كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ألان رينه، الحرب انتهت!

هوفيك حبشيان

 

ألان رينه، ذئب السينما الفرنسية، قال كلمته الأخيرة أمس، وهو في الـ92 من عمره!

كان يصنع الأفلام لأنه لا يجرؤ على عدم فعل شيء. صاحب "مورييل" و"الحرب انتهت"، و"هيروشيما حبي" رافق ثلاثة أجيال من السينمائيين الفرنسيين. الرجل الهادىء والمحتشم الذي رفض كلّ أشكال الاستعراضية طوال حياته، تحول الى الاخراج من خلال حلم اعتلاء خشبة المسرح. في سنّ مبكرة، ظهرت عنده رغبتان: مطالعة القصص المصورة ومتابعة السينما. هذا القارىء النهم والسينفيلي الأكول باشر في اتمام أفلام صغيرة بالـ8 ملم، منذ كان في الثالثة عشرة. ظهر في "زوار المساء" (1942) لمارسيل كارنيه، بيد ان مسرحية "النورس" لتشيكوف ستكون الاكتشاف الأعظم في سنوات المراهقة. باريس لم تكن محتلة بعد من الألمان وطبول "الحرب الثانية" كانت في وضعية التأهب، عندما قرر رينه النزوح اليها والاقامة فيها. في البال طموحٌ واحد: الانضمام الى صفّ رينه سيمون لتعلم التمثيل. ثم، مباشرة بعد انتهاء الحرب جلس على مقاعد الـ"ايديك"، المعهد التاريخي الذي كان افتتح أبوابه للتوّ. لكن، عندما لم يجد ما يتعلمه هناك، قرر المغادرة بعد عام واحد على انتسابه اليه.

منذ بداية مساره، كان رينه يولي اهتماماً خاصاً بالتفاصيل، وكان موسوساً بها. لا يترك المرء وشأنه الى أن يأخذ منه ما يريد. سيد حرفة ممتاز، يضع المعرفة التقنية في سبيل صوغ نمط اسلوبي لا يشبه النمط الذي تبناه أسلافه ولا ذلك الذي تبناه أحفاده. كان ولا يزال حالة خاصة في السينما الفرنسية والأوروبية. معزول عن أقرانه عزلة بعيدة. لا أحد يشبهه ولا يشبه أحداً. حتى مراجعه السينمائية تأخذك الى عشرينات القرن الفائت حيث الأفلام التي صاغت ذائقته وشكلت وعيه الفكري، وهي في غالبيتها العظمى أفلام صامتة، في مقدمها السينما السوفياتية. ويُحكى انه كان ضد السينما الناطقة، الى ان بدأت الميوزيكالات الأميركية تجتاح الشاشات. في حوار شامل معه في مجلة "سينما" الفرنسية، نُشر عام 1980، يتطرق الى عصاميته على هذا النحو: "تركتُ الـ"ايديك"، لأنه لم يكن فيه الكثير لأتعلمه. السنة الاولى كانت عامة: كان الكل يتلقى التحصيل العلمي نفسه. حياة مدرسية مع ما فيها من نظراء، علامات، صباحاً وظهراً ومساء. لم اشعر بالارتياح. وخصوصاً، لم يكن في استطاعتي ان اتعلم الشيء الذي كنتُ أتيت من أجله، يعني المونتاج. في النهاية، تعلمته على آلة قصّ ولصق بدائية".

بعد عدة تجارب غير مرضية في تقمص الأدوار، انجز رينه مجموعة افلام انطلاقاً من تجارب التشكيليين الكبار: فان غوغ، بيكاسو، غوغان والفنّ الافريقي الذي عالجه في "التماثيل تموت أيضاً"، الذي تشارك اخراجه مع كريس ماركر. انها خمسينات القرن الماضي، ورينه سيكون أول مَن يضع أسس الفيلم الذي يتخذ من الفنّ مادة نقاش له. منذ البداية، ظهر عنده ميل واضح إلى الأدب، في مرحلة كانت الاقتباسات الأدبية سائدة، فكان هو مقرب من نيكول فيدريس، وكان اختار مكاتب "منشورات سوي" الشهيرة مقراً له ولكريس ماركر.

خاض رينه تجربة الفيلم الروائي الطويل الأول مع "هيروشيما حبي"، في اللحظة التي سيتحول فيها مسار السينما الفرنسية. في العام نفسه الذي شهد ولادة "الموجة الجديدة"، أي عام 1959، قدم رينه هذا الفيلم الذي أعدت له السيناريو مارغريت دوراس. ذات يوم زار رينه صاحبة "الشاحنة" طالباً اليها أن تساعده في وضع نصّ لفيلم كان يريد انجازه. تروي دوراس: "أمضيتُ 13 يوماً وانا اقول في نفسي أنني سأتخلى عن هذا المشروع، بحيث انه كان من المستحيل إنجاز فيلم عن هيروشيما. لكن، انطلقت من حال الاستحالة هذه لاتمام الفيلم. كان في بالي جملة "لم ترَ شيئاً في هيروشيما". كان ينبغي على رينه أن يذهب الى هيروشيما للتصوير بعد سبعة أسابيع. تقبل فكرة السيناريو من حيث المبدأ (...). هو الذي نصحني بايمانويل ريفا. أراني صورة لها. كانت تلبس تنورة اسكوتلندية. التقيتها عشية مغادرتهما الى هيروشيما وأمضينا سهرة كاملة معاً وحكيتُ لها حكاية سيدة هيروشيما الى أن رأيت دموعها تنهمر".

كان رينه قد عثر على ريفا في الأوساط المسرحية. انذاك، في نهاية الخمسينات، لم يكن رائجاً أن يهتم السينمائيون بممثلي المسرح. كان هو يبحث عن وجوه غير معروفة من الجمهور العريض. راح يصورها حيناً بكاميراه الصغيرة وحيناً يلتقط لها الصور. ولم يتأخر كثيراً قبل أن يستقر خياره عليها. جاء الفيلم مزيجاً من الواقع والخيال وحاز اعترافاً دولياً كبيراً. في الجزء الأول، هناك لقاء، من خلال توليفة مميزة، بين لقطات توثيقية ومشاهد اخبارية وتعليق موسيقي وصوتي. كل هذا ينطلق من تيمة "لا، لم تشاهد شيئاً من هيروشيما". عبر مصير امرأة احبت جندياً مات أمام اعينها، صوّر رينه أشياء كثيرة: بارات، علب ليلية، مطاعم، شقق ومحطة. خلطة أشياء ومآسي. هيروشيما أرضٌ خصبة لنتذكر الحرب في نيفير. المأساة الشخصية تجاور المجزرة الجماعية... الفيلم يصبّ جام غضبه في وجهنا، رافعاً صوته في وجه الظلم: كيف يمكن الانسان أن يفعل هذا؟".

على الرغم من ان الفيلم شكل قمة من قمم ما بات يُعرف منذ نهاية الخمسينات بـ"الموجة الجديدة"، لم يشعر رينه نفسه قريباً من تلك الموجة. "أتعلمون"، يقول "لم استطع يوماً ان انصهر في "الموجة الجديدة"، لأننا لم نكن كلنا من الجيل نفسه. فالمنتمون الى هذه الموجة كانوا أكثر شباباً مني، وكنتُ أنا بدأت بإنجاز الافلام القصيرة، لكن كانت علاقتي بهم طيبة. مقارنة بهم، كان يمكن تصنيفي في عداد الشيوخ. لكني اشدد أنه بفضل "الموجة الجديدة"، خطر في بال المنتجين ان يقترحوا عليّ فكرة انجاز فيلم روائي طويل. من دون كلود شابرول وفيلمه "أولاد العمّ"، ما كان ليحصل الكثير. الشيء الايجابي في "الموجة" انها فتحت المجال للجميع ان يصبح سينمائياً في زمن كان يُمنع على مَن لم يشارك في صناعة 9 أفلام كستاجيير ومساعد مخرج، أن ينتقل خلف الكاميرا".

وكرت سبحة أفلام كبيرة في الستينات: "السنة الماضية في ماريينباد"، "مورييل أو زمن العودة"، "الحرب انتهت"، "بعيداً من فيتنام"، "أحبك أحبك". في "السنة الماضية..."، استعان بنصّ كبير لأمير "الرواية الجديدة" ألان روب غرييه. في قصر من القصور ذات الهندسة الباروكية، يجزم رجل بأنه التقى العام الماضي امرأة متزوجة من رجل "مقلق". أين الحقيقة وأين الوهم في هذا الفيلم الاستثنائي الذي قلما أنجز مثله في تاريخ السينما؟ لعبة مونتاج جديدة يتشابك خلالها الماضي والحاضر والمستقبل. شخصية تلف حول نفسها كسجناء فان غوغ، طارحة أسئلة لا تجد من يرد عليها، وتتكلم دائماً بجمل معلقة، حُذفت نهاياتها... الفيلم بات ظاهرة سينمائية صنعت مجد رينه مبكراً، واظهرت مدى قدرته على خوض تجربة اسلوبية مماثلة. طبعاً، يأتي الفيلم مثقلاً بتأثيراته الأدبية ومشبعاً بإرث اللغة، اللغة الفرنسية. لكن، كما عهدناه دائماً، يقتل رينه الأدب بالأدب. انه واحد من الذين تنجو سينماهم من الأدب رغم الحضور المكثف للأخير.

اذا كان رينه استعان دائماً بأسماء كبيرة لكتابة نصوصه الفيلمية، فهو في المقابل، لا يعتبر السيناريو الجيد هدفاً في ذاته. "لو كان ذلك هدفنا، لكنا اكتفينا بنشر السيناريو. لذلك، فالمسائل الطارئة اثناء التصوير هي التي ستغيّر ما هو مكتوب، وهذا التغيير يصنعه الممثلون ومدير التصوير وكذلك الظروف". وهكذا بلور رينه فيلماً بعد فيلم تقنيات تصويرية خاصة، وطريقة في العمل يمكن نعتها بـ"السقراطية"، أي انها قائمة على الانتظار والترقب وعدم فلش جميع الأوراق على الطاولة دفعة واحدة. وينبغي التذكير انه ظل يعمل، مع فريق واحد، في السنوات الأخيرة، علماً انه يعزو هذا الشيء الى الصدفة. يقول: "اذا كنت تعاونت والفريق نفسه منذ أعوام، فإن ذلك كان ثمرة الصدفة. لم يكن استخدام الاشخاص أنفسهم نوعاً من مبدأ عندي. لكن كان من الممتع ان التقي هؤلاء مجدداً. لماذا استغني عن اشخاص يريحني العمل معهم؟ بطولة سخيفة ان ارفض مثل هذه الفرصة".

التعاون مع الكاتب الاسباني الكبير خورخي سمبرون أتاح له عام 1966 انجاز واحد من أهم اعماله: "الحرب انتهت". سمبرون كتب له السكريبت. العنوان مستوحى من الملف الشهير الذي اعلن فرنكو من خلاله نهاية الحرب الأهلية الاسبانية عام 1939. انه واحد من أكثر افلام رينه لجوءاً الى خط درامي مستقيم. آنذاك، كان من الصعب ادخال الفيلم في مسابقة كانّ تحت ضغط الحكومة الاسبانية، لكنه ذهب الى كارلوفي فاري حيث نال اعجاب الجمهور والنقاد. يروي سمبرون ان رينه جاءه طالباً اليه ان يخبره في بضعة سطور ما يريد أن يحكيه، فاقترح عليه سمبرون ستّ حكايات تجنب منها اربعاً. ثم، اختار قصة اسبانية عن دفن لاجىء اسباني في الضاحية الباريسية. بحسب سمبرون، كان رينه يريد فيلماً سياسياً وهذا ما حصل في المحصلة. في البدء، كانت فكرته انجاز فيلم عن سيرة نقابيين يهتمون باللاجئين السياسيين ويعملون على لملمة التواقيع، وينظمون التظاهرات دفاعاً عن السجناء السياسيين في أنغولا. ثم كان القرار بالتركيز على قضية اسبانية.

على مدار كل هذه السنوات، أبدى رينه اهتماماً كبيراً بتيمة الذاكرة وتماسك العدائية في المجتمعات. وهذه العدائية تقودنا عنده الى نوع من تدمير ذاتي وانتحار. والعدائية تأخذ عنده أشكالاً "اجتماعية": الحرب النووية في "هيروشيما..." والحرب "العادية" في "مورييل"، من خلال الصراع الجزائري ــ الفرنسي. هذا كله جعل سينما رينه متفوقة فكرياً وثقافياً على سينما كثر من معاصريه، هواجسها الحرية وعلم النفس والظروف الثقافية الاجتماعية التي تؤثر في خيارات الفرد. بيد ان تعبير "مخرج ذهني" يتلقّاه المعلم بسلبية كبيرة، مفضلاً تعريف "صانع الانترتنمنت" على المثقف.

يقول رينه انه لم يكن يفكر يوماً في انه سيصبح مخرجاً. "قد أبدو متعجرفاً، لكني لست متأكداً بعد من انني صرت مخرجاً. لا تزال متعة التصوير عندي مثلما كانت في بداياتي. لا اتسلى في انجاز فيلم الا عندما أبلغ مرحلة التصوير. اللحظة الوحيدة المريحة، على رغم الصعوبات والاهتمام بالتفاصيل، هي التصوير ثم المونتاج. اما البقية فعبارة عن مراحل قاسية، لا سيما التحضيرات، بحيث لا شيء يضمن ان ما نبذله من جهود سيؤدي الى انجاز الفيلم. الآن، ما يهمّني هو ان اسارع على الفور الى انجاز مشروع جديد. أقله كي أتمكن من دفع الضرائب المترتبة عليَّ".

لم تبقَ تجربة التعاون بين رينه وسمبرون يتيمة، اذ تولى سمبرون تأليف "ستافيسكي" (1974)، واحد من أفضل أفلامه، مع بلموندو بطلاً. تطرق نصّ سمبرون الى شخصية المغامر ستافيسكي وتعمق في ابعادها النفسية، ولم يتوان عن فتح خط مواز بينها وبين إقامة تروتسكي في المرحلة ذاتها في فرنسا قبل أن يتعرض للطرد. ثم فجأة، عام 1980، يقرر رينه المنحى الاختباري المتطرف في واحد من أكثر افلامه تجريباً: "عمي الأميركي". من خلال الغوص في نظريات لابوري في السلوك البشري، يسعى رينه الى اثارة الضحك. لابوري يَعتبر الكائن الحيّ "ذاكرة حية"، وقد أجرى تجارب مختبرية على حيوانات ليثبت اطروحته في ميكانيزمات العدائية. بالنسبة له، سبب الوجود الوحيد هو الوجود نفسه. انطلاقاً من هذا كله، يشيد رينه نوعاً من بازل رهيب ومعقد، مقدماً مرة أخرى لقاءات مميزة بين ثلاثة ممثلين: جيرار دوبارديو وروجيه بيار ونيكول غارسيا.

في التسعينات، انفتح رينه على تجارب أخرى، نافضاً الغبار عن سينماه، محدثاً الاجماع المنشود سواء عند الجمهور أو النقاد. مع "تدخين / لا تدخين"، تطرق الى المسرح المصور، مستعيناً بممثلين هما انييس جاوي وجان بيار بكري لأفلمة النصّ المسرحي لألان أيكبورن. في هذا الفيلم يضطلع كل من سابين أزيما وبيار ارديتي بخمسة أدوار مختلفة. ويأتي "نعرف الأغنية" عام 1997 بنمط مشابه: أغنيات من الريبيرتوار الفرنسي الشعبي تتداخل بمواقف من الحياة اليومية. ورينه هو المخرج الفرنسي الأكثر ترشحاً لجوائز الـ"سيزار" الخاصة بالسينما الفرنسية، اذ ان عدد المرات الذي ترشح لـ"سيزار" أفضل مخرج بلغ الـ8، نال منها مرتين، مرة عام 1978 عن "عناية آلهية" ومرة أخرى عام 1994 عن "تدخين / لا تدخين".

لم يهدأ له بال. احذروا ماذا عنون فيلمه ما قبل الأخير؟: "لم تشاهدوا شيئاً بعد". بات يمشي كالأحدب، ظهره ملتو تحت ثقل السنوات وحكاياتها، لكنه لا يزال في ذروة العطاء. سينماه لا تزال في ذروة النضارة والشباب والحركة، وكان عنده الكثير ليقوله عن الطبيعة البشرية. سورياليّ النبرة، وله اب روحي يدعى اندره بروتون. يجابه رينه السائل عن شرح أو تفسيرات، بسلاح كلامي يأتي على الشكل الآتي: "هل يمكنك أن تشرح لي لماذا في "الملاك المدمر" لبونويل هناك دبّ يتسلق الدرج؟". يقول وفي صوته أنين الندم: "رغم اني أذهب كثيراً الى السينما، إلا انني لا استطيع ان اشاهد جميع هذه الافلام".

حين التقيته في فرنسا ذات شتاء حول طاولة مستديرة مع جمع من الصحافيين المندهشين بلقائه في فندق باريسي فخم، بدا لنا طيفاً اسطورياً يلقي بأجنحته علينا. وكأنه طيف يأتينا من الحرب الباردة. روى لنا انذاك انه متيم بالمسلسلات الاميركية، ما صدم الحضور وأظهر مرة أخرى انفتاحه على كل مستجد ومثير. ثم أردف قائلاً: "هذا لا يعني اني من هواة "كل" المسلسلات الاميركية. لا. لكني وصديقي كريس ماركر نؤمن بأنه يوجد في بعض المسلسلات الاميركية تحريف لبعض القواعد السينمائية. هذه الاعمال تتجاوز أحياناً بعض الافلام الاميركية ثقلاً وجمالاً".

عبر رينه العقدين الماضيين بنجاحات متفاوتة. مرة يصيب ومرة يخيب. لكنه لم يصبح اسيراً لـ"سينما العجزة". عطشه المزمن الى ضرب القديم بالحديث لم يرتوِ. في برلين، قبل اسبوعين، عرض فيلمه الأخير "أن نحبّ، أن نسكر ونغني". مرة اخرى اثبت لنا ان الحياة مسرح ونحن دمى، لذلك يجمع شخصياته في اطار مسرحي ولكنه يبقي لغته السينمائية التي تتجسد من خلال التقطيع الذكي والكادرات القريبة والايقاع المشدود. أمّا الموت، فكان رينه بدأ يصوره منذ فيلمين، تحديداً شبحه الذي يقترب منه. في المرتين، لا نرى الميت. هو لا يخاف الموت بل يسخر منه ويمتحن العيش معه. رجل يسخر من موته يستحق "ان يحبّ، أن يسكر ويغنّي". وأن يعيش. في الحياة، في السينما، في الذاكرة...

النهار اللبنانية في

02.03.2014

 
 

المؤلف والمخرج نادر سيف الدين:

«الملحد» يدعو إلى الإسلام 

كتب الخبرهيثم عسران 

يطرح المؤلف والمخرج نادر سيف الدين تجربته السينمائية {الملحد} بعد سلسلة من التأجيلات استمرت أسابيع عدة لأسباب متباينة من بينها قضية الفيلم الجريئة.

في لقائه مع {الجريدة} يتحدث نادر عن الفيلم وأسباب تأجيله، بالإضافة إلى الظروف التي مر بها خلال التصوير.

·        لماذا تأجل عرض فيلم {الملحد} أكثر من مرة؟

جاء تأجيل الفيلم لأسباب ليس لفريق العمل دخل بها، فرغم إجازة الرقابة {الملحد} للعرض خلال شهر نوفمبر الماضي فإن التصريح النهائي لم نحصل عليه سوى أخيراً، بالإضافة إلى ظروف متعلقة بالشركة {العربية} التي توزِّع الفيلم والتي طلبت تأجيل عرضه بسبب وجود أفلام متعددة في السوق وعدم توافر صالات يمكن عرض الفيلم فيها، لذا أجل العرض أسبوعين.

·        لكن الرقابة تحفظت على الفيلم أخيراً؟

حدثت مشكلة لم نكن نتوقعها، فبعد موافقة الرقابة على الفيلم كسيناريو ومشاهدتها النسخة النهائية أبدت اعتراضها على كلمة فقط في أحد المشاهد وكنا قد انتهينا من طباعة النسخ، فاضطررنا إلى حذف المشهد بالكامل من الأحداث نظراً إلى أنه ليس من المنطقي أن يتم كتم الصوت خلال مشاهدته. هكذا أجريت تعديلاً على النسخ كافة، علماً بأن الرقابة لم تعترض على الكلمة عندما شاهدت النسخة الأولية بعد انتهاء التصوير.

·        هل واجهت مشكلة في موافقة الرقابة على الفيلم؟

إطلاقاً، فربما يكون الاسم قد سبب للبعض نوعاً من القلق، لكن بعد قراءة السيناريو أعجبت الرقابة به وتحمست له، وبقيت على موقفها هذا بعد الانتهاء من التصوير، إذا لا يتضمن الفيلم ما يثير المشاكل ويطرح قضية الإلحاد التي انتشرت في المجتمع المصري بشكل عاقل.

·        لكن الرقابة أجازت الفيلم للعرض تحت لافتة {للكبار فقط}.

وضعت هذه العبارة نظراً إلى الحوار الموجود في الفيلم والذي يصعب على الأطفال فهمه، إضافة إلى تعقيداته وتوغله بدرجة كبيرة في الدين والإلحاد، وهو أمر كان معروف بالنسبة إلي قبل أن أتقدم بالسيناريو إلى الرقابة. لن يفهم الفيلم سوى الكبار، وتصنيفه للمرحلة العمرية فوق الـ18 عاماً وضع طبيعي لمضمونه. وإن لم تكن الرقابة طلبت عرضه للكبار فقط لطلبت منهم ذلك لتأكدي أن الصغار لن يفهموا الحوار.

·        كيف وجدت الهجوم الذي تعرض له الفيلم؟

لم يكن الهجوم مبرراً على الإطلاق، خصوصاً أن من هاجموا الفيلم لم يشاهدوه وفوجئت بتخوف بعض دور العرض من طرحه بسبب اسمه، فهو أمر غير متعارف عليه سينمائياً، بالإضافة إلى أن الجمهور عندما يشاهد الفيلم سيتأكد أنه لا يحوي أي إساءة إلى الأديان أو تحريضاً للشباب على الإلحاد كما تم الترويج.

·        لماذا استغرقت وقتاً طويلاً في التصوير؟

كان وقت التصوير مرتبطاً بالظروف الإنتاجية وهي السبب في التأخير، إلى جانب بعض الظروف السياسية التي مرت بها مصر وتوقف التصوير خلالها. لكن السيناريو والحوار انتهيت من كتابتهما قبل فترة طويلة.

·        كيف تعاملت خلال كتابة السيناريو والمعالجة الدرامية للأحداث؟

كان لديَّ رقيب داخلي في التعامل مع أحداث الفيلم، خصوصاً أن القضية التي يتطرق إليها شائكة للغاية، لذا بحثت في الموضوع بعمق واستغرق ذلك وقتاً طويلاً مني، وعدلت كثيراً في مرحلة الكتابة، خصوصاً بعدما ساعدني اثنان من مشايخ الأزهر في الرد بالحجج والبراهين الدينية على ادعاءات الإلحاد، الأمر الذي كان له الدور الكبير في زيادة الجانب التربوي في الفيلم.

·        هل حرصت على نفي الاتهامات التي قد تطاولك بعد عرض الفيلم؟

يدعو الفيلم إلى الإسلام لا الإلحاد وهذه هي الفكرة الأساسية التي كنت أناقشها مع نفسي خلال الكتابة، وكنت أشعر بالخوف من أنها ربما تصل بطريقة معاكسة إلى الجمهور بعد مشاهدة الفيلم، لذا كان الأمر بالنسبة إلي حساساً للغاية، لا سيما أنني لن أقبل بأن يروج فيلمي للإلحاد. ولكن تفسيرات علماء الأزهر لكثير من الردود ساعدتني على تجاوز هذه النقطة وزيادة جرأة الحوار عما كنت أنوي القيام به لاعتمادي على وجود رد من أصول الدين لكل مبرر للإلحاد يُقال على الشاشة.

·        حدثنا عن قصة {الملحد}؟

تدور الأحداث من خلال شخصية رجل دين معروف على المستوى الإعلامي عبر لقاءاته التلفزيونية، وهو يقسو على نجله بدرجة كبيرة تجعله يتجه إلى الإلحاد والابتعاد عن اتجاه والده من خلال أصدقائه. ويُعرف الموضوع صحافياً بعد متابعة أحد الصحافيين أخبار نجل الشيخ الشهير ونشرها، ما يضعه في موقف حرج.

·        لماذا لم ترشح فنانين مشهورين للعمل؟

اعتمدت على التوازن بين المواهب الجديدة والوجوه المعروفة، صبري عبد المنعم وياسمين جمال معروفان للجمهور، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب منهم أحمد مجدي ومحمد عبد العزيز وجميع فريق العمل بذل مجهوداً كبيراً خلال التصوير، ما ساعد على خروج الفيلم بشكل جيد.

·        هل سيُطرح الفيلم بعدد كبير من النسخ؟

سيطرح بـ15 نسخة فقط في دور العرض، نظراً إلى طبيعته المختلفة عن الأعمال السائدة في السوق، وأتمنى أن يحقق رد فعل جيداً كي نتمكن من عرضه بعدد أكبر من النسخ.

الجريدة الكويتية في

02.03.2014

 
 

فجر يوم جديد: {الرقابة الشعبية} !

كتب الخبرمجدي الطيب 

ذات يوم اعترضت عائلة مصرية على مشهد في فيلم أميركي كان يُعرض في إحدى صالات العرض السينمائي بعنوان American Beauty {جمال أميركي} (1999) من إخراج سام مينديز وبطولة كيفين سبيسي، الذي نال عن دوره في الفيلم أوسكار أفضل ممثل لعام 2000، وفاجأ مدير الصالة الجميع عندما استجاب لرب العائلة، وتولى بنفسه حذف المشهد الذي وافقت عليه الرقابة!

يومها ثار جدل عنيف بين مؤيد لما حدث من {رب العائلة}، باعتباره عين الشعب على السلطة، وقيل إن {الرقابة الشعبية} هي طوق الأمان للمجتمع، والعصا التي تؤدب كل من تسول له نفسه الانقلاب على عاداته وتقاليده، بينما رأى المناهضون لما حدث أن الواقعة جد خطيرة كونها تمثل خلطاً للأوراق وتداخلاً للسلطات وازدواجية للجهات المخول لها تطبيق القانون؛ الذي أعطى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات وحدها حق الرقابة على الأعمال المتعلقة بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية، ومنحها تراخيص تصوير أو تسجيل أو أداء أو عرض أو إذاعة المصنفات في مكان عام أو توزيعها أو تأجيرها أو تداولها أو بيعها أو عرضها للبيع أو تحويلها بقصد الاستغلال، وألزم القانون الرقابة قبل الترخيص بأي مصنف ألا يتضمن أو ينطوي على ما يمس قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية أو الآداب العامة أو النظام العام، وخص بالذكر: الدعوات الإلحادية والتعريض بالأديان السماوية، تصوير أو عرض أعمال الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على محاكاة فاعليها، المشاهد الجنسية المثيرة وما يخدش الحياء والعبارات والإشارات البذيئة، عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تضفي هالة من البطولة على المجرم.

المهم أن المعركة، التي جرت وقائعها مطلع القرن الواحد والعشرين، انتهت بانتصار صوت العقل، وتغليب الرأي القائل إن الترحيب بما أطلق عليه «الرقابة الشعبية» سيشكل آلية رقابية جديدة يهيمن عليها آﺤﺎد اﻷﻓراد، ممن يكرسون نوعاً من الاستبداد والتسلط والانحياز إلى الرأي الواحد، باسم الحفاظ على مصالح الشعب وحماية تقاليده، ويوماً بعد الآخر سيُنصب كل مواطن نفسه متحدثاً باسم المجتمع، بينما هو رقيب عليه في حقيقة الأمر، وسرعان ما سينقلب الأمر إلى فوضى، ويسقط القانون من دون رجعة!

غير أن «الرقابة الشعبية» أطلت برأسها مرة أخرى مع إعلان منتج فيلم «أسرار عائلية» أن بعض أصحاب المراكز التجارية الكبيرة في العاصمة المصرية امتنع عن عرض الفيلم، الذي يتناول ظاهرة «المثلية الجنسية»، تحت مبرر أن عرضه سيضع دار العرض تحت طائلة المقاطعة، بعدما تُتهم بأنها تعرض أفلاماً سيئة السمعة وتتنافى والعادات والتقاليد. وتجنباً لهذا المصير المخيف وحرصا منها على ألا تخسر جمهورها الغاضب في حال عرض الأفلام المثلية التي تخدش الحياء، كان قرار الامتناع عن عرض «أسرار عائلية»، وهو ما كبد منتج الفيلم خسائر فادحة، بعد طباعة نسخ فائقة الجودة ليتسنى عرضها في تلك المراكز الأكثر جلباً للإيرادات، وحيال رفضها استقبال الفيلم، رضوخاً لسطوة التشدد المجتمعي، لجأ أصحاب الفيلم إلى عرض النسخ في الشاشات العادية، التي لا تحقق عائداً يغطّى ثمن الكلفة!

المفارقة العجيبة أن فيلماً بعنوان «الملحد» ينتظر مصير «أسرار عائلية» نفسه، بعدما تسبب عنوانه في إصابة عدد من أصحاب دور العرض السينمائية بالرعب، فما كان منهم سوى أن هددوا برفض عرضه خشية هجوم «المتشددين» على القاعات التي تعرضه، في حال تجاهل عبارة «فيلم في مواجهة الإلحاد»، التي أصر صانعو الفيلم على تصديرها لطمأنة الرأي العام الذي أعاد في ما يبدو تفعيل «الرقابة الشعبية» في جانبها السلبي، من خلال تهديدات تلقاها مخرج الفيلم نادر سيف الدين، ومنتجه،على صفحتيهما عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أثناء التصوير، ومع الإعلان عن اقتراب موعد طرح الفيلم في الصالات وصف مستخدم على موقع «تويتر» العمل، الذي لم يشاهده، بأنه «كارثة سينمائية تشجع على نشر الأفكار الإلحادية» في حين طالب آخر بما سماه «التعامل العنيف» مع هذه النوعية من الأفلام التي تناقش قضايا حساسة!

فشلت {الرقابة الشعبية} في الاختبار الجديد، ومن المنتظر أن يتكرر الإخفاق مع طرح عدد من الأفلام الجديدة التي تتناول قضايا شائكة؛ مثل: {الصمت} (زنى المحارم من خلال أب اغتصب ابنتيه)، {إسلام حنا} (العلاقة الشائكة بين المسلمين والمسيحيين) و}شقاوة مراهقة} (إغواء الفتيات والتغرير بهن)... وعدد من الأفلام التي يتوقع خروجها إلى النور، بعد أن تفرج عنها الرقابة. لكنها، في الغالب، لن تنجو من مقصلة {الرقابة الشعبية}، التي تتربص بالإبداع، وتمارس إرهاباً ضد المبدعين، بحجة حماية المجتمع من الرذيلة، والحفاظ على عاداته وتقاليده!

الجريدة الكويتية في

02.03.2014

 
 

«مهرجان جمعية الفيلم» ومرور الكرام 

كتب الخبرروميساء إبراهيم 

على عكس الدورات السابقة، جاءت الدورة 40 لـ «مهرجان جمعية الفيلم» (15- 22 فبراير) الذي أقيم في قاعة السينما - مركز الإبداع الفني في مصر، باهتة ولم تحظَ باهتمام جماهيري، ولا حتى باهتمام النجوم الذين عرضت أفلامهم في المهرجان، فتغيبوا عنه وعن حضور الندوات التي أعقبت عرض أفلامهم

ظهر ضعف مهرجان «مهرجان جمعية الفيلم» منذ يومه الأول، إذ لم يحضر الافتتاح سوى القيمين عليه وقلة من الجمهور، واشتكى صحافيون وإعلاميون بأنهم لم يتلقوا أي بيانات أو معلومات عن المهرجان، لذا لم يتمكنوا من متابعته بشكل جيد، ولم يخبرهم أحد بمواعيد الأفلام أو الندوات.

يشير محمود عبد السميع، مدير التصوير السينمائي ورئيس {مهرجان جمعية الفيلم}، في معرض دفاعه عن عدم حضور النجوم، إلى أن التوقيت حساس لانشغال معظمهم بتصوير الدراما الرمضانية، أو بارتباطات في الخارج، مؤكداً أن حضور النجوم لا يشكل أولوية بالنسبة إلى المهرجان، رغم دورهم، لأن الأهم، من وجهة نظره، تنظيم ندوات بعد عرض كل فيلم، سواء حضر صانعو الأفلام أم لا، باعتبار أن دور {جمعية الفيلم} تثقيف الجمهور من خلال المناقشات التي تدور حول الفيلم.

حول عدم إقبال الجمهور، يؤكد عبد السميع أن طبيعة المهرجان تكمن في عرض أفلام عرضت خلال العام الماضي وشاهدها الجمهور، لذا لا يحضر سوى من لم يشاهد هذه الأفلام، أو من يهتمّ بالندوات والمشاركة فيها لإثراء ثقافته السينمائية.

في هذا السياق توضح مخرجة فيلم {فيلا 69} آيتن أمين وكثر من صانعي الأفلام المعروضة في المهرجان أنهم لم يتبلغوا بمواعيد عرض أفلامهم والندوات حولها.

تكريم

ترأس المخرج محمد عبد العزيز لجنة التحكيم التي ضمت في عضويتها: المخرج إبراهيم الموجي، الناقد طارق الشناوي، السيناريست عاطف بشاي، الموسيقار منير الوسيمي، المخرج يوسف أبو سيف، مهندس الصوت مجدي كامل، مدير التصوير الكبير رمسيس مرزوق، الناقدة ماجدة خير الله، الناقد محسن ويفي رئيس جمعية نقاد السينما المصريين، مهندس الديكور محمود محسن، المونتيرة الدكتورة رحمة منتصر أستاذة المونتاج بالمعهد العالي للسينما.

شارك في دورة هذا العام 26 فيلماً روائياً من بينها: {على جثتي،  فبراير الأسود، الشتا اللي فات، الحرامي والعبيط، هرج ومرج، عشم، فرش وغطا، فيلا 69، الحفلة، هاتولي راجل}...

كرم المهرجان الفنانة ميرفت أمين، الناقدين السينمائيين مصطفى درويش وصبحي شفيق، منسق الخدع السينمائية عباس صابر، والمصور الفوتوغرافي للأفلام السينمائية محمد بكر.

 كذلك كانت للمهرجان لفتة وفاء إلى الراحلين: كاتب السيناريو ممدوح الليثي، المخرج توفيق صالح، الناقد رفيق الصبان، الأب يوسف مظلوم، فمنحهم شهادات تقدير. ومنح المهرجان شهادات تقدير إلى شركة {نيوسنشيري للإنتاج الفني والتوزيع} عن فيلم {على جثتي} للمخرج محمد بكير من تأليف تامر إبراهيم، وقد تسلم أحمد بدوي شهادات التقدير.

جوائز

نالت أفلام شركة {فيلم كلينك} 13 جائزة، وكان لفيلمي {فيلا 69} و}فرش وغطا} النصيب الأكبر من جوائز المهرجان. حصل {فيلا 69} على: جائزة العمل الأول للمخرجة آيتن أمين، أفضل ممثل رئيس لبطله خالد أبو النجا، أفضل ممثل ثانوي لـعمر الغندور، أفضل ممثلة ثانوية لهبة يسري، أفضل مونتاج لعماد ماهر.

أما فيلم {فرش وغطا} فنال جوائز: أفضل فيلم، أفضل سيناريو وإخراج لأحمد عبدالله السيد، أفضل صوت لأحمد مصطفى صالح وأفضل ملصق، فيما حصل {عَشّمْ} على: جائزة لجنة التحكيم للمخرجة ماغي مرجان، أفضل موسيقى لـ {شركة اسمع شوف} (خالد قمار وأحمد مصطفى)، الإشراف الموسيقي لهاني عادل، وأفضل ملابس لـوفاء والي.

كذلك كرّم المهرجان مخرجي الأفلام الثلاثة ماغي مرجان، أحمد عبد الله السيد وآيتن أمين، ومنحهم شهادات تقدير خلال الندوات التي أعقبت عروض أفلامهم ضمن فعاليات المهرجان.

شاركت في المهرجان أفلام لثمانية مخرجين، من بينهم أربعة كتبوا سيناريو أفلامهم وهم: محمد أمين الذي كتب وأخرج فيلم «فبراير الأسود»، نادين خان التي كتبت وأخرجت فيلم «هرج ومرج»، وماغي مرجان مخرجة فيلم «عشم»، وأحمد عبد الله مخرج فيلم «فرش وغطا».

الجريدة الكويتية في

02.03.2014

 
 

روشتـة جديـدة لإنقـــاذ السينما

محمد رفعت 

تعالت بعض الأصوات من جديد لتطالب بعودة الدولة إلى الإنتاج السينمائى، وأعتقد أن هذا ليس هو الحل، فعودة الأفلام التى تمولها الحكومة لن يحل مشكلات السينما أو ينقذها من الأزمة التى تخنقها حتى من قبل 25 يناير 2011 وما تلاها من أحداث ، وذلك بسبب أنانية بعض المنتجين والمسئولين عن التوزيع والمبالغة فى أجور النجوم والنجمات، فضلا عن بعض الأسباب من خارج الصناعة مثل ظهور مرض أنفلونزا الخنازير وقصر موسم الصيف السينمائى.

وتجربة القطاع العام السينمائى لاتزال ماثلة فى الأذهان، فقد تورط هذا القطاع من خلال جهاز السينما فى إنتاج أفلام ضعيفة وعديمة القيمة الفنية مثل «شنبو فى المصيدة»، فى حين أنتجت سيدة عظيمة مثل آسيا ملحمة «صلاح الدين الأيوبى» وخسرت بسبب إنتاجه الضخم معظم ثروتها.

وإعادة هذه التجربة الفاشلة مرة أخرى لن يؤدى سوى تجمع بعض الانتهازيين ومحترفى إقامة دوائر التواصل وعلاقات البيزنس والشراكة مع بعض المسئولين حول موظفى وزارة الثقافة الذين سيكون فى أيديهم مفاتيح خزانة تمويل إنتاج الأفلام، وهؤلاء هم أنفسهم الذين حصلوا على دعم الوزارة المقدر بنحو 20 مليون جنيه، وأنتجوا أفلاماً لم تحقق نجاحاً جماهيرياً أو تجارياً يذكر، ولم يكن لها قيمة على المستوى النقدى مثل أفلام «العدل جروب».

وهناك أساليب ووسائل أخرى كثيرة للنهوض بصناعة السينما غير العودة إلى تجربة ثبت فشلها عملياً وواقعياً. فالزمن لم يعد هو الزمن، والظروف الاقتصادية والسياسية تغيرت فى اتجاه لا يمكن النكوص عنه، وما حدث فى حقبة الستينيات من القرن الماضى لا يصلح للتطبيق الآن على أى مستوى من المستويات. 

وإذا كنا نريد أن نساعد السينمائيين ونشجعهم على الإنتاج، فيجب أن نقلل من قيمة الضرائب على الأفلام الخام ومعدات التصوير وإيجار الاستوديوهات، أو نتيح الفرصة لقناة حكومية مثل «نايل سينما» للمشاركة فى عملية الإنتاج، والقيام بشراء حق عرض الأفلام الجديدة حصرياً كما تفعل القنوات العربية المنافسة، وأن نتوسع فى عمليات الترجمة والدوبلاج للأفلام المصرية، ونبحث لها عن أسواق جديدة، كما يجب أن تقوم وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات من خلال القنصليات المصرية بالخارج والملحقين الإعلاميين بتوقيع عقود حماية الملكية الفكرية مع الدول التى يمثلوننا فيها، بحيث لا يظل الإبداع المصرى سواء كان فيلماً أو مسلسلاً أو أغنية أو مقطوعة موسيقية أمراً مستباحاً للجميع بلا ثمن. 

ولابد من تفعيل القوانين المنظمة لحقوق الاستغلال الفنى، وتمكين الرقابة على المصنفات الفنية من القيام بدورها فى حماية المنتج الفنى من القراصنة ولصوص الإنترنت.

أكتوبر المصرية في

02.03.2014

 
 

«المهرجان» ..

الغناءأفضل من الصياغـة

محمود عبدالشكور 

أعجبتنى أشياء كثيرة فى فيلم «المهرجان» الذى كتبه محمد عبدالمعطى وأخرجه حسام الجوهرى، ولكن الفيلم به أيضا مشكلات مزعجة معظمها فى السيناريو المترهل الذى لم يستطع ضبط الصراع ولا تكثيف مواقفه، كان يمكن أن يكون الفيلم أفضل لو تم حذف ما لايقل عن نصف ساعة من زمنه، الغريب أن الفيلم هو العمل الروائى الطويل الثانى من نوعه الذى يتحدث عن عالم الأغنية الشعبية الجديدة المصرية، والتى تقترب من موسيقى الراب والهيب هوب ولكن بكلمات وموضوعات وتعبيرات مصرية، وهو أيضا الفيلم الثانى الذى يقوم ببطولته نجوم هذه الأغانى الفعليين، ومن إخراج نفس المخرج حسام الجوهرى، كان فيلمه الأول عن هذا الموضوع بعنوان «8%» من كتابة إبراهيم فخر، وبطولة الثلاثى أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا، أما «المهرجان» فهو بطولة الثنائى السادات وعلاء فيفتى، بينما يلعب الممثل رامى غيط دورا لشخصية حقيقية هى عمرو حاحا، الذى يؤكد الفيلم أنه مبتدع هذا اللون من الغناء فى مصر، وأن الجميع سرقوا طريقته واشتهروا بها، اللافت أيضا أن هناك فيلما وثائقيا عن نفس النوع من الغناء أنتجه كريم بطرس غالى وكريم جمال الدين بعنوان « إليكترو شعبى»، ومن إخراج التونسية هند مضب.

نحن إذن أمام ظاهرة حقيقية سواء أحببتها أم لم تحبها، والفيلمان الروائيان السابقان يلعبان على نفس النغمة، وهى قدرة هذا النوع من الغناء على تعويض مؤديه عن الفقر والضياع والبطالة، ولكن «المهرجان» أفضل نسبيا من «8%»، ولو تمت السيطرة على ترهل بنائه، ولو تم ضبط خطوطه بدون استطراد أو ثرثرة، ولو تصاعدت الدراما بسلاسة إلى الذروة والحل، لكنا فعلا أمام عمل مقبول، وخصوصا أن الثنائى السادات وعلاء فيفتى انطلقا فى الأداء بدون افتعال، كانا على طبيعتهما تماما رغم بعض الهنات هنا أو هناك، كما أن رامى غيط ممثل محترف جيد شاهدناه فى أدوار متنوعة مع خالد يوسف، يضاف إلى ذلك الموهوبة أمينة خليل التى ظهرت فى أعمال درامية معروفة مثل فيلم «عشم» ، ومسلسل «نكدب لوقلنا مابنحبش».

أفضل ما فى الفيلم أنه يقدم بطلية السادات وعلاء فيفتى وبيئتهما فى منطقة دار السلام، بدون تزويق أو رتوش، منطقة فقيرة بائسة يعانى شبابها من البطالة، نشاهد فى البداية السادات وهو يهرب من الشرطة لترويجه المخدرات، بينما يعمل علاء فيفتى نجارا سرعان ما يتم طرده من العمل بسبب مغازلته لإحدى النساء، السادات متعلق بفتاة منحرفة دفعها الفقر لاحتراف الدعارة، وعلاء فيفتى خرج من التعليم فى سن الثانية عشرة، ولا يستطيع الزواج، والده المتدين «صبرى عبد المنعم» يوبخه دوما ويتهمه بالفشل، أمه (عايدة رياض) طيبة وتشجعه، علاء والسادات يحترفان الغناء فى الأفراح، ثم يجتمعان بالصدفة فى فرح شعبى، يتصادقان، السادات بارع أيضا فى الرقص، الاثنان يعملان مع متعهد الأفراح طرزان «محسن منصور فى أحد أظرف أدواره» الذى يسرق من النت الأغانى التى ينشرها عمرو حاحا «رامى غيط»، الشاب الخجول الذى يعمل فى سايبر، والذى يخترق الإيميلات، ويزوّر الفيزات مقابل مبالغ مالية، ينجح طرزان فى تنظيم مهرجان السلام فتنتشر تلك الأغنيات الخفيفة، بل إن نوع الموسيقى نفسه يطلق عليه اسم المهرجان، ثم ينضم الثلاثى إلى عمرو حاحا صاحب الفكرة وحق الإبتكار لدمج الغناء الشعبى المصرى بموسيقى وأغنيات الراب والهيب هوب.

كرمة «أمينة خليل» التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان، والتى صدمت عندما عرفت أن خطيبها شاذ جنسيا، ستكون هى السبب فى انتشار موسيقى عمرو حاحا وأغنيات السادات وفيفتى، يدعوها أحد العاملين معها إلى فرح شعبى، تنبهر بالاستعراض، تقرر أن تصبح مديرة أعمال الثلاثة بعد ان انفصلوا عن طرزان الخائن والمستغل، بل إنها تبيع سيارتها، وتحصل على قرض من البنك لكى تنتج لهم ألبوما، يقع حاحا والسادات فى غرامها، ولكنها تعاملهما كإخوتها، تتعرض موسيقى المهرجان للهجوم العنيف، موسيقار يقول إنها ليست موسيقى أصلا، لا يحاول الفيلم، وهذه إحدى محاسنه، أن يضخّم مما يفعله هؤلاء الشباب، إنه يقدمهم باعتبارهم مجموعة تحب ما تعمل، ولا تدعى أى شئ سوى أنها تحاول إسعاد الناس والغلابة على وجه التحديد، الغناء أفضل من البطالة والصياعة، ولولا المهرجان لعاد السادات تاجرا للمخدرات، ولعمل حاحا من جديد فى تزوير الفيزات، ولاستهلك علاء فيفتى طاقته فى مطاردة النساء، إنه ببساطة غناء وفرح مرح وأكل عيش معا، تقول إحدى أغنياتهم إنهم لم يجدوا من يعلّمهم، وفى نهاية الفيلم يغنى الثلاثة «حاحا والسادات وفيفتى» مونولوج إسماعيل ياسين الشهير: «كلنا عايزين سعادة .. بس إيه هيّة السعادة .. قوللى ياصاحب السعادة».

هذا هو الإطار العام للأحداث، وهو كما ترى بسيط، ويعتمد على وقائع حقيقية فى حياة هذا الفريق الذى انتشرت أغنياته فى الأحياء الراقية ثم قدموا حفلات فى الخارج، ولكن السيناريو لم يستطع مع الأسف ضبط الخطوط الأربعة معا «طرزان وفيفتى والسادات وأمينة» إلا بعد فترة طويلة جدا من بدايته، ظلت أمينة فى خط منفصل ملئ بالتفاصيل عن علاقتها بخطيبها الشاذ، جاء تحولها أيضا من حقوق الإنسان إلى العمل كمديرة أعمال لفريق شعبى مفاجئا وغريبا، ولكن علاقة امرأة من الطبقة الغنية مع فريق غنائى من المهمشين كانت جديدة ولامعة، صدمة كرمة فى خطيبها جعلتها تؤمن أنه ليس بالضرورة أن تندمج مع أشخاص يشبهونها، وان الثراء والوجاهة يخفيان أحيانا نفوسا وضيعة، يعيب الفيلم أيضا محاولته أغلاق كل الأقواس برضاء والد علاء عنه، وتصالح كرمة مع أخيها، ثم الكثير من الإستطرادات التى جعلت الأحداث تعلو وتهبط مثل خطوط الرسم البيانى المضطربة، كان يمكن علاج ذلك بحذف الكثير من المشاهد، كان هناك إسراف فى استخدام موسيقى هيثم الخميسى فى معظم المشاهد تقريبا، بصفة عامة تستطيع أن تتحدث عن أداء تمثيلى مقبول خصوصا من السادات وفيفتى، هناك أيضا بعض المشاهد المرحة الجيدة، وطبعا أداء رامى غيط الهادئ «شاهدت عمرو حاحا الحقيقى فى برنامج تليفزيونى وهو شخص خجول للغاية وصامت طوال الوقت»، كانت أمينة خليل مناسبة تماما لدورها، وهى ممثلة واعدة جدا، أما محسن منصور فقدم أفضل أدواره، بدا كما لو أنه جزء من المكان والبيئة، وبدا كما لو أنه ولد وعاش فى نفس المنطقة التى عاش فيها السادات وفيفتى، وقد أضفى لمسات كوميدية لطيفة بدون افتعال أو استظراف، فى كل الأحوال فإن حسام الجوهرى أفضل حالا كمخرج من فيلمه السابق «8%»، كان واضحا تماما أنه يحب هذا اللون من الغناء الشعبى، وأن الحكاية ليست مجرد سبوبة وخلاص!

أكتوبر المصرية في

02.03.2014

 
 

فى ذكرى الفنان الكبير..

سماعة طبية وراء اعتزال زكى رستم ! 

قضى الفنان الكبير الراحل زكى رستم نحو 6 أعوام قبل وفاته وحيدًا ومنعزلا عن الأضواء والشهرة، وذلك بعدما أعلن اعتزاله الفن نهائيًا لإصابته بإعاقة سمعية أقرب إلى الصمم.

رستم لم يكن ليتخذ هذا القرار لولا أنه أحس بثقل تلك الإصابة على طاقم العمل، والذين وجد منهم صعوبة فى التواصل معه خلال شرح المشهد المطلوب تصويره، فزاد عليه ذلك من التوتر والحزن ما جعله يتخذ هذا القرار.

النجم المخضرم، وقبل اعتزاله رفض بشدة استخدام السماعة الطبية المُكبرة للصوت فى أذنه؛ اعتقادًا بأن سمعه الثقيل ما هو إلا مجرد عارض دخيل سيزول مع الأيام، وأن حفظه الجيد للدور وقراءته لشفاه الممثلين أمامه قد تحل المشكلة‏.

وكانت سماعات الأذن فى ذلك الوقت لا تزال بأسلاك وبطاريات ظاهرة للعيان فشعر معها الفنان العظيم بالحرج، وأحس أن وضع تلك السماعات ستقيد من اندماجه التمثيلى.

وبعد آخر أفلامه «أجازة صيف» مع فريد شوقى عام 1966، ابتعد الفنان الكبير عن زملائه من الوسط الفني، لا يلتقى أحدًا ولا يخرج إلا نادرًا، وعاش مع كلبه فى عزلة قاسية يقرأ الكتب باللغات العربية، والفرنسية، والإنجليزية‏ حتى وفاته فى مثل هذه الأيام من عام 1972.

أكتوبر المصرية في

02.03.2014

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)