كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

فيليب سايمور هوفمان: الرحيل المبكر!

"النهار"/ هوفيك حبشيان

 

يتسنى للممثل طوال حياته ان يموت مرات عدة على الشاشة. وعندما يموت فعلاً، يصعب علينا تصديق موته. كأن الموت الحقيقي هو دوره الأضعف غير القادر على الاقناع. وكأنه يزيح عنه الطاقة الخارقة التي اعتقدناها أزلية، فيتساوى فجأة مع البشر العاديين. هكذا، وفي غفلة، اختار فيليب سايمور هوفمان أن يرحل بعد ظهر أمس بجرعة زائدة من الهيرويين (بحسب مصادر الشرطة الأميركية)، مخلفاً حالة من الصدمة عند الذين لا تزال ابتسامته اليائسة عالقة في ذهنهم، وخصوصاً انه لا يزال في ذروة مسيرته وعطائه وألقه. مضى وهو لم يكمل بعد السابعة والأربعين، عاملاً بنيصحة جون ديريك: "عش سريعاً، مت يافعاً، واترك جثّة جميلة".

سارق مَشاهد

هذا السليل لعائلة بورجوازية من نيويورك جسّد منذ انطلاقه في مطلع التسعينات أكثر من 63 دوراً في السينما، بعضها في أفلام جادة غمرتها الجوائز، وبعضها الآخر في أعمال ذات انتشار واسع عرّفته الى الجمهور العريض، ابرزها في السنوات الأخيرة سلسلة "هانغر غايمز". احتاج مشاركة بسيطة في "عطر امرأة" (1992)، ريميك فيلم دينو ريزي مع آل باتشينو، ليتأكد من رغبته في المضي في التمثيل، المهنة التي جاء اليها من حكاية عشق طفولية مع رفيقة له كانت تمثل. تعاونه المثمر مع بول توماس اندرسون ظلّ الأجمل والأقوى على مدار السنوات. تعاون امتد على 16 عاماً وتمخضت منه خمسة أفلام من أصل ستة أنجزها المخرج الأميركي. وقف هوفمان قبالة كاميرا اندرسون منذ فيلمه الأول "هارد ايت" عام 1996 في دور مقتضب: شخصيات تغرق وجودها الصعب في لذة المقامرة ضمن أجواء قاتمة غير اعتيادية. في فيلمه التالي عن كواليس صناعة البورنو، "ليالي البوغي"، ظلّ اندرسون يحاصر هوفمان في الأدوار الثانوية، لكن مع الفارق ان الممثل الأشقر بدأ يترك شيئاً خلفه كلما مرّ على الشاشة، مهما بلغت مدة اطلالته الزمنية. كان من القلة التي لا تحتاج الى عنصر الزمن داخل الفيلم كي يولد بينها وبين المتلقي احساس الألفة. فهو "سارق مَشاهد" وفق التعبير المتداول في وسط صناعة السينما.

لم تكن بداياته سهلة بشهادة أكثر المقرّبين اليه. تعذّب كثيراً ليفرض وجوده وموهبته وانتظر عقداً ونصف عقد من الزمن ليسطع نجمه ويرتفع اسمه الى اعلى الملصق الاعلاني، ولم يتخلَّ عن المسرح طوال هذه المدة، بل ظل يصقل موهبته ويقيم من خلاله رابطاً مباشراً مع الجمهور. فهوفمان لم يكن نموذج الممثل الذي يمكن توظيفه بسهولة في أدوار البطولة، نظراً لمظهره العادي الذي لا ينسجم مع فكرة الممثل التي عند المنتجين: سحنة بيضاء كالثلج، قامة متوسطة، كرش مندلق، هيئة توحي بأن الشخص الذي امامنا كادح ومتعب وأحياناً مثير للشفقة... صورة طبق الأصل عن الـ"جون" الذي لا يكون في المقدمة. كان هوفمان كلّ ما يذكّر بالأميركي المتوسط: الجار الذي بالكاد تلقي عليه السلام، الزميل الذي تحتسي معه القهوة خلال الاستراحة، الرجل الذي ترى صورته في زاوية الأحداث العرضية في الصحف الأميركية. هذا كله فرض عليه في حقبة معينة أن يبقى محصوراً في اطار الشخصية التي تقرّب المسافة بينها وبين المُشاهد.

سخرية وايقاع

هوليوود الحالمة صعب عليها دائماً ايجاد مكان لهؤلاء الذين كانوا يقرّبونها من الواقع، واقع المُشاهد وروتينه اليومي. لم يكن هوفمان لا ليوناردو دي كابريو ولا راين غوزلينغ اللذين يقوم جزء من مهامهما على اغواء المُشاهد بسلوكهما. هوفمان وقبله داستن هوفمان، استطاع كسر هذا النمط وتحويل الضعف الى مصدر قوة، فهتفت اليه القلوب ليس لأنه كان ممثلاً لا يُصنَّف على غرار لورنس اوليفييه وجان غابان، بل لأن خلف الحاجز الجسدي، روحاً كدنا نلمسها مرات ومرات. كان يُمكن هوفمان أن يوظّف ما لديه في خدمة الكوميديات، لكنه اختار الدرب الأصعب والأقل ضماناً للنجاح الجماهيري. حضور طاغٍ على المشهد، نبض، كاريزماتية لا حدود لها، سخرية تنتشل الموقف من عاديته، ايقاع خلاّق، كان هوفمان كل هذا معاً، يختزل المدارس ويحتكر الأدوار.

في "ليالي البوغي" (1997)، أسند اليه أندرسون شخصية قميئة منفّرة. انه المثلي الذي يقع في غرام مارك والبرغ. هنا، لم يكن من السهل ان نحبه ونتعاطف معه. شخصية عظّم أندرسون ملامحها وخطوطها في تحفته "ماغنوليا" (1999)، مانحاً هوفمان الكاراكتير الذي سيبقى يرافق بطلنا المضاد في حفنة من الأفلام، لعل أروعها "سعادة" لتود سولوندز. في هذا الفيلم الأخير، دخل هوفمان في جلد خاسر منبوذ متروك لهاجسه المرضي: شخص يمضي وقته في اجراء اتصالات لجارته، واسماعها كلاماً بذيئاً. الفيلم رفضه مهرجان ساندانس لتضمنه مقاربة "غير لائقة" للجنس، لكن شقّ طريقه الى قلوب السينيفيليين قبل أن يتحول الى احد كلاسيكيات السينما الأميركية المستقلة الرافضة لأيّ شكل من أشكال المساومة. مهما تكن خسيسة الشخصية التي حملها من الحبر الى الشاشة، كان يمنحها دائماً نصيبها من الاحترام، رافعاً من شأنها في نظر المشاهد. مجموع ادواره مرآة قد يرى المرء فيها نفسه.

ورقة بيضاء

كان ينبغي انتظار "كابوتي" لبينيت ميللر (2005) كي تنفجر موهبة هوفمان: "قاتل" هو اداؤه شخصية الكاتب الأميركي ترومان كابوتي (1924 ــ 1984). انه فيلم قيامته. تحرر شجاع من لعنة الأدوار الثانوية وسينما الهامش. مرور عسير من الظلّ الى الضوء. لا "أوسكار" ولا عشرة استطاعت ان تردّ الاعتبار الى الممثل الاشقر اللذيذ، ولا كلمة استطاعت الكشف عن تقنياته. لا يجسد هوفمان شخصية كابوتي، انما الشخصية هي التي تجسده. أرواحها تطارده باستمرار، تمسك بمفاصله الحيوية، تتغلغل في احشائه، فيرحل معها عبر الزمان والمكان، ويتماهى مع احلامها ويتوحد مع هواجسها.

ترك هوفمان الانطباع بأنه على يقين باضطرابات كابوتي وقلقه الوجودي كونه اختبرهما ايضاً. في هذا الفيلم، يربح هوفمان الرهان: جعلنا نعتقد اننا نعرف الشخصية على الرغم من اننا نجهلها. فهو في هذا الفيلم يمزج وجوه الماضي بوجوه الحاضر، ليصل الى ابتكار شخصية لا وجه لها، كورقة بيضاء حيث في إمكان المخرج ان يكتب عليها ما يشاء. فعندما ينظر اليك، لا تعرف بماذا يفكر. هناك صعوبة في تحديد هدفه ورصد ما في عقله. ثمة صعوبة كبيرة للتسلل الى عقل هذا الممثل الذي عزف دوماً على أوتار الالتباس. هنا أهميته. هذا الشيء أدركه معظم السينمائيين الذين أداروه، من بول توماس أندرسون في "ماغنوليا" الى جون باتريك شانلي في "شكّ".

من أجل اعطاء شخصية كابوتي لمسة واقعية، غيّر هوفمان نبرة صوته. وجعل من الكاتب شخصية خجولة صادقة وانانية في آن واحد. جرّد الممثل نفسه من كلّ ما قد يذكّرنا بكاراكتير المحبط او العاطفي. تموضع على مسافة ملائمة من الشخصية، وعرف كيف يقاربها، لينسى المُشاهد الفوارق في الصوت والقامة وحجم الجسد بينه وبين كابوتي الحقيقي. أدرك كيف يتعامل مع عنجهيته. ووضع تلك الآفة ـــ الفضيلة في خدمة الدور، بعدما اكتشف ان العورات كثيراً ما تسمح للشخصية بالاقتراب الى المُشاهد لتصبح محبوبة. لم يقع في التجاوزات والمبالغات. اتبع منطق الاتزان واستمع الى صوت العقل والاحساس. اسلوبه في البقاء على مسافة بعيدة من المُشاهد، وعلى رغم ذلك الاستحواذ على اعجابه، يُعتبر درساً في مجال الفنّ الدراماتيكي ويجعل "الأوسكار" التي نالها عن دوره هنا امراً لا مفر منه. "أوسكار" كان يستحقها أيضاً عن أدوار له في أفلام أخرى: "مستر ريبلي الموهوب" لأنطوني مينغيللا (1999)، "شبه مشهور" لكاميرون كرو (2000)، "سينيكدكوك، نيويورك" لتشارلي كوفمان (2008)...

دونية وذل

في "قبل ان يعلم الشيطان انك متّ" (2007)، دراما على الطريقة الشكسبيرية يحوّلها سيدني لوميت الى تنويعة عصرية لأسطورة قايين وهابيل، نتعرف الى شقيقين خاسرين على أكثر من مستوى: احوال عائلية تعرج، بطالة أو مهنة لا تؤمّن مدخولاً يتيح حياة كريمة... كل تلك التفاهات التي تصنع حياة الناس في زمن الاستهلاك المادي وتراجع القيم الأخلاقية. لكن البعض مستعد أن يقتل من أجل هذه الراحة الوهمية. يتجلى ذكاء هوفمان الحاد، مرة أخرى، في توليه دور كبير الشقيقين الخاسرين. لم يكن في حاجة الى هذا الدور ليثبت انه من سلالة النادرين، الا ان ما يفرزه هنا من ايروسية مقترنة بشعور مستمر بالدونية والذل والاحباط، يدعك تؤمن بفرضية ان كلّ هذا الأداء الذي يكاد يخنقنا هو من صنيع الممثل أيضاً، وليس فقط من اختراع الشخصية التي يلبسها. هذا ما يبرر طبعاً خيار لوميت له. لكن سطوته هذه تنعكس سلباً على حضور ايتان هوك، شريكه في التمثيل، خصوصاً عندما يبقى وحيداً في الكادر فنراه في حيرة من أمره.

كطلقة رصاص

عام 2010، فاجأنا هوفمان بطموحه الاخراجي. فكان "جاك يركب القارب". جاءنا من حيث لم نتوقعه. خلناه ممثلاً عظيماً بات خاضعاً لسلطة الاستوديوات والـ"مايجرز"، بعد سلسلة أعمال تمشي مع واقع السوق. لكن فيلمه الأول أعاد ترتيبه في المكان الصحّ، حيث ينبغي له أن يكون. مع هذا الفيلم غيّر جلده لكنه بقي مخلصاً لنفسه وللحيز الذي لطالما بلور فيه الشخصيات التي جسّدها تجسيداً أنيقاً ومتقناً، مع الاتيان بنفَس كوميدي يزيل عن بالنا للحظة الأدوار الصلبة والمأسوية التي اضطلع بها في "ترومان كابوتي" و"قبل أن يعرف الشيطان انك متّ".
يوميات سائق تاكسي يعبرها الروتين من اقصاها الى اقصاها، فيحاول أن يلطف وجوده من خلال زيارات متكررة يقوم بها الى صديقه وزوجته الى أن يلتقي كوني، فتاة غريبة الأطوار، خجولة، ورعناء بعض الشيء. آنذاك قلنا في سرّنا: ماذا جرى لهذا الممثل ليمتلك فجأة رغبة اختزال كل ما صنع أهميته طوال العقد الماضي وجمعه في كاراكتير الرجل الخاسر (الـ"لوزر" الأبدي). هذا ما كتبته عن الفيلم بعد مشاهدته: "(انه) جميل كبداية قصة غرام، سريع المفعول كطلقة رصاص، صريح مثل القبلة، وحاسم كالانتحار". هوية الفيلم تائهة بين مظهر يوحي بأن ما سنراه عادي جداً، وذكاء ضمني يتفجر بعد حين. تماماً مثل الشخصية التي جرّها هوفمان خلفه من فيلم الى آخر.

في السنوات الأخيرة، كان أطلّ علينا بدورين كبيرين: "شكّ" لجون باتريك شانلي (2008) حيث وقف أمام ميريل ستريب مجسّداً دور راهب بيدوفيلي. ثم، "المعلم" (2012)، آخر تعاون له مع أندرسون، حكاية رجل اسمه لانكستر دود (شخصية من وحي مخترع كنيسة السيانتولوجيا) يمنح نفسه في خمسينات القرن الماضي في أميركا، صفة الطبيب والكاتب والعالم. فتتيح له نظرياته الفيزيائية اعطاء معنى آخر للوجود. عن دوره هذا نال جائزة التمثيل في البندقية مناصفةً مع زميله يواكين فينيكس.

لن نرى هوفمان عجوزاً يحلّ ضيفاً على أفلام تجارية لا تليق بماضيه. لن يكون براندو ثانياً قابعاً في عذابات الحياة والجسد المريض. لقد استعجل كثيراً في الرحيل، ليس قبل أن يعلم الشيطان انه حيّ بل بالتنسيق معه.

الشرق الأوسط في

03.03.2014

 
 

السرد المتـأني والأسئلة الخطيرة

"الرجال الكبار".. عن استخراج النفط في أفريقيا وويلاته

قيس قاسم 

تُسبق المخرجة راشيل بوينتون انجلاء اللقطة الأولى في المشهد الأول من فيلمها الوثائقي "رجال كبار" بأصوات أزيز أجنحة نحل، تجمع حول مفصل لأنبوب معدني لنقل النفط الخام النيجيري، تولد عند سامعها شعوراً بالانزعاج، الذي يشبه الى حد كبير الانزعاج والتوتر السائدين بين الناس المجتمعين حوله والمتخاصمين حول أحقية كل منهم بالنفط المار عبره.

صورة مركبة تعبر عن مضمون العبارة التي صاحبت مقدمة الفيلم والمنسوبة لأحد الاقتصاديين الغربيين: "حيثما ظهر النفط  في أفريقيا ازدادت المشاكل ونشب الصراع حوله بين الأخوة". لا يتقيّد الوثائقي بحدود المقولة التي تحيل في ظاهرها أسباب الصراع، بالأساس، الى وجود النفط والمتحاربين من الأخوة حول مردوداته، بل يُعنى أكثر في مضمونها الواسع الذي يُشرك ضمناً أطرافاً كثيرة تدخل في عملية استخراج النفط  والصراع حوله من بينها الشركات الأجنبية العملاقة المُوَزعة مهماتها بين التنقيب والاستخراج والتصدير، أي تلك التي بأيديها كل تفاصيل عملية صناعة "الذهب الأسود" وعلي أصحابها الأثرياء يتوقف مستقبل البلدان الأفريقية التي أولت، بحكم حاجتها، مهمة الإشراف على انتاج نفطها اليهم، كما في نيجيريا وغانا اللتين أخذتهما المخرجة بوينتون كعَيِّنَتين واقعيتين: الأولى دخلت في آلية الدمار المنظم منذ اكتشاف النفط فيها قبل نصف قرن، والثانية كما توحي التفاصيل المتـأنية التي رصدتها في وثائقيها المهم، في طريقها الى ذات المصير.

تُظفَر حكاية "الرجال الكبار" من ثلاث خصلات: غينيا، نيجيريا، وصاحب شركة (كوزموس أنرجي) لإستخراج النفط جيم موسيلمان، الذي ستضفي قصته مع اكتشاف النفط قبالة السواحل الغانية، الى اتساع مدهش للمتن السردي المسيطر عليه بإنضباط والتزام  صارمين باللعب داخل اطاره حتى لا تفرط  الحكاية ويضيع الوثائقي في متاهات. ثلاثة أطراف ستعطي صورة عن الجشع والمؤامرات والحروب التي يسببها ظهور النفط في القارة الأفريقية. تتداخل فيما بينها وتحتفظ في سياق السرد على وحدتها الداخلية التي ستجعل من العمل واحداً من أهم الأعمال التسجيلية التي عرضت مؤخراً. صورة جيم موسيلمان الأولية تُقدم لنا كمستثمر تكساسي عصامي، بارع، مجازف أقنع لصغر حجم شركته، شركتين عملاقتين هما: (بلاك ستون) و(ووربورغ بنكوس) للمساهمة في مشروعه للتنقيب عن النفط في غانا. رحلته مع المشروع الطموح سنتابع تفاصيلها بما يمنحنا فرصة التعرف على كل الأطراف المشاركة فيها بخاصة والتسجيلي يتمتع بقدر كبير من الموضوعية والواقعية فالشغل هنا لا يعتمد على موضوع نظري بقدر ما يعتمد على التجربة الشخصية المنقولة على الشاشة

خلال زياراته المكوكية بين غانا والولايات المتحدة الأمريكية، ينسج صاحب الشركة مجموعة علاقات مع قادة البلاد ما يُسهل عليه مهمته في الحصول على أول عقد لإستثمار حقول النفط في منطقة جوبلي، بإحتمالات ربح لا تقل عن بضعة مليارات الدولارات حالما يبدأ تسويق أولى منتجاته كما كان مخططاً لها في بداية عام 2010. لقد عومل موسيلمان حينها في غانا كرجل أسطورة يعَوَّل عليه الجميع في نقل البلاد من حالة الفقر الى الغنى، حلم أفسدته المخرجة راشيل بوينتون في سؤالها المستفز له: "هل هناك من احتمال أن تتحول غانا الى نيجيريا جديدة؟". 
لمعرفة ماذا حدث في نيجيريا يذهب الوثائقي الى "دلتا النيجر" حيث الفوضى تعم هناك وحرائق آبار النفط تظل مشتعلة طيلة الوقت بسبب العمليات التي تقوم بها مجاميع مسلحة تشعر بأنها محرومة هي والمناطق التي تعيش فيها من نعمة النفط الذي تسيطر عليه عوائل محددة وتنعم لوحدها بخيراته في حين هم يعيشون في فقر متقع يدفعهم للقيام بعمليات انتقامية فيحرقون الآبار النفطية ويسروقون النفط الخام من الأنابيب المارة عبر أراضيهم. الفساد علامة بارزة في النظام والثراء الفاحش مدلولاته واضحة على أبناء السلطة المحمية بقوة شركات انتاج النفط العالمية، لتأثير أسعار خاماته على أسواق المال في أمريكا والعالم كله. في زيارته لمواقع الحركات المسلحة يقدم الوثائقي فصلاً مهماً من فصول "الرجال الكبار" لأنه وفي هذا المكان بالتحديد سيجري شرح معنى عنوان الفيلم:"الرجال الكبار" كصفة تطلق على كل الرجال الأغنياء والجميع في البلد النفطي يريدون أن يصبحوا أغنياءًا، أي كباراً فيزيحون لتحقيق هذا الحلم الكثير من الموانع الأخلاقية والتي ستظهر بين المسلحين أنفسهم فبعضهم وبتحريض من شركات نفط عملاقة يقومون بإحراق منابع النفط وممراته مقابل المال في حين تحظى الشركات الأجنبية، الدافعة لهم، بعقود ضخمة من أجل "تنقية" المناطق المحروقة وتنظيفها من آثار التلوث والدمار البيئي. فهل ستعم الفوضى غانا بعد النفط؟ سيُترك هذا السؤال للتاريخ، لكن الوثائقي يحرص على متابعة الخط التسلسلي للأحداث التاريخية التي كثيرا ما تتشابه في رحلة اكتشاف النفط في أفريقيا من بينها: أن الجميع يريد الحصول على الحصة الأكبر من الكعكة، والمؤمرات تبدأ حالما  تطأ الشركات الأجنبية أقدامها الأراضي التي يراد البحث فيها عن "الذهب الأسود". لقد سارعت الدولة، التي توسلت مجيء شركة (كوزموس أنرجي) أول الأمر، الى المطالبة بحصة وطنية أكبر من النفط المستخرج، في حين سمحت العقود الأولية التي وقعتها حكومتها مع الأطراف المستثمرة باستحواذهم على القسم الأعظم من مردودات بيع النفط،  ما سينشأ خلافاً حاداً وصل الى درجة اتهام الدولة شركة موسيلمان بالتلاعب وتقديم الرشاوى لموظفين غانيين سهلوا لهم توقيع العقود بشروطهم. الطرف الثالث في نيويورك متمثلاً في أصحاب الحصص الكبيرة في الشركة سيستعجلون انسحابهم من المشروع للحفاظ على سمعتهم والحفاظ على مستوى أسعار البورصة المالية في أمريكا فيقرروا طرد موسيلمان من وظيفته

كل ذلك جرى في أجواء تآمرية رصدتها كاميرا بوينتون بهدوء وتأني مستفز. فبقدر ما كانت الأحداث تتصاعد كانت المخرجة تلجأ الى التروي وعدم الانسياق وراءها ركضاً مفضلة عليها طرح الأسئلة والاستماع الى أجوبتها من الأطراف المتشابكة في عملية التناحر الاقتصادي الجشع، مع حرصها على الاستمرار في تسجيل التطورات التي جرت في غانا منذ وصول شركات التنقيب والحفر حتى استخراج النفط عام 2011، وما رافقها من تقلبات على كل المستويات لتجمع عبرها تفاصيل صورة تاريخية تشير احتمالاً، الى وجود قابلية عند البلد وقادته لتكرار التجربة النيجيرية، فقادتها التزموا نفس الخطاب الرنان الذي سبقهم اليه النيجيرين، والوقائع تشير الى فسادهم واشتراكهم في عملية توزيع الحصص التي تديرها الشركات الأجنبية وتشمل بها معظم المؤسسات الحكومية وموظفيها، وخير دليل على انتشار الفساد والجشع أنه وبعد كل الصراع مع شركة "كوزموس أنرجي" والتي ظهر أن جزءًا من التهم قد رُتبت زوراً من أجل اجبارها على بيع حصتها ولكن وبعد انسحاب المموليين الكبار منها، اضطرت للتعاقد معها ثانية بذات الشروط تقريبا من أجل ضمان استخراج النفط وحصول المتنفذين في سلطتها على منافعه لحسابهم الخاص، في حين ظلوا في العلن يرددون كلاماً عاماً عن مصلحة الوطن والمواطن وتَنعمه بخيراته الطبيعية، كما يحدث في نيجيريا تماماً! أما موسيلمان فعاد الى البورصة وأنشأ شركة جديدة ربما ستذهب للتنقيب عن النفط في مناطق أخرى من أفريقيا لتعيد تجربة غانا ونيجيريا ثانية، فدورة ويلات النفط في القارة المنكوبة لن تنتهي ما دام الفساد سائداً ورغبة شركات النفط الأجنبية في الحصول على عقود جديدة جامحة لا حد لها. أما شعوب تلك القارة ومصيرها فآخر اهتمامتهم.

الجزيرة الوثائقية في

03.03.2014

 
 

قال لـ'المغربية': لا يجب أن نعطي للنقاش طابعا سياسيا بل علينا أن نتنافس فنيا

محمد رزقي: أساس نجاح أي مشروع سينمائي أو تلفزيوني هو الجودة

خالد لمنوري | المغربية 

في إطار النقاش المتعلق بـ "النهوض بالإنتاج السمعي البصري الوطني"، والاستعدادات للمناظرة الوطنية حول السمعي البصري، يرى المنتج المغربي محمد رزقي أنه إذا أردنا تطوير الإنتاج الدرامي المغربي، ينبغي أن نأخذ بالاعتبار كل التطورات التي حصلت في مجال الصناعة التلفزيونية.

اعتبر رزقي أن ذلك سيمكن من توفير الأرضية المطمئنة لأصحاب رؤوس الأموال، من الخواص، لكي يستثمروا أموالهم في مشاريع فنية، تعود عليهم بالربح، وبذلك نضمن دوران عجلة الإنتاج. 
وأوضح مدير "إماج فاكتوري" للإنتاج الفني، محمد رزقي، في تصريح لـ"المغربية" أن القاعدة الأساسية للنهوض بالمجال الفني، هي تأسيس شركات حقيقية، بعيدا عن التفكير العاجز والقائم على انتظار الدعم والمساعدة الدائمة من الدولة.

وأشار إلى أن هذا سيظل رهينا بتحرير المجال السمعي البصري، من خلال إطلاق قنوات خاصة، تساهم في توسيع السوق، آنذاك سينكشف، حسب رزقي، من كان يختبئ وراء شعار شفافية المنافسة، فإما أن يؤكد نجاحه ويبرز قدرته وإمكانياته على تحقيق فرص العمل أو أنه سيزيح نفسه من السوق.

وأكد رزقي أنه في ظل محدودية السوق، "من الطبيعي أن الذين لم يستفيدوا من طلبات عروض القطب العمومي سيشككون ويتبرمون من النتائج المعلن عنها، وهذا من حقهم، لكن لا يجب أن نعطي للنقاش طابعا سياسيا، بل علينا أن نتنافس فنيا وبما يترجم هذا التزاحم على مستوى الاستثمار وعلى مستوى الموارد البشرية وفي المجال التقني، ونحن نعمل في هذا الاتجاه باعتماد التقنيات الجديدة والتكنولوجيا عالية الجودة في مجال التصوير والإنارة والمونطاج، وتدريب وتأهيل أطقم الشركة على كل مستجد في الميدان".

وبالعودة إلى ما راكمته "إماج فاكتوري" من تجربة، يقول رزقي "ليس من الصعب على المتتبعين اكتشاف أن توقيعات البرامج والأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية التي أنتجتها الشركة في الآونة الأخيرة، تحمل أسماء مخرجين شباب، وضعنا فيهم كل الثقة ومقابل ذلك أعطوا كلما عندهم من طاقة وإبداع"، مذكرا بسلسلة أفلام "ساعة في الجحيم" وبالعديد من البرامج التلفزيونية، التي حققت نسبا عالية من المشاهدة على القناتين الأولى أو الثانية.

وعلى المستوى السينمائي، أبرز رزقي أن "إماج فاكتوري" استثمرت في "الطريق إلى كابول" دون الاعتماد على دعم المركز السينمائي المغربي.

وأشار إلى أن الشركة لا تحتاج التأكيد على نجاح الفيلم وتجاوزه لحوالي 350 ألف متفرج، واستمرار عرضه بالقاعات السينمائية للسنة الثالثة على التوالي، دون الحديث عن توزيعه في كندا، حيث حقق نجاحا مهما، كما سيوزع قريبا في إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية".

وكل هذه العوامل ساهمت، حسب رزقي، في استقطاب منتجين خليجيين وأوروبيين لإنتاج الجزء الثاني من الفيلم، وبذلك استطاعت "إماج فاكتوري"، المستفيد الأول من توفر أعمالها على شروط الجودة، ومن رضا الجمهور الذي استمتع بها، وبالتالي فقصة نجاح أي مشروع فني سينمائيا كان أو تلفزيونيا، يقول رزقي "هو الجودة أولا وثانيا وثالثا، ولا أظن أن المعلنين سيثقون في برامج رديئة، التي علينا أن نواجهها بكل ما أوتينا من طاقة إبداعية ومن استثمار مالي، حتى ولو كان أحيانا يجلب لنا الخسارة، لكنه ربح في المستقبل، وكسب دائم لثقة الجمهور والمعلن والموزع والتلفزيون".

وبخصوص البرامج الجديدة التي تستعد "إماج فاكتوري" تقديمها للمشاهد المغربي هذه السنة مسلسل "دار الضمانة"، الذي تأخذنا أحداثه إلى مغرب القرن الثامن عشر، من خلال تاجر مكناسي معروف بزوجاته الأربع وثرائه الواسع وكثرة تنقلاته وأسفاره نحو المشرق وأوروبا.

في غياب التاجر الذي يجسد شخصيته الممثل المغربي محمد مفتاح، تنشأ داخل القصر تحالفات بين الزوجات اللواتي لا يهدأن من نسج المؤامرات، للانفراد بالتجار خلال عودته من سفرياته، ما يتسبب في صدامات تناولها المخرج علي المجبود بطريقة درامية كوميدية لا تخلو من لوحات غنائية تمتح من فن الملحون، الذي اشتهرت به مدينة مكناس في تلك الفترة. ويجسد الأدوار الرئيسية للمسلسل محمد مفتاح، وفاطمة الزهراء العروسي، وربيع القاطي، ومحسن مالزي، وزينب السماكي، وفيصل عزيزي، وآخرون.

وبالإضافة إلى المسلسل التراثي "دار الضمانة"، تقدم "إماج فاكتوري" أفلاما تلفزيونية لمخرجين رواد وشباب، من أبرزها فيلم "ديباناج"، وهو أول عمل تلفزيوني كوميدي للمخرجين المغربيين الواعدين علاء وأيوب خريجي مدرسة السينما بمراكش، وفيلم "حالة شرود" HORS JEU للمخرج المغربي المقيم في فرنسا شوقي العوفير.

كما تستمر القناة الأولى في بث سلسلة أفلام "ساعة في الجحيم" في موسم 2014، لما حققته من نجاح حسب أرقام نسبة المشاهدة التي تصدرها مؤسسة "ماروك ميتري" بصفة منتظمة، وما قدمته للساحة الفنية المغربية من مخرجين وممثلين موهوبين.

الصحراء المغربية في

03.03.2014

 
 

لماذا يُسنِد المبدع عمله إلى غيره؟ 

كتب الخبرهند موسى 

انتشرت أخيراً ظاهرة لافتة في العمل السينمائي، وهي اتجاه مخرجين إلى تأليف قصص وإسناد إخراجها إلى آخرين، أو تقديم أعمال كتبها مخرجون آخرون، ما يثير تساؤلات حول كيفية تعامل المخرج والمؤلف مع إبداع غيره؟ لماذا يوافق عليه؟ كيف يمكن الوصول إلى الشكل المطلوب؟ ومتى يشعر المخرج الذي يقدم قصة غيره أن هذه النتيجة هي المرغوب في بلوغها بالضبط؟

رغم امتلاك كثر موهبتي التأليف والإخراج إلا أن بعضهم يتنازل عن إحدى المهمتين لغيره، وقد يكتفي المؤلف بكتابة القصة ويطلب من آخر وضع السيناريو والحوار.

أحدث الأمثلة على هذه الظاهرة إسناد المؤلف والمخرج محمد دياب مهمة إخراج فيلم «ديكور» الذي كتب قصته، إلى المخرج أحمد عبدالله، الذي اعتاد إخراج أعمال من تأليف دياب. كذلك الحال بالنسبة إلى عمرو سلامة الذي يقدم أعمالاً من تأليفه وإخراجه آخرها «لامؤاخذة»، باستثناء فيلم «مصور قتيل» الذي أوكل إخراجه إلى كريم العدل.

أيضاً حازم متولي الذي كتب سيناريو فيلم «بعد الطوفان» وأخرجه، اكتفى بكتابة قصة «جرسونيرة»، مسنداً الإخراج إلى المخرج هاني جرجس فوزي، والمؤلف والمخرج بيتر ميمي الذي كتب قصة «سعيد كلاكيت»، طلب من محمد علام كتابة السيناريو الخاص به.

تشابه في التفكير

يعزو المؤلف والمخرج محمد دياب موافقته على التعاون الأول مع أحمد عبدالله إلى علاقة الصداقة القوية التي تربطهما، وثقته الزائدة به التي قد تجعله يقدم أعماله كافة معه، إلى جانب تشابه أسلوبهما في التفكير، ما ساعدهما على اختيار فريق العمل الذي حدده عبدالله من الأساس، ووافق عليه دياب، وفي مقدمه: خالد أبو النجا، ماجد الكدواني، وحورية فرغلي.

يضيف أنه عقد ورشة عمل مع شقيقته شيرين دياب التي شاركته كتابة القصة والسيناريو والحوار للفيلم، لافتاً إلى أن الكتابة لا ديمقراطية فيها، إذا اختلف أفرادها فلن يتوصلوا إلى حل وسط؛ خصوصاً أنه لا يمكن إقناع أي شخص بتغيير ذوقه، لكن كونهما شقيقين من الأساس شجعهما ذلك على الاتفاق، فكتبا فيلم {الجزيرة} بمشاركة شقيقهما الثالث خالد دياب.

بدوره يعزو أحمد عبدالله موافقته على إخراج فيلم ليس من قصته إلى رغبته في التغيير والاختلاف في شكل الإنتاج والإبداع المعتاد واتباع اتجاه جديد لم يسلكه سابقاً، وقراءة عالم لا يعرفه، أو لم يذهب إليه تفكيره كي يبتعد عن نمط آخر أفلامه، ولا يحدث تطابق بين تجاربه السينمائية.

يضيف: {الفرق واضح، على سبيل المثال، بين فيلمي {ميكروفون} و{فرش وغطا}، فالأول يعتمد على حوالى 46 شخصية، في حين يعتمد الثاني على عدد محدود من الشخصيات، وربما يقتصر على بطل واحد، والتقليل من الحوار فيه}، لذا فضل أن تكون التجربة التالية مختلفة، من خلال العمل على قصة ليست من تأليفه.

يوضح أنه كثيراً ما كان يغير في شكل أحد مشاهد أفلامه، فيقوم بذلك من دون أدنى مشكلة لأنه المؤلف والمخرج في آن، ويمكنه التغيير والإعادة حسبما يخدم الفكرة، ولكن في حالة {ديكور} فأمامه سيناريو مكتوب، وعليه العمل وفقاً له وليس بحذافيره للتوصل إلى شكل يُرضي باقي المبدعين، لا سيما أن المؤلفين شيرين ودياب يحاولان، من خلال هذه النقاشات، التوصل إلى أرضية مشتركة.

وينفي عبدالله حدوث مشاكل أو خلافات بسبب كثرة المؤلفين لأنه يحترم كتابات محمد دياب المختلفة تماماً عن كتاباته، وهذا أكثر ما أعجبه، وحمّسه على قبول التعاون معه، للتقريب بين نوعين فنيين، لذا سيكون {ديكور} وسطاً بين عوالم عبدالله وعوالم دياب.

رؤية متميزة

يوضح المؤلف والمخرج حازم متولي أن علاقة الصداقة التي تربطه بالمخرج هاني جرجس فوزي دفعته إلى أن يقترح عليه إخراج {جرسونيرة}، لامتلاكه رؤية متميزة، وهي ما تحتاج إليه القصة؛ إذ تتمحور حول ثلاث شخصيات، وفي موقع واحد، مشيراً إلى أن جرجس تعامل مع القصة بحرص وجدية، ما أشعره بطمأنينة.

بدوره يرغب المخرج عمرو سلامة في تقديم أفلام يكتبها مؤلفون آخرون؛ ذلك أن تجاربه الإخراجية الثلاث السابقة هي لقصص من تأليفه، فكونه مؤلف العمل ومخرجه يساعده على عرض وجهة نظره بشكل مطلوب، وحتى لو عمل على نص ليس من كتابته فسيتخيله قبل تصويره ليقترب من هذا التخيل.

يضيف أنه سبق أن أرسل نص فيلم {مصور قتيل} من تأليفه إلى المخرج كريم العدل ليتولى مهمة إخراجه، لأن الظروف لم تسمح له بإخراجه؛ إذ اعتاد كتابة ثلاثة أعمال في العام، وإخراج عمل كل عامين، لذا صعب عليه إخراج فيلم جديد في وقت كان يصوّر فيه {أسماء}.

يؤكد ثقته بقدرات العدل، لا سيما أن التعاون السابق بينهما حفزه على اختيار العدل لإخراج قصة من كتابته؛ إذ سبق أن أخذ أحد السيناريوهات التي كتبها وقدمها في مشروع تخرجه على شكل فيلم قصير.

أما المؤلف والمخرج بيتر ميمي فأسند مهمة كتابة السيناريو والحوار الخاص بقصة {سعيد كلاكيت} التي كتبها إلى السيناريست محمد علام؛ وشاركا سوياً في ذلك بعدما فهم علام طبيعة الأجواء التي تدور حولها دراما العمل، وتأكد ميمي أن ثمة نقاطاً تجمعه بعلام تساعدهما على تقديم الفيلم بشكل لائق.

يضيف أن هذه التجربة هي الثانية له في التأليف والإخراج بعدما كتب وأخرج فيلم {سبوبة} (عرض العام الماضي)، مؤكداً أنه لا يمانع إخراج قصص لمؤلفين آخرين، تاركاً الأمر للظروف، وإذا عُرضت عليه قصة جيدة فسيقبل بإخراجها من دون تردد، وقد يكرر تجربة {سعيد كلاكيت} مع سيناريست آخر حينما تخطر بباله فكرة فيلم.

يستمر داود عبد السيد في مسيرته كمؤلف ومخرج لأعماله؛ ويعكف على إخراج فيلم {قدرات غير عادية} الذي كتب قصته، مؤكداً أن اتباع هذا الأسلوب يساعد المخرج في تقديم القصة كما تخيلها عند الكتابة، واستخدام الأدوات الفنية كافة وتوجيه الفنانين لخدمتها.

يضيف أنه طوال مشواره السينمائي، أخرج فيلماً واحداً من كتابه مؤلف غيره هو {أرض الأحلام} لهاني فوزي، وثمة أفلام أخرى لم يكتب السيناريو والحوار لها، لكنها ولدت على يديه، وأتمّ ولادتها بتقديمها على الشاشة، أما بقية الأفلام فهي من تأليفه وإخراجه.

الجريدة الكويتية في

03.03.2014

 
 

تفضل البطولة الجماعية وتبحث عن السيناريو الجيد

أروى جودة: أحلم بعمل استعراضي.. وجائزة «أبوظبي السينمائي» أسعدتني

محمد قناوي (القاهرة) 

كتبت أروى جودة شهادة ميلادها الفنية أمام نبيلة عبيد من خلال فيلم «مفيش غير كده» قبل سنوات، ثم انطلقت من عمل لآخر تؤكد موهبتها سينمائياً وتليفزيونياً حتى وصلت إلى مشاركة أحمد السقا بطولة الجزء الثاني من فيلم «الجزيرة»، الأمر الذي أسعدها كثيراً، خاصة أنها تبحث دوماً عن أدوار مميزة تضيف إلى رصيدها الفني، وتلقى الرضا من الجمهور الذي يحرص على متابعتها. قول أروى جودة: وقعت منذ أيام قليلة عقد مشاركتي في بطولة الجزء الثاني من فيلم «الجزيرة» مع شركة أفلام مخرج الفيلم شريف عرفة، وسعيدة بالمشاركة تحت قيادة المخرج شريف عرفة وبالوقوف مع أحمد السقا، بعد مشاركتي إياه في مسلسل «خطوط حمراء»، وأتمنى أن تكون تجربتي مميزة مع هند صبري وخالد صالح المشاركين في بطولة الفيلم.

جائزة «أبوظبي السينمائي»

وقالت أروى: قدمت مشهداً واحداً أمام السقا في فيلم «على جنب يا أسطى»، وظلت علاقتي به بعيدة عن الصداقة، وبعد عملي معه أرى أنه مرح ويحرص على أن يكون كل من حوله على مستوى جيد في الأداء، ولا يبخل بالمعلومة أو بالمساعدة حتى لو لم يطلب أحد منه ذلك.

وعبرت عن سعادتها بفوز فيلمها «فيللا 69» بجائزة أفضل فيلم عربي في الدورة السابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي، التي اختتمت نهاية أكتوبر العام الماضي، موضحة أن ردود الأفعال حول الفيلم كانت رائعة. وقالت: أنا سعيدة بالجائزة وبعرضه في هذا المهرجان الضخم، لأن ذلك اعتراف رسمي بأن الفيلم على مستوى فني جيد، وهذا بالتأكيد يسعد جميع المشاركين في العمل.

وأضافت: أجسد في الفيلم شخصية فتاة تحب بصدق، ومنذ البداية جذبتني قصة الفيلم، خاصة أنني أفضل تقديم الأدوار الصعبة، التي تحتاج لجهد وتفكير، وقد سبق أن قدمت أدواراً لا تحتاج لمجهود، لكنها لم تنل رضا الجمهور، الذي طالبني بتقديم أدوار صعبة، وفي «فيللا 69» كان التحدي بالنسبة لي أنني للمرة الأولى أقدم فيلماً مستقلاً، والعمل به تفاصيل كثيرة، وبذلت فيه مجهوداً كبيراً.

السيناريو الجيد

وأوضحت أروى: أعرف المخرجة آيتن أمين منذ كانت مساعدة مخرج في فيلم «زي النهارده»، وكنت أريد العمل معها، لأنني معجبة بطريقة تفكيرها، فأنا أحب دائماً تقديم أعمال مختلفة وغير متوقعة. وأضافت: أهم ما أبحث عنه هو السيناريو الجيد والورق المتميز والدور الجديد ولديّ عطش دائم للعمل مع الكبار، حتى أتعلم سواء كان الكبير ممثلاً أو كاتباً أو مخرجاً، والحكاية ليست بالسن ولكن بالموهبة والوعي والحضور، ففي السينما مثلاً قدمت تجربة مع عمرو سلامة في فيلم «زي النهارده» وكان في بداية مشواره وهذا الفيلم من أحلى تجاربي، فأنا أتحمس للفكر الجديد والوعي والرؤية وأراهن على الجودة والحماس لتقديم فن يبقى ويؤثر في الناس.

وحول رضاها عن خطواتها السينمائية، قالت: لا أستطيع تقييم خطواتي السينمائية وهل هي صحيحة أم خاطئة، لأنني لا أخطط لنفسي ولا أسير بنظام معين وفي نفس الوقت لا أحب أن أكرر دوراً مرتين، وأحياناً ألجأ لرأي أبي وأمي أو أستعين بآراء أصدقائي، كما أستشير في بعض الأحيان بعض العاملين في الوسط الفني.

بين السينما والتليفزيون

وعن تفضيلها السينما أو التليفزيون، قالت: أهتم بالقصة الجيدة والورق المتميز والسيناريو الجديد والمختلف بصرف النظر عن حسابات الصورة والوسيلة، فقد قدمت أعمالاً تليفزيونية أوصلتني إلى جمهور كبير ومسلسل مثل «المواطن إكس»، الذي حقق لي نجاحاً كبيراً لم أتوقعه، ولي في السينما أعمال أحبها وأعتز بها مثل «زي النهارده» مع بسمة وأحمد الفيشاوي و«الوتر» مع غادة عادل ومصطفى شعبان، ولا أؤمن بأن التليفزيون يحرق نجم السينما، لأن الفيلم يشاهد الآن عبر الإنترنت، وهناك قنوات فضائية تسارع بعرض الأفلام وهي في دور السينما، ونجمات مثل هند صبري ودنيا سمير غانم نجحن في التليفزيون والسينما أيضاً، لذا أحب أن أذهب إلى دور السينما لأرى أفلامهن أيضاً.

البطولات الجماعية

وحول دور الدراما في اكتشاف الشباب ومنحهم فرصاً للوصول إلى البطولات، أكدت أروى جودة: هذه ميزة في الفترة الحالية ففي الماضي كانت البطولات محددة لشخصيات معينة، أما الآن فقد أدت زيادة القنوات الفضائية وظهور محطات تخصصت في عرض المسلسلات فقط إلى زيادة الإنتاج الدرامي، مما يعني البحث عن الشباب والأفضل يحصل على فرصته. وعن حلمها بتحقيق البطولة المطلقة، قالت: البطولة المطلقة ليست هدفاً، فأنا لا أبحث في أدواري لكنني أبحث عن القصة والشخصية، التي أؤديها وتأثيرها في المشاهد وفي العمل ككل، ثم إن القصة أو السيناريو يحددان البطولة المطلقة والبطولات الجماعية، والفن يتجه حالياً إلى البطولات الجماعية، وهي الأفضل والأكثر قبولاً لدى المشاهد الذي يستمتع بالتأكيد بوجود عدد كبير من النجوم في عمل واحد.

أحلم بعمل استعراضي

تقول أروى جودة، عن أحلامها الفنية مستقبلاً: أتمنى أن أعمل مع يسرا ويحيى الفخراني ومحمود عبدالعزيز ونور الشريف، وأن نعيد الأعمال الأدبية المهمة لإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم وأحلم بعمل استعراضي كبير أجمع فيه بين الرقص والغناء والتمثيل.

الإتحاد الإماراتية في

03.03.2014

 
 

تعاقد على بطولة فيلم جديد بعنوان «12 ألف»

نضال الشافعي يراهن على «الجزيرة» و «خيانة عصرية»

محمد قناوي (القاهرة) 

أكد نضال الشافعي موهبته في أدواره بالسينما مثل «الثلاثة يشتغلونها» و«بدل فاقد» و«يا انا يا هو» و«إبراهيم الأبيض»، وفي التلفزيون في حلقات «تامر وشوقية» ومسلسل «فرقة ناجي عطاالله» و«الشك» وهو يتنقل هذه الأيام بين السينما والتلفزيون، من خلال أدوار جديدة يراهن بها على موهبته وقدراته التمثيلية. كما أكد فخره باختيار عمرو دياب له في مسلسله «الشهرة»، إلا أن الشافعي لم يتوصل بعد إلى الاتفاق التهائي للمشاركة في هذا العمل.

يقول نضال الشافعي: تعاقدت على بطولة مسلسل «خيانة عصرية»، تأليف فداء الشندويلي وإخراج سميح النقاش، ويشاركني بطولته داليا البحيري ونهال عنبر وبهاء ثروت، ويبدأ تصويره في مارس الجاري، ويدور حول الخيانة التي تحول حياة الأسرة إلى جحيم.

قصة «خيانة عصرية»

ويتناول «خيانة عصرية» فتاة فقيرة في الثلاثينيات من عمرها، تلعب دورها داليا البحيري، عاشت طوال حياتها تنتقل من وظيفة إلى أخرى لتوفير متطلبات حياتها، حتى تقع في حب شاب من أسرة أرستقراطية وتتزوج أميرة «داليا البحيري» بسليم ورداني الذي أقدم دوره، وتكتشف أنه لا يستطيع الإنجاب ويقرران عمل تلقيح اصطناعي فترزق بابنتين توأم وترغب في إنجاب ولد من أجل ضمان الميراث، وخاصة أن عائلته لا تحبها، فتفكر أميرة في حيلة بعدما أكد الأطباء أن زوجها لا يمكنه عمل تلقيح اصطناعي مرة أخرى، فتسافر إلى أميركا وتقوم بعمل تلقيح مجهري من ذكر آخر من بنك الحيوانات المنوية هناك واشترطت أن يحمل في جيناته الملامح المصرية حتى لا يكتشف زوجها الأمر وتمر السنوات، وبعد أن يصبح ابنها في التاسعة من عمره تكتشف أنه مريض بمرض اللوكيميا، وتبقى المفاجأة في أن عليها السفر مجددا لمعرفة من هو صاحب الحيوانات المنوية ووالد الطفل الحقيقي لتتمكن من علاجه، لتكتشف أنه «عادل الفيومي»، الذي يقدم شخصيته فراس إبراهيم، وتكتشف أن المرض وراثي في عائلته، وأنه سبق أن فقد ابنا نتيجة المرض نفسه. ويبقى الصراع: هل سيحاول عادل إنقاذ ابنه أم يتركه يتوفى كما حدث مع ابنه الأول؟ وهل سيسامحها زوجها سليم على خيانتها المعنوية له.

«الشهرة» مع دياب

وعبر الشافعي، عن سعادته بترشيح عمرو دياب له من أجل المشاركة في مسلسله الجديد «الشهرة». وقال: شرف كبير أن عمرو دياب يرشحني لمسلسله، ولكن على المستوى العملي هناك مناقشات وورق تتم كتابته حالياً، ولم أحدد موقفي من العمل بعد.

وأكد أن تجربته الأخيرة بمسلسل «الشك» الذي عرض في رمضان الماضي نالت إعجاب الجمهور، خاصة ان المسلسل جمع أكبر عدد من نجوم الشاشة.

وقال: الجديد في دوري بهذا العمل أنني قدمت شخصية تحمل صفات البشر الحقيقيين الذين لديهم الخير والشر، وكيف يتعاملون في كل حالة، ولديها من النضج في تصرفاتها ما يجعلها محيرة للمشاهد.

وعن الجديد الذي يقدمه في الجزء الثاني من فيلم «الجزيرة»، قال: أنا سعيد بعملي في الجزيرة وبتعاوني مرة أخرى مع مكتشفي المخرج شريف عرفة وصديقي أحمد السقا، خاصة أنهما قدماني في دور فضل شقيق أحمد السقا والدور ترك بصمة لدى الجمهور.

وأضاف: الجزء الثاني سيكون على مستوى أعلى من الأول، لما به من مفاجآت لدى كل الشخصيات المشاركة لأنها ستصبح ثرية بشكل أكبر، فهو يضم نجوما كبارا في السينما مثل أحمد السقا وخالد صالح وهند صبري وخالد الصاوي، وأروى جودة بالإضافة إلى مخرج متميز هو شريف عرفة.

«ضغط عالي»

وقال الشافعي: صناع الفيلم لم يكن مخططا لهم في أثناء تقديم الجزء الأول أن يقدموا الجزء الثاني رغم أن نهاية الفيلم لم تكن توضح هل هرب منصور الحفني ورغم ذلك أعلنوا عدم وجود جزء ثان ولكن بعد 6 سنوات والتفكير مرة أخرى في الجزء الثاني فإن هذا يعني أن هناك متغيرات وأفكارا جعلت مؤلف العمل يغير رأيه وجميع شخصيات الفيلم ستتطور بشكل أعمق والصراعات ستكون أقوى.

وعن فيلمه »ضغط عالي«، قال: مازال متوقفا لأسباب مجهولة وهي خاصة بالجهة المنتجة، وأتمنى أن ننتهي من تصوير الأيام الثلاثة المتبقية فيه، والأمر مع المنتج الذي يعاني بعض الأزمات، وقد تعاقدت على بطولة فيلم جديد بعنوان «12 ألف» ولكنه مازال في مرحلة التحضير.

وعبر نضال عن سعادته بردود الأفعال الطيبة من النقاد تجاه فيلمه الأخير «جرسونيرة»، وقال: ردود الأفعال جاءت إيجابية على مستوى الشارع أو «النقاد»، لأن الفيلم مناسب لكل الفئات وتستطيع الأسر الذهاب إلى دور العرض لمشاهدته بلا خوف أو قلق من أي مشاهد خارجة.

وقال: رغم أن الفيلم لم يحقق الإيرادات المتوقعة بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، فإنني راض تماما عن تجربتي في الفيلم الذي شارك في بطولته غادة عبدالرازق ومنذر رياحنة.

تجربة مختلفة

يقول نضال الشافعي، عن أسباب تقديمه لفيلم «جرسونيرة»: وجدت التجربة مختلفة، خاصة وأن الفكرة تدور حول 3 أشخاص في مكان واحد وتشعر معها كأنك تقوم بمشهد واحد متقطع، مثل المسرح، بالإضافة إلى أن حازم متولي كتب سيناريو أكثر من رائع، وعندما جلست مع المخرج هاني جرجس فوزي تشجعت، كما أن وجود غادة عبدالرازق ومنذر رياحنة أسعدني، لأنني كنت ارغب في العمل معهما منذ فترة.

الإتحاد الإماراتية في

03.03.2014

 
 

ننشر مذكرات تحية كاريوكا للكاتب الكبير صالح مرسى..

الحلقة الثانية عشرة

أعدها للنشر: محمد توفيق 

كاريوكا: والدة راقصة مشهورة مزّقت بدلة الرقص الخاصة بى بعد أن صعدت على المسرح لأول مرة

وكان من عادة المسارح الاستعراضية فى تلك الأيام أن تقدم إلى الجمهور فى أول الليل «نمرة» خفيفة، حتى يأخذ الرواد أماكنهم.. وكان الذين يقدمون هذه النمرة يعلمون أن عليهم أن يشدوا انتباه الجمهور، وأن يحيطوه بالجو اللازم، ويمهدوا الطريق للعروض التالية.

طارت تحية إلى غرفتها وقد استبد بها القلق، كان الوقت صباحًا وما زالت هناك ساعات طويلة قبل أن يفتح الستار، فهل تنتظر طوال تلك الساعات دون أن تضع البدلة على جسدها؟!

وسرعان ما أغلقت الباب وراحت تخلع ملابسها بلهفة، وسرعان ما كانت تقف أمام المرآة وحدها وهى ترتدى البدلة، كانت عيناها تلتهمان الجسد الفتى الذى اتسق تحت القماش الناعم، وراحت ترقص وحدها دون موسيقى، ظلت ترقص وترقص، ولو أطاعت نفسها لما كفت عن الرقص حتى المساء!

وفى المساء كان الخبر قد انتشر فى الفرقة كلها.

وفى المساء كانت تحية ترتجف بالانفعال وقد بدا كل شىء يتحرك حولها كالحلم.

وفى المساء كان غضب حورية محمد قد بلغ مداه، فكيف تخرج هذه «المفعوصة» فى رقصة شرقية؟

وفى المساء كانت بديعة تلقى نظرة أخيرة على تلميذتها فى الكواليس، ودون كلمة، هزت رأسها راضية.

الناس والأضواء والستار المسدل وحبال الكواليس والحركة وها هو الحلم يتحقق أخيرًا، فهل تتحقق به نبوءة سعاد محاسن التى أطلقتها ذات يوم فى الإسماعيلية منذ سنوات طويلة؟

وفتح الستار وخرج إسماعيل ياسين إلى الناس، وعزفت الموسيقى، وألقى المونولوجست الشاب مونولوجاته ونكاته فأضحك الناس وأطربهم وأجلسهم!

ونزل الستار وكانت تحية تقف ببدلتها فى الكواليس، وهى ترتجف بالانفعال، وقد بدأت البرودة تسرى فى أوصالها.. وعندما عزفت الموسيقى عزف قلبها بدقات مضطربة، وتحولت كل حواسها إلى أذنيها وهى تستمع إلى مقدم البرنامج وهو يصيح فى الميكروفون:

«والآن.. نقدم إليكم الوجه الجديد، الراقصة الفاتنة.. تحية محمد!».

وتناثر التصفيق فى الصالة النصف الخالية، ولم تخفت همهمات الناس ولا أحاديثهم، وفتح الستار وظل المسرح خاليًا، وعزفت الموسيقى فتلاحقت أنفاسها، ودق قلبها بعنف، ثم حانت اللحظة عندما أضيئت دائرة من الصالة نفد بعضها إلى قدمى تحية فكأنها السحر يجذبها إلى المسرح.. أخذت فى تلك الليلة خطوتها الأولى، وانسابت الموسيقى كالسحر إلى جسدها، فتقدمت إلى المسرح بخطوات ثابتة، وبدأ جسدها يلتقط النغم ويمتصه ويتمايل معه، كانت تشعر عن يقين بأنها ترقص رقصًا مختلفًا. رقصها هى.. لم يعد يعنيها أن تنجح أو تفشل، ولم تعد ترى أو تسمع أو تحس، راحت تنساب مع النغم فى تناسق كان يطربها أشد الطرب، وإذا السكون يسود الكون فتتوقف الحركة، وإذا الدنيا غارقة فى ذلك الصمت الإلهى، وإذا الأصوات كلها نغم وموسيقى، وراحت تدور وتتمايل وتتثنى، وكادت ذات مرة وهى تدور دورة تسقط من فوق المسرح فاستيقظت.. كان الظلام يكتنف الصالة، والناس فى سكون يرقبون صلاتها، وإذا بقعة الضوء جزء من كيانها فكأنها انطلقت إلى الأبد بشعاع هذا المصباح، ثم اقترب النغم من نهايته، وانتهى اللحن، فتوقفت!

وإذا بالصالة تدوى بالتصفيق!

وترددت عيناها ما بين الصالة والكواليس بحثًا عنها، راحت تنحنى للناس وبصرها يمتد إلى خلف الستار.. وإذا الأستاذة تقف هناك، وإذا هى تصفق مع المصفقين، وجاشت نفس تحية بالسعادة، وصعدت الدموع إلى عينيها، وكانت تنتظر أن تسدل الستار لكنها لم تسدل، كان التصفيق اشتد فى الصالة، والأصوات تنادى بالمزيد، ومن الكواليس أشارت المدام إلى الفرقة الموسيقية أن تبدأ العزف من جديد، فمن يصدق؟ وسرعان ما أطفئت الأنوار وبدأ اللحن من جديد، وإذا شعاع الضوء يحتويها مرة أخرى، فتذوب فيه، والنغم يتسلل إلى مسامها، وتحرك الجسد ليصلى مرة أخرى، وساد الصمت وتحية محمد تؤدى رقصتها الأولى.. وظلت فى تلك الليلة ترقص نصف ساعة.. وكان الوقت المقرر لها، لا يزيد على عشر دقائق!

وعندما أسدل الستار اندفع كل من فى المسرح نحو تحية، راح الأولاد والبنات يقبلونها ويهنئونها، لكنها لم تكن ترى سوى بديعة، لم تكن تهتم إلا ببديعة، وها هى بديعة أمامها، همت بأن تجرى إليها، تخلصت من الملتفين حولها، اندفعت تريد أن تلقى بنفسها بين أحضانها، كانت سعيدة، فرحة دامعة العين.. وما إن فردت ذراعيها للمدام، حتى قالت المدام بسرعة:

«إجرى غيرى هدومك بسرعة علشان البرنامج!!».

كانت تعلم أنها نجحت، وكانت تعلم أن بديعة -رغم كل هذا- سعيدة بها، وأصبحت على يقين فى تلك الليلة أن حياتها قد ارتبطت بالرقص إلى الأبد، لأنها هناك على خشبة المسرح.. ووسط بقعة الضوء وانسياب النغم، وجدت نفسها، كل لذتها وسعادتها وحبها.. فلا الماضى ولا الحاضر.. لا الجوع ولا العطش، لا شىء سوف يقف بعد اليوم فى طريقها.

خلعت البدلة مسرعة، وارتدت ملابس الرقصة التالية. علقت البدلة فى غرفتها واندفعت تعبر الممرات إلى المسرح، ورقصت وخطت وتثنت، وكانت سعيدة وهى تعود إلى غرفتها، والشوق يأكلها إلى بدلتها الأولى، اندفعت إلى الغرفة، ثم توقفت عيناها فى فزع.. كانت البدلة هناك، لكنها لم تكن فوق الشماعة.. كانت قطعا مهلهلة من القماش تغطى أرض الغرفة!

فى أوائل الحرب العالمية الثانية، ومع تدفق جنود الاحتلال من كل الجنسيات التى كانت تتبع الإمبراطورية البريطانية، تدفق المال إلى أيدى كثيرين فى مصر، وساد البلاد نوع من الرواج الذى يصاحب الحروب عادة.. وفى تلك الأيام، ومع الرخاء الكاذب والحاجة الملحة إلى الترفيه، ظهر فى مصر جيل من الفنانين الذين لمعوا بسرعة شديدة، وكان من هؤلاء الذين اشتهرت أسماؤهم شهرة واسعة، المرحوم عبد الغنى السيد، كان عبد الغنى واحدًا من ألمع نجوم الطرب فى الوقت الذى كان اسم فريد الأطرش ما زال يحبو إلى عالم الغناء مع عدد آخر من الأسماء مثل محمد الكحلاوى، ومحمد عبد المطلب، ومحمد فوزى.. وقبل أن يعرف الناس شيئًا عن تحية كاريوكا أو سامية جمال التى دخلت ذات يوم، وفى صمت وأدب شديدين إلى كازينو بديعة، كانت نجمة الرقص الشرقى هى حورية محمد، التى رقصت ذات ليلة فى كازينو بديعة مع عبد الغنى السيد، على أنغام أغنية طبقت شهرتها آفاق مصر.. حتى إن أغنية «وله يا وله» وجدت منتجًا ينتج لها فيلم «شارع محمد على» الذى لعبته حورية مع عبد الغنى فى السينما أيضًا.

كانت تحية -وهى تقف بباب غرفتها أمام أشلاء بدلتها الممزقة- تعلم كل هذا، كان الحلم قد تحطم، وانهار الأمل أمام عينيها دون أن تستطيع فعل شىء، وإذا كانت قد نجحت فى تلك الليلة، فما قيمة هذا النجاح الآن؟

كانت البدلة ممزقة إلى قطع صغيرة بمقص حملته يد مدربة على هذا الفعل، وكان الفاعل -أو الفاعلة- قد نشر أشلاء البدلة على أرض الغرفة إمعانًا فى الإغاظة والتحدى، وكانت تحية تعلم علم اليقين أن أحدا فى كازينو بديعة كله لا يجرؤ على أن يفعل ذلك سوى نرجس!

كانت نرجس هذه هى أم حورية محمد، وكانت هذه السيدة تملك بارًا صغيرًا تؤدى فيه ابنتها رقصة أو رقصتين فى كل ليلة، وكانت من ذلك النوع الذكى الذى يعلم أن ابنتها كنز لا يعوض، فوقفت وراءها كالسد تحميها من كل معتد أو مهاجم أو حتى منافس.. وإذا كان هذا هو الأمر بالنسبة إلى حورية، الراقصة المبدعة المتمرسة التى لا يعيبها سوى قصر قامتها، فمن أين لتحية بأم تقف خلفها مثل أم حورية وهى لا تزال فى أول الطريق؟

لم تكن تحية تشعر فى تلك اللحظات بشىء بذاته، ثمة فراغ هائل يحيطها فكأنها تسبح فى الهواء، تجمدت فى مكانها وهى ترقب أشلاء البدلة غير مصدقة، اندفع الدمع إلى هيئتها لكنه لم ينهمر، أرادت أن تبكى وفى الوقت نفسه أرادت ألا تبكى فكفاها دمعا ظل ينهمر لسنوات.. قاومت وقاومت، لكن مقاومتها انهارت، وانفجر الدمع من عينيها فى فيضان غامر، وارتكنت إلى الباب، وراحت تنهنه فى عذاب وألم!

وسرعان ما تجمعت البنات من حولها، جينا وتيتى وجمالات وجولييت، وجاء الفنانون والفنيون والعمال، وراح كل منهم يرقب المشهد فى صمت، وكأنهم يشهدون مصرع عروس فى ليلة زفافها.. وسرعان ما انقسم من فى الكازينو إلى قسمين: قسم الشمت، وقسم أصابه الألم، فراح يخفف عن الفتاة مصابها الفادح.. وكان لا بد وأن يصل الأمر إلى المدام، فجاءت بديعة تستطلع الخبر، وما إن وصلت حتى دوت فى الكواليس صيحة نرجس وهى تتحدى: «أيوه أنا اللى قطعت البدلة، دى بتقلد بنتى!».

ومضت لحظات صمت تعلقت فيها العيون -كل العيون- بشفتى بديعة، فماذا هى فاعلة، وماذا يكون حكمها، هل تضحى بـ«الفيديت» من أجل راقصة ناشئة، حتى ولو كانت هذه الراقصة فى حكم ابنتها؟!

وكانت على بديعة أن تختار، وكان واضحًا أنها فى موقف يتصارع فيه القلب مع العقل، العاطفة مع العمل، ولم تطل لحظات الانتظار بالجميع، وعندما جاء صوت بديعة، كان واثقًا نهائيًّا فى حكمه:

«خلاص.. بلاش ترقصى شرقى يا تحية!».

واندب الخبر فى أحشاء تحية مثل سكين يمزق جنينًا حملته لسنوات طويلة.. وإذا كان الأمل قد قتل، وإذا كان الحكم قد صدر، فمن أين لها بثمن البدلة؟!

قالت بديعة: «أنا حادفع ثمن البدلة، قولى لمسيو جورج يعدى على بكرة»!

هكذا حسمت بديعة الأمر.. وهكذا باتت تحية فى ليلة انتصارها الأول، والدمع يغرق وجهها!!

التحرير المصرية في

03.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)