كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

الوثائقي «موج».. مُقتطفات من حكايات السويس وناسها

أحمد نور: الثورة وضعتني أمام الماضي والمستقبل

أجرى الحوار: نديم جرجوره

 

يُشكّل الفيلم المصري الجديد "موج" لأمحد نور إحدى المحطّات البارزة، جمالياً وثقافياً وحكائياً، في المشهد السينمائي العربي الحالي. مرتكز هو على أشكال تجديدية في مقاربة اللحظة الراهنة، وفي استعادة الماضي، وفي التنقيب في المقبل من الأيام عبر التعمّق، تأمّلياً، بحيوية الآنيّ. من قلب مدينة "السويس" وحكاياتها الممتدة على التاريخ والحاضر، بعد "ثورة 25 يناير" وقبلها، يُقدّم ابن المدينة أحمد نور شهادة سينمائية متنوّعة الأشكال (سرد واقعي، فانتازيا بصرية، تاريخ ومعلومات، توثيق، متخيّل، أنيمايشن/ تحريك، إلخ.) عن مدينة وناسها، وعن حكايات مدينة وناسها أيضاً.

في إطار "أسبوع آفاق السينمائي الأول"، الذي نظّمه "الصندوق العربي للفنون والثقافة" في صالة سينما "متروبوليس" ("مركز صوفيل" في الأشرفية) بين 4 و11 آذار 2014، عُرض "موج" ضمن لائحة أفلام عربية كثيرة ساهم الصندوق في إنتاجها عبر تقديمه منحاً مختلفة لها منذ 7 أعوام متتالية.

هنا، حوار مع أحمد نور حول جديده هذا.

·        يبدو واضحاً أن مشروع «موج» سابقٌ للحراك الشعبي المصري المندلع منذ 25 كانون الثاني 2011.

^ فكرة الفيلم موجودة قبل «ثورة 25 يناير». بشكل عام، أنا لأ أحبّ تصوير أفلامي في القاهرة. لهذا، الفكرة منبثقة من رغبتي في العمل في مدينة «السويس». من رغبتي في سرد مقتطفات من السيرة الذاتية لي وللمدينة وللشخصيات التي قابلتها في حياتي هناك. لم أفكّر بشكل واحد ثابت مطلق: روائي متخيّل، أو وثائقي، أو «أنيمايشن». لم يكن هناك أي شيء محدّد على مستوى الشكل والنوع. أردتُ خليطاً.

فكرة «موج» موجودة من قبل. ثم ان الفيلم لا يتحدّث فقط عن الثورة. الثورة أشبه بكرّاسة رسم. حاجة دفعتني إلى التفكير بالماضي، وإلى تأمّلات بالمستقبل والوضع الحالي. لم تكن هناك نيّة لإنجاز فيلم ذاتي. الفكرة مبنية على كيفية تناول تاريخ وواقع وتأمّلات خاصّة بمستقبل مدينة من خلال عائلة. العائلة جزء أساسيّ من الفكرة. بل شخصية من شخصيات الفيلم. ليست أسرتي الصغيرة، بل الناس الآخرون الذين لديّ علاقات بهم. هؤلاء جميعهم هم عائلتي أيضاً. هذا كلّه أثار إشكالية، متمثّلة بكيفية الفصل في التعامل مع مواد الفيلم، بيني أنا كشخصية في الفيلم والآخرون. حاولتُ أن أقسو على نفسي وعلى تصوّري عن ذاتي. كنتُ خائفاً من طرح نفسي في شكل بطولي، خصوصاً في زمن الثورات. هذا أكثر شيء تطلّب منّي وقتاً ومجهوداً. بالإضافة إلى رغبتي الشديدة في عدم تقديم المدينة في شكل بطولي أيضاً. كانت ردود الفعل إزاء هذا الأمر جيدة.

شعر.. تأمّل

·        يميل النصّ السينمائي إلى الشعر. كأن مدينة السويس نفسها تستحضر لغة شعرية في القول والنبرة والكلام عن الأزمنة المختلفة، كما عن الناس والحكايات. أو ربما الأزمنة المختلفة والناس والحكايات تستدعي تلك اللغة.

^ الفيلم ليس عن المدينة فقط. الحالة الشعرية والألفاظ والمفردات المستخدَمة حاولتُ أن أجعلها عامة. أردتُ أن تتجاوز هذه كلّها المكان: من مدينة السويس إلى القاهرة، ومن القاهرة إلى البلد، ومن البلد إلى كل بلد آخر. من هذا كلّه أيضاً إلى أية حالة شخصية. بصراحة، كان هناك تحدّ في الكتابة، خصوصاً على مستوى جعل مدينة السويس شخصية سينمائية في الفيلم. لكن، لم تكن هناك صعوبة سينمائياً في تحويل المدينة إلى شخصية. قرّرت أن أترك الأمور على حالها، وألاّ أقلق. التحدّي الفعلي في الكتابة كامنٌ في امتلاكي مواداً وحاجات كثيرة أريد قولها. لكن، كيف أقولها بشكل يُثبّتها في الذاكرة البصرية والإنسانية للمُشاهد، لا أن تقدَّم كمعلومات فقط؟ كيف أصل إلى لحظة سينمائية أجعل المُشاهد فيها يعيش الحالات؟ كيف أحوِّل المعلومات والأحاسيس إلى حالة بصرية تؤثّر بالمشاهدين، وتجعلهم يتذكّرونها؟

بالنسبة إلى اللغة الشعرية، أنا أحبّ الشعر كثيراً، وأكتبه أحياناً. أعرف جيّداً قيمة الكلمة المكتوبة وأحترمها. في الفيلم، الأمران مختلفان تماماً: البلاغة المكتوبة والبلاغة البصرية. عندما كتبتُ الـ Voice Over، حاولتُ أن أحافظ الطريقة على المزاج التأمّلي للفيلم. أي أن الأساسيّ بالنسبة إليّ كامنٌ في أن يكون الفيلم تأمّلياً أكثر منه شاعرياً. سعيتُ إلى أن يتناسب الـVoice Over مع الصورة، لا أن يبقى محايداً. حتى الأداء الصوتي، اشتغلتُ عليه كثيراً: متى يعكس سروراً. متى يكون حزيناً قليلاً. المهم ألاّ يكون متصنّعاً، ولا أن يخرج عن السياق والشخصيات. هذه كلّها خياراتي منذ البداية.

كنتُ منتبهاً، منذ البداية أيضاً، إلى أن صناعةَ فيلم شاعريّ سلاحٌ ذو حدّين: إمّا أن «يختنق» المشاهدون بسببه، أو يُصدّقوه. لم يكن الخيار سهلاً. غير أن الفيلم ذهب في الحالة التأمّلية.

·        أودّ التوقّف قليلاً عند مسألة الأساطير، ومدى علاقة أبناء السويس بها.

^ لا أظنّ أن هناك علاقة بين أبناء السويس والأساطير. لأبناء المدن الساحلية علاقات عملية أكثر، كإدارة الأعمال وأشغال المرافئ. لكن، في الوقت نفسه، أعتبر أن الصيّادين هم من أكثر الناس حكمة. قد يكون هذا جزءاً من التراث المتبقي. لكن، بالنسبة إلى الأساطير، لا أظنّ أن المدينة غارقة بها. ربما قصّة العرّافة (قيل إن عرّافة نظرت في عينيّ حسني مبارك، الذي لم يزر السويس طوال 30 عاماً من حكمه، وقالت له: «انتبه، نهايتك ستكون في السويس») أوحت بهذا، لكن لا شيء يُثبت أنها أسطورة. لا أحد يعرف إن قيل هذا الكلام أو لا.

هناك أمر يُشغلني كثيراً: أشعر بأن السينما أكثر الوسائط التي يُمكن أن تعبّر لنا عن هذه الحالة. أي ألاّ نتعرّض فقط للإنسان، بل لحالة متكاملة بين الناس والحيوانات والنبات وحركة الطبيعة. في الفيلم، هناك مسائل عديدة تؤثّر بعضها بالبعض الآخر. مثلاً: حضور الغربان وحركة البحر وتحرّكات الإنسان. هذا جزء من بنى الفيلم. هذه أمور يتكامل بعضها مع البعض الآخر، فتنبني العلاقات الداخلية بينها. ربما هذا أعطى شكلاً أسطورياً.

التحريك

·        إلى الأساليب المختلفة التي استخدمتَها في صناعة «موج»، هناك الـ«أنيمايشن» (التحريك). إنه لافت للانتباه، ومشغول بحساسية جمالية بديعة.

^ كان التحريك جزءاً أساسياً من القرارات الأولى المتّخذة قبل البدء بتنفيذ الفيلم. لهذا الأمر أسبابٌ، أبرزها كامنٌ في رغبتي في تناول حقبات تاريخية قديمة من دون تضمين الفيلم صُوَراً قديمة. رغبتُ في التعبير عن تلك الفترات بالطريقة التي أرى فيها المدينة، وليس كما كانت المدينة. هذا مثلٌ. تصوير لقطات وحالات عن المدينة وفيها بطرق أخرى، وليس كما كانت عليه سابقاً. بالإضافة إلى إمكانية تغيير الـ«كليشيهات» عبر التحريك. مثلاً: الغربان نذير شؤم. هي طيور غير مرغوب فيها. هنا، تبدّل الحال، لأني قدّمت الصورة عبر الرسم المتحرك، وليس عبر القول إن الغربان تمزح. أنا عشتُ في تلك المدينة، ولي علاقة بالبحر والغربان والمكان. التحريك يساعد على تقديم هذه الحالات، وعلى تغيير تفكير الناس بها، وهذا لا يمكن أن يحصل من خلال الروائي المتخيّل.

للتحريك دور درامي مهم جداً في الفيلم، ومخيف في الوقت نفسه. مخيف لأني أعرف أنه يتوجّب عليّ تحقيقه بطريقة تجعل المشاهدين يحبّونه ويتفاعلون معه. أي أن يكون موجوداً في الفيلم من دون أن يثير إحباطاً لديهم، ومن دون أن يدفعهم إلى إجراء مقارنات بينه وبين الأنماط الأخرى. التحريك منصبٌّ على استعادة مرحلة تاريخية انتهت، تستدعي حالة حنين ما. التحدّي الكبير أيضاً متمثّل بكيفية جعل المُشاهدين يحافظون على التعلّق نفسه بالفيلم بعد انتهاء مشاهد التحريك أيضاً. لم أختر التحريك كـ«تجريب» لي كسينمائي، بل كحاجة درامية وجمالية وفنية. احتجتُ إلى نحو عام كامل لتنفيذ التحريك بالشكل الأفضل. تعاونت مع رسّامين وليس مع اختصاصيين. الأهمّ عندي مرتبطٌ بضرورة أن يكون التحريك مهمّ جداً ومؤثّر جداً على المستويين البصري والدرامي. عندما اطّلع اختصاصيون بالتحريك على ما أنجزناه، عبّروا عن إعجابهم الكبير به.

أخيراً، أودّ القول إن اختيار التحريك صعبٌ جداً. إنه لم يكن مجرّد اختبار سينمائي فقط. إنه مُكلف على مستويات المصاريف والوقت والجهد.

السفير اللبنانية في

17.03.2014

 
 

باولو سورنتينو... قصيدة لروما المعاصرة

بانة بيضون 

إنّه بورتريه ساخر ومفعم بالحياة عن تلك المدينة التي تتنازعها أشباح الآلهة والتماثيل الرومانية وإرثها الديني المتمثل في الفاتيكان، وحياتها الليلية الصاخبة المجنونة. المخرج الذي نال عن شريطه «الجمال العظيم» أوسكار أفضل فيلم أجنبي، يذكّرنا بعوالم فيلليني في طريقة مقاربته للمدينة الإيطالية

«الجمال العظيم» لمخرجه باولو سورنتينو (1970) الحائز جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي هذه السنة هو احتفاء فعلي بالسينما الإيطالية، وبمدينة روما المعاصرة. الفيلم الذي قدِم في عرض خاص في بيروت أخيراً، يبدأ بعبارة من رواية «رحلة إلى آخر الليل» للكاتب الفرنسي سيلين: «السفر مفيد. إنه يمرن المخيلة. الباقي كله فقط سراب وألم. رحلتنا هي متخيلة بالكامل. ومن هنا تنبع قوتها» .

La grande bellezza هو سفر فريد من نوعه داخل عالم السينما. بقدرته على الإذهال البصري وبشخصياته المتفجرة وتجوال البطل العبثي، يذكّرنا بأعمال فلليني، وخصوصاً «الحياة حلوة». وبطريقة تصويره لمدينة روما، قد يتشابه أيضاً مع «روما» وحتى «ثمانية ونصف» من خلال تشابه شخصية جيب مع غيدو، وتلك الرحلة البصرية الحالمة التي يأخذنا إليها الفيلم. رحلة تتناقض مع الجمالية الفجة التي يعرضها المخرج في لقطات أخرى، خالقاً عالمين متوازيين يعيشان ضمن المدينة الواحدة كما المشهد السوريالي للجرافة العملاقة التي يخفيها الساحر في آخر الفيلم.

«لماذا لم تكتب رواية ثانية؟». سؤال يطرح غالباً على الكاتب الستيني جيب غامبرديلا الذي يلعب دوره الممثل الإيطالي توني سرفيللو بينما يتنقل من سهرة صاخبة إلى أخرى في روما، ومن شخصية إلى أخرى، في رحلته إلى آخر الليل، إلى آخر روما، بحثاً عن الجمال العظيم. يخبر الراهبة المسنة في آخر الفيلم أنّه لم يجده، لذا لم يكتب رواية ثانية. من خلال لغته السينمائية أيضاً، يبحث العمل عن ذلك الجمال العظيم الذي لا يستطيع الكاتب وصفه بكلمات. وحدها هذه الرحلة البصرية (السينما) التي تبدو كأنّها رحلة هذه الحياة نفسها، قادرة على تمثيل الجمالية المذهلة للا شيء كما يقول جيب لصديقه في حديثه عن الكاتب الفرنسي فلوبير: «لطالما أراد فلوبير أن يكتب رواية عن اللا شيء. لو كان تعرّف إليك، لكان عثر على ضالته». لا شيء يحدث فعلاً في الحياة التي يعيشها البطل. الكل يدور في الحلقات المفرغة نفسها، كما رقصة القطار التي يؤديها ورفاقه في آخر كل سهرة ويعلّق عليها قائلاً: «أجمل ما في هذا القطار أنه ليس متجهاً إلى مكان». دوامة من العبث يعيشها الكاتب، باستثناء شبح الحب متمثلاً بحبيبته الأولى. بعد وفاتها، يزور زوجها جيب ليخبره بأنها لم تتوقف يوماً عن حبه وفقاً لمذكراتها التي عثر عليها. مشهد ذلك البحر المسجون في سقف غرفته، يشكّل الحنين إلى شيء خفي. قد يكون الجمال العظيم نفسه الذي ربما هو إحساسنا الأول بالأشياء. تلك الدهشة التي نفقدها مع الزمن كما يظهر من خلال مشهد جيب وحبيبته على الشاطىء في نهاية الفيلم حين يحاول تقبيلها للمرة الأولى، فتشيح بوجهها ثم تبتعد قليلاً وتقول له: «أريد أن أريك شيئاً»، وتخلع قميصها. الفيلم بورتريه ساخر لكن مفعم بالحياة في آن معاً. نحن أمام روما المعاصرة المتنازعة بين أشباح الآلهة والتماثيل الرومانية وتراثها الديني المتمثل في الفاتيكان وحياتها الليلية الصاخبة المجنونة، ووجوه النساء البلاستيكية المنفوخة بالسيليكون. يمزج المخرج بين كل هذه العناصر ببراعة ليرسم بورتريهاً لروما المعاصرة. لعلّ أكثر المشاهد التي تعبر عن هذه الرؤية عندما تأتي الراهبة «القديسة» إلى الفاتيكان ويتناوب الجميع على تقبيل يدها، بينما نراقبها وهي متسمّرة في مكانها تجاهد لتفتح عينيها بينما ينزلق الخفّ ببطء من رجلها إلى أن يسقط أرضاً في النهاية. شخصيات متطرفة ومتناقضة يضيفها المخرج الواحدة تلو الأخرى من إبنة رفيقه صاحب الملهى الليلي الأربعينية التي لما تزل تعمل كمتعرّية بدافع المتعة فقط، إلى الراهبة التي تجاوزت المئة وقد نذرت نفسها للفقر والعذاب. ليس مهماً أن نفهم طبيعة الشغف الذي يسيّر هذه الشخصيات أو أي جمال عظيم تنشد. وحدها الرحلة هي المهمة كما تقول الراهبة العجوز في نهاية الفيلم حين تخرج عن صمتها: «لا تستطيع أن تتكلم عن الفقر، عليك أن تعيشه».

مواطن شرف

«لقد أصبح هذا الفيلم فخراً لكامل مدينة روما»، بهذه الكلمات وصف رئيس بلدية العاصمة الإيطالية إيغنازيو مارينو شريط «الجمال العظيم» لباولو سورنتينو خلال الاحتفال الذي أقيم نهار الجمعة الفائت لمنح المخرج الإيطالي لقب مواطن شرف في مدينة روما. وقد أهدى سورنتينو هذه الجائزة إلى روما التي وصفها بـ «مكان التناغم والجمال». علماً أن إبن مدينة نابولي منح هذا اللقب بعدما نال فيلمه The Great Beauty جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي في الدورة 86 لـ «الأوسكار» التي أقيمت أخيراً في لوس أنجليس.

الأخبار اللبنانية في

17.03.2014

 
 

«المرأة الخفية» في حياة ديكنز

بانة بيضون 

«المرأة الخفية» يحمل توقيع الممثل البريطاني المعروف رالف فيين الذي تميز بأدائه في عدد من الأفلام التي مثّل فيها كـ «المريض الإنكليزي» (1996) الذي رشح فيه للأوسكار أو «نهاية العلاقة» (1999) وأخيراً «القارىء» (2008 ) مع كايت وينسليت.

«المرأة الخفية» هي نيللي ترنان عشيقة تشارلز ديكنز (1812 ـــ 1870) السرية كما تسميها كلير تومالين في كتابها الذي اقتبس عنه الشريط وصدر عام 1991.

كما في حياة ديكنز، تظل نيللي ترنان التي تلعب دورها الممثلة فيليستي جونز المرأة الخفية بالنسبة إلى المشاهد في الفيلم. يضيء المخرج أكثر على حياة ديكنز الذي يلعب دوره فيين أيضاً. بتمثيلها الصامت والبارد، تؤدي نيللي ترنان دورها المغيب في حياة ديكنز، العشيقة السرية التي لا يجب أن يدري أحد بوجودها. عبر كل التفاصيل الذي ينسجها بدقة، يسعى رالف فيين في طريقة إخراجه إلى تقديم نسخة أقرب ما تكون إلى واقع الحقبة الفيكتورية من ديكورات وأزياء. حتى المشاهد العاطفية أو الجنسية النادرة في الفيلم تتسم بطابعها المحافظ. يضاف إلى ذلك إيقاع الفيلم بحواراته الأدبية وكادراته الكلاسيكية، باستثناء مشاهد نيللي عند البحر. وحدها هذه المشاهد تُخرج الفيلم من ثباته وتعبّر سينمائياً عن معاناة هذه الشخصية. قد تكون تلك الجمالية الكلاسيكية هي إحدى ميزات هذا الفيلم، لكنها أيضاً تبعده عن الشغف حيث تبدو كل من شخصية ديكنز كما نيللي مقيّدة بدورها في الفيلم الذي تؤديه بإحترافية لكنها تفتقد إلى العفوية. شخصية ديكنز كما يقدمها لنا المخرج مبرزاً تدريجاً كل تناقضاتها، تضعه قيد المحاكمة أمام المشاهد الذي يحار في محاكمته أو تبرئته. بعد أن يظهره الفيلم في البداية في صورة الأب والزوج المثالي بل حتى ضحية زوجته الباردة التي لا تتواصل معه، سرعان ما نكتشف ذاتيته وهوسه بصورته من خلال علاقته مع نيللي إبنة الـ 18 عاماً المفتونة به. يجبرها على العيش معه في السرّ، مستخدماً حتى إسماً مستعاراً حين يكون معها، بينما يواصل لعب دوره المثالي كأب وزوج أمام المجتمع والقراء. إزدواجية ديكنز يقابلها من الناحية الأخرى التدهور العصبي لنيللي التي تتماهى تدريجاً مع وجودها المغيَّب في حياة ديكنز، فتغرق في صمت طويل لا ينقذها منه سوى اعترافها لزوجها في النهاية بعلاقتها بديكنز. رالف فيين يؤدي دور ديكنز في أداء مميز يطغى على أداء فيليستي جونز التي لا تنجح فعلياً في تصوير العالم الداخلي لهذه الشخصية أو المعاناة التي تعيشها. تأتي النهاية السعيدة لنيللي وهي برفقة زوجها تراقب إبنها يمثل مسرحية لديكنز بعد كل حالة الإضطراب التي قاربت الجنون في الفيلم.

الأخبار اللبنانية في

17.03.2014

 
 

أرشيف رقمي يحفظ كنوز السينما العربية

يزن الأشقر/ عمان 

أطلق السيناريست والناشط الثقافي الأردني أحمد أمين أخيراً مشروعاً يهدف إلى تجميع الموروث السينمائي في المنطقة العربية، وتبويبه وأرشفته على الشبكة كي يكون متاحاً للجميع. لكنّ هذه الخطوة المهمّة لن تمرّ من دون عراقيل

يدرك المهتمّون بالفن السابع واقع غياب مشاريع جادة لأرشفة تاريخ السينما العربية، سواء من أفلام كلاسيكية يصعب الوصول اليها، أو غياب المعلومات الكافية عن تلك الأفلام. والأهم هو غياب منصة توفر مدخلاً حقيقياً للباحثين الجادين في تاريخ سينما المنطقة. ورغم المبادرات التي قام بها نقاد عرب في إصدار كتب متنوعة تحت عناوين دليل السينما العربية، آخرها قائمة أفضل 100 فيلم عربي برعاية «مهرجان دبي السينمائي»، إلا أنّ هذا لا يعتبر كافياً مقارنة بمشاريع الأرشفة الرقمية للفن السابع في العالم.

توافر منصة رقمية واحدة يمكّن المشاهد الجاد والباحث المهتم من الوصول إلى الأفلام هو ما نحتاجه اليوم، خصوصاً في ظل الإحتكارات التجارية التي مورست بحق التراث السينمائي العربي والمصري، وتحديداً في السنوات الأخيرة التي أثارت ضجة في الوسط الفني المصري.

من هنا، يأتي مشروع «أرشيف الفيلم العربي» بمبادرة من السيناريست والناشط الثقافي الأردني أحمد أمين، الذي يستضيفه فضاء Art Territories في صالة «مكان» في العاصمة الأردنية. المشروع يعرّف عن نفسه بأنّه «مبادرة مستقلة غير ربحية تهدف إلى نشر وتوفير الموروث السينمائي العربي للعامة لغايات البحوث والعروض غير تجارية الطابع». وبحسب بطاقة المشروع التعريفية، فإنه يرتكز على جمع الأفلام من مختلف المصادر المتاحة وتحويلها رقمياً بعد أرشفتها بناء على المعلومات الإنتاجية لكل فيلم من فريق عمل وممثلين. على أن تتضمن مراحل الأرشفة اللاحقة تصنيف الفيلم بناء على الموضوعات التي يعالجها والشخصيات الرئيسة التي أدّت بطولته، مما يوفر الفرصة لتحقيق أعلى درجات الإفادة للباحثين والمهتمين.

يقدم المشروع محاضرات وسلسلة عروض سينمائية للتعريف بالمبادرة. عروض المجموعة الأولى الخاصة بكلاسيكيات السينما المصرية تستمر حتى السابع من نيسان (أبريل) المقبل. الأفلام الخمسة الأولى التي اختيرت من قائمة أفضل 100 فيلم مصري التي أعدت عام 1996 بعد استفتاء لنقاد السينما المصرية في مناسبة مرور 100 عام على أول فيلم مصري، ستُعرض في اللقاء، بحيث يمثّل كل فيلم حقبة زمنية مختلفة (من ثلاثينات إلى سبعينات القرن الماضي). بدأت الفعاليات بمحاضرة لأحمد أمين عن بدايات السينما المصرية تلاها عرض فيلم «العزيمة» (1939 ــ كتابة وإخراج كمال سليم). واليوم، سيعرض «غزل البنات» (1949 ــ إخراج أنور وجدي)، يليه «شباب امرأة» (24/3 ــ (1956 إخراج صلاح أبو سيف)، و«الحرام» (31/3 ـــ 1965 إخراج هنري بركات). وتختتم مجموعة العروض الأولى بــ «زوجتي والكلب» (7/4 ــ 1971 إخراج سعيد مرزوق).

في حوار مع «الأخبار»، يشير أحمد أمين إلى أنّ فكرة المشروع بدأت عام 2011، مع ازدياد مجموعته الخاصة من الأفلام العربية الكلاسيكية والنادرة التي يحرص على توفيرها بشتى الطرق والمصادر المتاحة، حتى تبلورت فكرة إطلاق منصة إلكترونية توفّر قاعدة بيانات سينمائية عربية، وتمكّن الباحث والمتابع من الوصول إلى الأفلام عبر ربط ثيماتها ومواضيعها المشتركة. الموقع الذي لا يزال قيد التطوير حالياً، يضمّ أقساماً كثيرة أبرزها «قائمة الأفلام». تشمل هذه القائمة الأفلام المتوافرة ومعلوماتها، بالإضافة إلى التصنيف والمصدر والجودة («دي. في. دي»، أو «في. اتش. أس»، أو حتى تسجيل تلفزيوني). أما قسم «برامج العروض»، فسيوفّر مستقبلاً قائمة عروض سينمائية منسقة بحسب مواضيع وثيمات يمكن استخدامها من قبل أي شخص يرغب في إجراء عروض للأفلام. سيوفر الموقع أيضاً فرصة للراغب في التبرع بالأفلام. يعمل أمين أيضاً على مدونة ملحقة بالموقع تحوي أرشيفاً رقمياً للمقالات والمقابلات مع المخرجين والممثلين من مجلات قديمة مثل «الفن السابع» مع إمكانية عمل TAGS لربطها بالأفلام. هكذا، سيتمكن الباحث من إيجاد جميع الأفلام التي تتناول مواضيع معينة، من تمثيلات القضية الفلسطينية في فترة معينة مثلاً وصولاً إلى المقاربات المختلفة لقضايا المثلية الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، ستُجمع سيناريوهات الأفلام على الموقع.

يدرك أمين العراقيل القانونية التي قد تواجه المشروع بخصوص توفير نسخ رقمية لأفلام الأرشيف بالتحديد. لكنه لا يخشى المواجهة، ويأمل أن تفتح هذه المبادرة النقاش على مسألة الإحتكار التجاري لتاريخ يؤمن أمين أنه ليس ملكاً تجارياً، بل هو تاريخ ثقافي وحق للناس في الإطلاع عليه. «من المعيب أن يُحتكر التراث السينمائي الكلاسيكي تجارياً» يقول. هو محق بلا شك، فمن يضمن أن تخرج كلّ هذه الأفلام إلى الضوء؟ ومن يضمن أنّ الرقابة لن تمسّ مشهداً من هذه الأعمال؟ لذا، يحبذ فكرة توفير الفيلم بنسخ رقمية من أكثر من مصدر، حيث يتم تحويل الأفلام إلى صيغ رقمية ذات حجم مناسب وجودة عالية بالشكل الذي يضمن مراعاة سياسات الإستغلال غير التجاري العادل. ولدى رغبة أحد في عرض هذه الأفلام، ينبغي له توقيع ورقة تنصّ على عدم استخدام هذه الأفلام في عروض تجارية والمحافظة على سياسة الاستخدام العادل. يعمل أمين على توسيع المشروع بجهد جماعي، ويأمل بتوسيع الفكرة لبناء شبكة كاملة حول العالم العربي تُعنى بجمع مختلف المعلومات عن هذه الأفلام لتأسيس قاعدة رقمية بحثية متكاملة.

الأخبار اللبنانية في

17.03.2014

 
 

هادي زكاك | بروفة الحرب الأهلية

محمد همدر 

يواصل هادي زكاك قراءة فصول من تاريخ لبنان والمنطقة وترجمتها سينمائياً، معتمداً لغة سينمائية مختلفة في كل عمل. «شهر عسل 58» (الصورة ـــ 15 د ــ فيلم قصير ــ إنتاج مشترك لبناني إيطالي) يعود معه هادي زكاك (1974) إلى عام 1958، سارداً قصة حبّ، تتوّج بزفاف وشهر عسل يتزامن مع الحرب الأهلية الأولى بعد الإستقلال.

لا تعرف الأجيال التي لم تعايش أحداث ذاك العام ما الذي صار، ونتائجه وآثاره التي اتصلّت بالحرب الأهلية الثانية (1975)، إلا من قرأ عنها في محاولات التأريخ الفردية غير الرسمية. هذه المحطة كغيرها من المحطات التاريخية التي تلت عام 1943، تشكّل نقطة خلاف بين اللبنانيين، تنتظر كتاب التاريخ الموحّد الموعود حلّها بين المعنيين. لذا، قد تختلف التسميات لمن يبحث عمّا حصل عام 1958 بين «ثورة»، و«حرب»، أو «أحداث». لا تكفي 15 دقيقة للوقوف على الأسباب والنتائج وتفصيلها. هذا أصلاً ليس مهمة السينما حصراً، يكفي أن يذكرنا فيلم «شهر عسل 58» بأنّ هناك حرباً أهلية اندلعت، على قاعدة أرساها المفكر جورج سانتايانا «أولئك الذين لا يتذكرون ماضيهم، محكوم عليهم إعادته». وكعادة أفلام زكاك، يبدأ المخرج فيلمه بهذه الجملة.

إلا أن هادي الذي سلك درب السينما الوثائقية منذ بداياته عام 1999، اعتمد دائماً على الأبطال، على الرواية التي لا تجعل أعماله الوثائقية مجرّد أفلام جافّة، تحمل معلومات ووقائع. في «شهر عسل 58»، يخبرنا هادي قصة رومانسية حصلت فعلاً، أدّت بعد ثلاث سنوات غرام إلى الإرتباط عام 1958. الأرشيف شكّل مادة الفيلم الأساسية والوحيدة.

قصة الغرام التي تتسارع خطواتها وتتراكم فصولها، تُزاحمها صور حلف بغداد، وصور الوحدة العربية بين مصر وسوريا، عبد الناصر، كمال جنبلاط، كميل شمعون وصولاً إلى بلوغ الأحداث ذروتها في تموز (يوليو) 1958، وتتويج قصة الحب بزفاف وشهر عسل لبناني في أوروبا. يجد العريسان نفساهما محاطين بالإعلام الأوروبي الذي ينتظر أخبار الإشتباكات الآتية من بيروت، بعدما اشتبك الثوّار بقيادة كمال جنبلاط مع القوات الحكومية ومناصري الرئيس كميل شمعون. حينها، لم يكن الفلسطينيون عذراً ولا وقوداً. كان صراعاً لبنانياً لبنانياً، صراع خيارات سياسية في الدرجة الأولى، لكنه لم ينجُ من إلباسه اللبوس الطائفي.

توفرّ لهادي زكاك أرشيف غنيّ ونادر، ركبّه بإتقان مع الأرشيف الخاص الذي يحمل قصة حبّ يؤدي بطولتها والداه. امتزجت الصوَر في خدمة السرد وفي خدمة التأريخ، فتقطع صور وأصوات نشرات الأخبار الآتية من بيروت، هدوءَ ورومانسية قصة الحب وشهر العسل الأوروبي. يعود العريسان إلى بيروت التي امتلأت شواطئها بقوات «المارينز» بناء على طلب رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون. كانت «المارينز» تنتظر لتتدخل وتقطع الطريق على عبد الناصر وحلفائه. تنتهي ما يعرف أيضاً بـ «أزمة 1958». في عام 1975، يغادر العريسان مجدداً إلى روما، الحرب الثانية قد اندلعت، يتذكران سوياً شهر العسل وحرب 58 بعدما طوت الذاكرة اللبنانية الجماعية صفحتها.

الأخبار اللبنانية في

17.03.2014

 
 

زوم 

«عيد الفن» عاد وكرَّم 10 فنّانين

بقلم محمد حجازي

كشفت الفنانة الكبيرة نادية لطفي عن أنّها ستكون ممَّن سيُكرّمون في عيد الفن، التقليد الذي كان مُتّبعاً سابقاً، وتوقّف منذ 33 عاماً لأسباب مختلفة، وها هو الآن قيد التحضير لاستئناف حضوره، برعاية وحضور الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الذي سيسلّم عشرة فنّانين، خمسة من الأحياء ومثلهم ممَّنْ غادرونا عبر ورثتهم وسام الاستحقاق الجمهوري، تقديراً لما أعطوه لبلدهم وشعبهم، لا بل لأمّتهم.

الوحيدة التي عرفت من العشرة، هي نادية لطفي التي احتفلت مؤخراً بعيد ميلادها الـ 77 أي إنّها مثل زميلاتها فاتن حمامة، شادية، ونجاة الصغيرة من جيل الثمانين، وإذ وعدت نادية بحضور حفل تكريمها شخصياً إذا ما أسعفتها صحّتها إلا أنّها طلبت عدم الإنزعاج في حال لم تتمكّن من الحضور لأنّ الهمّة «مُش ولا بُد»، وهي عانت كثيراً من صدرها في الفترة  الأخيرة لأنّها ترفض التوقُّف عن التدخين.

هُنَّ جميعاً من جيل الراحلة هند رستم، وقد أصرّت فاتن، شادية ونجاة في أكثر من مناسبة سابقة حضور أي حفل لتكريمهن. أبداً، لقد رفضن بشكل قاطع، لأنهن يرغبن بالحفاظ على الصورة الذهبية المُشرِقة التي حضرت في أذهان أجيال متعدّدة، فلماذا تتعمّدن تشويه ما هو جميل في صورتهن، ونتذكر عندما حضرت السيدة فاتن إلى بيروت لتكريمها بدكتوراه فخرية في الجامعة الأميركية ببيروت، استقبلناها في صالون الشرف بمطار رفيق الحريري الدولي، وعندما بادرناها: واضح مدام فاتن أنّ الزمن يمر بعيداً عنك، ما شاء الله الشباب مازال حاضراً، فبادرتنا: الواضح أكثر أنّك عايز نظارات يا أستاذ.. وضحكت من كل قلبها، ولم تطلب يومها من مصوّري الفضائيات، وكانوا قلّة لأنّ موعد وصولها كان مُبكِراً من التواقيت المعلن، أي طلبات تتعلّق بالزاوية الأفضل لتصويرها، وهي الحريصة منذ صوّرها دائماً الحاج وحيد فريد «رحمه الله»، ومعه الوفي دائماً هنري بركات مخرج الكثير من أفلامها.

عيد الفن عائد، والاحتفال به هذا العام، وكل عام في 13 آذار/ مارس يعني في يوم مولد الموسيقار محمد عبد الوهاب منذ 112 عاماً بالتمام والكمال، ومع نشر هذه المقالة يكون العيد قد عاد، والفنّانون نعموا مُجدّداً بتقدير رسمي من أعلى سلطة في البلاد، كنوعٍ من الاعتراف بفضل هؤلاء في إثراء المشهد المصري وجعله صورة عاصفة عن الفنون الجميلة المرئية للشاشتين والخشبة.

رئيس اتحاد النقابات الفنيّة هاني مهنا، كان قد اعتذر عن إعلان الأسماء قبل موعد التكريم لضمان بقاء الأمور في إطار بسيط من السرية، وهو أشار إلى وجود اتصالات به تلفت انتباهه إلى أسماء وفنّانين بعينهم، ما أجبره على الرد في بيان للإعلام بأنّنا لا نستطيع تكريم الجميع في وقت واحد، والوقت أمامنا ورجاؤنا أنْ يبقوا جميعاً بصحّة طيبة، ويعيشوا حتى يحظوا بالتكريم.

تكريم الفنّانين المعطائين الكبار لا يكلّف الكثير، تكاليف بخسة ولا تحتاج إلي حسابات وتعداد، بينما مفعولها رائع جداً في نفس الفنان الذي يأمل في تقوية معنوياته والشعور بأنّ ما  أعطاه وجد صدى طيباً، وإنْ يكن عدد لا بأس به من الفنّانين عانوا من الفقر المدقع، وقلّة الحيلة والمال كي يتابعوا حيواتهم العادية  إلى حد اندافع الفنان محمد توفيق يوماً للإعلان عن أنّه يعرض كل الأوسمة والتقديرات والشهادات والتماثيل الصغيرة والكبيرة للبيع حتى يتمكّن فقط من علاج عينيه وسحب المياه الزرقاء منها.

معادلة تظلُّ مستوية عند نقطة واحدة هي قول: يعطيك العافية أيّها الفنان لقد أحببنا ما قدّمته، ونقدّر ما بذلته، وماذا تحضّر للفترة المقبلة.. الكلمة تفعل فعلها... والصورة أيضاً، ومن أهم مهمات المبدعين التنقُّل الدائم بين هذين العنصريين الرئيسيين في الفن.

التكريم حاصل شعبياً، جماهيرياً، وعودته رسمياً عبر مقام رئاسة الجمهورية بعد غياب 33 عاماً

عيد الفن، عيد الفنان والجمهور في آن، وعيدنا أيضاً لأنّنا نتواصل مباشرة مع هذه الشريعة القلقة من البشر.

عروض 

«نوري بو زيد» أعلن:

«مانموتش» بالتونسية في شريط جميل.. جريء ومباشر

«كوستنر» يعود في فيلم ميلودرامي متنكّراً في زي بيسون الأكشن

«وود» مُبهِر في العزف على البيانو.. و«كوزاك» تحطّم فوقه بهدوء

يرفض نوري بو زيد الموت.

«مانموتش» أو (Millefeuille) شريط للمخرج التونسي المتميّز جداً، والذي عرفنا له «بزناس»، و«صفائح من ذهب»، وها هو يقدّم كالعادة عن نص له، هذا الفيلم الذي يعقب ما عرفته تونس من اضطرابات في الأعوام القليلة الماضي، لذا فإنّ رسالة نوري: «إنّنا لن نموت»، في شريط عرف مشاكل حين مباشرة عرضه في تونس، وقد عُرِضَ في مهرجان دبي السينمائي الأخير، وتواجد المخرج المميّز، الذي سبق وتعرّض لمشاكل خلال فترة عرضه في تونس، من قِبل جماعات رفضته، لكنه كالعادة لم يهتم بالأمر، وحصل أنْ ضربه أحدهم بآلة حادة على رأسه، لكنه أيضاً لم يرضخ أو يقل شيئاً غير ما في الفيلم من أفكار تتعلّق بالحال السائدة في تونس حاضراً.
الإنتاج لـ جورج مارك بفاتكو وجيروم كليمانت، وقد قُدِّمَ في ختام مهرجان آفاق على شاشة صالة متروبوليس - أمبير، الموسيقى صاغها سامي معنوقي، وأدار التصوير سيباستيان غونفرت، وتولّى المونتاج سيف بن سالم، ولعب الأدوار الأولى: سهير بن عمارة (عائشة) نور ميزيوا (زينب) ابراهيم علووي (حمزة) لطفي عبدلي (ابراهيم) فتحي مسلماني (الأب) عبد العزيز محرزة (جد عائشة) حمدي هدا، مريم صباغ، زينب بوزيد، ونوري بوزيد نفسه، رانيا غابسي، سنا عماري، ريم حميس.

{ ( 3Days To Kill):

- للمخرج (MCG) كتبه لوك بيسون وآدي هازاك, فكان فيلم مدته 117 دقيقة تعرضه الصالات الأميركية منذ 21 شباط/ فبراير 2014، تكلّف إنتاجه 28 مليون دولار، جنى منها حتى العاشر من آذار/ مارس الجاري، أقل بقليل من 26 مليوناً في أميركا وحدها، وقد صور في باريس بمعظمه.
نحن نتعرّف على عميل الـ CIA إيتان رينر (كيفن كوستنر) المتزوّج من كريستين (كزي نيلسن) ولهما إبنة شابة تدعى زوي (هايلي ستانيميلد) وبحكم ارتباطاته والمهمات التي يكلّف بها حول العالم من إدارته، لا يستطيع أن يكون دائماً حاضراً في مناسبات عديدة للزوجة والإبنة، ما يجعل هناك فتوراً صعباً بين الطرفين، لذا يكون اللقاء في باريس جيداً، بعدما أمضى فترة طويلة لم يرهما.

اللقاء بين الطرفين كان فاتراً، الزوجة مضيفة طيران ولها أيضاً ارتباطاتها العملية، لذا يبقى مع ابنته متعرّفاً على صديقها، ومتحاوراً معها، وعندما عرف بأنّها ذهبت إلى نادٍ ليلي تبعها وأعادها وكان حازماً في منعها من الخروج مجدّداً، وسرعان ما نشأت علاقة طيّبة بينهما، في وقت كانت فيه فيفي دبلاي (آمبر هارد) التي تمثّل وكالة المخابرات المركزية تطلب منه اعتقال أو قتل المحاسب التابع للذئب المطلوب (ريتشارد سامال).

تُجرى مطاردات متعدّدة بشكل جيد، بعدما كانت مداخل الشريط إلى الموضوع جيدة هي الأخرى وإن يكن كوستنر، متعباً ثقيلاً بطيئاً وهو يتحرّك مع المسدس، للقتال والمناورة.

الواقع، وكما بدا من الشريط، فإنّ الفرنسي المعروف لوك بيسون المبتعد عن الإخراج لصالح الكتابة والإنتاج من خلال شركته (Europa) أراد استرجاع ما في هذا الفنان حامل أوسكار أفضل فيلم عن: الرقص مع الذئاب، أحد  هامات إنتاجات هوليوود المتميزة.

كوستنر (60 عاماً) رفض على الدوام عروض العودة دائماً، كان خائفاً، ويُعتقد بأنّ دوراً مناسباً لسنّه ووضعه لم يتوافر بعد إلى أنْ أقنعه بيسون، وبات كل ما يراه جميلاً، والمفارقة أننا أمام شريط ميلودرامي بالكامل، جرى التحايل علينا ببعض اللقطات الأكشن لتبرير حالة الجذب المعتمدة لجلب الرواد إلى الصالات.

يظل توم حياً، يعود إلى زوجته وابنته لحياة مختلفة، ويموت كل الأشرار.

{ (Grand Piano):

- شريط إسباني الجنسية... قريب من القلب، جرت كتابة السيناريو في مناخ جاذب لـ داميان شازيل وأدار الفريق المخرج أوجينيو ميرا الذي اختار للبطولة النجم الأميركي أليجاه وود ليلعب شخصية عازف البيانو الماهر توم سيلزنيك الراغب بالعودة إلى العزف بعد غياب، وتُجرى كامل التحضيرات لحفل العودة الذي يكون صاخباً ومزدحماً بالذواقة من الروّاد، ولأنّ ما يريد عزفه دقيق وصعب فقد ظهر كليم (جون كوزاك) عليه عبر الهاتف متوعّداً إياه، إذا لم يرضخ لكامل طلباته في العزف، والأسلوب وصولاً إلى اختياره واحدة من أصعب المقطوعات وعزفها على طريقته، متجاهلاً تهديدات كليم فإنّه سيقتل زوجة توم وتدعى إيما (كيري بشيه).

هو يعزف بشكل رائع للحضور، وعندما يلاحظ أنّ كليم يريد فعلاً إيذاء زوجته، ذهب إليه وتشاجر معه ووقع الإثنان من على خشبة المسرح فمات كليم الذي سقط فوق البيانو، وظل توم صحيحاً أكثر منه، فترافق مع زوجته جميلة الصوت والشكل في راحة واطمئنان.

شارك في لعب الأدوار: تامسن إيغرتون، آلين ليس، دون ماكماموس، آليكس وينتر، دي والاس.

الشريط من إنتاج العام 2013 ويقع في ساعة ونصف الساعة من الوقت فقط

افتتاح

الأقصر 3: ينطلق غداً...

يوم غد تفتتح الدورة الثالثة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية وتستمر الفعاليات حتى الرابع والعشرين من الجاري.

41 دولة مشاركة في المهرجان تتبارى بـ 14 شريطاً طويلاً، و10 أعمال تسجيلية، و31 شريطاً قصيراً، أما عدد الأفلام فهو 79 فيلماً.

«جمهورية الاطفال» من غينيا بيساو - فرنسا، هو شريط الافتتاح، وتجري استعدادات واضحة لانشاء سوق للفيلم الافريقي (اتصال) مع صندوق دعم بقيمة مئة ألف دولار سيساهم فيها المهرجان بـ 40 ألفاً، وفق ما قالته مديرة المهرجان عزة الحسيني - بغية إنتاج عشرين فيلماً قصيراً.
ويتم إطلاق قسم جديد عن أشرطة التحرر في القارة الأفريقية والتي ظهرت على مدى الثلاثين عاماً الأخيرة ومنها: عمر المختار، ناصر 56، ثورة الجزائر، الطريق الطويل إلى الحرية، كراي فريدوم، آميستاد. وتقام ندوة رئيسية في المهرجان عنوانها: أفلام التحرر في افريقيا.

وغداً يعتلي الفنان محمود عبد العزيز المنصة لتكريمه عن مجمل أعماله ومسيرته الطويلة.

لجنة تحكيم الأفلام الطويلة يرأسها المخرج المالي سليمان سيسيه، وفي العضوية: طارق التلمساني، إلهام شاهين، أحمد راشدي.

مسابقة الأفلام التسجيلية يرأس لجنة تحكيمها المخرج المغربي داود ولد السيد. ومعه سامح سليم وثلاثة نقاد أفارقة، أما الأفلام القصيرة فيتولى التحكيم فيها لجنة برئاسة الناقد التونسي محرز القروي، مع أمير رمسيس والكاتب عطية الدرديري.

حملة 
«
يرموك» يرمي بكري!!!

ثماني دقائق من شريط أنجزه الممثل والمخرج محمد بكري مؤخراً وسط ردات فعل سلبية على الصورة التي رسمها لمخيم اليرموك وأهله خلال الأحداث التي تشهدها سوريا منذ ثلاث سنوات، من خلال أب يبيع ابنته بسعر بخس لكي يعيل باقي أفراد أسرته.

بكري الملاحق قانونياً من إسرائيل بعد فيلمه: جنين جنين (50 دقيقة) ها هو ملاحق فلسطينياً حالياً على اعتبار أنه يقدّم صورة مسيئة عن معاناة أهل المخيم

تكريم 
شلوندورف

أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أنه سيكرّم المخرج الألماني فولكر شلوندورف في دورته المقبلة، وهو وافق على الحضور والاحتفال بعيد ميلاده الماسي 75 عاماً في القاهرة.

المهرجان يصدر كتاباً عن حياة هذا المخرج باشراف كمال رمزي، والوقت ما زال جيداً للإعلان عن باقي ضيوف الدورة المقبلة وهم عديدون وكبار وفق ما قاله لنا مدير المهرجان سمير فريد.

صالة 
فن وتجربة

هي صالة فن وتجربة من خلال مشروع يحمل عنوان: زاوية، في تعاون بين شركة أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) ودولار فيلم (نيوسنشوري) هدفه نشر الوعي والثقافة السينمائيتين من خلال اعتماد صالة (أوديون) تتم برمجة فيلم واحد عربي أو عالمي لا فرق يعرض فيها ويكون حاملاً لسمات السمات البديلة عالمياً، كنمط مستقل ومتفرّد.

التركيز سيتم على العربية منها، وتشرف على المشروع المخرجة ماريان خوري (ابنة شقيقة يوسف شاهين). وسيتضمن أيضاً نقاشات، محاضرات وورش عمل. 

اللواء اللبنانية في

17.03.2014

 
 

الفنانة السورية تصور مسلسلا جديدا في القاهرة

ولاء مرعشلي: يعجبني المخرج الذي يفرض حسه الفني.. ويفجر طاقات الممثل

دمشق: هشام عدرة 

تنتمي الفنانة ولاء مرعشلي إلى جيل الممثلات السوريات الشابات اللواتي أثبتن حضورهن على الشاشة الصغيرة في السنوات القليلة الماضية بشكل حرفي وتألقن في تقديم أدوار جميلة في مسلسلات تلفزيونية متنوعة، وفي حوار معها تتحدث ولاء مرعشلي لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «اعتذرت أخيرا عن المشاركة في عملين جديدين لأنني شعرت أن دوري فيهما لن يضيف إلى تجربتي الدرامية أشياء جديدة ولن يقدماني للجمهور كما أريد، وهما (باب الحارة) بجزئه السادس، والجزء الثاني من المسلسل الكوميدي (سوبر فاميلي). ولدي حاليا نصوص جديدة أقرأها لمسلسلات مقبلة».

وترى مرعشلي أن موافقتها على المشاركة في أي عمل درامي يجب أن يحقق لها عدة أمور، أولها هو أن يترك الدور الذي ستؤديه تأثيرا لدى المشاهدين وأن يحبها الناس، «فأنا لا أبحث عن الكم في المسلسلات، بل عن النوع في النص والمشاهد التي سأصورها، وخصوصا في مسلسلات البيئة الشامية التي كان لبعض المخرجين لمسات سحرية عليها، فأنا شاركت في الكثير منها كمسلسلي (جرن الشاويش) و(طالع الفضة)، وآخرها (ياسمين عتيق). وكانت تجارب مهمة بالنسبة لي، ولذلك علي المحافظة على النجاح الذي حققته في هذا الأعمال وفي غيرها من أنواع الدراما الأخرى، وبرأيي على الفنان أن يقدم كل أنواع الدراما وأن لا يستصعب أيا منها، وعليه أن يعيش الشخصية التي يجسدها بكل حالاتها وتفاصيلها».

وتعود ولاء مرعشلي بذاكرتها للسنوات الماضية ولبداياتها مع الفن والدراما، حيث كانت انطلاقتها من الكويت، إذ كانت تقيم ولاء مع أسرتها هناك، وتحديدا من مسلسل يجسد البيئة الكويتية «شاركت فيه وأنا بعمر سبع سنوات (تبتسم ولاء) وكانت مغامرة بسيطة ولكنني أحببت فيما بعد التمثيل واحترفته كمهنة، ولو أنني ما زلت أنظر إليه كهواية».

وعن أدائها لأدوار كوميدية تقول ولاء: «قبل مشاركتي في (مرايا) كنت أشعر أنني بعيدة جدا عن الكوميديا وأن شخصيتي لا تتناسب ومثل هذا النوع من الفنون، ولكنني بعد تجربتي مع الفنان ياسر العظمة وصلت إلى قناعة أن الكوميديا عندما تكون بعيدة عن التهريج والمبالغة ومع أسماء مهمة في عالم الكوميديا فهي ضرورية لأي فنان أن يكون موجودا فيها».

وحول مشاريعها الفنية خارج سوريا تقول ولاء: «لدي مشاركة قادمة في عمل مصري وهو دور فتاة سورية في القاهرة، ولكن توقف المسلسل بسبب ما حصل في البلدان العربية، وحاليا أعيد من جديد مع تعديل في النص والدور الذي سأجسده».

وعن الأدوار التي ترغب في تقديمها في المرحلة المقبلة تقول ولاء: «أتمنى تقديم الأعمال التي تتوجه إلى الجيل الشاب، وأرى حالي دائما قريبة من القصص الاجتماعية المعاصرة. وفي مجال أعمال السيرة الذاتية أرى أن هذه الأعمال ضرورية، فهي توثق لتاريخ شخصيات هامة في تاريخنا البعيد والقريب، ولكن لي ملاحظة هنا أن هناك عمالقة في الفن والغناء لم يجرِ تقديمهم في هذه المسلسلات، وهؤلاء قدموا حياتهم للفن، ولذلك على المعنيين تقديمهم في مسلسلات تلفزيونية تحكي سيرة حياتهم ليتعرف عليها الناس بشكل درامي. وبالنسبة لي فإن حلم حياتي أن أقدم السيرة الذاتية للفنانة العالمية الراحلة داليدا، وأجسد شخصيتها في مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي».

وحول إمكانية أن تقدم أدوارا وشخصيات جريئة ومثيرة في أعمال درامية تظهر فيها مفاتن جسدها تقول ولاء: «أنا بعيدة عن هذه الأمور، فأنا فتاة شرقية ولا يمكن أن أقدم مثل هذه الأدوار البعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا حتى لو كان سيحقق لي قفزة نوعية في مجال حياتي الفنية ولو كان سينقلني إلى هوليوود!.. لقد عرض علي بطولة مطلقة في فيلم سينمائي صور في العام الماضي والدور يشبهني كثيرا ولكنني اعتذرت عن المشاركة فيه لوجود مشهد فيه هو (ليلة الدخلة) وفيه تفاصيل لم ترُق لي واعتبرتها بعيدة عني كفتاة شرقية رغم أن الفيلم كان فرصة مهمة وخطوة جيدة في مسيرتي الفنية، ولكنني اعتذرت من أجل هذا المشهد فقط!.»..

وعن المخرج الذي ترتاح للعمل معه تقول ولاء: «يعجبني المخرج الذي يفرض حسه الفني على كادر العمل والذي يفجر طاقات الممثل ويجعله يقدم كل مواهبه في الدور مع لمسات المخرج عليه. للأسف (تتنهد ولاء) ما زلنا في العالم العربي نلحق جمال الأنثى بشكل خاص والملامح الأنثوية في الأعمال الفنية الدرامية، لماذا؟ لا أعرف!.. لا نركز كثيرا على الموهبة الفنية، بل على الجمال لدى الممثلة رغم أن هناك الآن عمليات تجميل تجعل المرأة البشعة جميلة، ولذلك الموهبة تبقى الأساس».

لدى ولاء هوايات كثيرة، أبرزها ممارسة رياضة الفروسية، فهي كما تقول تعلمت الفروسية في الكويت وتمارس هذه الهواية بشكل جيد وتقود الخيول الأصيلة بشكل متقن.

الشرق الأوسط في

17.03.2014

 
 

جذور في فن التجريد

محمد رضا 

في عام 1909 قام الرسام الفرنسي فاسيلي كاندينسكي، المولود في روسيا سنة 1866 والمتوفى سنة 1944 بوضع لوحة مرسومة بالزيت سماها «صورة مع رامي» أو النبال. لكن الناظر إليها، وهي موجودة اليوم في متحف نيويورك للفن المعاصر، عليه أن يبحث بين الألوان الداكنة والأشكال الغريبة التي تحتل معظم مساحتها عن ذلك الرامي. بعد قليل من التمعن قد يجدها في أسفل الصورة إلى اليمين: حصان يقفز وفوق صهوته رجل بقوس وسهم.

نعم، هناك أشكال أخرى يمكن تمييزها بعد حين، وبصعوبة أكبر، لكن كاندينسكي لم يكن يهمه الإيضاح والشكل المريح والإجابات الفنية السهلة. ما رغب به هو حالة من التداعيات الوجدانية المعبر عنها بما عرف بـ«فن التجريد».

الأصعب شرحا هي لوحة الفرنسي الآخر أندريه ماسون (1987 - 1896) التي وضعها تحت عنوان «رسم تلقائي» وفيه بعثرة من الخطوط المدموجة بعضها فوق بعض بحيث لا يمكن معرفة مما تتألف فعلا. نعم، هناك ما يشبه اليد والإصبع في أحد أركانها، لكن ذلك ليس التفسير الذي يمكن التوقف عنده. ما فعله ماسون هو أنه مد خطوطه في كل اتجاه (عموديا على الغالب) ليؤلف ما قصد به ألا يتحدد بأي شكل معروف. ترك القلم يسرح كما يريد، لكنه في النهاية توقف عندما لاحظ أنه رسم ما يمكن تفسيره بأبدان متلاصقة. ما زلت، كمقدر للفن وكمشاهد، لا تعرف الكثير من المقصود، لكن عدم المعرفة هو بعض جوهر ما يقوم عليه الفن التجريدي.

رغم أن لوحة كاندينسكي ولوحة ماسون ينتميان إلى فن التجريد، فإنهما مختلفان جدا في الأسلوب. بين الاثنين أفضل الأولى لأنها مرسومة وليست مخطوطة بقلم. كلاهما ما زال فنا لا يكترث للتعريف المحدد ولا ينتمي إلى ما يمكن نقله من الواقع إلى اللوحة. وكلما أمعن الفنان في التجريد، بات أبعد عن التناول وأبعد أكثر عن أي مرجعية طبيعية أو واقعية أو ذهنية محددة.

لكن فن التجريد ليس حكرا على الفن المرسوم. هو يمكن أن يتقمص أي فن آخر. يمكن أن نجده في عمل مسرحي يجمع بين الديدائية والرمزية والتجريد أو يتكون من التجريد نفسه. ويمكن أن نجده في مقطوعة موسيقية أو فيلم.

في السينما كانت هناك محاولة مبكرة جدا سنة 1912 بعنوان «إيقاعات ملوّنة». هو أيضا من لدن فنان فرنسي اسمه ل. سورفاج بدأ الفيلم ولم يكمله بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى ما يعني أن الرجل كان يعمل ببطء شديد، إذ بدأ التصوير قبل ست سنوات من الحرب التي داهمته فتوقف. الفن التجريدي المصور انتقل بعد ذلك (قبيل الحرب وخلالها) إلى السويد وألمانيا.

كون السينما آنذاك صامتة، جعل هذه الأفلام مجرد ظلالات متحركة غير قادرة على أن تدافع عن اختيارات أصحابها (أمثال وولتر روتمان وهانز ريشتر وبول. دوكاس وكلهم كان لديهم باع في الفن اللوحاتي) لهذا الفن. لكن مع نطق السينما تبدلت الحال ووجدنا آخرين (بينهم الألماني أوسكار فيشينجر والكندي نورمان ماكلين) يستخدمون الصوت لتقديم صور بإيقاعات لحنية مسموعة. نورمان ماكلين دشن، على الغالب، علاقة بين الرسوم الإحيائية (أنيميشن) وبين التجريد منذ الثلاثينات.

الشرق الأوسط في

17.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)