كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ساقط قيد

طارق الشناوي

نشر: 28/2/2014 4:57 ص

 

اسمه حتى كتابة هذه السطور لم يُعثر عليه فى كشوف الباقين ولا القادمين ولا الراحلين رسميًّا، هو «ساقط قيد»، ورغم ذلك فهو ينتظر أن يتلقى التليفون إياه، وفى لمح البصر ستجد صورته مع محلب وزيرًا للثقافة بحجة أنه ليس هناك بديل ومعلش يا جماعة شهرين ثلاثة والراجل ح يمشى، مع التعديل الوزارى القادم، ثم نفاجأ أنه قابع على كرسيه، الذى من المؤكد لو أرسلنا أحد السحرة من المغرب المشهود لهم بالكفاءة فى فك المربوط وإيقاف شرور التعويذات السفلية، سنكتشف أنه عامل عمل وضعه فى مكان سرى أسفل الكرسى يضمن له البقاء حتى فناء الكرسى.

الحجة التى أسمعها، ومع كل تغيير، هى أن المثقفين غاضبون، هل سألت الدولة المثقفين أم أن هناك مَن هم قريبون من النظام الحالى وكل الأنظمة السابقة واللاحقة ويتحدثون من دون تفويض باسم المثقفين؟ ثم هل لدى أحدكم تعريف جامع مانع لتوصيف مثقف؟

المثقف مفروض أن يقف دائمًا على يسار الدولة، وهؤلاء فى قلب الدولة وأخذوا الكثير من عطاياها، وتنصت دائمًا لهم. أكرر السؤال: مَن هؤلاء الذين تُطلق عليهم الدولة المثقفين ويسميهم الإعلام جموع المثقفين؟ كم عددهم ومن هم حتى يصبحوا هم العنوان الذى تنتظر الدولة مبايعتهم وموافقتهم قبل الإعلان عن وزير جديد؟ وإذا كانت الدولة تعمل لهم ألف حساب فلماذا لا تختار واحدًا منهم وتضعه على الكرسى وتكفى على الخبر ماجورًا؟

صدقونى لو كان لدينا دولة تعرف أصول اللعب مع هؤلاء لفعلتها وصعدت بأحدهم إلى الكرسى، ساعتها ستشتعل الحرب الداخلية بينهم ويتقاتلون على أحقية كل منهم بالموقع.

دائمًا ما يتكرر هذا السيناريو بمجرد التلويح باسم وزير لا يريدونه أو فى الحقيقة هم غير واثقين من ولائه لهم، فهم يسقطونه. ومنعًا للتأويل فأنا لم ألتق الكاتب الكبير أسامة الغزالى حرب، ولا مرة ولو كنت أملك الاختيار لاسم وزير الثقافة فلن يقع اختيارى عليه، وأختلف مع الكثير من توجهاته السياسية والفكرية، بل وتعجبت لترشيحه لحقيبة «الثقافة» ولكن فى الوقت نفسه لم أفهم سر الغضب العارم، وما الفرق أن يأتى وزير من داخل الوزارة أو من خارجها؟! العديد من وزراء الداخلية فى العالم ليسوا ضباط شُرطة، هل يعيب الرجل أنه ليست لديه شلة داخل الوسط الثقافى؟ أم هى نقطة لصالحه؟ هل المقصود بهذه الشوشرة أن يأتى من يعرفهم ويحقق أغراضهم أغلبهم ليس لديهم موقف ثابت ضد الفساد؟ تأملوا تلك الواقعة: كم عدد المثقفين الذين احتجوا على جائزة الدولة التقديرية التى استحوذ عليها صابر عرب بلعبة مكشوفة ومنحها لنفسه دون وجه حق؟ من فضحوا ذلك لا يزيد عددهم على أربعة أو خمسة، بينهم كاتب هذه السطور، ولكن الأغلبية من هؤلاء الثائرون حسبتها هكذا لماذا نغضب، فالرجل وهو واحد منا، أليس هو أيضًا مَن يمنحنا الجوائز وطباخ السم «لازم يدوقه»؟!

دائمًا تحكم اختيارات ومواقف أغلبهم حسبة «براجماتية» نفعية، هم مع مَن يحقق مصالحهم والدليل أن عددًا كبيرًا منهم وقعوا على بيان بإقصاء عرب من موقعه فى وزارة الببلاوى، وعندما جلس معهم ونفذ مطالبهم أشعلوا النيران فى البيان.

هل المقصود أن نعود إلى المربع رقم واحد، ويتم تنفيذ سيناريو الشاعر عبد الرحمن الأبنودى وأول بنوده «وليه لأ؟» لماذا لا يستمر صابر عرب والرجل عارف خبايا الوزارة، والحقيقة هو عارف كيف يرضيهم ويمنح كل منهم ما يجعله صابرًا حتى النهاية على بقاء صابر.

لا أستبعد بالطبع فى ظل هذه الحالة من التردى التى نعيشها أن يأتى صابر رابع مرة فى وزارة محلب بعد وزارات الجنزورى وقنديل والببلاوى.

كانت الفنانة القديرة مارى منيب لها «لازمة» شهيرة تقول فيها: «مدوّباهم اتنين» تقصد زوجَيْها السابقَيْن، صابر حتى الآن مدوّب ثلاثة والرابع فى الطريق.

الخطة هى أن يحتل المقعد مجددًا وهو فى حالة مزرية من الضعف والهوان ويشعر بالامتنان لمن أبقوا عليه، وسيظل لديه أمل فى أن يُرضى أصحاب الصوت العالى ويجعل طلباتهم أوامر حتى يواصل البقاء، هل هذا ما يريده هؤلاء الذين يسيطرون منذ الثورة على مقدرات وزارة الثقافة؟!

 

وزير من «الديب فريزر»!!

طارق الشناوي

نشر: 26/2/2014 7:09 ص

من وزارة الجنزورى إلى قنديل إلى الببلاوى، ومع التغييرات الجذرية فى نظام الحكم، من مجلس عسكرى إلى إخوانى إلى حُكم هلامى ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، سوى أنه يتيح الفرصة لعدد من الاستراتيجيين الذين يطلون علينا أرضيا وفضائيا، ويدلون بدلوهم فى كل شىء، ثم تكتشف أنهم لم يقولوا أى شىء.

يحدث كل ذلك والرجل دائما فى وضع استعداد لتوفيق أوضاعه مع كل العهود، فهو من إيدك دى لإيدك دى، أشّر بس يا جميل. أحدثكم عن صابر عرب الذى أصبح مثل «مخيمر» فى الفيلم الكوميدى الشهير، الذى لعب بطولته قبل أكثر من 30 عاما سعيد صالح «جاهز دايما».

نحن الآن بصدد وزارة محلب، أى خامس وزارة منذ ثورة 25 يناير بعد استبعاد وزارة شفيق -الذى عينه المخلوع- ولا يزال صابر يسعى للاحتفاظ بالكرسى، وأول شروط الحصول عليه أن تعلن للقاصى والدانى أنك ملّيت ولا تريد مزيدا، وهو ما نجح عرب فى تصديره للرأى العام عن طريق المثقفين لعلاقته الوطيدة بعدد منهم.

الدولة فى علاقتها بالمثقفين تسعى لتسكين الأوضاع، وأن تبعد عنها دوشتهم، ولهذا تسأل بين الحين والآخر هل الوضع هادئ؟ الإجابة نعم، بالقياس إلى ما يجرى فى الوزارات المجاورة فهو «ميت فُل وعشرة». هل الرجل نجح فى إرضاء المثقفين؟ أقصد تحديدا أصحاب الصوت العالى، فى الحقيقة نعم، منح بعضهم امتيازات، وتأتى الإجابة: إذن على بركة الله ويتم التجديد له.

هل تتذكرون ما حدث فى وزارة الببلاوى؟ راجعوا الأرشيف قبل سبعة أشهر ستجدون الببلاوى فى صورة نشرتها كل الجرائد والمواقع الإلكترونية مع عازفة الفلوت العالمية ورئيسة دار الأوبرا إيناس عبد الدايم، وهى فى طريقها لكى تُمسك حقيبة الثقافة، وفجأة يعترض حزب «النور» السلفى، لأنها لا مؤاخذة امرأة، ولا مؤاخذة سافرة، ولا مؤاخذة عازفة، ولا مؤاخذة فلوت، وهى لهذا مرفوضة بالثلاثة، وعلى الفور تم استبعاد إيناس وبحثوا فى «الديب فريزر» عن أى حاجة متوفرة، فيجدونه قابعا فى الركن البعيد الهادئ، يسألونه هل تُمسك الحقيبة؟ فيقول: من أجل مصر «أنا جاااااااى».

هل النظرة للثقافة تغيرت فى الدولة؟ وهل وزارة محلب بالفعل تحمل شيئا مختلفا؟ هل تتذكرون الأم التى وجدت أبناءها يتضورون جوعا وليس لديها ما تقدمه لهم، فوضعت إناء من الماء على النار وليس عندها زاد ولا زُواد؟ ولكن مجرد أن الماء يغلى أشعرهم بالأمل فى القادم. مصر تعيش تلك اللحظة، راجعوا عدد المظاهرات والوقفات الاحتجاجية هنا وهناك، التى شملت عديدا من قطاعات المجتمع كلها تطالب بالإنصاف، والكل يدرك أننا لا نملك فى الخزائن الخاوية ما يؤهل الدولة لتنفيذ شىء من هذه المطالب. لقد تحمل الببلاوى الغضب، وبالتأكيد وبعد أن يفيض الغضب بالناس سيبحثون عن تفريغ الشحنة فى آخر، وهو بالتأكيد ليس المستشار عدلى منصور الرئيس المؤقت، هل رأيتم فى الدنيا مظاهرة لإسقاط رئيس مؤقت؟! أظن أن الأمن القومى أدرك ذلك، لأننا فى توقيت حساس وعلى شفا انتخابات، وتعدد الإضرابات سيجعل من المستحيل إقامة انتخابات رئاسية تحظى برضاء وطنى وعالمى، فكان لا بد من امتصاص الغضب بزرع الأمل بتغيير الواجهة، وبدلا من أن تصب اللعنات على الببلاوى سيحصل محلب على نصيب وافر منها.

الوزارة بحكم الدستور تقدمت باستقالتها، ولكن أيضا من الناحية القانونية لا يعنى أنهم مستبعدون من التشكيل الوزارى الجديد، ممكن العودة إلى عدد من الأسماء مجددا.

كثيرا ما كتبت ضد ممارسات صابر عرب، ولكنه أجاد ملاعبة عدد كبير من المثقفين، وعرف كيف يمنحهم شيئا، ولهذا بعد أن أصدر عدد منهم بيانا ووقعوا عليه رافضين التجديد له وزيرا فى وزارة الببلاوى، نفذ مطالبهم فتراجعوا وتغاضوا عن المبدأ.

صابر يُمسك مفاتيحهم وهو أدرى بشعابهم وصراعاتهم، التى تأخذ فى العادة إطارا عاما، ثم تكتشف أنها من الممكن تلخيصها فى مكسب شخصى.

لو أرادت الدولة رجلا يضمن لها السيطرة على المثقفين سيكسب صابر عرب بلا جدال، ويدخل الموسوعة كأول وزير يعاصر أربع وزارات، أما لو أرادت انعاش حال الثقافة وليس إرضاء أصحاب الصوت العالى فعليها بالفعل البحث عن وزير ثقافة بعيدا عن «الديب فريزر»!!

 

مع وحيد حامد

طارق الشناوي

نشر: 25/2/2014 5:21 ص

قبل أسبوع كنت فى مهرجان «الجنادرية» بالرياض وعلى مدى أسبوع كان رفيقى فى الرحلة الكاتب الكبير وحيد حامد. تربطنى بوحيد صداقة قديمة عندما كان فى البداية كاتبا إذاعيا قبل أن يصبح عنوانه الرئيسى السينما، مع مرور السنوات لم نعد نلتقى إلا قليلًا، ولكنه ظل دائمًا يحتل فى قلبى مساحة دافئة، زاملتُه فى مهرجان «كان» على الأقل 20 دورة، وكان وحيد هو أول من يحضر عرض الثامنة والنصف صباحًا ليحجز لنا بجواره ما تيسر من المقاعد.

أنشأ وحيد جماعة بالتأكيد هى جماعة موازية «للى بالى بالك» تلتقى أسبوعيا ظُهر كل يوم جمعة على مدى يقترب من ربع القرن أطلقوا عليها (مائدة الشر) ربما توقفت فى الشهور الأخيرة، ومن أشهر أعضائها عاصم حنفى وعمرو خفاجة ووائل الإبراشى والراحل ممدوح الليثى، هؤلاء فى حدود معلوماتى هم المنتظمون، ولكن سمحت المائدة أيضا بالانتساب، ومن بينهم الراحل أحمد زكى وعادل إمام وليلى علوى ويسرا وعادل حمودة وعبد الرحمن الأبنودى وإبراهيم عيسى ومحمود سعد، وبالطبع تمارس الجماعة شيئًا من الشر بين الحين والآخر لتؤكد جدارتها بالاسم.

وحيد من هؤلاء الذين يستيقظون مبكرًا أسوة بأستاذه الأول والأكبر نجيب محفوظ، ويبدأ فى الكتابة على تلك المائدة عدة ساعات متواصلة، وبعدها يتقاطر الأصدقاء والصحفيون وطلبة معهد السينما الذين يدرّس لهم مادة السيناريو، فهو أحيانا يعقد المحاضرة فى الفندق على ضفاف النهر مع شراب ساخن أو بارد، ولهذا يفضل الطلبة دروس السيناريو مع الكابتشينو.

سألت وحيد كثيرًا من الأسئلة وأفاض فى الإجابات على سبيل الدردشة ورفض النشر، مثل أسوأ خمسة أفلام فى تاريخه، والأفلام التى يريد إعادة إخراجها مجددًا ليست بين الخمسة فاختار ثلاثة تمنّى تقديمها برؤية مختلفة، سألته عن تلك العلاقة التى ربطته بعبد الحليم حافظ، وكان الإذاعى وجدى الحكيم هو خيط التواصل بينهما، حكى الكثير عنها، ولكنه لم يسمح لشىء بالتداول، إلا أننى مثلًا لا أجد حرجًا فى أن أذكر دون استئذان أن «اضحك الصورة تطلع حلوة» واحد من أقرب، إن لم يكن الأقرب إلى مشاعره، قلت له: سأل الشاعر الكبير مأمون الشناوى سيدة الغناء العربى أم كلثوم قائلا إن الناس كثيرًا ما تقول «الله الله يا ست، فمتى تقول أم كلثوم الله يا ست» فأجابت بأنها بين الحين والآخر تكتشف أنها بالفعل تقول الله الله. وأعدت السؤال مجددًا على وحيد، فذكر بعض مقاطع من حوار «عمارة يعقوبيان» و«الإرهاب والكباب» وفيلمه الحميم «اضحك» و«البرىء»، هل الغيرة عرفت طريقها إليه؟ فقال: عندما أجد عملًا فنيًّا مبهرًا وكاتبًا يمتلك إحساسًا ونفسًا خاصًّا أتصل به أهنئه، أشعر بأننا يكمل بعضنا بعضًا، ولا يمكن للحياة الفنية أن تنتعش فقط إلا مع تعدد الأنفاس والألوان. وذكر مثلًا أنه كثيرًا ما هنأ بشير الديك على ما قدمه للشاشتين، بل شاهد مؤخرًا على الفضائيات فيلمه «سكة سفر» وكان بشير قد أخرج أيضا «الطوفان»، فحرص على معرفة اسم المخرج من التترات، وطار فرحًا عندما قرأ اسم بشير كاتبًا ومخرجًا، سألته عن العمل الذى كتبه غيره وتمنى أن يضع اسمه عليه فقال لى: الرائع محسن زايد: فى «حديث الصباح والمساء» لنجيب محفوظ سيناريو ينبغى تدريسه، سألته عن كاتب السيناريو الموهوب والمظلوم قال لى فراج إسماعيل، الذى مع الأسف اختفى تمامًا ولا أدرى: أين هو الآن.

وحيد لم يتعاون مع ابنه مروان سوى مرة واحدة فى فيلمه الروائى الطويل الأول «عمارة يعقوبيان» رغم أنه لا يواصل حاليا العمل إلا مع جيل مروان، وهى لمحة ذكية من وحيد ودرسٌ للعلاقة المثالية بين الأب وابنه عندما يحترف نفس المهنة.

وعن حقيقة جزء ثان من «طيور الظلام» بعد الضجة التى أثيرت فى أثناء حكم مرسى وتقديم الكاتب والمخرج والبطل عادل إمام للمحكمة بتهمة ازدراء الأديان، أجابنى: لم يكن فى الأساس هناك جزء ثان، ولكن عندما تردد هذا الخبر لم يشأ وحيد أن يكذبه حتى لا يُساء التفسير. قلت له: كنت أنت الأقرب إلى عاطف الطيب، فأجابنى: أحببتُه وقدمنا العديد من الأفلام التى أفخر بها، ولكن بشير الديك هو الأقرب إلى عاطف فنيًّا ونفسيًّا وفكريًّا!

 

أنا والفيسبوك!!

طارق الشناوي

نشر: 24/2/2014 4:15 ص

غيرت صورتى على «الفيس» فلم يعرنى أحد اهتماما، غيرت هى صورتها اشتعل الفيس وكل قنوات التواصل الاجتماعى.

إذا لم يكن ما فعله النجم الشهير فى لقائه التليفزيونى وقد شاهده الملايين هو النهش فى الأعراض، فما هو بالضبط النهش بالأعراض؟

تقدم لمقعد رئيس التحرير لمجلة «روز اليوسف» 13 صحفيا، وبالطبع من حق الزملاء التطلع للكرسى، فهو طموح مشروع لكل من يعمل فى بلاط صاحبة الجلالة، وما حدث فى «روزا» تكرر فى كل الإصدارات القومية الأخرى، ولكن السؤال: إذا كان كل هؤلاء جديرين بمنصب الرئيس، فمن الذى يتولى فى هذه الحالة التحرير؟

قبل يومين مر 56 عاما على عيد الوحدة بين مصر وسوريا، لم يتذكره أحد، ولكن ألم تلاحظوا أن الوحدة بين بلدين عربيين صارت مستحيلة، بعد أن تقلصت أحلامنا لتصبح الوحدة المأمولة هى توحد الدولة نفسها مصر ومصر، وسوريا وسوريا؟!

سعدت بقرار وزير الثقافة صابر عرب باختيار الفنان خالد جلال لرئاسة صندوق التنمية الثقافية. خالد له تجربة ناجحة ومتميزة فى إنشاء ورشة الإبداع والدفع بعشرات من الموهوبين الذين أصبحوا نجوما فى الساحة. أشعر الآن باطمئنان على مفتاح الصندوق بعد أن أصبح فى يد أمينة.

تحدى النسيان هو أجمل تعبير عن الحب، ومن أحلى ما استمعت إليه بصوت أم كلثوم عن النسيان أحمد رامى «بفكر فيك وأنا ناسى» فى «هجرتك»، ومأمون الشناوى «أنساك ده كلام» فى «أنساك»، وعبد الوهاب محمد «فكرونى إزاى هو أنا نسيتك» فى «فكرونى» وبالمناسبة فكرونى لو نسيت!!

«من سؤال مهزوم بيترجى الجواب مش بتقصد عينى يا حبيبى العتاب»، تلك كلمات لشاعرة موهوبة اسمها فاطمة جعفر، تغنت بها أنغام قبل 20 عاما فى «شنطة سفر» تلحين محمد على سليمان، ومنذ ذلك الحين وفاطمة مختفية، تصورت أن الوسط الغنائى بتوحشه أبعدها، حتى أخبرنى الشاعر الغنائى الكبير عوض بدوى أنها تزوجت وانتقبت وحَرمت الفن. خسارة أن تختنق هذه الموهبة المتدفقة تحت النقاب.

كتبت الأستاذة إيناس سيد مكاوى على صفحتها تطلب الرحمة والمغفرة لوالدها، كتبت معقبا أن الموسيقار الكبير الشيخ سيد مكاوى حافظ القرآن ومنشد أسماء الله الحسنى، لديه عشرات من الصدقات الجاريات عاشت بعده وسوف تعيش بعدنا، إنها مئات الألحان التى رددها بصوته وتغنت بها عشرات الأصوات، إنها عبير الروح الذى نتنسمه ولا نزال، فهى الحسنات التى تجعلنا نقول بعدها الله الله، ألحانه ليست فقط الدينية ولكن العاطفية والوصفية والوطنية، يرحمه الله، ولا أزال أحمل له فى قلبى كثيرا من الذكريات الشخصية، فهو حى يرزق فى قلوب من عرفه أو عشق ألحانه وصوته فما بالكم بمن عرفه وعشقه.

أهدانى الأستاذ جلال الشرقاوى كتابه «قصة مسرح الفن كواليس وكوابيس» إنها ليست فقط حكاية مسرح أرادت الدولة الاستيلاء عليه بكل ما لديها من وسائل قذرة، ولكن تلمح قبل وبعد ذلك حكاية مصر التى اغتصبتها عصابة، حقا يا أستاذ «وما الدنيا إلا مسرح فن كبير».

لم أعرف المخرج الشاب الراحل محمد رمضان شخصيا، ولكنى كنت عضوا فى لجنة تحكيم المهرجان القومى فى مسابقة الفيلم القصير ومنحناه بالإجماع الجائزة عن فيلمه «حواس»، وذلك قبل أقل من ثلاثة أشهر، والغريب أننى سافرت قبل حفل توزيع الجوائز، ولهذا لم أتعرف عليه إلا فقط عندما قرأت اسمه وشاهدت صورته صفحة أولى بعد فاجعة سانت كاترين «باب الدنيا»، كان فيلمه يشى بروح مبدعة متدفقة ولم يمهله القدر، ليكفن جسده فى الثلج وهو لا يزال على «باب الدنيا»!!

تصفحت كتابين وأستعد قبل نهاية هذا الأسبوع لالتهامهما الأول «موسيقى أفلام يوسف شاهين» لرانيا يحيى، والثانى «الغناء والسياسة فى تاريخ مصر» لياسمين فراج، فى نظرة عين الطائر وجدت بالفعل ما يفتح شهيتى على القراءة المتأنية، وأنصحكم أن لا تفوتكم تلك الوليمة الثقافية، مدوا عقولكم وقلوبكم و«يالله باسم الله».

الحلو ليه تقلان قوى تقلان قوى، نعم لا أقصد تذكيركم بأغنية صباح، ولكن لماذا هو تقلان قوى تقلان قوى؟

 

المفاجأة ليست هناك مفاجأة

طارق الشناوي

نشر: 22/2/2014 5:32 ص

توقعت أن يفعلها ويهرب عمرو دياب فى اللحظة الحاسمة، ولا يقدم المسلسل المرتقب، ولم أكن أضرب الودع ولا أفتح الكوتشينة أو أقرأ الفنجان، الانسحاب ليس خبرا جديدا ومن يتابع مسيرة عمرو مع بحر الدراما، سوف يكتشف أنه كثيرا ما أعلن عن استعداده لنزول البحر، وأعد العدة وارتدى طوق النجاة من الغرق، وتنشغل الصحافة بمتابعة الخبر، ثم تقرأ خبرا مثل الذى نشره أمس الزميل محمد زكريا على صفحات «التحرير» عنوانه «عمرو خارج السباق الرمضانى».

الفكرة التى التقطها مدحت العدل تبدو كأنها مصنوعة على مقاس وملامح النجم الشهير، وفى نفس الوقت تسمح بأن يجرى بعيدا عنها لو أراد البحث عن خيوط أخرى. إنها الشهرة والوصول إلى الذروة، وماذا بعد. لمحة ذكية من شاعر كبير وكاتب درامى متميز، كانت له أفلامه المهمة مع المخرج خيرى بشارة، كما أن له نصيبا وافرا أو هاما من الأغنيات المتميزة على حنجرة عمرو دياب، إلا أن الأمر فى النهاية مرتبط بعامل آخر وهو إرادة عمرو، فهو كثيرا ما أعلن وكثيرا ما تراجع. السبب الحقيقى لا أتصوره مرتبطا كما هو معلن بالكاتب مدحت العدل الذى لم يكمل كتابة المسلسل، ولكنه أنهى 20 حلقة وهو رقم لو تعلمون عظيم. البعض يبدأ التصوير وليس لديه سوى خمس حلقات، وهناك من يشرع فى التنفيذ بلا سيناريو، ويتم التأليف الفورى على الهواء.

عمرو له تجربة يتيمة فى بداية المشوار مع التليفزيون، مسلسل «ينابيع النهر» للمخرج عادل صادق، وله فى السينما أربعة أفلام أهمها «آيس كريم فى جليم»، وهو بالمناسبة أول أفلام مدحت وإخراج خيرى بشارة، وأهم أفلام عمرو، وفى رصيد عمرو السينمائى ثلاثة أخرى «السجينتان»، و«العفاريت»، و«ضحك ولعب وجد وحب»، ولكنك لن تلمح أى نجاح تجارى، ثم إنه مبتعد 20 عاما عن التمثيل، ويجب ملاحظة أن فى جيل عمرو كان محمد فؤاد يحقق نجاحا تجاريا أكبر فى شباك السينما، يكفى أن أذكر لكم «إسماعيلية رايح جاى»، وفى الجيل التالى مصطفى قمر، لديه حضور ملفت أمام الكاميرا وإيرادات أكبر، بالطبع اختفى الاثنان من الخريطة، لنجد أن عرش الإيرادات فى الدراما يذهب إلى تامر حسنى منافس عمرو التقليدى، بينما عمرو خارج المعادلة، قدم تامر مسلسلا ناجحا «آدم» قبل عامين، وكلمة ناجح، تعنى أن الأرقام فى التوزيع شهدت لصالحه، ويستعد هذا العام بمسلسل «ياسين»، وسوف تجد أن المقارنة واردة جدا بينهما، وهو ما يعمل له عمرو وتامر بالتأكيد ألف حساب، وصل الأمر إلى أن كلا منهما يستعين ببطلة سابقة من فرقة «الفور كاتس»، عمرو دياب استحوذ على مايا دياب، بينما تامر حسنى وقع اختياره على نيكول سابا، ولا أتصور أن الأمر مجرد صدفة.

الحقيقة أن تاريخنا مع المطربين منذ بداية فن السينما قبل بداية الإرسال التليفزيونى يؤكد أنها تشكل جزءا رئيسا فى إبداعهم، أم كلثوم وعبد الوهاب وليلى وفريد وفوزى وشادية وهدى وعبد الحليم ورشدى والعطار وشاكر، بل إن كبار الملحنين مثل السنباطى والموجى ومنير مراد شاركوا أيضا فى بطولة أفلام سينمائية، ولكن النجاح شىء آخر. وبعد عبد الحليم لم يستطع الاستمرار سوى تامر، نعم بموهبة محدودة فى فن الأداء ولكن بحضور أمام الكاميرا، وجمهور يترقب، وإيرادات لا يمكن إغفالها تتحقق، وله فى كل موسم فيلم له إيرادات واضحة فى الشباك.

ابتعاد عمرو عن الدراما والتمثيل سببه غير المعلن هو الخوف من الهزيمة الرقمية، وكلما طال الغياب أصبحت العودة مستحيلة، وأتصور أن كلا من مسلسلى عمرو وتامر كان سيتحمل شىئا من الخسارة الرقمية لو عُرضا معا، مثلما حدث قبل نحو 7 سنوات عندما تصارع مسلسلا سعاد حسنى «السندريلا» وعبد الحليم «العندليب»، وفشل المسلسلان لأسباب متعلقة بالمستوى الفنى، هذه حقيقة، ولكن الحقيقة أيضا أن كلا منهما لعب دورا غير مباشر فى هزيمة الآخر.

تردد عمرو كان متوقعا، وربما أيضا فى رمضان 2015 سيبحث عن وسيلة أخرى للاعتذار فى اللحظات الأخيرة. وتبقى فكرة الشهرة كعمل درامى قائمة، ومن الممكن مع تغييرات طفيفة أن يقدمها نجم آخر، وعلى طريقة الانقلاب الدرامى لا أستبعد أن تحلو الفكرة فى عين تامر ويقتنصها من عمرو، لتشتعل بعدها مواقع التواصل الاجتماعى بالصراع بين «الهضبة» و«نجم الجيل»!!

 

مذكرات نور الشريف!!

طارق الشناوي

نشر: 17/2/2014 4:42 ص

نور الشريف سيكتب مذكراته ولكنه لن ينشرها فى حياته -أمدّ الله فى عمره- وسيتركها لابنتيه. هكذا صرح لأكثر من جريدة، المنطق أن تُصبح المذكرات فى متناول الجميع وهو قادر على أن يضيف شيئا أو يشرح أو يجيب عن نقطة ما قد تبدو غامضة أو يرد على من لديه تصحيح ورواية أخرى. نور سيتناول بالتأكيد شخصيات عامة إما أنها تعيش بيننا وإما أن هناك كُثرا عاشروهم أو عاصروهم.. لم أتبين الأمر، لماذا يكتبها الآن ولا يريد أن ينشرها الآن؟

العديد من الفنانين لا يرحِّبون بكتابة قصة حياتهم أو بتقديمها فى عمل درامى. هكذا مثلا كانت وصية الفنانة الراحلة هند رستم لابنتها الوحيدة بسنت، وطلبت منها عدم السماح لأحد بالاقتراب ونفَّذت بسنت الوصية رغم الإغراءات المادية التى وصلت لعدة ملايين، شادية قبل نحو خمس سنوات خرجت عن صمتها لأول مرة وطالبت بإيقاف تصوير مسلسل كانت إحدى شركات الإنتاج قد شرعت فى تنفيذه بل وتم ترشيح دنيا سمير غانم لأداء دورها، شادية كما هو معروف لم تفكر فى كتابة قصة حياتها أو ترويها لأحد مثلما سجَّلت مثلا أم كلثوم حياتها بصوتها فى برنامج من إعداد وجدى الحكيم عام 73، وقبلها ببضع سنوات كان سعد الدين وهبة حريصًا على أن يسجل حياتها لتقديمها فى فيلم يخرجه يوسف شاهين باسم «ثومة»، وقال سعد وهبة إن أم كلثوم رفضت تمامًا أن تقترب وتروى شيئا عن أم كلثوم الإنسانة التى من الممكن أن تحب وتكره وتنتقم، وحاول أن يوسِّط وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة فقالت لهما «هذا خط أحمر، بعد أن أموت افعلوا ما تريدون ولكنى لن أبوح بشىء». مسلسل « أم كلثوم» الذى كتبه محفوظ عبد الرحمن كان حريصا على أن لا يقترب من الخط الأحمر.

هل يصلح الفنانون لكتابة أو لرواية قصة حياتهم..؟! كمال الشناوى بعد أن شاهد مسلسلَى سعاد حسنى «السندريللا»، وعبد الحليم حافظ «العندليب» قال لى إنه سوف يكتب قصة حياته بنفسه منعا لأى تزييف. ولا أدرى هل فعلها أم لا. مديحة يسرى قالت فى وصية لها أعلنتها على الملأ إنها سوف تسجِّل بعض لمحات من قصة حياتها فى برنامج ولكنها أكدت أنها ترفض أن يقترب أحد من حياتها ويقدمها فى فيلم أو مسلسل أيضًا بعد أن شاهدت كيف تسللت عشرات من الأخطاء الشخصية والتاريخية إلى مسلسلات السير الذاتية كانت هى شاهدة عيان على عدم مصداقيتها!

مستحيل أن نسرد فى مجتمعاتنا الشرقية كل الحقائق، لا أعتقد أن نجومنا الكبار يستطيعون ذلك، لقد فعلها يومًا الناقد الكبير الدكتور لويس عوض ونشر مذكراته دون أن يخفى شيئا، مما أثار غضب أقرب الناس إليه وتبرأت عائلته مما كتبه، عمر الشريف مثلًا قال إنه لن يكتب مطلقًا مذكراته لأن هناك أطرافا أخرى لعبت دورًا فى حياته وهو لم يستأذنها فى النشر، رغم أنه بين الحين والآخر من الممكن أن يروى شيئا فى أحاديثه تتعرض لحياته الخاصة التى يريد لها أن تظل فى إطار السرية، كمال الشناوى كثيرا ما روى لى ولغيرى العديد من التفاصيل الشخصية ولم يجد بأسا فى ذيوعها على الملأ.

من حق الفنان أن يقول «بيدى لا بيد عمرو» ويكتب بقلمه قصة حياته وهو لا يزال قادرًا على أن يتذكر تفاصيلها على شرط أن لا ينحاز إلى نفسه على حساب الحقيقة أو يكتفى بنصف الحقيقة، فى العادة يعتقد الفنان خصوصا عندما يمر به الزمن أنه كان محور الكون وأن كل ما حدث من صفقات وتلاعبات وضربات تحت الحزام كان هو الطرف المؤثر الفاعل أحيانا والمفعول به أحيانا أخرى، وليس هذا الأمر مقصورا فقط على الفنانين بل لو تابعت رجال السياسة لاكتشفت أن كل منهم يتصور أنه هو المحرك الوحيد للصراع العالمى، كثيرا ما تناقضت الروايات التى ذكرها رجال ثورة 23 يوليو عما حدث فى تلك الليلة وتناقضت أكثر عما حدث بعدها.

أتمنى أن ينجز الفنان الكبير نور الشريف قصة حياته وأن ينشرها الآن لنرى زمنا خصبا مليئا بالتفاصيل، كان نور شاهد إثبات على الكثير من أحداثه على مدى يقترب من خمسة عقود من الزمان.

 

هل لدينا توت كفاية؟

طارق الشناوي

نشر: 15/2/2014 7:28 ص

لا أحد يتمناها أو ينتظرها، ولكنها صارت حقيقة وتفرد لها «ميديا» الإعلام مساحات من الاهتمام، قبل ساعات قليلة من توزيع جوائز الأوسكار فى دورته 86 يوم 2 مارس القادم، تجرى مراسم توزيع جائزة «التوتة الذهبية»، إنها الوجه الآخر للصورة، والصحيح أن نقول «التوتة المعطوبة» كما تُطلق عليها الصحافة، فهى جائزة الأسوأ المعروفة باسم «راتسيز»، أنشئت قبل نحو 33 عاما ويشارك بالتصويت فيها أكثر من 600 صحفى وهاوى سينما داخل وخارج أمريكا. هذا العام ترددت أسماء جونى ديب وهالى بيرى ونعومى واتس، وطوال تاريخ الجائزة كثيرا ما يحصل عليها المشاهير مثل باريس هيلتون وبيرس بروسنان وكيفن كوستنر وسيلفستر ستالونى وجيم كارى ومادونا وساندرا بولوك، التى كان نصيبها فى عام 2010 جائزة التوتة عن فيلم «كل شىء عن ستيف»، وبعدها بأربع وعشرين ساعة فقط كانت تحتضن الأوسكار عن فيلم «الجانب المظلم»، وقالت معقبة إن على الفنان أن يتقبل الحلوة والمرة، قليل من النجوم فعلها واستلم التوتة مثل بن أفليك وهالى بيرى، بينما أغلب النجوم يعتذرون عن حضور الحفل، إلا أنهم لا يتهمون القائمين عليها بالتواطؤ وتصفية الحساب أو العمل لحساب المنافسين، وشروط الحصول عليها أن يكون النجم له مشوار عريض وفى نفس الوقت يخون الجمهور الذى وثق به ويشارك ببطولة عمل فنى متواضع.

الجمهور الغربى لا ينتظر التوتة ليعبر من خلالها عن استيائه، فلقد تعود أن يقصف مباشرة الخائبين من نجومه على المسرح بالبيض والطماطم والتورتة، بالطبع جمهورنا لا يمتلك هذا الترف فهو يستخسر فيهم الآن البيض والطماطم، أما التورتة فإنه يفضل التهامها مع من يحبهم من أصدقائه.

افرض مثلا.. مثلا يعنى، أننا قررنا فى مصر منح جائزة الأسوأ فما الذى سوف يحدث؟ فى مهرجان الإسكندرية السينمائى قبل عشرين عاما وباقتراح من المذيعة هالة سرحان أقيمت لأول مرة مسابقة لاختيار الأسوأ، وكانت تلك جوائز تسرق الأضواء من فاعليات المهرجان الأساسية لأنها دائما الأصدق، رغم أنها كانت تخشى الاقتراب من النجوم الكبار، وهكذا كانت تمنح لأسماء لم تصل وقتها إلى مصاف «السوبر ستار» مثل أحمد بدير وسمير غانم ودلال عبد العزيز ويونس شلبى وسعاد نصر.. ألغى مهرجان الإسكندرية تلك المسابقة قبل عشر سنوات، لأنها أثارت غضب كثيرين، وحتى يضمن حضور النجوم فإنه فتح باب التكريم على مصراعيه بإقامة حفل فى الختام توزع فيه الجوائز على أفضل الفنانين أو فى الحقيقة على كل من حضر، لم تعد مسابقة الأسوأ يقيمها أحد رغم أننا فى أشد الاحتياج إليها فى ظل مولد الجوائز التى تعلنها الجمعيات والمهرجانات الفنية، حيث نجد من لا يستحق يحتضن جائزة أو أكثر ويرفعها إلى عنان السماء قائلا «ماتبصليش بعيون رضية بص للى بين إيديه».

لماذا لا نفكر فى إقامة مسابقة أخرى موازية للأسوأ توزع التوت المعطوب على صناع أردأ الأنواع فى السينما والمسرح والغناء؟ أنا أعلم بالطبع أن المشكلة التى سوف تواجه القائمين على هذه المسابقة هى أن حبات التوت المعطوب المتوفرة فى الأسواق لا تكفى!!

هل لدينا بالفعل نجوم يعترفون بسقطاتهم الفنية؟ الحقيقة هى أننى لم أصادف فى حياتى المهنية إلا عددا محدودا جدا لديهم القدرة على الرؤية بعين محايدة، الراحل فريد شوقى كان كثيرا ما يتورط فى بطولة أفلام متواضعة يريد صناعها الصعود على أكتافه واسمه وتاريخه، ثم يعلن ندمه ويغفر له الجمهور والنقاد هذا الخطأ ثم يكررها ويتكرر أيضا السماح، فلقد كان لديه شيك على بياض من حب الناس، ورغم ذلك فإنه فى آخر استفتاء أقامه مهرجان «دبى» فى نهاية العام الماضى لأفضل 100 فيلم عربى احتل فريد شوقى المركز الأول كأفضل نجم عربى فى التاريخ.

الفنان فى مشواره يتأرجح عادة على طريقة أغنية عدوية الشهيرة «حبة فوق وحبة تحت»، مثلما حدث قبل أربع سنوات مع ساندرا بولوك وكان نصيبها الأوسكار والتوتة، هذا العام رشحت فقط للأوسكار بفيلم «جرافيتى» بينما لم يتردد اسمها فى ترشيحات «التوتة» 2014!!

 

بتهوفن الحرامى!

طارق الشناوي

نشر: 14/2/2014 3:34 ص

اعترف الموسيقار اليابانى ماموروسامو بأنه كان يستعين بأستاذ أكاديمى فى الموسيقى يساعده على تأليف سيمفونياته مقابل أجر، ولا يشير أبدًا إلى اسمه. كان الموسيقار الحرامى قد فقد حاسة السمع، ولهذا يطلقون عليه بتهوفن اليابان الذى فقد أيضا فى سنواته الأخيرة حاسة السمع، إلا أن البَوْن شاسع بالطبع حيث لم يسبق لبتهوفن الألمانى «الأصلى» أن سرق من أحد.

القضية ليست جديدة ولكننا بين الحين والآخر نتابع بعض وقائعها، إنها جريمة بالطبع لا تُغتفَر اسمها التأليف من الباطن، الطرفان متعادلان فى الإدانة مَن يكتب أو يلحِّن مقابل أجر ومن ينسب إلى نفسه «جينات» فنية حراما، وسوف تكتشف أن البعض فعلها فى بداية المشوار، كنت قد قرأت مجددًا مذكرات نجيب الريحانى التى أصدرتها «دار الهلال» بعد رحيله عام 49 بعدة سنوات وراجعها قبل النشر رفيق مشواره بديع خيرى توأمه الفنى والروحى، ذكر الريحانى كيف التقى مع بديع لأول مرة حيث إن نجيب كان قد اختلف مع أمين صدقى كاتبه الأثير قبل بديع فلجأ إلى أحد أفراد الفرقة، وهو فى الحقيقة لم يكن يمتلك موهبة، بل كان يستعين من الباطن بكاتب ناشئ، وهمس أحدهم فى أذن الريحانى باسم بديع خيرى وعلى الفور التقاه نجيب، وكان يصفه بأنه كان خجولًا وأذاب نجيب هذا الخجل وكوَّنا معًا واحدًا من أهم إن لم يكن أهم ثنائى عرفته الدراما المصرية سينمائيًّا ومسرحيًّا، الغريب أن فى التسجيل التليفزيونى النادر وأظنه الوحيد لبديع خيرى مع مذيعة التليفزيون الراحلة سلوى حجازى، سألته: كيف التقى مع الريحانى، فلم يأتِ أبدًا على ذكْر تلك الواقعة، وقال إن الريحانى سمع باسمه ككاتب موهوب يعرض على مسرح للهواة فذهب إليه وبدأت الرحلة ولم يجرؤ على الاعتراف بارتكاب تلك الجريمة.

الأمر أيضا لا يخلو من بعض الشائعات التى يروّجها البعض من أجل تحقيق شهرة وأحيانا من أجل ابتزاز كاتب أو ملحن. الموسيقار محمد عبد الوهاب كثيرا ما واجه هذه الاتهامات، بل كان الملحن رؤوف ذهنى وهو اسم لم يحقق شهرة ولكن لديه فى الحقيقة ألحان ناجحة مثل «سنتين وأنا أحايل فيك» لليلى مراد، كثيرا ما أكد ذهنى فى حواراته أنه لحّن لعبد الوهاب الكثير مثل أغنية «فكَّرونى» لأم كلثوم، ولم يجرؤ عبد الوهاب على إقامة دعوى قضائية بل حاول استرضاءه حتى يصمت. لم يسلم وليم شكسبير من هذا الاتهام وتم تحليل مفرداته الإبداعية قبل 20 عاما عن طريق الكمبيوتر الذى أثبت أن كل أعمال شكسبير هى إبداع خالص لشكسبير.

قبل أكثر من ستين عامًا كان هذا هو القانون السائد فى الدراما السينمائية، مثلًا الكاتب الكبير بهجت قمر والد الشاعر والكاتب الموهوب أيمن بهجت قمر، كان يمارسها فى بداية مشواره والغريب أنه ظل حتى رحيله يفعلها، كان بهجت قد صار اسمًا كبيرًا فى دنيا الدراما ولكن بعض المخرجين من أصدقائه كانوا يلجؤون إليه لكى يصلح السيناريو وخصوصًا الحوار وكثيرًا ما كان يضيف مشاهد رئيسية ليحمل الفيلم جينات «قمرية»، بين كل ذلك حالة أظنها يتيمة، فيلم «شباب امرأة» الذى كنا ونجيب محفوظ على قيد الحياة نذكر «شباب امرأة» من بين الأعمال التى شارك فى صياغتها سينمائيا مع المخرج الذى علَّمه كتابة السيناريو صلاح أبو سيف، ثم اكتشفنا أن «التترات» على الشاشة تخلو من اسم محفوظ والفيلم قصة أمين يوسف غراب الذى شارك أبو سيف فى كتابة السيناريو، بينما الحوار للسيد بدير، وعندما سألت المخرج الكبير الراحل توفيق صالح «آخر عنقود الحرافيش» عن السبب؟ أجابنى بأنه يعتقد أن نجيب محفوظ شارك فى كتابة السيناريو ولكنه بسبب وجود أمين غراب لم يشأ أن يضع اسمه حتى لا يثير غضبتا محتملا لغراب الذى كان يشعر وقتها فى منتصف الخمسينيات بأن مكانته الأدبية تتجاوز محفوظ.

الموسيقار الكبير بليغ حمدى فى سنوات الغربة خارج مصر فى نهاية الثمانينيات وأمام حاجته الشديدة إلى المال، تنازل عن اسمه كشاعر واكتفى فقط بأن تُنسب الأغانى إليه ملحنًا ونسبها إلى اسم شاعر خليجى رغم أنه لم يكتب شطرة شعرية واحدة طوال حياته، لا يزال هذا الشاعر المزيف يستعين بآخرين ولم يستيقظ ضميره بعد ويعترف، مثل بتهوفن موسيقار اليابان الحرامى!

 

الكبار.. وأخطاؤهم الصغيرة!

طارق الشناوي

نشر: 12/2/2014 4:31 ص

نادرة هى المرات التى كان يسمح فيها الفنان الكبير محمود مرسى، للصحافة بأن تقتحم حياته، فلم يكن يرحب بالأحاديث بكل أنواعها مرئية ومسموعة ومقروءة، من حسن حظى أنه كان أستاذى فى مادة الإخراج السينمائى بمعهد السينما بالهرم، وكثيرًا ما كنت أستغل أنه وهو فى طريقه إلى بيته فى الزمالك من الممكن أن يصطحبنى إلى مشارف منزلى فى المنيل، وفى الطريق لا أترك الفرصة تضيع وكثيرًا ما نتكلم فى تفاصيل فنية إلا أن الاتفاق هى أنها ليست للنشر.

مر 30 عاما ومن الممكن أن أذكر مثلًا الآن ودون أن أشعر بأننى قد نقضت العهد أن محمود مرسى لم يرض أبدًا على أى عمل فنى قدمه، الأكثر من ذلك أنه لم يكن يرتاح إلى أن يشاهد نفسه فى أى مسلسل أو فيلم، فكان يجلس فى الصالة مثلًا ويترك فقط التليفزيون بصوت هامس فى الحجرة المجاورة ربما يستمع إلى كلمة فى الحوار، ولكنه لا يرى ولا يسمع العمل متكاملا، خشية أن يغضب محمود مرسى من أداء محمود مرسى.

كان الفنان الكبير عزوفًا أيضًا عن الوجود فى السهرات أو العروض الخاصة، ولكنى فوجئت به بجوارى فى سابقة تستطيع أن تعتبرها استثنائية فى أثناء عرض فيلم «حبة سكر» قبل رحيله 2004 بسنوات قليلة، الفيلم تجربة مختلفة، فى بدايات تصوير أفلام الديجيتال نهاية التسعينيات، وبلا نجوم، ومن الواضح أن الأستاذ تحمس لكى يشاهد تلاميذه وهم يقاومون من أجل البقاء، التجربة لم تُرضِه، هكذا صرح لى فى نهاية العرض.

أتذكر أننى سألته وقتها عن آخر مسلسلين لعب بطولتهما «التعلب فات» و«بنات أفكارى» لم يكن سعيدًا، سألته كيف وافق ولديه الكثير من التحفظات، أجابنى بأنه كان قد أعلن رأيه، وأضاف: طلبت تغييرات فى السيناريو لم تتم الاستجابة كانت لديه ملاحظات على الرؤية الإخراجية فى «الثعلب فات» «ولم يقتنع بدوره فى «بنات أفكارى» كان يرى أن الفارق العمرى بينه وبين إلهام شاهين التى شاركته البطولة كبيرًا ولن يقتنع المشاهد، سألته لماذا وافقت؟ أجابنى: كان لدىّ أمل بتغييرات فى السيناريو، ولكنها لم تحدث، ثم أضاف: كنت أيضا بحاجة إلى الفلوس.

هل الكبار أيضا ممكن أن يفعلوا ذلك؟ نعم لكن لا أحد يعترف، ومن تجاربى قلةٌ هم الذين يملكون الجرأة على البوح والاعتراف. فعلتها مرة أم كلثوم عندما قررت أن تغنى للملحن فريد غصن «وقفت أودع حبيبى» فى منتصف الأربعينيات بكلمات أحمد رامى، أرادت الست فى سابقة خطيرة وغير متكررة أن تُثبت بطريقة عملية للعمالقة الثلاثة المتألقين على حنجرتها فى تلك السنوات محمد القصبجى وزكريا أحمد ورياض السنباطى أنها أم كلثوم وأن الأغنيات تنجح، لأنها أم كلثوم، الغريب أنها غنت هذا اللحن مرة واحدة ثم مسحته من الأرشيف تمامًا وليس لدى فى الحقيقة ما يثبت ذلك، ولكن الثابت أنها لم تردده فى أى حفل آخر كما أنها لم تسمح بتداول اللحن عبر الإذاعة المصرية وإلا كنا استمعنا إليه مجددا.

الدرس الأهم هو أن أم كلثوم أيقنت أنها أم كلثوم، هذا حقيقى ولكنها دون ملحن موهوب لن تصبح أم كلثوم، والدليل أنها ظلت لا تغنى سوى للثلاثة الكبار على مدى عشر سنوات تالية. بعد ذلك تألق على صوتها منذ منتصف الخمسينيات طبقًا للترتيب الزمنى محمد الموجى «نشيد الجلاء» وكمال الطويل «والله زمان يا سلاحى» ثم بليغ حمدى «حب إيه» وكان لكل منهم أغانيه الناجحة السابقة مع عبد الحليم ونجاة وفايزة، فهى لم تراهن على المجهول.

عبد الحليم حافظ استمع فى مطلع الخمسينيات إلى أغنية «يا رايحين الغورية» التى لحنها كمال الطويل لمحمد قنديل شعر أن من حقه أن يستحوذ على كل ما يبدعه صديقه الأثير وأنه الأولى، ودون علم الطويل سجل الأغنية بصوته، ولم تكن المقارنة لصالحه، وبعد عامين عندما حقق الشهرة والنفوذ كان يمنع تداول الأغنية ولو كان الأمر بيده لحرق الشريط.

الكبار يعترفون ولا يكررونها.. والصغار لا يكتفون بالتكرار ولكنهم يبددون طاقتهم فى الدفاع عن أخطائهم الصغيرة فيحيلونها إلى خطايا!

 

«البرنامج» والخط الأحمر

طارق الشناوي

نشر: 10/2/2014 5:24 ص

كان موعدى مساء الجمعة الماضية مع ليليان داوود فى برنامجها «الصورة الكاملة» عبر «أون تى فى»، الحوار عن الفيلم الشائك «أسرار عائلية»، الذى يتناول المثلية الجنسية وحدود الرقابة وحق المجتمع والخط الأحمر للمبدع، سألت عن الموعد، قالوا الحادية عشرة مساء، لاحظت أنه نفس توقيت الجزء الأخير من برنامج «البرنامج» لباسم يوسف فى مرحلته الثانية عبر قناة «إم بى سى»، تمنيت أن يتأخر اللقاء قليلاً. برنامج باسم مثل مباراة كرة قدم على الهواء فى نهائى الكأس الكل سينتظرها، خصوصا أنها الحلقة الأولى التى تأتى بعد ترقب طال عدة أسابيع، تساءل فيها الناس عن مصير «البرنامج»، ما الذى يقدمه فى تلك المرحلة؟ وإذا كانت «سى بى سى» لم تتحمله فهل تفعلها «إم بى سى»، حتى لو كانت محطة عربية؟ هناك بالتأكيد خط أحمر هل السيسى هذا الخط؟

كنت على يقين أن الاتفاق مع القناة سيتضمن الوصول إلى تلك النقطة الساخنة وبلا تجريح، وصلت إلى قناة «أون تى فى» بعد العاشرة بدقائق قليلة، فوجدت المخرج هانى فوزى سبقنى ومعه بطل فيلم «أسرار عائلية» محمد مهران، والكل ضبط نفسه على موجة «البرنامج». وشاهدت الحلقة كاملة مع عدد من العاملين فى حجرة استقبال «أون تى فى».

قليلة هى البرامج التى تبتعد عن الخط الرسمى للدولة، أصبحنا إلا قليلا نعيش فى زمن الإيقاع الواحد والنغمة الرتيبة، ونسبح بحمد الرجل الذى أنقذ مصر من حكم الإخوان، وأشاع الضوء بعد أن عشنا فى ذلك الظلام على مدى عام، هل يعنى ذلك أن نظل جميعًا نهتف باسمه ثم نأتى به رئيسًا؟ الكل يتوجه إلى المنقذ والإعلام أيضا فى أغلب قواه الضاربة لا يرى غيره فى الكادر، ولا يسمح بأى حديث إيجابى عن غيره. لا نستطيع أن نقول إن كل من يؤيد السيسى رئيسا حطم الخط الفاصل بين المنقذ والرئيس، ولكن دائما هناك كذابو الزفة المنتشرون فى كل العهود ولديهم الطبلة والرق والصاجات فى وضع الاستعداد الدائم.

هناك حالة من السخونة والتماهى ممكن أن أتقبلها فى الشارع تلعب لصالح المشير، ولكنى أرفض تماما الدروشة التى انتابت البعض فى إعلان حبه وولائه وتخوين كل من يقف على الجانب الآخر، من مخاطر هذا النوع من الحب المعصوب العينين أنه فى لحظات من الممكن أن يهبط المؤشر، لأن الانتظار يزيد من سقف التوقع، والواقع فى العادة لا يصل أبدا إلى الخيال.

الإعلام بجناحيه الرسمى والخاص يشعرنى بأنه صار جزءًا من اللعبة. هل عادت قائمة الممنوعات لأشخاص غير مرحب بهم فى الفضائيات؟ هل تقلص السقف ليقف عند حدود الببلاوى، مثلما كان نظيف يلعب هذا الدور فى زمن حسنى مبارك؟ فأصبحنا نردد أين أنت يا ببلاوى، استقل يا ببلاوى، «يا راجل يا عجوز مناخيرك قد الكوز».

فى زمن مبارك الكل كان يعلم أن الحاكم هو الرئيس وابن الرئيس، ورغم ذلك كان المعروف أن نظيف يتلقى الغضب منفردا. المستشار عدلى منصور الآن لا يحكم والحاكم لا يزال ضبابيا، والببلاوى شايل الليلة لوحده.

باسم حدد الهدف وهو فضح النفاق الإعلامى، وأطلق صواريخه على عدد منهم، ولكن عليه أن يُخرج نفسه من المعادلة مغفورا له هذه المرة فقط، أن يصبح هو المحور ويصوب مدفعيته الثقيلة ضد كل من هاجموه عبر الفضائيات من الفنانين والإعلاميين والجمهور. باسم يدافع عن باسم، والمشاهد يحب الشخصنة، فهو يقرأ عن شخص ويتابع شخصا، وتزداد معدلات الترقب كلما ارتفع التجاوز اللفظى وتبادل الشتائم النارية، إلا أن المطلوب أن لا يتحول «البرنامج» إلى تصفية حساب مع الخصوم مهما كانوا يستحقون الهجوم. كما أننى لا أرتاح إلى نغمة التعريض والغمز واللمز، حتى لو كان الطرف الآخر قد فعلها، مثل طريقة باسم فى نطق اسم «عمرو»، لو شرعنا هذا النوع من السباب سوف يخسر باسم المعركة، لأنه لن يستطيع مجاراتهم فى التطاول.

الحلقة الأولى أكدت أنه لا يوجد خط أحمر، شاهدتها حتى «كاريوكى»، وبعدها كان ينبغى أن أغادر موقعى من حجرة الانتظار للتصوير على الهواء مع ليليان، التى قدمت القضية الشائكة بموضوعية وتفهم، ولكن السؤال هل المشاهد يفضل الحياد والموضوعية؟

 

يا حبيبتى يا شادية!!

طارق الشناوي

نشر: 9/2/2014 12:44 ص

التقيت بها مرة أو اثنتين فقط فى منزل الموسيقار الكبير الراحل محمود الشريف، كانت تطلق عليه إجلالا وتقديرا «خوفو» الموسيقى، بينما هى كانت الفنانة والإنسانة الأقرب إلى أنغامه ومشاعره، بعد أم كلثوم لم ير الشريف فى أصوات النساء سوى ليلى مراد وشادية. كانت شادية تشترط أن اللقاء ليس للصحافة، وأتذكر أنها كانت فى تلك السنوات مطلع الثمانينيات تحفظ لحن «غربتنى الدنيا عنك» وسجلته بالفعل بصوتها على عود الشريف، ولكن فى اللحظات الأخيرة تراجعت وغنته ياسمين الخيام، ولكن اللقاء بينهما لم ينقطع فهى ابنته وظلت الأقرب إليه فى عز معاناته الصحية خلال الأشهر الأخيرة من حياته.

كان صوت شادية «يا حبيبتى يا مصر»، هو الضوء الذى سرى فى وجدان الثوار مع بداية ثورة اللوتس، وعاد صوتها مجددًا بعد عامين فى نفس التوقيت ليضمد الجراح فى بورسعيد الباسلة فى زمن عبد الناصر، التى صارت ثائرة فى زمن مرسى، وهى تقول «أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد لتبوس لى كل إيد».

أمس كان عيد ميلادها، تفضل شادية دائمًا الهدوء وليس هذا الأمر مرتبطا بقرار الاعتزال الذى اتخذته قبل أكثر من ربع قرن، شادية بطبعها عزوفة عن أجهزة الإعلام ولن تجد فى أرشيفها المقروء والمسموع والمرئى إلا القليل جدًّا.

عندما اعتزلت كانت حريصة على أن لا تتورط مثل عدد من الفنانات اللاتى أعلنّ أن الفن حرام، ابتعدت بلا ضجة ولم تتبرأ من أى أغنية أو فيلم أو مشهد.

كان صوتها يشد من أزر الثوار طوال 18 يوما حتى رحيل الطاغية مبارك، إلا أن الغناء الوطنى يعبر عن وجه واحد فقط من ملامح شادية، جمعت شادية بين كل الأطياف والألوان الغنائية فسكنت أغانيها القلوب، فمن ينسى صوتها الضاحك «يا دبلة الخطوبة» أو الشجى «ليالى العمر معدودة» أو الوطنى «يا حبيبتى يا مصر»، ثم تناجى الله قبل الاعتزال «خد بإيدى».. دائمًا هى حاضرة معنا فى حياتنا نعيش معها الحب بكل أطيافه لله والوطن والبشر.

شاركت عديدا من كبار المطربين فى أفلامهم: محمد فوزى، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، كمال حسنى، كان اسمها أكبر من عبد الحليم، ورغم ذلك ساندته فى أول أفلامه «لحن الوفاء»، وسبقته فى «التترات»، ووافقت على أن يسبق اسمه اسمها فى الأفيش، وشاركت الوجه الجديد كمال حسنى بطولة فيلمه الوحيد «ربيع الحب»، لم تتنازل عن القمة، والصحيح أن نقول إن القمة لم تتنازل عن شادية. كانت تقول على الفنان قبل أن تودعه الأضواء، يودع هو الأضواء.. وقدمت عشرات الأفلام التى دخلت ذاكرة الناس ومن بينها «أغلى من حياتى»، شاركت صلاح ذو الفقار البطولة وقدما دورَى أحمد ومنى، وانتقل هذين الاسمين من الشاشة إلى الشارع، ودائمًا ما يردد الناس تعبير أحمد ومنى على العمل الفنى الذى يتناول علاقات رومانسية بين حبيبين.

طموح الممثلة شادية لم يعرف حدودًا.. كل المطربين والمطربات الذين سبقوها كانوا حريصين على أن تتخلل أفلامهم أغنيات، ولكن شادية حطمت هذا القيد بداية من «اللص والكلاب» للمخرج كمال الشيخ، الذى قدمته فى مطلع الستينيات.

مع كمال الشناوى عشنا أهم دويتو عرفته الشاشة المصرية أسفر عن 33 فيلمًا، وقال لى الفنان الراحل كمال الشناوى إنه ظل حتى سنواته الأخيرة يتلقى خطابات من معجبين يسألونه عن شادية باعتبارها زوجته، والغريب أن كمال كان قد تزوج من شقيقة شادية السيدة عفاف شاكر.

ابتعدت شادية عن الفن، ولكنها لم تجرمه أو تحرمه مثل عديد من الفنانات، وأتذكر عام 1995 أن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قرر تكريمها، ووافقت بعد أن اتصل بها الراحل سعد الدين وهبة رئيس المهرجان، ولكن فى اللحظات الأخيرة تراجعت وتردد وقتها أن الشيخ محمد متولى الشعراوى أقنعها بالاعتذار، إلا أنها طلبت من مديحة يسرى أن تتسلم التكريم، بينما اكتفت هى بالصمت.

سوف تلاحظ أن الصمت هو واحد من معالم شادية فى مشوارها الفنى والشخصى، ولكنها خرجت عن صمتها قبل أربع سنوات، عندما تردد أن هناك من يسعى لتقديم مسلسل عن مشوارها، وقالت لا أريد لأحد أن يقدم قصة حياتى، ولم يجرؤ أحد على إغضابها، يا حبيتى يا شادية، يا حبيبتى يا مصر.

 

اتسعت الرؤية فضاقت العبارة!

طارق الشناوي

نشر: 8/2/2014 10:51 ص

لا يوجد حياد فى الحياة ولا السياسة ولا الإعلام ومن باب أولى التقييم النقدى، ولهذا فأنا أعلن انحيازى لهذا الفيلم المرشح للأوسكار فى مسابقته 86، هناك ثمانية أفلام أخرى تتطلع لاقتناص جائزة «أفضل فيلم» يوم 2 مارس، ولها مصوغات تؤهلها إلى تلك المكانة الاستثنائية، لكنى أرى أن «12عامًا من العبودية» هو فيلم الأفلام.

«كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، هكذا قال العلامة الصوفى النفرى فى واحدة من تجلياته، وعندما أرى بعض الأعمال الفنية تستعصى على التحليل، حيث تقف فيها الكلمات عاجزة عن التواصل أستجير بمقولة النفرى، فهى البلسم الشافى عندما تستسلم الحروف، وتعلن استحالة القبض على المعنى.

الرواية العظيمة واللوحة الأخاذة والفيلم الساحر والقطعة الموسيقية التى تحلق بك بعيدًا، عندما تكون مهمتك هى أن تحيل إحساسك بها إلى كلمات فأنت تفقدها ألقها وخصوصيتها، إذا كانت الترجمة من لغة إلى لغة تخصم كثيرًا من الجمال فما بالكم عندما نصبح بصدد مجال فنى مرئى ومسموع مثل الفيلم تحيله إلى مجال آخر مقال مقروء. ولهذا مثلًا وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإن الرواية العظيمة لا تؤدى بالضرورة إلى فيلم عظيم، كما أن الرديئة ربما تنطوى على خط درامى ما لو أمسك به المخرج لاستطاع أن يصنع فيلمه، الانصهار بين الشكل والمضمون هو خارطة طريق الإبداع الخالص.

طالت المقدمة أكثر مما ينبغى، لكن ليس هذا هو موضوع المقال، لكنى أتحدث عن فيلم استثنائى شاهدته فى مهرجان «دبى»، وهو الآن يسير بخطوات ثابتة وواثقة لاقتناص الأوسكار بعد أن حصل مؤخرًا على جائزتين متتاليتين «الجولدن جلوب» لأفضل فيلم درامى ثم جائزة «رابطة المنتجين فى هوليوود».

كثيرة هى المرات التى وجدت فيها الكرباج ينهال على ظهر العبد الأسود فى الفيلم، وكأنى أتلقيه على ظهرى، الضربات المحسوبة هى فقط التى يختلط فيها الدماء باللحم، وإلا فإن العبد الذى يتقاعس عن ضرب زميله هو نفسه سيتعرض لذات العقاب، الفيلم الذى أخرجه ستيف ماكوين يقدم رواية حقيقية عن رجل حر وعازف كمان موهوب من أصل إفريقى أمسكه بعض تجار العبيد، كان سيدًا فى الشمال، وأرادوا أن يبيعوه كعبد فى الجنوب، والخطة هى محو ذاكرته، وأولها أن يغير اسمه، وأن ينسى تمامًا أنه كان سيدًا، وإلا فإن العقاب القاسى ينتظره وبلا رحمة. هو وزوجته وطفلاه عليهم أن يتحملوا كل صنوف العذاب، إذا لم تقاوم الظلم فأنت عبد، وإذا قاومت فإلى متى؟ علاقتنا بالحقيقة هى العمق الفكرى والدرامى لهذا الفيلم، لا يكفى أن نصمت عن ذكرها بل ونقتنع بأنها أيضًا هى الكذب بعينه، كنا كمشاهدين نريده أن يصمت، ويعلن أنه عبد، تواطأنا حتى نفلت من العقاب.

هل الفيلم يوجه شحنة الغضب ضد نظام العبودية، أم إلى الدفاع عن الحقيقة؟ العبد أراد التحرر، لا لأنه يرفض العبودية، لكن لأنها لم تكن الحقيقة، لكن ما ذنب من ولد عبدًا هل عليه أن يستمر فى الصمت والخضوع، إنها النغمة التى رددها الفيلم باقتدار وبتنويعات مختلفة طوال أحداثه.

الممثل الأسود شيوتييل أجيوفيير المرشح للأوسكار قدم إبداعًا خاصًا فى تقمصه تلك الشخصية التى تقاوم حتى وهى تبدو ظاهريًّا مستسلمة، إنه مثل «السوليست» الماهر فى الأوركسترا، كان أيضًا يعزف على أوتار المشاعر ونبضات القلوب، للعبودية سلاح آخر هو الدين، رأينا قسًا يحرّف فى كتاب الله، لكى يقنع العبد الأسود أن إطاعة السيد هى من طاعة الله، ولهذا فإن تحطيم القيد لن يأتى بقرار ولا بمجرد الإحساس بالعذاب، لكن بأن نمتلك روح التحرر حتى من المقدس الزائف الذى يربطوه عنوةً بالدين، ورغم أن الأحداث لا تنتهى بثورة العبيد، لكن بأن يعود مرة أخرى البطل إلى بلده فى الشمال، ليصبح سيدًا، فإن هناك بذرةً رأيناها تنبت على الأرض ترفض العبودية، إضاءة المشهد الأخير والتكوين الدرامى المغلف بدفء العائلة وصولًا للأحفاد بقدر ما منحنا فيض من البهجة إلا أنه ملأنا بغصة من ألم وفيض من حزن تسكن مشاعرنا، وتتردد مرة أخرى واحدة من تجليات النفرى «القلب يتغير وقلب القلب لا يتغير وقلب القلب هو الحزن»!

 

فيفى وهشام.. ومساء العكننة!

طارق الشناوي

نشر: 5/2/2014 4:32 ص

من يعرفون فيفى عبده وهشام عباس عن قرب يؤكدون أنهما يشعّان خفة ظل فى جلساتهما الخاصة، ولا يتمالك نفسه من يصاحبهما من الضحك وهاتك يا كركرة، ولكن سبحان الله! والذى لا يُحمد على مكروه سواه، عندما يطلان على المشاهدين عبر برنامج تليفزيون «فيا داهيه دُقى» ومع الأسف صارت الداهية تدق أربعة أيام فى الأسبوع.

يقولون فى المثل المصرى الشهير «يا بخت من زار وخفف» وهى دعوة أرى أن على النجوم الذين يطاردوننا ليل نهار عبر الفضائيات أن يتدبروها. لقد أسرفوا فى الزيارة، فتحولوا من ضيف عابر إلى صاحب بيت مقيم، يجعلك تطلب حق اللجوء الدائم لـ«الريموت كنترول» والغريب أنك عندما تتمكن من الهروب منهم فى فضائية على الهواء تجدهم على الهواء أيضا فى فضائية أخرى، ولا تسأل كيف، ولكنها بتحصل!

يبدو أنه قد بات من المستحيل العثور عن قناة خالية من هؤلاء النجوم، وكأنها عدوى انتشرت بضراوة فى الوسط الفنى، حيث أصبح من النادر أن تجد نجمًا لامعًا أو حتى منطفئًا لا يشارك فى تقديم برنامج أو أكثر.

هل صارت مهنة المذيع هى حلم كل النجوم ومن مختلف الأجيال؟ هل اكتشف نجومنا فجأة أنهم مؤهلون لكى يصبحوا مذيعين وأن هذه هى رغبتهم الأولى ولكن مكتب التنسيق بسبب ضعف المجموع أحالهم إلى قسم التمثيل أو الغناء أو الرقص، والآن بعد أن حسنوا درجاتهم قرروا تحقيق رغبتهم الأولى؟!

نجوم ناجحون فى مجالهم، لماذا يصرون فجأة على أن يمارسوا مهنة مقدمى البرامج؟

سوف تستمع إلى إجابات متعددة، ولن يذكروا أبدًا الحقيقة وهى الإغراء المادى، تدفع الفضائيات الكثير لهؤلاء النجوم لإقناعهم بالعمل كمذيعين، هذا هو السبب الأول غير المعلن أما الثانى غير المعلن أيضًا، فهو أن فشل الفنان فى العمل كمذيع لن يؤثر بالسلب على موقعه الفنى، فهو لا يلعب بطولة عمل درامى، ولكنه مجرد مذيع سوف يتبدد البرنامج فى الهواء بعد عرضه مباشرة ولن يتذكره أحد، فشعارهم الدائم هو «خد الفلوس واجرى»!

القضية موغلة فى القدم، حيث إنه مع بداية عهد التليفزيون المصرى عندما كنا نُطلق عليه التليفزيون العربى، أى أننا نتحدث عن أكثر من 50 عامًا مضت، فعلها كمال الشناوى وقدم برنامجا عن الفن التشكيلى، وذلك لأن الشناوى فى الأصل يمارس الرسم وله العديد من اللوحات، وكان يستعد لافتتاح أول معرض له قبل رحيله بأشهر قليلة، كان كمال الشناوى يقدم للجمهور مادة هو يدرك تفاصيلها، ورغم ذلك لم يستمر طويلا فى الجلوس على مقعد المذيع.

خفت وجود النجوم على الشاشة الصغيرة بضع سنوات حتى جاءت الثمانينيات لنرى أسماء مثل حسن مصطفى والمنتصر بالله، ثم حدث توقف بضع سنوات بعد ذلك شاهدنا مع الانتشار الفضائى نور الشريف وحسين فهمى وفاروق الفيشاوى ونيللى وأشرف عبد الباقى وخالد النبوى وأحمد آدم وشريف منير وعزت أبو عوف ورجاء الجداوى ومدحت صالح وإيناس الدغيدى ودريد لحام وأيمن زيدان وأصالة ولطيفة ويسرا وهانى رمزى وغيرهم.. إلا أن القاعدة هى أن بريق النجم لا يكفى لكى ينجح كمذيع، لأن هذا الوهج يسقط بعد لحظات ويتبقى فقط قدرته أو عدم قدرته على أداء واجباته كمذيع.

المذيع الناجح وصفة أخرى، تركيبة مغايرة وخاصة جدًّا، لا تستطيع أن تقول مثلًا إنها الشهرة ولا هو الذكاء ولا الحضور.. الشهرة قد تمنحها الشاشة الصغيرة للمذيع ليصبح نجمًا وليس مطلوبًا منه أن يمنح هو نجومية لمقعد المذيع، ثم إن من واجبات المذيع أن لا يطغى حضوره على ضيوفه، وهكذا تزداد الصعوبات التى تواجه النجم عندما يستهويه الجلوس الدائم على مقعد المذيع، فهو بين الحين والآخر يريد أن يقول للجميع «نحن هنا».

ما الذى يجمع بين آخر عنقود المذيعين، أقصد فيفى عبده وهشام عباس ليلتقيا معًا فى برنامج «أحلى مسا» عبر قناة

«إم بى سى»؟ إنه السوق الفنية المتذبذبة التى لم تعد ترحب الآن كثيرًا، لا بتمثيل فيفى بعد اعتزالها الرقص ولا بغناء هشام بعد اعتزاله التنطيط، فوجدا فى التليفزيون الحضن الدافئ والملاذ الأخير، إلا أن السؤال: وما ذنب المشاهدين حتى يتحملوا كل هذه العكننة، الرحمة حلوة يا جماعة!

 

شماعة أم كلثوم

طارق الشناوي

نشر: 4/2/2014 5:34 ص

لا يزال قلمى يسكن على شاطئ أم كلثوم فى ذكرى رحيلها، كنت أطل معكم فى هذه المساحة أمس على أم كلثوم والزمن، غابت عنا كوكب الشرق قبل 39 عامًا ولا يزال البعض ينتظرها، فى الحقيقة لا يمكن أن تتقبل الذائقة الآن حالة كلثومية أخرى، فلدينا مثال صارخ آمال ماهر، «كلثومية» الصوت والأداء إلى أبعد درجة، ولكنها لم تقترب من مشاعر الناس إلا بعد أن عثرت على نغمة وأداء عصرى يليق بالألفية الثالثة، كان مكتشفها الموسيقار الراحل عمار الشريعى يريد استنساخ أم كلثوم «2000» ولكنها وجدت نفسها حين تحررت من قيد الشريعى، وبالفعل صارت الآن تشكل رقمًا لا يمكن تجاهله على الخريطة الغنائية العربية.

هذه المرة أطل على «أم كلثوم والسلطة»، كلنا نتابع حالة اللهاث التى بات عليها الفنانون والمثقفون صوب توجههم للمشير السيسى، الأغلبية التى من الممكن وصفها بالمطلقة تقف فى الصف وتعلن ولاءها وتغنى فى «الكورس» للقادم بقوة إلى القصر، تقريبًا بلا منافس بعد أن تراجع كل من فكر أو حاول أو حلم.

تجاوزت كلمات الأغانى الحد المسموح، وصلنا إلى الخضوع المطلق والرجاء الذى لا ينقطع فى أن يقبل ويكمل جميله.

دائمًا يقولون إن أم كلثوم فعلتها، وغنّت للملك فاروق ثم لجمال ورفضت الغناء للسادات، ودليلهم أنها لم تغن لانتصار أكتوبر، الحقيقة أنها كانت حتى بدايات عام 73 قادرة على الصعود إلى خشبة المسرح، ثم لم تسعفها صحتها، وآخر أغانيها «حكم علينا الهوى» سجلتها فى الاستوديو، وكانت بالفعل حريصة على أن تغنى لأكتوبر، الغناء لعبد الناصر كان مرتبطا بآمال عشناها حتى 67، واستفقنا بعد الهزيمة وغنينا للوطن المجروح «عدى النهار» نموذجًا.

السادات حكم مصر المهزومة فلم يغنوا باسمه وغنوا له بعد انتصار 73، وللتوثيق غير صحيح أن عبد الحليم حافظ فى أغنية «عاش اللى قال» لم يذكر اسمه مباشرة، السادات هو الذى طلب ذلك عندما عرض عليه وزير الإعلام الأسبق عبد القادر حاتم، الأغنية قبل إذاعتها، فوجد بحاسته الأدبية أن «عاش اللى قال» أجمل، لأن كل الناس تعرف أن السادات هو اللى قال، ملحوظة: أرجو أن يتم توثيق هذه المعلومة من كل من وزير الإعلام الأسبق والإذاعى وجدى الحكيم الذى كان مشرفًا فى تلك السنوات على التسجيلات الغنائية، فلم يكن حليم ولا أم كلثوم، قادرين على تحمل تبعات تجاهل الرئيس. لاحظ أننا نتحدث عن زمن كانت الدولة تمتلك فيه كل المنافذ، أى أن غضب السلطة يعنى الحكم بالإعدام على الصوت، أما الآن فإن هناك دائمًا منافذ أخرى.

سيدة الغناء العربى كانت حاضرة بقوة فى ثورتى «25 يناير» و «30 يونيو» حيث أعادت الفضائيات قصيدة «أنا الشعب» التى كتبها الشاعر كامل الشناوى ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكأنها توجه تحية من العالم الآخر إلى مصر الثائرة.

كان هذا هو الوجه الإيجابى للصورة، أما الوجه الآخر فإن البعض وجد فى أم كلثوم شماعة لمنافقى السلطة بحجة أنها غنت للملك فاروق ثم بعد ثورة 23 يوليو غنت لعبد الناصر، وهو ما يبرر للمنافقين غناءهم ورقصهم فى عهد مبارك، ثم تأييدهم بعد ذلك للثورة، وصولا إلى الغناء للسيسى. والمقصود بالغناء ليس فقط الذى يقع تحت طائلة قانون «يا ليل يا عين»، ولكن الأحاديث التى يدلى بها العديد من النجوم الذين كانت السلطة تعتمد عليهم، سواء فى الدعاية لحسنى مبارك فى ولاية سادسة، أو فى التمهيد لجمال مبارك رئيسًا خلفًا لوالده. كل هؤلاء تشعبطوا فى قطار أم كلثوم واستندوا إلى مقولة جمال عبد الناصر الشهيرة عندما قامت الثورة فقرر أحد الضباط الصغار منع صوتها من الإذاعة المصرية بحجة أنها غنت للملك فى العهد البائد فقال عبد الناصر إذن امنعوا أيضًا النيل، لأنه من العصر البائد.

الغريب أن من غنوا لمبارك أو نافقوه فى أحاديثهم صاروا هم الأعلى صوتًا بعدها دفاعًا عن ثورة 25 ثم 30، وفى نفس الوقت يرفعون فى وجه كل من يذكِّرهم بالذى مضى حكاية أم كلثوم. الزمن تغير من عصر «فاروق» إلى زمن «السيسى» ولكن قطار النفاق لا يزال منطلقًا!

 

نانسى ومنديل أم كلثوم!

طارق الشناوي

نشر: 3/2/2014 6:42 ص

ماذا لو ولدت مجددا أم كلثوم فى 2014؟ سوف تعتبرها الذائقة الفنية الشعبية خارج نطاق الزمن، نتعامل مع صوتها بوقار وتقدير ولكن بلا دفء أو سخونة.

كثيرا ما ننتظر أم كلثوم وأحمد شوقى وطه حسين وجمال عبد الناصر، وننسى أن هؤلاء أبناء عصر بمفردات ومقومات أخرى. هتلر تحقق فى عصر سطوة الراديو، فكان له كل هذا الحضور عبر التاريخ، قبل أن يختفى مع بزوغ عصر التليفزيون، قوته فى نبرات صوته، بينما تفضحه ملامحه، وهو ما يمكن أن تراه فى تحوله مع الزمن إلى كاريكاتير رغم أنه فى الواقع كان مهاب الطلعة.

أم كلثوم هى ابنة الميكروفون، نعم كان صوتها قويا بلا مساعدات صوتية، لو كان فقط الفيصل هو قدرة الصوت لتفوقت عليها فى مطلع العشرينيات من القرن الماضى سلطانة الطرب منيرة المهدية. أم كلثوم كانت تجمع فى صوتها بين الجمال والكمال، وساعد الميكروفون على ذيوع جمال النبرة، ولهذا ظلت مترددة فى التعامل مع كاميرا التليفزيون، وكانت لها شروطها بمسافة تبتعد فيها الكاميرات، فهى تنتمى «جينيا» إلى الميكروفون.

ليلى مراد مثلا هى ابنة زمن كاميرا السينما، التى تعنى صوتا وصورة وحضورا، سنكتشف أن 70% من رصيدها هو أغانى الأفلام فهى ليست مطربة ميكروفون.

اليوم الذكرى رقم 39 على رحيل أم كلثوم، وسوف تمنحها «الميديا» الإعلامية كل ما هو متاح من مساحات، من الضرورى بل والصحى أيضا أن تعيش كل المجتمعات أحاسيس، «النوستالجيا»، الحنين إلى الماضى، على شرط أن تصبح أشبه بومضات تأتى على فترات، ويظل اليوم والغد هو الذى نعيشه أو نحلم به. عالمنا العربى يعيش فى الزمن الماضى أكثر من الحاضر، لدينا دائما أحكام مسبقة نرددها حتى دون أن نتأكد من صحتها. الكل يقول أفلام الأمس هى العصر الذهبى للسينما، ونقصد به بالطبع الخمسينيات، وعندما تسأل أحدا عن مطربه المفضل يقول لك على الفور عبد الحليم حافظ، على اعتبار أن حليم هو آخر صيحة فى الغناء. أما المطربة المفضلة فإنها ولا شك أم كلثوم، ولكن هل حقيقة بعد عبد الحليم وأم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب وفريد الأطرش لم يظهر فى الساحة مطرب أو مطربة يعشقه الجمهور؟

الإبداع هو ابن الزمن، وكما يتغير إيقاع الحياة يتغير أيضا إيقاع الناس. كان محمد عبد الوهاب مرفوضا كمطرب فى الثلاثينيات، لأنه جاء بأداء وبألحان مغايرة لمن سبقوه مثل عبده الحامولى ومحمد عثمان وكامل الخلعى وصالح عبد الحى. كذلك كان عبد الحليم مرفوضا فى الخمسينيات، لأنه تمرد على أسلوب أداء عبد الوهاب. ومن المؤكد أن جيل تامر حسنى يختلف تماما عن جيل عبد الحليم. والمأزق أننا نستمع إلى تامر بقانون عبد الحليم، ونتابع نانسى عجرم ونحن نريدها أن تُمسك بمنديل أم كلثوم!!

لو ذهبت إلى مقهى أم كلثوم فى وسط العاصمة لوجدت أن صور أم كلثوم على الجدران، لا تزال تشهد على عظمة هذا الصوت، وأن المقهى لا يقدم سوى أغنياتها، لكن صوت «قواشيط» الطاولة بات يعلو على صوت «آهات» أم كلثوم، كانت تقاليد هذا المقهى حتى الثمانينيات تقضى بأن يأتى الرواد للاستماع فقط.

لم يكن هناك «new look» كان أقصى ما يفعله المطرب هو أن يرتدى بذلة وقميصا على الموضة.. الآن المطرب يغير ملامحه مع كل شريط، وتابعوا عمرو دياب الذى يطل علينا مرة بذقن وأخرى من دون، مرة بشعر أسود وأخرى أصفر، نراه نحيلا ثم نجده مثل مصارعى الأوزان الثقيلة. لم يكن فريد ولا عبد الحليم ولا فوزى ولا نجاة ولا فايزة مسموحا لهم بأى شىء من هذا القبيل، ولو فعلها أحدهم لاتّهم بأشياء عديدة أقلها الجنون، الآن المطرب الذى لا يتغير هو الذى يُتهم بالجنون!!

جميل أن نعود بين الحين والآخر إلى ماضينا ونستمتع بالأفلام والأغنيات القديمة، على أن يصبح ذلك أقرب إلى الزيارة الخاطفة، ونعود مسرعين إلى الزمن الحاضر نقيم فيه، من يدير ظهره للزمن يعيش خارج الحياة يردد وحيدا «عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك» والناس حوله تردد لنانسى «يا ابنى فك خليك طبيعى»!

 

ورحلت النسمة!!

طارق الشناوي

نشر: 2/2/2014 1:43 ص

فى نهاية الخمسينيات سألوا سيدة الشاشة فاتن حمامة عن النجمة القادمة فى السينما المصرية، وكانت الساحة بها ثلاث نجمات كل منهن جديرة بالقمة: سعاد حسنى ونادية لطفى وزيزى البدراوى، أجابت فاتن دون أى دبلوماسية وبكل ثقة أن القادمة هى زيزى البدراوى، وواصلت زيزى الصعود فى الستينيات، إلا أن النجومية الطاغية كانت من نصيب سعاد ونادية.

حققت ولا شك زيزى البدراوى بصمة على الشاشة، ولكن الوهج لم يستمر طويلا والقدرة على الجذب الجماهيرى شهدت بعدها هبوطا فى المؤشر.

إذا أردت أن تعرف بدقة ما رهان السينمائيين فى ذلك الوقت أعنى نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات، ابحث عن «التترات»، راجع بدقة الترتيب فهى وثيقة لا تخطئ، اللقاء الذى جمع بين الثلاث نجمات الصاعدات كان هو رهان المخرج الكبير عاطف سالم عام 59 فى «السبع بنات»، وجاء اسم نادية لطفى سابقا الجميع رجالا ونساءً، ثم زيزى وبعدها حسين رياض ثم سعاد حسنى.

اللقاء الثانى بين زيزى وسعاد فى «البنات والصيف»، أيضا جاء اسم زيزى مباشرة بعد عبد الحليم وتلتها سعاد، رغم أن سعاد كانت قد بدأت حياتها فى صدارة الأفيش قبلها بعام فى «حسن ونعيمة» لهنرى بركات. زيزى عرفت سياسة الخطوة خطوة، انطلقت فى دور صغير فى فيلم «بورسعيد» للمخرج عز الدين ذو الفقار، وكان اسمها فدوى جميل قبل أن تتوهج على خريطة صانع النجوم حسن الإمام مع فيلم «عواطف» فى دور رئيسى، وهو الذى أطلق عليها اسمها الفنى زيزى البدراوى، وزيزى هو اسم الدلع لابنته الوحيدة زينب الإمام، زميلتنا الكاتبة الصحفية الكبيرة بجريدة الأهرام.

وتستمر فى مشوار البطولة بتلك الملامح الرقيقة بمسحة من البراءة، وتواصل التألق مثل «بين القصرين»، ولكن السهم لم يواصل الانطلاق، وكان لا بد من البحث عن أسباب، وكثيرا ما واجهت زيزى هذا السؤال وتحدثت وشرحت وأفاضت وبالطبع كان فى ما تحكيه منطقه النفسى، ولكنه لا يعبر بالضرورة عن الحقيقة، فهى فى فيلم «البنات والصيف» رفضت حب فتى ونجم وفارس أحلام البنات فى تلك السنوات مطلع عام 60 عبد الحليم حافظ، ومن بعدها رفضتها الجماهير احتجاجا على موقفها من العندليب الأسمر.

كان الكاتب السياسى الكبير أحمد حمروش قد كتب عن الفيلم الذى يتكون من ثلاثة أجزاء، واستوقفته القصة الثالثة التى أخرجها فطين عبد الوهاب، وقال ساخرا «من أنت حتى ترفضى حب عبد الحليم».

كسر الجميع الخط الوهمى بين الحقيقة والخيال، حتى الكاتب الكبير لم يسلم من ذلك، فما بالك بالجمهور. والغريب أنه فى نفس الفيلم كانت تؤدى سعاد حسنى دور شقيقة عبد الحليم حافظ، وشهدت الأحداث بداية العلاقة العاطفية بين سعاد وحليم. هذا التحليل لتوقف نجومية زيزى حتى ولو كان يرضى كثيرين، وأولهم زيزى، فإنه لا يعبر عن الواقع. أولا لم تتوقف زيزى بعدها عن أدوار البطولة، مثل «امرأة على الهامش»، ولم يتوقف إعجاب الجماهير بها وتعاطفهم معها، وكان لها كل عام أربعة أو خمسة أفلام بطولة.

والغريب أن التى حاربها عبد الحليم بعنف هى سعاد حسنى، والدليل أنها كانت المرشحة الأولى لبطولة فيلم «الخطايا» الذى تنتجه شركة «صوت الفن»، التى كان حليم يشارك فيها عبد الوهاب برأس المال، ولكنه بعد أن توقف مشروع الزواج انتقم منها وأسند دورها إلى منافستها الأولى على الشاشة نادية لطفى.

مع مرور السنوات لم تتوقف زيزى، وارتضت بالقانون الفنى الذى لا يمنح الكبار البطولة، وشاركت فى مسلسلات مثل «المال والبنون» و«بنت من الزمن ده» و«حضرة المتهم أبى» وغيرها، وشاركت فى عدد من الأفلام فى أدوار صغيرة وآخرها مع ابن شقيقتها المخرج هادى الباجورى فى فيلم «واحد صحيح».

مرات قليلة هى التى التقيت فيها الفنانة الكبيرة زيزى البدراوى، كانت فيها عنوانا للرقة والالتزام، وكانت تعتبر أن أبناء شقيقتها هم أبناؤها الذين لم تنجبهم.

يظل عمر النجم على الشاشة سحرا وسرا غامضا يمنح الوهج لفنان، كما أن عمر هذه النجومية أيضا يظل لغزا محيرا، وهكذا كانت زيزى البدراوى على الشاشة، نجومية طاغية قصيرة الزمن، ولكن حب يتجاوز الزمن، عاشت كنسمة ورحلت النسمة!!

 

«جدًّا» تعنى «فشخ»!

طارق الشناوي

نشر: 1/2/2014 6:55 ص

كلما زادت البذاءات التى يبثها الإعلام ليل نهار تشبثنا أكثر بطوق النجاة، ورددنا بصوت جماعى «أين ميثاق الشرف الإعلامى؟»، حتى خارطة الطريق تضمنت بندًا لتنظيم إعلام السداح مداح، أخشى أن أصدمكم بتلك الإجابة، وهى أنه لا ميثاق ولا ألف خارطة من الممكن أن يواجه ما نعيشه الآن، حيث إننا نتعرض لحوالى 700 فضائية عربية تبث إرسالها على مدى 24 ساعة يوميًّا، ولا يمكن لأى جهاز رصد أن يلاحقها، علينا أن نزرع داخل البيت القدرة على الاختيار، انتهى زمن السلطة الأبوية التى كانت تمارسها الدول على شعوبها، وتتولى هى الإباحة والمنع بدلا منهم، أصبحنا نعيش فى زمن «الريموت كونترول».

لا أنكر بالطبع أن ما تبثه «الميديا» يشكل جزءًا كبيرًا من ثقافتنا، وحتى سلوكنا الشخصى، استمعت مرة إلى الأديب الكبير الراحل د.يوسف إدريس كان يحكى أنه فى شبابه تعلم أن يضع علبة السجائر فى الشراب بعد أن شاهد محمود المليجى يفعل ذلك فى أحد الأفلام، فأصبحت علبة سجائره منذ ذلك الحين لا تعرف سوى هذا الطريق.

تشن بين الحين والآخر الفضائيات التى صارت هى المصدر الرئيسى لحالة الانفلات اللفظى والحركى زخات مكثفة من المسلسلات والبرامج، التى يتباهى صُناعها بأنهم يقدمون آخر صيحة فى دنيا الإسفاف، وكأن من يقف أمام الكاميرا متحدثًا أو ممثلًا يعتقد أن الشتائم هى الطريق الوحيد المضمون للفت الانتباه للوصول إلى قاعدة جماهيرية أوسع، والغريب أن أغلب من يهاجمون تلك البرامج والمسلسلات تكتشف أنهم صاروا مدمنين لها. هل نُحمل «الميديا» تبعات المسؤولية كاملة، حيث تنقل الشاشة السلوك للشارع فى نفس اللحظة التى تستقى فيه مفرداتها من الشارع؟

قبل نحو ما يزيد على عشرين عامًا أخرج أوليفر ستون فيلمه «ولدوا ليقتلوا» ينتقد فيها وسائل الإعلام وكيف أنها أصبحت المصدر الرئيسى لعنف المجتمع، فبات أكثر دموية، استند المخرج إلى دراسة أكدت زيادة ملحوظة فى السنوات الأخيرة للجينات البشرية المحفزة للعنف.

العلاقة كانت ولا تزال تبادلية بين الشارع والشاشة، تنقل «الميديا» ما يجرى فى الشارع ثم تصدره للناس وكأنها تعيد تدوير البضاعة، عدد من الجرائم تم تنفيذها مباشرة محاكاةً لفيلم أو مسلسل، كما أن بعض أساليب تعاطى المخدرات كانت الشاشة هى الوسيلة المضمونة لمنحها علامة «الأيزو».

علينا ملاحظة أن كلمات مثل «حضرتك» و«أفندم» و«بعد إذنك» و«لو سمحت» و«عفوًا» وغيرها، يبدو أن عمرها الافتراضى قد انتهى من قاموس التعامل اليومى، ومن لا يزال حريصًا عليها صار فى عرف هذا الزمن «أنتيكة»، أصبحنا نتعامل ببساطة وأريحية مع كلمات مثل «فشخ» و«أمك» و«حمرة» صرنا نترحم على زمن «بلح» و«نفض» و«كبر»!

لو قلبت فى صفحات الدراما ستكتشف أن أشهر عبارة أحدثت ضجة فى العالم العربى ووصفت وقتها بالانفلات هى تلك التى أطلقتها فاتن حمامة فى فيلم «الخيط الرفيع» فى منتصف السبعينيات «ابن الكلب» التى نعتت بها محمود ياسين فى حوار ساخن، كان من المستحيل العثور على مرادف لفظى آخر، وكان عبد المنعم إبراهيم قد سبقها فى فيلم «بين القصرين» عندما اكتشف أن والده يحيى شاهين يرقص مع العوالم، فقال بخفة ظل «يا ابن الكلب يا بابا»، إلا أن الذى حدث بعدها هو أن البعض طالب بالمعاملة بالمثل، ورأينا سيلًا عارمًا من ابن الكلب وأخواتها.

الناس بطبعها تكره المزايدة، والحكمة تقول «الفضيلة تقع بين رذيلتين الإفراط والتفريط»، وهكذا بقدر ما أرفض تلك الأعمال التى تبدو مهذبة لدرجة التعقيم، فأنا أرفض أيضًا الإسراف الذى يصل إلى حد الإسفاف، النوعان مرفوضان سواء تلك التى تتدثر بغطاء من أوراق «السوليفان» أو الأخرى التى تبدو وكأنها قد تخلصت تمامًا حتى من ورقة التوت.

لا نستطيع أن نعزل الشاشة عما نراه فى الشارع، ولا أن ننكر أن الدراما أيضًا أثرت فى لغة الشارع. إنهما وجهان لعملة واحدة، ولا أتصور أن ميثاق الشرف الإعلامى من الممكن أن يملك آليات للمواجهة، بعد أن أنجب الانفلات مزيدًا من الانفلات، علينا أن نتعلم كيف نختار بالريموت، لكن من ينتظر أن يعثر فى الإعلام عما يطلقون عليه ميثاق الشرف عليه أن يتعلم على سبيل الاحتياط لغة هذه الأيام يتعلمها فشخ و«فشخ تعنى جدًّا»!

التحرير المصرية في

01.02.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)