كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

بين فيلمين ونصفي روبوت

نسخة فرهوفن السابقة ضد النسخة الجديدة من «روبوكوب»

هوليوود: محمد رُضا

 

عندما حقق المخرج بول فرهوفن «روبوكوب» سنة 1987 كان ورد حديثا من بلاده هولندا. مثل كثيرين سواه من مخرجي أوروبا، توخى فرهوفن لنفسه مكانة أفضل في رحى هوليوود مدركا أن الشهرة الحقيقية موجودة فيها وبسببها.

آنذاك، وبعد نحو خمسة أعمال سينمائية حققها في موطنه الأول، وبضعة إنتاجات تلفزيونية، كان لا يزال المخرج قادرا على تحقيق ذاته وأحلامه في عاصمة السينما على عكس ما هو الحال عليه اليوم اختفى فيها، أو يكاد، التوقيع الخاص بمخرج معيّن. ذلك التوقيع الذي كان بمثابة دلالة على أن شهرته إنما تتجاوز، أو في أضعف الأحوال، تتساوى وشهرة نجوم السينما.

«روبوكوب» الذي يُعاد صنعه وطرحه هذه الأيام، لم يكن فيلم فرهوفن الأول لحساب هوليوود. قبله بعامين قام بتحقيق فيلم من المغامرات المرمية في التاريخ البعيد بعنوان «لحم + دم» أسند بطولته لمواطنه روتغر هاور الذي كان سبق فرهوفن إلى أميركا. جنيفر جاسون لي وتوم برلنسون وجاك تومسون جاهدوا في سبيل استرداد ما يعتبرونه حقا من زعيم مقاطعة في أوروبا عام 1501 ساعدوه على استعادة ملكه لكنه تنكر لهم بعد فوزه وحاربهم.

«روبوكوب» كان نقلة بالغة الأهمية لفرهوفن الذي اعتبر نفسه فنانا سينمائيا قادرا على صنع أعمال تختلف عن معظم ما تنتجه هوليوود من دون أن تتنكر لها. وهو كان البداية الفعلية للشق الهوليوودي من مهنته، فمن ناحية لم يكن «لحم + دم» سوى «أوراق اعتماد» ومن ناحية أخرى هذا الفيلم الثاني هذا الفيلم كان من النوع المفضّل أميركيا وهو الخيال - العلمي وحمل فكرة جديدة من نوعها: شرطي من مدينة دترويت (في مستقبل قريب لكنه غير محدد) يجري إنقاذ حياته بتحويله (نصفيا على الأقل) إلى روبوت.

ليس فقط أن الفيلم حقق نجاحا مدويا حينها دفع لتحقيق أجزاء أخرى (لم يكن من بينها ما هو أفضل من هذا الجزء الأول)، بل أوجد لمخرجه مكانة لائقة في هوليوود كمخرج أكشن موهوب. بعده حقق «توتال ريكول» ثم مال إلى البوليسي في «حاسة أساسية» ثم عاد إلى الخيال العلمي في «ستارشيب تروبرز» ثم صنع فيلما غرائبيا ذا أحجية بوليسية في «رجل الفراغ» وكل ذلك قبل أن يجد أن الطريقة التي بات مطالبا منه أن يعمل بمقتضاها ليست ما جاء إلى هوليوود لأجله.

* فيلم ضد فيلم

* 26 سنة مرّت على «روبوكوب» قبل أن نرى الآن نسخة من نوع «إعادة صنع» (Remake) تقتحم الصالات واعدة بفيلم أفضل من سابقه بضرورة التقدّم التقني الذي خطا خطوات واسعة منذ ذلك الحين. المخرج الجديد هو البرازيلي جو باديّا الذي سبق وأن قدّم أفلام أكشن برازيلية أعجبت هوليوود وحين فكّرت في تحقيق معالجة جديدة لـ«روبوكوب» كان باديلا أحد من تواصلت معهم تمهيدا لاختياره.

باديلا (الذي يتردد أن أصله من آل «بديعة» من لبنان) بدا اختيارا جيدا. هذا مخرج يفهم ما تقوم عليه أفلام الأكشن الجيدة: مونتاج حاد. تصوير شوارعي بكاميرا نطناطة والكثير من القتل والقتل المضاد. في فيلمه الأشهر «فريق النخبة» صوّر ما في واقع أمره نسخة من الفكرة التي يقوم عليها «روبوكوب» من دون الجانب العلمي والتقني له. الحكاية هناك هي مساع وتضحيات نخبة متميزة من رجال البوليس البرازيلي في مقارعة الجريمة وتجارة المخدّرات ومحاربة عصابات ساو باولو. الكثير من الكر والفر والصراخ ورصاص حروب الشوارع وقذائفها والمنتصر في النهاية هم رجال البوليس أنفسهم.

حين خروج الفيلم إلى صالات السينما اتهمه المثقفون البرازيليون ثم النقاد حول العالم بأنه فيلم فاشي. إن المخرج يمنح البوليس الحق في استخدام كل القوّة وتأكيد سلطاته من دون الاهتمام بحقوق الإنسان.

هذا الاتهام سيق أيضا في مطلع السبعينات عندما قام كلينت إيستوود، وتحت إدارة المخرج الراحل دون سيغال، بتحقيق «ديرتي هاري»، ما دفع إيستوود بعد ذلك لإنتاج (وبطولة) «قوّة الماغنوم» من إخراج الراحل (أيضا) تد بوست. في ذلك الفيلم المنتج سنة 1973 صوّر إيستوود حال فريق من رجال البوليس آلوا على أنفسهم تطبيق القانون متحوّلين إلى القوّة الكاملة، فهم ينفذون حكم الإعدام فيمن يعتقدون أنه مذنب إما لم تثبت عليه التهمة أو ليبرالي يؤمن بمنوال آخر من العمل. بذلك ردّ إيستوود التهمة بأنه يميني متطرّف يؤمن بسُلطة فاشية لاعبا هنا دور الشرطي هاري الذي يتصدّى لفاشيين فعليين في السلك البوليسي.

طريقة جوزيه باديلا في درء التهمة المذكورة عنه كانت في تحقيق فيلم يحمل على الفساد داخل دائرة البوليس سمّاه «فرقة النخبة: العدو الداخلي»، وفيه يصفّي البوليس بعضه بعضا والغلبة بالطبع للمعتدلين منهم.

في «روبوكوب» يعود باديلا إلى موقعه الأسبق: هنا في دترويت المستقبل (لا بد أنه مستقبل أبعد من ذاك الذي فكّر فيه فرهوفن) شركة لصنع الروبوت (يديرها مايكل كيتون) تنوي نشر اختراعها من رجال القانون المسلحين بصواريخ فتّاكة لمجابهة كل نوع من الاعتداءات. هؤلاء ليسوا بشرا بل «روبوتس» تم تغذيتهم ببرامج كومبيوتر تتفاعل ضد أي خطر محتمل وتجابهه قبل فوات الأوان.

بطل الفيلم هو أليكس مورفي (جويل كينامان) شرطي عادي إلى أن سقط برصاص عصابة قوية تركته بين الحياة والموت ولم ينقذ حياته سوى العالم (غاري أولمان) الذي منح أليكس حياة مزدوجة نصفها آلي بالكامل ونصفها أو ربما أقل من ذلك، بشري.

إذ ينطلق أليكس مجددا لتثبيت الأمن حسب نظام عمل رجال القانون إنما بعزيمة أكبر، تحاول المؤسسة دفع الإدارة الأميركية لتبني برنامجها المتطرّف مروّجة لكافة منتوجاتها الميكانيكية.

وفي مطلع الفيلم طورة عن هذه المنتجات. المعلق التلفزيوني بات نوفاك (صامويل ل. جاكسون) يقدّم حلقة من برنامج إعلامي تخص الوضع الأمني في إيران. لقد تم احتلال إيران من قبل الجيش الأميركي وبمساعدة طائرات من دون طيّارين (نماذج جديدة أصغر حجما وأكثر مهارة ونجاحا في التصويب) وجيش من الروبوتس. بات يشرح في مطلع حديثه أن هذا النظام الأميركي بات معمولا به في كل مكان في العالم ما عدا الولايات المتحدة. وفي نهاية حديثه يقترح أن يعيد الكونغرس النظر فيما رفضه سابقا من اقتراح باستخدام هذه الأسلحة والآليات العسكرية لحماية المدن الأميركية نفسها.

في نهاية الفيلم يطل جاكسون من جديد ليسأل مشاهدي برنامجه التلفزيوني (ومنهم مشاهدو الفيلم) إذا ما كانوا يقبلون بالجريمة من دون عقاب.

* تعليق ساخر

* في طي المقدّمة والنهاية كل تلك العلامات السياسية التي تربط الفيلم بسياسة اليمين المتطرّف. لكن فحوى الحكاية لا يزال غير ثابت، لأن أشرار الفيلم متمثلون في رئيس وأفراد المؤسسة التي تريد تطويع كل شيء لحساب برنامجها الأمني ليس بهدف حماية الأرواح البريئة أساسا، بل جنيا لمليارات الدولارات التي ستغدق عليها إذا ما تبنت الحكومة برنامجها ذاك.

لولا النهاية لوقف الفيلم عند منتصف الطريق بين يمين ويسار. من ناحية يدعو للبطش في محاربة الجريمة، ومن ناحية أخرى يكشف حقيقة هذه الدعوة. لكنه أراد أن ينجز في الواقع موقفا يضعه أقرب إلى تخليد العنف في حل معضلات الحياة المعاصرة واعتمد ذلك عبر تأييده لاستخدامه كسلاح في القضايا الأمنية عالميا، ثم لتصوير المشكلة، ضمن النطاق الأمني الداخلي، على أساس أن التطبيق له غايات مادية لكنه مقبول من حيث المبدأ. روبوكوب نفسه موجود ليؤكد هذه النظرية.

«روبوكوب» الجديد فوضوي وضوضائي كما أفلام باديلا السابقة. لكن علاوة على ذلك هو فيلم رديء الصنعة فنيا. وبالمقارنة مع «روبوكوب» السابق فإن المسافة النوعية بينهما كبيرة جدّا.

ما هو غائب عن هذا الفيلم هو عنصر المشاغبة التي عُرف بها بول فرهوفن في أفلامه. المخرج الهولندي كان مع عنف للتسلية مع قليل من خدش الحياء. العنف في نسخة باديلا جدي وخال من الألم الإنساني، بينما في نسخة فرهوفن هو العكس.. هازل وساخر ولا يزال مؤلما.

في الواقع كل فيلم فرهوفن يحمل ذلك القدر من الهزؤ والسخرية. إنه تعليق اجتماعي يتمحور حول ما رآه منتشرا في مجتمع استهلاكي بالكامل. الفكرة الماديّة لا تقف وراء محاولة المؤسسة صنع ترويج وبيع الروبوتس كحل للأمن الفالت، بل وراء ما يبثّه التلفزيون من برامج. فرهوفن علق على الطريقة التي رأى بها أميركا وهو المقبل من الغرب الأوروبي، في حين لم يشأ باديلا ممارسة أي تعليق اجتماعي من هذا النوع.

وثابر فيلم فرهوفن على الربط بين تلك المصالح السياسية والاقتصادية وبين عصابات الشوارع. بل وتشجيع المستثمرين لتجار المخدّرات ليجنوا ما شاءوا وذلك في مشهد دال نرى فيه نائب المؤسسة النافذ يخبر رئيس العصابة بأنه إذا ما ساعده سيستطيع الوصول إلى مليوني موظّف في العالم الجديد الذي يريد بناءه حيث تنتظره كل أنواع الجرائم من دعارة إلى تجارة المخدّرات.

في النهاية، ولمن يستعيد الفيلم السابق مباشرة قبل مشاهدة الفيلم الجديد، كما فعل هذا الناقد، فإن الفروق شاسعة والخطّين السياسيين يتعارضان فيهما حتى يصطدما كل ضد الآخر.

الشرق الأوسط في

22.03.2014

 
 

«فتاة المصنع» أمام جمهور الصالات

أفلام محمد خان شجرة تظلل السينما العربية

هوليوود: محمد رُضا 

تنطلق عروض فيلم المخرج المصري محمد خان الجديد «فتاة المصنع» في أكثر من عاصمة ومدينة عربية بموازاة عروضه داخل مصر ومن بينها دبي وأبوظبي وبيروت. ويقع ذلك وسط اهتمام إعلامي كبير لا بالفيلم وحدة، بل أيضا بالمخرج المولود سنة 1942 ولو أنه لا يزال أكثر شبابا من الكثير من المخرجين الأصغر كثيرا من عمره.

بدأ مشوار محمد خان مع السينما وهو في العشرينات من عمره. يقول: «بدأ المشوار بلحظة عبثية عقب تبادل تحية الصباح مع جاري السيريلانكي الذي أخبرني أنه يدرس السينما»، ويكمل: «توترت أحلامي وتحولت فكرة دراسة البناء المعماري إلى شغف لمعرفة البناء الدرامي».

وفي حين أن كل ما يستطيع المرء أن يقوله في هذا الاختيار أنه موفق بلا ريب، إلا أن الهاوي الشاب لم يكن يعلم ذلك لكنه لن يجلس ليفكر في أي مستقبل ينتظره. لقد اختار من تلك اللحظة أن يمارس السينما بأي شكل ممكن. والانطلاقة الفعلية كانت من لندن الستينات التي كانت مسرحا لنشاط سينمائي هادر ومبدع كما الحال في جاراتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. لكن خان لم يكتف بمتابعتها وحدها:

اكتشف غودار وتروفو وأنطونيوني وفيلليني وفيسكونتي وبرغمن وكوروساوا وساتياجيت راي وقائمة طويلة لمخرجين وكتاب لا حصر لهم من جميع أركان العالم جعلوا من لندن نقطة لقاء وانطلاق لإبداعاتهم.

* نوعا وكما وإذ ينطلق «فتاة المصنع» لعروضه التجارية، بعد أن تم افتتاحه في مهرجان دبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن على المشاهد العربي، الحذر بطبعه من كل فيلم ناطق بالعربية هذه الأيام، أن ينسى حذره هذا وأن يقبل على واحد من أهم أفلام السينما العربية، وليس المصرية فقط، تم إنتاجه في العامين الأخيرين.

فيلم محمد خان مختلف إلا عن أفلامه هو، وهذا لسبب بسيط وبالغ الأهمية معا: لمحمد خان عين سينمائية جيدة يستخدمها بمهارة وكثيرا ما يجعل منها وسيلة التعريف الأولى بما يعرضه. إنها في المقدمة في كل مشهد من أي فيلم يحققه. المضمون يأتي، كما يجب أن يكون دائما، في داخل العمل وليس أمامه أو فوقه أو على جانبيه. وعبر خبرات الأمس، التي انطلقت في السبعينات بأفلام مثل «ضربة شمس» و«الرغبة» وتتابعت في الثمانينات بأفلام أفضل من سابقاتها مثل «موعد على العشاء» و«الحريف» و«خرج ولم يعد» و«أحلام هند وكاميليا» و«زوجة رجل مهم»، بات من التلقائية بمكان كبير أن ينجز بعد ذلك تلك الأعمال المتميّزة في السينما المصرية مثل «فارس المدينة» و«كليفتي» و«في شقة مصر الجديدة» وصولا إلى هذا الفيلم الجديد له.

بين كل السينمائيين العرب، أفلام خان، نوعا وكمّا، أقرب إلى شجرة تظلل السينما العربية. ليست الوحيدة بالطبع، لكنها ما زالت شجرة خضراء وارفة تنبت لها غصون جديدة ولو كل أربع أو خمس سنوات. كل فيلم يأتي به هو حدث وهذا ماثل أمامنا في «فتاة المصنع».

* تأصيل الشعور يهدر فيلم محمد خان الجديد بحياة اليوم من دون صريخ. وبمهارته المعهودة يلتقط خان ملامح الحياة البسيطة والعميقة لمجموعة من الفتيات العاملات في أحد مصانع الملابس في القاهرة. حين يصوّرهن معا وراء الآلات العمل اليدوية يستخدم، أحيانا، تلك الكاميرا العليا التي ترينا صفوفهن الرتيبة ويحصد في المقابل هذه الصورة، هيمنة الحاجة الاجتماعية لهن. جل فتياته لسن سعداء ولو أنهن يضحكن ويتندّرن ويقمن بكل ما تقوم به مجموعة من الإناث المتشابهات في الزمالة والعمل والمستوى الطبقي.

تعيش بطلة الفيلم هيام (ياسمين رئيس) مع والدتها (سلوى خطاب) وشقيقتها، ووالدتها متزوّجة برجل غير أبيها، نراه في مطلع الفيلم يتعارك مع شخص آخر حول حقّه في ركن العربة في المكان الذي اختاره. شابّة جميلة هي هيام وفي مثل سنها تستقبل المهندس الوسيم (نسبيا) الجديد صلاح (هاني عادل) الذي يحمل قامة ممشوقة. لا تقع هيام في هيامه وحدها، بل يلفت اهتمام زميلاتها البنات. هيام تتجاوز الاهتمام إلى الرغبة في التقرّب من الرجل. تريد أن تنشد صداقة بريئة فيها الكثير من الرومانسية لكنها محفوفة بخطر أن تكون حبا من طرف واحد. تتسلل إلى منزل أسرته وتقابل والدته وشقيقتها. إنه من أسرة متوسطة لكن الفارق الطبقي بين الاثنين (بين أسرة هيام وأسرة المهندس) كبير. حين يتعرّض المهندس لوعكة صحية هيام هناك تساعد الأم في العناية به. لكن الوقت يحين لصرف هذا الضيف وصلاح خاطب ولا يود الارتباط بأي علاقة عاطفية معها.

هناك فترة ما بين هذا الصد الذي تتلقفه هيام وبين ما يحدث بعد ذلك يشتغل فيها المخرج على تأصيل الشعور بالإحباط والإخفاق. لا يمكن لوم هيام لوقوعها في الحب، ولا لمداركها المحدودة حول كيف يمكن أن تتصرّف إذا ما اصطدمت بمثل تلك النتيجة. لكن خان لن يمضي في نوع من المناجاة. سوف يتركها تكتشف واقعها بنفسها وتتعلمه في الوقت الذي كانت فيه مظاهرات يونيو (حزيران) 2010 بدأت تنزل الشوارع.

«فتاة المصنع» هادر بالثورة غير المسيّسة. تلك التي تعيشها المرأة تحت هيمنة التقاليد و - بالطبع - تحت هيمنة الذكور ولو أن المخرج يتحاشى تحويل فيلمه إلى نحن (النساء) وهم (الرجال). ما يسعى إليه وينفّذه جيّدا هو توفير عمل من تلك التي تسرد حكاية تكشف عن حالات وتنتقد أوضاعا سائبة. لا يريد أن يعالجها بل أن يعرضها لكنه في عرضه لها لا يتخلى عن عنصر التحفيز المناوئ لها. يضع المخرج في عمله - المهدى بالكامل للفنانة سعاد حسني - هذا كل خبرته وبراعة حرفته. فهو لاقط وجاذب لسهولة عرضه وعميق في تكثيف مراميه. ممثلوه لا يعرفون السقوط في الهفوات واختياراته من اللقطات دائما لتأكيد مستوى عال من الاحتراف تتشكل أمام العين تلقائيا.

اهتمام محمد خان بالمرأة علامة فارقة وشبه متواصلة. نعم لديه «نص أرنب» و«الحريف» و«خرج ولم يعد» و«فارس المدينة»، لكن لديه في المقابل «زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا» و«سوبرماركت» و«بنات وسط البلد» و«شقة مصر الجديدة»، وكلها تحتفي بالمرأة وبقضاياها ومشكلاتها كما لم يفعل مخرج عربي بنفس النوعية والتعدد. حتى تلك «الرجالية» المذكورة (وفوقها «كليفتي» و«عودة مواطن») تزخر بموقف المرأة وحضورها. في مجملها هي أفلام تؤرخ لمسيرتها الاجتماعية ومن خلفها مسيرة وطن.

* مخرج ـ مؤلف

* على الرغم من أن محمد خان زار هوليوود في التسعينات ومكث فيها أكثر من أسبوع، فإن السينما الأوروبية هي التي يقدّر أكثر من سواها. تبعا لتصنيفاتها، فإن محمد خان مخرج - مؤلّف بامتياز كبير. وهو ليس مجرد مخرج يصنع الأفلام على هواه، بل - مثل هتشكوك - يصنع الأفلام بأسلوبه الخاص لجمهور واسع متعدد الاهتمامات.

شاشة الناقد

رحلة حب في ذات التاريخ

الفيلم: The Great Beauty 

إخراج: باولو سورنتينو تقييم الناقد:(4*)(من خمسة).

مشكلة جب غامبارديللا، في الفيلم الذي نال مؤخرا أوسكار أفضل فيلم أجنبي، أنه وعى. بعد 65 سنة على ولادته ونحو ثلاثين سنة على نشره روايته الأولى والوحيدة (سماها «المعدّات البشرية») و45 سنة على ثورة الشباب سنة 1968، ثم بعد 53 سنة على قيام فديريكو فيلليني بصنع تحفته «81-2»، ها هو ينطلق بمراجعة حساب لحياته وحياة مجتمعه وحياة بلده. «الجمال العظيم» عنوان ساخر لكنه ممعن في النظر إلى جمال ذائب وثقافة انتهى العمل بمقتضاها وحياة عابثة يقوم من فيها بما يعرف عندنا، وعلى نحو لا ترجمة أخرى له، بـ«طق الحنك» أو كما ينهي جب حواره معنا في اللقطة الأخيرة Blah… blah… blah جب (توني سريللو) صحافي وضع تلك الرواية التي مدحها النقاد ووعدت بولادة كاتب كبير، إلا أنه تحوّل إلى الكتابة الصحافية بعد ذلك وبقيت هذه الرواية آخر ما كتب. حين يفصح عن السبب في توقفه عن تأليف الكتب يعطي سائليه (بمن فيهم نفسه والمشاهدون) تبريرا ضعيفا. يقول إن مشاغل الحياة وكونه يعيش في الليل ولا يجد وقتا. لكن جب ترك التأليف لأنه ترك الإبداع. وجد أن الطريقة الأسهل للحياة هي تسلق جدرانها السهلة والتحوّل إلى خامة اجتماعية تحضر الحفلات وتموج بين الساهرين وتشاركهم الرقص.

يبدأ المخرج باولو سورنتينو فيلمه بفوهة مدفع في منطقة تلال جيانيكولو الأثرية. صوت حمام يطير من الدوي بعيدا. صف من المتطلعين إلى المكان يصفّق. هذا كل ما بقي من تراث. نساء في لباس واحد تقف في صف واحد في أحد صروح المكان وتغني مقطعا أوبراليا. رجل بدين بفانيلة داخلية يتقدّم من البركة ويغسل يديه ووجهه ويمضي. مرشدة سياحية اجتمع حولها يابانيون يستمعون للشرح. أحد السياح ينفصل عن رفاقه ويبدأ بتصوير روما (تقع التلال غربي المدينة). فجأة يمسح عرقا ثم يسقط ميّتا.

لا شيء مما نراه في هذا المقدّمة منتم إلى مفارقات الفيلم إلا من حيث أن التداعيات، في العمق واحدة. ربما هي أكثر ارتباطا بالكلمات التي استعارها المخرج من رواية الفرنسي لويس - فرديناند سيلين «رحلة إلى نهاية الليل» (نُشرت سنة 1932 واعتبرها النقاد حينها وجمع من نقاد اليوم بمثابة واحد من أهم الأعمال الأدبية الأوروبية والرواية التي شقت طريقا جديدا في أسلوب السرد)، وهي كلمات وضعها على شاشة سوداء في مقدّمة الفيلم ومما يرد فيها: «السفر هو مفيد. يمرّن الخيال. كل شيء آخر محبط ومتعب (..) أنت هنا (في رحلة الحياة) فقط لكي تغلق عينيك وتعبر للجانب الآخر». لكن هذا الرابط يكمن في فكرة الموت ذاتها.

«الجمال العظيم» هو رحلة جب في ذاته وفي المدينة التي يتجوّل فيها ليلا ونهارا ويقف عند شرفة منزله فيطل عليها ويلحظ ما يحدث فيها ولها ويتبادل الإفصاح عما يراه إما بمناجاة أو بالحديث مع الآخرين حوله، بينهم مقدّمة البرنامج التلفزيوني التي تتحدّث عن تضحياتها فيواجهها بأنها لا تضحّي إلا بأولادها الذين تركتهم برعاية المربيات والبيت الذي تأوي إليه لتنام فيه وينهي قائلا «لا تحدثيني عن البذل والتضحية إذن».

10-TOP

الأسوأ بين المعروض

* «مستر بيبادي وشرمان» (المركز الأول هذا الأسبوع) هو رسوم متحركة تصلح للصغار وحدهم. هذا ما سيجعل الكبار الذين عليهم مشاركتهم الذهاب إلى الصالات يتمنون لو أنهم انتظروا بث الفيلم على محطات التلفزيون لكي يتنصّلوا من عبء مشاهدته.

* في مستواه هذا يأتي الفيلم الجديد «نادي الأمهات العازبات» للمخرج الذي لا يتوقف (للأسف) عن العمل تايلر بيري. هو يكتب ويخرج وينتج أفلامه بغزارة تجعل من غير الممكن تطويرها مرّة كل فيلم أو مرّة كل خمسة. خمس أمهات عازبات لكل منها مشكلتها ومعا يؤلفن، نظريا، ناديا خاصا بهن لا أعتقد أن أحدا يود الانضمام إليه.

* العدد الأخير من مجلة «ماد» الأميركية لديه تعليقات ظريفة حول «فيلم ليغو» من بينها أن شعر «ليغو» هو أكثر طبيعية من شعر جون ترافولتا، وأن تعابير وجهه هي أكثر تنوّعا من تعابير وجه كرستين ستيوارت.. طبعا هذه مغالاة في الرأي لا تقصد مدح الفيلم بقدر ما تنتقد الممثلين المذكورين. لكن على عكس «مستر بيبادي وشرمان» هو فيلم يحمل بعض المتعة للكبار أيضا ومجموع ما حصده حتى الآن عالميا هو 378 مليون دولار.

* الأفلام 1 (2)(2*) Mr. Peabody & Sherman: $21,809,249 2 (1)(2*) 300: Rise of an Empire: $19,201,345 3 (-)(2*) Need for Speed: $17,844,939 4 (3)(3*) Non - Stop: $10,614,404 5 (-)(1*) The Single Moms Club: $8,075,309 6 (4)(3*) The LEGO Movie: $7,701,309 7 (5)(2*) Son of God: $5,528,497 8 (-)(3*) The Grand Budapest Hotel: $3,638,041 9 (8)(3*) Frozen: $2,147,743 10 (6)(2*) The Monument Men: $2,062,765

سنوات السينما: 1941

47 محاربا

الفيلم الياباني الذي رأي النور بنجاح في عام 1941 هو «47 محاربا» للراحل كنجي ميتزوغوشي وهو مصدر القصّة التي قام الأميركي كارل رينش بإخراجها وعرضت مطلع هذا العام تحت العنوان نفسه من بطولة كيانو ريفز. لكن نسخة ميتزوغوشي تمتعت بوجود سينمائي ياباني وسط المهمّة الصعبة لتحويل حكاية شعبية - وإلى حد ما فولكلورية - إلى عمل جيّد وأبعد من مجرد تلبية متطلبات التجارة.

فيلم ياباني آخر لافت لسينمائي آخر رائع هو «إخوان وأخوات عائلة تودا»، ربما ليس الأفضل بين أعمال مخرجه ياسوجيرو أوزو لكنه يحمل نبضه الاجتماعي الجدير بالإعجاب.

المشهد

فوز فيلم ورحيل مخرجة

* هناك أكثر من مهرجان لاتيني وأعرقها هو مهرجان كارتاجينا (أو «قرطاجنة») في كولومبيا الذي انتهت أعماله في العشرين من هذا الشهر بفوز فيلم روبن مندوزا «غبار على تونغا»: توليفة دوكيو - درامية عن راعي أبرشية معروف بسطوته وعنفه وخشونة معاملته للجميع. لكن مندوزا لم ينل جائزة أفضل مخرج إذ ذهبت هذه إلى أليخاندرو فرنانديز ألمندراس عن «لقتل رجل». هذا فيلم تشيلي بوليسي داكن استحق جائزة اتحاد نقاد السينما الدوليين (فيبريسكي) هناك.

* مخرج «أفاتار»، جيمس كاميرون وجّه كلمة إلى لقاء تم في لندن، الأسبوع الماضي، حول «السبل الإبداعية لنظام الأبعاد الثلاثة» وهو المعروف بتحبيذه الشديد لهذا النوع من السينما. وفي حديثه قال إنه لم يكن جريئا بما فيه الكفاية حين حقق «أفاتار» وكان عليه أن يبحر أكثر في أعماقه وينجز أكثر على هذا المستوى التقني، وهو ناشد الملتئمين من صانعي الأفلام عدم الخشية من العواقب والتحلي بالجرأة اللازمة لتوظيف هذا النظام جيّدا.

* أكثر ما يثير الفضول في حديثه قوله إن الوقت الذي سيمكن فيه مشاهدة فيلم بالأبعاد الثلاثة من دون نظارات لم يعد بعيدا.. آمل ألا يكون الثمن زرع رقاقة في الدماغ لكل من يدخل صالة السينما.

* بصمت مريب مضت المخرجة التشيكية يرا شيتلوا في الثاني عشر من هذا الشهر عن عمر اقترب من 85 سنة. روّاد المهرجانات في السبعينات هم أكثر قربا منها كونها عرضت الكثير من أعمالها في ذلك العقد علما بأنها عملت حين كانت تشيكيا وسلوفاكيا دولة واحدة باسم تشيكوسلوفاكيا، كما عملت أيضا حين انفصلتا إلى دولتين مستقلّتين. حين وقع الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا هربت المخرجة من المجابهة بالعمل في مجال الإعلانات، لكنها عادت في عام 1976 لتحقيق كوميديا بعنوان «لعبة التفاحة». وهي أنجزت نحو 28 فيلما متنوعا معظمها رقيق المعالجة على الرغم من حدّته الاجتماعية من بينها «شيء مختلف» (1963) و«ثمار الجنة» (1970) وآخر أفلامها حققته سنة 2006 وحمل عنوان «لحظات تبعث على السعادة» الذي عرضه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في العام ذاته.

* لا توجد أي أخبار عن السينمائي النير فرنسيس فورد كوبولا، لكن هناك خبر عن ابنته صوفيا تناهى إلينا قبل يومين ومفاده أنها وافقت على عرض تقدّم به استديو وولت ديزني لتحويل الفيلم الكرتوني «الحورية الصغيرة» إلى فيلم حي تقوم هي بإخراجه.

* بالمناسبة هي السنة الأربعون على قيام أبيها بتحقيق واحد من أهم أفلام الفترة (السبعينات) وهو «المحادثة» حيث قام الممثل المعتزل جين هاكمان بتمثيل شخصية متلصص يعمل لحساب مؤسسة تستأجر خدماتها الأجهزة (بينها الرسمية) التي تنوي التجسس على أفراد معينين. هل سيتذكر أحد أفلام الابنة صوفيا حين تمر على أي منها مناسبة من هذا النوع؟ لا أعتقد.

الشرق الأوسط في

21.03.2014

 
 

ضمن فعاليات مهرجان الأقصر..

الناقد على أبو شادى يحتفل بترجمة كتابه "وقائع السينما المصرية"

الأقصر - جمال عبد الناصر 

احتفل الناقد السينمائى على أبو شادى بترجمة كتابه "وقائع السينما المصرية" للغة الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وعقدت إدارة المهرجان ندوة مساء أمس الخميس لمناقشة الكتاب بحضور سيد فؤاد رئيس المهرجان وأدار الندوة الناقد شريف عوض.

وقدم الناقد الكبير على أبو شادى الشكر لإدارة المهرجان على ترجمة كتابه، وأشاد بالدور المهم للمترجمة عبلة عبد الحفيظ.

وقال أبوشادى: حرصت أثناء كتابتى على أن أبدأ أحداث كل عام بأهم الأحداث السياسية التى وقعت به، وحرصت على تقديم على ما يهم القارئ، وأتمنى أن يأتى أحد من الشباب ليكمل على جهدى، ويستكمل هذه المسيرة.

وعن طقوس ترجمة الكتاب إلى الفرنسية قال: أثناء الترجمة طلبت من المترجمة أن تضع لمساتها الخاصة على الكتاب، وأشكر كل الأصدقاء والزملاء الذين وقفوا إلى جانبى أثناء العمل فى الكتاب، وأتمنى أن يصل لكل الناس ليقرأوه.

وأضاف أبو شادى: هناك منهجان لتوثيق الأحداث لكننى اخترت المنهج الذى يتحدث عن الواقع المجرد، ولم أكتب رأيى فى الكتاب لأننى كنت حريصا على نقل الوقائع فقط، وهذه الوقائع كانت محددة ولا تحتاج لتفسير أو تحليل، وفى مقدمة الكتاب أشرت إلى طريقة تعاملى مع المادة الواردة به، وفى جزئية واحدة من الكتاب اضطررت أن أقول رأيى، وهى الجزئية الخاصة بوجود المنتجين الأجانب فى مصر مثل المنتج والمخرج توجو مزراحى، وكان هناك مجموعة آراء حول وجود هؤلاء المنتجين فى مصر، لذلك كنت مضطرا أن أقول رأيى فى هذا الموضوع.

وأشار إلى أنه يتمنى أن تقدم مثل هذه الدراسة مرة أخرى حتى ولو على مدار 10 سنوات فقط، موضحا أنه سيكون سعيدا جدا لو جاء من يفعل ذلك.

وعن رد فعل القارئ الأجنبى على أسلوب الكتاب قال: القارئ الغربى يعرف المنهجين جيدا، والمنهج المجرد الذى استخدمته خلال دراستى يعتبر الأفضل بالنسبة لهم، حتى يختار ما يتناسب مع أفكاره، لذلك قررت أن أقدم الكتاب دون أى تدخل من جانبى.

وأضاف: قبل ذلك قدمت كتبا حملت وجهة نظرى، وأيضا كان هناك كتاب تناولت انطباعاتى عن إنتاج القطاع الخاص، وكان هناك آراء معى وآراء ضدى وهذا مطلوب، وبالتأكيد التوثيق بالسينما يختلف عن التوثيق بالكتابة.

اليوم السابع المصرية في

21.03.2014

 
 

صفقة بيع أب لابنته في 'يرموك' تزلزل الفلسطينيين

ميدل ايست أونلاين/ دمشق 

محمد بكري يجري تعديلات جذرية على الفيلم ويعتذر عن جرح مشاعر سكان المخيم، ويؤكد انه اراد تصوير كابوس الحصار والدمار والجوع.

اصدر المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري بيان اعتذار عما ورد في فيلمه "يرموك"، الذي أثار جدلاً واسعاً واعتراضات، وصلت حدّ شتمه واتهامه بالخيانة والعمالة.

وقال بكري، في بيان "لهؤلاء، أصحاب الجرح الكبير، في المخيم، أعتذر إذا مسّهم الفيلم".

ومخيم اليرموك هو مخيم أنشئ عام 1957، على مساحة تقدر بـ 2.11 كم مربع فقط لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهو من حيث تصنيف وكالة الأونروا لا يعتبر مخيم رسمي، وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا.

وأورد بكري في مقدمته بيانه: "ليتني كنتُ قادراً أن أتسلل إلى اليرموك، كما تسللتُ إلى مخيم جنين، لأصنع فيلماً يهزّ العالم وضميره الغائب، كما فعلتُ في فيلمي جنين جنين"، مؤكداً "منذ ثلاث سنوات، وأنا أفكّر كيف أوصل إلى العالم صرخة اليرموك، كيف أوصل صرخة اليرموك إلى الأمة العربية النائمة".

وأوضح بكري بقوله "أردت أن أصوّر كابوس اليرموك، المحاصر المدمَّر الجائع، الكابوس الذي لا يقبله العقل ولا المنطق".

وإزاء ردة الفعل الغاضبة التي حصلت، وما أصابته من جراح عميقة، كرّر بكري اعتذاره، بالقول "تعاليت عن جرحي، لأن جرح المخيم أكبر من أن يُوصف، وهو جرحي، وجرحنا جميعاً"، واختتم بيانه بالقول: "لست أنا من يبيع شعبي، ولو وضعوا رأسي على مقصلة".

وألمح البيان إلى أن محمد بكري أجرى تعديلات جذرية على الفيلم.

ويتناول الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري في فيلمه قصة عائلة فلسطينية تعيش في المخيم تحت الحصار، ويعصف بها الجوع والبرد من كل حدب وصوب حيث يضطر الاب لبيع ابنته لرجل خليجي لابعاد غول الجوع والفقر عن العائلة.

وقالت الامم المتحدة في وقت سابق إن الحرب الدائرة في سوريا عطلت توزيع المساعدات على آلاف اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك.

وكان المشهد الثاني صادما للمشاهدين حيث يستقبل فيه الأب مع ابنته البكر، في مكان ما الثري الخليجي، ونلتقط تلك القراءة من منظر السيارة الفارهة واللباس الخليجي التقليدي، لتتم الصفقة ويبيع ابنته.

ويلمح المتلقي دمعة تذرف من عين الأب، عقب مغادرة ابنته لسيارته.

ويصور المشهد الثالث عودة الأب إلى البيت دون ابنته محملاً بأكياس الفاكهة، والكل يقبل على الأكل بشراهة، ابن واحد يمسك موزتين ويرسم بهما إشارة ذات إيحائية جنسية.

واستقطب "يرموك" ومدته 8 دقائق، لدى عرضه على "يوتيوب" عددا كبيرا من المشاهدين والكثير من التعليقات القاسية واللاذعة بحق المخرج وناشره على شبكات التواصل الاجتماعي.

دقائق وجيزة صبّها الممثل والمخرج الفلسطيني في قالب سينمائي أراده مُتخماً بالرمزية والدلالات الا انها كانت كفيلةً بشنّ الفلسطينيين حرباً ضروساً عليه.

واعتبر الجمهور أن بكري زيّف الواقع الفلسطيني خلال عمله الأخير.

وانتشرت على مواقع التواصل تعليقات ناقدة لبكري وانطلق البعض من هجومهم عليه بأنّ الفلسطينيين ومهما ضاقت بهم الأحوال لا يمكنهم بيع بناتهم بالطريقة التي عرضها بكري، لكن بعض المؤيدين للمثل الفلسطيني عارضوا الهجوم عليه ودافعوا عنه وعن حرية التعبير.

وقال الكاتب الفلسطيني المعروف نصري حجاج : "يرموك" فيلم قصير لمحمد بكري، أخرجه مؤخرا، عن مأساة مخيم اليرموك. لن أصف محمد بكري بالساذج أو الجاهل أو قليل المعرفة أو ناقص المعلومات والاهتمام، عما وبما يجري في سوريا وعلى الأقل بالنسبة لشعبه الفلسطيني هناك".

واضاف "بل لا بد أنه كائن يعرف ماذا يفعل، فقد ارتكب في السابق أخطاء وخاض تجارب تمثيلية أساءت إلى صورة الفلسطيني في أفلام غربية أو إسرائيلية واستطاع إقناع الجمهور الفلسطيني من محبيه".

واضاف نصري حجاج "اختصر محمد بكري مأساة وصمود مخيم اليرموك بحكاية من نسيج خياله الذي لا يعرف شيئا عما يجري لشعبه في سوريا، أو من وحي الصور النمطية التي ترضي الجمهور الإسرائيلي والغربي معا".

اما الكاتب الفلسطيني المقيم في نيويورك عماد خشان فكتب مدافعا عن بكري: أتابع الزوبعة التي أثارها فيلم محمد بكري "يرموك وأرى صورة لمأساة أكبر من فيلم قصير وأشدّ خطراً"، إنّها مأساة أنّنا أمة رد فعل لا فعل".

واعتبر ان المخرج جمع أكثر من قصة من قصص تلك الحرب في فيلم قصير واحد. هناك قصة الحصار وقصة الجوع وقصة الخوف وقصة استغلال تلك الظروف من قبل وحوش لا تعرف الرحمة.

واضاف عماد خشان "القصة ليست قصة فلسطيني أو سوري أو خليجي. هي قصة كل انسان وجد نفسه كفرد في خضم صراع قوى أكبر منه. يستحق الفيلم اسم "يرموك" لأنّ اليرموك كأي مخيم صار رمزاً للموت الرخيص والوقوع بين فئتين تختلفان على كل شيء الا على استباحة الدم الفلسطيني".

ورد بكري على منتقديه بقوله "صعقت لسماع الشتائم والتخوين يكيف يعقل أنني صاحب "جنين جنين" الذي أحارب الاحتلال الإسرائيلي وتحاربني إسرائيل منذ 12 سنة؟ كيف يعقل أن أوضع في خانة التخوين والقذف والتشهير؟ أنا مع أهلي في سوريا ولست مع النظام ولست مع المعارضة، ولذلك كتبت في بداية الفيلم أنّه نتيجة الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ 2011، تشرّد مئات الآلاف وعضّهم القهر والجوع، أنا مع كل هؤلاء الناس، والمآسي ليست حكراً علينا الفلسطينيين. أنا ابن فلسطين التاريخية".

وعرف المخرج الفلسطيني محمد بكري بشغفه بالافلام الوثائقية من بينها فيلم "جنين... جنين" الذي تضمن شهادات حية لاهالي مخيم جنين الفلسطيني اثناء الحصار الاسرائيلي.

وكان بكري قال في تقديمه للفيلم السابق انه "ليس تقريرا اخباريا عما حدث بل هو يروي قصة الجرح والصمود والبطولة والانتصار رغم الدمار ورغم عدد الضحايا المهول ورغم القوة العسكرية الهائلة".

واضاف في وقت سابق "لم يكن مسموحا لنا بالوصول لمخيم جنين واستطعنا التحايل فسلكنا طريقا جبلية هربا من عيون الجنود الاسرائيليين. لقد خاطرت بحياتي ودخلت الى المخيم بعد سقوطه باربعة ايام ورأيت جريمة تعدت كل حدود الاخلاق الانسانية".

وكان اعتبر ان "الفيلم هو العين التي نقلت كل ما حدث هناك ولهذا فان الشريط التسجيلي هو الاصدق والاقرب لايصال وجهة نظري وهو متنفس يعوضني عما لم استطع صنعه كممثل خاصة ان ما اريد ان انقله هو حكاياتي انا كفلسطيني".

ميدل إيست أنلاين في

21.03.2014

 
 

حوار بين جنوب المتوسط العربي وشماله الأوروبي في مهرجان تطوان السينمائي

العرب/ مخلص الصغير ـ تطوان 

أحد عشر فيلما من مختلف الأقطار العربية والغربية يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان تطوان بالمغرب في دورته الحالية التي يترأس لجنة تحكيمها محمد ملص.

غير بعيد عن حي “الطلعة”، الذي احتضن وقائع وأحداث رواية “سرير الأسرار” للكاتب المغربي البشير الدامون، تعرض سينما “أبنيدا” بمدينة تطوان، في أقصى شمال المغرب، أحد عشر فيلما يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان تطوان الذي يقام ما بين 29 مارس الجاري، و5 أبريل المقبل.

من ضمن الأفلام التي عرضت بقاعة سينما “أبنيدا” فيلم “سرير الأسرار”، وقد تحولت الرواية إلى عمل سينمائي أبدعه المخرج المغربي الجيلالي فرحاتي. وإذا كان فرحاتي يمثل جيل السبعينات في السينما المغربية، فإن هشام عيوش، وهو يمثل جيل الألفية الثالثة، سيقدم لنا في هذه الدورة الفيلم المغربي الثاني الذي يدخل سباق المسافات الطويلة، نحو جوائز مهرجان تطوان الخاصة بالفيلم الروائي الطويل، وهو فيلمه الجديد “حمى”.

على غرار المغرب، تحضر السينما الإيطالية ممثلة بفيلمين هما “عسل” لفاليرا غولينو، و”القاع” لحيدر رشيد، ذي الأصول العراقية. كما تحضر السينما التركية بفيلمين جديدين، فيلم “شتنبر” للمخرجة بيني بنايابولو، وفيلم “الصافيتان” للمخرج رامين مارتان. ومن أسبانيا، تشارك المخرجة الأسبــــانية ليانا طوريس بفيلم “صلة الرحم”.

وعن الدول العربية المتوسطية، يشارك المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي بفيلم “فلسطين سطيريو”، بينما يمثل محمد حجيج السينما اللبنانية بفيلم “طالع نازل”، ويمثل نجيب بلقاضي السينما التونسية بفيلمه الأخير “باستاردو”.

وتبقى المشاركة المصرية متميزة، هذه المرة، بحضور خمسة مخرجين في مهرجان تطوان، شاركوا في إخراج فيلم واحد بعنوان “أوضة الفئران”، ويتعلق الأمر بكل من نرمين سالم ومحمد زيدان ومحمد الحديدي ومي زايد وهند بكر وأحمد مجدي مرسي.

عن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل، يقول مدير المهرجان أحمد حسني، في لقاء مع “العرب” إن انتقاء الأفلام كان منصفا وعادلا، على حد وصفه، حيث: “تدخل خمس دول أوروبية مسابقة الفيلم الروائي الطويل، مقابل خمس دول عربية، ما يعني حوارا سينمائيا متوازنا بين جنوب المتوسط العربي، وشماله الأوروبي”، بتعبير حسني، دائما. على أن جل هذه الأفلام قد شاركت في الدورات الأخيرة من المهرجانات العالمية الكبرى، من قبيل مهرجان كان وبرلين، ومهرجان دبي أيضا.

القاسم المشترك بين الأعمال السينمائية العربية والأوروبية هو اشتغالها على سؤال الهوية والاهتمام بالمرأة والأسرة

ويضيف حسني أن القاسم المشترك بين هذه الأعمال السينمائية هو الاشتغال على سؤال الهوية، والاهتمام بالمرأة والأسرة، بشكل عام، وهي الانشغالات الأثيرة للسينما المتوسطية، وللمجتمعات المتوسطية، بشكل عام. كما تلامس الأفلام العربية، عن الضفة الجنوبية للمتوسط، أسئلة وتحولات الربيع العربي، بمختلف أحلامه المأمولة، والمجهضة، ومختلف تعقيداته، أيضا.

يقول حسني: “تحضر السينما السورية في مسابقة الفيلم الطويل، من خلال رئيس لجنة التحكيم المخرج السوري المخضرم محمد ملص، ومن خلال تكريمه في افتتاح المهرجان، وعرض فيلمه الأخير “سلم إلى دمشق” في حفل افتتاح سوري ومتوسطي استثنائي، في دورة استثنائية من عمر المهرجان، هي الدورة العشرون، تضامنا مع سوريا الاختلاف والإبداع، التي أمدت المهرجان، وجمهور المهرجان، منذ دورته الأولى، قبل 29 عاما من اليوم، بالكثير من الأفلام السينمائية الجذابة”.

هذا، وتتكون لجنة التحكيم، إلى جانب رئيسها محمد ملص، من مديرة المدرسة الوطنية بالمركز التجريبي للسينما في روما، كاترينا داميكو، والناقدة السينمائية الألمانية وعضو الفدرالية الدولية للنقد السينمائي باربارا لوري دو لا شاريير، والممثل والمخرج الفرنسي باسكال طورو، والممثلة المغربية فاطمة خير.

أما مسابقة الفيلم القصير، فتعرف مشاركة 14 فيلما، تمثل عشر دول، وهي فرنسا واليونان والبرتغال وتونس وفلسطين وإيطاليا وأسبانيا والمغرب ومصر. ويترأس لجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير السينمائي الأسباني إسماعيل مارتين، إلى جانب الممثلة المغربية سامية أقريو، والناقد السينمائي المصري أحمد الفايق، والفنان التشكيلي المغربي عبدالكريم الوزاني. وحسب بلاغ إدارة مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، تعرف مسابقة الفيلم الوثائقي مشاركة 13 فيلما، تمثل 9 دول متوسطية، وهي فرنسا وإيطاليا والمغرب وفلسطين ولبنان والجزائر وفلسطين وأسبانيا ومصر.

وترأس لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي المنتجة والمخرجة المصرية ماريان خوري، إلى جانب المخرج والجامعي الإيطالي ماريو برينطا والمخرج الفرنسي دافيد يون والممثلة المغربية نورا الصقلي.

العرب اللندنية في

21.03.2014

 
 

'عكر' اللبناني ينافس على جوائز مهرجان الفيلم العربي ببرلين

العرب/ بيروت 

فيلم المخرج اللبناني توفيق خريش 'عكر' يستعرض قصة “إسكندر” الذي يعود إلى وطنه بعد سنوات من الغربة، فيجد نفسه محاصرا بين الماضي والحاضر.

ينافس الفيلم القصير “عَكَر” للمخرج اللبناني توفيق خريش ضمن مسابقة الأفلام القصيرة في الدورة الخامسة من مهرجان الفيلم العربي ببرلين، الذي يقام في الفترة الممتدة بين 19 و26 مارس الحالي.

المهرجان يُعرض في دورته الحالية أفلاما روائية، تسجيلية وتجريبية طويلة وقصيرة للمخرجين والمنتجين العرب، وكذلك الأفلام الأجنبية التي تناقش قضايا عربية.

وكان فيلم “عَكَر” قد انطلق في عرضه العالمي الأول من خلال الدورة العاشرة لـمهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر الماضي، حيث نافس على جوائز مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة وحصل بطل الفيلم كميل سلامة على شهادة تقدير كجائزة استثنائية للفنان اللبناني الكبير عن أدائه المميز في الفيلم، وتكريما لمسيرته الفنية الكبيرة.

كما تزامن ذلك مع وجود “عَكَر” في سوق دبي السينمائي من خلال شركة MAD Solutions التي تتولى مهام التوزيع والتسويق للفيلم، حيث أتيح للموزعين والمسوقين المشاركين في السوق الاطلاع على الفيلم من خلال قسم Cinetech، وهو مكتبة رقمية تضم أكثر من 400 فيلم.

ويستعرض “عَكَر” في 25 دقيقة قصة “إسكندر” الذي يعود إلى وطنه لبنان بعد مرور 27 عاما على وجوده في كندا، على أمل رؤية والده والتصالح معه، وبمجرد وصوله إلى لبنان يتذكر الماضي، فيجد نفسه محاصرا بينه وبين الحاضر، ويعيش انفصاله عن والده وعودته إليه في وقت واحد.

فيلم “عَكَر” من تأليف وإخراج توفيق خريش ويشارك في بطولة الفيلم رودريغ سليمان وكميل سلامة.

توفيق خريش هو مخرج ومؤلف لبناني، ولد في جنوب لبنان وانتقل إلى بيروت من أجل الدراسة الجامعية، حيث تخرج من الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا) عام 2003، من خلال الفيلم القصير “هنا صوت الجنوب”.

وفي ذلك العام بدأ خريش العمل كمساعد مخرج مع مخرجين عرب وآخرين من جنسيات مختلفة في إعلانات تليفزيونية وأفلام قصيرة وطويلة، حتى تمكن من إخراج العديد من الإعلانات التليفزيونية والأفلام والوثائقية، كما شارك بالتمثيل في أفلام قصيرة.

وقد بدأ خريش منذ أكثر من عامين تحضيرات كتابة سيناريو أول أفلامه الطويلة “قهوة باردة”، وشارك في مشروع السيناريو بورشة كتابة الجنوب (SudÉcriture) التي أشرف عليها الكاتب والمخرج جاك فييسكي في بنين وتونس خلال عام 2012، وشارك في مُحترَف الشرق المتوسط للأفلام (Med Film Factory) بالأردن، وورشة إعادة كتابة السيناريوهات التي أقامتها الجمعية اللبنانية للسينما لعام 2013.

كما شارك بمشروع السيناريو في مهرجان أيام قرطاج السينمائية من خلال فعـاليتي شبكة المنتجين وأتيليه المشروعات.

العرب اللندنية في

21.03.2014

 
 

خطة لتهويد السينما المصرية..

شركات التوزيع الأجنبية منحت إسرائيل 5 آلاف فيلم عربي نادر بينها 300 مصري صامت..

والشناوي سرقة الأفلام قضية أمن قومي.. وصناعة السينما تتهم القرصنة 

تخطط إسرائيل للسيطرة والاستحواذ على التراث المصري من السينما في إطار خطة " اعرف عدوك من أفلامه " فالأرشيف الإسرائيلي يضم نحو 5000 فيلم عربي أغلبهم أفلام مصرية نادرة. فالإسرائيليون لا يهتمون بالفن الإسرائيلي، ومهما الدولة عملت لهم أفلام ومسلسلات من أجل تهوديهم.. يشاهدون عادل إمام وهو بيقول "متعودة دايما" وينسيهم كل شيء".

مشهد سينمائي صغير لا يتعدى 10 ثواني من فيلم "أولاد العم" رددها الممثل اليهودي ذو الاصل الروسي في أحد مطاعم تل أبيب على الفنان كريم عبد العزيز، تلك الجملة عكست كثيرا حجم التأثير الفني المصري على الشعب الإسرائيلي، هذا التأثير لم يعجب بالطبع الكيان الصهيوني. فطوال سنوات الوجود الصهيوني المغتصب في أرض فلسطين حاول أن ينسخ الطابع اليهودي على كل شيء، الأرض والتاريخ والجغرافيا والراي العام العالمي والميديا، ولكنه فجأة وجد نفسه يعجز عن تهويد الإنسان الإسرائيلي بثقافة يهودية تختلف عن ثقافة دول الجوار.

ما الحل إذا؟ كيف يعيد الكيان الصهيوني تشكيل الشخصية الإسرائيلية التي تجمعت بعد قرون طويلة من الشتات بالطابع اليهودي؟، وكيف يعزل الإنسان الإسرائيلي عن تأثير الفن والثقافة المصرية؟، هنا بدأت الخطة الصهيونية، فطالما انهم لم يستطيعوا تقديم فن يهودي قادر على جذب المواطن الإسرائيلي، فلماذا لا يتم تهويد السينما والفن المصري.

لم تكن تلك نكتة هزلية أو كذبة أبريل، فقد عكفت إسرائيل طوال عقود طويلة على سرقة الفن والتراث السينمائي المصري وتقديمة للمواطن الإسرائيلي على أنه جزء مخطط "افهم عدوك من أفلامه"، خاصة وأن السينما جزء مهم لفهم واقع الشارع الذي يمثله.

الأفلام الصامتة:

"هل تعلم أن مصر انتجت 300 فيلم صامت في العقد الأول من القرن الماضي".. معلومة لا يعلمها الكثير من أبناء الشعب المصري أو حتى المثقفين في مصر، لآنه بمنتهي البساطة لا توجد في مصر، فجميعها مخزنة في الارشيف القومي الإسرائيلي، فقد نجح الكيان الصهيوني في سرقة الآلاف من الأفلام المصرية النادرة التي لم تعد تمتلكها مصر، بل وترجمتها إلى اللغة العبرية.

والأكثر من ذلك أن الكيان الصهيوني يتفاخر بأفلامنا المصرية ويعرض منها فيلمين كل أسبوع أحدها الجمعة في تمام الساعة الثانية ظهرًا على القناة الـ33 الإسرائيلية النطاقة بالعربية، والآخر يوم السبت في تمام الساعة العاشرة مساء على نفس القناة.

والأدهى أنهم قاموا بعمل سلسلة من التقارير الأرشيفية والفنية عن حياة كبار الفنانين المصريين الذين أصبحوا مجرد ذكري في تاريخنا نحن، أمثال فريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الحليم وفاتن حمامة وشكري سرحان وعادل أمام، وغيرهم من عمالقة السينما المصرية.

أين تكمن المشكلة؟ وما الذي يضير مصر أن تترجم إسرائيل السينما المصرية أو أن تعرضها في قنواتها؟.. الإشكالية بمنتهي البساطة أن مصر لم تعد تمتلك تلك الأفلام السينمائية النادرة التي يعرضها التليفزيون الإسرائيلي، والكيان الصهيوني بمنتهي التبجح يعترف بذلك، فالموقع الرسمي للأرشيف القومي الإسرائيلي ذكر بوضوح أن خزانة الارشيف بها أكثر من 5000 فيلم عربي نادر أغلبهم مصري الجنسية.

الغريب في الأمر أن إسرائيل اعترفت أنها حصلت على "النيجاتيف" و"الديوب نيجاتيف" الاصلي للفيلم، بمعني أن مصر لن تستطيع عرض تلك الأفلام مرة ثانية في شاشاتها وإذا أرادت فعليها أن تخاطب إسرائيل بذلك أولا، فالأفلام التي يمتلكها الارشيف القومي الإسرائيلي لا يمتلكها المركز القومي للسينما، رغم أن وزارة الثقافة تتحدث عن مشروع وهمي يدعي الأرشيف القومي للسينما المصرية.

الفن يهودي:

"الفن العربي والمصري أصلة يهودي" شعار رفعة الكيان الصهيوني لتبرير امتلاكه للأعمال السينمائية العربية والمصرية النادرة، فهم يروجون إلى أن الفن الشرقي في الأساس هو فن يهودي، وأن ما يعرضه التليفزيون الإسرائيلي مجرد أفلام يهودية في الأساس، وأن معظم أفكارها مستمدة إما من الكتب الدينية اليهودية من التوراة والتلمود أو مما يسمي بالأدب العبري طبقا لمزاعمهم.

لكن السؤال هنا.. كيف تجرأ الكيان الصهيوني في أن ينسب الفن الشرقي لليهود؟ وكيف استطاع أن يقنع الشعب الإسرائيلي بأن ما يشاهدونه فنا يهوديا؟، لقد اعتمد الكيان الصهيوني على العديد من الوجوه اليهودية المصرية التي اثرت السينما المصرية، وعلى الاخص "توجو مزراحي" أحد رواد صناعة فن السينما في مصر، وانه تمكن بمعاونة شركة "جوزي فيلم" الصهيونية من تملك وإدارة عشر دور للسينما في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس، بل واشترك مع ممثلين يهود مغمورين في بعض الأعمال السينمائية كفيلم "خمسة آلاف وواحد" عام 1932م، وكان منهم ممثل يدعي "شالوم" وفتاة يهودية لعوب عملت باسم مستعار وهو حنان رفعت.

ودأبت إسرائيل على الترويج بأن شركة جوزي فيلم التي أسسها جوزيف موصيري عام 1915 يهودي الديانة، وأن تلك الشركة شيدت عدة استوديوهات للإنتاج السينمائي، وانها كانت تحتكر استيراد وبيع الأفلام الخام في مصر كلها، والأكثر انهم يرددون في كل مكان أن شركة التيارات المصرية التي تأسست عام 1897 من 12 عضوا كان بينهم 7 أشخاص من اليهود، ومن أسر تحمل جنسيات إيطالية وبريطانية ونمساوية ومجرية.

أدوات الجريمة:

كيف حصل الكيان الصهيوني على تلك الأفلام؟ وكيف لا توجد نسخ اصلية منها في أشيف السينما المصرية القومي؟.. القصة بدأت بموزع فرنسي يدعي "كلود بونافوس" وهو من أصل يهودي تولي عملية نهب أرشيف السينما المصرية، وكان يحصل على حقوق توزيع السينما المصرية في أوربا ثم يرسل النسخة الأصلية إلى تل أبيب، اليوم لم يعد هناك موزع فرنسي، فقد دخل الموزع الاردني واللبناني والسوري تجارة تهريب الفيلم المصري إلى إسرائيل، التي تلتقط النسخة الاصلية وتقوم بقرصنتها وعمل نسخة "ديوب نيجاتيف" وتضعة في الارشيف.

الكارثة أن الارشيف الإسرائيلي ليس هو الأرشيف الوحيد الذي استولى على الأفلام المصرية، فالأرشيف القومي الأمريكي أعلن في موقعه على الإنترنت أنه يمتلك 300 فيلم مصري نيجاتيف، والارشيف القومي الفرنسي قال أنه يمتلك معظم أفلام السينما المصرية ما بين "بوزيتيف" و"ديوب نيجاتيف" و"نيجاتيف"، والشيخ صالح كامل يمتلك 1200 نيجاتيف فيلم، والوليد بن طلال يمتلك ألف فيلم، ولم يتبق لمصر سوي 365 فيلما أنتجتهم مؤسسة السينما في الستينات وتمتلكهم شركة مصر للتوزيع ودور العرض السينمائي من أصل ما لا يقل عن ثلاثة آلاف فيلم انتجتهم السينما المصرية.

أين نحن من تلك الإشكالية؟.. السؤال المعتاد لكل أزمة سطو تعانيها مصر في شتي المجالات، كيف سمحت الجهات المسئولة في مصر بسرقة الآلاف من الأفلام السينمائية التي تعد كنزا حقيقًا تفخر به مصر؟ وكيف وصلت تلك الأفلام إلى إسرائيل دون ضابط أو رابط؟

تراث ضائع

في البداية أكد كمال عبد العزيز رئيس المركز القومي للسينما، أن مصر كانت تمتلك 4500 فيلم إجمالي إنتاج السينما المصرية منذ نشأتها والآن أصبحت تمتلك 250 فيلمًا فقط، مضيفًا أنها كارثة بكل المقاييس لأن مصر لم تعد تمتلك النيجاتيف الخاص بتلك الأفلام.

وقال عبد العزيز إن تلك الأفلام الضائعة لا تقل قيمتها عن الأهرامات الثلاثة، وفقدانها يمثل فقدان للهوية لما تمثله هذه الأفلام من تراث فنى عظيم يجب المحافظة عليه واطلاع الأجيال الجديدة به، مشيرا إلى أن كبرى الشركات الإنتاجية مثل روتانا وart كان لها نصيب الأسد في شراء الأفلام المصرية ومن ثم بيعها، وأن مصر تجاهلت قيمة هذه الأفلام وكان مبنى الإذاعة والتليفزيون يشتريها بأقل الأسعار التي لا تتعدى 2000 جنيه للفيلم بينما كانت الشركات الأجنبية تشترى نيجاتيف الفيلم الواحد بأكثر من 1000 دولار.

وأوضح عبد العزيز أن إسرائيل لم تترك الأفلام المصرية فحسب بل امتدت سرقتها لسحب عوامة فريد الأطرش الكائنة أمام فندق "الشيراتون" ووضعها في إسرائيل كجزء من تراثها وليس من التراث المصري، مبينا أن أكبر المخرجيين التي عرفتهم مصر والذي يعد من مؤسسي السينما المصرية "توجو مزراحى" والذي فتح العشرات من دور السنيما المصرية في الإسكندرية وبورسعيد والسويس، تعتبره إسرائيل جزء من ثقافتها وعملت طوال الفترة الماضية على سرقة أعماله، مشددا في الوقت نفسه على أن النظام المصري البائد شارك في بيع تراث السينما المصرية بشكل كبير عن طريق إتاحة الفرصة للشركات الأجنبية بالدخول وشراء تلك الأفلام بأموال طائلة.

ثروة قومية

بينما يرى الناقد السينمائي طارق الشناوي أن قضية سرقة الأفلام قضية أمن قومي بالدرجة الأولى ولا تقل أهمية عن باقي القضايا الحيوية التي تشغل مصر الآن، موضحًا أن الدولة استهانت بالتراث السنيمائي المصري والذي يعد ثروة قومية حقيقة سيحرم منها الأجيال الصاعدة.

وأوضح أن تلك الأفلام وصلت إلى إسرائيل منذ عدة عقود حيث كان يقوم المنتج المصري بتوزيع نسختين على الموزع واحدة لمصر والأخرى للأردن، وإسرائيل كانت تحصل عليها من الباطن، مشيرًا إلى أن يد إسرائيل امتدت أيضا إلى التراث الغنائي ولم تكتف بالتراث السينمائي.

وأضاف الشناوي أنه مع بداية التسعينات وانتشار القنوات الفضائية قامت مصر ببيع جزء كبير جدًا من التراث السينمائي للشيخ وليد بن طلال لقنوات روتانا والجزء الآخر للشيخ صالح كامل صاحب مجموعة "art"، مشيرا إلى أن مصر استهانت بتلك الأفلام وباعتها في مزادات علنية بحجة أنها ستعرض على القنوات الفضائية وسيشاهدها المواطن المصري مرة أخرى، مضيفًا أنها كارثة حقيقة وعلى مصر أن التحرك الآن وتقوم بشراء تلك الأفلام مرة أخرى لأنها ثروة قومية.

قرصنة

على الجانب الآخر أكد منيب الشافعي رئيس غرفة صناعة السينما، أن السطو والقرصنة الإلكترونية السبب الحقيقي وراء انتشار الأفلام المصرية في إسرائيل الآن، موضحًا أن رفض المنتجين المصريين للتطبيع مع نظرائهم الإسرائيليين جعلهم يتجهون إلى سرقة الأفلام عن طريق القرصنة والسطو الإلكتروني كنوع من التحدى لهم.

وأضاف الشافعي أن الأفلام التي تم تسريبها لإسرائيل سربت قبل سنوات عديدة عن طريق دور السنيما المختلفة في العراق وباريس وغيرها عن طريق شراء تلك الأفلام والاحتفاظ بها، لافتًا إلى أن التليفزيون المصري "ودن من طين واخري من عجين"، فهو من أهمل تراث السينما المصرية وتركها للشركات الأجنبية تشتريها وتمتع بها.

البوابة نيوز في

21.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)