كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

"دبلوماسية": تحفة شلوندورف الجديدة

أمير العمري

 

كان الفيلم الألماني- الفرنسي "دبلوماسية" Diplomacy من أفضل ما عرض في مهرجان برلين (خارج المسابقة) في إطار الاحتفاليات الخاصة التي ينظمها المهرجان لعدد من الأفلام لكبار السينمائيين. الفيلم من إخراج المخرج الألماني فولكر شلوندورف

 (75 سنة) الذي يعتبر أحد أهم السينمائيين من جيل السينما  الألمانية الجديدة  تلك الحركة السينمائية التي ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي، جنبا إلى جنب مع رفيق جيله، فيرنر هيرتزوج.

كان شلوندورف قد اشتهر في البداية بفيلمه "شرف كاترينا بلوم المهدور" (1975) قبل أن يحقق شهرة عالمية كبيرة عام 1979 بعد فوز فيلمه "الطبلة الصفيح" (عن رواية غونتر غراس) على السعفة الذهبية في مهرجان كان ثم جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي.

كان موضوع الحرب العالمية الثانية التي تجسد "المأزق الألماني التاريخي" موضوعا مؤرقا عند شلوندورف منذ "الطبلة الصفيح". وهو يعود مجددا اليوم في "دبلوماسية" ليلقي بالضوء على أحد أكثر الأحداث إثارة للجدل في تاريخ تلك الحرب الضارية. والموضوع هو: كيف أمكن إنقاذ العاصمة الفرنسية الجميلة، باريس، من الدمار، بعد أن أمر هتلر الحاكم العسكري الألماني للمدينة- الجنرال ديتريتش فون شوليتز- بتدميرها تماما في حالة إقتراب الحلفاء من الاستيلاء عليها حسب الفرضية المطروحة في الفيلم

كان هتلر قد عين الجنرال شوليتز في هذا المنصب قبل عشرة أيام من نزول الحلفاء على شاطيء نورماندي وبدء زحفهم على باريس في الخامس والعشرين من أغسطس 1944.

أما ما يقال عن صدور أمر من هتلر بحرق وتدمير باريس بكل كنوزها الفنية والمعمارية، فهو موضوع لم يثبت صدوره تاريخيا حتى الآن، بل ظل مجرد "إفتراضات" تصلح للدراما وكتب الخيال أكثر مما تصلح لكتب التاريخ.

إذا كنا بصدد الحديث عن أعمال الخيال السينمائي التي تقوم على افتراضات قد يثبت ذات يوم وجود دليل عليها، فيجب أن نذكرأن  أول فيلم تطرق لهذه الفرضية الرائجة وهو فيلم "هل تحترق باريس" Is Paris Burning? (عرض عام 1966) للمخرج الفرنسي رينيه كليمو

كان هذا الفيلم فيلما "إحتفاليا" لإبراز دور المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، وقد تحمس الفرنسيون لإنتاجه بمناسبة مرور عشرين عاما على نهاية الحرب، وحشدوا فيه عددا كبيرا من نجوم السينما الفرنسية والأمريكية منهم آلان ديلون وجان لوي ترنتنيان وكيرك دوجلاس وشارل بواييه وليزلي كارون وجلن فورد وجان بول بلموندو وأنتوني بيركنز وإيف مونتان وسيمون سينوريه وكلود ريش، والعملاق الكبير أوروسون ويلز. لكن الفيلم جاء ضعيفا مفككا في بنائه، مترهلا في إيقاعه، مليئا بالثرثرة، يعاني من تعدد الشخصيات على نحو مربك، وغياب الحبكة القوية

وكان معظم هؤلاء الممثلين النجوم، يظهر بشكل عابر في الفيلم الذي اعتمد على مصادر أدبية ومباشرة عدة، وشارك في كتابته عشرة من كتاب السيناريو بينهم: فرنسيس كوبولا والكاتب الأمريكي الكبير غور فيدال. والواضح أن كل كاتب ساهم بقصة ما من القصص الكثيرة داخل الفيلم، ولذلك افتقد السيناريو التماسك والترابط، وجاء الفيلم هزيلا رغم أن السلطات الفرنسية والجنرال ديجول شخصيا، أتاحا لصناع الفيلم الفرصة للتصوير في المواقع الحقيقية في باريس. وقام بدور الجنرال شوليتز الممثل الألماني الأصل- جيرت فروب- الذي اشتهر بعد ذلك بدوره في فيلم "الإصبع الذهبي" Goldfinger (من أفلام جيمس بوند الشهيرة). وقام أوروسون ويلز بدور القنصل السويدي الذي يلعب دورا كبيرا في إقناع الجنرال بالتفاوض مع رجال المقاومة الفرنسية وعدم حرق باريس مقابل وقف أعمال المقاومة ضد القوات الألمانية.

دبلوماسية
أما فيلم شلوندورف فهو عمل سينمائي متميز رغم أنه يعتمد على مسرحية فرنسية من تأليف سيريل جيلي، عرضت على المسرح في باريس قبل ثلاث سنوات، وحققت نجاحا كبيرا. كتب سيناريو الفيلم مؤلف المسرحية سيريل مع شلوندورف، وقام بالدورين الرئيسيين نفس الممثلين اللذين أديا الدورين على المسرح: الممثل العملاق نيلس أريستروب Niels Arestrup (يتذكره المشاهد العربي في فيلم "نبي" Prophet الذي قام فيه بدور "سيزار" زعيم المافيا في السجن)، وأندريه ديسولييه Andre Dussollier الممثل المفضل عند المخرج آلان رينيه (شارك في أفلام "ميلو" و"مخاوف خاصة في مكان عام" و"الحشائش المتوحشة" و"حياة رايلي" كما شارك في الإنتاج الجديد لفيلم "الحسناء والوحش").

يبدأ الفيلم بمشهد "فوتومونتاج" مكون من لقطات من معارك الحرب العالمية الثانية، وبوجه خاص لقصف المدن الألمانية وما حل بها من دمار، على خلفية من موسيقى بيتهوفن، قبل أن ننتقل إلى باريس.

زمن الفيلم لا يزيد عن 85 دقيقة. الساعة الأولى تقريبا تدور كلها في ديكور مغلق يفترض أنه حجرة مكتب الجنرال شوليتز في مقره بفندق "ميوريس" في باريس، ومن شرفة المكتب يمكنه التطلع إلى الخارج، إلى الشوارع وما يدور فيها، ويستخدم شلوندورف كثيرا اللقطات البانورامية من الشرفة أو من النافذة التي تظهر بعض الأماكن التاريخية الشهيرة في وسط باريس. لكن الغرفة تظل هي الديكور الرئيسي في الساعة الأولى، ومنها ينتقل أحيانا إلى موقع الضابط "ليجر" المسؤول عن تنفيذ تعليمات الجنرال والذي يشرف على عملية تلغيم المباني والجسور الهامة في باريس بالمتفجرات إنتظارا لأوامر الجنرال بنسف المدينة

يقف الجنرال يدخن  في الشرفة فجرا وهو يرتدي ملابس النوم، ويرى رجلا باريسيا يسير في الشارع مع كلبه، فيعلق قائلا لمساعده: أنظر.. الفرنيسون الآن أصبحوا يجاهرون بالسخرية منا!

الجنرال يشعر بالتوتر بعد أنباء نزول الحلفاء في نورماندي، لكنه لا يستطيع سوى أن يتحلى بالانضباط العسكري، وهو يقطع اجتماعه مع ضباطه لمناقشة خطة تدمير باريس في حالة الانسحاب، وصول القنصل العام السويدي، راول نوردلنج، وهو شخصية حقيقية للدبلوماسي السويدي الذي عاش في باريس ثماني سنوات وأتقن اللغة الفرنسية مثل أهلها وعشق كل شيء فيها، وكان يقوم بالكثير من الوساطات والمفاوضات بين الجنرال وبين رجال المقاومة للإفراج عن بعض السجناء الفرنسيين، خاصة في المراحل الأخيرة من الحرب أي قبل إنسحاب الألمان.

المحاورة
راول نوردلنج يأتى إلى مكتب الجنرال من سلم خلفي سري لم يكن الجنرال وضباطه يعلمون بوجوده، ويقول مبررا ذلك إنه أراد تفادي المرور على الحراس الموجودين عند المدخل الرئيسي للفندق. يبدي الجنرال دهشته من وجود مدخل سري، يفضي إلى مكتبه، فيأمر مساعديه بتأمين ذلك المدخل. ويحاول الدبلوماسي بشتى الطرق إقناع الجنرال بتجاهل تعليمات هتلر وإنقاذ المدينة. إنه يضغط حينا، ويلوح حينا آخر بما لديه، يجادل ثم يلطف الأجواء يقترح تناول كأس من النبيذ مع الجنرال، يتمتع بذلاقة اللسان، والقدرة على التودد والملاطفة لكنه يلجأ أيضا إلى التلويح بالتاريخ والتلميح بما يمكن أن يتنظر الجنرال في حالة تنفيذه الخطة، وكيف سيصبح مجرم حرب.

يروي الدبلوماسي قصة طريفة للجنرال، فيقول إن الجناح الذي يتخذ منه الأخير منها مقرا له كان "الجرسونيرة" التي يلتقي فيها نابليون الثالث عشيقته عبر هذا السلم السري لكي لا يراه أحد.  في البداية لا يهتم الجنرال بهذه الخلفية التاريخية، لكن اهتمامه يتزايد عندما يطلب الدبلوماسي السويدي أن يحتسيا كأسين من الويسكي الذي يعرف أنه موجود في خزانة الجنرال بالمكتب.. كيف عرف هذا؟ يقول له إن نابليون الثالث كان يستمتع بمراقبة عشيقته قبل أن يدخل عليها في الغرفة من خلال تلك المرآة التي يمكن لمن في الخارج- على السلم السري- أن يرى ما يحدث داخل الغرفة دون أن يراه من بداخلها!

هل كنت تراقبني إذن؟ وكيف أثق بك وأنت تتعامل مع الإرهابيين الذين تطلقون عليهم رجال المقاومة، ولابد أنهم هم الذين أرشدوك إلي هذا الطريق، ولابد أنك أتيت من قبل بصحبة أحدهم وتلصصتم علي؟

الدبلوماسي يقول بهدوء إنه لو كان هذا صحيحا لأمكن التخلص من الجنرال أي قتله، لكن مهنته هي الدبلوماسية وليس القتل!

المباراة تشتد بين الرجلين. في البداية، يبدو الدبلوماسي مهيمنا على الموقف، صاحب الحجة الأقوى، والمنطق البسيط: باريس ستقع خلال ساعات في أيدي الحلفاء، وألمانيا هزمت وقضي الأمر، فلماذا تدمير هذه المدينة الساحرة التي تنتج هذا الجمال والفن؟ أتريد أن يتذكرك التاريخ باعتبارك الرجل الذي قتل مليونا من السكان ودمر أجمل مدن العالم؟ ما الذي ستجنيه من هذا؟ ستصبح أبشع قاتل في التاريخ

هذه المحاورة والمناورة يستخدم في إخراجها شلوندورف كل تفاصيل المكان ببراعة: الإضاءة وقطع الديكور والإكسسوارات، وحركة الممثلين في فضاء الغرفة، والانتقال بين اللقطات من حجم إلى آخر، أو التطلع من النافذة.. كل حركة أو تفصيلة من التفاصيل لها دور ووظيفة. مثلا في أحد المواقف يقترب الدبلوماسي من النافذة، يحاول أن يشير للجنرال بماتمتلكه باريس من جمال وسحر.. لكن الجنرال ينهره ويطالبه بلهجة جافة بالابتعاد عن النافذة "فربما أنك تريد إعطاء إشارات إلى أصدقائك الإرهابيين"!.

الحوار بين الرجلين يقطعه دخول بعض الضباط أو مساعد الجنرال لاطلاعه على ما يجري، أو رنين التليفون الموجود على مكتبه، أو محاولاته التحدث مع الضابط المسؤول عن تنفيذ خطة تدمير المدينة.

الحوار مكتوب ببراعة تصل إلى مستوى الكمال، فكل شيء محسوب بدقة، ولغة الدبلوماسية الرقيقة البارعة تتناقض بوضوح مع لغة العسكرية الجافة بل إننا نرى الجنرال في الثلث الأول من الفيلم، يتعامل مع الدبلوماسي كما لو كان أحد ضباطه، أي بطريقة إصدار الأوامر بشكل جاف استعلائي، ولكننا نرى تدريجيا، كيف يكتسب الدبلوماسي ثقته، فيبدأ بالتعامل معه بلطف كصديق جاء لينصحه.

الجدل
 في الثلث الثاني من الفيلم، ينتقل الثقل من الدبلوماسي إلى الجنرال. صحيح أنه يوضع أولا في موقف الدفاع عن قراره بقوة وحسم بدعوى أنه "رجل عسكري" لا علاقة له بالسياسة، إلا أنه يتحول إلى الهجوم بمنطقه القوي المقنع أيضا، فهو لا يستطيع تجاهل أوامر هتلر وإلا فقد شرفه العسكري. وهو يبرر الإقدام على تدمير باريس بما فعله الحلفاء في هامبورج التي قتل فيها بفعل الغارات التي لم يكن لها هدف عسكري، 45 ألف شخص، ثم ما فعلوه من تدمير لمدينة برلين. لكن الدبلوماسي يقول له إن ارتكاب أخطاء من جانب طرف لا يعني أن يرتكب الطرف الآخر أخطاء مشابهة. يعود الجنرال فيشرح كيف أن أفراد أسرته سيصبحون عرضة للقتل في حالة عدم تنفيذه التعليمات فالجستابو سيعلم على الفور. ويتعهد له الدبلوماسي باتخاذ تدابير فورية لإخراج أسرته من المانيا إلى سويسرا

في الثلث الأخير من الفيلم، ننتقل إلى مشاهد خارجية بل ويهبط الجنرال في أحد المشاهد بنفسه لاستقبال ضباط جاءوا لإطلاعه على ما تم تنفيذه بعد أن انقطعت الاتصالات التليفونية، لكي نرى الفندق ونمر بردهاته وقاعاته البديعة. وينتهي الفيلم كما هو معروف بنجاة المدينة من الدمار، واستسلام الجنرال للحلفاء (أطلق سراحه عام 1946 وهو ما يطرح تساؤلا جديا حول إحتمال تعاونه معهم في تسهيل دخول المدينة دون قتال حقيقي أو بسبب اطلاق سراح الكثيرين من أفراد المقاومة).

إن جوهر موضوع الفيلم، ليس كما رأينا في فيلم "هل تحترق باريس" أي موضوع الاحتلال والمقاومة والبطولات الفرنسية المبالغ فيها، بل ذلك الجدال المثير بين العسكري والدبلوماسي، وهو بهذا المعنى فيلم عن دور الدبلوماسية في زمن الحرب، عن قدرتها على الإنجاز، عن قيمة التاريخ والفن والعمارة والتراث الإنساني، أكثر من كونه فيلما عن الحرب والاحتلال والتحرير والإنتقام. إنه عن ذلك المأزق الفكري، بين ما يتسق مع القناعات الشخصية، وبين ما يمليه علي المرء إلتزامه كعسكري. ولا يوجد هنا غالب ولا مغلوب، شرير أو طيب، بل رجلان يواجهان لحظة تاريخية فارقة.

وكما برع شلوندورف في إخراج مشاهد فيلمه بكل تلك الحساسية والرقة والرصانة والسيطرة الكاملة على المواقع والديكورات وحركة الكاميرا، والانتقال الواثق من الداخل إلى الخارج، مع معرفة أين ومتى يتوقف عن الحوار ويتيح مساحة للتنفس والتأمل والتفكير، يعتبر فيلم "دبلوماسية"- أيضا- "فيلم تمثيل"، ففيه تبرز الخبرة الكبيرة والموهبة اللتان يتمتع بهما ممثلا الدورين الرئيسيين. يستخدم دوسيلييه في دور نوردلنج الدبلوماسي السويدي، أقصى درجات الرقة والنعومة وسحر شخصيته وصوته الرخيم الهادي ونظراته التي تتحول من الرقة إلى الصرامة، من التصريح إلى التلميح، ومن المناورة إلى المباشرة. إنه يلجأ – بكل ما يوحي بالصدق - إلى كل ما في جعبته من حيل، لا لكي يضحك على محاوره، بل لكي يجعله يصل إلى الإحساس بما يشعرهو به، أي أهمية الحفاظ على هذه المدينة، تقديرا للنفس البشرية، للجمال والإبداع البشري وللتاريخ.

أما الجنرال فيؤدي دوره ببراعة نيلس أريستروب، الذي لا يمكن تخيل من هو أفضل منه في أداء هذا الدور، بقوته وإحساسه كضابط بروسي ينتمي لعائلة من العسكريين ليس من الممكن أن يتخلى أبدا عن مهمة أوكلت إليه، ثم يتلاشى جموده وتشبثه بموقفه تدريجيا بعد أن يدور حوار داخلي في نفسه، فيصل إلى لحظة الاستنارة التي تجعله يقبل بتغيير موقفه وإلغاء قراره. وهو ينتقل بسلاسة وثقة من اللغة الألمانية إلى الفرنسية.

والحقيقة أن ابرز ما يميز الأداء هو ذلك الانسجام الواضح بين الممثلين، والتفاهم الكبير بينهما، وهو ما يعود إلى تجربتهما السابقة في أداء الدورين على خشبة المسرح.

إن مشاهدة الأداء التمثيلي في هذا الفيلم متعة لا يعادلها شيء. وبعيدا عن الحرب والنازية وهتلر والمقاومة والحلفاء، ما هو حقيقي وما هو خيالي.. فهذا الفيلم ينتمي للفن الرفيع ولتاريخ الإبداع السينمائي، وهذا ما سيبقى!  .

الجزيرة الوثائقية في

16.03.2014

 
 

أيام سطيف السينمائية تكرم "زير" و"بوقرموح"

ضـاوية خليفة - الجزائر 

أطلقت ولاية سطيف إحدى محافظات الشرق الجزائري والتي تبعد عن عاصمة البلاد بحوالي 300 كلم الأيام السينمائية الأولى التي تدوم ثلاثة أيام، وتسعى هذه التظاهرة التي بادرت إلى تنظيمها مديرية الثقافة وجمعية الشباب للثقافة والإعلام إلى تفعيل المشهد الثقافي والسينمائي بهذه المنطقة التي اتخذها الكثير من المخرجين محورا لتصوير أعمالهم التلفزيونية والسينمائية، نظرا لتاريخ المنطقة العريق ورمزيتها ولأماكنها الطبيعية التي تمنح الصورة جمالا أكثر، ولأنها شكلت نجاح أحد أبرز أعماله وبمناسبة مرور سنة على رحيله تم تكريم فقيد السينما الأمازيغية صاحب رائعة "الربوة المنسية" المخرج "عبد الرحمن بوقرموح" بعرض فيلم يوثق لمسيرته الفنية المشرفة والتي قضاها مدافعا عن فنه وثقافته ولغته، كما شمل التكريم أيضا كل من الفنان القدير "أحمد بن عيسى" والمنتج والمخرج المستقل"أحمد زير" الذي سعى لدعم السينما الجزائرية ضمن سينما الهواة التي فضّل البقاء والعمل في إطارها، ففي رصيد الرجل 45 فيلما وأزيد من 25 جائزة دولية.

عروض الدورة الأولى التي يسعى المنظمون لتطويرها مستقبلا وإعطاءها أبعادا عربية أو دولية في حال توفير الدعم اللازم تقتصر على أفلام جزائرية قصيرة ووثائقية تصل إلى 12 فيلماً، ومنها نذكر فيلم "الجزيرة" لأمين سيدي بومدين المتوج بالعديد من الجوائز الدولية منها جائزتي أحسن فيلم قصير وأفضل منتج من العالم العربي في الطبعة السادسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، "العابر الأخير" لمؤنس خمار 2010، "قبل الأيام" لكريم موساوي 2013، "سكتو" لخالد بن عيسى 2009، "الأب" لوليد بن يحي 2014، "قراقوز" لعبد النور زحزاح 2010، "يوم في الجزائر" لرؤوف بنية 2011، هذه الأعمال وأخرى شاركت في أكبر المهرجانات ولم تخرج خالية الوفاض بل توجت في أكثر من مرة وعاد بفضلها اسم الجزائر لمنصة التشريف حاملا التتويج، وبالتالي اختار المنظمون "الفيلم القصير" كمحور للندوات والورشات التي تقام على هامش الأيام التي تسعى لتثمين وتنمية النشاط السينماتوغرافي وفقا للإستراتيجية المنتهجة من قبل الدولة للنهوض بالقطاع، ولتجديد اللقاء بين صناع العرض والفرجة السينمائية والجمهور الذي بدأ يهتم اليوم أكثر بسابع الفنون بعد القطيعة التي خلقتها الظروف الداخلية للبلد، كما ستمنح هذه الفعالية الفرصة للمهنيين لبحث فرص تعاون أكثر خاصة على مستوى الإنتاج ووضع خارطة مستقبلية لتثمين الجهود المبذولة منذ سنوات والتأسيس لصناعة سينمائية برؤية شبابية مع تقييم مسيرة خمس إلى ست سنوات من العمل، وعرض أو دراسة مقترحات جديدة.

الفيلم القصير يعيد الحياة للسينما الجزائرية

لو حدث وقارنا بين أفلام قصيرة لشباب جزائريين بنو فكرتهم واستجمعوا القليل من الإمكانيات المتاحة أمامهم واعتمدوا على مالهم الخاص لتجسيد مشاريعهم وطرح رؤيتهم لموضوع ما وبعد تجسيدها فعليا تجد أن الجماهير تقف لتصفق لهم بكثير من التأثر الحماسة والإعجاب، وبين مخرجين كبار ومخضرمين قرروا بعد سنوات عجاف انجاز فيلم أو اثنين وأعدت لهم الوزارة الوصية وصناديق الدعم العدة لانجاز أعمالهم وصاحبتهم في ذلك ضجة إعلامية وإعلانية كبيرة وبعد طول انتظار تصاب بالدهشة والصدمة من أعمال قريبة لسينما الهواة لا تستحق كل تلك الأموال التي رصدت لها باسم الاحتراف، واقع لا يستدعي دراسة أو تحليل لمعرفة سبب تراجع السينما الجزائرية، والتنبؤ بمستقبلها في ظل التباين الموجود بين أشخاص عشقوا السينما فأبدعوا لأجلها وللارتقاء بها وبين أناس لا هدف لهم سوى الاستفادة من حصص الدولة متناسين مهامهم كفنانين، فأضحى حينها الفن السابع مهنة من لا مهنة له وأصبح السينمائي وقتها كالتاجر لا يفكر إلا في المال الذي سيأتيه ويجنيه، فكلما زاد الدعم ازدادت أعمالهم سوءا، وما زاد الطين بله هو أن المعنيين بهذا الكلام هم مخرجون لهم باع طويل وخبرة تتعدى العشرين عاما خلفوا فيها روائع سينمائية أنجزت بقليل من الإمكانيات وفي فترة ما بعد الاستقلال مباشرة، مما جعل السينما الجزائرية تكسب سمعة طيبة وتقف في مصاف الكبار، واليوم انقلبت الموازين وأصبحت السينما لدى هؤلاء مجرد طريق يسلكونه للظفر بميزانيات يمكنها ما لم يساء استغلالها انجاز أفلام ذات جودة ونوعية عالية تشرف الجزائر وتعيدها إلى مكانتها التي كانت عليها سابقا، ولعل تخصيص هذه الأيام للفيلم القصير في عامها الأول وفي حال استمرارها يؤكد ما أقول، في انتظار مبادرات أخرى تتبنى أفكار الشباب و تهتم بالفيلم القصير على غرار مهرجان "تاغيت الدولي للفيلم القصير" الذي كان يعول عليه كثيرا كمكسب ثقافي وسياحي لولا اختفاءه من الساحة تاركا مكانه شاغرا في انتظار البديل.

الجزيرة الوثائقية في

16.03.2014

 
 

عيــد الفــن الهابط !

محمد رفعت 

الاحتفال بـ «عيد الفن» يذكرنى بالظروف والملابسات التى سبقت قيام ثورة 25 يناير، وجو الإحباط واليأس الذى ساد مصر بسبب احتكار الوطن لحساب حفنة من مرتزقة السياسة واللاعبين الرياضيين ونجوم الفن الهابط.

ولا شك أن الفنانين جزء مهم من المجتمع، ولهم فى العالم كله مكانة خاصة ومعاملة مميزة، لكنهم تحولوا فى مصر إلى وسيلة لتعذيب الناس بفرضهم على مشاهدى التليفزيون ليل نهارمن خلال برامج ساذجة ومملة تحشرهم فيما يعلمون وما لا يعلمون وتجعلهم يتحدثون فى السياسة والدين والاجتماع والاقتصاد والرياضة، وكأنه ليس فى البلد غيرهم، وكأن الفنان لابد وأن يفهم فى كل شىء ويحيط بجميع الأمور علماً.

وللأسف فقد استوردنا فكرة النجم والنجمة الذين تطاردهم الصحافة وعدسات القنوات التليفزيونية من الولايات المتحدة الأمريكية، التى تعيش الصحف الصفراء ومحطات التليفزيون الشعبية فيها على أخبار وفضائح نجوم ونجمات «هوليوود»، ومن أمريكا انتقلت هذه التقاليد السخيفة إلى أوروبا وإلى كثير من بلدان الشرق ومن أولها مصر، باعتبارنا من أقدم الدول التى عرفت السينما وبدأت صناعة النجوم.. ورغم أن هذه النزعة الأمريكية «لتلميع» الفنانين ووضعهم دائماً فى مقدمة الصورة لها بعض جوانبها الإيجابية، خصوصاً لو كان الفنان مثقفاً ويحمل قدراً معقولاً من الوعى السياسى والالتزام الفكرى، إلا أن سلبيات استئثار نجوم ونجمات الفن بالمشهد الإعلامى وتصدرهم لكل الصور أكثر بكثير من الجوانب الإيجابية لهذا الاحتكار الاستعراضى، خاصة إذا أصبح جزءاً من التكوين النفسى والوجدانى لأهل الفن أنفسهم، وأدى إلى إدمانهم للظهور فى برامج التليفزيون وعلى صفحات الصحف ليقولوا أى شىء ويفتوا فى كل شىء.

والكارثة أن معظم أهل الفن فى بلدنا تنقصهم الثقافة والوعى السياسى وهم لا يشبهون على الإطلاق نجوم أمريكا الذين وصل واحد منهم إلى منصب رئيس الجمهورية «رونالد ريجان» ووصل آخرون إلى تولى حكم بعض الولايات الكبرى مثل نجم أفلام «الأكشن» أرنولد شوارزينجر، وهم حتى لا يقارنون بمستوى ثقافة وفهم فنانين وفنانات أخريات من الأشقاء العرب مثل المثقفة هند صبرى ومواطنتها الحاصلة على درجة الماجستير فى العلوم السياسية من السوربون «درة».

ومعظم فنانينا من خريجى معاهد أكاديمية الفنون التى لا تدرس شيئا يذكر سوى المناهج الفنية، أو ممن لم يكملوا دراستهم فى بعض الكليات، أو خريجى كليات ومعاهد خاصة حصلوا على شهاداتهم فيها بالفلوس دون أن يتعلموا شيئاً حقيقياً، ومعظمهم بينهم وبين الكتاب عداوة، وقلة قليلة منهم فقط تهتم بالقراءة والاطلاع.

والأفضل لأهل الفن أن يلتزموا بالكلام فيما يفهمون فيه، ولا ينجرون لإلحاح كثير من الصحفيين وصناع برامج التليفزيون لدفعهم للتصدى لما لا يعنيهم، فيسمعون ما لا يرضيهم ويصنفهم البعض فى قوائم الجهل أو العار.

أكتوبر المصرية في

16.03.2014

 
 

الأم على الشاشة..

من «الست أمينة» إلى «ماما نونة» 

أمينة رزق .. فردوس محمد .. علوية جميل .. زينب صدقى .. عزيزة حلمى .. جمالات زايد .. مارى منيب .. كريمة مختار .. هدى سلطان.. نماذج لبعض اسماء فنانات كبار وعظيمات برعن فى تجسيد شخصية الام على شاشة السينما فى العقود والاعوام الماضية وذلك فى العديد من الافلام السينمائية المهمة والناجحة التى مازلنا مرتبطين بها ونعشقها حتى اليوم رغم مضى سنوات عديدة على تقديمها.

ولكن اللافت فى الامر اننا عند مشاهدتنا لهذه الافلام القديمة نرى صورة تكاد تكون واحدة للأم المصرية ، فعلى الرغم من انه تم تقديمها فى القليل من الافلام كأم متسلطة وقوية الشخصية وهى الادوار التى برعت فيها زينب صدقى وعلوية جميل واحيانا مارى منيب بخفة دمها المعهودة الا ان الصورة الاساسية التى ظلت ولاتزال راسخة فى اذهاننا جميعا عن أمهات السينما قديما وبالتالى أمهاتنا القدامى، هى صورة المرأة الضعيفة والمستسلمة بشكل كامل لقرارات زوجها فهو يأمر ويطاع دون ادنى مناقشة وذلك من منطلق انه رب المنزل اوالاسرة الذى يجب ان يأمر فيطاع وفى الوقت ذاته ضعيفات الشخصية امام ابنائهن.

ولعل ابرز نماذج هذا الاستسلام الست امينة اوجمالات زايد فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة والتى تفوقت فى استسلامها لـ «سى السيد» بشكل ملحوظ عن هذا الاستسلام الذى عاهدناه فى امينة رزق وعزيزة حلمى وغيرهن من الفنانات العظيمات.

والسؤال هو هل تم تقديم الام على شاشة السينما اوشاشة التليفزيون سواء قديمااوحديثا بشكل مماثل للواقع .. ولماذا لم نعد نرى الام حاليا على الشاشة بنفس هذا الشكل الذى اعتدناه قديما 

فى البداية.. تقول الفنانة الكبيرة كريمة مختار: اعتقد ان الام الان مظلومه على الشاشه سواء فى السينما اوالتليفزيون حيث اصبح دورها مهمشا بدرجة كبيرة ، وانا لا اطالب بأن يتم كتابة ادوار خصيصا من اجلها، كما يحدث فى السينما العالمية ولكن على الاقل يجب ان يتم أعطائها الأهمية التى تستحقها فى الأعمال التى يتم انتاجها تماما كما كان يحدث فى الاعمال القديمة.
وأضافت كريمة مختار الشهيرة بـ»ماما نونة»، وهو دورها فى مسلسل «حمادة عزو»: فى الأفلام القديمة..كنت ترى البطل والبطلة من الشباب ولكن شخصية الام كانت ايضا اساسية ومحورية ومهمة فى الاحداث ومن هنا ظهرت فنانات كبيرات وقمن بصناعة اسمائهن على كبر ، والنماذج عديدة، بينما الان وللاسف تجدهم فى الاعمال الجديدة لايركزون على الام أو حتى الاب بشكل كاف وهذه واحدة من ابرز سلبيات اعمالنا الفنية حاليا.أين الادوار.

وتؤيدها فى الرأى الفنانة دلال عبدالعزيز وتضيف: لا أعرف لماذا لم يعد لدينا كتاب ومبدعين يستطيعون كتابة ادوار للأم بنفس القوة التى كان يكتب بها الاساتذه القدامى مثل هذه الادوار. فنحن لدينا ممثلات عظيمات قادرات على تجسيد دور الام ببراعة كما كان الحال فى العصور السابقة ولكن وللأسف لا يجدن أدوارا تسند اليهن يستطعن من خلالها التعبير بقوة كما كان الحال فى الماضى فالعيب كل العيب فى الاتجاهات الجديدة للمؤلفين وارى انها لاتماثل الواقع فى امور كثيرة.

وتختلف معهن النجمة نبيلة عبيد وتقول: اعتقد انه من الصعب جدا ان نرى امهات على شاشة السينما مثل العظيمة امينة رزق والقديرة فردوس محمد وكذلك كريمة مختار وعزيزه حلمى وغيرهن من الفنانات العظيمات اللاتى تعلمن منهن الكثير وتأثرن بادائهن فى العديد من الافلام التى قمن ببطولتها.

وتؤكد نبيلة على أن السبب فى ذلك يعود إلى أن الأم اليوم اختلفت عما كانت
عليه فى السابق، كما ان ايقاع الحياة نفسه اختلف وصورة الام لم تعد كما كانت فنحن جميعا جسدن ادوار الام على الشاشة ولكن اعتقد انه من الصعب علينا ترك نفس البصمة التى تركتها نجمات زمن الفن الجميل.

أكتوبر المصرية في

16.03.2014

 
 

«سعيد كلاكيت»..

سينما ركيكة تعذب جمهورها !

محمود عبدالشكور 

تذكرت وأنا أشاهد مبتئسا فيلم «سعيد كلاكيت» لمخرجه بيتر ميمى فى تجربته الثانية، كل ما كتبته عن مخاطر مهنة النقد، التى تجعل متابع الأفلام يتعذب بالأفلام الرديئة الركيكة عذابا مضاعفا، مرة بمشاهدتها حتى النهاية، ومرة ثانية عندما يضطر للكتابة عنها بحكم مهنته، فيستعيد من جديد خبرة تذكّر فيلم ردىء، مخاطر المهنة تجعلنا أقرب ما نكون إلى خبراء المفرقعات الذين يحاولون إبطال مفعول قنبلة فيلم ردئ قبل أن ينفجر فى مشاهد غلبان تورط بحسن نية فى مشاهدته، وطبعا من المحتمل جدا أن ينفجر الفيلم العفش فى الناقد، فيدمر حبه للفن والحياة، ويعطل قدرته على استقبال ما هو أفضل وأرفع.

فيلم «سعيد كلاكيت» الذى كتب قصته بيتر ميمى وكتب له السيناريو والحوار محمد علام هو أحد نماذج تلك الأعمال غير المسئولة سالفة الذكر، يفترض أن الفيلم «وهذه الكلمة أطلقها مجازيا على ما شاهدته» محوره رجل بسيط يحمل العمل اسمه، ويقوم بدوره عمرو عبد الجليل، مهنته عامل كلاكيت يحمل تلك الخشبة التى يصفقها قبل كل مشهد، بعد ان يكتب عليها رقم اللقطة والإعادات، وهى وظيفة هامة جدا فى المونتاج، حيث يتم من خلالها ضبط بداية كل لقطة، وحيث يتم ترتيب اللقطات بسهولة وفقا لموقعها فى السيناريو، ولكن الفيلم الركيك يرسم ملامح ضبابية ومتناقضة للشخصية، ثم يترك المخرج (وهو ايضا تعبير مجازى هنا) عمرو عبد الجليل لكى يؤدى عمله كيفما شاء، مستخدما طريقة اللخبطة فى الكلام كما فعل فى فيلمى «كلمنى شكرا» و» صرخة نملة»، دون أن يأخذ باله أن هناك فارقا شاسعا بين أداء الممثل لشخصية طبيعية، وأدائه لشخصية رجل سنعرف فيما بعد أن مصاب بالفصام.

طبعا لا تهتم هذه الأفلام العشوائية الفنكوشية بتلك التفاصيل الجانبية، كل هدف بيتر ميمى وكاتب السيناريو هو اللعب الساذج مع المتفرج، من خلال حبكة بوليسية لو كتبت فى مجلة للأطفال، لسخروا منها ، لم يفطن عباقرة الفيلم أن مريض الفصام إذا خرج من المصحة، لابد أن يتناول بانتظام أدوية تضبط ثباته الإنفعالى، وتمنع وساوسه وهلاوسه السمعية والبصرية، ولكن ميمى وزميله كاتب السيناريو استهوتهم لعبة المزج بين الذاتى والموضوعى فى أفلام مرضى الفصام، والتى بدأها الفيلم الأمريكى الشهير «عقل جميل»، فقاموا بنقلها مضيفين لغزا بوليسيا مضحك، على شوية إفيهات من عمرو عبد الجليل، ومن هذا الخلطة غير المتجانسة، صنع الفيلم وتم تعليبه وعرضه للجمهور.

سعيد كلاكيت يظهر فى المشاهد الأولى كشخصية مرحة طبيعية تماما، يتبادل الدعابة مع زملائه فى الاستديو، يتعامل بمنتهى الندية مع مدير الإنتاج سامح ( محمد شرف)، بل إنه يتحدث مع منتجة الفيلم سميرة (سلوى عثمان)، ويسخر من ابنها بطل الفيلم البدين الذى لا يجيد التمثيل، كما أن علاقته جيدة مع مخرج الفيلم يوسف، فى منزله على السطوح، نشاهد ابنته الوحيدة أمنية، كما نرى معاملته الخشنة مع جارته فى الغرفة المجاورة حنان، التى تظهر له ولنا فى هيئة إحدى فتيات الليل.

تنقلب حياة سعيد رأسا على عقب عندما تخطف ابنته، ويتلقى أوراقا مضحكة فى حجرته تطلب منه الإتصال على الرقم الفلانى، وبدلا من إبلاغ البوليس، يلتقى سعيد فى قصر غامض يشبه عالم ديزنى، بحلمى شهاب «أحمد فؤاد سليم» المنتج القديم، نفهم بعد جهد جهيد أن هذا المنتج وراء عملية اختطاف أمنية لسبب عجيب، إنه يريد من سعيد أن ينفذ عملية قتل ممثل الفيلم، والأعجب أن هذا الممثل هو ابن المنتج، ولكن المنتج يقول لسعيد إن الممثل ابن حرام وليس ابنه، ولذلك قرر أن يقتله ليحرق قلب أمه عليه، ما تخدش فى بالك كثيرا لأن الفيلم ملىء بهذه العجائب، مع ركاكة فى أداء كل الممثلين بلا استثناء، ومشاهد متكررة لحنان وهى تخطب ود سعيد، بينما يبتعد عنها وينهرها ويطردها بصورة مفتعلة.

يقوم سعيد بملء مسدس الفيلم برصاص حقيقى بدلا من الرصاص الفشنك، ورغم أنه يفسد المشهد فى إحدى المرات تراجعا عن التنفيذ، إلا أنه يستكمل الجريمة مما يؤدى بالفعل إلى قتل بطل الفيلم، لا تدقق كثيرا فى التفاصيل، لأن كل هذه الفوضى المفتعلة تستهدف فى النهاية أن يتأرجح الفيلم بين احتمالين أكثر سذاجة من بعضهما: الأول ما يؤكده طبيب نفسى من أن سعيد مريض بالفصام، وأنه ليست له ابنة اسمها أمنية، وأن حنان ليست إلا زوجته الصابرة على خزعبلاته، والإحتمال الثانى أن يكون هناك فعلا من حرض سعيد على القتل بالتفاصيل العبيطة السابقة، والحقيقة أن الاحتمالين مضحكان تماما لأن هناك ثغرات بحجم ميدان التحرير فى كل حبكة، أى أنك ليست لديك حبكة بوليسية متماسكة، وليست لديك دراسة نفسية لمرض الفصام بكل أعراضه، تجعلك تميل إلى أن سعيد مريض نفسى، ولكن فيلم ميمى وشركاه ينتهى إلى تأكيد الإحتمالين معا(!) سعيد مريض بالفصام فعلا، وليست لديه ابنة أصلا، ولكن هناك من استغل مرضه لتنفيذ جريمته، لقد تواطأ المنتج حلمى شهاب مع المخرج يوسف للتخلص من الممثل، المنتج يريد أن يتخلص منه لأن الولد ابن حرام، والمخرج يريد أن يتخلص من الممثل لأنه ارتبط بالممثلة سلمى، التى كان يعشقها المخرج يوسف فى سالف العصر والأوان، هناك معلومة عرفناها هى أن حلمى شهاب مات من سنوات، ولكننا سنكتشف أنه حى يرزق، المهم أن سعيد مريض بالفصام، وأن هناك من حرضه على قتل الممثل، استغلالا لوهم خطف ابنته، واللى مش عاجبه يشرب من البحر، ميمى عايز كدة وخلاص.

فى النصف الثانى من الفيلم أصابنى صداع نصفى، ثم ترنحت تحت ضغط الملل، فكدت أن أنام، لا يمكن أن يكون صناع هذا الفيلم يملكون الجد الأدنى من احترام عقل المتفرج، ولا يمكن حتى فى أفلام الهواة أن نشاهد هذه الركاكة فى أداء وتنفيذ معظم المشاهد تقريبا، خسارة موهبة عمرو عبد الجليل التى بددها فى هذا الأعمال العجيبة، وخسارة الوقت الضائع فى تحويل هذا الهراء إلى شريط سينمائى، عزيزى القارئ: أنا حذرتك وذنبك على جنبك، وتستطيع أن تعتبر مقالى هذا محاولة لإبطال مفعول قنبلة اسمها «سعيد كلاكيت»، قبل أن تنفجر فيك.

أكتوبر المصرية في

16.03.2014

 
 

عمرو عبدالجليل:

"سعيد كلاكيت" لا يعرف السياسة

حوار ـ محمد ابراهيم طعيمة: 

حياته الفنية عبارة عن مجموعة من المراحل، بدأها بأدوار صغيرة وظل يقدمها حتى أعاد المخرج خالد يوسف اكتشافه فى فيلم "حين ميسرة"، ليقدم أولى بطولاته السينمائية فى "كلمنى شكراً"، ليستكمل مشواره بـ"صرخة نملة" ويقابل فى النهاية "سعيد كلاكيت".. إنه الفنان عمرو عبدالجليل والذى تلتقى به بوابة الوفد الإلكترونية فى هذا الحوار.

·        بداية نود أن نبارك لك فيلمك الجديد "سعيد كلاكيت" والذى عرض منذ أيام بدور السينما واسألك عن دور فيه؟

** الفيلم تجربة جديدة ومختلفة عما سبق وقدمت من قبل، حيث أقدم خلال الأحداث شخصية "سعيد كلاكيت" الرجل الفقير الذى يعيش فى منطقة شعبية ويعانى من ازدواج فى الشخصية، ويعمل فى السينما، ومتزوج من علا غانم ولكنه ينكر زواجه منها، ويتورط فى جريمة قتل، والفيلم بصفه عامة يغلب عليه الجانب النفسى والسيكولوجي.

·        تقول إن الفيلم يغلب عليه الطابع النفسى والسيكولوجي.. فهل ترى أن لهذه النوعية من الأفلام جمهور فى مصر؟

** ما وصلنى حتى الآن أن الفيلم حقق إيرادات جيدة، ويلقى رد فعل جيد فى دور السينما، وهذا كان واضحاً خلال العرض الخاص من ضحكات لجمهور على بعض المشهد والإفيهات، والفيلم به قصة مليئة بالأكشن والإثارة والتشويق والكوميديا.

·        البعض ردد أن الفيلم به بعض الإسقاطات السياسة؟

** غير صحيح، ولو سألتنى عن فيلمى السابق "صرخة نملة" فسأقول لك أنه كان مليء بالإسقاطات السياسية وانتقادات الحكومة، ولكن "سعيد كلاكيت" ليس له أى علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد، وكما قلت لك يمكن أن يصنف أنه "سيكو دراما" .

·        وماذا عن كواليس تصوير الفيلم؟؟ وهل بالفعل وقعت بعض المشاكل بين الأبطال؟

** إطلاقاً، فلم تحدث أى مشاكل أو خلافات بين أى من فريق عمل الفيلم،  فالحمد لله جميع أيام التصوير كانت لطيفه للغاية، وكان هناك حب، لدرجة أننا كنا نصور بالملابس الصيفى فى الشتاء وقت تصوير الفيلم ورغم ذلك تحملنا من أجل خروجه للنور، فكل فريق العمل تقريباً يجمعه صداقة قوية، وأنا شخصياً كنت سعيد جداً بالتجربة وبزملائى فى الفيلم وخاصة علا غانم التى رشحتنى للفيلم.

·        تقول إنه لم تحدث أى مشاكل فى حين انسحبت رندا البحيرى قبيل انتهاء تصوير الفيلم؟

**  غير صحيح، فانسحاب راندا جاء بطريقة ودية، فقد كان الاتفاق على أن يتم التصوير فى وقت محدد، وهى كانت مرتبطة بتصوير مسلسلها اللبنانى الجديد، وارتأت أن تجربتها اللبنانية أهم، فاعتذرت وتم استبدالها بالفنانة الشابة سارة سلامة؛ التى أدت الدور باحتراف.

·        مع احترامى لكلامك ولكن بعض المقربين من أسرة الفيلم أكدوا أن انسحاب راندا البحيرى كان بسبب تقليص عدد مشهدها؟

** ومع كامل احترامى لكلامك، فقد أخبرتك بما أعرفه عن هذ الموضوع، وكل ما يتردد أو يكتب غير ما قلته لك أنا غير مسئول عنه.

·        ذُكِرَ أن علا غانم هى من رشحتك لبطولة الفيلم.. كيف ذلك؟

** بالفعل علا غانم هى من رشحتنى لبطولة الفيلم لدى المخرج بيتر ميمي، فوقت أن كنا نصور مشاهد مسلسل "الزوجة الثانية" الذى عرض فى رمضان الماضي، فوجئت بها تخبرنى أن لديها دور جيد ومناسب لي، وأعطتنى السيناريو، ولكنى لم أقرأه إلا بعد العيد، وأعجبت بالدور وبالفيلم ككل.

·        وبمناسبة ذكر مسلسل "الزوجة الثانية".. ما ردك على اتهامك بمحاولة تقليد الفنان صلاح منصور خلال أحداث المسلسل؟

** من يردد هذا الكلام بالتأكيد لم يشاهد المسلسل واكتفى بالسمع عنه، أولاً لأن شخصية العمدة التى قدمتها مختلفة شكلاً ومضموناً عن تلك التى قدمها فنانا الكبير صلاح منصور فقد أضفت للشخصية وحاولت تغييرها حتى لا تحدث المقارنة، ثم أنه لا وجه للمقارنة مع هذا العملاق.

·        وبعد كم الانتقادات الكبير الذى حظى به المسلسل.. هل أنت نادم على خوض التجربة؟

** بالعكس، فأنا سعيد بها، وكما سبق وقلت لك معظم من انتقدوا المسلسل بنوا نقدهم على رؤية وتوقعات مسبقة، وكان لديهم النية للمقارنة وتصيد الأخطاء بين الفيلم والمسلسل، وفى النهاية أنا قدمت الدور بجد واجتهاد وتعبت فيه وبذلت قصارى جهدى ليخرج بأحسن شكل، ثم أننى لم أندم طوال حياتى على عمل فعلته، لأن لندم لن يفيد فى شيء.

·        ألمح فى كلامك نقمة على النقد والنقاد.. ألا تهتم بالنقد؟

** ومن قال هذا، فالنقد مهم جداً للفنان، فلو كان النقد بالسلب فبالتأكيد سيتعلم الفنان من أخطائه ويحاول ألا يكررها فى أعماله القادمة، ولو كان لنقد إيجابى فهو دليل نجاح وتقدير من متخصصين على التعب والجهد الذى بذل فى العمل، ولكن كما قلت لك النقد المبني على أسس وليس الهجوم أو الكلام المرسل.

·        يمثل مسلسل "الزوجة الثانية" عودة لك للدراما التليفزيونية بعد غياب سنوات طويلة.. ترى ما الذى جذبك للمسلسل وللتليفزيون ككل؟

** هل تصدقنى لو أخبرتك أن التحدى كان سبب موافقتى على الدور، فقد لمست فى المسلسل تحدياً ولقدراتى كممثل أن أجعل الجمهور يرانى فى دور العمدة الظالم "عتمان"، وبخصوص التليفزيون فبالفعل ابتعدت عنه لفترة طويلة، فالنجاح فى السينما أخذنى من التليفزيون، لكن وبكل صراحة عندما تعثر حال السينما فى ظل الظروف التى نعيشها جعل الجميع يفكر فى الدراما وجمهورها الكبير وكنت من هؤلاء الفنانين، خاصة بعدما وجدت مسلسل "الزوجة الثانية".

·        بعيداً عن مسلسل "الزوجة الثانية" هل تنوى تكرار تجربة التليفزيون فى رمضان المقبل؟.

** حتى الآن لا، وعن نفسى لا أجد مانع، ولكن بشرط توافر سيناريو جيد، وشركة إنتاج ليست بخيلة تخرج المسلسل للنور بشكل محترم يعجب الجمهور.

الوفد المصرية في

16.03.2014

 
 

المهرجانات السينمائية فى مصر..

أزمات وطموحات وأشياء أخرى

ماف من إعداد ــ محمد عدوى  

للمهرجانات السينمائية فى مصر تاريخ طويل، ولكنه تاريخ ملىء بالأزمات والإخفاقات والنجاح والفشل، وأحلام صناع هذه المهرجانات دائما ما تصطدم بعوائق كثيرة وطموحاتهم المشروعة تتبدل مع مرور الوقت وتتغير وفقا للظروف، فأحيانا يكون التأثير والانتشار هدفا، وأحيانا اخرى يكون مجرد التواجد هدفا.. فى هذا الملف نستعرض أهم أزمات المهرجانات السينمائية مع النقاد وصناعها.

الناقد طارق الشناوى يرى أن مصر كانت رائدة فى ثقافة المهرجانات ولكن شيئا ما حدث يقول عنه: المعلن أن مصر بدأت عهدها بالمهرجانات السينمائية فى 1976 بأول مهرجان عالمى، وكانت الدعوة بدأت منذ الخمسينيات تقريبا وقت أن بدأ العالم يهتم بالمهرجانات، ومشكلتنا الحقيقية أن كثيرين ممن يصنعون هذه المهرجانات لديهم نوازع أخرى غير السينما، ويعتمدون على أشخاص لهم علاقات شخصية يستطيعون السيطرة عليهم، وأحيانا يختارون أشخاصا لأنهم فاعلون فى الحياة الصحفية لا السينمائية، معتمدين على قدرتهم على النشر لصالح المهرجان، وهناك تدخلات كثيرة تحدث طيلة تاريخ المهرجانات أبعد عن فكرة عمل مهرجان سينمائى ناجح، مثل أن تجد دعوات توجه لأشخاص ليست لهم علاقة بالسينما، لمجرد أن فى مقدرتهم دعوة صناع المهرجانات المصرية للسفر للخارج، وإذا راجعت تاريخ المهرجانات المصرية فسوف تجد أن فكرة السفر إلى الخارج مسيطرة على صناع المهرجانات، ويفعلون أى شىء من أجلها، والحقيقة أن هؤلاء يظنون أنهم غير مكشوفين، وأن تصرفاتهم سوف تمر مرور الكرام وهو شىء غير حقيقى، فالناس تدرك ما يفعلونه، وكل هذا يؤثر بالفعل على سمعة المهرجانات ومكانتها.

ويضيف الشناوى عن طريقة اختيار الأفلام للمهرجانات المحلية: للأسف تجد فى مهرجاناتنا المصرية اعتمادا على أشخاص خارج مصر للحصول على الأفلام، هؤلاء يرتبطون مع مهرجانات اخرى، ومع الأسف يفضل هذه المهرجانات فى اختياراته، والأكثر أنك تجده يتعامل مع أكثر من مهرجان داخل مصر، والحقيقة أن منظومة المهرجانات تحتاج إلى تغيير كبير، وأنا ألاحظ أنه عندما تسند المهرجانات إلى إدارات جديدة، أجدهم يعملون بنفس الطريقة القديمة ونفس الفكر البالى الذى يهدم أى شىء، نحن فى احتياج إلى افكار اكثر حيادية واحترافية من اجل البلد، والى مهرجانات قوية تعكس قوة البلد نفسه سياسيا واقتصاديا.

الإسماعيلية

الناقد على أبو شادى له تجربة كبيرة مع المهرجانات، وكان يقود اثنين منها مهرجان الإسماعيلية الذى حقق سمعة عالمية فى فترة قصيرة والمهرجان القومى، يروى شهادته حول المهرجانات فى مصر قائلا: أى مشروع فى الدنيا يعتمد على الإدارة، ومشكلة مصر الحقيقية فى الإدارة وأى مهرجان تتوافر له امكانيات فى حدود المعقول وحسن إدارة واحترام للمشاهد، وأعنى باحترام المشاهد اختيار أفلام جيدة وتوفير دور عرض مناسبة، وآلات عرض سليمة، وتفاصيل صغيرة تهتم بها.

إذا أحسنت اختيار هذه العناصر وتكاملت مع الإدارة وبميزانيات معقولة، يمكن أن تحقق النجاح، وإذا لم يكن هناك رئيس يستطيع أن يدير هذه المنظومة سوف تضيع كل الجهود، والمهرجانات فى العالم مثلا يكون هناك فصل كامل بين الإدارة التنظيمية والإدارة الفنية، والإدارة تقوم بتسهيل كل الأمور من البداية للنهاية. والحقيقة أننى اتبعت هذا ــ إلى حد ما ــ فى مهرجان الإسماعيلية، وكان المسئول عن الجانب الإدارى مهتما بكل شىء، وبقيت الإدارة الفنية مهتمة بأمور أخرى، وحققت فيها النجاح أيضا بسبب تفرغها واهتمامها فقط بالأفلام وطريقة عرضها والندوات وغيرها، فهناك مشكلات ــ مثلا ــ فى تطبيق اللوائح التى يضعها صناع المهرجانات ولا يطبقونها اصلا، وهناك مشكلات فى الكتالوج والكتب التى تصدر من المهرجانات واختيار مبرمج للأفلام من الخارج، والمبرمجون أنواع، واحد متفرغ وآخر حر، ونوع ثالث يرتبط بمهرجانات أخرى مثل انتشال التميمى مبرمج أبوظبى، الذى يتعاون مع مهرجاناتنا، وبالطبع اولوياته سوف تكون لأبوظبى، ومهم أن يكون لديك المبرمج الخاص بك، والأهم ليس فى استقدام الأفلام فقط، ولكن فى الطريقة التى تعرض هذه الأفلام ايضا فى برنامج المهرجان، فقد كان يوسف شريف رزق الله يتعب فى استحضار الأفلام ونفاجأ بأن عرضها يتم بصورة عشوائية، ويظل عشاق السينما يبحثون عن أماكن عرض هذه الأفلام، ونفاجأ بأن أفلاما أخرى جماهيرية تعرض فى أماكن لا يوجد بها جماهير وهكذا.. وأنا اقترحت عليهم أن الأفلام التى لا يقبل عليها الجمهور يتم عرضها فى الأوبرا.

ويضيف أبوشادى: نأتى إلى مشكلة الإدارة نفسها وترشيد النفقات، ويمكن تحديدها وتجاوزها إذا أجبت على سؤال مهم وهو ماذا تريد من المهرجان وما هو هدفك منه؟ وفقا لهذه الإجابة سوف تبدأ عملك. والحقيقة أن هذه المسألة ضرورية جدا وتطبيقها شىء مهم، فهل تريد إقامة حفل افتتاح وختام جيد فقط أم تريد انشطة فنية وسينمائية ام تريد انتشارا إعلاميا؟ هذه الحكاية مهمة جدا، وهى التى تحدد طريقتك فى التعامل مع المهرجان، أنا شخصيا كنت أهتم بالسينما ورفضت كثيرا ما كان يطلبه المحافظون فى الإسماعيلية من استقدام نجوم لمهرجان السينما التسجيلية، وكنت أرى أن نجوم المهرجان هم صناع الافلام.

الإسكندرية

الناقد أمير أباظة رئيس مهرجان الإسكندرية يروى تجربته مع المهرجان الذى ترأسه العام الماضى قائلا: الحقيقة ان مسألة التواجد فقط اصبحت هدفا بالفعل، خصوصا فى الظروف التى تمر بها البلاد، والواقع لا يشجع على أن تكون هناك مهرجانات حقيقية تقوم بالدور الذى يجب ان تقوم به، وفى آخر ثلاث سنوات تم الغاء مهرجان القاهرة مرتين، رغم انه من المفترض ان يكون اكثر استقرارا لوجود ميزانية كبيرة له، ونحن فى الإسكندرية فى عام 2011 قمنا بعمل المهرجان لمدة خمسة أيام فقط، رغم ان وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازى وقتها قال إنه سوف يلغى كل المهرجانات، لكنه اكتشف أن هناك ميزانية لا تخصه لمهرجان الإسكندرية، وبالتالى كان لابد أن يسلمنا المال وبالفعل أقمنا المهرجان، وبعدها وفى ظل الحظر والمشكلات التى مررنا بها اضطررنا لتأجيله لمدة شهر من أجل حظر التجوال، وفوجئنا بأنه لا أحد يريد أن يساعدنا لدرجة أننا أخذنا شيك الدعم الخاص بنا قبل حفل الافتتاح بيوم! ولذلك أتساءل: كيف تطالبنى بمهرجان ناجح ومؤثر إذا كنتم لا تريدون دعمنا، وحتى أموال الدعم نحصل عليها قبل ساعات من المهرجان، والأكثر أننى فوجئت بمديرة اوبرا الاسكندرية تريد 100 الف جنيه لفتح الأوبرا ليلة الافتتاح والختام، وهذا المبلغ يساوى عشر ميزانية المهرجان تقريبا، وعندما شكوت للوزير وصلنى الرد بأن الوزارة دعمت المهرجان وليس لها علاقة بتعاملات الأوبرا، والغريب أن الاوبرا بعد اسبوع من انتهاء مهرجاننا أعطت مسرح سيد درويش لمهرجان الأغنية «القطاع خاص» مجانا، ثم فوجئت ايضا بأن وزارة الثقافة تطلب منى الحصول على موافقة الجهات الأمنية قبل انعقاد المهرجان، وانا لا اعرف من الذى يمكن ان يحصل على هذه الموافقات اكثر أنا أم وزارة الثقافة، ثم أنا لا أعرف ما هو دعم وزارة الثقافة لنا ومساندتها حتى إن الدعم المالى الذى نحصل عليه نتلقاه من وزارة المالية وليس الثقافة.

ويضيف أمير: نحن نعمل طيلة العام ولا نعلم ما إذا كنا سنخرج للنور أم لا، ولا تنس أننا كنا نعمل على مهرجان إسكندرية وكان هناك حظر لأكثر من 25 دولة فى اوروبا على الحضور إلى مصر، ومع ذلك كان هناك ضيوف من الدول الأوروبية جاءوا على مسئوليتهم الخاصة لإيمانهم بأن مصر بلد عظيم، والغريب أنه بعد كل هذه الظروف أجد من يهاجمنا ويقول أين مهرجان الإسكندرية من مهرجان ابو ظبى؟ والحقيقة أنا بالفعل لا أعرف كيف تتم المقارنة، وجائزة واحدة من أبو ظبى أكبر من ميزانية مهرجان الإسكندرية كله.

ويتابع : الحمد لله لم يكن هناك أى معوقات فنية فى المهرجان، والعام الماضى كانت هناك أربع مسابقات فى المهرجان وعملنا مسابقة الأفلام العربية لأول مرة، وبانوراما السينما المصرية التى كانت متوقفة منذ فترة، وهذا العام سوف نضيف مسابقة افلام البحر المتوسط القصيرة، ونحن نحاول ان نطور من انفسنا ونحاول أن نفعل اقصى ما لدينا فى ظل هذه الأحداث وفى ظل الدعم المتاح والميزانيات المحدودة، ونحن فى الاسكندرية كنا مصرين على أن يتم اقامة المهرجان لنعطى رسالة للداخل وللخارج، ونريد أن نقول للجميع إن الفن المصرى مهم ومؤثر، وهذا العام للحقيقة كان هناك اقبال كبير من النجوم على المهرجان من اجل اعطاء صورة حقيقية عن الفن المصرى.

غياب الحوار

الباحث والمخرج سيد سعيد يرى إن مفهوم المهرجان نفسه غائب عنا.. ويقول: المهرجان فى الأساس هو تحاور مع الثقافات الأخرى، ولكن للأسف نحن نهتم بالصيغ الاحتفالية فى الافتتاح والختام فقط، ولا نرى النجوم إلا فى هذه الايام، لكن أن ترى تفاعلا بين نجومنا وبين السينمائيين الأجانب والضيوف أو نرى تفاعلا بين النقاد فى مصر والنقاد فى العالم لا يوجد، اللهم إلا فى مهرجان الإسماعيلية، والحقيقة أنه ليس لدينا مهرجانات وليس لدينا سينما أيضا، والحقيقة أن هذه أزمة بلاد اخرى، فدبى مثلا تقدم مهرجانا وليس لديها سينما وهو أمر غريب لا أفهمه، فالخطوة الرئيسية والأهم من إقامة المهرجانات، هو أن يكون لديك سينما، فالوضع لدينا مختلف فليس لدينا وعى سينمائى وحوار متصل بيننا وبين الآخرين، هذا الحراك مثلا تجده فى ايران التى اصبح مخرجوها متواصلين عالميا.

والحقيقة أن إقامة مهرجان لعرض أفلام فكرة لم تعد لها قيمة فى ظل التفوق التكنولوجى الذى اصبح يتيح لعشاق السينما مشاهدة الأفلام فى أى وقت وأى مكان، فالحوار والحراك بين السينمائيين هو الهدف الحقيقى من هذه المهرجانات، لكن للأسف دائما لا تجد صناع السينما فى المؤتمرات أو الندوات، وتجدهم مهتمين أكثر بحضور الافتتاح والختام الموجود فيهما شو اعلامى أكبر.

ويضيف سيد سعيد: الحقيقة ان هناك تظاهرات سينمائية ومهرجانات تقام بجهود ذاتية محدودة تحقق النجاح وتخلق هذا الحوار، مثل مهرجان بانوراما السينما الاوروبية، أو مهرجانات السينما المستقلة، ولكن مهرجاناتنا الكبيرة لم تقدم أى خطوة فى طريق السينما ولمصلحتها.

جلد الذات

الناقدة صفاء حجازى ترصد جانبا آخر من علاقة المهرجانات بالجماهير قائلة: هناك ازمة فى تفاعل الجماهير مع المهرجانات، وفى مهرجان القاهرة قديما كان هناك اقبال فى منطقة وسط البلد لأفلام المهرجان، لكن فى الفترة الاخيرة عندما اصبحت دار الأوبرا هى محور المهرجان اختفى الجمهور،واقترح على ادارة المهرجان ان يتم تخصيص كارنيهات بأسعار مخفضة للجماهير العادية التى تحب السينما. والحقيقة ان اكثر مهرجان يعجبنى تنظيميا وأفلاما هو مهرجان الإسماعيلية، ففى كل دوراته يتميز بوجود افلام بمستوى عال، لكن يبقى أن الجمهور بعيد عنها ايضا، وإن كنت أتمنى أن يتم ترجمة الأفلام إلى اللغة العربية حتى يتمكن الجمهور العادى من الحضور، والحقيقة أن ماريان خورى فى بانوراما الفيلم الأوروبى تقوم بترجمة الأفلام كلها ولهذا تجد اقبالا شديدا على الحضور.

وتضيف الليثى: كثير من مهرجاناتنا تحقق الهدف منها كتظاهرة ثقافية حقيقية، وبصفة خاصة فى إصدار الكتب التى تصدر وتعوض الغياب للكتب عن السينما، صحيح أن هناك ازمات فى بعض الكتب وفى بعض تناولها، لكن فى مجملها كتب جيدة وتثرى المكتبة السينمائية..

وعن الأزمة التى تواجه المهرجانات المصرية تتابع: الحقيقة أن إحدى النكت الكبيرة أنه من المعروف ــ وسوف أقول بالاسم ــ ان سهير عبدالقادر كانت أحد اسباب انهيار مهرجان القاهرة، بسبب هيمنتها على كل المهرجان، وعندما يتم اختيارها كخبيرة للمهرجانات تكون مأساة، والمعنى واضح أن الوزارة لا تتخلى عمن قام بدور قبل ذلك، وإن كنت أتمنى أن تستعين الوزارة بوجوه جديدة، وهناك صناع مهرجان الأقصر الاوروبى وهم وجوه شابة ولديهم أفكار عظيمة، وهناك أسس وضعتها ماجدة واصف والقليوبى يمكن الاستعانة بها، ولكن إصرار الوزير على وجود هيئة استشارية ملف يجب ان يعاد النظر فيه من جديد..

وترصد صفاء التى تمثل جمعية النقاد فى كثير من المهرجانات العالمية وضع مهرجاناتنا بالنسبة للمهرجانات فى الخارج قائلة: الحقيقة أننا نهوى جلد الذات، فمهرجاناتنا لا تقل ابدا عن المهرجانات العالمية والعربية، فأنا حضرت مهرجانا فى تركيا كان كل همهم فيه هو الترويج السياحى، لو حدث ذلك لدينا لقامت الدنيا، والحقيقة أن كثيرا من الصحفيين الذين يهاجمون مهرجاناتنا لا نراهم فى العروض ولا نراهم فى التظاهرات السينمائية المختلفة، ويكتبون وينتقدون دون ان يروا شيئا، وأتصور ان المهرجانات تنجح بالسينمائيين والصحفيين معا، وهذا ينجح فى الأقصر والإسماعيلية، لأن القائمين عليهما يفهمون ذلك. والحقيقة أن الثغرة الحقيقية فى مهرجان القاهرة هى مستوى الأفلام، والتى تأتى أضعف من مهرجانات أخرى، وان كانت المهرجانات العربية قد حلت هذه المسألة بدعم عدد من الأفلام المهمة فى مقابل عرضها فى مهرجاناتهم، ونحن لا نستطيع ان نفعل ذلك الآن لأسباب مالية، وفى رأيى أن الحل سوف يكون فى التوجه نحو اوروبا الشرقية.

الشروق المصرية في

16.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)