كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

«12 عاماً من العبودية» مجرد ميلودراما انسانية

إبراهيم العريس

 

قبل أسابيع، وإثر خروجه من عرض نيويوركي لفيلم «12 عاماً من العبودية» الذي سيفوز بعد ذلك بأوسكار أفضل فيلم للعام 2014، تساءل ناقد أميركي في مقال كتبه في صحيفته: «متى سنشاهد فيلماً جيداً عن مارتن لوثر كينغ؟»... والحقيقة ان هذا السؤال ذكّر كثراً، للمناسبة، بتقصير السينما الأميركية في الدنوّ الحقيقي من مسألة السود الأميركيين الذين تحول اسمهم مع الوقت ليصبح «الأفارقة الأميركيين»... علماً أن ما لا يمكن إنكاره في هذا السياق هو ان السينما لعبت دوراً اساسياً في ذلك التحول الذي قد يكون ظاهره سطحياً، لكنه في أعماقه اتى يحمل دلالات هامة ولا سيما بعد العروض الصاخبة لمسلسل «جذور» التلفزيوني... قبل اكثر من ثلاثة عقود.

والحال ان الفوز الذي كان متوقعاً ومنشوداً لفيلم «12 عاماً من العبودية» يعيد الى الساحة العامة كلّ تلك السجالات الكثيرة من حول السينما وتناولها قضية الأفارقة الأميركيين هؤلاء. غير ان مشكلة هذه السجالات تكمن في انها لم تعرف كيف تفرّق بين بعدين يرتبطان بالقضية: التمييز العرقي الذي يقع السود ضحيته، من ناحية، وقضية العبودية من ناحية أخرى. صحيح أن للقضيتين جذراً واحداً هو لون البشرة والأصول الإفريقية لملايين الأميركيين، ما جعلهم يوضعون في مراتب اجتماعية دنيا وعوا هم انفسهم على حقائقها في شكل تدريجي، وعبّروا عن معاناتهم تجاهها في أشكال فنية لا تحصى يظل اهمها موسيقى الجاز، لكن السينما عرفت ومنذ وقت مبكر كيف تعطي الموضوع اهمية أخرى، وإذ نقول هنا «منذ وقت مبكر»، يرد الى ذهننا فيلم غريفيث المؤسس «مولد أمة» ولكن كمثال معاكس، حيث إن ما بدا في الفيلم المحقّق عام 1915 تعاطفاً ما، مع عصابات الكو كلاكس كلان العنصرية البيضاء في اضطهادها للسود، حرك كثراً من هؤلاء، لكنه حرك ايضاً كثراً من الديموقراطيين البيض لتولد تلك الإشكالية حول علاقة السينما بالعرق الأسود في جغرافيته الأميركية... ومع هذا كان على الفن السابع ان ينتظر اكثر من عشر سنوات قبل ان يظهر «زنجيّ» على الشاشة في فيلم «مغني الجاز»... ومع هذا لم يكن زنجياً حقيقياً بل مغنياً يهودياً ابيض طلى وجهه باللون الأسود كي يتمكن من ان يغني الجاز! غير ان المخرج كينغ فيدور سرعان ما عوّض على ذلك «الغشّ» حين حقق فيلمه المميز «هاليلويا» اواسط عشرينات القرن العشرين، فيلماً عن السود مع ممثلين سود وموسيقى «سوداء» ليعتبر «أول فيلم زنجي في تاريخ السينما الأميركية».

علاقة متذبذبة

غير ان «هاليلويا» ظل لفترة طويلة عملاً نادراً في مسار السينما الهوليوودية... ناهيك بأن شخصية الأسود أو السوداء حتى وإن وجدت، فإن وجودها لم يكن يعني الغوص في، او الدنو من، القضية. فالحال ان معظم السود ظلّوا شخصيات ثانوية على الشاشة... وربما شخصيات خدم يستمدون سعادتهم من رضا أسيادهم البيض (كما في «ذهب مع الريح» على سبيل المثال). وحتى لاحقاً حين تقدّمت السينما وراحت تقدم ادواراً اولى لشخصيات سوداء، كان الدور يتحدث عن اسود «مندمج» في المجتمع وناجح، او آخر يرغب في ذلك وينجح بمساعدة اريحية البيض (أدوار كثيرة لعبها سيدني بواتييه، الذي اعتبره أبناء جلدته منافقاً في ادواره، ولا سيما في افلام مثل «الى سيدي مع حبي» و«خمّنوا من سيأتي الى العشاء»)... وطبعاً هنا لن ندخل في ثنايا تلك العلاقة المتذبذبة التي قامت بين السود والسينما الهوليوودية، ومع هذا تمكن الإشارة الى تطورات كثيرة طرأت في هذا المجال ولا سيما منذ الستينات حيث بات لبعض السود حضور مميز على الشاشة، ناهيك بأن مخرجين افارقة اميركيين من أمثال سبايك لي، عرفوا في احيان كثيرة كيف يوظفون الشاشة، وحتى التجارية منها والجماهيرية العريضة، لطرح حكايات وسِير محورها قضية السود، مع فارق كبير هنا يكمن في انه إذا كان المؤرخون السينمائيون قد قالوا في الماضي مراراً إن مشكلة سينما «النيات الطيبة» التي كانت تُصنع في هوليوود متناولة قضية السود، انها كانت مجرد سينما موجهة غالباً الى جمهور ابيض لتحسيسه انسانياً تجاه العنصرية التي يمارسها هو نفسه او تمارَس باسمه، فإن أفلام سبايك لي وزملاء له مثل سنغلتون، كان اهم ما فيها انها مصنوعة اصلاً للسود ناقلة اليهم نوعاً من الوعي الإضافي ليخدم نضالاتهم. لم تعد المسألة الآن مسألة نيات طيبة وعقدة ذنب بيضاء ونفحات انسانية. مع افلام مثل «ماكولم اكس»... باتت السينما اكثر قدرة على التحريض، مهما كان رأينا في سينمائية الفيلم وقيمته الفنية...

بيض راديكاليون

مع مثل هذه السينما الجديدة، انتقلنا إذاً الى طور ثانٍ يشهد امساك فناني السود بقضيتهم بين ايديهم. ويمكننا القول ان مخرجين بيضاً مثل نورمان جويسون وبخاصة ستيفن سبيلبرغ، حين حققوا افلاماً تدور حول قضية السود، انما حققوها في هذه الذهنية وليس في ذهنية البر والإحسان القديمة. فسبيلبرغ، في فيلمين له على الأقل – قبل ان يدنو من المسألة في شكل جذري وخلاق في واحد من افلامه الأخيرة، «لنكولن» -، كان قد بدا وكأنه يرتدي جلداً اسود حقيقياً في عمله على فيلميه «اللون القرمزي» و «آميستاد»، وكذلك سيفعل كونتن تارانتينو لاحقاً في تحفته «جانغو طليقاً»... حيث دنا مواجهة من هذه القضية، ليذكّر بدوره، وقبل عامين على الأقل من «12 عاماً من العبودية»، بتقصير السينما إن لم يكن بالنسبة الى قضية السود، فعلى الأقل بالنسبة الى قضية العبودية نفسها. فهل يمكن القول اليوم ان تحقيق ستيف ماكوين، البريطاني الأسود فيلم أوسكار هذا العام انما هو استجابة لما يبدو ان «جانغو طليقاً» ذكّر به؟

على رغم قوة «12 عاماً من العبودية» ونجاحه وكل ما قيل عنه. وعلى رغم اعتقادنا بأنه نال حقاً اوسكارات يستحقها، وكذلك على رغم ألوف المقالات التي كتبت في تقريظه، وربما في وضعه في مكانة رفيعة بين الأفلام الفاضحة للعبودية، ثمة شيء في الفيلم يحيّر المرء بعد مشاهدته غير مرة، وكذلك بعد تحري جذوره الأدبية، وهي بالتحديد مذكرات «سولومون نورثاب» التي صدرت اواسط القرن التاسع عشر بالعنوان الذي سيحمله الفيلم، ويتحدث فيها سولومون عن مأساته الشخصية حين كان رجلاً حراً يعيش مع عائلته وزوجته الحبيبة، ليجد نفسه بعد ليلة مرح مباعاً الى اصحاب مزرعة في لويزيانا بصفته عبداً... وهو يتنقل بعد ذلك من مزرعة الى اخرى ومن عبودية الى اخرى حتى يتحرر بعد سنوات ليدوّن تفاصيل ما حدث له.

من الناحية التاريخية، يعرف اميركيون كثر الكتاب كما يعرفون مأساة سولومون، ونعرف نحن ان الكتاب حين صدر كان الزمن زمن بدء تعاطف كثر من الأميركيين مع قضية السود – في الفترة نفسها تقريباً التي صدر فيها كتاب «كوخ العم توم» لهارييت بيتشر ستو الذي ادى الى حدوث انقلاب في ذهنيات البيض في شكل خاص تجاه قضية السود، ما جعلهم يناصرون الرئيس لنكولن ويدعمون القوانين التي صدرت لمنع العبودية بعد ذلك بسنوات قليلة -، وفي ذلك السياق قيل دائماً ان كتاب نورثاب الذي قرئ على نطاق واسع من جانب البيض، في زمن لم يكن فيه الجمهور الأسود جمهوراً قارئاً، لعب دوراً كبيراً هو الآخر في اكتساب الجمهور الأبيض العريض وعياً تجاه «المآسي» التي تعاش في ذلك السياق... غير ان كثراً من نقاد تلك المرحلة، مع اعجابهم بالكتاب، اعتبروه مجرد نص ميلودرامي مدرّ للدموع، اكثر بكثير من اعتبارهم اياه كتاباً يحرض السود على مجابهة المصير المظلم الذي خُصّوا به...

ومثل هذه النظرة لا تعدم اليوم من ينظر بها الى الفيلم المأخوذ عن الكتاب، بخاصة ان المخرج تبدّى في الفيلم اميناً للنصّ في شكل لافت، بل سيقول كثر من النقاد ان ستيف ماكوين الذي هو في الأصل فنان تشكيلي طليعي عرفته الحياة اللندنية الفنية الصاخبة، ضحّى من اجل هذا الفيلم – وهو الثالث له -، بقسط كبير من طليعيّة لغته السينمائية التي كانت تجلت، شكلاً ومضموناً، في فيلميه الأولين «جوع» و «عار»، كي لا يبدو متدخّلاً في كتاب له مكانته الكلاسيكية.

التباس

يقيناً ان هذا الاستنكاف عن التدخل، هو الذي دفع ما يمكن اعتباره قلة فقط من النقاد الآن الى التساؤل عما إذا كان حقاً في الإمكان اعتبار «12 عاماً من العبودية» الفيلم الذي كان منتظراً عن قضية العبودية؟

والحقيقة ان مشاهدة الفيلم غير مرة ستعطي جواباً ممكناً وإن بحذر، هو: ابداً... فنحن هنا، أكثر منا أمام فيلم يدور حول قضية شائكة، نجدنا امام فيلم يكاد يكون متمحوراً حول قضية شديدة الخصوصية: قضية رجل حر حدث لخطأ ما أن جعله عبداً... طوال 12 عاماً من حياته ستنتهي برجوعه الى حريته. فهل تلك كانت ايضاً قضية ملايين العبيد الأرقاء الآخرين؟ ومُشاهد الفيلم، أكثر من قارئ الكتاب في القرن قبل الفائت، أهو مدعو الى التعاطف مع سولومون نورثاب بسبب المأساة الشخصية والفردية التي عاشها مع تنفس للصعداء بعد زوال «الخطأ» الذي قاده الى العبودية... أم هو مدعو الى إبداء الغضب واكتساب الوعي والتحرك الفعال ضد العبودية نفسها من جراء ما يشاهده على الشاشة؟

الحقيقة ان كل التباس الفيلم والسجال الحقيقي الذي يمكن ان يثيره هذا الالتباس إنما يكمنان هنا... لأن المُشاهد النبيه إذ يجد نفسه متماهياً مع سولومون ومتعاطفاً معه وحانقاً علـــى ذلك الشرّ الذي جعله يحوّل الى عـــــبد وهــو الرجل الحر، المُشاهد الذي يشعر ببطولة سولومون ومأساته في كل مرة يلاحظ فيها مشهداً او لقـــطة تكشــف عن قدرة سولومون على ان يكون ويبـــقى انساناً حراً على رغم استعباده. هذا المُشاهد الذي يستبد به، بالنيـــابة عن سولومون، شوق هذا الأخير الى عائلته وزوجته... هذا المُشـــاهد الذي سيثير غضبه واشمئزازه كل اولئـــك السادة وأشباه السادة الذين يستعــبدون سولومون فـــي ثـــلاث على الأقـــل من المزارع التي سيتنقل بينها، باستثناء لحظات طيبة لدى واحد من اصحاب المزارع يبدو شفوقاً طيباً... هـــذا المُشاهد، هل تراه سيســأل نفسه: حسناً هذا هو المصير الذي آل اليه حـــال سولومون بسبب الخــطأ او الشر أو الطمع البشري، فماذا عن ملايين الآخرين من الذين كانوا في الأصل عبـــيداً ولم يكن من حظهم ان يكـــونوا أحراراً ذات عام من تاريخهم؟

صحيح ان «12 عاماً من العبودية» لا يفوته ان يصوّر حياة الرق في اميركا ما قبل الحرب الأهلية - التي تسببت بها قضية إعتاق العبيد اصلاً -، والبؤس الذي يعيشونه، لكنه حين يختار التوقف عند المأساة الفردية لســـولومون نورثاب، يتحول بالضرورة مـــن عمل يكشف تاريخاً كاملاً ومأساة معيـــبة للبشرية عاشتها اقوام بأكملها، الى عمل ميلودرامي – ولا بأس من تكــــرار الكلمة والإلحاح عليها –، وينتـــقل من كونه فيلماً عن العبودية الى كونه فيلماً عن الحرية، وفي اعتقادنا ان هذين الانتقالين، من دون ان يقللا من قيمة الفيلــم ومـــن أبعاده الفلسفية والإنسانية، يجعلاننا نطرح السؤال الذي بدأنا هذا المـــقال اعلاه بواحد شبيه له: متى ستقدم لنا السينما الأميركية فيلماً حقيقياً عن العبودية؟ ثم أكثر من هذا، وبدلاً من ان نقصر سؤالنا هنا حول السينما الأميركية ومسؤوليتها في هذا السياق، نجدنا متسائلين: متى تقدم لنا السينمات العالمية افلاماً حول تلك المأساة الإنسانية الكبرى، مأساة العبودية، التي لئن كنا نعرف بعض جوانبها، تحديداً من خلال سينما اميركية اتسمت غالباً بالتعبير عن عقدة ذنب ما، فإننا نتوق دائما الى معرفة جوانب اخرى منها تغوص في جذور القضية، قريباً منا في إفريقيا، بل في عوالم أقرب الينا، هنا حيث يمكن القول ان المأساة قد بدأت...

الحياة اللندنية في

14.03.2014

 
 

المخيم إذ يصبح هوية قاتلة لصانعيه

بيروت - فجر يعقوب 

يضع المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري في فيلمه الروائي القصير الجديد «يرموك»- 8.8 دقائق - نفسه أمام جملة من الأسئلة التي تتعدى الجانب الفني الذي ينكشف عادة من وراء ظهور عمل فني للعلن. لا يستهلك بكري الجانب الأخلاقي في فيلمه ببساطة كما أفادت التعليقات أو بعض الكتابات التي ظهرت من حوله على مواقع التواصل الاجتماعي التي « تجرأت واجترّت» مقالة يتيمة كتبت حول فيلمه الذي كان ينام «هادئاً» على الشبكة العنكبوتية منذ وقت لا بأس به لأسباب شخصية على ما يبدو، وغرفت بدورها من أشياء شخصية حشدها بكري في إنتاج فيلمه، بدءاً من كتابة القصة التي اضطلع بها ابنه الممثل صالح بكري، وليس انتهاء باثني عشر شخصاً من آل بكري عملوا معه على هذه الدقائق الثماني، ومعهم كل أهل قرية البعنة «الذين عملوا معه كمساعد مخرج».

يستطلع المخرج محمد بكري عبر مشهد بانورامي واحد ما يفترض أنه حياة عائلة فلسطينية في غرفة واحدة. عائلة مهمومة. الوجوم يسيطر على أفرادها: الأم وأولادها والأب ( بكري )، وفي حركة قلقة من الكاميرا من وجهة نظر الأب تتجول بين ابنتيه نفهم أنه اختار الصغرى لسبب ما. يبدو الحل الإخراجي بسيطاً ومطابقاً لواقع الحال الذي ينطلق منه المخرج نحو بناء عوالم فيلمه وقد اختار لها أن تكون بالأسود والأبيض من دون هدف درامي واضح. فليس الوضع المأسوي القاتم الذي يخيم على سورية «والناس الذين عضهم الجوع والقهر» نتيجة الأحداث الدامية التي تعصف بها منذ ثلاث سنوات، هي التي دفعت إلى هذا الخيار كما نعتقد. بالطبع لسنا في وارد التقليل من شأن وجهة نظر محمد بكري في الأحداث السورية، وما يمكن البناء عليه انطلاقاً منها. فنحن نقف قبالة فيلم متين لجهة الصورة الليلية التي اختارها له، ولكنه انطلق أساساً من قصة ملتبسة أرادها منتقدوه مقدمة للنيل من مشروعه الفني والثقافي بدليل التهجمات التي لفت مواقع التواصل الاجتماعي وهي تندد به وبعائلته التي ساعدت في إخراج فيلمه.

مصائر مسبقة

فيلم «يرموك» لا تزيد من «أخطائه» سقوط أل التعريف منه، فمن حق المبدع أن يسقط ما يشاء وهو يعيد تركيب تلك البرهة التي يظن للحظة أنها تساهم في تجديد نظرته للعالم. ومحمد بكري الذي أراد أن يقدم يرموكاً في كل مكان في هذا العالم العربي إنما يتعدى تلك النظرة الساذجة للنقد، وإن وقع هو بدوره في مطب الفكرة الساذجة، أو الفكرة القاتلة التي لم يسعفها اجتهاده على الصورة، وتلك الوجوه الواجمة التي ترسم مصائرها حتى من قبل أن نقع على النهاية المفترضة، حين ينطلق بسيارته القديمة ومعه ابنته الصغيرة التي وقع عليها تفضيل الكاميرا ليقف بمحاذاة سور ضخم وفوقه عمود كهرباء مضاء، حتى نلمح سيارة مرسيدس ضخمة تجيء لتقف قبالته وينزل منها رجل ضخم يقترب من سيارة بكري وابنته ويقوم بفحص أسنان الابنة ويعود إلى سيارته ثم يرجع ويحادث ثرياً عربياً ويعود ثانية نحو الأب الحزين المهموم في سيارته ويناوله «رزمة غامضة» من المال، فنحن لا نعرف هوية هذا المال، وإن اكتفى بكري بالقول «إنو اتفاقنا كان ألف وهدول خمسمية»، فيرد عليه ذلك «الطبل» الدرامي قائلاً: «بيكفي أسنانها خربانة». لم يقل أحد أن الطريقة في اختيار فتاة صغيرة تمتلك أسناناً لبنية يمكن توظيف حكايتها بهذه الطريقة الساذجة إذ تعرض للزواج بهذه الطريقة الكاريكاتورية التي ظهرت عليها في فيلم «يرموك». كان ممكناً تعريض الحكاية لمعالجة أشد «مكراً» حتى لا يقول أحد من هؤلاء «النقاد» إن الفلسطينيين لم يتورطوا حتى هذه اللحظة بتزويج بناتهم بهذه الطريقة في كل المآسي التي عبروا بها لخصوصية في أوضاعهم ، وهم على فكرة من أشد المدافعين عن «التحام» الفلسطينيين بـ «الثورة السورية»، ومع تغييب تلك الخصوصية التي أرادها البعض للنأي بنفسه عن «المحدلة» السورية حين كان ذلك ممكناً، ولكن عندما يتعلق الأمر بوهم التميز يرفض هذا البعض أن تساوى قصته بفتاة سورية واحدة من مخيم الزعتري جرى تزويجها بذات الطريقة، وينتفض جرياً وراء تفسير تيتر ظهر في الفيلم في المقدمة أو في النهاية.

التعويذة

أما بكري فإنه يحسن حين يسقط أل التعريف عن المكان الذي أراده لفيلمه. لم يعد هو مخيم اليرموك، ربما من باب شق عصا المخيم السحري حتى يفك تلك التعويذة التي يحتاجها الفلسطيني وهو «يتغزل» بمخيمه حتى أن المخيم يتفوق بذلك على فلسطين - الفكرة المشتهاة - وهو يأبى أن يغادره لأن «العري الأقصى» كما يقول عنه جان جينيه في نصه «أربع ساعات في شاتيلا» يكون ماضوياً، وهذا ما قد يفسر سبب تعلق الفلسطيني بمخيمه من دون أن يحظى بمغفرة من هم حوله أو يتأثر بها. الآن في «المعضلة» السورية يصبح للمخيم الفلسطيني شأن آخر يختلف عن شأن بقية المخيمات الفلسطينية في الشتات. صحيح أن بكري بدا في فيلمه ولو لوهلة وكأنه يظهر «تسطيحاً» للقصة لجهة معالجتها، أو هو يصنع «هوية» قاتلة لأهله، ولكنه بدا في الوقت نفسه وكأنه يحاول الخروج من تلك الألغام الجديدة التي ظهرت في المخيم الفلسطيني كما لم تظهر من قبل.

الحياة اللندنية في

14.03.2014

 
 

... كبسولة للتاريخ حول قضية مغيبة

رام الله – بديعة زيدان 

اختارت المخرجة الأردنية من أصول فلسطينية ساندرا ماضي، مدينة رام الله، وبالتحديد قاعة الجليل في متحف محمود درويش، لعرض فيلمها الوثائقي الجديد «نهر البارد يروي»، في إطار مشروع «الأربعا سينما» الذي ينظمه المتحف بالتعاون مع «شايب جروب».

ويأتي هذا الفيلم الذي لم تطرحه مخرجته للعرض في المهرجانات أو الفضائيات حتى الآن، بعد فيلمها الأول عن مخيم اللاجئين الفلسطينيين الذي هجره أهله بفعل تسلل إرهابيي ما يسمى «فتح الإسلام» إليه، وحمل اسم «نهر البارد مخيم اعتقال»، ليسلط الضوء على ما وصفته بـ «انتفاضة أهل مخيم نهر البارد» بهدف العودة إليه وكسر الحصار الذي يمارس عليه بين فترة وأخرى.

وعرض الفيلم، وتلاه نقاش مع ماضي التي لم تزر فلسطين، منذ 13 عاماً، وتتحدر أصولها من قرية إجزم القريبة من حيفا المحتلة في عام 1948، وتحمل الجنسية الأردنية، وتقيم في عمّان، وهي كانت بدأت مشوارها الفني في المسرح، قبل الانتقال إلى السينما، وبالتحديد التسجيلية منها... وتقول: «ما يهمني في الأعمال التي أقدمها أن أكون راضية عنها، وأن أقدم أعمالي بحرية، والتركيز على اختلاف مواضيع هذه الأفلام، واختلاف أشكال إنتاجها... أهتم بالنوع لا بالكم».

حارس القضايا

وأكدت ماضي: «ليس بالضرورة أن يحقق الفن تغييرات ثورية... الفن يتبنى القضايا، وقد يكون الحارس الأمين على القضايا، ونحن أصحاب القضية الأكثر عدالة في العالم... أفلامي جميعها عن فلسطين، ولكن هذا ليس قراراً بأني أريد النضال من خلال الفيلم، بمقدار ما أشعر بأن هذا هو الوضع الطبيعي... قضيتنا وحياتنا مليئتان بالتفاصيل التي يمكن تناولها في الكثير من الأعمال السينمائية وغيرها من الأعمال الإبداعية».

وتندرج أعمال ساندرا ماضي في إطار السينما التسجيلية المستقلة، أو السينما المستقلة، والتي يصطلح من بعض النقاد على تسميتها بالسينما الإبداعية، وتعتمد على الإمكانات المتوافرة على الصعيدين التقني والمالي، ولكن تواضع الإمكانات لا يمنع تحقيق هذا النوع من الأفلام حضوراً لافتاً... «الكثير من الأفلام الفلسطينية المستقلة نقلت قضيتنا إلى العالم، وثبتت نفسها وفي حضور طاغ في أهم المهرجانات والفعاليات السينمائية العربية والدولية»، أكدت ماضي.

وحول فيلمها الذي لم يعرض بعد، إلا في إطار مشروع «الأربعا سينما» تقول ماضي: «ارتباطي بمخيم نهر البارد يعود إلى عام 2010، حيث زرت أهالي المخيم المهجرين في لبنان، وصورت سراً، وفي ثوب عاملة اجتماعية، داخل المخيم، فكان فيلم «نهر البارد مخيم اعتقال» الذي ركز على معاناة أهل المخيم بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تدميره .. في صيف عام 2012 بدأت شرارة ما يسميه شباب المخيم وأهله الانتفاضة لاسترداد جزء من كرامتهم المهدورة، وهو ما قمت بتوثيقه في «نهر البارد يروي» الذي سلط الضوء على يوميات هذه النضالات أو الانتفاضة.

وشدد يوسف الشايب، مدير مشروع «الأربعا سينما»، على أن من بين أهداف المشروع مدّ جسور التواصل ما بين السينمائيين الفلسطينيين، خصوصاً المقيمين في الخارج، وبين الجمهور الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وكذلك عرض أفلام فلسطينية أو عن فلسطين في عروض أولى ضمن المشروع، فكان الانطلاق في تشرين الثاني (أكتوبر) الماضي بفيلم مملكة النمل لشوقي الماجري، تلته عروض أولى لأفلام «تناثر» للمخرج الفلسطيني توفيق أبو وائل، و «غزة تنادي» للمخرجة الفلسطينية المقمية في أوروبا ناهد عواد، وأخيراً فيلم ساندرا ماضي «نهر البارد يروي»... واصفاً الفيلم بأنه «كبسولة للتاريخ»، مشدداً على أهمية إنتاج هذا النوع من الأفلام الوثائقية التي تحفظ الذاكرة الفلسطينية، كما فعلت نبيهة لطفي في فيلمها «تل الزعتر»، وأخيراً رائد دوزدار في فيلميه «هنا القدس» و «الأخوين لاما»، وندى اليسير في فيلم «ما تبقى لكم»، وغصوب علاء الدين في «وطن على خشبة المسرح»، وغيرها من الأفلام.

الحياة اللندنية في

14.03.2014

 
 

«عمر» دراما فلسطينية بعيون كندية

مونتريال - «الحياة» 

في الوقت الذي حصد الفيلم الفلسطيني «عمر» خيبة مريرة لخروجه من أوسكار أفضل فيلم أجنبي من دون فوز، كانت عروضه في عدد من صالات مونتريال الكندية وغيرها تشكل نوعاً من التعويض المعنوي له. و «عمر» لمخرجه هاني أبو أسعد. هو فيلم من النوع الدرامي الطويل، مدته 1,37 دقيقة، وناطق بالعربية ومترجم إلى العبرية والإنكليزية. أما الأدوار الرئيسية فيؤديها آدم بكري (عمر) بطل الفيلم، وسامر بشارات (أمجد) وأياد حوراني (طارق).

تظهر وقائع الفيلم أن هؤلاء الأشـخاص الثلاثة «المقاومون في سبيل الحرية» كما يطلقون علــــى أنفسهم، يجتمعون ويتدربون على تنفيذ عملية عسكرية تستهدف أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي. وبعد عدة أيام يقع عمر - عامل فلسطيني يتسلق يومياً جدار الفصل بين الضفة الغربية والكيان الإسرائيلي ويقـفز خلفه على رغم تعرضه لقنص العدو، لرؤية ناديا (ليم لوباني) التي يحبها-. إلا أن عمر يقع في قبضة الجيش الإسرائيلي، ويودع السجن ويتعرض لتعذيب قاس شأن أي مقاوم يقع في أسر العدو. ويستخدم ضابط السجن رامي (وليد زعيتر) مع عمر لعبة الترغيب والترهيب والموت والحياة. ويساومه على إطلاق سراحه مقابل تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية وكشـف أعضاء الخلية الفلسطينية الــتي ينتمي إليها، وإن رفض، فاعتقال حبيبته وسجنه مدى الحياة.

خلطة درامية

اجتذب «عمر» في عروضه الكندية وربما أيضاً في بقية عروضه الأميركية الشمالية، جمهوراً كبيراً من الناشطين الفلسطينيين والجمهور العادي. فرأى بعضهم أن الفيلم قد سلط الضوء على عمق التناقضات الاجتماعية والسياسية والنفسية لدى طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي، كاشفاً أن القضية الفلسطينية لم تخب جذوتها في ذاكرة الفلسطينيين. فهي ما زالت متجذرة في كل بيت، وحية في كل قلب. وأن جدار العزل بطوله وارتفاعه بات من أهم جدرانيات الإدانة العالمية للاحتلال.

أما البعض الآخر، فاعتقد أنه مجرد عبارة عن قصيدة تضج بمشاعر القلق والخوف والعــمالة والشك والخيانة لرفاق القضية والصداقة والحب والوطن. وأكد أنه لم يكن يتوقع أن يستجيب البطل «عمر» لإغراءات العدو ويخضع لمساومة ساقطة لا يمكن تبريرها وتعميمها في ثقافة المقاومة.

أما الرؤية الكندية غير الرسمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عموماً، وما يكشف عنه الفيلم خصوصاً، فتبدو إجمالا مناصرة لعدالة القضية الفلسطينية وجوانبها الإنسانية. فالناقد السينمائي اريك مورو يختصر المحاور الدرامية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي بعبارة «الموت والحياة». ويرى أن الفيلم مثلاً يكشف بصلافة عن التلاعب بمشاعر المعتقلين الفلسطينيين في أشد لحظات التعذيب والتنكيل بهم، ويحاول تحويلهم إلى مجرد عملاء للاحتلال وخونة لقضيتهم. وفي السياق ذاته يعتقد الكاتب مارك كاسيفي أن الفيلم كشف كم أن الاحتلال تجاوز كل المقاييس الإنسانية، فعبث بالمشاعر العاطفية للإنسان الفلسطيني ولوث الحب في مستنقع العمالة والخيانة. ويرى أن إقحام الحب في لعبة الحرب، كان عملاً «جريئاً ومغامرة محفوفة بالاتهامات» خلافاً لكثير من الأفلام الفلسطينية التي كانت تكتفي عادة بإظهار الجانب البطولي كقضية وطنية مركزية في أدبيات المقاومة.

ومن جهتها تلخص صحيفة «لا برس» الكندية مضمون الفيلم الفلسطيني بموقف لافت جاء فيه أن «عمر» هو أقرب إلى تراجيديا يونانية حقيقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأن قوته الدرامية تكمن في إثارته وإحاطته الواعية بعمق الثنائيات المتناقضة في المشاعر الإنسانية التي تلامس الحب والحسد، والخيانة والتضحية، والثأر والشرف». وعلى رغم قوة وأهمية هذا الجانب الدرامي في السينما العالمية، شككت الصحيفة منذ البداية في إمكان حصول «عمر» كما يتوقع البعض، على جائزة الأوسكار في ظل قوتين عالميتين إحداهما اللوبي اليهودي من جهة وأميركا من جهة ثانية.

هكذا هو المحور الدرامي العام للفيلم ولكننا في حقيقة الأمر أمام كم من الحكايات بل نحن أمام استعراض للحالة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي حيث يبدو الحب عملة صعبة في هذا الزمن الأرعن، حيث الاحتلال والهيمنة وأيضاً الممارسات الداخلية من قبل الفصائل السياسية والدينية التي تدير الضفة والقطاع. فيلم يحمل الكثير من الإشارات والدلالات الصريح والواضحة والتي تقدم الحال الفلسطينية بكل شفافية ووضوح. كل شيء الحياة اليومية والمدارس والأسواق والممارسات والإيقاع المعاش لتلك الشخصيات بأدق تفاصيلها وظروفها.

وكمــــا يذهب هاني أبو أسعد إلى البطولة والتحدي فانه يـــذهـــب إلى الخيانة ويقدم عدداً مــــن النماذج من بينهم أمجد الذي دمــــر كل شيء من أجل أن ينال بنـــادية وأيضاً ذاك الذي وشى بــهــم للمرة الأولى مقابل الحصول علـــى فيزا إلى نيوزيلندا وغـــيرها من الحكايات التي تأتي حافلة بالصور والمشهديات الدرامية المقرونة بالسخرية الــــعالية، كما يبرز الفيلم أشخاصاً لم يكن مــتوقع رؤيتهم في مشاهد الكذب والخــداع والغش والخيانة للقضيـــة، أما المحاور الدرامية فتستعــــرض الحالة الفلسطينية تحت الاحتـــلال بكل ما فيها من مقومات القوة والضعف. فالفيلم يمثل وجهـــة النظـــر الفلسطينية في مقاومته للاحتــلال القـــائم على اغتصاب الأرض والقمع والإذلال.

الحياة اللندنية في

14.03.2014

 
 

كتب وقضايا من تاريخ الفن السابع

القاهرة - أمل الجمل 

ما الذي يجعل من الفيلم تجربة رائعة؟ وما هو جوهر آلية تأثير الفيلم في الجمهور؟. كيف يُمكن فك مغاليق النص السينمائي؟ أعمال بريخيت كيف خدمت وستخدم، في المستقبل، التطور الفني والسياسي للثقافة غير السائدة؟. ما الفرق بين المحكي الروائي والمحكي السينمائي؟. والاختلاف بين تصوير الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي؟. وما أهمية الناقد ودوره الثقافي في المجتمع؟ وكيف يكتسب النقد أهميته، أمن كونه كتابة في أدب السينما، أم من كونه كتابة في علم السينما؟ ولماذا يندر أن نجد في النقد الصحافي في مصر تقويماً نقدياً موضوعياً للأفلام المصرية؟

التساؤلات السابقة وغيرها من المواضيع هي المتن الذي يدور من حوله «مونوغرافيات في الثقافة السينمائية» أحدث إصدارات المخرج العراقي - الألماني قيس الزبيدي الذي لا يقتصر نشاطه على الإخراج ولكنه كذلك مولّف (مونتير) متمرس وباحث في نظرية السينما والمونتاج، ويتمتع بثقافة سينمائية واسعة. صدر الكتاب عن سلسلة آفاق السينما، لدى هيئة قصور الثقافة في مصر، ويقع في 191 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على اثني عشر فصلاً. يتضمن كل فصل منها عدداً كبيراً من العناوين. إنه بالأساس تجميع لمقالات أغلبها نشرها المؤلف كتعليقات على كتب سينمائية – بعضها جديد والبعض الآخر قديم - تهتم بالنظرية السينمائية وتطور مناهجها من دون أن تغفل تاريخها وجماليتها.

من أفضل مقالات الكتاب ذلك الجزء المتعلق بمعادلة صعبة حول كتب «عدنان مدانات» – على رغم أنه استعرض أكثر من كتاب لمدانات في أكثر من مقالة - لأنها جاءت معمقة وترصد تجربة المخرج والناقد الأردني عدنان مدانات ومحاولته لكتابة نقد ثقافي، وليس لكتابة نقد فيلمي، فكتابته – في رأي الزبيدي - لا تكتفي بالحديث عن الفيلم، بل عن السينما، وتذهب أبعد من السينما، فترجع إلى الفيلم، لتربطه، ثقافياً، بمعارف الأدب وعلم الاجتماع وحتى بالفلسفة ليرى من هناك شاشة السينما، وليرى فيها أيضاً فنونها المجاورة، وكيف تتآلف في نسيج أوّلية لغتها البصرية.

هذا بالإضافة إلى استعراضه لكتاب عن «السينما التجريبية» وتسليطه الضوء على السؤال المركزي الذي يحدد منهج البحث: كيف يستطيع المبدع السينمائي، أن يجرب وينجح في ارتياد آفاق جديدة، لكي يسير على إثره الآخرون، في وقت يخضع فيه لشروط السوق، التي جعلت السينما تسقط في براثن رأس المال؟

يُحسب للزبيدي أنه في مقالاته يعرض لكل كتاب من وجهة نظره، أو يختار فكرة منه ويبني عليها، من دون أن يتوانى عن كشف العيوب وإظهار المحاسن التي يتميز بها الإصدار موضوع مقالته. ولكن على الرغم مما سبق، وعلى الرغم من أهمية كتاب صاحب فيلم «إننا محكومون بالأمل» فإن الكتاب الجديد لا يخلو من بعض الهنات، والمدهش في الأمر أن الزبيدي وقع في أخطاء كان هو نفسه يأخذها على مؤلفي بعض الكتب التي استعرضها ومنها غياب المنهج طالما أن الكتاب تجميع لمقالات سبق أن نُشرت في الصحافة العربية، «حيث يقول هو نفسه عن أحد الكتب في سياق الكتاب» ... ومن هنا تضعنا إعادة نشرها في كتاب أمام إشكالية تواجهنا في أغلب الكتب التي يصدرها النقاد العرب، والتي هي في الغالب تجميع غير موفق في الغالب لمقالات، على شكل نقد صحافي يومي، عن أفلام أو مخرجين أو مهرجانات أو قراءات في كتب، لا أكثر».

الأمر الآخر، أن تقسيم الكتاب لفصول أمر غير ذي بال خصوصاً أن الفصول لا تحمل أي عناوين ولا تحمل تيمة واحدة تُبرر تجميع مقالات بعينها تحت كل فصل. مع العلم أنه كان يمكن ذلك بمزيد من الجهد والعمل الشاق على متن الكتاب. أضف إلى ذلك أن عدداً ليس بالقليل من المقالات كانت بحاجة إلى المراجعة والتنقيح والتدقيق والاختصار، لتفادي التكرار الواضح. فهناك موضوعات يعود صاحب «الزيارة» و «اليازرلي» إلى مناقشتها على صفحات متباعدة من الكتاب وكان يمكن إما اختصارها أو دمجها معاً تحت عنوان فصل واحد مثل الحديث عن «هل السينما فن؟»، ومثل تناوله لكتب عدد من النقاد والسينمائيين أكثر من مرة مثل سمير فريد، ومدانات، وتاركوفسكي، ومثل تكرار أفكار بعينها عن المونتاج والسينما. كذلك هناك مقولات سينمائية نُسبت خطأ إلى غير أصحابها كما يتعلق مثلاً بمقولة برغمان عن تاركوفسكي: «عندما اكتشفت أول أفلامه «طفولة إيفان» كان الأمر بالنسبة لي أشبه بمعجزة حقيقية، ووجدت نفسي فجأة أمام باب غرفة كان ينقصني حتى ذلك الحين مفتاحها».

رغم كل ما سبق، ورغم مشقة قراءة الكتاب دفعة واحدة، لكثرة التنقل السريع، وأحياناً العابر، من موضوع إلى آخر، فإننا هنا أمام مرجع مهم للنقاد والدارسين وهواة السينما الباحثين في معرفة تُثري وتعمق ثقافتهم السينمائية لأن كتاب الزبيدي – في 90 في المئة منه على الأقل- بمثابة مرشد إلى كتب أخرى ومراجع سينمائية ضرورية. لذلك لا يمكن إنكار أن الإصدار في مجمله رحلة معرفية تتوجه إلى قارئ شديد التخصص، وهو أثناء ذلك يتصدى لقضايا حيوية فكرية وجمالية في السينما، بشكل يجعلها مُفيدة أيضاً لعشاق السينما وللنقاد وحتى للمخرجين.

الحياة اللندنية في

14.03.2014

 
 

جمعية الفيلم تكرم ذكرى توفيق صالح وآخرين

القاهرة – «الحياة» 

كرمت «جمعية الفيلم» في القاهرة في ختام مهرجانها الـ40، المخرجَ الراحل توفيق صالح وتَسَلَّم شهادة التقدير نجله محمد توفيق صالح، والسيناريست الراحل ممدوح الليثي وتسلَّمها شقيقه المنتج وجيه الليثي، والناقدَ السينمائي رفيق الصبان وتسلَّمها نجله زياد رفيق الصبان، والأبَ الراحل يوسف مظلوم وتسلَّمها الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكي للسينما، وصبحي شفيق وتسلمها الناقد السينمائي طارق الشناوي، ومصطفى درويش وتسلمها الناقد علي أبو شادي، ومنسق المناظر عباس صابر. كما منحت الجمعية شهادة تقدير لشهيرة ناصر عن فيلم «فيلا69»، أما جائزة أحسن مصممة أفيش فحصل عليها طارق حنفي ومحمد جابر عن فيلم «فرش وغطا»، وأحسن ملابس عن فيلم «عشم» لمحمد والي، وجائزة أحسن ديكور ذهبت لفيلم «الحرامي والعبيط» لحمدي عبدالرحمن، وفاز بأفضل موسيقى عن فيلم «عشم» أحمد مصطفى وخالد قمار، وأفضل مونتاج عن فيلم «فيلا69» لعماد ماهر، وأفضل تصوير أحمد المرسي عن فيلم «الحفلة»، وحصل الفنان عمرو غندور على جائزة أحسن ممثل دور ثانٍ، وهبة يسري على جائزة أحسن ممثلة دور ثان عن فيلم «فيلا 69»، وفاز خالد أبو النجا بجائزة أفضل ممثل عن فيلم «69»، وحصلت روبي على جائزة أفضل ممثلة عن فيلم «الحرامي والعبيط»، وأفضل سيناريو لأحمد عبدالله عن فيلم «فرش وغطا»، وتسلمها نيابة عنه خالد أبو النجا، وحصلت على جائزة أفضل مخرجة آيتن أمين، وحصل على جائزة أفضل إخراج أحمد عبدالله السيد عن فيلم «فرش وغطا».

سمير فريد يكشف ملامح مهرجان القاهرة 

كشف رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سمير فريد ملامح الدورة السادسة والثلاثين من المهرجان، موضحاً البدء في التحضير للدورة، منذ شهر آب (أغسطس) الماضي، بعد تشكيل مجلس إدارة المهرجان الذي ضم 14 عضواً. كما تم وضع لائحة جديدة للمهرجان وافق عليها الاتحاد الدولي للمنتجين. وأعلن فريد أن افتتاح المهرجان سيكون في التاسع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لكنه سيقام خارج دار الأوبرا المصرية نظراً إلى إقامة حفل اختتام مهرجان الموسيقى العربية في التوقيت نفسه، مشيراً إلى رغبته في إقامته في الأهرامات.

وحول أقسام المهرجان، قال فريد إنها ستكون 10 أقسام، على أن يكون هناك برنامج يحمل اسم «السينما الوطنية ضيف الشرف» تشارك فيه السينما الكردية، كتعبير عن ثقافة غير معروفة في مصر، ويعرض خلاله 16 فيلماً. وستتم إقامة سوق للمطبوعات تعرض فيه كتب طبعت عن السينما. البرنامج الرئيس للمهرجان مؤلف من المسابقة الرسمية التي تحتوي على 16 فيلماً، والعروض الخاصة التي يبلغ عددها 18 فيلماً، ومهرجان المهرجانات الذي يضم 16 فيلماً من الأفلام الفائزة بجوائز المهرجانات، فضلاً عن ثمانية أفلام تتحدث عن السينما. وكشف رئيس المهرجان 3 برامج موازية ستتم إقامتها للمرة الأولى، أولها يحمل اسم «آفاق السينما العربية» وهو تابع لنقابة السينمائيين، أما الثاني فهو «أسبوع النقاد»، والأخير هو «سينما الغد الدولي». عروض المهرجان للكبار فقط، كما أنها ستعرض داخل دار الأوبرا التي ستحتوي على 7 شاشات. وأوضح فريد أنه سيتم عرض الفيلم الإماراتي التسجيلي «أحمر أزرق أصفر»، عن حياة الفنانة التشكيلية نجاة مكي، تقديراً لدور دولة الإمارات، ووقوفها إلى جوار مصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو وحتى الآن.

الحياة اللندنية في

14.03.2014

 
 

الألماني شلوندروف من أهم الضيوف

سمير فريد: أفلام مهرجان القاهرة «للكبار فقط»! 

أكد الناقد سمير فريد رئيس مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ36، المقرر اقامتها يوم 9 نوفمبر القادم وتستمر حتى 18 من الشهر نفسه، ان المهرجان هذا العام سيشهد تغييرا كبيرا على جميع المستويات.

وقال: واجهنا صعوبة كبيرة في تلك الدورة خاصة ان مهرجان القاهرة غير معروف للعالم الغربي، لذلك قمنا في البداية بتطوير بنود لائحة المهرجان، حيث تم تقديم 10 أقسام، وانه سيتم الانتهاء من مشاهدة الأفلام المشاركة في المهرجان يوم 9 سبتمبر المقبل، كما سيتم توجه الدعوات للمشاركين في شهر أكتوبر، وستكون المطبوعات بأكملها جاهزة يوم 1 نوفمبر القادم.

وقال «سمير» خلال المؤتمر الصحافي الذي اقامته ادارة المهرجان يوم الخميس الماضي: كنت حريصا من البداية بتقديم كشف حساب بالأرقام والمعلومات عن جميع الدورات السابقة، بعد ان فوجئت بان حفل الافتتاح في بعض الدورات تكلف مبالغ مالية قدرت بحوالي 3 ملايين وأكثر، ولقد تحدثت مع مخرجين كبار لهم ثقلهم في الوسط الفني، وأكدوا لي ان حفل الافتتاح لا يكلف أكثر من 300 أو 400 ألف جنيه.

مشيرا الى أنه لا يعلم هل تم انفاق باقي تلك الملايين كأجور للنجوم الذين يسيرون على السجادة الحمراء، مؤكدا أنه لا يتهم أحدا بشيء ولكنه فقط يقدم المعلومات والأرقام بشفافية لمن يهمه الأمر، وقال ان المهرجان لو أراد وجود نجوم عالميين يجب علينا ان نستضيف فيلما اسرائيليا حتى لو قصيرا مثلما فعلنا من قبل وأكد لكم ان حينها سيأتي نجوم هوليود بداية من ميريل ستريب الى نيكول كيدمان.

وأكد «فريد» أنه لم يتم الاستغناء عن أي موظف في ادارة المهرجان، وكانت هناك بعض المشاكل المتعلقة بمستحقات متأخرة لهم تم حل 90 في المئة منها، لكنه لا يستطيع اجبار أحد على الاستمرار في عمله دون ارادته، فمن يستقيل هو حر في قراراته.

.كما ان مجلس ادارة المهرجان الجديد استعان بمجموعة جديدة لتعمل مع المجموعة القديمة، وحرصنا على ان تكون كتيبة العمل الجديدة من العناصر الشابة التي تضيف روحا جديدا للمهرجان، ومن المشهود لهم بكفاءتهم وأيضا لهم تواجد دائم ومستمر واطلاع على المهرجانات السينمائية العربية والأجنبية الدولية والمهمة، ومتوسط أعمارهم 30 عاما، وهناك تواجد نسائي مميز في الادارة الجديدة للمهرجان، مؤكدا ان الوجوه الشابة الجديدة هي المستقبل، وهذا ما قيل لي عند زيارتي الأخيرة لمهرجان برلين عندما تحدثت مع بعض الاصدقاء هناك وقالوا لي انهم في الدورة السابقة وجدوا ان نظام مبارك مازال موجودا، ولكن اذا كانوا هؤلاء هم فريق العمل فبالتأكيد هذا يعني ان هناك ثورة قامت. وحول أزمة الاشتراك في سوق مهرجان كان السينمائي، قال فريد، انه عندما خاطب ادارة مهرجان «كان» فوجئ بأنهم يقولون له ان هناك مشاركة مصرية بالفعل باسم المهرجان، وان ممثل وزارة السياحة سهير عبدالقادر أرسلت لهم خطابا للمشاركة، وهو أمر كان كفيلا باحراج موقفنا مع ادارة واحدا من أهم المهرجانات السينمائية في العالم، ونقصد هنا موقف مصر، فوزارة السياحة لا تمثل مهرجان القاهرة السينمائي، وطلبت وزارة الثقافة من وزارة السياحة ان تترك الحجز.

وعن المعلومات الجديدة عن المهرجان قال فريد ان أول شخصية مهمة وافقت على ان تكون ضمن ضيوف المهرجان هو المخرج الألماني العالمي فولكر شيلندورف الفائز بالسعفة الذهبية في كان والأسد الذهبي وهو من أعظم المخرجين الأحياء في أوربا والعالم. وأضاف: وسيتم عرض أحدث أفلامه وهو فيلم «دبلوماسية» انتاج عام 2014 وأيضا سيتم عرض فيلم «بال» أخرجه عام 1969 ضمن برنامج كلاسيكيات الأفلام الطويلة. وواصل حديثه قائلاً: وتقديرا من ادارة المهرجان الى دولة الامارات الشقيقة ودورها الفعال بجانب مصر، لأول مرة سيتم عرض أول فيلم اماراتى بافتتاح مهرجان القاهرة السينمائي بعنوان «أحمر أزرق أصفر» للمخرجة نجوم الغانم، وقال ان تلك المشاركة تأتى تقديرا من ادارة المهرجان لموقف الامارات من ثورة 30 يونيو ودعمها لها، كما سيتم تكريم اسم المخرج بركات بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.

وأكد «فريد» ان جميع أفلام المهرجان للكبار فقط، مؤكدا ان هذا ليس لاحتواء الأفلام على مشاهد جنسية أو عنف انما لان هذا المتعارف عليه في جميع المهرجانات العالمية بان جمهور المهرجان مختلف تماما عن جمهور أو مشاهد السينما العادية.

وحول أزمة سهير عبدالقادر التي كانت تقوم بادارة المهرجان قال: ليس هناك أى مشكلة شخصية بيني وبينها ولو أرادت ان تأتي وتعمل في المهرجان فليس لدي أي مانع ولكن بشروط العمل والموضوعة.

وأضاف ان المهرجان قام بالاستعانة بـ54 عاملًا جديدا متوسط أعمارهم 30 عاما بينهم مسلمون ومسيحيون ويهود.

وحول الاعلان عن المبالغ التي يحصل عليها كل العاملين بالمهرجان قال: أردت ان تكون ميزانية واضحة أمام الجميع لأنها ليست ميزانية حربية يجب حجبها، بل أردت ان تكون متاحة للجميع ليرى الجميع الفرق بين الدورات الأخرى.

النهار الكويتية في

14.03.2014

 
 

هوفمان الأحدث ومونرو وجاكسون الأبرز

ضحايا الشهرة والنجومية

إعداد: عبير حسين 

أعاد رحيل الممثل الأمريكي فيليب سيمور هوفمان الحديث عن الجانب الأسود من الشهرة التي لا يستطيع أصحابها التحكم في مجريات أمورهم فيبدأون منحنى السقوط المريع، وهم في أوج المجد والنجومية . وفي السطور التالية نستعرض أبرزهم . .

التقرير الرسمي لوفاة هوفمان الذي يتشابه إلى حد بعيد مع تقرير رحيل ويتني هيوستن أرجع الوفاة إلى حدوث تسمم حاد بسبب تناول خليط مخدرات ومهدئات وعقاقير لمعالجة القلق . كانت الشرطة عثرت على جثة هوفمان 47 عاماً الحائز جائزة أوسكار أفضل ممثل 2005 عن دوره في فيلم CAPOTE الذي جسد فيه شخصية المؤلف "ترومان كابوتي" في شقته بنيويورك مطلع الشهر الماضي، إضافة إلى 70 كيس هيروين!

هوفمان هو الأحدث في سلسلة المشاهير الراحلين الذين يمكن اعتبارهم "ضحايا الأضواء"، والقائمة عامرة بأسماء كبيرة مثل مارلين مونرو، داليدا، مايكل جاكسون، إيمي واينهاوس، هيث ليدجر، وغيرهم العشرات إلى جانب قائمة لآخرين محتملين تحتلها أسماء لامعة هي الأكثر عرضة لتلقي نفس المصير منهم ليندساي لوهان، مايلي سايروس، جاستين بيبر، ماكولاي كالكن، وغيرهم ممن يبدو أنهم بطريقهم لفقدان السيطرة على مجريات حياتهم، وتحتل فضائحهم الصفحات الأولى في الصحف العالمية .

لا تقتصر القائمة على الفنانين فقط بل تمتد لمشاهير آخرين من عالم الأدب منهم الروائي الأمريكي الشهير إرنست هيمنغواي، ومن عالم الموضة والأزياء يبرز المصمم البريطاني ألكسندر ماكوين، وكلاهما قرر إنهاء حياته على الرغم من نجاحهما الكبير، وشهرتهما الواسعة، وغيرهما كثير يتشابهون في الأعراض والمصير، ويختلفون في الأسباب التي دفعت بهم إلى الانهيار .

البروفيسور روبرت بي ميلمان مختص الطب النفسي في كلية الطب جامعة كورنوول تحدث عن حالة مرضية أطلق عليها "متلازمة الظرفية النرجسية" التي يقع المشاهير فرائس لها بعد وصولهم إلى مستويات "عالية" من المجد كما يرونه، وقال: "الشهرة عالم مختلف، ومتلازمة الظرفية النرجسية تعد اضطراباً حقيقياً يصاب به الأشخاص الذين يبالغون في الاهتمام بذواتهم، ما يدفعهم إلى التمرد على واقعهم، وبالتالي معاناة علاقات غير مستقرة، غالباً ما تدفعهم إلى تعاطي المخدرات" . 

وأشار ميلمان إلى أن هناك حالات لمشاهير كانوا ضحايا للنجومية ليس بسبب وصولهم إلى حالة "التشبع" منها مثل مونرو، وجاكسون، بل لرغبتهم في الحصول على مزيد منها باعتبارها المقياس الرئيس للوصول إلى المجد . فهناك بعض الحالات سبب بحثهم الدائم نحو المزيد من الأضواء والنجومية إلى دفعهم لحافة الهاوية .

أضاف ميلمان: فريق ثالث هو من "الضحايا" الحقيقيين لعالم هوليوود مثل مأساة الممثل الأسترالي هيث ليدجر الذي رحل عن 28 عاماً بعد تناوله جرعة زائدة من المهدئات بحثاً عن نوم جافاه لأشهر طويلة الذي أرجعه الأطباء النفسيون إلى "عدم قدرته على التكيف" . كان هيث نموذجاً باحثاً عن "العمل" أكثر من "الشهرة"، ترك بلده مبكراً وعمره 16 عاماً بعد إنهاء دراسته الثانوية مطارداً حلمه بالنجاح في التمثيل، وحالفه كثير من التوفيق فكان من أصغر الممثلين الذين رشحوا لجائزة الأوسكار ولم يتجاوز 25 عاماً، والمفارقة المأساوية أنه نالها عن 28 عاماً عن دور "الجوكر" في فيلم "فارس الظلام"، لكنه كان قد رحل قبل موعد حفل توزيع الجوائز، فتسلم والده ووالدته أوسكار أفضل ممثل مساعد نيابة عنه

لم يتحمل ليدجر تدخل الصحافة الفنية بشكل سافر في حياته، وتسبب ذلك بمعاناته ضغوطاً قاسية بعد علاقة مضطربة مع مصوري الباباراتزي أهمها عندما اتهمه أحدهم بالاعتداء عليه في سيدني 2004، وفي 2005 قام كثير من المصورين انتقاماً للحادثة المزعومة برش ليدجر وخطيبته ميشيل ويليامز بالماء من مسدسات ماء أثناء عبورهما على السجادة الحمراء في حفل افتتاح فيلمه "جبل بروكباك" وهو الفيلم الذي حصد عنه جائزة المعهد الأسترالي كأفضل ممثل . إضافة إلى سلسلة طويلة من الشائعات حوله أطلقتها عدة صحف ومجلات مثل منع عرض أفلامه في عدة ولايات أمريكية، وشائعة أخرى عن استهزائه بترشحه لجائزة "غولدن غلوب"، وغيرها كثير غير صحيح تسبب بعدم قدرته على النوم إلا بتناول أدوية مهدئة كانت سبباً في إنهاء حياته

الطبيبة النفسية سو إديكسون أشارت إلى سبب آخر وراء سقوط المشاهير في الجانب الأسود من الشهرة، مؤكدة أن هناك إحباطات مغايرة لديهم تنتج عن الهوة الواسعة بين ما يحلمون به، وبين ما يصلون إليه، فالبعض أقدم على إنهاء حياته بسبب عدم وصوله إلى مبتغاه، وحصوله على شهرة أقل مما يعتقد انه يستحقها وفقاً لتقديره الشخصي الذي أحياناً يكون خاطئاً

كتبت إديكسون مقالاً شهيراً نشرته مجلة "أتلانتك" بعنوان "القوة وتكلفة المجد والشهرة" قائلة: "الشهرة لدى البعض تعد مجالاً للدفاع عن مشاعر النقص والحرمان ويسعون إلى المزيد منها باعتبارها معيار تحقيق ذواتهم، وفي هذه الحال يظلون يعانون عدم تحقيق الكفاية، وعدم الاقتناع بالنجاح، ويستمرون بالضغط على أنفسهم سعياً وراء القمة التي رسموها في خيالهم". ومن هذه الأمثلة الأديبة الإنجليزية فيرجينيا وولف التي اقتبست السينما عدداً من أشهر أعمالها، والتي قررت إنهاء حياتها وهي بأوج مجدها بطريقة مأساوية عندما اتخذت طريقها إلى نهر "أوس" وألقت بنفسها فيه بعد ما زودت معطفها بعشرات الحجارة حتى تطمئن إلى أنها لن تطفو . كانت وولف أصيبت بحالة اكتئاب بعد الاستقبال البارد الذي حظيت به السيرة الذاتية التي كتبتها لصديقها الراحل "روجر فراي"، وازدادت سوءاً بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وتدمير منزلها في لندن، فقررت إنهاء حياتها مخافة إصابتها بانهيار عقلي

الكاتبة سوزان سومرز في كتابها "بعد السقوط" علقت على أحد الجوانب المدمرة للشهرة قائلة: "عند الوصول إلى الشهرة لا يهتم أحد بالحالة النفسية، يهتم الجميع بالأرباح المتداولة، يهملون الجوانب النفسية، والروحية، والعاطفية، ويدخل الجميع في لهاث مستمر وعدد ساعات عمل أطول" . أضافت: "يسقط البعض تحت دائرة الضوء لأنهم بشر، طبيعتهم البشرية الضعيفة تجعلهم غير قادرين على مواجهة الأحداث الصعبة، والمواقف المؤسفة، وهنا مثلاً تظهر حالة انتحار كريستينا أوناسيس التي انتحرت والدتها عام 1974 بعد وفاة شقيقها في حادث طائرة، ثم تدهورت صحة والدها بعد الحادثين ورحيله 1975، وعلى الرغم من نجاحها في إدارة إمبراطورية النقل البحري التي تركها والدها، إلا أنها عانت حياة مضطربة بعد فشلها في الزواج 4 مرات، فأقدمت على إنهاء حياتها شابة لم تتجاوز 37 عاماً بتناول جرعة زائدة من عقاقير منومة مضافاً إليها أدوية تخسيس الوزن" .

نماذج "متوازنة"

بين فترة وأخرى يطفو على السطح الحديث عن الجانب الأسود للشهرة، لكن هذا لا ينفي أن لكل عملة وجهين، وأن الحياة تحت الأضواء تمنح من يحترمها الكثير قبل أن تكلفه، وهناك نماذج مستقرة منذ سنوات طويلة، نجحت في التكيف مع هذه الصعوبات، والتفتت إلى تطوير مهنتها وذاتها، ومن أبرزها أوبرا وينفري صاحبة أفضل برنامج حواري استمر ربع قرن بنجاح غير مسبوق، ومازالت تحافظ على حضورها ونجاحها الإعلامي بالرغم من الصعوبات التي تواجه قناتها الخاصة "0"، وإذا كانت شخصية وينفري القوية وسيلتها الأولى لتحقيق توازنها ونجاحها، فإن الاهتمام بخدمة الآخرين، وتقدير الدور الاجتماعي للفنان كان وسيلة مغني الروك الشهير "بونو" في الحفاظ على صحته النفسية وتوازنه الشخصي بسبب انشغاله الدائم بمبادراته الرائدة للقضاء على الجوع والفقر، وتشاركه التجربة نفسها "غولدي هون" صاحبة مؤسسة دعم التعليم المبكر للأطفال

تقف تجربة ميريل ستريب فريدة تستحق الإعجاب، لأنها نجحت في تحقيق التقدم على كل المسارات بفضل استقرارها العائلي الذي كان له الفضل الأول في دعمها نفسياً ودفعها فنياً . وتتمتع ستريب بزواج مستقر مع "دون غومر" منذ عام 1978، ولها 4 أبناء (هنري، مامي، غريس، ويزا)، وتلقب "بالأسطورة الحية" فهي الممثلة الأكثر ترشحاً في تاريخ جوائز الأوسكار ب18 ترشيحاً، فازت بثلاثة منها، كما ترشحت ل 25 جائزة غولدن غلوب فازت بثمانية .

إعادة تأهيل

دونا دوكويل الطبيبة النفسية مؤلفة كتاب "علم نفس الشهرة" التي تعمل بهيئة التدريس المشارك في مدرسة ميتشغان لعلم النفس المهني تقدم عبر مدونتها على الانترنت عدة حالات من دون ذكر أسمائهم لمشاهير أشرفت على علاجهم، أو إعادة تأهيلهم في مصحات عالمية، وتقدم نصائحها فيما يتعلق بطرق السيطرة على النفس، وكيفية التعامل مع التغيرات النفسية والاجتماعية ما بعد الشهرة التي ربما تصيب البعض "بلوثة" خاصة إذا واتت الشهرة صغاراً بالسن (مثل ماكولاي كالكن، جاستن بيبر، ومايلي سايروس) . كتبت دوكويل في مدونتها "الشهرة تغير حياة أصحابها إلى الأبد خاصة إذا حدثت بين عشية وضحاها، لذا يلجأ البعض إلى تعاطي المخدرات التي تعبر عن مرحلة عدم الثقة، والعزلة، وانعدام الخصوصية، معتقدين أن الإفراط في تناول الكحول والمخدرات من شأنه إبقاؤهم على "فرط الحركة" التي يبحثون عنها" . 

أطلقت دوكويل على الفنانين المحاصرين بأضواء الشهرة ألقاباً مثل: "شخصيات الطين"، "حيوانات في أقفاص للعرض"، "ألعاب في نوافذ المتاجر" و"أشخاص يعيشون في أحواض الأسماك"، أو "دمى باربي"، وجميعهم يحتاجون إلى تأهيل يمكنهم من الحصول على الالتزام اللازم لمواكبة الشهرة التي تكون فقدان الخصوصية أول ضرائبها الباهظة . اقتبست دوكويل من كتابها "علم نفس الشهرة" عبارات كتبتها على المدونة أهمها "الحياة بها الكثير مما هو أهم من جمع الثروات، هناك قيم و أصالة يجب الدفاع عنها، الاهتمام بالأعمال الاجتماعية، استمرار التواصل مع الآخرين الناجحين كلها عوامل تساعد على تحقيق التوازن المفقود في عالم النجومية" .

الخليج الإماراتية في

14.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)