهر لكى تتسع دائرة التحريم، لتصل ليس فقط إلى الأنبياء والرسل، ولكن إلى خلفاء الله الراشدين والصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة، كل هؤلاء ممنوع تجسيدهم على الشاشة. ولكن على الجانب الآخر عندما تكتشف أن مرجعيات إسلامية أخرى -ولا أتحدث عن المذهب الشيعى الذى لا يمانع فى التصوير- ولكن مرجعيات سنة من كبار العلماء مثلا، وافقوا على عرض مسلسل «عمر» وبه كل خلفاء الله الراشدين والصحابة، وكل ما اشترطوه وقتها فى أثناء التصوير، كما قال لى المخرج حاتم على، هو أن لا يكون لمن يؤدى دور عمر بن الخطاب تاريخ مع التمثيل من قبل، وفضلوا إسناد الدور إلى وجه جديد، وهذا هو ما حدث، ولعب الدور سامر إسماعيل، تخرج حديثا فى معهد المسرح السورى، واضطر المخرج إلى عمل دوبلاج صوتى وقتها، لأن أداء الممثل لم يرقَ إلى المطلوب. وهكذا كان الحوار الذى ينطق به سامر لممثل آخر محترف، كما أن سامر وقّع على تعهد يمنعه من الاشتراك فى أى أعمال قادمة خلال خمس سنوات. والغريب أن هيئة كبار العلماء لم تشترط ذلك مع باقى الممثلين الذين أدوا أدوار أبو بكر الصديق وعثمان وعلى والصحابة عليهم جميعا أفضل السلام.

الأمر لا يمكن فى الحقيقة حسمه فى مقال ولا منتديات، ولكنه يفرض على الجميع، بداية من شيوخنا الأجلاء فى الأزهر الشريف مراجعة تلك المحاذير، خصوصا أن لنا أيضا تجربة ماثلة فى الأذهان، وهى فيلم «الرسالة»، الذى منعه الأزهر الشريف 30 عاما من التداول، وكانت مصر هى الدولة الإسلامية الوحيدة التى لم تسمح بعرضه لتقديمه شخصية عم الرسول سيدنا حمزة بن عبد المطلب عليه السلام، وعندما تعرف تفاصيل عرضه فى التليفزيون المصرى فى احتفال بمولد الرسول الكريم قبل نحو 7 سنوات، تدرك أن قرار المنع لم يكن مبنيا على قناعة مطلقة ولا إجماع. أتذكر بمجرد عرض الفيلم أننى اتصلت بالإعلامية الكبيرة سوزان حسن رئيسة التليفزيون، وسألتها هل تعلمين أن هذا الفيلم ممنوع بقرار من الأزهر؟ أجابتنى: لم أعرض الفيلم إلا بعد استئذان الأزهر الشريف وعلى رأسه فضيلة الإمام الأكبر الشيخ سيد طنطاوى، سألته تليفونيا: هل أعرض الفيلم يا مولانا؟ قال لى: هل وجدت فى النسخة ما يتعارض مع الإسلام وصحيح الدين؟ أجابته: على الإطلاق، فقال لها: إذن على بركة الله.

وهكذا أضعنا 30 عاما على المشاهد المصرى وهو محرم عليه مشاهدة «الرسالة»، الذى يقدم أعظم رسالة نحن بحاجة إليها عن سماحة الإسلام. السؤال بعيدا عن عرض أو منع عرض فيلم «نوح»، ألم يحن الوقت على أزهرنا الشريف منارة الإسلام فى العالم أجمع لإعادة النظر فى كثير من تلك الممنوعات؟

 

انتحار أم اغتيال؟!

طارق الشناوي

9/3/2014 2:27 ص

هل سيقدّم مسلسل «صديق العمر» إجابة شافية عن السؤال الشائك: هل انتحر المشير عامر فى أعقاب خلافه الشهير مع عبد الناصر بعد نكسة 67 أم أن هناك مَن دسّ له سم سيانيد البوتاسيم فى عصير الجوافة؟ لا أتصور أن الأمن القومى من الممكن أن يسمح بسهولة طرح السؤال، ناهيك بالإجابة.

حتى كتابة هذه السطور لا نزال نتابع ورثة كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وهم فى حالة رضا تام عن تصوير المسلسل الذى من المنتظر عرضه فى شهر رمضان.

شاهدنا على صفحات الجرائد والفضائيات معركة قبل بضع سنوات وصلت إلى ساحة القضاء بسبب العلاقة التى شهدت دفئًا بينهما ثم انتهت فى أعقاب هزيمة 67 بانتحار عامر، كما تقول الرواية الرسمية، أو اغتيال كما يقول الورثة وعدد من المؤرخين، الكثير من الوثائق تناثرت هنا وهناك ولا يستطيع أحد أن يؤكد أو ينفى وهو لديه يقين مطلق بأنه يمتلك الحقيقة، كانت ولا تزال لدى الجانبين مساحات من الشك.

المعلن أن المسلسل كما أراد كاتب القصة الراحل ممدوح الليثى، سوف يتضمّن النهايتين، ولا أدرى هل وافقت الرقابة؟ لأن الأمر فى هذه الحالة متعلق بالأجهزة السيادية، هل تسمح الدولة بتداول اتهام صريح لها أم أن الرواية المعتمدة بانتحاره فى هذه الحالة هى ما أقرّتها الأجهزة ولا يمكن السماح بأخرى؟

المعروف أن الصداقة بين ناصر وعامر بدأت منذ بواكير الشباب وهما طالبان فى الكلية الحربية، وكان دائمًا عامر هو الأقرب إلى ناصر بل هو الوحيد المسموح له فى الاجتماعات الرسمية بعد أن صار رئيسًا أن يناديه جمال مباشرة، كانت مشاعر ناصر الإنسان إيجابية تجاه عامر تدفعه مثلًا أن يُطلق على أصغر أبنائه عبد الحكيم.

أعتقد أن المشاهد العربى لديه شغف كان ولا يزال بعبد الناصر وبتلك المرحلة الزمنية، ولكن هل لن يثير المسلسل فى بعض وقائعه غضب الورثة؟ سبق مثلًا أن احتج ورثة جمال من تفاصيل إنسانية مثل أن يرتدى عبد الناصر «روب» ضمن أحداث فيلم «جمال عبد الناصر» الذى أخرجه السورى أنور القوادرى ولعب بطولته خالد الصاوى وهشام سليم قبل نحو 15 عامًا، وكانت علاقة ناصر وعامر أيضًا تحتل قسطًا وافرًا فى الأحداث.

هذه المرة أُثيرت مشكلات أخرى جانبية، مثل أن جمال سليمان السورى لا يحق له بسبب ذلك أداء دور جمال، والحقيقة أن الأمر ينبغى أن لا يتم تقييده خلف تلك الأسوار التى تجاوزها الزمن لكى تقف حائلًا أمام الفنان تمنعه من أداء دور شخصية عامة أو مواطن مصرى، مثلما حدث أيضًا مع تيم حسن قبل ثمانى سنوات عندما أدّى ببراعة دور الملك فاروق فى المسلسل الشهير رغم أن فاروق لم يكن مصريًّا، إلا أن السؤال كان وقتها ألم يجدوا مصريًّا لائقًا.

لم يعد لمثل هذه التساؤلات فى السنوات العشر الأخيرة على الأقل محلًّا من الإعراب، لأن الرقعة التى تتحرّك فيها صناعة المسلسلات صارت أوسع وأعرض من مصر وتشمل العالم العربى، حركة التسويق تجاوزت تلك النظرة الضيقة وهناك دائمًا رؤية اقتصادية تتحكّم فى الاختيار.

يبقى فى المقدمة معيار أهم وهو المصداقية، باسم سمرة يؤدّى دور عبد الحكيم عامر وهو بالطبع مناسب من الناحية العمرية ومن الممكن أن تصدّقه بقليل من الماكياج فى دور شاب صغير لم يبلغ فى بداية الحلقات العشرين من عمره، ولكن يظل هذا يشكّل مأزقًا أمام جمال سليمان مهما بلغت براعة الماكيير، الثانى هو إجادة اللهجة، وهذا ليست له علاقة بكون جمال سوريًّا، لدينا أكثر من فنان عربى يجيدون اللهجة المصرية بطلاقة يحسدهم عليها المصريون، مثل هند صبرى وإياد نصار وجومانة مراد ودرة وتيم وغيرهم، الجمهور ليس فقط المصرى ولكن العربى لن يتسامح بسهولة لو فلتت كلمة دون تدقيق -عبد الناصر لو راجعت خطبه ستكتشف أنه كثيرًا ما يستعين بالعامية ويخرج عن النص المكتوب فى الورقة المعدّة أمامه- ولكن يظل أن المشاهد قبل وبعد كل ذلك ينتظر بشغف إجابة قاطعة للسؤال الذى حيّره قرابة خمسة عقود من الزمان، هل انتحر أم قُتل؟ ولا أظن أن المسلسل سيقدّم تلك الإجابة!!

 

«سفينة نوح» هل تُبحر فى مصر؟

طارق الشناوي

8/3/2014 6:01 ص

لم يعد السؤال أن يُعرض أو لا يُعرض فيلم «سفينة نوح» الذى كان هدف عشرات من الفضائيات فى برامج «التوك شو» والتحقيقات الصحفية فى الأيام الماضية. الأزهر الشريف غاضب، هذا بالطبع متوقع لأن الفيلم يجسد حياة سيدنا نوح عليه السلام أول الأنبياء، وقائمة التحريم التى أقرها الأزهر قبل عقود من الزمان تمنع التجسيد بدءًا من كل الرسل والأنبياء وتتسع إلى خلفاء الله الراشدين وآل البيت والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة.

الأزهر حرص هذه المرة على إعلان الغضب ببيان وكان عدد من شيوخه الأجلاء قد انتشر فى عديد من البرامج لتبيان هذا التحريم.

ربما لن تستطيع الدولة عرض الفيلم جماهيريًّا رغم مثلًا أنها فعلتها قبل عشر سنوات وعرضت فيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون الذى يجسد لحظات صلب المسيح عليه السلام، وكان رفض الأزهر معلنًا ولكن بصوت أقل حدة. لو تأملت الموقف قليلًا ستكتشف أن الأقرب إلى الصحة هو أن الدولة فى هذه اللحظات التى تسعى فيها إلى التهدئة لن تستطيع أن تُغضب الأزهر أو تُغضب من يؤمنون فقط بما يقوله الأزهر من دون نقاش -وسينتصر الرأى الذى يقول لماذا تفتح الباب أمام غضب محتمل قد تتسع مظاهره غير مأمونة العواقب ولهذا سنجد أن قرار المنع يجنبها تلك المخاطر، ولكن هل هذا هو الحل؟

الأزهر منارة الإسلام فى العالم أجمع، لا يمكن تجاهل رأيه ولكن لماذا لا نرى أيضًا أن هناك آراء أخرى لعلماء أفاضل أزهريين وافقوا على عرض مسلسلى «عمر» و«الحسن والحسين ومعاوية»، وبينما التزمت الفضائيات والقنوات المصرية الرسمية برأى الأزهر. شاهدنا المسلسل فى العديد من الفضائيات وقبله رأينا «يوسف الصديق» عليه السلام ولم أستشعر سوى أن من شاهد هذه المسلسلات قد وصله الهدف منها، كثافة المشاهدة بالأرقام تؤكد أن قطاعًا وافرًا من المسلمين فى مصر وخارجها أقبلوا عليها، فهل هم جميعًا آثمون؟.

هل من الممكن أن ينام المسلم قرير العين وهو يشعر أنه فى عرف أكبر مرجعية دينية ارتكب معصية؟ بالتأكيد لدى المسلمين فى بقاع المعمورة كافة توقير للأزهر ولرجاله الأفاضل، ولكن هناك حقائق من بينها أن تلك الأعمال الفنية لعبت دورًا إيجابيًّا فى تعميق الإيمان، وشاهد المسلمون وكل ناطقى اللغة العربية وغيرها من اللغات لأول مرة سيدنا عمر وأبو بكر وعثمان وعلى والحسن والحسين أنها الممنوعات الصريحة، ورغم ذلك دخلت بيوت المسلمين ولم يستشعروا أنها قد جرحت إيمانهم.

الأمر الثانى أن هناك أعمالًا فنية تستند إلى معتقدات ومرجعيات لا ترى فى التجسيد إثمًا، الديانة المسيحية لا تجد غضاضة فى أن يؤدى ممثل دور السيد المسيح فى عشرات بل مئات الأفلام، وبالمناسبة فيلم «آلام المسيح» لميل جوبسون حقق كثافة مشاهدة عالية فى مصر وتم التصريح به كاملًا ومن دون أى ضغوط ولم يتم حذف أى جملة حوار بها وصف للسيد المسيح بأنه «ابن الله»، وأتذكر وقتها أن الرقيب الراحل مدكور ثابت لم يتحمل المسؤولية لأن قوانين الرقابة تحول دون ذلك وعُرض الفيلم بموافقة د.جابر عصفور باعتباره أمين عام المجلس الأعلى للثقافة.

ما الذى حدث للمسلم الذى شاهد «آلام المسيح» وهو يتعارض تمامًا مع أفكاره ومعتقداته الدينية؟.. توحد مع الشخصية التى تؤدى دور السيد المسيح وكان يقاسمها الألم على الشاشة، الأغلبية من المشاهدين النساء كن محجبات، ولم يجرح الفيلم إيمانهن.

أزهرنا الشريف منذ عام 1926 مع بداية التفكير فى تقديم فيلم عن حياة سيدنا «محمد» علية الصلاة والسلام بطولة يوسف وهبى، كان قد أعلن عدم جواز ذلك شرعًا، ولكنه وضع محاذير وخطوط دفاع عديدة لا تتيح تقديم عشرات من الشخصيات الإسلامية، بينما مثلًا إيران والتى تنتمى إلى المذهب الشيعى تستعد لعرض فيلم «محمد» إخراج مجيد المجيدى. كنت فى طهران قبل نحو عام ونصف العام وسألت قالوا إن الفيلم يقدم حياة الرسول قبل نزول الوحى. الأمر يحتاج إلى أن يعيد رجال أزهرنا الشريف النظر مرة أخرى فى جدوى كل قرارات التحريم، وهل التخفيف من بعضها يتعارض حقًا مع صحيح الدين؟! لا أحد يريد القفز وراء ثوابت الدين ولكن هناك أمورًا تستحق إعادة التفكير والتأويل.

 

إلى المرحومين والمحرومين

طارق الشناوي

7/3/2014 2:29 ص

شاهدتُ فيلمه «حواس» قبل أربعة أشهر، وذلك لأول مرة فى لجنة تحكيم المهرجان القومى للسينما رغم أنه كان مشروع تخرجه فى المعهد قبل عامين، وفوجئت بأن الشريط يهتف باسم موهبة متميزة، ولم أكن وحدى، كل أعضاء اللجنة كانت لديهم نفس القناعة أننا بصدد مخرج استثنائى وحالة إبداعية متفجرة شبّت عن الطوق.

لم أكن أعرفه وسألت المخرج سعد هنداوى، زميلنا فى لجنة التحكيم، بحكم احتكاكه أكثر بهذا الجيل، عن هذا المخرج، فأجابنى بأنه شاب حديث التخرج، ولكنى شعرت أننى عرفته من خلال هذا الفيلم الذى لم يتجاوز زمنه 15 دقيقة، وشعرت أننا بصدد مخرج مخضرم. كنت مرتبطا بالسفر خارج الحدود ليلة إعلان النتائج وشاهدت كل الأفلام وتركت الرأى مكتوبًا بعد أن منحته الجائزة التى حصل عليها بالإجماع، ولم أرَ المخرج وهو يحتضن الجائزة. وأخذتنا الأحداث الثقافية والسياسية بعيدا حتى قرأت اسم المخرج فى الصفحة الأولى باعتباره مفقودا قبل أن ينتقل إلى عداد الموتى فى فاجعة سانت كاترين «باب الدنيا».

كان بالفعل يقف على باب دنيا الإبداع السينمائى، كانت دقاته على الباب بالتأكيد مسموعة. علمتُ من مخرجنا الشاب أحمد رشوان أنه قد أخرج فى السنة الثالثة بمعهد السينما الفيلم التسجيلى «خمسة فرحة» عن عالم الأفراح السفلى وكيف يسرق فيها البعض لحظات البهجة، وله مشروع لم يرَ النور لأول فيلم روائى «الإمام» كتب السيناريو مع الشاب عيسى جمال ومن إنتاج ماريان خورى والغريب أنه أيضا عن عالم الموتى.

استعدت فيلمه «حواس» مرة أخرى على «يوتيوب»، كانت لدىّ رغبة أن أراه مجددًا، أقصد المخرج، ألم يقل سقراط «تكلّم حتى أراك» والكلمة للمخرج هى أشرطته السينمائية.

هل تفرق أن تشاهد فيلما لمن غاب عن عالمنا وتكتب عنه بعد الرحيل؟ هل نرى شيئا آخر؟ هل الموت المبكر يترك بصمة ما على مشاعر الأحياء تجاه من غاب عنهم حتى لو لم يعرفوه؟ هل كان «ابن موت»؟ الفيلم يقول ذلك، لماذا اختار -لا شعوريا- بطله مصابا بغيبوبة طالت ستة أشهر فهو فى عداد الموتى؟ نحن نرى حياته يعود إليها النبض المعنوى والرمزى من خلال الممرضة المسؤولة عن رعايته فى العناية المركزة، فهو طوال الأحداث مصاب بغيبوبة أحالته إلى كائن خارج الحياة الملموسة ولكن دائما هناك وسائل موازية للتواصل مع الغائبين، فى تلك الحجرة التى يسيطر عليها الأزرق (لون الموت) يُحدِث هذا التواصل الذى يقهر الموت.

نحن نتعايش مع اثنين؛ مرحوم ومحرومة، لماذا اختار رمضان تلك الحكاية التى بطلها شاب وسيم فى مقتبل الحياة أُصيب بغيبوبة مرّ عليه أكثر من ستة أشهر؟ الممرضة تعيش معه قصة فى الحقيقة، تحلم به وتتخيل نفسها فى أحضانه وينتهى الفيلم وقد انتقلت من عالم الخيال إلى أرض الواقع، واقعها المجازى لتعيش معه أجمل لحظات لم تعشْها، فهى تعيد إليه الحياة والنبض الافتراضى وحتى قدرته على ممارسة الجنس معها، لقد قرأت كل قصصه واستعادت بصوتها الكثير مما كتبه، كيف نفّذ المخرج لقطات النهاية بكل هذا الألق البصرى والنفسى وبإيقاع لاهث، وجه الممرضة بعد أن نزعت حجابها وملامحها تفيض بالانتصار وحبّات العرق تتساقط على وجهها تدق نواقيس الانتصار على الموت، تستعرض الكاميرا الكتاب ملقًى على الأرض بعد أن تناثرت صفحاته بينما نستمع إلى صوته الافتراضى لأول مرة وجهاز الكمبيوتر الذى يرصد موجات المخ وحقنة الجلوكوز التى تبقيه حيًّا إكلينيكيًّا وتقفز الممرضة حافية إلى أعلى السرير.

هل نحكم أخلاقيًّا؟ إنها علاقة بين جسد ميت بلا نبض وجسد آخر بلا حياة حتى لو كان ينبض، يوجد مرض نفسى لا أتذكر اسمه العلمى عن تلك العلاقة مع الموتى، وشاهدت فيلما قبل نحو عشرين عاما أحداثه تتناول تلك العلاقات الشاذة والمحرَّمة بالطبع فى كل الأديان، ولكننا هذه المرة لسنا بصدد مرض من هذا النوع ولا شبق جنسى، ولكن نحن نعيش حالة أخرى مختلفة تماما، إنه الحنين إلى التواصل. فتاة متوسطة الجمال وفى منتصف العمر خلقَت عالمًا موازيًا للواقع لتعيش فيه وبكل تفاصيله وتلك العلاقة التى أوحى بها المشهد الأخير فى الفيلم هى ذروة التواصل الحسى لو أخذتها بمعناها المباشر ولكنها تحمل فى عمقها التوحد بمعناه الرمزى.

نتابع الشخصيات لمخرج يجيد توصيل المعلومة الدرامية فى التوقيت المطلوب مثل إعجابها بشعره الطويل أو انتهائها من قراءة كل رواياته، إنها الومضة فى الفيلم الروائى القصير المكثف فى المعلومات الدرامية ولكنه يمنح للمتلقى خيوطا متفرقة عن هذا الشاب الموهوب الذى انتهت حياته، لا يعنينا كثيرا هل تحقق فى الحياة أم أنه كان فى البداية يطرق الباب، فنحن نشارك فى رسم ملامح كل الشخصيات تفاصيل حياتها.

لماذا لم أكتب عن الفيلم ومخرجه بيننا؟ تأخذنا الحياة وما يجرى سياسيًّا وثقافيًّا، وهذا ليس عذرا ولكن يقينى أن مَن غابوا عنا لا نراهم ولكنهم يتواصلون معنا، أنا لم ألتقيك يا رمضان ولكنى عرفتك وشاهدتك فى فيلمك رغم أننا ودَّعناك وأنت لا تزال على «باب الدنيا»!

 

جمعية سرية تحكم وزارة الثقافة!

طارق الشناوي

5/3/2014 8:05 ص

ما الجمعية التى تحكم وزارة الثقافة؟ الجميع يتبرؤون منها، هل هم فريقان وكل منهما يستعرض الآن قوته فى القدرة على التغيير وإصدار القرار الذى يعبر عن مصلحته المباشرة؟ هل هم الثوار أو فى الحقيقة من أطلقوا على أنفسهم ثوارًا؟

الثورى لا يطالب بالثمن، وهؤلاء حصلوا على الثمن مضاعَفًا. الثورة تعنى تغييرًا فى المنظومة وليست فى الأشخاص وهؤلاء كانوا حريصين على استبدال الأشخاص والإبقاء على المنظومة، بدليل تخليهم بسهولة عن واحدة من مكتسبات ثورة 25 يناير بتحرير التظاهرات الثقافية من قبضة الدولة ومنحها للمجتمع المدنى، ولكن اتضح أن الأمر متعلق بالشخص وليس بالمنظومة.

من هم؟ المؤكد أنهم أكثر من فصيل، واحد أراد الإبقاء على الوزير المزمن ونجح فى تحقيق الهدف، والثانى فشل ولم يعلن عن موقفه ولا عن أعضائه، الغريب أنه حتى الجماعة التى نالت الانتصار لم تحتفل بما حققته خلال الثوانى الأخيرة، بل بلغة الكُرة فى الوقت الإضافى الذى احتسبه الحكم محلب بدلًا من الضائع.

مَن تحديدًا، جبهة المثقفين، التى اعترضت على تعيين وزير وأتت بآخر؟ الوحيد الذى كان واضحا ومباشرا هو شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى الذى قالها بدون مواربة: «لا لحرب» بل ووضع خارطة الطريق لمحلب بأن يأتى مجددًا بصابر لبضعة أشهر، وبعد أن أعلنها لم أقرأ لأحد من جبهته والمؤيدين لبقاء عرب ما يؤكد رضاهم عنه. تضمن بيان الأبنودى الرافض لحرب غمزًا ولمزًا بأنه عضو سابق فى لجنة السياسات متجاهلًا أنه فى عز قوة الحزب الوطنى وسطوة لجنة السياسات على مقدرات الوطن ومع اقتراب الإعلان المباشر للتوريث وتنفيذ السيناريو الشرير، استقال من تلك اللجنة ووقف على الجانب الآخر، وأعلن موقفه الرافض لبيع مصر، الثابت والموثق بأنه انضم إلى الثورة منذ 25 يناير ولم ينتظر حتى جمعة الغضب فى 28.

لا أحد فى الحقيقة فكّر حتى مجرد التفكير فى برامج التوك شو التى تناولت تلك القضية، وسأل الخال عن سر هذا الهجوم وتلك الهجمة العنترية. من الواضح أن الأبنودى لم يُرد أحد إحراجه، المؤكد أنه على صلة وتواصل بالعديد من الكبار داخل الوزارة وخارجها، وهو لم يصحُ من نومه فجأة وكتب هذا البيان، ولكنه استشار ووجد أن هناك من يريد ذلك فكان هو الواجهة.

الأديب الكبير بهاء طاهر أعلن أنه يتعجب من حالة التواطؤ التى حيكت للإبقاء على صابر، وهو لم يكن طرفًا، بل لم يقف حتى على الحياد، وأكد أنه حرص على تأييد قرار محلب بالتغيير، ولكن كل من تحدث إليهم من الزملاء الصحفيين لم ينشروا رأيه، حتى يمهدوا لمحلب التراجع ويعود مجددًا لصابر، ومن يعرف الأستاذ بهاء يدرك تماما أنه اسم على مسمى فهو بهىٌّ وطاهرٌ، ولهذا دفع الثمن فى كل العهود!

عندما احتفلت الوزارة وكبار موظفيها بالتجديد لعرب كان من بين الحضور من خارجها الأديب الكبير يوسف القعيد، أى أنه ثانى مثقف من خارج موظفى الوزارة يعلن التأييد والمباركة فمن الآخرون؟ وهل سيواصلون الصمت؟

الناقد الكبير سمير فريد أشار فى عموده أمس على صفحات «المصرى اليوم» إلى أنه لم يتلق تليفونًا من مكتب رئيس الوزراء، بل لم يتصل به أحد لإعلانه بالترشح. وكان العديد من الصحف قد أشارت إلى أنه التقى محلب لكى يسند إليه حقيبة وزارة الثقافة، وهى فضيحة للصحافة التى لم يسأل أحد فيها سمير عن صحة الخبر، ولكنهم سارعوا بالنشر قبل التأكد من صحته، سمير يحلل الموقف بأنه رشح ثم انهالت الاعتراضات فتقرر استبعاده؟ لو تأمل الواقعة لأدرك أن هناك أسماء أخرى مرشحة التقاها رئيس الوزراء، رغم أنه نالها مثلة وأكثر، العديد من الانتقادات على النت، المنطق أن من سارعوا بتسريب اسمه وأشاعوا لقاءه بمحلب هم الذين هاجموه، لأن الشائعة تجعل الطريق ممهدًا للنيل منه.

لم ترشح الدولة ولم يتصل أحد على الأقل بخمسة أسماء ممن أشارت إليهم الصحافة، ولكن الجمعية إياها مع يقينى أنها ليست واحدة أرادت أن ينتهى الأمر إلى صابر عرب فحرقت كل المراكب السائرة والساكنة.

 

«12 عامًا» فيلم الأفلام!!

طارق الشناوي

4/3/2014 2:14 ص

شاهدت كل الأفلام المرشَّحة للأوسكار، وشعرت أنه فيلمى الذى يستحق التتويج بالجائزة التى لا بعدها ولا قبلها جائزة، وإليكم مجدّدا المقال الذى نشرته فى هذه المساحة قبل 3 أسابيع.

لا يوجد حياد فى الحياة ولا السياسة ولا الإعلام، ومن باب أوْلَى التقييم النقدى، ولهذا فأنا أعلن انحيازى إلى هذا الفيلم المرشَّح للأوسكار فى مسابقته الـ86، هناك 8 أفلام أخرى تتطلّع إلى اقتناص جائزة أفضل فيلم يوم 2 مارس، ولها مصوغات تؤهلها إلى تلك المكانة الاستثنائية، ولكنى أرى أن «12 عاما من العبودية» هو فيلم الأفلام.

«كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، هكذا قال العلّامة الصوفى النفرى فى واحدة من تجلياته، وعندما أرى بعض الأعمال الفنية تستعصى على التحليل، حيث تقف فيها الكلمات عاجزة عن التواصل أستجير بمقولة النفرى، فهى البلسم الشافى عندما تستسلم الحروف، وتعلن استحالة القبض على المعنى.

الرواية العظيمة واللوحة الأخّاذة والفيلم الساحر والقطعة الموسيقية التى تحلّق بك بعيدا، عندما تكون مهمتك هى أن تحيل إحساسك بها إلى كلمات، فأنت تفقدها ألقها وخصوصيتها، إذا كانت الترجمة من لغة إلى لغة تخصم كثيرا من الجمال، فما بالكم عندما نصبح بصدد مجال فنى مرئى ومسموع مثل الفيلم تحيله إلى مجال آخر مقال مقروء. ولهذا مثلا وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإن الرواية العظيمة لا تؤدّى بالضرورة إلى فيلم عظيم، كما أن الرديئة ربما تنطوى على خط درامى ما لو أمسك به المخرج لاستطاع أن يصنع فيلمه، الانصهار بين الشكل والمضمون هو خارطة طريق الإبداع الخالص.

طالت المقدّمة أكثر مما ينبغى، ولكن ليس هذا هو موضوع المقال، ولكنى أتحدّث عن فيلم استثنائى شاهدته فى مهرجان «دبى»، وهو الآن يسير بخطوات ثابتة وواثقة لاقتناص الأوسكار، بعد أن حصل مؤخرا على جائزتين متتاليتين «الجولدن جلوب» لأفضل فيلم درامى، ثم جائزة «رابطة المنتجين فى هوليوود».

كثيرة هى المرات التى وجدت فيها الكرباج ينهال على ظهر العبد الأسود فى الفيلم، وكأنى أتلقّيه على ظهرى، الضربات المحسوبة هى فقط التى يختلط فيها الدماء باللحم، وإلا فإن العبد الذى يتقاعس عن ضرب زميله هو نفسه سيتعرّض إلى ذات العقاب. الفيلم الذى أخرجه ستيف ماكوين يُقدِّم رواية حقيقية عن رجل حر وعازف كمان موهوب من أصل إفريقى أمسكه بعض تجّار العبيد، كان سيدا فى الشمال وأرادوا أن يبيعوه كعبد فى الجنوب، والخطة هى محو ذاكرته، وأولها أن يُغيّر اسمه، وأن ينسى تماما أنه كان سيدا، وإلا فإن العقاب القاسى ينتظره وبلا رحمة، هو وزوجته وطفلاه عليهم أن يتحمّلوا كل صنوف العذاب، إذا لم تقاوم الظلم فأنت عبد، وإذا قاومت فإلى متى؟ علاقتنا بالحقيقة هى العمق الفكرى والدرامى لهذا الفيلم، لا يكفى أن نصمت عن ذكرها بل ونقتنع بأنها أيضا هى الكذب بعينه، كنّا كمشاهدين نريده أن يصمت ويُعلن أنه عبد، تواطأنا حتى نفلت معه من العقاب.

هل الفيلم يُوجّه شحنة الغضب ضد نظام العبودية، أم إلى الدفاع عن الحقيقة؟ العبد أراد التحرر لا لأنه يرفض العبودية، ولكن لأنها لم تكن الحقيقة، ولكن ما ذنب مَن وُلد عبدا هل عليه أن يستمر فى الصمت والخضوع؟ إنها النغمة التى ردّدها الفيلم باقتدار وبتنويعات مختلفة طوال أحداثه.

الممثّل الأسود شيوتييل أجيوفيير، المرشح للأوسكار، قدّم إبداعا خاصا فى تقمّصه لتلك الشخصية التى تقاوم حتى وهى تبدو ظاهريا مستسلمة، إنه مثل «السوليست» الماهر فى الأوركسترا كان أيضا يعزف على أوتار المشاعر ونبضات القلوب. للعبودية سلاح آخر هو الدين، رأينا قِسا يحرّف فى كتاب الله لكى يُقنع العبد الأسود أن إطاعة السيد هى مِن طاعة الله، ولهذا فإن تحطيم القيد لن يأتى بقرار ولا بمجرد الإحساس بالعذاب، ولكن بأن نمتلك روح التحرر حتى من المقدس الزائف الذى يربطونه عنوة بالدين، ورغم أن الأحداث لا تنتهى بثورة العبيد ولكن بأن يعود مرة أخرى البطل إلى بلده فى الشمال، ليصبح سيدا، فإن هناك بذرة رأيناها تنبت على الأرض ترفض العبودية. إضاءة المشهد الأخير والتكوين الدرامى المغلف بدفء العائلة وصولا للأحفاد بقدر ما منحنا فيضا من البهجة، إلا أنه ملأنا بغصة من ألم وفيض من حزن يسكن مشاعرنا، وتتردّد مرة أخرى واحدة من تجليات النفرى «القلب يتغيّر.. وقلب القلب لا يتغيّر.. وقلب القلب هو الحزن»!!

 

زمن «الفنكوش»!

طارق الشناوي

3/3/2014 10:58 ص

فى مرحلةٍ ما تورطت الأغلبية، وأظنها لا تزال عندما أصبحت القناعة بثورة 30 يونيو هى معادل موضوعى لترديد أغنية «تسلم الأيادى»، إذا اعترضت على الأغنية تجد نفسك محاطًا بكم من الانتقادات القاسية والتى تنزع عنك حتى وطنيتك، الأغنية تجاوزت حدود كونها عملًا فنيًّا يحتمل الإعجاب والرفض، لتتحول إلى «ترمومتر» للوطنية وشاهدنا العديد من المهرجانات حتى السينمائية تُفتتح بتلك الأغنية، وحفلات الزفاف صار من أهم طقوسها الشرعية رقص العروسين والمعازيم على إيقاع «تسلم الأيادى».

اللحن مسروق من أغنية قديمة لشريفة فاضل، ارتبطت بشهر رمضان «تم البدر بدرى» والكلمات أيضا مسروقة من أغنية حديثة لمحمد الحلو، ورغم ذلك «يا ويلك يا سواد ليلك» لو أعلنت ذلك، ستجد من يتهمك بأنك خلايا إخوانية نائمة أو لو كان رفيقًا بك سيكتفى باعتبارك طابورًا خامسًا.

هذه الأيام انتقلنا من مرحلة «تسلم الأيادى» إلى مرحلة «صباع الكفتة» إنه الإعلان الذى تصدّر نشرات الأخبار والفضائيات منسوبًا إلى القوات المسلحة عن علاج للعديد من الأمراض التى أصبحت تهدد مصر بقوة مثل «فيروس سى» والذى يتجاوز المصابون به من المصريين أكثر من 20% طبقًا للإحصائيات المتفائلة، والاكتشاف الثانى هو الشبح الذى حيّر العالم على مدى ربع القرن، المعروف باسم «الإيدز» نقصان المناعة. والجهاز يشخص المرض ويقضى عليه، شاهدنا ما يمكن أن نُطلق عليه ضربات استباقية تحول دون أى محاولة لإعمال العقل أو التساؤل عن الإجراءات العلمية المتبعة فى مثل هذه الأحوال، أعلن الاختراع لواء يقال إنه يحمل رتبة لواء شرفية، يؤكد فى أجهزة الإعلام أن الغرب حاولوا رشوته بـ2 مليار دولار للاستحواذ على الاختراع ولكنه أفلت من أجهزتهم المخابراتية مثل الشعرة من العجين وعاد إلى أرض الوطن.

حكايات تشبه أفلامنا القديمة التى تنتهى بأن البطل الشجاع ينتصر على العصابة ويعود ومعه سر الشفرة، «لا تقولّى الشوان ولا الهجان».

هذا الاختراع، كما تؤكد الدعاية المصاحبة له، تمكن من القضاء المبرم على كل تلك الأمراض التى تبدو حتى الآن مستعصية، بل وأضاف إلى القائمة أمراضًا أخرى مثل السكر والسرطان وفى الطريق إلى الزهايمر والصدفية فى انتظار نجاحه فى جراحة تكبير الثدى بدون ألم.

قبل 30 عاما شاهدنا فى فيلم «واحدة بواحدة» اختراعًا أطلقوا عليه «الفنكوش» واتضح مع تترات النهاية أنه مجرد أكذوبة، وفى بعض القرى المصرية كانت ولا تزال تباع زجاجة أطلقوا عليها « شَربة الشيخ محمود» لعلاج كل الأمراض من الروماتيزم إلى الدود، والجهاز الجديد به الكثير من خصائص شَربة محمود.

المأزق ليس فى كل هذه المبالغات وأيضا ليس فى تكثيف الإعلان عنها، بيع الوهم إحدى آفات حياتنا، إلا أن هناك من يحاول أن يعتبر التشكيك فى جدوى العلاج تشكيكًا فى الولاء الوطنى أو مساسًا بهيبة القوات المسلحة، رغم أن الأمر ليس له علاقة من قريب أو بعيد بهيبة الجيش، رئاسة الجمهورية وتحديدًا المستشار العلمى أكد أن كل ما يعلَن يخاصم أبسط القواعد العلمية.

أظن- وليس كل الظن إثمًا- أن الإعلان فى هذا التوقيت ليس بريئًا على الإطلاق، فكلنا ندرك أن هناك توجهًا محسومًا لتقدم المشير السيسى للترشح للرئاسة خلال الأيام القادمة، ولهذا فإن هناك من يخترق الخط الفاصل بين الاثنين، من يبايع المشير رئيسًا يتصور أن دفاعه عن هذا الدواء يحمل فى عمقه دفاعًا عن المشير، رغم أن اعتزاز المصريين، بل وكل العرب بالقوات المسلحة المصرية محسوم، فهى درع للأمن القومى العربى لا يمكن أن تختَصر فى دواء مشكوك فى جدواه.

أتصور أن المشير السيسى بوصفه رجل مخابرات، يدرك جيدًا أن كل هذه المبالغات- كما أن الأحلام التى ارتبطت به عند عامة الشعب- ستصبح ديونًا واجبة السداد فى توقيت محدد، ولهذا فإن عليه أن يهذب تلك الأحلام حتى لا تتحول فى لحظات إلى كوابيس.

عليه أن لا يترك من يتلاعبون بمعاناة الناس يقدمونها باسم القوات المسلحة، المطلوب هو الفصل تمامًا بين مصداقية الدواء ومصداقية الجيش، الدواء يعزف على وتر معاناة الناس.. إنها تُذكرنى بتلك الأغنيات التى صاحبت التمهيد لترشح السيسى رئيسًا وهى تلعب على أحلام الناس، يبدو أننا نعيش فى زمن «الفنكوش»!

 

وزير مهيض الجناح!

طارق الشناوي

2/3/2014 12:51 ص

عاد صابر عرب إلى مقعده وزيرًا للثقافة بعد أن كان حتى اللحظات الأخيرة مستبعدًا قبل أن يتم استدعاؤه إلى دكة الاحتياطى، لقد شاهد بأم عينيه رئيس وزراء يستقبل عددًا من مرؤوسيه وآخرين من خارج دائرته يرشحهم للمنصب، ما الذى تتوقعه من وزير قرأ بنفسه خبر تعيين وزير آخر، وهو الكاتب أسامة الغزالى حرب، وللمرة الثانية حيث إنه فى وزارة الببلاوى شاهد إيناس عبد الدايم، وهى فى طريقها لتحلف اليمين، ثم لجؤوا إليه فى المرتين كمحطة أخيرة، الأولى كان السلفيون وراء استبعاد إيناس، هذه المرة تحركت ميليشيات ممن يطلقون على أنفسهم جموع المثقفين تقول «لا نريد أسامة فهو ليس منا»، بل قالوا «ليس مثقفًا»، هل فقط المثقف فى عرفهم هو الذى يكتب رواية أو يرسم لوحة أو يقرض الشعر؟ أتذكر من وزراء الثقافة الناجحين منصور حسن وعبد الحميد رضوان على سبيل المثال، ولم يمارس أى منهما الإبداع بمعناه المباشر، بل لم يمارسا حتى كتابة المقالات أو الأعمدة الصحفية مثل حرب، الذى يكتب المقال والعمود والتحليل السياسى، وهو بالتأكيد نوع من الإبداع، إلا إذا كان هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بجموع المثقفين يرون أن الإبداع والثقافة هو فقط ما يمارسونه.

إنهم فى العادة يتوحدون فى لحظات الشدة، وهى تعنى أن هناك قادمًا جديدًا لا يعرفون مفاتيحه من الممكن أن لا يستطيعوا التعامل معه، نعم هذا القادم من مكان بعيد غير محمل بأى صفقات ولا حسابات ولا حساسيات مع أحد، وهو فى ظنى الأوفق، لكنهم توحدوا فى لحظة مصيرية لإعادة رجلهم، لم يعلنوها مباشرة فى بيانهم الأول، لكنها كانت مضمرة بين السطور كان لسان حالهم يقول لماذا لا يأتى من نعرفه ويعرفنا وينفذ مطالبنا، الشاعر عبد الرحمن الأبنودى من مقره فى مدينة الإسماعيلية كتبها على بلاطة وطالب بإسناد الوزارة مجددًا إلى صابر عرب بحجة أنه سيستمر شهرين أو ثلاثة حتى إعادة تشكيل الوزارة، وهى نفس الحجة السابقة التى طالبوا فيها بإسنادها إليه حتى يتم التشكيل الجديد، ودائمًا سيتكرر ذلك، فنحن لا نعيش فى ظل استقرار يتيح أو يضمن لأى مشروع البقاء ولا لأى وزارة البقاء، ألم نكن نعتبر أن الجنزورى مؤقت وقنديل مؤقت والببلاوى مؤقت ومحلب مؤقت؟ ما الذى يضمن أن رئيس الوزراء القادم ليس مؤقتًا؟ نحن فى زمن كل شىء فيه مؤقت، لا تنس أنه يحكمنا حتى الآن رئيس مؤقت، هم يريدون الثبات للوزير المؤقت بحجة أنه مؤقت.

هل يملك صابر عرب إصدار قرار وهو فى هذه الحالة من الضعف؟ الحقيقة لا، كما أنه سيجد نفسه أمام قوة موازية هم الخمسة الذين ترددت أسماؤهم بالفعل، والتقوا رئيس الوزراء، ورشحوا لاعتلاء الكرسى، وخمسة آخرين استطاعوا تسريب أخبار تؤكد أنهم تم ترشيحهم، هؤلاء لديهم الآن سطوة وقوة، والعديد من القوى المتعارضة والمتشابكة ستحكم القرار القادم، والرجل سوف يظل فى حالة ضعف مزدوج بسبب المثقفين الذين جاؤوا به على الكرسى والمرشحين الذين انتزع منهم الكرسى وبينهم عدد من مرؤوسيه المتربصين به وعينهم على الكرسى، حالة من الهرج والمرج سادت الحياة الثقافية منذ ثورة 25 يناير، وهكذا صارت كل الطرق تؤدى فى النهاية إلى صابر عرب.

عندما بدأ البحث عن وزير الثقافة من الذى أدخل المثقفين طرفًا فى اللعبة هل حرصهم على الثقافة أم مصالحهم؟ وزارة الثقافة تُعنى بالدرجة الأولى بالإنسان المصرى، لو كنا نبحث أو نتوخى الحقيقة لقلنا إن المثقفين ليسوا هم المعنيون أساسًا باختيار وزير الثقافة، لكن المفروض أن الثقافة مثل الدعم تصل إلى مستحقيها، وهم الناس، وعلى الدولة أن تختار الوزير الذى يملك رؤية تتيح أن تصل الثقافة للشعب.

إلا أن هؤلاء المثقفين من أصحاب الصوت العالى، الذين تستضيفهم الفضائيات، وهم بالتأكيد لا يعبرون عن الأغلبية، حريصون على بقائه، بينما الأغلبية خارج نطاق تلك الدائرة لم يسألهم أحد، صابر عرب يعلم تمامًا أنه لا حول له ولا قوة مثل زكى قدرة «وقع يا زكى يا قدرة يوقع، الغى يا زكى يا قدرة يلغى»، لقد رأى العين الحمرا، وهم يستطيعون أن يستبدلوه بآخر لو أرادوا، ما الذى تتوقع من وزير مهيض الجناح؟

 

يا اللى تقول الآه.. آه منك!!

طارق الشناوي

1/3/2014 5:33 ص

«ليك ماضى كله سوابق فى الحب مالهش أمان/ وأنا عايزة حب حنين مش حب يودى لومان» من ينسى شريفة فاضل بتلحين منير مراد فى «حارة السقايين» وهى تردد هذه الكلمات المشاغبة والحراقة، التى تصل إلى حدود صياعة ولاد البلد ولكنها لا تتجاوز أبدا حدود الأدب.

إنه حسين السيد، الشاعر، ابن البلد، خفيف الظل، حاضر البديهة والقفشة والنكتة، والمتعدد فى أوجه الإبداع، ولهذا تستمع إليه فى حالة تحليق وشجن وهو يقول بصوت نجاح سلام وألحان السنباطى «القصور اللى كلامك كان بنيها/ واللى كل جواب فرش لى ركن فيها».

للحب وجهان مثل كل شىء فى الحياة، تراجيدى وكوميدى، ولهذا قال الفيلسوف الفرنسى بيرجسون «الحياة ملهاة كوميدية لمن يفكرون ومأساة تراجيدية لمن يشعرون»، شاعرنا الغنائى الكبير حسين السيد الذى مرت ذكرى رحيله الحادية والثلاثون قبل يومين، كان قادرا على أن يعبر غنائيا بإبداع وألق عن وجهى الحياة المتناقضين.

تأمل هذا المقطع «ييجى أبويا يعوز فنجان قهوة/ أعمله شاى واديه لامى/ وخيالك ييجى على سهوة/ ما افرقش ما بين خالتى وعمى»، هل رأيتم سخرية أكثر من ذلك فى «مين قالك تسكن فى حارتنا» لشادية والموجى.

إنه صاحب الرصيد الأكبر عددا وعدة فى مكتبة الأغانى العربية، فلم يترك الشاعر الكبير مجالا إلا وكانت له بصمته المتفردة، حتى فوازير ثلاثى أضواء المسرح مثل «كوتوموتو يا حلوة يا بطة» وغيرها تجد حسين السيد يشعل الحروف بروح الفكاهة والقهقهة.

عرفت الشاعر الكبير فى سنواته الأخيرة، وكنت دائما ما أحرص على أن أتجول معه من مبنى التليفزيون حتى مكتبه، الذى صار أيضا فى تلك السنوات بيته، حيث كان يقطن بوسط المدينة. أجمل رحلاتى سيرا على الأقدام هى تلك التى أصحبه فيها أستمع إلى حكاياته. كان دائما يمسك بشنطة «سامسونيت»، بها أفكار وومضات إبداعية، وكان له السبق فى عديد من المجالات: تأليف أغانى الأطفال مثل «ماما زمانها جاية» ونكتشف أنه كان يداعب ابنته، عندما كانت تبكى بسبب تأخر والدتها أستاذة الأدب الفرنسى لتصبح أشهر أغنية للأطفال. ومن خلال الحواديت التى كان يرويها لأطفاله كتب أيضا لمحمد فوزى «ذهب الليل».. أما أعمق أغنية للأم «ست الحبايب» فاستلهم كلماتها من والدته التى كانت تطلق عليه كنوع من المداعبة «ست الحبايب». والغريب أن الخاطر الشاعرى عندما ألحّ عليه لم يستطع أن يلاحقه بالورقة والقلم فكان يكتب شطرة شعرية ويملى زوجته شطرة. أطلق على كل أبنائه أسماء تبدأ بحرف الحاء «حمدى»، «حميدة»، «حميد» بينما هو «حسين» فأصبحت إمبراطورية «حاء» على غرار «إمبراطورية ميم» لإحسان عبد القدوس. لم ينسَ فى أغانيه أن يذكر اسم زوجته «د.نعيمة»، فكتب مداعبا «عليكى خطوة يا نعيمة لو شافها مخرج فى السيما يعملك فيلم عليه القيمة» فى «كايدة العزال» لعايدة الشاعر!!

دخل عالم الأغنية من باب حبه للتمثيل، فكان واحدا من الكومبارس الذين سعوا للاشتراك فى فيلم «يوم سعيد» فى مطلع الأربعينيات بطولة محمد عبد الوهاب، واستمع بالصدفة إلى مخرج الفيلم محمد كريم، وهو يقترح على عبد الوهاب أن يقدم أغنية على إيقاع أقدام الخيل، فقال له عبد الوهاب إنه قرأ كلمات أكثر من أغنية ولم يجد فيها المطلوب، فما كان من حسين سوى أنه فى اليوم التالى تقدم بأغنية «إجرى إجرى» لتحدث توأمة غنائية بينه وبين عبد الوهاب، حيث كتب له ما يزيد على 70% من أغانيه سواء التى غناها بصوته أو لحنها لآخرين.

غنى له الجميع ما عدا أم كلثوم، لا أحد يستطيع أن يعرف السبب بدقة.. شاعر كبير ومطربة عظيمة وُجدا فى نفس الزمن. من الممكن مثلا أن نذكر أن علاقته بعبد الوهاب صنعت بينه وبين أم كلثوم جفوة ما، لأنه كان شاعره الملاكى، إلا أن عبد الوهاب لحن لأم كلثوم عام 1964 «إنت عمرى»، وقدم لها بعد ذلك عشرة أغان لكبار الشعراء ما عدا حسين السيد.. تحليلى الشخصى أنه لم تحدث كيميائية بين أشعاره وصوت أم كلثوم. سألته فقال لى أم كلثوم تتدخل فى الكلمات، ولهذا لم يكتب لها فى حياتها، وبعد رحيلها كتب لها مرثية غنائية حملت اسم «أم كلثوم».

ما رأيكم أن ننهى المقال بشعر حسين السيد وموسيقى عبد الوهاب وصوت ليلى مراد فى «الدنيا غنوة/ نغمتها حلوة» ورغم ذلك يقول فى شطرة تفيض رقة وعذوبة وشجنا «يا اللى تقول الآه.. آه منك»!!

التحرير المصرية في

01.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)