كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

تسالونيكي العربي: ما بعد "الربيع العربي" وحمص

تسالونيكي (اليونان) ـ قيس قاسم

 

مازال الموضوع العربي حيوياً في السينما الوثائقية، ويمكن تلمس ذلك في الدورة الحالية لمهرجان تسالونيكي ومرد ذلك، كما يبدو، الى حيوية الحراك في المنطقة، وما يوفره من أفكار ومشاريع تغوي صناع السينما للمجيء اليها، هذا بالنسبة للمخرجين الأجانب، أو الخوض فيها بسهولة ويسر بالنسبة لأبنائها من المختصين بالسينما الوثائقية. والأسباب المشجعة نفسها، تحمل في طياتها مخاطر الإنزلاق في العُجالة والسطحية، كما أنعكس في المنتج السينمائي العربي خلال فترة تنامي الثورات العربية. وقتها ظهر كمُ كبير بمستوى ساده الضعف، في حين حافظ الانتاج الغربي في عمومه على مستواه الجيد وفرضت علينا المقارنة الموضوعية بين طريقتي الشغل فيما يخص تناول الحدث الواحد.

هذا على مستوى أفلام "الربيع العربي" ولكن وحين عالجت أفلام وثائقية عربية موضوعات أخرى، فأننا نتلمس تطوراً ملحوظاً فيها، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، بخاصة المنتج اللبناني، والذي توقعنا له أن يزدهر في هذا البلد الصغير ويتفوق على غيره من البلدان العربية، وبمقدار مقارب يمكن الحديث عن الوثائقي المغاربي، الذي نجد في بعض مفرداته ميلاً للعمل الجدي والمتروي. في الدورة ال16 لتسالونيكي لم يعد "الربيع العربي" مغرياً ولهذا نجد تراجعاً في كم الأفلام التي اقتربت منه، وبدلاً عنها، توجه صناع الوثائقي الى تناول موضوعات ذات صلة بهوامش الحراك العاصف، دون الاهتمام بسطحه الظاهري، كما تجلى في مجموعة أفلام عرضتها الدورة الحالية من بينها: "العودة الى حمص"، "مصنع البلطجية" و"قتلها تذكرة للجنة".
من المؤكد أن شغل ديركي في "العودة الى حمص" فيه الكثير من التميز على مستوى الصنعة، والأميز فيه تصويره وفريقه الذي اشتغل بمستوى احترافي عبر التصاقه الدائم بالحدث والاقتراب كثيراً من شخوصه المنتمين الى الواقع وتفاصيله المخيفة والخطيرة على أرواحهم، ما نتج عنها: صورة جيدة منقولة من أتون الحرب الطاحنة

على المستوى الدرامي عرف ديركي كيف يلملم موضوعاً خطيراً قابل للتشظي، عبر تركيزه على شخصيات محورية قليلة تمكن من خلالها نقل المشهد العام للمدينة والأحداث التي أراد تسجيلها في مكان وزمن محددين، ما ساعد عملية المنتجة اللاحقة ليغدو الفيلم متسقاً في مساره الدرامي، متماسكاً عبر مراقبة دقيقة لحركة عبد الباسط ساروت لاعب كرة القدم الذي زجته الأحداث والظلم الذي سُلط على أبناء منطقته الى الثورة، وصار واحداً من قادتها الميدانيين، الى جانب تمتعه الدائم بجاذبية وصوت جميل واقدام صادق استثمره صانع الوثائقي بأفضل شكل وهو من ساعد على توفير مصداقية كبيرة لفيلمه. المعادلة في حالة ساروت سهلة ومعقدة في آن على مستوى الصنعة: بمقدار ما يمثل ساروت نموذجاً للشاب الصادق الإيمان بقضيته، والذي يفسح له الآخرون الدرب للبروز في مواجهة الكاميرا بمقدار ما يترافق معه خطر ذهاب الفيلم لعرض "بورتريت" من الثورة وهذا ما لم يكن يريده ديركي، لذلك حاول تقريب زميله المصور الى جانبه ليخلق توازناً على مستوى الشخصية الرئيسية وبهذا تمكن الفيلم من توفير نماذج متفردة، لكنها ليست استثنائية إلا بمقدار دورها في الواقع والذي أبقى عليه الوثائقي لنتمكن من مشاهدة تفاصيل يوميات المعارك وتطورها من مستويات أولية سلمية الى دموية. "العودة الى حمص" دون شك فيلم جيد وربما من بين أفضل الوثائقيات التي تناولت حدثاً آنياً، وبسبب طبيعته هذة وارتباطاً بالمشكلة السورية فأن ثمة أسئلة تفرض نفسها على مستوى الموضوع من بينها تغيب دور المنظمات الاسلامية المتطرفة، وهل كانت بالفعل خارج  المشهد الحمصي حين صور فيلمه؟ وأيضاً وبمقدار ما يتعلق برؤية صاحبه الى الحدث السياسي الذي أنتج يوميات معارك حمص وصراعها العسكري، فأن سؤالاً ملحاحاً يخطر على البال حول موقفه النقدي من المرحلة التي تمر بها سوريا، رغم طبيعة الحدث المنقول والذي لا تمنع آنيته من أن يسجل صانعه موقفه من مجمل الصراع وبشكل خاص من الطرف الذي يميل موضوعياً اليه منطلقين من اعتبار نظري يقول أن إختيار أي موضوع يمثل انحيازاً واعياً اليه، وبالتالي يحتمل مناقشة صانع الوثائقي حول موقفه منه. السؤال بذاته لا يفرض طبعاً أي نوع من الحكم حول وجود مقدار من "البروباغاندا" فيه، بل يتجاوز الى البحث عن أجوبة لأسئلة عصية يطرحها الفيلم نفسه، على مشاهده وهنا تكمن في الحقيقة أهمية "العودة الى حمص" فبمقدار ما يقدم مشهداً جلياً  عن الدمار التي تتعرض له حمص وسكانها بمقدار ما يزيد من كم الأسئلة المتعلقة بأسباب كل ما يحدث والأخطر الى أين ستؤدي مسار الأحداث وكم من الخراب ينتظر حمص وغيرها في مقبل الأيام؟

على مستوى مختلف تأخذنا المخرجة اليمنية خديجة السلامي في فيلمها الوثائقي "قتلها تذكرة للجنة" قضية الصحافية بشرى المقطري واصدار بعض علماء الدين اليمنيين فتوى بسفك دمها بسبب مقالة كتبتها بعنوان "سنة أولى ثورة" اتهموها بأنها قد تضمنت اساءات الى الذات الإلهية، مع أن القراءة في المقاطع موضع الجدل والاتهام، التي تضمنها الشريط تنفي التهمة عنها، وتؤكد سوء الطوية المتعمد في قراءة خارجية تُحمل نصها ما لا يحتمل، لأغراض أخرى حاولت السلامي التركيز عليها في مقدمتها لجم الأصوات المنتقدة لمسار الحراك الشعبي اليمني وفضح  محاولات القوى المحافظة ركوب الموجة وحرف أهداف الثوار الشباب عن طريقها. في شخصية الصحافية اليمنية ما يصلح لرسم بورتريت جميل لواحدة من الناشطات الشجاعات اللواتي تحدين السلطة وأتباعها، بمواقف واعية فهي كاتبة وصحافية قادرة على التعبير عن أفكارها بشكل جيد، ومع هذا فقد سعت السلامي الى احاطة القضية بالتفاصيل المهمة التي تعكس المواقف النقدية للكثير من مؤيدي الثورة من تطوراتها وادراكهم لحجم المخاطر التي تحيط بالكاتبة وعائلتها كنموذج مصغر يمكن تكبيره على نطاق أوسع لتبيان حجم الضغط الممارس من قبل المحافظين لإخراس تلك الأصوات. في تصويرها لمشهد مغادرتها منزلها الى الخارج، تكثف السلامي تبعات أفعالهم وقلة صبرهم على سماع أصوات غير أصواتهم وبالتالي سيؤدي تهديداتهم الى تفريغ البلاد من قوى طليعية بلادهم أحوج من غيرها اليهم، وما تسجيلات انطباعات المقطري لزياراتها مدن وقري بعيدة عن مدينتها تعز وهي في طريقها الى  إلا توضحياً لحجم التخلف الموجود في مناطق كثيرة في اليمن تحتاج لتغييرها نحو الأحسن الى صوت المقطري ووعيها المتقدم. "قتلها تذكرة للجنة" يضاف الى رصيد السلامي من أفلام موضوعاتها الرئيسة: المرأة اليمنية، التي تحاول تقديمها وسط علاقاتها الاجتماعية وما تتعرض له من ظلم وحيف تجد في تسجيله وثائقياً مساهمة منها في عرضه على نطاق واسع من أجل مناقشته والبحث في جذوره وأسبابه.

الجزيرة الوثائقية في

24.03.2014

 
 

فيليب عرقتنجي:

«ميراث» من الهجرة والحروب

بانة بيضون 

هل هي مصادفة أن يعيد التاريخ نفسه؟ ذلك هو السؤال المحوري الذي يطرحه المخرج اللبناني في فيلمه الجديد. الشفاء من الماضي يكمن في الاعتراف به، وبروايته لأطفاله، على أمل أن يحرّرهم من عبء هذا الميراث المتناقل من جيل إلى آخر. عالم مركب وغريب وممتع تختلط فيه الأزمان والحيوات ولو طغت عليه المثالية الحالمة أحياناً

قد تدفن جثث الضحايا. قد تختفي آثار الدمار التي تركتها الحروب المتتالية التي عاشتها المنطقة ولما تزل. لكن هل تختفي ذاكرة العنف والقتل من اللاوعي الفردي أو حتى الجماعي المتوارث؟ الأشياء التي ندفنها داخلنا، ستلاحقنا من جيل إلى آخر، من حياة إلى أخرى. هذا ما يحاول فيليب عرقتنجي أن يثبته لنفسه في الدرجة الأولى، ثم للمشاهد في فيلمه الجديد «ميراث» الذي يطرح هذا الأسبوع في الصالات اللبنانية.

إنّها رحلة عبر الزمن حيث يروي لنا المخرج اللبناني سيرة نزوح عائلته وتهجيرها من تركيا إلى سوريا ومنها إلى لبنان منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم. ألبوم عائلي أو وثائقي درامي. يتنقّل عرقتنجي بين الأنواع السينمائية منذ بداياته في وثائقي مع «من عيون الأمهات» (1992) و«بيروت من أحجار وذكريات» (1993) إلى فيلمه الروائي الأول «بوسطة» (2005/2006) ثم «تحت القصف» (2008) الذي حصد جوائز عدة.

في «ميراث»، يسعى إلى المزج بين الروائي والوثائقي، وبين الخاص والتاريخي. أراد أن يقدم طرحاً سينمائياً مختلفاً (يقول مازحاً بأنّ فيلمه قد يشبه مفهوم «المازة» اللبنانية بمزجه بين الأساليب السينمائية المختلفة). قد تكون إحدى السمات التي تميز «ميراث» أنّ مخرجه متمرّس أيضاً في السينما الروائية. يلعب عرقتنجي باحتراف على تلك المساحة بين الخاص والمتخيّل، محوّلاً نفسه وزوجته وأولاده إلى أبطال هذه الدراما التي هي حياته. يغادر المخرج موقعه من وراء الكاميرا، ليكشف للمشاهد تفاصيل عن نفسه وحياته العائلية والخاصة. هي مغامرة بالطبع لا تخلو من الخوف كما يقول. لكنه كان مستعداً لخوضها في هذه المرحلة من حياته ومسيرته. وإذا كان عرقتنجي ماثلاً أمام الكاميرا، إلا أنّ المخرج داخله متيقظ دوماً يدير الممثل الذي هو نفسه وبقية الشخصيات بسلاسة إلى المكان الذي يريده حتى أطفاله، خصوصاً أصغرهم الطفلة إيف.

يتتبع رحلة تهجير عائلته منذ أن هربت جدته من تركيا إلى سوريا على متن باخرة عسكرية إلى الهجرة التي تلتها من سوريا إلى لبنان إبان الفترة الناصرية، بحثاً عن بلد أكثر انفتاحاً وترحيباً بالمسيحيين وصولاً إلى ترحاله على متن الباخرة صوب فرنسا برفقة زوجته الفرنسية اللبنانية وأولاده أثناء حرب تموز 2006. قد تكون سيرة الهجرة العائلية للمخرج تعبّر عن تاريخ المنطقة العربية لكنّها تعبّر بشكل خاص عن معاناة أقلية في الشرق هم المسيحيون، ولو أنّ حرب تموز لا تندرج مباشرة في سياق حتمية الهجرة التي يتناولها المخرج. على أي حال، ليست اختيارية الهجرة أو اضطراريتها هي موضع النقاش، مع أنّ المخرج يحاول تبريرها في مقطع من الفيلم حين تخبره زوجته وهي على متن الباخرة عن شعورها بالسوء، لأن خيار الرحيل يعود فقط إلى فئة محظوظة من اللبنانيين تنتمي هي إليها. لكن لا حاجة فعلية للتبرير، فخصوصية هذا الميراث العائلي الذي يتناوله عرقتنجي سواء بانتمائه الديني أو الطبقي الذي يعرضه بصراحة للمشاهد من دون محاولة للتواري أو التخفي، هي نقطة قوة الفيلم التي ترتكز عليها مصداقيته.

قد لا يتماهى المشاهد الآتي من خلفيات اجتماعية أو دينية أو حتى علمانية مع خصوصية السيرة العائلية لعرقتنجي.

لكنه سيشاركه تساؤله الذي هو نقطة انطلاق الفيلم أو رحلة العودة في الزمن: هل هي مصادفة أن يعيد التاريخ نفسه؟ وهل لنا أن نوقف حلقة التكرار المفرغة للحرب والهجرة؟ هذا الميراث المؤلم الذي يعيش في الذاكرة الجماعية للبنانيين. الشفاء من الماضي لدى عرقتنجي يكمن في الاعتراف به، وبروايته لأطفاله، على أمل أن يحرّرهم من عبء هذا الميراث المتناقل بطريقة خفية من جيل إلى آخر. عبر المؤثرات الخاصة التي صنعت كلها في لبنان، واستغرقت وقتاً طويلاً بسبب صعوبة تنفيذها بدقة كما يخبرنا المخرج. يخرج عرقتنجي الذاكرة من ثباتها ويبث فيها الحياة مرة أخرى. نرى ذلك مثلاً في المشهد الذي يتجول فيه ابنه داخل الصور الفوتوغرافية للحرب الأهلية، وهو يمثّل دور والده لما كان مراهقاً. عالم مركب وغريب وممتع تختلط فيه الأزمان والحيوات يأخذنا إليه المخرج ولو طغت عليه المثالية الحالمة أحياناً. يظهر ذلك على سبيل المثال في مشهد المنطاد الذي ينتهي به الفيلم والسعادة التي تغمر الجميع. لكن ذلك يتفق مع الأسلوب الروائي الذي يعتمده المخرج في لقطات أخرى في الفيلم، تتشابه مع قصص الأطفال الذين يهديهم عرقتنجي الفيلم كما يظهر في جينيريك البداية: «إلى أولادنا».

«ميراث» بدءاً من الخميس المقبل في الصالات اللبنانية

أرشيف فوتوغرافي

يفرض أطفال فيليب عرقتنجي أحياناً تساؤلاتهم الخاصة على المخرج. علاقة تبدو بسيطة بعفويتها، لكنها أيضاً معقدة، يبنيها المخرج بخاصة مع أطفاله عبر العدسة التي يتفاعلون معها بحرية وطلاقة كأنها جزء من حياتهم اليومية، أو حتى من علاقتهم ــ حتى العاطفية ــ مع أبيهم الذي لم يعتادوا رؤيته من دونها منذ صغرهم، كما يفسّر لنا عرقتنجي. العلاقة مع الصورة عبر الفوتوغرافيا أو السينما هي الهاجس الأساسي للمخرج الذي يعيد في «ميراث» إحياء تاريخ عائلته المرتبط بتاريخ المنطقة والصراعات والانقسامات التي شهدتها منذ الحقبة العثمانية عبر الأرشيف الفوتوغرافي الذي جمعه من مصادر عدة من فرنسا وأميركا ووزارة السياحة في لبنان.

الأخبار اللبنانية في

24.03.2014

 
 

شاشات الواقع بين قبضايات اللجى ولغز «الديفا»

يعيدنا شريط «أسمهان» إلى حقبة أكثر انفتاحاً باتت منسية في تاريخ مصر اليوم

بانة بيضون 

أمس، انطلقت الدورة العاشرة من مهرجان «شاشات الواقع» في «متروبوليس أمبر صوفيل». في البرنامج مجموعة من الأفلام الوثائقية العربية والأجنبية التي أُنتجت عام 2013. تيمات تتنوّع بين الهجرة والثورة المصرية وأحوال المرأة في المجتمع اللبناني وإعادة فتح صفحات منسية من التاريخ

انطلق أمس في «متروبوليس أمبير صوفيل» مهرجان «شاشات الواقع» مع مجموعة من الأفلام الوثائقية العربية والأجنبية التي يعرض أغلبها للمرة الأولى في بيروت. في «أرق» (27/3 ـــ 2013) للمخرجة اللبنانية ديالا قشمر الحائز جائزة لجنة التحكيم الخاصة في «مهرجان دبي السينمائي» (2013)، تأخذنا المخرجة إلى حي اللجى، تلك المنطقة التي تقع خلف شارع مار الياس في بيروت والمشهورة بـ«زعرانها» أو «قبضايتها».

عبر حواراتها ومواكبتها للحياة اليومية لهؤلاء «القبضايات»، تنجح المخرجة في اختراق دفاعاتهم، بل أكثر من ذلك. تقودهم بسلاسة إلى التحليل الذاتي والتشكيك بصورتهم عن أنفسهم. على عكس ما قد يتوقع المشاهد في البداية، يبدو هؤلاء القبضايات أحوج ما يكون إلى البوح. هذه الكاميرا التي يخشونها في البداية وتقتحم فجأة خصوصية هذا العالم المغلق على نفسه، سرعان ما ينجذبون إليها كأنها ذلك الضوء الذي سلط فجأة على حياة في العتمة. تفكك المخرجة مفهوم القبضاي تدريجاً. خلف قناع القوة التي لا تقهر، ينكشف لنا البؤس الذي تعيشه هذه الشخصيات وتعيه تماماً من خلال الأسئلة التي تطرحها المخرجة. مثلاً، حين تسألهم عن حياتهم العاطفية، يجيب أحدهم: «مين اللي بدها تحبنا؟ يا حتهج يا حتروح سكتة قلبية». أو لدى سؤالها كيف يتخيلون أنفسهم بعد عشر سنوات، يقول لها أحد الشبان إنها ستعثر عليه جالساً على الكرسي نفسه، بينما يرد آخر بأنه قد يموت غداً.

في «أسمهان ــ ديفا شرقية» (اليوم ـــ 2013) لسيلفانو كاستانو الذي اشترك مع الروائية اللبنانية إيمان حميدان في صياغة السيناريو، يبحث المخرج في حياة المطربة أسمهان (1917 ـــ 1944) التي يحيط بها الغموض، كما الحادثة التي أدت إلى موتها. يتنقل المخرج الإيطالي مع الروائية إيمان حميدان من مكان إلى آخر في مصر بحثاً عن شهادات أو وثائق يعيد عبرها تجميع أجزاء حياة أسمهان: نشأتها في جبل العرب في سوريا، هجرتها وعائلتها إلى مصر، بداية معرفتها بالموسيقى ثم احترافها الغناء إلى حين قرار طردها من مصر. وترجّح الأبحاث التي أجرتها إيمان حميدان أنّ هذا الطرد جاء بقرار من الملكة نازلي بسبب إعجاب الملك فاروق بأسمهان. في مقابلة مع كاميليا ابنة أسمهان في لبنان، سيفاجأ المشاهد بأنّها بالكاد تعرف شيئاً عن حياة أمها منذ أن تركتها وغادرت مجدداً إلى مصر. ينطلق الفيلم من فرضيات عديدة يسعى إلى نفيها أو تأكيدها كعمل أسمهان مع الإنكليز والمهمة التي أوكل لها تنفيذها في جبل العرب، وما إذا كان لهم دور في قتلها أم أنّ زوجها الأخير أحمد سالم أو حتى أم كلثوم كما تقول الشائعات. عبر رحلة البحث في حياة أسمهان، يعود بنا الفيلم إلى حقبة أكثر انفتاحاً باتت منسية من تاريخ مصر اليوم. ليست هي فقط هوية مزدوجة حملتها الأميرة آمال الأطرش/ أسمهان، لكنها أيضاً حيوات متعددة عاشتها. لا يبدو واضحاً أياً منها قد اختارت أو فرضت عليها. الجواب على هذا السؤال يكمن ربما في المشهد الأخير الذي يختتم به الفيلم. نرى قبر أسمهان الذي دوِّن فوقه كلمة فنانة بخلاف قبر أخيها فؤاد الذي احتفظ بلقب أمير، ما يؤكد الهوية الوحيدة التي اختارتها ولا يلفها الغموض.

«تاء التأنيث» (29/3 ـــ 2013) للمخرجة اللبنانية كورين شاوي، يمتاز بحميميته. تصور المخرجة نساء يعشن في مدينة بيروت ويبحن بتفاصيل حيواتهن الخاصة وعلاقاتهن العاطفية على مدة خمس سنوات، تراقب فيها التغيرات التي مررن بها. في أسلوبه الروائي، يعتمد الشريط أكثر على اللغة السينمائية ليخلق تفاعلاً صامتاً بين المخرجة وشخصياتها عبر الكاميرا التي تمتاز أيضاً بجمالية خاصة، تعبّر عن الحميمية التي تؤسس لها المخرجة. تراقب تفاصيل الوجوه وتحركاتها الصغيرة وانعكاسات الضوء، لكنها تبدو في أحيان أخرى مربكة ومبعثرة ولا تنجح في بناء خط درامي متماسك يصل أجزاء الفيلم ببعضها. في الوثائقي المصري «الميدان» (26/3 ـــ 2013) لجيهان نجيم الحائز جوائز عدة في «مهرجان دبي السينمائي» و«مهرجان تورنتو»، بالإضافة إلى ترشيحه لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، نتابع يوميات الثورة المصرية في ميدان التحرير منذ اشتعالها وكل التحولات والإحباطات المتكررة التي مرت بها بينما يصارع الشباب المؤمن بقضيته بشتى السبل لإبقاء الأمل في النفوس ومتابعة النضال. يكتشف شباب الثورة أهمية الكاميرا وشبكات الإنترنت في توثيق الواقع ونقله، تلك الوسيلة الوحيدة المتاحة لكشف فساد السلطة. إيقاع الفيلم الحيوي ينقل نبض ميدان التحرير ويوثق أحداث الثورة المصرية. أما في «فيفي تصرخ من الفرح» (25/3 ـــ 2013)، فتبحث المخرجة الإيرانية ميترا فرحاني عن الرسام الإيراني بهمن محسّس الذي اختفى منذ ثلاثين عاماً وتعثر عليه أخيراً في روما حيث يعيش في عزلة اختيارية. شهران تمضيهما المخرجة برفقة محسّس في غرفته قبل موته تحاوره فيها. أغلب لقطات الفيلم التي تحاور فيها المخرجة محسس صوِّرت داخل الغرفة نفسها. لكن المخرجة تؤسس عبر ذلك الديكور الموحّد للغة سينمائية خاصة، إذ تمزج بين الصورة والرسم ونصّها الروائي الذي يواكب شخصية محسّس بطرافتها وذكائها، خالقة إيقاعاً درامياً تجريبياً فريداً من نوعه.

أما في «هبوط اضطراري» (28/3 ـــ 2013) للمخرج الإيراني كافيه بختياري، فننتقل إلى الشقة الصغيرة لأمير، ذلك المهاجر الإيراني الذي يعيش في أثينا. تحوّل الأخيرة إلى ملجأ لكل الذين هاجروا من بلادهم بطريقة غير شرعية، في انتظار أن يجدوا طريقة ما لاستخراج أوراق ثبوتية أو للسفر إلى بلد آخر. يصوّر المخرج خوف المهاجرين من القبض عليهم أو ترحيلهم: الضوء، الجيران، نظرات الآخرين، كل ما يمثله الخارج يتحول إلى مصدر رعب وقلق لهؤلاء الأشخاص الذين ــ وللمفارقة ــ ينبغي لهم أن يلغوا وجودهم بالكامل كي يضمنوا حقهم بالوجود. أما الفيلم الاختتامي للمهرجان «أيار الجميل» (30/3 ــ 1963) فهو إخراج مشترك بين كريس ماركر (1921 ــ 2012) وبيار لوم (1963). يصوّر الفيلم باريس مباشرة بعد انتهاء حرب تحرير الجزائر التي انتهت باتفاقيات إيفيان. في هذا الفيلم الذي ينتمي إلى الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، يصوّر المخرج والمصوّر والكاتب الفرنسي الشهير الصمت الممتزج بالخشية الذي سيطر على باريس. فترة انتقالية عاشتها المدينة التي بدأت تخرج ببطء من حدادها ومن الحادثة العنيفة للمتظاهرين الذين قتلوا في مترو شارون أثناء احتجاجهم على الحرب ضد الجزائر. يترافق الشريط مع نص من كتابة ماركر وقراءة المغني الفرنسي إيف مونتان تتخلله حوارات ومقابلات مختلفة يجمع بينها ليبني إيقاعاً أشبه بالروائي لحياة المدينة.

«شاشات الواقع»: حتى 30 آذار (مارس) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية، بيروت) ـ

كل العروض تبدأ عند الثامنة مساء ـــ

للاستعلام:01/204080 ــــ http://www.metropoliscinema.net

الأخبار اللبنانية في

24.03.2014

 
 

مقاربة التاريخ على خطّ التماس

محمد همدر* 

يصل فريق العمل إلى ساحة التباريس صباح الأحد في الخامسة صباحاً. اختير هذا اليوم للتمكن من تصوير مشهد اصطحاب فيليب عرقتنجي لأولاده إلى خط التماس من دون أن يتسبب التصوير بزحمة سير، أو تعيق الزحمة تنفيذ المشهد. أخذ الجميع مواقعه في انتظار اكتمال ضوء الصباح، توقفت سيارة على تقاطع الطرق في انتظار الضوء الأخضر، وما هي إلا لحظات حتى اصطدمت بها سيارة أخرى يقودها شاب ثمل. سوف يتأخر تصوير المشهد. غالباً ما كان نهار التصوير في «ميراث» يبدأ بحوادث شبيهة. كان على المخرج وفريقه التماسك لأنّ الضغط كبير، فهو سينتقل من مخرج يدير أولاده الممثلّين إلى أب يضبط خلافاتهم الصغيرة، ثم يركّز ليلعب الدور المطلوب منه كممثّل، وسط متطلبات تقنية لا يكفل معها أحد ضبط أعصابه حتى آخر النهار.

صعوبات التنفيذ فاقتها صعوبة التحضير. لم يكن سهلاً على عرقتنجي إقناع نفسه والعائلة والمموّلين المضي قدماً في تنفيذ فيلم عنه وعن عائلته، وإن كان الهدف إبراز محطات من تاريخ لبنان. رأى مراراً صوره وصور زوجته وأولاده وأهله على الشاشة الكبيرة. خاض نقاشات مع العائلة أولاً قبل أن يواجه المموّلين، فهو سيشارك الناس لحظات حميمة من أرشيف شخصي، وسيتحوّل مع عائلته إلى ممثلين في بعض المشاهد التي تستحضر ماضي العائلة، وإلى شخصيات حقيقية تعيش الحاضر في مشاهد أخرى.

قبل أن يلعب المخرج دور الأب، لجأ إلى اختصاصيي علم نفس يسألهم عن جدوى سرد ماض أليم من الحروب والهجرة ومشاركته مع الأبناء. في أحد المشاهد، يستعرض عرقتنجي أمام أولاده مقتنيات من طفولته عبارة عن كميات من الذخيرة جمعها من أمام منزله قرب خط التماس. حاول أن يراعي الدقة في الأسماء، فلجأ إلى أصدقاء حضروا خلف الكاميرا، تأكدوا من مفردات كالخطّاط والحرّاق والفراشة، لكن كانت هناك مسؤولية عند التفكير في أهل سيشاهدون أباً يستعرض أمام أولاده ألعاب طفولة عبارة عن ذخيرة من كل العيارات.

جلسات النقاش ومراجعة السيناريو التي سبقت التصوير وضعت الفيلم أمام اختبار سرد محطات من تاريخ المنطقة الحديث. تاريخ رسم مصير عائلة بحسب سيناريو الفيلم، وكاتب السيناريو هو أحد أفراد هذه العائلة، فلن يتمكن إذن من مقاربة التاريخ كشاهد متفرّج، ولن يتمكن من التملّص من إبداء رأيه ـ مهما توخّى ذلك ـ بأحداث كالوحدة العربية بين مصر وسوريا، أو الانتداب الفرنسي، الحرب الأهلية، ثورة 1958، عدوان تموز 2006. كان النقاش يطول ويعود إلى الجدل ذاته أثناء التدقيق في المفردات بين حرب وعدوان، ثوّار ومتمردين، حبيب أو غريب... حتى يصل إلى وصف ما يحصل اليوم أيّ لا حلّ.

هناك لحظات معقّدة وحسّاسة يتناولها الفيلم تطرح إلى جانب الأسئلة عن الهوية والانتماء والبقاء والرحيل، أسئلة أخرى عن دور السينما في لبنان وتحديداً سينما الحروب الأهلية. هل نصنع أفلاماً فقط لنتذكّر الحرب ونستعيد مفرداتها أم لمناقشة أسبابها ونتائجها أم لإثبات وجهات نظر قديمة جديدة؟

تبدأ أحداث الفيلم بجملة «رجعت الحرب ولعنتها» التي قصد فيها فيليب حرب تموز، وليس الحرب الأهلية. يجرّد نفسه من أسباب الحرب، مهتماً فقط بأثرها عليه وعلى عائلته. من هنا يبدأ النقاش، وتُطرح الأسئلة في حوار إيجابي عبر السينما وليس عبر المَحاور أو برامج الـ «توك شو» أو تويتر وفيسبوك.

*مساعد مخرج في «ميراث»

الأخبار اللبنانية في

24.03.2014

 
 

الجمهوريّة والطوفان

بيار أبي صعب 

نوح» دارن آرونوفسكي متوقع على الشاشة أواسط الشهر المقبل. الفيلم الذي أجازته الرقابة «بتحفّظ» حسب موزّعه، قد يزعج مرجعيّات دينيّة، كما حدث في مصر. لكن بيروت ليست القاهرة! في الظروف السياسيّة المتشنّجة التي تعيشها المنطقة، يُخشى أن تنزلق المؤسسة الدينيّة خارج دائرتها الشرعيّة، لتقتحم الفضاء العام وتمارس وصاية على الحياة المدنيّة. هل نذكّر بـ «تنورة ماكسي» (جو بو عيد)، و «السيد المسيح» ، و «فتح 1453» (فاروق أكسوي)؟ كلّها أعمال ابداعيّة قائمة على الخيال ضُربت بحجّة «ايمانيّة». أين ينتهي الاحتكام إلى القانون (وهو بحاجة إلى تطوير)، لتبدأ استنسابيّة تحددها الأعراف التي تقوم عليها جمهوريّة المحاصصة والنظام الطائفي؟

«نوح» (راسل كرو، إيما واتسون) انتاج هوليودي، يتعامل بأدوات معاصرة مع قصّة مرجعيّة في الحضارة الانسانيّة. ليس صادماً أن يشتمل الفيلم على تناقضات مع الرواية الدينيّة، فهو لا يملك أي ادعاء توثيقي، ديني. هل يجعل منه ذلك «مسيئاً» إلى الأديان؟ ألا تكفي اشارة في البداية إلى أن الفيلم لا يمثّل الرواية الدينيّة بل يحرّفها على هواه كما يحق لعمل ابداعي متخيل أن يفعل؟ الأمثلة كثيرة: «يسوع المسيح سوبر ستار» (نورمان جيوبسون)، «الانجيل حسب القديس متى» (بازوليني)، «يسوع الناصري» (زفريلي). هل كان ينبغي لتلك الأفلام أن تطابق النسق الايماني كشرط لعرضها؟

نتمنّى على «دار الفتوى» أن تتحفّظ على فيلم دارن آرونوفسكي من وجهة نظر ايمانيّة وفقهيّة، لكن من دون أن تطالب بمنعه، احتراماً لسائر المواطنين، وطالما أن هدف الفيلم ليس التجريح والتشويه والاساءة. الموروث الديني ملك الحضارة الانسانيّة جمعاء، ومن حق كل انسان استيحاؤه على طريقته. وهناك في الحاضرة وجهات نظر وعقائد متعددة لا بد من أن تتعايش بسلام. هناك مواطن من حقّه أن يشاهد الاعمال العالميّة ويحكم بنفسه. ليفعل في ظل القانون، بدلاً من أن يفعل عبر الافلام غير الشرعيّة المهرّبة.

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر PierreABISAAB@

الأخبار اللبنانية في

24.03.2014

 
 

"أسمهان، ديفا الشرق".. جماليات الوثائقي

نديم جرجورة 

تحتلّ أسمهان مكانة بارزة في وجدان كثيرين. سينمائيون عديدون (أبرزهم السوريّ الراحل عمر أميرالاي) حاولوا مراراً تحقيق أفلام عنها، من دون جدوى. المسلسل التلفزيوني "أسمهان" (2008) لشوقي الماجري لم يبلغ مرتبة الإبهار الدراميّ في مقاربة سيرة فنانة، تبدو لغاية اليوم عصيّة على نتاج بصري متعلّق بها يتساوى وجمالها المتنوّع على الأقلّ. أسمهان حاضرة بفعالية كبيرة في مخيّلة كثيرين. الوثائقي الجديد "أسمهان، ديفا الشرق" (2013، 62 دقيقة) للإيطالي سيلفانو كاستانو محاولة للدخول إلى العالم الملتبس الذي صنع أسطورة الفنانة، بعد أن جعلت الفنانة من سيرتها وصوتها وأغنياتها ونبرتها أساطير تنغلق على ذكراها الطيّبة، كي تنفتح على كل جمال أخير لا يزال باقياً، بفضلها، في الحياة والدنيا.

الفيلم الوثائقي الجديد هذا ثمرة اجتهاد بحثيّ قامت به الكاتبة اللبنانية إيمان حميدان (بالتعاون مع المستشار الموسيقيّ محمد العناني). المخرج الإيطالي ـ القادم إلى السينما الوثائقية من دراسة جامعية متخصّصة بالفلسفة، ومن عمل صحافي أيضاً ـ يريد فهم ذاك الأثر الذي خلّفته أسمهان فيه عندما شاهدها للمرّة الأولى على الشاشة الصغيرة. بين بحث أرشيفيّ ومقابلات مباشرة مع بعض من عرفها أو عرف نتاجاتها وحياتها، يتّضح المسار الذاتيّ لكاستانو في علاقته بأسمهان، الباحث في خفايا ذكراها ما يُعينه على فهم مبتغاه من إنجاز الفيلم. برفقة حميدان، تجوّل في أزقة القاهرة وبعض "التاريخ" المكتوب، كما في شيء من المرويّ على ألسنة أناس متخصّصين بالموسيقى وتاريخها، أو معنيين بحراك فني اجتماعي ثقافي إنساني عاشته القاهرة في ثلاثينيات القرن المنصرم وأربعينياته تحديداً، أو أقارب لها يعرفون بعض أسرارها أو يجهلونها كلّياً، وإن عرفوها لا يبوحون بشيء غير المتداول.

لكن الفيلم يريد أموراً أخرى: لماذا هذا الغياب شبه المطلق للمكتوب عن أسمهان، باستثناء نتف هنا وهناك؟ ما هو سبب انحراف سيارتها ووقوعها في مجرى نهريّ وموتها وسكرتيرتها بهذه الطريقة الملتبسة؟ ماذا عن علاقاتها السياسية: الارتباط بالمخابرات البريطانية. العلاقات القائمة مع فرنسيي شارل ديغول. التوجّه إلى النازيين؟ هل صحيح انها كانت راغبة في "الثأر" من البريطانيين، بسبب رفضهم تحقيق وعود لها باستقلال بلدها، فاختارت أعداءهم؟ في المقابل، أسئلة أخرى تُطرح: ماذا عن القيمة الفنية لصوتها؟ ماذا عن المنافسة الشديدة بينها وبين أم كلثوم؟ هل صحيح أن ظهور "عملاق متوحّش اسمه أم كلثوم" عطّل، بحسب إحدى شخصيات الفيلم، "تطوّر الموسيقى العربية"؟ سائق سيّارة أجرة قال كلاماً بديعاً عن أسمهان. كاميليا، ابنتها الوحيدة، ظهرت سريعاً أمام الكاميرا، وقالت القليل جداً. أحد أقاربها، الأمير عماد الأطرش، دافع عن "نقاء" وطنيتها (تمّ منح لبنان وسوريا استقلالهما قبل وفاتها بأشهر عديدة). كلام قيل فيها وفي السياسة والواقع الاجتماعي والحياة الفنية الخاصّة بتلك المرحلة. مقتطفات سينمائية ـ غنائية لها. هذا كلّه مشغول بحرفية وثائقية تبغي طرح أسئلة، وإن لم يكن الحصول على أجوبة شافية ممكناً.

لعلّ "أسمهان..." لم يُقدّم جديداً يُذكر، خصوصاً بالنسبة إلى مهتمّ بحكايات "ديفا الشرق". المعطيات المقدَّمة معروفة. المعلومات المُساقة في إطار درامي متماسك في بنائه الفني معروفة أيضاً. التحليل الموسيقيّ متناسق والموقع التاريخي لآمال الأطرش في المشهد الغنائي. تنسيق علاقة بصرية بين حكاية ما ولقطات سينمائية، أو بين أغنية وتجوال ميداني، يميل إلى قول توثيقي يخرج من رتابة الوثائقي إلى جماليات السينما. الذاتيّ الخاصّ بسيلفانو كاستانو متلائم، في سرده الحكائيّ، وتفاصيل عن ماضٍ وراهن. أو بالأحرى عن كيفية التطلّع إلى هذا الماضي بعيون الراهن. العمل البحثيّ ركيزة فيلم يريد الذهاب إلى ما وراء البحث. غير أن الملتبس ظلّ ملتبساً، و"مخفيّات" عديدة لم تظهر بعد.

يُعرض الفيلم 8 مساء اليوم في صالة سينما "متروبوليس"، في إطار تظاهرة "شاشات الواقع".

السفير اللبنانية في

24.03.2014

 
 

زوم 
عرفنا أهمية السينما لكنّنا لم نستثمرها جيداً بعد!!!

بقلم محمد حجازي

لا نقاش في أنّ العالم العربي اكتشف أهمية السينما متأخّراً.

وهو ما يذكّرنا أولاً وأخيراً بالأسلوب الذي أقنع به المخرج محمد كريم، أواسط الثلاثينات، الموسيقار محمد عبد الوهاب بأهمية هذا الفن الجديد، لجهة أنّه يوفّر عليه إرسال صورة بالبريد إلى معجبيه في دنيا العرب، لأنّ السينما ستحمل هذه الصورة إليهم وبـ«أكبر مقاس» كما يقول الأخوة في مصر.

اليوم يُقال: يا سادة قضاياكم لا تحتاج إلى سفراء أو وزراء أو مبعوثين، هي تحتاج فقط إلى شريط مصوّر يلفُّ الدنيا كلها، حاملاً ما وضعتموه في داخله من رغبات تريدون توصيلها إلى أهل الأرض كلها، وهذا يكفي، شرط أن يكون المصنّف الفني هذا منفّذاً بطريقة حضارية.

هذا الانتباه أو الوعي تلقّفه أهل الخليج أفضل منّا، ليس لأنّ المهرجانات تُقام ويستمر استيراد كل إبداع لعرضه، بل لأنّ هذه التظاهرات فتحت باباً جديداً في نشاطها يقول بأنّ فترة إقامة المهرجان لا تنحصر في أسبوع أو عشرة أيام فقط، ومن ثم تنام السينما، والعاملون فيها طوال العام أو ما تبقّى منه، بل المطلوب هو جعل الفن السابع هذا، فنّاً في المرتبة الأولى على مدار العام، بدليل هذا الكم الكبير من الخيارات السينمائية التي تتم برمجتها شهرياً في عملية تواصلية لا تهدأ وتيرتها أبداً، وهي تقدّم النتاجات الأفضل التي ظهرت، في أنحاء العالم سابقاً وراهناً بما يؤكد مقولة ذات مغزى وتتعلّق بأنّ الغرب في مكان واحد يفكُّ اللحام مهما كان قوياً ومتماسكاً، ونحن بكل بساطة نريد هدم الجدران التي تعزل أفكارنا عن الجديد والمتميّز، عن الآخر، وما عنده من أفكار وتطلّعات ورغبات، من منطق المعرفة والاطلاع لتنوير أدمغتنا على الجديد.

الحقيقة تقول بأنّ السينما إنتاج.

هذا صحيح مئة في المئة، فهي تحتاج إلى الصرف، إلى الميزانيات العملاقة، إلى المشاريع التي لا تتوقّف عند حاجز المال، بل هي تعتبره آخر همّها، وقد لفتنا خلال حديثنا إلى المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي مسعود أمر الله آل علي، عن خصوصية هذا الحدث، في وقت يُريح التفكير بأنّ كامل احتياجات المهرجان تُلبّى بسرعة، ما قاله ردّاً على هذا الكلام: ليس صحيحاً أبداً أنّنا في مهرجانَيْ دبي، والخليج (الشهر المقبل دورة جديدة) نوزّع  المال على قارعة الطريق، وإنّ كل قرش يُصرف يجب أنْ تكون له جدوى اقتصادية واضحة، وإلا فإنّنا لا نتهم.

وعن تصوير الآخرين المال على أنّه تهمة يرد آل علي بالقول: المشكلة عند الآخرين وليست عندنا. غيرنا يقول الكثير... ونحن نفعل الكثير.

وإذا كان علينا الانفتاح على ثقافات وآراء العالم واستقدام أفلامهم إلى شاشتنا في المهرجانات وخارج احتفالياتها أيضاً، فإنّه لا مبرّر للدخول في مهاترات غير مجدية تتعلّق بمنع فيلم هنا وآخر هناك، وفق مبرّرات تباينت وفق المعايير الرقابية سياسياً اجتماعياً سلوكياً ودينياً، من دون أنْ نعرف معادلة منطقية بسيطة مطلوب تطبيقها: حتى يقبل الآخر في العالم أفكارك عليك عدم رفض أفكاره وقناعاته، على الأقل الاطلاع عليها، وهذا يستدعي وعياً ونباهة وشفافية علينا الاعتراف بعدم توافرها بالقدر المطلوب عندنا.

نصارحكم هنا بأنّ كل حُكمٍ يصدر بمنع عرض فيلم، أو رفض استيراد أشرطة من بطولة فلان أو علان، تُصيبنا بإعياء نفسي.. فالعالم المفتوح على بعضه ما عاد في استطاعة أحد حجب فكر أو رأي أو شخصي، فما الذي يمنع أنْ نسمع أو نرى ما عند الآخر، فإذا ناسبنا قبلناه وباركناه، وإذا خالف تقاليدنا ومعتقداتنا وضعاناه جانباً بعدما أخذنا علماً به فقط.

العالم يفهم بالمنطق، ورأيه العام لا يحب الرصاص،  وأي صورة فيها أكشن يضعها في خانة الإرهاب من دون تردّد، فما الذي يمنع أنْ نخاطبه بلغته التي يفهمها، بالمنطق والعقل، فقط كي نوصّل إليه رسائلنا الكثيرة التي عيبنا معها أنّنا لم نعرف كيف نشرحها جيداً، فهل من عاقل يصدّق بأنّ قضية مُحقّة عمرها أكثر من 64 عاماً مازالت حائرة وغير واضحة للغرب كله: إسرائيل محتلة ومعتدية، وتُقيم دولة في أرض ليست لها، لكنها تظهر أمام الرأي العام العالمي بريئة، ومن حولها من العرب يعتدون عليها، أي وقاحة هذه، وأي ضعف في خطابنا جعلها هكذا.

نقد

«أرق» لـ ديالا قشمر ينقل واقع مجموعة من شباب «حي اللجا» في بيروت

109 دقائق صادقة لنماذج هي ضحايا حيّة للحروب المتعاقبة على بلدنا

«أرق» لـ ديالا قشمر، صوّرته العام الماضي 2013، وفازت عنه في كانون الأول/ ديسمبر المنصرم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان دبي السينمائي في دورته العاشرة.

«أرق»، فاجأنا بصدمة، ودخل إلى القلب سريعاً بعفوية هي نفسها التي عرفناها عن المخرجة التي تعرّفنا عليها في دبي، ولم تُتح لنا هناك فرصة مشاهدته، فتابعناه في العرض الخاص الذي أُقيم ظهر الخميس الماضي في صالة متروبوليس - أمبير، هذه الصبية (35 عاماً) تخاطب فينا الإحساس والمباشرة، وتدخل إلى منطقة ليست بعيدة عنّا، بل قريبة جداً منا، إنّها في منطقة المصيطبة، وتحديداً في «حي اللجا»، الذي تحوّل اليوم إلى خلية نحل رسمية فدارة الرئيس تمام سلام عند أطرافه، وعائلة سلام كما عائلات بيروتية أخرى كثيرة، جعلت المنطقة تُطبع بطابع «قبضايات» تلك الفترة، وهم غالباً من الأوادم الأقوياء القادرين على أنْ تكون لهم كلمة محترمة في الشارع، وصولاً إلى الحقبة التي عرفت المنطقة هجرة من الجنوب إلى شوارعها الداخلية، حتى تحوّلت إلى عمق جماهيري شيعي تفاعل مع محيطه من أبناء بيروت، وهو ما يلحظه فيلم «أرق» لـ ديالا، الذي يمتد على مدى 109 دقائق دافئة وصادقة.

تُخبِر المخرجة في سياق الأحداث عن أنّها كانت تمر في الشارع، وعندما ترى الشباب الذين يتوزّعون بعض المواقع لجلساتهم ومراقبة العابرين، تعتبرهم من الزعران، وهذا ما أبلغته إليهم فضحكوا، لكن النماذج التي أضاءت عليها، واحتكّت بها وتحدّثت إليها جميعها من أصحاب السوابق، شباب معظمهم لم يبلغ الثلاثين عاماً بعد، يروون علاقاتهم بالمخدرات، والحياة الخاوية، ومناخ الأكشن الذي فرضته مناخات الحرب، ويفضلّونه أيضاً على الشاشات، ويعتبرون أنّه لا توجد فتاة تحبّهم وإذا حصل وعرفتهم على حقيقتهم فإنّها لا تنساهم مدى عمرها أبداً لأنّهم أولاد عالم، أولاد بيوت، لكنهم أساؤوا إلى أنفسهم ومستقبلهم، ولا يريدون تغيير هذا النمط الذي يعيشونه.

ديالا تحاورهم قليلاً، لكنهم في غالبية الأحيان يتحدّثون لوحدهم من دون حافز، إذ كانوا يتدفّقون ويطلقون حكماً إنسانية، عن الحبس الذي كانوا فيه وعن الحبس الكبير في الحياة، حيث لا يعثرون على عمل، وأبرزهم يروي أنّه يفضّل سجن رومية على سجن طرابلس المركزي لأن الأوّل كلّه شيعة، والثاني كلّه سُنّة من السلفيين، الذين تواجد مع 49 منهم في قاووش واحد وهم هدّدوه بأنّهم قادمون إليه وإلى جماعته في الضاحية، وعتب على والده لأنّه لم يفعل شيئاً لنقله إلى رومية، الذي اعترف زميل له بأنّه يستفيد فيه أكثر، ويعمل أكثر ويجني أكثر من المال من تجارة الحبوب المخدرة.

آسر هذا الفيلم.. لكنّه لا يسبب أرقاً، فكل ما فيه أنّه يدخل إلى منطقة المعلومات عنها قليلة، لكن تناوُل موضوعها بكثير من الواقعية جعل الفيلم صريحاً جداً، وكل من شاهده عرف من خلاله أي نموذج من جيل اليوم يقف أمام الكاميرا، عرفنا بعضهم العصبيين، وتحمّلت ديالا، ثم تواصلت جيداً مع أحدهم، ثم مع بعضهم، إلى أنْ وصلت الصورة بالكامل إلينا، فهم مجموعة شباب يقارب عددهم العشرة، كلّهم أصحاب قلوب طيبة، لكن إذا ما تطوّرت الأمور عكس ذلك فلا أحد يضمن الباقي، والشخصية الرئيسية في الفيلم علاء كان يتحدّث إلى والدته بعدما خرج من سجن طرابلس: تقبريني.. جايي لعندك إركع وبوس إجريكي، شو بدك بأمرك.

هذا المناخ يقدّم لنا شريحة حاضرة من جيل الحرب، جيل هذا الزمن الذي عاشه شبابنا كل في الـ «غيتو» التابع له، ويتميّز «أرق» بأنّه لم يُصوّر لأنّ في حي اللجا، تجمّعاً شعبياً من مذهب معين، بل من أجل الإضاءة على من لجأوا في وقت ما، من جنوب لبنان إلى عاصمته، وسكنوا في منطقة واحدة متلاصقين، وجاءت التطوّرات المعروفة كي تجعل من هذا النسيج قضية حاضرة.

أحببنا «أرق» لأنّه يقول الكثير مما لا نعرفه... والكثير أيضاً من الذي ندركه ووجدناه صادقاً على الطبيعة

عرض

سيارات وقلوب في شريط جاذب...

نادراً ما تابعنا شريطاً يحكي عن سباق سيارات وتفاعلنا معه، كما حصل مع فيلم (Need for speed) للمخرج سكوت ووغ، كتب له السيناريو جورج غاتنز، عن قصة تعاون عليها جورج وجون غاتنز، اللذان صرفا على الانتاج 66 مليون دولار، وتولى التوزيع شركة دريم وودكس التي أحد مالكيها ستيفن سبيلبرغ.

ساعتان و12 دقيقة، هي مدة الشريط الذي جنى في يوم واحد من افتتاحه في الصالات الأميركية ما يقارب الـ 18 مليون دولار يوم 14 آذار/ مارس، وحتى 18 منه، جنى الفيلم أكثر من عشرين مليوناً ونصف المليون دولار، رغم كونه من دون نجوم صف أول اطلاقاً، وحيث الأسماء عادية جداً: آرون بول، دومينيك كوبر، إيموجين بوتس، سكوت ميسكوتي، رامي مالك، رامون رودريغز.. وحده مايكل كيتون من الأسماء المعروفة والذي يقوم بدور مونارش الذي يحمس السائقين المحترفين لكي يفوزوا بالجائزة الكبرى التي حددها. وتحصل الكثير من المناوشات، والمطاردات، ومحاولات العرقلة لهذا السائق توبي مارشال (بول) لكنه يظل قادراً على بلوغ الصدارة، رغم كل الصعاب المذهلة التي واجهته في رحلة السباق، في مواجهة متسابقين لا يعرفون الرحمة ولا القيادة الرصينة.

لـ بول حضور رصين وجيد، هو في الـ 35 عاماً، يديره المخرج ووغ، الذي عرفناه عام 2003 في خطوة في الماء، وعام 2012 عصر القيم

تظاهرة

شاشات الواقع 10...

أنطلقت أمس في سينما متروبوليس، أمبير صوفيل الدورة العاشرة من مهرجان: شاشات الواقع والذي يستمر حتى الثلاثين من آذار/ مارس الجاري.

الأفلام الوثائقية هي الحاضرة في هذه الدورة وكان شريط الافتتاح: منزل الراديو لـ نيكولا فيليبير. تعرض الدورة: أرق لـ ديالا قشمر، أنوثة ساكنة لـ كورين شادي، كما يعرض: أسمهان ديفا شرقية لـ سليفانو كاستانو في انتاج لـ ديغول عيد المخرج المقيم في فرنسا منذ سنوات له: الميدان لـ جيهان نجيم الذي كان مرشحاً لأوسكار أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالانكليزية.

يوم الختام الأحد المقبل يعرض فيه: مايو الجميل لـ كريس ماركر، وبيار لوم، ويشارك في الفيلم ايف مونتان

خاص

«الميدان» رائع....

عند  السادسة من مساء الخميس الماضي أقيم عرض خاص لشريط: الميدان، للمخرجة المصرية جيهان نجيم الذي كان أحد ثلاثة أفلام عربية مرشحة للأوسكار هذا العام، في قاعة محاضرات المبنى الجديد لمعهد عصام فارس قرب الملعب البيضاوي في الجامعة الأميركية، وأعقب ذلك جلسة مناقشة شاركت فيها آسيا الميهي من منظمة الأسكوا، ورئيس مكتب الشرق الأوسط لمنظمة هيومان رايتس نديم حوري.

إنتاج الفيلم تكلف مليون ونصف المليون دولار، مدته 95 دقيقة، لعب أدواره البارزة: خالد عبد الله، دينا عبد الله، دينا عامر، مجدي عاشور، شريف بوراي، عايدة الكاشف، رامي عصام، أحمد حسان، بثينة كامل، خالد ناجي، راجية عمران، سلمى سعيد، أحمد صالح، علاء سيف، ورامي شعث.
الإنتاج لـ كريم عامر، صانع الموسيقى التصويرية جوناس كولستروب، وسكوت ساليناس، أدار التصوير: محمد حمدي، المخرجة جيهان، أحمد حسان، وغريسيدا تراو، وعمل ثمانية على مونتاج الشريط الذي عرضته بريطانيا في 10 كانون الثاني/ يناير 2014.

شريط وثائقي مؤثر وصادق، ومن الحالات النادرة التي نعثر فيها على عمل توثيقي يلحظ الإيجابيات والسلبيات، ونعتبره وثيقة عن الثورة المصرية في غاية الأهمية

اللواء اللبنانية في

24.03.2014

 
 

خالد يوسف: عائد بقوة للسينما عبر «الحب» و«الأندلس»

المخرج المصري قال لـ «الشرق الأوسط» إن المسلسلات التركية تهدد الأمن القومي العربي

الرياض: فتح الرحمن يوسف 

توقع المخرج المصري خالد يوسف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من الرياض، وثبة جديدة لصناعة السينما في السنوات المقبلة، متفائلا بعودة دورها الذي كانت تؤديه في غابر الأيام.

ووعد المخرج يوسف «الشرق الأوسط»، بعودته بقوة للسينما من خلال مشروعين أحدهما اجتماعي «عن قصة حب» ومشرع آخر تاريخي عن «الأندلس»، مشيرا إلى أن لديه أكثر من مشروع فني قادم.

ويتناول فيلمه المقبل «الأندلس»، جذور وتاريخ الحضارة العربية والإسلامية في تلك الرقعة الجغرافية في ذلك الزمان، «كنت قد كتبته منذ فترة، في طور البحث عن تركيبة إنتاجية ليخرج للناس بشكل مناسب».

وقال: «لدي أكثر من مشروع ولكن للأسف الوضع في مصر مرتبك حتى الآن، وكنت دائما مشتبكا مع ما يحدث على الأرض إذ لم تكن لدي رفاهية كافية للتفكير السينمائي».

وأضاف يوسف «السينما هي الصناعة الوحيدة التي تأثرت كثيرا بالانفلات الأمني الذي كان يسود الساحة المصرية منذ فترة، ذلك لأنها صناعة مرتبطة بالشارع بشكل وثيق».

وأوضح أن الكثير من شركات الإنتاج السينمائي أحجمت عن صناعتها لفقدان الأمن، مع خشية عدم إمكانية تصويرها أو يطالها عنف الأحداث ويتراجع بسببها قيمة الفيلم وأهميته ورواده نسبة لحظر التجوال.

ولفت يوسف إلى أنه خلال هذه الفترة، عانت السينما من أزمة بفعل أن الدولة لم تكن مؤمنة بها من أصله، لإظهار وجه مصري الحضاري أو استخدامها كقوة ناعمة في التأثير في المحيط العربي.

وازداد الأمر وفق يوسف، سوءا مع الثورة، بما تبعها من عنف وفقدان للأمن، معتقدا أنه باستقرار الأوضاع في مصر، ستتعافى السينما باعتبارها من الصناعات المهمة جدا التي خلقت لمصر تأثيرا قويا وربطتها بالوجدان العربي كإحدى الأدوات الفاعلة.

وفيما يتعلق برأيه حول انتشار المسلسلات التركية في المنطقة العربية على وجه الخصوص، أكد يوسف أن تسيدها على الشاشات العربية، خطر يمثل تهديدا للأمن القومي العربي، «ولا أبالغ في ذلك».

وقال إن «هذه المسلسلات تدخل كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج، وتصدر مجموعة قيم مغايرة تماما لمنظومة قيم المتلقي والمجتمع العربي، حيث إن الشباب الصغار والأطفال من الجنسين والذين في عمر الصبا، يتشكل وجدانهم على هذه القيم التي لا تنتمي لبيئتنا».

ويبقى وفق يوسف، هناك صراع بين المنظومتين المختلفتين من القيم، ذلك لأن النشء يجد نفسه بين قيم أسرته وبيئته العربية، وبين تلك التي يجدها متاحة وجها لوجه من قيم أخرى لا يعرف عنها شيئا وتبث إلى وجدانهم ليل نهار.

وأضاف يوسف: «أتصور أن هناك خطورة شديدة جدا من هذا السيل المتدفق من الفن التركي، وأنا أتحدث كمصري تربطني بالمجتمع العربي منظومة قيم واحدة ومشتركة، فالشعب المصري ليس لديه مشكلة في متابعة الأعمال السورية أو الخليجية أو غيرها».

وقال يوسف: «خوفنا أن تتشكل قيم أطفالنا، بتلك التي لا تنتمي لمجتمعهم العربي، وفي رأي من الصالح أن نشاهد مسلسلات وأفلاما من كل أنحاء العالم لا يمثل بالنسبة لنا مشكلة، كما قال غاندي حينما قال إنني مستعد أن أفتح نوافذي لكل رياح العالم بشرط ألا تقتلعني من جذوري».

وأكد تصدير منظومة قيم المجتمع التركي بهذا الإلحاح وبثه في الشاشات العربية يمثل خطرا يحدق بنشئنا ووجدانهم العربي، مشيرا إلى أهمية تكثيف المنتجات العربية على اختلافها باعتبار هي الطريق الوحيد لتوحيد الوجدان العربي، فضلا عن أنها ذات جذور وقيم واحدة.

وزاد يوسف: «أنا أتصور تسيد نوع معين من الأعمال الفنية لا ينتمي لبيئة نفس قيمنا يستحق الوقوف عنده ودق ناقوس الخطر»، ولكنه في نفس الوقت لا يعتقد أن الحل ليس بالمنع لأنه من الصعوبة بمكان منع بث القنوات الفضائية على مستوى العالم.

وشدد بضرورة أن يكون هناك توازن بمعنى أن يدرك كل من الإعلام والقنوات دوره، لخلق نقطة اتزان بين عرض المسلسلات التركية والمسلسلات العربية، تحسبا لاختراق قيم نشئنا وانحرافه.

من جهة أخرى رد يوسف على منتقديه الذين وصفوه بأنه رسول الإباحية وانحلال الأخلاق المنطقة العربية، على خلفية بعض الأفلام التي احتوت على بعض الإيحاءات الجنسية، منها فيلمي «حين ميسرة» و«الريس عمر حرب»، بأنهم ركزوا على الجزء الفارغ من الكأس، وتركوا الجزء الملآن منه.

وكان فيلم «حين ميسرة»، مس الجانب المسكوت عنه في المجتمع وخصوصا مشهد السحاق، الذي أدته فنانتان في الفيلم، حيث اعتبروه دليلا على انحدار الأخلاق في السينما.

وكان وقتها قد طالب الدكتور عبد الصبور شاهين بإحالة بطلتي ومؤلف ومخرج الفيلم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم بتهمة «الدعوة إلى نشر الشذوذ الجنسي والسحاق والتخريب الأخلاقي» على حد تعبيره، وطالب حينها بعض نواب مجلس الشعب المصري بوقف عرض الفيلم.

كما أثارت مشاهد جنسية احتواها فيلم «الريس عمر حرب» حفيظة البعض، لما فيه من مشاهد من حياة المقامرين، باعتبار أنها لا تشكل أهمية بالنسبة للجمهور ذلك أن المقامرين فئة منبوذة في المجتمع.

ولكن خالد يوسف أوضح أن الأحداث تمت في سياقها وأن المشاهد تصوير لاغتصاب وسقوط بغداد وهو ما يعد سفسطة كلامية لم يجد الكثيرون منها أي دلالة حقيقية تعنيه.

وقال: «ليس هناك مبدع عربي تحديدا، من مصلحته أن يدعو إلى انحلال القيم، والإباحية لأنه في النهاية ليس لدينا إلا هذه الأمة ونحن نعيش على أرضها تماما كما أولادنا، ولذلك ليس من مصلحتي أن أربي أطفالي في مجتمع منحل، وبالتالي فإن الفن إحدى وظائفه في الحياة هي الرقي، والسمو الإنساني والارتقاء بقيمها لا الانحدار بها إلى أسفل».

وأضاف: «أنا عندما تعرضت لبعض القضايا المسكوت عنها، وأصبح بعض المتحفظين يعزف على هذا الوتر الحساس، بأن المسكوت عنه لا يجوز كشفه والحديث عنه ولكن على مستوى العالم لا توجد قضية لا تناقش خاصة الأمراض الاجتماعية والتي يوجد منها في مجتمعاتنا العربية».

وشدد يوسف بوضع المسكوت عنه على المكشوف مثله مثل أي مشكلة أسرية تحتاج لحلول، مبينا أن عرض المشكلة نفسه يطرح أسئلة كاشفة تبصر المجتمع نحو البحث عن حلول لها، «لأن الفنون ينطبق عليها القول: وحدها الأسئلة ترى الأجوبة عمياء».

وزاد: «في هذه الأفلام طرحت الأسئلة التي أعتقد أنها كاشفة، تجعل المجتمع في واجهة بعض الصدمات من طريقة العرض لأجل أنني أرى الخطورة تكمن في السكوت على قضايا كتلك دون مناقشتها، مهما بلغت درجة حساسيتها، ومن يقول بأن المجتمع العربي مجتمع من الجنة كله خير، ومعافى من أي أمراض اجتماعية أو ظواهر انحراف أخلاقي كذب».

الشرق الأوسط في

24.03.2014

 
 

هل يحتاج الفن إلى اللون؟

محمد رضا 

عندما بدأ الترويج للشاشات الملوّنـة في الخمسينات، تلك السينمائية والتلفزيونية فيما بعد، كان مفتاح الدعاية كامنا في كلمة «طبيعي»: «شاهد الفيلم بالألوان الطبيعية» أو «هذا البرنامج يأتيكم بالألوان الطبيعية». والمقصود بالطبع أن ألوان الطبيعة (أزرق، أحمر، أصفر، أخضر وكل ما ينشق عنها أو يتألّف من مزج أي لونين أو أكثر) هي التي ستراها على الشاشة في البيت أو في صالة السينما وليس اللا - لون الذي كان دارجا ومعبّرا عنه بالأبيض والأسود وتدرّجاتهما الرمادية.

لكن إذا ما كان الأمر على هذا النحو، أي إذا ما كانت الألوان هي الطبيعية وسواها ليس طبيعيا (وهو مفهوم صحيح إلى حد كبير) لمَ كان الفيلم الأبيض والأسود محبوبا ولا يزال بين فئة كبيرة من المشاهدين؟ لماذا لم يشكوا النظّـارة منهما مطالبين بأفلام ملوّنـة وبل لماذا راجت السينما عندما كانت بلا ألوان؟

ليس أن السينما لم تعرف الألوان قبل الخمسينات. الفرنسي موريس كليمان (النون تكتب ولا تُلفظ) لوّن فيلمه «سيرانو دي برجيراك» سنة 1900 باليد (وبل أضاف عليه الصوت مسجّلا على نحو منفصل). الفرنسي الآخر جورج ميلييس لوّن بعض أفلامه الأولى (من عام 1902 وما بعد) باليد أيضا. ويستطيع أي منا العودة إلى تاريخ اللون ليجد أنه في كل عقد كانت هناك محاولة لإدخال اللون إلى السينما لكنها لم تنجح.

لماذا؟

السبب الرئيس هو أن الجمهور لم يستلطف اللون. جمهور الأمس وجد ضالته في الشاشة الرمادية (أو الفضيّـة كما اسمها الأكثر انتشارا) وأحبّـها على هذا النحو. ولهذا سبب أعمق: إذا ما كانت السينما خيالا، فإن اللا - تلوين هو جزء من هذا الخيال. لماذا، والسؤال دار بخلد ملايين، على المرء أن يدخل عالما أكثر واقعيا إذا ما كان ينشد عالما أكثر بعدا عن الواقعية.

ولا يمكن إنكار قيمة الأفلام التي صوّرت بالأبيض والأسود، لا من حيث معطياتها الفنية المحضة ولا من حيث تأثير أجوائها على المشاهدين ولا من حيث التقائها مع مضامين أنواع متعددة من الأفلام (هذا جلي فيما يُـعرف بـ«الفيلم نوار» حيث الشخصيات بذاتها مزيج من الأسود والأبيض في الداخل النفسي والعاطفي).

الفنون الأخرى تتشرذم حيال هذا الوضع.

يمكن انتشار الرسم الأبيض والأسود والرمادي (يسمّـونها «ألوان أكروماتيك») وهناك الكثير من هذه الاتجاهات، لكن لا يمكن تقديم قطعة موسيقية بأي لون سوى اللون النفسي الذي تحصده الروح إذا ما استجابت للموسيقى. أما المسرح فهو مجال أصعب. من ناحية تقنية يمكن إلباس الممثلين ثيابا سوداء وبيضاء ورمادية وجعل الديكور كله أكروماتيكيا، لكن من ناحية منطقية على ذلك أن يجيب على السؤال الصعب: لماذا؟

الجواب عليه أن يُـبرر بالتشكيل الفني والوجداني للحياة التي ستعبّـر عنها المسرحية. الأفكار التي تتداخلها والمدارس التي ستنتمي إلى واحد منها. وشخصيا، لا علم لي إذا ما تم تقديم مسرحية بالأبيض والأسود من قبل، لكن الصعوبة في ذلك تكمن في أن تقديم مسرحية على هذا النحو يحمل خداعا للحياة على عكس السينما إذ ترتفع نسبة القبول بهذا الأمر إلى اليوم، فإذا بالأفلام البيضاء - السوداء ما زالت مصنوعة، وبعضها ينال الأوسكار أو أيا من الجوائز السنوية الأخرى.

الشرق الأوسط في

24.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)