كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

المخرج عمرو سلامة:

مناخ مصر السياسي لا يتقبل أي رأي مختلف

DW

 

منذ شهر تقريبا تشهد صالات السينما في القاهرة إقبالا كبيرا على الفيلم المصري الجديد "لا مؤاخذة". الفيلم يتطرق لمواضيع مثيرة للجدل داخل المجتمع المصري بطريقة طريفة وساخرة. DW عربية حاورت مخرج الفيلم عمرو سلامة.

فيلم "لا مؤاخذة" الذي تصدر شباك التذاكر في دور السينما المصرية تدور أحداثه حول طفل مسيحي لعائلة ثرية تنقلب حياته رأسا على عقب بعد وفاة والده فجأة واكتشاف والدته أنه ترك ديونا كثيرة، فتضطر لنقل ابنها إلى مدرسة حكومية بعدما كان في مدرسة خاصة، ليواجه الطفل مأزق اختلاف الطبقات بين المدرستين، ويزداد الموقف تعقيدا عندما يضطر إلى عدم الكشف عن ديانته المسيحية ليندمج مع زملائه ويتم تقبله.

"لا مؤاخذة" في العامية المصرية تعني بدون إحراج أو عفوا، وهو عنوان يتسق مع مضمون الفيلم؛ وكأنّ المخرج يريد أن يقول للمتفرج (عفوا ولكننا هكذا). قصة الفيلم مستوحاة من تجربة شخصية لمخرج الفيلم عمرو سلامة الذي أجرينا معه هذا الحوار:

·        DWعربية: كتبتَ الفيلم بنفسك وأخرجته. ما هي الفكرة وراء القصة؟

المخرج عمرو سلامة: 90 في المئة من أحداث الفيلم عشتها بنفسي حين كنت طفلا. فقد عانيت في المدرسة الحكومية وأردت أن أخرج فيلما عن معاناتي مع الطبقية، لكن أضفت الى ذلك المحور الديني وجعلت بطل الفيلم مسيحيا.

·        الرقابة احتجزت الفيلم أربع سنوات ورفضت عرضه، لماذا؟

الأسباب التي أعطوها لي لم تكن واضحة. كل مرة الرفض كان لسبب مختلف كاختيار طفل ليكون بطلا للفيلم أو السيناريو أو تشويه صورة المدارس الحكومية لكن في النهاية السبب الرئيسي هو تناول قصة حول الأقباط والمسلمين وهو موضوع دائما ما يتم تجنبه خوفا من إثارة الجدل. لكن في النهاية هي مشكلة موجودة ويجب الاعتراف بها ومواجهتها.

·        كيف جاءت ردود فعل النقاد على الفيلم، خاصة وأنك تناولت موضوعا حساسا وهو الأقلية المسيحية في مصر؟

بخلاف ما توقعت لم تأتي انتقادات كثيرة. وقد حاز الفيلم على استحسان معظم قطاعات المجتمع. وحقق إيرادات طيبة في ظل الوضع الحالي الذي تعاني منه صناعة السينما نتيجة حالة عدم الاستقرار. هناك انتقادات قليلة واجهتها وهي إثارة الفتنة الطائفية في مصر واتهامي بأنني أريد إظهار أن هناك مشكلة بين المسيحيين والمسلمين. لكنها اتهامات لا علاقة لها بمضمون ورسالة الفيلم ولم تؤثر على نجاحه.

·        كيف كانت عملية اختيار الأطفال والعمل معهم؟

استغرقت عملية الكاستنغ (اختيار الممثلين) حوالي ستة أشهر ولم تكن سهلة. فاختيار الأطفال المناسبين لكل دور كانت عملية شاقة. العمل مع الأطفال بصفة عامة كان متعبا إلى حد ما لكنه ممتع أيضا. محمد داش بطل الفيلم طفل ذكي وكان العمل معه مريحا رغم أنها كانت أول تجربة له في التمثيل.

·        القضية الرئيسية في الفيلم لم تكن الطائفية. أليس كذلك؟

لا، الطائفية كانت جزءا من القصة لكن في الأساس هي قضية الاندماج في المجتمع وتقبّل الاختلاف. وهذه مشكلة اجتماعية خطيرة، سواء دينيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا.

·        أنت أخرجت جزءا من فيلم "تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي" عن ثورة 25 يناير وكانت لك نشاطات سياسية واضحة قبل وبعد الثورة. ما سبب بعدك عن النشاط السياسي الآن؟

المناخ السياسي حاليا لا يترك المجال لأي رأي مختلف وأنا غير راض عن الأوضاع الحالية ورأيي لا يؤيده إلا فئة قليلة من المجتمع. فأنا لست مؤمنا بالخطاب السياسي الدارج. وأشعر أن دوري السياسي الآن غير فعال. لكن مازلت أنقل أفكاري وآرائي عبر شبكات التواصل الإجتماعي كتويتر وفيسبوك. وأنا أنتظر اللحظة التاريخية التي يمكن أن يكون لي فيها دور سياسي. لذلك في هذه المرحلة أعتقد أن عملي الفني هو الأساس والأهم، ومن خلاله يمكن أن أقدم أفضل ما عندي وأبدع في العمل السينمائي.

·        كيف ترى المشهد السياسي في مصر الآن؟

الوضع في مصر محزن وبالغ السوء ولا أعتقد أن الأمور ستتحسن قريبا، بل أتنبأ بسنوات أصعب ولكن هذا تطور طبيعي لأي ثورة. فهناك مراحل يجب أن تمر بها البلد حتى تصل إلى بر الأمان، لذلك على المدى البعيد أنا متفائل بمستقبل أفضل لمصر.

·        هل تعمل على فيلم جديد حاليا؟

نعم! أعمل على فيلم كوميدي مع الممثل أحمد حلمي اسمه "صُنع في الصين". وسوف أبدأ بتصويره قريبا وأتوقع نجاحه أيضا. قصة الفيلم غريبة وطريفة ولا أريد أن أبوح بها الآن.

الشروق المصرية في

02.03.2014

 
 

مهرجان الفيلم الياباني يجمع بين الأسرة والتقاليد والثقافة

يحرره: خيرية البشلاوى 

بدأ يوم الخميس الماضي 27 فبراير مهرجان للأفلام اليابانية يستمر حتي الخميس القادم.

ينظم الأسبوع مؤسسة اليابان التي اختارت "موضوع الأسرة" كمحور رئيسي تدور حوله الافلام "11 فيلما ما بين روائي ورسوم ودراما وكوميديا".

القاريء المهتم بالسينما اليابانية يعرف ان لليابان تاريحاً عريقاً وقوياً ويمتد لمائة عام.. وتمتلك واحدة من اقدم واكبر صناعات السينما في العالم.

احتلت في عام 2010 الترتيب الرابع علي مستوي العالم من حيث كم الإنتاج وفي عام 2011 انتجت اليابان 411 فيلما روائيا طويلا وحققت 9.54% من إجمالي العائد العالمي من شباك التذاكر الذي يصل إلي 338 بليون دولار أمريكي.

عرفت اليابان السينما منذ عام 1897 عندما وصل إليها فريق من المصريين الأجانب التابعين لمخرج الصور المتحركة الإخوان لوميير.

ويصل نصيب اليابان من أفضل الأفلام التي تم انتاجها في قارة آسيا 8 أفلام من مجموع 12 فيلما حسب الاحصائية التي نشرتها مجلة "سايت اندساوند" البريطانية ومن بينها فيلم "قصة طوكيو" الذي احتل المركز الأول في هذه القائمة.

حصلت اليابان علي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم اجنبي أربع مرات متفوقة بذلك علي جميع دول آسيا.

من بين أروع الأفلام التي شاهدها الجمهور هنا وفي العالم فيلم "راشمون" للمخرج أكيرا كيروساوا و"قصة طوكيو" و"الساموراي السبعة" و"هاراكيري" و"هانابي".. والخ.

اختارت مؤسسة اليابان فيلم "الزوج الطيب" للعرض في حفل الافتتاح تجربة من الإنتاج الحديث 2009 تتناول العلاقات الزوجية في مجتمع اليوم ويعتبر نموذجا لواحدة من العلاقات الزوجية العديدة والمتنوعة التي تناولتها السينما هناك والتي لا شك تأثرت بمجتمع اليوم الذي صار يجمع البشرية في قرية واحدة تؤثر وتتأثر بعلاقات الأفراد والشعوب فوق كوكب الأرض مع التسليم بأن لكل مجتمع تقاليده وجذوره الثقافية العميقة التي لا يمحوها الوافد عليها وان بهت عليها أو أثر فيها الزوجان موضوع الفيلم.. فنان ومصور فوتوغرافي موهوب الصورة لغته التعبيرية الأولي. حقق شهرة ومكانة وزوجة جميلة ورشيقة تعمل بالتدريس لها معجبون واتباع من تلاميذها.

الفنان المصور والمدرسة في سن الأربعين أو دونها بقليل تزوجها من عشر سنوات وقد تسلل الملل والرتابة إلي حياتهما ونال من علاقتها الزوجية.

الفيلم يبدأ داخل شقة الزوجية في حجرة النوم بينما الزوج نائم لا يريد ان يغادر الفراش. تحاول الزوجة عبر حركات لطيفة أن توقظه وتحرك همته للقيام برحلة قامت بتنظيمها كمفاجأة لقضاء رحلة الكريسماس ولكنه لا يستجيب وإنما يشجعها أن تتركه وتذهب وحدها.

من خلال الحركة والحوار نلتقط ايحاءات تنبيء بأن الزوجة حريصة ليست فقط علي ايقاظ العلاقة نفسها بينها وبين الزوج وإنما علي ايقاظ همة الزوج الذي استسلم لحالة الملل.

لسنا أمام علاقة تقليدية زوجية.. الأثاث في الشقة الصغيرة المريحة يشير إلي ذوق غربي حديث بينما معمار الشقة الصغيرة يدل علي ابتكار واقتصاد وحس جمالي في استغلال المساحة المحددة نوعا وبطريقة خلاقة تلغي فكرة الحصار المكاني بينما الحصار الذي يتنامي يصيب المعنويات والشعور ونلمسه منذ الوهلة الأولي وإنما تبدلت هذه المساحة الشعورية إلي النقيض ولكن بعد مفاجآت يختزنها السيناريو زمن الاحداث: الكريسماس والزوجة تستميت في اقناع زوجها بالسفر في رحلة تتوفر فياه الفرصة لعمل طفل وأمام كسله تقرر السفر بمفردها وتتراجع بدوافع الشك وتعود بحجة انها نسيت أشياء مهمة لتجد في حجرة النوم صديقة الزوج - زير النساء - ممثلة مغمورة اغوته علي أمل ان يقوم بتصويرها في أوضاع توفر لها فرصة النجاح في مسابقة للوجوه الجديدة "الزوج الطيب" عنوان مخادع لأنه لم يصبح طيبا الا بعد فوات الأوان. لقد ظل مغرورا وكسولا رافضا الانجاب. رافضا العودة إلي فنه الذي برع فيه. رافضا غواية الزوجة الجميلة. خاضعا لإغراء آخريات.

في النصف الثاني من الفيلم نكتشف ان غرور الزوج مجرد قناع يخفي شحنات هائلة من المشاعر المحبوبة. امتنع عن توصيلها للزوجة في حياتها. ولن يكشف عنها إلا عندما عاد إلي مخزونه البصري من حياته الماضية معها. إلي المعمل وإلي الصور التي لم يتم تحميضها التي صورت آخر رحلة له معها. رحلة الكريسماس الأخيرة وصور رحلة الطلاق عندما قررت ان تتركه في الرحلة نكتشف قدرة المخرج ومصوره البارع وامكانياته التعبيرية من خلال شريط صوري بديع تشكيلا وألوانا وتعبيرا عن ثراء اللحظة التي جمعت الزوجين حيث الطبيعة والبحر والشواطيء الممتدة واشياء الحياة الحلوة التي غابت مع غياب الزوجة مخلفة فراغا إنسانيا هائلا ورغبة مهيمنة مستحيلة تعبر عن حالة انكار لرحيلها. وبدرجة جعلته يستحضرها في خياله حتي يحقق لها ما رفض تحقيقه حين كانت تشاركه الحياة. يدعها بالانجاب. بالرعاية. بشراء خاتم الزواج الذي ضاع بتحقيق ما كانت تبحث عنه ولم تعثر عليه.. صار هو الذي يبحث عن أشياء من المستحيل أن يجدها.

أجمل ما في الفيلم اداء هذا الثنائي الرائع.. الزوج "تسوشي تويوكاوا" والزوجة "ميروكو ياكيو شيمارو" الأول في أدائه لشخصية الفنان المهزوم النادم والمسكون بالحنين والرغبة مستحيلة المنال والثانية في تجسدها لشخصية الزوجة الأمينة جدا علي حياة لم تتحقق فيها كأنثي ولا كأم والمحبة والداعمة لزوج فنان في حالة انكسار وكسل.

المخرج ايزاو يوكيادا قدم قصة حياة تمزج الحلاوة بالمرارة في اطار انساني وثري يحفظ لتقاليد السينما اليابانية لمعانها وقوة تأثيرها وحرصها علي الروح الإنسانية ويقدم في نفس الوقت معالجة جريئة وأسلوب في السرد القصصي يتيح المجال للإبداع العصري الثري وللأداء الركب ولانحناءات في الشخصية غير متوقعة.

ولن تقتصر الشخصيات في الفيلم علي الزوجين وإنما ضمت شخصيات ثانوية بدرجة كبيرة من الحضور والتفاعل العضوي مع الخيط الرئيسي وتحديدا شخصية والد الزوجة المتحول إلي امرأة والذي يكشف عن عمق إنساني وقدرة علي العطاء والاندماج في محنة الشخصية الرئيسية وشخصية الفتاة الطموحة التي تتطلع للوصول إلي دور سينمائي بأي الوسائل وأيضا شخصية مساعد المصور العاشق لأستاذه الفنان الحريص بإخلاص علي شدة ثانية إلي عالمه وشهرته ومكانته كمصور وعلاقة هذا الشاب الخجول بالممثلة الطموحة ورغبته في مساعدتها الشخصيات في الفيلم محدودة بينما الحياة التي يبعثرها علي الشاشة تنقل المتفرج إلي عالم آخر قد يلتقي أو يختلف معه في أشياء كثيرة.

يضم المهرجان الياباني تجارب عديدة تتناول مظاهر زخري للعلاقات الانسانية ليس فقط الزوجية وإنما العلاقات التي تربط سكان حي سكني في طوكيو في ظروف اقتصادية صعبة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية "الغروب في شارع 3" الجزء الأول والثاني والعلاقة التي تفيض بالإنسانية أيضا بين رجل عجوز وكلبه "حارس النجوم" وتتنوع موضوعات افلام المهرجان بين احداث تستدعي الماضي وفترة الجروب الأهلية وزمن الساموري حيث الحركة والمغامرة والتاريخ والتقاليد شديدة الخصوصية.

المساء المصرية في

02.03.2014

 
 

«التحرير» تنشر مذكرات تحية كاريوكا للكاتب الكبير صالح مرسى..

«الحلقة العاشرة»

أعدها للنشر- محمد توفيق 

العثور على مذكرات كاريوكا أشبه بالحصول على كنز، فمذكرات تحية كاريوكا لا تعكس فقط قصة حياة أشهر راقصة عرفتها مصر، لكنها تعكس صورة لحال البسطاء والحكومات فى مصر طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمن.

ولدت قبل 14 يومًا فقط من قيام ثورة 1919، وعاشت أجواء حرب 1948 ووقفت إلى جوار الفدائيين وساعدت فى نقل الأسلحة إليهم، وحين رأت أن ثورة يوليو انحرفت عن مسارها انتقدتها، ودفعت الثمن، ودخلت السجن.

لكن الأجمل والأهم والأمتع هو أن تقرأ هذه المذكرات بقلم العم صالح مرسى الأديب الذى جعل من الجاسوسية أدبًا وفنًا.

فتحية إلى «كاريوكا» بنت البلد المصرية الصميمة، الخالصة، المُخلصة، الشُجاعة، الجدعة، وتحية إلى المبدع الرائع الراحل صالح مرسى، فكلاهما لم يرحل عن القلب والذاكرة رغم رحيلهما عن الدنيا.

كاريوكا: نجيب الريحانى كان مغرمًا بالنساء وكلما حضرت بطلة جديدة إلى الفرقة ترك زوجته من أجلها

وقفت تحية مذهولة أمام بديعة التى كان وجهها يشحب كلما مضت الثوانى، ثمة شىء غريب ولا يصدق، وهل يمكن أن ينتقل الهرم الأكبر من مكانه، أو يتزحزح الجبل أو ينتحر؟!

غير أن هذا الوقت لم يكن وقت التأمل والتفكير، ولقد كانت بديعة عندما يشتد عليا الألم والعذاب وإلحاح الديانة، تغرق فى العمل أكثر، وتبحث لنفسها عن مخرج من ورطتها.. وهكذا يجب أن تفعل تحية، كانت عزيزة -الوصيفة السمراء- تهرول فى الفيلا رائحة غادية، وهى تولول، وكان لا بد من البحث عن مخرج، أى مخرج.. وفى المطبخ كان ثمة وعاء به لبن، وكانت بديعة فى تلك الأثناء صامتة لا تفتح فمها بكلمة، أتت عزيزة بكوب من اللبن، دون أن تدرى، هى أو تحية، ماذا يمكن أن يفعل اللبن مع كميات الإسبرين المهولة، التى كانت تتسرب إلى الدم لحظة بعد لحظة.. ودون مقاومة راحت بديعة تشرب اللبن من يد تحية، بينما كانت الفتاة تصرخ فى الوصيفة «الحقينى بدكتور.. أى دكتور».

وانطلقت عزيزة إلى الشارع تبحث عن طبيب، وانتهت بديعة من شرب اللبن، وأسندت رأسها إلى كتف تحية وقد أخذت تتلوى من الألم، وسرعان ما انثنت نصفين، وراحت تفرغ ما فى جسدها!

كانت هذه لحظات من العمر لا تنسى، كانت تحية ترتجف من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، وكل شىء فى خيالها ينهار من أساسه.. وسرعان ما وصلت عزيزة وهى تصحب طبيبًا جاء على عجل..

«ادتوها إيه؟!».

قالت تحية:

«كباية لبن!».

ولم تصدق تحية عينيها وهى ترى الطبيب يبتسم، ولم تصدق أذنيها وهى تسمعه يقول:

«أنت اشتغلتى دكتورة قبل كده؟».

كان اللبن هو العلاج الوحيد والسريع لمثل هذه الحالة، وكان الطبيب قد بدا يكشف على بديعة مصابنى، وقد زال الخطر تمامًا.. ثم راح الرجل يكتب الروشتة وهو يقول لبديعة:

«انتى لازم ترتاحى فى السرير كام يوم.. لكن الخطر زال والحمد لله»!!

رغم الهول الذى أحست به تحية فى ذلك الصباح، رغم الجزع والخوف والقلق واللهفة والضياع، فإن حادثة الانتحار هذه، سرعان ما تحولت -فى نفس الصباح- إلى مجرد عائق صغير اعترض مجرى النهر المتدفق بالحياة فى قلب هذه السيدة الغريبة!

كانت جولة الصعيد التى اتفقت عليها بديعة تبدأ فى مساء ذلك اليوم.. وكانت الراقصات قد استعد كل منهن مع العازفين على بداية الرحلة، لذلك.. ما إن غادر الطبيب باب الفيلا، حتى أسرعت عزيزة تشترى الحقن والدواء الذى أمر به الطبيب، لكن بديعة كانت -وقد عادت إليها الحياة من جديد- تستعد لبدء الرحلة فى المساء دون راحة، ودون تردد!

عبثا حاولت تحية أن تثنى بديعة عن عزمها!

وسرعان ما عادت الابتسامة الساخرة إلى شفتى بديعة من جديد.. وذات مرة، قبل سنوات من وصول تحية إلى القاهرة، كانت فرقة نجيب الريحانى تقوم بجولة فى المهجر، وكانت بديعة فى ذلك الوقت -وحتى آخر يوم من أيام الريحانى- زوجة لنجيب الريحانى، وكان نجيب شابا مغرمًا بالنساء، وكان غرامه هذا هو ما يضنى بطلة الفرقة التى يرتمى تحت أقدامها الرجال من كل لون، وذات يوم استيقظت بديعة فى المهجر، لتجد أن نجيب قد اختفى تمامًا، وعندما بحثت وسألت وتفحصت، اكتشفت بدهشة وذعر، أنه حمل كل دخل الفرقة من مال، وطار إلى باريس بصحبة فتاة من فتيات الفرقة!

جلست تحية على طرف الفراش تستمع لبديعة التى كانت تغرق فى الضحك كلما تذكرت مأزقًا.. ولم يكن ما فعله نجيب الريحانى مأزقًا من نوع عادى، كان قد ترك زوجته -بديعة- والفرقة بلا مال، وفى الغربة بعيدًا بآلاف الأميال عن أرض الوطن، وكان هروبه مع فتاة مغمورة من فتيات الفرقة لطمة أصابتها فى الصميم، كفنانة، وكزوجة لهذا الرجل الغريب.

غير أن بديعة مصابنى كانت قد تعودت، قبل الزواج من نجيب وبعده، على مثل هذه المواقف، فسرعان ما تمالكت نفسها، وجمعت شتات كبريائها، وجلست وسط أعضاء الفرقة تعيد تكوينها من جديد.. ولقد اكتشف الجميع أن العقد الذى أبرمه نجيب مع المتعهد، كان قد انتهى فى الليلة السابقة.. لم يكن يعنى بديعة، أو أى فرد من أفراد الفرقة، إلا أن يحصلوا على ثمن تذكرة العودة فقط.. ولقد استطاعت بديعة أن تتفق فى نفس الصباح على إحياء عدة حفلات فى المهجر، وبالفعل قادت بديعة الفرقة إلى بر الأمان، وما إن مضت أيام، حتى كان كل فرد يملك ثمن عودته إلى القاهرة، أما بديعة، فلقد كانت تملك ثمن عودتها إلى باريس فقط.

عرفت بديعة بعد أن بحثت واستقصت، إلى أين ذهب نجيب الريحانى بعد أن هرب بالمال مع عشيقته.. وإذا كانت قد عرفت بحدسها أين يمكن أن يذهب رجلها بالمال، إلا أن ظلت تبحث وتسأل.. حتى عرفت اسم الفندق الذى ينزل به!

وذات فجر، وقبل أن تشرق الشمس، كانت بديعة تقف أمام أحد فنادق باريس وحدها، بعد أن تركت حقائبها فى فندق آخر.. دخلت الفندق مع الفجر وسألت الموظف عن الغرفة التى ينزل بها «مسيو ريحانى».. وعندما عرف الرجل أنها «مدام ريحانى» دلها على الغرفة وكله دهشة.. لكنها لم تعر دهشته أى اهتمام واتجهت نحو المصعد، وذهبت إلى الغرفة!

وبعد سنوات طويلة طويلة.. كان نجيب الريحانى يقص على تحية كاريوكا وهو غارق فى الضحك، كيف استيقظ فى هذا الفجر -وكان نائمًا بجوار حبيبته- على طرقات تدق باب غرفته، فهب من نومه جالسًا فى الفراش وهو يصيح:

«جالك الموت يا تارك الصلاة؟!».

واستيقظت الفتاة من نومها، وسألته عن الطارق فى مثل هذه الساعة، فقال:

«ومين يخبط على الباب بالشكل ده، فى وقت زى ده إلا هى؟!».

وقفزت الفتاة مذعورة من الفراش:

«مين؟!».

«بديعة!!».

ولم يكن هناك مفر، وفتح نجيب باب الغرفة قبل أن يعلو صوت بديعة فى سكون الفجر ويتحول الأمر إلى فضيحة، وشهد هذا الفندق، فى العاصمة الفرنسية، فى ذلك الفجر، فتاة تحمل حقيبة ملابسها وهى تهرول لكى تنجو بجلدها من اللطمات والضربات التى انهالت عليها، تاركة نجيب يتلقى وحده، علقة ساخنة، ظل يحلف بها طوال عمره!!

فى المساء.. كان القطار ينهب الأرض فى طريقه إلى قلب الصعيد.. وفى إحدى عربات القطار، كان ثمة مجموعة من الفتيات والرجال الذين يحملون معهم آلات للعزف يجلسون فى دواوين متقاربة.. وتهامس الركاب فى ذلك المساء، أن فى القطار «جوقة» بديعة مصابنى، التى تقوم فى تلك الليلة برحلة فنية إلى مدن الصعيد.

وكانت بديعة مصابنى تعانى فى بداية الرحلة من ضعف شديد بعد تلك المحاولة التى أقدمت عليها للانتحار، ولذلك فلقد كانت -طوال الرحلة- محاطة بثلاثة أشخاص رفضوا أن يبتعدوا عنها خطوة.. تحية محمد التى التصقت بها التصاق الابنة بأمها، رغم وجود جولييت ابنة بديعة ضمن الفرقة، ثم عزيزة الوصيفة التى كانت على استعداد تام لتلبية أى إشارة من سيدتها.. وشخص ثالث، كان يحمل حقيبة طبية صغيرة، بها أدوات الحقن، فلقد كان ولا بد لبديعة أن تأخذ العلاج طوال الطريق، بعد أن اتفقت مع تحية وعزيزة أن تكتما الخبر -خبر محاولة الانتحار- عن الجميع!

قالت بديعة مصابنى، فى مذكراتها، إن الذى اعتدى عليها فى بداية حياتها، كان رجلاً سكيرًا!

وإذا كانت هذه الحادثة كفيلة وحدها بأن تجعل من بداية حياة هذه السيدة ملحمة من ملاحم حيوات البشر، إلا أن ما حدث حقيقة كان أوقع على النفس، وأشد بشاعة، وأكثر فظاعة مما يتخيل كثيرون.. ولقد كان هذا السر الذى كتمته بديعة تمامًا عن كل الناس، إلا بضعة من أقرب المقربين إليها ومنهم تلميذتها تحية محمد، وإذا كانت بديعة مصابنى -مد الله فى عمرها- قد أرادت أن تخفى حقيقة ذلك السر المخيف عن الناس عندما خرجت عليهم بمذكراتها، فهل يملك الإنسان -أيا كان هذا الإنسان- أن يذكر الحقيقة رغم أنف صاحبها!!

إن بديعة مصابنى التى أصيبت بأم لاحقتها لسنوات طويلة بعارها، تكشفه للناس وتعلنه على الملأ حتى فى المهجر، لكى تظل فتاتها بقرة حلوبًا تدر عليها من المال ما يكفى لإشباع جشعها.. إن بديعة مصابنى هذه، وقد أفاقت من كابوس الرغبة فى الانتحار، واجتازت بصدفة أو معجزة مرحلة الخطر.. وسرعان ما عادت إليها ثقتها بنفسها وبالحياة.. وبدأت على الفور، وفى نفس اليوم، تمارس فنها بقدرة أذهلت الفتاة الصغيرة، التى هربت من الإسماعيلية منذ بضعة أشهر حافية القدمين قصيرة الشعر، والتى لم تكن حتى تلك اللحظات تعرف شيئًا عن الرقص سوى تلك الخطوات التى علمها لها «أيدى» فى المسرح وسوى ذلك الإحساس الغامر بالسعادة، الذى كانت تغرق فيه كلما صعدت المدام على خشبة المسرح لترقص، أو تعزف بالصاجات ذلك العزف الشجى!

وكان برنامج الرحلة يبدأ من الغيوم إلى بنى سويف إلى المنيا ثم ملوى وأسيوط، وطهطا وسوهاج وجرجا و.. و.. ولم يكن جسد بديعة الواهن يحتمل هذا المجهود.. فراحت تحية، كلما قطعوا مرحلة من الرحلة، تحرضها على التوقف والعودة إلى القاهرة من جديد، فكان رد الأستاذة يأتيها حاسمًا:

«شوفى يا توحة.. الجمهور مش لازم يستنى الفنان.. الفنان هو اللى لازم يلتزم بكلامه قدام الناس ولا يرجعش فيه

ولقد لازمتها تحية دقيقة بدقيقة، كان قلبها يتفتح كل يوم مع وجدانها وعقلها على درس جديد.. وإذا أرادت -وقد اختارت لنفسها طريق الرقص- أن تصبح يوما ذات شأن، فعليها أن تتعلم من ذوى الشأن!!

وكان الدرس الأول فى إحدى مدن الصعيد.

وإذا كان الفنان يحمل إلى الناس رسالة ما، أى رسالة، فإن عليه لكى يحترم الناس رسالته، أن يحترم هو فنه أولاً!

وفى إحدى الحفلات التى أقيمت فى قلب الصعيد، كانت تحية محمد تقف على المسرح وسط مجموعة الفتيات اللاتى وقع عليهن اختيار الأستاذة ليقمن معها بهذه الرحلة.. كانت هناك: سارة، وجولييت، وإيفون صيداوى، وكريمة محمد.. و.. وكانت بديعة تتصدر المسرح أمام الفتيات وهى تعزف بصاجاتها ذلك العزف الذى يشنف الآذان، فكأنه مقطوعات موسيقية قائمة بذاتها.. عندما انهالت على المسرح -على بديعة بالذات- قذائف من نوع فريد!

وإذا كان لفن الكتابة آداب يجب أن تحتذى وتحترم، وأن يلتزم بها كل من حمل هذا الشرف.. فإن هناك من الحقائق ما لا يمكن إغفاله، أو التلميح إليه، حتى تصل الحقيقة -كاملة بلا رتوش- للناس!

وإذا كانت تحية كاريوكا، التى أصبحت لربع قرن من الزمان علما من أعلام الفن فى مصر، وتجربة إنسانية عريضة وعريقة.. قد أصبحت ما هى عليه الآن.. فإن الواجب يحتم على المرء أن يكتب درسها الأول -بكل قسوته- الذى تعلمت منه كيف تصبح ما أصبحت!

ففى تلك الليلة، فى تلك المدينة التى ربما كانت المنيا أو أسيوط أو جرجا -هى فى الغالب أسيوط- وبينما كانت «النمرة» تؤدى على المسرح، والجمهور غارق فى المشاهدة والاستمتاع، فوجئت البنات الراقصات خلف الأستاذة، بقذائف من «القاذورات» تنهال على بديعة بالذات!!

ولقد كان رجال الصعيد وشبابه، إذا ما أراد الواحد منهم أن يروح عن نفسه، لا يجد أمامه سوى القاهرة بملاهيها وصلاتها وأضوائها.. ولقد كان من هؤلاء مئات من الذين وقعوا فى غرام بديعة مصابنى بالذات، ولقد نسجت فى تلك الأيام قصص حب، وجرائم، وفتوات، وجاسوسية تفوق كل خيال، ولقد خرج من هذه المدينة الكائنة فى قلب الصعيد، والتى كانت ترقص فيها بديعة مصابنى وفتياتها فى تلك الليلة، خرج شاب مسيحى ذات يوم إلى القاهرة، وأحد من مئات كانوا يفعلون مثله، وساقه القدر ذات ليلة إلى «صالة بديعة» بعماد الدين، فوقع فى غرام بديعة.. وقع فى غرامها منذ الليلة الأولى، وأصبح لا يطيق الابتعاد عنها، وكان إذا عاد إلى بلدته فى الصعيد، عاد فقط ليزود نفسه ببعض المال الذى كان ينفقه ببذخ شديد حتى تلتفت إليه «المدام».. وعلى مدى شهور طويلة، حاول الرجل أن يتقرب من بديعة، بكل الوسائل حاول وبكل الطرق، وأنفق ببذخ شديد.. لكن بديعة -التى كانت قد خبرت كل أنواع الرجال- لم تستجب له، ولم تبادله الحب، فباءت كل محاولاته بالفشل.. ولم يكن أمامه سوى أن يعود إلى بلدته.. وينتحر!!

وفى الصعيد، هزت قصة انتحاره المدينة كلها، وتناقلتها الألسن، واهتزت مكانة العائلة التى فقدت واحدًا من رجالها، ورأى أفراد العائلة فى بديعة، سببًا مباشرًا لانتحار الرجل.

ولذلك.. ما إن هبطت بديعة -التى كانت تعرف قصة انتحار هذا الحبيب الذى صدته- إلى تلك المدينة، حتى بيت كل أفراد العائلة.. وما إن بدأت تقدم عرضها الأول على خشبة المسرح وقد امتلأت الصالة عن آخرها.. حتى توجه الجميع بتلك القذائف القذرة تنهال على الجسد الأبيض الجميل.. ولقد حدث هرج فى الصالة، لكن الهرج الذى حدث على المسرح كان أشد.. ورغم تعليمات المدام بعدم الخروج على الرقصة مهما حدث فى الصالة.. فإن واحدة من «البنات» لم تتخيل أن هذا القانون من الممكن أن يسرى فى حالة مثل تلك الحالة.. فارتبكت خطواتهن وتبعثرات، لكن همسة آمرة جاءتهن من فم بديعة التى لم تتوقف عن الرقص، همسة تقول:

«كل واحدة تفضل مكانها، كملوا الرقصة للآخر!».

وبالفعل.. عادت الصفوف إلى الاتساق فى لمح البصر، والتزمت الخطوات بالإيقاع، وأكملت بديعة رقصتها حتى آخر خطوة فيها!

كيف تحملت بديعة مصابنى كل هذا الهوان؟!

وما السبب فى ما حدث؟!

فى تلك الليلة، لم تكن تحية محمد تعلم شيئا عن القصة، كانت ترقب ما يجرى بعينين مفتوحتين فى دهشة.. لكنها تلقت درسها الأول فى الفن، كانت «الكلمات» التى تسمعها من الأستاذة، قد تجسدت فى فعل حقيقى، دخل القلب ولم يبرحه!

تعلمت الراقصة الصغيرة أن الفنان العظيم، هو الفنان الذى يصلى لفنه.. ولو قذفه الناس بمثل ما قذفوا به بديعة، وحتى لو جاءها ضابط الشرطة فى عز الليل، يطلب منها فى إلحاح أن تغادر المدينة حفاظًا على حياتها.. فتفعل ذلك فى صمت وكبرياء، وتنتقل إلى مدينة أخرى، لترقص، ولا تكف!!

التحرير المصرية في

02.03.2014

 
 

مفهوم الكتابة السينمائية والعودة إلى الدرجة "صفر"

حمادي كيروم 

نستعير من رولان بارت هذا المفهوم لمحاولة قراة الكتابة السينمائية في الفيلم المغربي خلال السنوات الاخيرة التي تميزت بانتاج محترم يسمح للناقد والباحث بطرح فرضيات والخروج باستناجات يمكن اعتمادها لتقييم وتطوير الكتابة السينمائية للفيلم المغربي.

واذا كنا جميعا نتفق على ان الكتابة السينمائية عادة تمر بتلاث مراحل هي كتابة السيناريو ثم الكتابة الاخراجية ثم الكتابة التركيبية أو المونتاج، فسنقتصر في هذه المحاولة على كتابة السيناريو من خلال الأفلام التي خرجت الى العرض الجماهيري أو من خلال المشاريع التي قدمت الى لجان الدعم ولكنها لم تنل القبول ومن تم بقيت في مرحلة الكتابة الاولى  لتي اطلعنا على اهمها.

وقبل الشروع في تناول كتابة السيناريو نريد اولا ان نعرف ما هو مفهوم الكتابة الذي استوحيناه من بارت.

إعتمد بارت في محاولته تصنيف الكتابةعلى ثلاثة مصطلحات إجرائية هي اللغة والأسلوب والكتابة.

تعتبر اللغة معطى اجتماعيا مشترك بين الناس، يمنح مستعملها  من معجم مشاع محمل بالمعاني والاستعمال. أما الأسلوب فهو معطى ذاتي ملتصق بالكاتب وبالأنا الحميمية الخاصة، ويشتمل على أسرار الكاتب واحلامه وكوابيسه وعقده وذكرياته وطفولته، في حين يموضع بارت الكتابة بين اللغة والاسلوب باعتبارها وظيفة تربط العلاقة بين الابداع والمجتمع والتاريخ، كما انها مجال لرصد ثورات الوعي وتحليل تجليات الايديولوجيا في خصوصيتها وحريتها.

العلاقة مع اللغة

ان قراءة السيناريو على ضوء هذه المفاهيم الثلاتة يجعلنا نكتشف ان علاقة الكاتب المخرج باللغة، سواء كانت اللغة الفرنسية اواللغة العربية، باعتبار ان اغلب السيناريوهات تكتب باللغة الفرنسية، هي علاقة مأزق لأن السيناريست ليس له القدرة والكفاءة لكي يشتغل ضد اللغة، أي خلق ما يسمى بوضعية الانزياح اللغوي ليخرج اللغة المشاعة بين الناس من سياقها الاعتيادي المألوف في الاستعمال اليومي.

وبهذا تصبح اللغة الواصفة للواقائع والاحداث والأماكن والاشخاص، غارقة في التجويد والتنميق وقاصرة عن بناء التوتر المركزي والصراع الدرامي الحامل لدينامية الحكاية الفيلمية، كما ان لغة الحوار، وهي تحاول أن تعوض هذا الغياب، تصبح صدى للغة الوصفية، وهي تلبس شكلها الشفوي الذي يتحدث به الناس في الحياة العامة مع تناسي المكونات الحوارية الأساسية التي تبني الوعي الحواري التي تتمثل في المدخل والأطروحة والمخارج الخاصة بكل بناء مشهدي على حدة.

أما من حيث الأسلوب باعتباره لغة الاحشاء والدفقة الغريزية المنبثقة عن ميثولوجيا الأنا لم يتحقق في اغلب ما درسناه إلا نادرا عند حكيم بلعباس مثلا وفوزي بنسعيدي وياسمين قصاري،  حيث نجد نوعا من التقاطع بين أفقية اللغة  المنتزعة من الاعتياد اليومي وعمودية الاسلوب، التي تربط مزاجية الكاتب بلغته، وهو ما اعطى لهذه المجموعة من المخرجين الكتاب صفة الذاتية التي يتصف بها السيناريست المؤلف. وتبقى الكتابة باعتبارها نتيجة لفعل التضامن  الاجتماعي والتاريخي، وعلى ضوء ما قدمناه، نموذجا طموحا بعيد المدى في الكتابات الحالي.

اضافة الى ما سبق هناك بعض الملاحظات العامة التي ساهمت كذلك في مأزق المرحلة الأولى من سيرورة الكتابة السينمائية في الفيلم المغربي أهمها أن معظم السيناريوهات يكتبها مخرجوها، مما يجعلنا نتساءل هل نحن أمام ظاهرة" المخرج المؤلف" باعتبارها ظاهرة فنية وثقافية تفرضها رؤية فلسفية وجمالية، أم انها مجرد نتاج فراغ مهني او انغلاق عائلي، تكمن وراءه خلفيات نرجسية أو مادية.. وكثيرا ما يترتب على هذه الظاهرة الاكتفاء بالاستنساخ التصويري للسيناريو وغياب اي اضافة ابداعية في مرحلة الكتابة الإخراجية.

عن السرد

اذا كنا نعرف أن تطوير السرد يتأسس حتما عن طريق بناء الدوال السردية في المادة السينمائية وذلك لخلق اشكال سينمائية باعتبار ان المادة الخاصة بالسينما ليست هي الحدث وانما تعالق الحركات الفضائية -الزمانية المرئية والصوتية فإن البناء العام للسيناريو المغربي لا يشتغل في هذا الأفق المركب، بل غالبا ما نلاحظ معالجة سطحية مفتعلة تنبني في اغلبها على منطق الصدفة والمبالغة.

تحتوي المضامين السردية للسيناريو على شخصيات رئيسية او ثانوية بدون ملفات او بملفات ناقصة، وتتحرك كالدمى عبر مجرى واحد يغيب الصراع والتوتر الدرامي، وفي هذه الحالة يلجأ السيناريو الى تعويض النقص بواسطة التسلسل الحواري مما يجعلنا امام مسلسل تلفزيوني يعتمد التعبير اللفظي عوضا عن التعبير السينمائي.

هيمنة البنية الخطية وغياب البنيات المركبة أو المتشظية مما يؤدي الى هيمنة  افقية السرد وعدم استغلال المفارقات الزمنية التي تساهم في خلق بناء سردي عميق متعدد الابعاد. واذا كنا نعرف ان البنية  الخطية تناسب الفكر الواقعي، وكل التيارات الواقعية وورثة هذا  الاتجاه الجمالي العام في روسيا او فرنسا او ايطاليا أو في مصر، فان استعمالها في  الكتابة السينمائية المغربية لم يساعد مع الأسف على استلهام بعدها الفكري والجمالي مما أدى الى السقوط في التبسيطية والاستسهال اللاهت وراء الاحداث والحدوتة الفيلمية.

بناء على ماسبق يمكن ان نستنتج ان هناك مأزقا للكتابة على مستوى السيناريو، وهو مازق على مستوى الوعي بالكتابة والوعي بالمجتمع والوعي بالتاريخ مرتبط بأزمة الذات الكاتبة التي تملأ اللغة والأسلوب بالزوائد وتحيل الكتابة الى جعجعة واكاذيب وفرقعات لفظية والتهابات حسية تترك المهم والاساسي وتلتقط القشري والعابر اليومي حسب رأي بارت، ولكي تبني الكتابة نفسهاعليها ان تتدثر بالصمت الحيادي الذي يذوت الموضوع ويموضع الذات، لكي تسير نحو حتفها اي نحو درجة الصفر للكتابة.

عين على السينما في

01.03.2014

 
 

لامؤخذة .. قصة وطن يعيش الرعب

ياسر حماية 

ليس مجرد فيلم , بل واقع نعيشه برفقة شركاء الوطن  المسيحيين .

عندما شاهدت فيلم "لا مؤاخذة" , تجددت لدي الذكريات عندما عشت تجربة عام كامل في فصل كل طلابه مسيحيون ، وأنا المسلم الوحيد فيه " لأن اسم والدي "حماية " أعتقد من كانوا يكتبون كشوف الفصول أنه مسيحي , فأصبحت مسيحي الفصل مسلم الديانة , وكانت بداية الرعب الحقيقي . أن تكون أقلية وسط حشد كبير من دين مختلف عن دينك تلتقط كلمات هنا وهناك تثير غضبك عن المسلمين وأنت لا تستطيع أن تتكلم خوفا من باقي فصلك حتى أنك تدرس كتبهم الدينية ، لهو أمر مفزع في الحقيقة , إلي آن جاء يوم اكتشفت الحقيقة .

ومثلما حدث في الفيلم بالضبط , صوت يخرج فجأة , ياسر حماية .. مسلم .. ياسر حماية مسلم .. الخبر ينزل علي الجميع كالصاعقة , صوت المدرس يتحشرج , ثم سيل من الكلمات المعسولة الإنشائية , الدين الله والوطن للجميع , المسلمين والمسحيين أخوات , أحنا عايشيين مع بعض من ألاف السنين.

وبدأت أخرج من حصصهم الدينية , وأشارك أبناء ديني حصصهم , وفي الفصل بدأت الهمسات, وأن يتحاشني البعض باعتباري مخلوق خرافي ويتودد لدي البعض , حتى لا أشعر بالوحدة .

هذه قصة فيلم "لا مؤاخذة" غير أن البطل هذه المرة مسيحي في فصل بأكمله مسلمين , نفس الخوف , والرهبة , والشعور بالوحدة , رغم أننا نتشارك جميعا الطعام والملبس والسكن والوطن .

لذلك ارفع القبعة للمخرج عمرو سلامة , الذي صدمنا بالواقع الذي نعيشه , في أطار درامي جذاب وتعجبت من سيل القضايا الذي هبط كالصاعقة علي راس المخرج وأبطال العمل منهم المحامي ,رمضان عبد الحميد الأقصري،الذي تقدم ببلاغ للنائب العام المستشار هشام بركات ضد  الدكتور محمد صابر وزير الثقافة، والمخرج أحمد عواد رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، والمخرج عمرو سلامة، وكندة علوش وهاني عادل، والمنتج محمد حفظي، يتهمهم  فيه بإثارة الفتنة والاحتقان الطائفي في مصر من خلال فيلم "لا مؤاخذة".

وأوضح في بلاغه رقم  2993 للنائب العام، أن الفيلم تم منعه من العرض أكثر من خمس سنوات وكان حبيس الأدراج في الرقابة لأنها تخشى الإفراج عنه كي لا يؤدي إلى حدوث فتنة طائفية، إلى أن تم تغيير رئيس الرقابة الدكتور عبد الستار فتحي رئيس الرقابة السابق، وخرج الفيلم ليناقش قضية في أشد الخطورة وتكاد تكون من المحرمات في السينما المصرية؛  حيث يكشف الفيلم عن حياة طفل مسيحي يتوفى والده وسرعان ما تتراكم المشاكل على والدته.
حيث تكتشف أن ميراث  زوجها متمثل في ديون طائلة تضطر الأم لنقل الطفل لمدرسة حكومية بدلا من مدرسته الخاصة ويدعي أنه مسلم خوفا من الاضطهاد الديني؛ مما يشعل الفتن والاحتقان في المجتمع المصري وسوف يدمر مصر ويحدث فتنة طائفية على المدى البعيد على المدارس وخارجها.
وطالب الأقصري، النائب العام في بلاغ بمنع الفيلم من العرض ومحاكمة الجميع .

بينما جاء رد عمرو سلامة بقولة " 90 % من أحداث الفيلم عشتها بنفسي حين كنت طفلا. فقد عانيت في المدرسة الحكومية وأردت أن أخرج فيلما عن معاناتي مع الطبقية، لكن أضفت إلى ذلك المحور الديني وجعلت بطل الفيلم مسيحيًا".

عمرو سلامة عاش نفس التجربة , نفس التجربة التي عشتها أنا وعاشها العديد من المصريين لذلك حاز الفيلم على استحسان معظم قطاعات المجتمع. وحقق إيرادات طيبة في ظل الوضع الحالي الذي تعاني منه صناعة السينما نتيجة حالة عدم الاستقرار. صحيح هناك انتقادات قليلة واجهته وهي إثارة الفتنة الطائفية في مصر واتهامه بأنة يريد إظهار أن هناك مشكلة بين المسيحيين والمسلمين.

لكنها اتهامات لا علاقة لها بمضمون ورسالة الفيلم ولم تؤثر على نجاحه.

ودعوني أقتبس رد عمرو سلامة حين قال المناخ السياسي حاليا لا يترك المجال لأي رأي مختلف وأنا غير راض عن الأوضاع الحالية ، ورأيي لا يؤيده إلا فئة قليلة من المجتمع. فأنا لست مؤمنا بالخطاب السياسي الدارج.

وأشعر أن دوري السياسي الآن غير فعال. لكن مازلت أنقل أفكاري وآرائي عبر شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك. وأنا أنتظر اللحظة التاريخية التي يمكن أن يكون لي فيها دور سياسي. لذلك في هذه المرحلة أعتقد أن عملي الفني هو الأساس والأهم، ومن خلاله يمكن أن أقدم أفضل ما عندي وأبدع في العمل السينمائي.

الفيلم يضع يدينا علي مشكلة حقيقية مشكلة الخوف بيننا نحن أبناء الوطن , فأما أن نعالجها أو نصبح أغراب يعيشون في وطن واحد . 

أخبار اليوم المصرية في

01.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)