كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

مقابل كل حفنة من الأفلام يوجد واحد مميّز

هل هناك نوعان من سينما العرب.. واحد لهوليوود والآخر لـ«كان»؟

هوليوود: محمد رُضا

 

سواء أنجز الفيلم الفلسطيني «عمر» وعوده وحقق للسينما العربية أول فوز بالأوسكار في تاريخ الجائزة الذي يعود إلى عام 1928، أو اكتفى بالوصول إلى الترشيحات الرسمية بعد يومين، وسواء أنجز «الميدان» المتسابق في قسم الأفلام التسجيلية الوعد ذاته أو لم ينجز، فإن الاشتراكات العربية في سباق الأوسكار باتت منذ سنوات ليست بعيدة أكثر حضوراً مما كانت عليه من قبل.

السينما الفلسطينية وحدها وصلت إلى مستوى الترشيحات الرسمية مرّتين. الأولى سنة 2005 عندما قام المخرج هاني أبو أسعد بتقديم فيلمه السابق «الجنّة الآن»، والثانية عبر فيلمه الحالي «عمر». لكن عدد المرّات التي تقدّمت فيها السينما الفلسطينية بأفلام لكي تدخل الترشيحات المذكورة هي ست مرّات بما فيها هذان الفيلمان. المرّات الأربع الأخرى تبلورت عن محاولات قادها المخرج إيليا سليمان عندما بعث بفيلمه «يد إلهية» إلى سباق الأوسكار لعام 2003. في العام التالي حاول المخرج حنا إلياس دخول ذلك المحراب بفيلم «موسم الزيتون». وبعد نجاح هاني أبو أسعد في الوصول إلى الترشيحات الرسمية بفيلمه «الجنّة الآن»، قامت آن ماري جاسر بمسعى تقديم فيلمها «ملح هذا البحر» سنة 2008، ثم قامت سنة 2012 بالمحاولة الثانية لها فقدّمت «لما شفتك»، وهذا قبل نجاح أبو أسعد للمرّة الثانية في الوصول إلى الترشيحات الرسمية التي يجري الاقتراع عليها واختيار الفائز من بينها.

* حدود ضيّقة وحتى وإن لم يفُز فيلم أبو أسعد إلا بحدود الوجود في هذا النطاق، يبقى الأمر مدعاة غبطة شخصية من ناحية وإعلامية للسينما الفلسطينية، وبل لقضية ما زالت الشاغل الأكبر حول العالم، خصوصاً وسط الظروف والمتغيّرات السائدة في هذه المنطقة ودرب الوصول إلى حل سلمي التي يجري حالياً تعبيدها بصعوبة.

لكن البون شاسع بين معظم ما يخرج من أعمال تحمل الراية الفلسطينية وبين المستوى الفني الذي على الفيلم التحلّي به لتحقيق نوعية لا يمكن رفضها. السينما الفلسطينية التي بدأ نوع من تاريخها في مخيّمات بيروت في مطلع السبعينات عبر أفلام وثائقية ذات نبرة خطابية ودعائية مباشرة غير فاعلة، ما زالت تعاني من خفوت مستوى معظم ما تقدّمه من أعمال روائية أو تسجيلية. النبرة تغيّرت والأولوية أصبحت لمنح الفيلم شخصية فنيّة في المقام الأول، لكن تنفيذ هذه الملامح على نحو فاعل وحيوي ما زال قيد البداية باستثناء ما قام به المخرجان أبو أسعد وإيليا سليمان.

والملاحظ أن الأول عمد إلى تجاوز الحدود الضيّقة للطرح الفلسطيني عبر حكايتين مسرودتين بأسلوب تشويقي قائم على سرد الحدث ومعالجة طروحاته انطلاقاً من ذلك السرد، في حين عمد إيليا سليمان إلى تأخير السرد التقليدي إلى أبعد نقطة ممكنة من العرض وتقديم أسلوبه الذاتي الخاص به مثل بصمة لا يمكن نكرانها.

«يد إلهية» نموذجي في هذا الصدد. الفيلم الذي تطرّق فيه سليمان إلى الوضع برمّته من دون خطابات جاهزة، والذي ميّزه برؤيته الشخصية من دون أن يدير ظهره إلى القضية المطروحة في الوقت ذاته لم يخفق، سنة 2002، من نيل جوائز قيّمة أعلاها شأناً جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» السينمائي في العام ذاته.

حقيقة أن «كان» منحه جائزة رئيسة من جوائزه الرسمية وأنكرت عليه أكاديمية العلوم والفنون السينمائية موزّعة «الأوسكار»، مجرد الترشيح يكشف عن نظرتين مختلفتين. «كان» اهتم بالتعبير الفني والإبداع الذاتي، الأكاديمية رغبت في فيلم مفتوح على منوال قصصي... أو ربما هذا يكون افتراضنا كوننا لا نعلم تأكيداً السبب الذي من أجله لم يجري ترشيحه للأوسكار رسمياً.

* حكاية زرافة العام الفائت شهد خروج ثلاثة أفلام فلسطينية روائية كان «عُمر» أحدها. إلى جانبها فيلم تسجيلي للأردنية ميس دروزة حمل تمويلاً أردنياً - ألمانياً - قطرياً مشتركاً بعنوان «حبيبي بيستناني عند البحر». فيلم رائع يتعامل والموضوع الفلسطيني من خلال مقابلات وذكريات وأشعار للراحل حسن حوراني.

روائياً، لم يستطع «زرافاضة» (جمع بين كلمتي «زرافة» و«انتفاضة» حسب رغبة المخرج راني مصالحة، إحداث أي اهتزاز على سطح البركة الراكدة. عمل كوميدي متواضع خال من أسلوب فني مميّز ويعتمد على السرد والطرح وحديهما وليس على الكيفية التي بإمكانها صنع فيلم أكثر تأثيراً وتنفيذاً. حكايته تدور حول طبيب بيطري في حديقة الحيوان داخل فلسطين لديه ابن يعشق الزرافتين اللتين تعيشان في تلك الحديقة. عندما تقتل الغارة الإسرائيلية إحدى هاتين الزرافتين، وتجنباً لموت الأخرى حزناً، يصير لزاماً على الطبيب (وصحافية أجنبية حشرت نفسها في الموضوع)، جلب زرافة أخرى ولو من حديقة حيوان إسرائيلية.

الفكرة ليست قابلة للتصديق وإن كانت إنسانية الوقع والنبرة. لكن الأكثر من ذلك أن المعالجة توفر فيلماً خفيف السياق وميلودرامي الوقع حتى نهايته.

* جيد للداخل كان ذلك أول فيلم للسينمائي مصالحة، لكن الفيلم الثالث بين تلك الإنتاجات التي جرت باسم السينما الفلسطينية في العام الماضي، ينتمي إلى مخرج له حضوره الدائم في المهرجانات العربية (وبعض الدولية) هو رشيد مشهراوي. الفيلم الذي حققه حمل عنوان «فلسطين ستيريو» والاسم وحده يشي بفكرة تقليدية تقوم على منح شخصية من الشخصيات اسماً غريباً لتمييزها. ما يتحدّث عنه الفيلم هو موضوع حول شقيقين فقد أحدهما النطق والسمع، خلال غارة إسرائيلية على البناية التي يقطنها مع شقيقه، واعتبر الآخر نفسه مسؤولاً عن ذلك إذ هو الذي بعث بأخيه إلى تلك الشقّة قبيل حدوث الغارة. هما الآن يحاولان الهجرة إلى كندا ويخوضان معترك استصدار التأشيرة وما تتطلّبه من تجاوز شروط ومتطلّبات. رشيد مشهراوي يعيش في باريس وهو بلا ريب شاهد الكثير من الأفلام وأساليب التعبير لكنه يعمد هنا إلى الحفر في المكان نفسه موفراً تركيبة نمطية تخلو من التوتر والحدّة إلا في النهايات.

«زرافاضة» و«فلسطين ستيريو» عرضا في مهرجانات عربية، لكن عرضهما - وعرض معظم ما يجري تصنيعه عربياً - يكشف عن ثغرة كبيرة: ما يصلح للعرض في مهرجانات السينما العربية لا يصلح بالضرورة (وعلى نحو غالب) للعرض في مهرجانات دولية. ما يراه الناقد العربي عادة جيّد ويستحق الفوز قد لا يراه الأجنبي من الزاوية ذاتها، ولا يمكن لومه في ذلك فالكثير من هذه الأفلام لا تكتنز ما يكفي للانتقال من شاشة مهرجان مثل دبي أو أبوظبي أو مراكش أو سواها إلى شاشات برلين أو كان أو لوكارنو أو غيرها. لكن الحال اليوم أفضل مما كان عليه قبل عشر سنوات، ووصول بعض أفلام العالم العربي إلى الأوسكار أو إلى «كان» و«فينسيا» كما حدث في العامين الماضي والحالي دليل على أن شيئاً إيجابياً يقع في مضمار هذه الصناعة.

* جوائز «عُمر» حتى الآن

* إذا فاز «عُمر» بعد يومين بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، فسيكون ذلك سادس فوز له. الجوائز التي حصدها حتى الآن هي: جائزة «آسيا باسيفيك» كأفضل فيلم، جائزة قسم «نظرة ما» الخاصة (مهرجان «كان»)، جائزتا أفضل فيلم وأفضل مخرج (مهرجان دبي)، وجائزة لجنة التحكيم لفيلم شبابي (مهرجان غنت، بلجيكا).

شاشة الناقد

نصّاب الحكومة

الفيلم: American Hustle 

إخراج: ديفيد أو راسل تقييم الناقد:(4*)(من خمسة) في اللقطة الأولى من فيلم ديفيد أو راسل الجديد «نصب أميركي»، تتحرّك الكاميرا من جانب رِجْل مرتفعة عن مستوى الأرض بالتدريج. خلال حركتها تلك تكشف عن كرش كبير ثم تنتهي والرجل واقف عند المرآة يضبط شعره. إنه يحاول إخفاء صلعة في منتصف رأسه عبر لصق شعر مستعار. يضع الخصال فوق رأسه ثم يعالجها بمادة لاصقة ثم يرتّبها في النهاية على نحو يوهم الناظر أنه شعر حقيقي.

إنه إرفينغ روزنفلد (كرشتيان بايل) يقوم بعملية نصب على نفسه. يوهمها بأنه ما زال يملك كامل شعره ويحاول إخفاء الواقع بأن شعره الحقيقي غادر رأسه وربما لا يزال يتساقط. هذا النصب ليس الوحيد، لكنه دال على عمليات نصب كثيرة يقوم إرفينغ بها. إنه نصّاب محترف يستعين به مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) للمساعدة بإيقاع عدد من السياسيين لكشف فسادهم وتقاضيهم الرشى. الأحداث، التي يذكر الفيلم أن بعضها وقع فعلاً، تعود إلى سبعينات القرن الماضي عندما قام المكتب بالاستعانة فعلياً بنصّاب حقيقي (اسمه مل واينبيرغ) للغاية ذاتها. للغاية جرى تجنيد عميلين للـ«إف بي آي» لتقمّص شخصيتي عربيّتين وهميتين وتقديمها لحاكم ومسؤولي مدينة أتلانتيك سيتي على أساس أنهما يزمعان دخول عالم مؤسسات القمار جنباً إلى جنب العصابات المنظّمة. للقيام بذلك، عليهما الحصول على تغطية من عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي. هؤلاء وقعوا في الفخ المرسوم، أو بالأحرى في عملية نصب قام بها نصّاب واشترك فيها مكتب التحقيقات الفيدرالية كشريك كامل، والغاية النيل من نصابين مماثلين يعملون في مراكز حكومية أولى.

فيلم أو راسل يحافظ على هذا الهيكل لكنه يغيّر كثيراً في هيئته. يرممه بالكامل. إرفينغ يملك عدداً من محلات غسل الثياب في المدينة، لكن عمله الذي يدر عليه المال أكثر هو ترويج للوحات فنية مزيّفة وبيعها. يشرح نظريّته لعميل الـ«إف بي آي» ريتشي (برادلي كوبر) الذي فرض عليه أن يشتغل معه في مشهد جيد يقول له فيه وهما ينظران إلى لوحة متقنة: «إنها مزيّفة. هل الفن إذن عند الفنان الأصلي أم عند المزيّف؟» ويضيف: «الناس تصدق ما تريد أن تصدّقه».

إرفينغ متزوّج بامرأة شاكية اسمها روزالين (جنيفر لورنس) ولديه منها ولد. لكنه، مع مطلع الفيلم، يتعرّف على امرأة أخرى اسمها سيدني (آمي أدامز) ويشركها في عملياته. عندما يجبرهما ريتشي على العمل معه تتأرجح سيدني بينهما ثم تميل سيدني إلى ريتشي الذي هو أسوأ الثلاثة. يريد تحقيق فوز على الفساد باستخدام فساد مماثل. ربما الغاية تبرر الوسيلة، لكنه يغمس يديه في ما لا علم له فيه، فهو ليس نصّاباً ولو أنه نصب نفسه كذلك.

مثل «Goodfellas» الذي حققه مارتن سكورسيزي سنة 1990، ومثل فيلم سكورسيزي الحالي «ذئب وول ستريت»، يعمد «نصب أميركي» إلى سرد الحكاية عن طريق صوت لاعبيها الأساسيين. إنه راي ليوتا في الفيلم السابق وليوناردو ديكابريو في الفيلم الحالي، لكنه يأتي على لسان شخصيّتين هنا هما إرفينغ وسيدني. العلاقة بينهما، ثم انجذاب ريتشي إلى سيدني وصدّها له وعودتها إلى إرفينغ، عناصر أساسية في حبكة رائعة التنفيذ. في الفيلم كل واحد من الشخصيات (بما فيها حاكم المدينة جيريمي رَنر) ضحية أفعاله، لكن هناك من يقف معه طوال الوقت، وهو إرفينغ لأن نصبه هو أخف أنواع النصب بين الجميع.

10-TOP

«ثلاثة أيام» لكوستنر حط ثانياً

* مع أن فيلم كيفن كوستنر الجديد (أول بطولة مطلقة له منذ سنوات) «ثلاثة أيام للقتل» لم يسجّل أكثر من 12 مليونا و242 دولار إلا أنه نجح في استحواذ المركز الثاني هذا الأسبوع، علما بأنه أحد فيلمين جديدين فقط على قائمة أكثر الأفلام رواجاً لهذا الأسبوع.

* الفيلم التاريخي المفرط في استعراضاته «بومباي» (بطولة لغير نجوم من بينهم كيت هارنغتون وإميلي براوننغ وكاري آن - موس) هو الفيلم الجديد الثاني وحط ثالثاً.

* الفيلمان اللذان خرجا من اللائحة تبعاً لدخول الفيلمين الجديدين هما «تلك اللحظة الغريبة» الذي جمع نحو 24 مليون دولار قبل غيابه، و«باق وحيد» (Lone Survivor) الذي حقق نجاحاً لا بأس به إذ أنجز 122 مليوناً قبل رحيله.

* بذلك، يبقى «فيلم ليغو» الكرتوني على سدّة القائمة حاصداً حتى الآن ما مجموعه 183 مليون دولار داخل أميركا الشمالية. لكن هذه الميزة لن تستمر طويلاً «بلا توقّف»، فيلم الأكشن الذي سيحط في الويك - إند المقبل يعد باحتلاله المركز الأول. فَلْنَرَ.

الأفلام 1 (1)(4*) The Lego Movie: $31,305,359 2 (-)(2*) 3 Days to Kill: $12,242,218 3 (-)(2*) Pompeii: $10,340,823 4 (3)(2*) Robocop: $9,808,407 5 (4)(2*) The Monument Men: $7,912,276 6 (2)(2*) About Last Night: $7,534,816 7 (6)(2*) Ride Along: $4,623,390 8 (8)(2*) Frozen: $4,404,787 9 (5)(3*) Endless Love:$3,967,520 10 (7)(2*) Winter›s Tale: $2,173,455

سنوات السينما: 1941

أوسكار واحد لـ «المواطن كاين»

سواء أكان السيناريو الذي كتبه هرمان مانكوفيتز هو العنصر الأول لأهمية «المواطن كاين» كما أخرجه ومثّله أورسن وَلز، أو كان مدير التصوير البارع كريغ تولاند هو سبب نجاحه الفني الأول، فإن الثابت أن الفيلم اخترق المعتاد حينها على أكثر من وجه. مزج الروائي المستوحى من شخصية حقيقية بالخيال ومزج الاثنين بقسط من ملامح التسجيل ثم جمعها كلها تحت سقف سرد فذ. على ذلك كله، ورغم إعجاب نقدي مطلق، فإنه أخفق في نيل أوسكار أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل رجالي (وَلز) وأفضل تصوير. الجائزة الرئيسة التي حققها هي جائزة أفضل سيناريو أصلي. أما الفيلم الفائز فكان «كم كان واديا أخضر»، فهل استحق ذلك؟

المشهد

فن وتجارة

* إذا لم تربح ساندرا بولوك الأوسكار بعد يومين لا بأس... هناك بديل لمثل هذه الخسارة.

* عقد الممثلة التي جرى ترشيحها عن دورها في فيلم «جاذبية» مع شركة «وورنر» منتجة الفيلم ينص على أن تتقاضى 20 مليون دولار كأجر، وهذا جرى دفعه بالكامل. لكنه ينص أيضا على 15 في المائة من نسبة الإيرادات التي يعود بها الفيلم من حصيلة عروضه السينمائية، إلى جانب نسبة (غير معلن عنها) من إيرادات الفيلم اللاحقة (DVD وتلفزيون... إلخ).

* بما أن الفيلم حقق قرابة 700 مليون دولار حول العالم، ومن المتوقّع له أن يحقق أكثر من 50 مليون دولار أخرى قبل أن تنتهي فاعليته التجارية في الصالات، فإن المسألة مسألة حسابية بسيطة لندرك أن الممثلة ستجني أكثر من 650 مليون دولار قبل أن يجري إضافة نسبتها من الأسواق الأخرى المتوقع لها أن تصل إلى 50 مليون دولار.

* إذن من المربح أن تكون ممثلاً ناجحاً في السينما الأميركية. أعني أن تكون ممثلاً في أي سينما أخرى هو فن بحد ذاته، أما أن تكون ممثلاً ناجحاً في هوليوود فهو فن مزدوج: كيف تمثّل وتستحق الأوسكار وفي الوقت ذاته كيف تنجز الملايين من الفن الذي تحترفه بحب. «بزنس» عليك أن تنهل منه قدر ما تستطيع، فالنعمة قد لا تدوم.

* سألت مرّة أحد الممثلين إذا ما كان يؤمن بأن الفن والتجارة يجتمعان في التمثيل (كما في سواه) فنظر إلي متعجّباً وقال: «لم أفهم سؤالك... أليس هذا أمراً طبيعياً؟». في الحقيقة هو ليس طبيعياً إلا في إطار السينما الأميركية. في باقي السينمات، هناك بالطبع رغبة حثيثة لنجاح متوازن كهذا، ويرفع الممثلون أجورهم وشروطهم تبعاً لما حققوه سابقاً من نجاح، لكن لا أحد، خارج هوليوود، يدر 20 مليون دولار (ولا حتى عشرة ملايين دولار) عن دور واحد، ناهيك بنسبة من الإيرادات.

* أين المحرّك الذي يؤدي إلى النجاح؟ ما هو الدافع؟ الإجادة في التمثيل ونيل الجوائز والتبلور كممثل «قد الدنيا» أو الارتقاء في الأجر ورفعه ثم الوصول به إلى رقم قياسي يكفي لإنتاج عشرة أفلام بكاملها؟ هذه الأيام لا أحد يطرح السؤال على هذا النحو لأنه يبدو أمراً طبيعياً للغاية، كما قال الممثل باختصار. السينما «بزنس» حسب هذا المفهوم، لكنه أيضا أكثر من فن وأحد فنونه كيفية صعود السلّم إلى الطابق الأعلى. اختيار الأدوار واقتناص الفرص والتمتع بالشخصية الجاذبة التي تجعل حضورها مطلوباً من قِبل المشاهدين. وأحيانا حتى هذه «المواهب» أو «العناصر» لا تبدو كافية.

* هل ينفي أحد أن الممثل أليجا وود ظهر في واحد من أكبر الأفلام السينمائية وأنجحها في التاريخ وهو «سيد الخواتم» الذي جمع، عام 2000، ومن جزئه الأول وحده 861 مليون دولار حول العالم؟ لكن هذا لم يؤدِّ بالممثل إلى صعود السلّم المذكور. أفضل ما يقال عنه أنه جعله يحافظ على مكانه كواحد من عشرات الأسماء القابعة في الأدوار المتوسّطة. حالياً يتقاضى 250 ألف دولار عن الدور، وآخر فيلم ناجح قام بتمثيله (ناهيك ببطولته) كان الجزء الثالث من «سيد الخواتم» سنة 2002.

* أي ممثلة جيّدة أخرى كانت ستستطيع لعب الدور الذي قامت به ساندرا بولوك (معظم مشاهدها ارتدت فيها خوذة رأس) والنجاح به خصوصاً إذا ما كان لديها اسم برهن على جدواه تجارياً. لكن إلى أن وصلت ساندرا إلى ذلك الفيلم كانت خاضت غمار سلسلة من الأعمال الناجحة التي قادتها لأن تطلب بثقة أجراً مرتفعاً ونسبة عالية من الإيرادات، وهو ما حصلت عليه. مبروك.

الشرق الأوسط في

28.02.2014

 
 

ننشر مذكرات تحية كاريوكا للكاتب الكبير صالح مرسى.. الحلقة الثامنة

كاريوكا: تعلمت من بديعة مصابنى أنه لا سبيل وسط عواصف العمر إلا الشجاعة

أعدها للنشر: محمد توفيق 

·        كتبت بديعة مصابنى مذكراتها فى كتاب صدر فى بيروت وذكرت فى هذا الكتاب كل شىء إلا سؤالاً واحدًا لم تجرؤ على ذكره أبدًا

·        بديعة كانت هى العامل الفعال فى «خلق» شخصية «كاريوكا» كراقصة أخذت من أستاذتها مبادئ عامة لتطبقها بأسلوب بنت البلد بكل ما فيها من جدعنة

·        كانت هذه السيدة الديكتاتور تعيش أكثر من مأساة دون أن يشعر أحد

·        بديعة مصابنى!

بعد يوم واحد، أسلمت تحية قيادها تمامًا لهذه السيدة.. أحبتها وعشقتها واستكانت لحنانها هذا الذى أغرقتها به.. ذلك أنه لا يمكن لإنسان مر بما مرت به بديعة مصابنى من أهوال وآلام، إلا أن يكون ذا قلب كبير، وبصيرة نافذة، وحكم صائب على الأشياء والأمور.

وإذا أراد الإنسان أن يعرف سر تلك العلاقة التى نشأت وتوطدت بين تحية كاريوكا وبديعة مصابنى.. وإذا أراد الإنسان متابعة شخصية تحية كاريوكا متابعة صادقة وحقيقية.. فلا بد له إذن من وقفة تضطره إليها غرابة هذه العلاقة وقوتها.. وذلك التأثير السحرى الذى ترك بصماته على شخصية بدوية تحية على النيدانى كريم حتى يومنا هذا!

بديعة مصابنى..

هى جزء قوى وفعال من حياة تحية كاريوكا، بل يذهب البعض، وأنا منهم، إلى أن وصول تحية فى تلك الأيام بالذات، وفى الظروف التى كانت تمر بها بديعة مصابنى، كان هو العامل الفعال فى «خلق» شخصية «كاريوكا» كراقصة أخذت من أستاذتها مبادئ عامة، لتطبقها بأسلوب بنت البلد بكل ما فيها من جدعنة.

ولقد كتبت بديعة مصابنى مذكراتها فى كتاب صدر فى بيروت منذ أعوام، وذكرت بديعة فى هذا الكتاب كل شىء، كل شىء إلا سؤالا واحدا لم تجرؤ على ذكره أبدًا.. شىء كان هو البداية، بداية الآلام التى تسوق الإنسان إلى قدر محتوم لا سبيل إلى الفكاك منه.. غير أن بديعة وهى لا تزال صبية فى مقتبل العمر، تقع بلدها تحت نيران الحكم العثمانى بكل سواده، استطاعت بقدرة خارقة، أن تتحدى قدرها هذا، وأن تنهض وحدها بعد كبوة كانت كفيلة بتغيير حياتها إلى الأبد، وأن تسلك طريقًا آخر، أن تتحول من مجرد فتاة بائسة تطاردها أم خلا قلبها من الرحمة، إلى امرأة تحترف الفن، وأن تكتسب احترام الجميع، فى وقت كان الفن فيه عارًا على الرجال!

وعندما دخلت تحية صالة بديعة فى شارع عماد الدين، فى ذلك اليوم من شتاء 1937، كانت بديعة قد استطاعت أن تبنى صرحًا فنيًّا له مكانته.. كانت قد انفصلت عن نجيب الريحانى، دون طلاق لأنهما كاثوليكيان، انفصالًا نهائيًا، بعد رحلات من الشقاق والخلاف تكررت حتى تحولت إلى فضائح.. وكانت تعيش فى هذه الفيللا الأنيقة التى بهرت الصبية الصغيرة وأدارت رأسها، كانت تعيش فيها وحيدة لا يحيا معها سوى عزيزة وصيفتها السمراء المخلصة.. وكانت أثثت الفيللا بأثاث يليق بمكانة ملكة الاستعراض فى مصر، وأحاطتها بحديقة صغيرة، طالما شهدت، وهى المسيحية، ذبح الذبائح فى كل عيد أضحى، وتجمع فتيات المسرح وفتيانه، لقضاء يوم شم النسيم بين البيض الملون والضحكات والملانة والخس!

كانت بديعة قد قطعت رحلة عمر شاقة، كانت قد هاجرت فى صدر حياتها من دمشق إلى البرازيل، تحمل بين جوانحها ذلك السر الرهيب فى صلابة وأمل.. ابتعدت عن مسرح المأساة بآلاف الكيلومترات.. هناك، بعيدًا، حيث لا يعرفها أحد ولا تعرف أحدًا.. غير أن أمها لاحقتها إلى هناك، لم تكتف تلك الأم الغريبة الطباع بما سببته لابنتها فى الوطن، فلحقت بها فى المهجر لتفسد عليها كل نجاح كان من الممكن أن تحرزه.. وتفسد عليها أول حب فى حياة بديعة مصابنى، ذلك الحب الذى كاد ينتهى بالزواج، لولا الأم، التى كاشفت الحبيب بالسر الرهيب.. ولم تكتف بهذا، بل كشفت السر لكل الناس، فلم تجد بديعة مفرًا من الهجرة من المهجر، والعودة إلى الشام لتستقر فى بيروت.

وفى تلك الأيام التى كانت تحية تسير فيها بجوار بديعة من حدائق القبة إلى عماد الدين، مفلستين تمامًا لا تملكان أجر الحنطور.. كانت بديعة تحكى كل شىء، كانت تثرثر للصبية بالمآسى وهى تضحك، وفى تلك الليالى التى قضتها تحية مع بديعة فى الفيللا الخالية من كل أثاث إلا من الحبال التى علقت عليها الملابس الغالية الثمن، وسريرين صغيرين من الحديد اشترتهما بديعة مصابنى بجنيهين لتنام عليهما هى والفتاة التى هبطت عليها ذات صباح من حيث لا تدرى، وسط هذا كله، عرفت تحية الكثير، الكثير جدًّا من أسرار حياة بديعة، فتعلمت كيف يستطيع الإنسان أن يواجه الحياة مهما كانت عواصفها، وكيف يستطيع التغلب عليها!

تعلمت تحية فى تلك الأيام درسها الأول فى الحياة من بديعة مصابنى، وهو ألا سبيل للمرء، وسط عواصف العمر، إلا الشجاعة!

وعندما دخلت تحية صالة بديعة لأول مرة، كانت هذه السيدة الديكتاتور تعيش أكثر من مأساة دون أن يشعر أحد بما يعتمل فى نفسها من آلام.. كان أحب الناس إلى قلبها، ابنتها وابن أختها، قد انفصلا بالطلاق بعد قصة حب لم تدم طويلًا.. وكان سبب انفصالهما، واحدة من تلميذات بديعة اللاتى أصبح لهن مكانة فى عالم الاستعراض!

كانت بديعة مصابنى قد هاجرت للمرة الثانية إلى البرازيل، وكانت قد استطاعت أن تكوّن ثروة صغيرة عادت بها إلى بيروت لتقيم أود العائلة.. وقدمت كل ما جمعت من مال لأمها التى كانت السبب فى الكثير من نكباتها، وكانت شقيقتها قد أصبحت أرملة بعد أن توفى زوجها، وكانت الشام فى هذه الأيام قبل الحرب العالمية الأولى تقع تحت نير الحكم العثمانى الأسود، وفى تلك الظروف الحالكة وجدت نفسها مسؤولة عن الجميع، فقامت بواجبها، غير أن قرة عينها كان أنطوان، ابن أختها اليتيم الذى مات أبوه وهو دون الخامسة!

وتعرفت بديعة فى تلك الأيام بجنرال تركى استطاعت عن طريقه أن تقيم أود العائلة.. كانت الشام تعيش فى شبه مجاعة، ووسط نذير الحرب والغلاء واختفاء الأغذية، استطاعت بديعة أن تكوّن ثروة صغيرة، ثم وكأنها كانت تشعر عن يقين، رغم أنوثتها الكاملة، أنها سوف تحرم من الأمومة، تبنت طفلة يتيمة، أطلقت عليها اسم «جولييت»، وأخفت عنها الحقيقة، وأنشأتها على أنها أمها، وأصبحت جولييت وأنطوان هما كل أملها فى الحياة، وعندما هاجرت إلى مصر لم تستطع بالطبع أن تبتعد عنهما، فجاءت بهما معها، وعاشت لهما سنوات طويلة، وشب الطفلان وكبرا فى كنف هذه السيدة.. ووقع كل منهما فى غرام الآخر.. فتزوجا!

وكان زواجهما، بالنسبة لبديعة، هو الفرحة، وهو الأمل، وهو السعادة.. وكان من الممكن أن تعطى الحياة لامرأة مثل بديعة مصابنى، هذه الجائزة الصغيرة.. غير أن القدر أبى عليها ذلك أيضًا.

وقبل أن تدخل تحية النيدانى صالة بديعة فى ذلك الصباح البارد من عام 1937، كانت السطور الأخيرة فى قصة حب الطفلين قد كتبت فى عنف، وفى تراجيديا أسالت الدمع من عينى هذه المرأة التى تربعت على عرش من عروش الفن، وعلى قلوب مئات الرجال والعشاق والمعجبين!

كان أنطوان، قبل ذلك بعام واحد، قد وقع فى حب راقصة سورية الأصل تتلمذت على يدى بديعة، واشتهرت، وأصبحت نجمًا يلمع فى سماء عماد الدين، وكان اسم هذه الراقصة: «بيا عز الدين».

وقع أنطوان فى غرام ببا عز الدين.. ووقعت ببا فى غرام أنطوان.

غير أن حبًا كهذا لم يكن مقدرًا له أن يدوم أو يستمر تحت سمع وبصر هذه السيدة التى تعودت أن تأمر فى مملكتها فتطاع، ولم تجد بيا عز الدين أمامها إلا أن تهجر بديعة، وتستقل، وتفتح محلًا بالإسكندرية، حيث لحق بها أنطوان.. ولم تمض أيام، حتى اشتعلت النار فى قلب جولييت، فأشهر أنطوان إسلامه لكى يتزوج من ببا، وينفصل عن جولييت.. واحتدمت الخلافات، وتضخمت.. وذات يوم أخبر أنطوان، فى ثورة غضبه، جولييت بحقيقتها، أخبرها أنها ليست ابنة بديعة، وأنها مجهولة الأب والأم! وكانت كارثة!

فقدت جولييت ذلك الإحساس المتميز الذى عاشت به مع بديعة مصابنى طول العمر.

وفقدت بديعة ذلك الإحساس الكاذب بالأمومة، وهى تواجه صرخات ابنتها التى كانت تطالبها بالحقيقة، حقيقة أبيها وأمها.

ووقعت بديعة مصابنى فى مهانة عاطفية كادت تقضى عليها، ورأتها تحية ذات ليلة، وهى تحكى والدموع تنهمر من عينيها فلم تصدق، شعرت يومها كأن الدنيا قد زلزلت، أو كأن الهرم تحرك من مكانه، لم يكن ممكنًا، ولا معقولًا، ولا مقبولًا أن تبكى بديعة، غير أن بديعة فى تلك الأيام كانت تشعر، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، بصقيع الوحدة يهب على حياتها، لقد هجرها أنطوان إلى صدر ببا عز الدين، وهجرتها جولييت متمردة ثائرة غاضبة تبحث عن الحقيقة.. وفى وسط كل هذا، فى تلك الأيام تمامًا وهى تحيا قمة المأساة.. هبطت عليها تحية مع سعاد محاسن، فتلققتها كالعطشان فى صحراء شديدة القيظ!

التحرير المصرية في

28.02.2014

 
 

الكيمياء على المسرح

سامر محمد إسماعيل 

سنوات طويلة مضت على الظهور الأول لدريد لحام، وقتذاك كان الشاب يعمل مع الفرقة المسرحية لجامعة دمشق، فيقدم ما يشبه «اسكتشات» ساخرة كان معظمها ينحصر في مجال الطرفة الشعبية السوداء، فبعد تخرجه من كلية الكيمياء زمن دولة الوحدة 1958، فكر الرجل أين يمضي بمعادلاته عن الكيمياء العضوية، لعله توقف كثيراً عند كتاب جابر بن حيان «تكوين إنسان بصناعة الكيمياء - كتاب التجميع» ولعل «كارلوس» - اسم الشخصية التي ظهر بها لأول مرة - لمعت في باله تلك الفكرة الجهنمية، كيف لا ودريد لحام بالأصل خيميائي، لطالما خبِرَ عن قرب تلك الرهافة التي تُمكّن الإنسان من بلوغ معرفة كلية بصوغ المادة وتحولاتها، بلوغها في الطاقة وتحققها في الأجساد الحية على هيئة ملامح ورغبات وعواطف. هذه المعرفة الأولية بمنهجية فن الكيمياء جعلت الرجل ذا دربة كبيرة في علومه الصنعوية، فكيمياء شخصية مثل «غوار الطوشي» تحتاج فعلاً إلى هذا النوع من المعرفة الدقيقة بثنائية المادة والصورة، بل وربما تحتاج أكثر إلى ذلك العقل العلمي الممزوج بالنزعة الروحانية التي دفعت ابن حيان إلى تأليف كتابه المعجزة آنف الذكر، وهو - أي دريد - إن كان ليس امتداداً لتراثٍ سحريٍ غنوصي كما سلفه، فإنه بطريقةٍ أو بأخرى امتداد أصلي للطرافة الدمشقية الممزوجة بسلسلة من الرموز والأحاجي وقراءة الكف والفناجين والسخرية اللاذعة، وقل الموهبة الفطرية في تقليد البشر ومحاكاتهم. من هنا استمد دريد لحام تلك الملكة العجيبة في تقمص البشر وشرق أرواحهم ومن ثم إعادة تشكيلهم في أجسامٍ محايدة، من هنا أيضاً كان «لحام» مندمجاً بقوة مع بيئته الشامية ذات النكهة الممزوجة بالسحر والتعاويذ وطاسات الرعب، الفكاهة المشغولة على نول الذاكرة الشعبية وخيم الكراكوزاتية وصناديق الفرجة. هكذا لم يطل الرجل على جمهوره انتظار معجزته الكيميائية، التي بدلاً من أن يستخدم فيها خبرته في تخليص الرصاص من النحاس وإحالة الحجر إلى ذهب، استخدم نفسه وصورته وجسده وصوته وشرايينه لخياطة ملامحها، ورسم تكويناتها النفسية والمادية، فكان «غوار الطوشة» بشحمه ولحمه، بفراسته البلدية ولكنةِ لسانه، بهيبته ونزعته الوجودية وغرامه بالحرية في زنزانة «أبو كلبشة».. كان «غوار» خلاصة المكر الشامي والدهاء المتوارث، المحتال الذي تمتن لاحتياله عليك، اللص الظريف الذي يقفز من أوتيل «صح النوم» إلى «حمّام الهنا» برشاقة كائنِ يمشي بقبقابه كأنما يصفق لنفسه، الحاوي ومطرب السجون، العاشق والشغيل المغلوب على أمره، المناضل الثوري في «كاسك يا وطن» و«الآغا» الذي يطعم الدستور للحمار، ويمنع العلم في ضيعة «غربة»، المنبوذ والتائه بين حدود «شرق ستان»، و«غرب ستان» في «الحدود». شخصية استثنائية لا يصعب عليها شيء، فهذا «الغوار» قادر على تقمص الصحافي والمهرّب والإقطاعي وابن الحرام اللذيذ؛ بل كيمياؤه تسمح له في أن يلبس كل ما يلحظه بشطارة لا تُجارى، كيف لا وقد أنتجت دراسة الكيمياء شخصيةً لوّعت قلوب الملايين، وخلبت عقلها، لدرجة أمسى فيها الفصل بين «غوار» و«دريد» ضرباً من ضروب المستحيل؛ إذ حمل هذا الكاركتر قدرة فائقة على نقل توريات النص الماغوطي المكتوب للمسرح والسينما بقدرة عالية على فضح أجهزة المخابرات وهتك ذهنية السلطة العربية، وتشريح مرارة البروليتاريا وخيباتها المتلاحقة جراء العسف الواقع عليها حتى منها، قبل أن يكون من قِبل دراكولات النفوذ وغيلان المال والسطوة؟ صحيح أن شخصية «غوار» استُهلكت في أفلام القطاع الخاص، لا سيما في تجربة دريد لحام مع المخرج نبيل المالح في فيلم «غوار جيمس بوند 1974».

السينما

إلا أن السينما أعادت لهذا الفنان اعتباره في فيلمي «الحدود» و«التقرير» لكن هذه المرة دون شرواله الأسود وطربوشه العثماني، بل بجاكيت الخاكي وتسريحة شعر سبعينية، ليظهر «غوار» كرجلٍ مطرود من رحمة الأبيض والأسود بعد شهرته التي طارت في جهات الأرض الأربع مع نهاد قلعي في ثلاثية المقالب المشهورة، فهو في «الحدود» شذرة إنسانية مقهورة، مجرد مستحاثة عن وطنِ لا يعترف إلا بجواز السفر، إنه هنا مجرد خردة متروكة في براري الاغتراب الأبدي؛ فبعد صولات وجولات مع معلمته «فطوم» المرأة الشامية المغرمة بنزيل فندقها الصحافي «حسني البورظان» ها هي الشخصية تهتدي أخيراً إلى خشبة مسرح العمال بدمشق، وها هو المسرح الذي أفاد فيه «لحام» من تجربة الرحابنة الغنائية ونصوص الماغوط الصادمة تكيل الصاع تلو الصاع لما سُمي في سوريا وقتذاك بـ«المسرح التجريبي» أو «المسرح الجاد»، التجربة التي قادها كل من سعد الله ونوس وفواز الساجر لتطبيق نظريات برتولد بريخت على الجمهور السوري سبعينيات القرن الفائت، وأدت في ما بعد إلى تطفيش هذا الجمهور من مسرح ذهني أراد كسر «الجدار الرابع» فكسر معه أضلاع الفرجة وحميميتها، إلا أن مسرح الماغوط ولحام لم يتأخر، هذا المسرح الطازج الذي اتهمه البعض بمسرح الهتاف السياسي ما زال قادراً حتى اليوم على أن يجلب إليه جمهوراً عريضاً من شرق العالم العربي إلى غربه؛ حتى على شاشات التلفزيون التي تحتفظ بشرائط مسرحيات «كاسك يا وطن، غربة، ضيعة تشرين، شقائق النعمان» وقبله اسكتشات «مسرح الشوك» الذي عمل فيه «لحام» مع كل من عمر حجو ورفيق سبيعي وآخرين على مجابهة مسرح النظرية.

الجمهور

أدرك «غوار» أن الجمهور الهارب من صالات المسرح التجريبي متعطش بقوة لما يعنيه ويخصه، وليس لتجريب نظريات ونصوص أنطونان آرتو وستانسلافسكي وبيترفايس به؛ فالجمهور كائن تاريخي وجغرافي، الجمهور الذي كان يتدافع لحضور «كاسك يا وطن» على مسرح نقابات العمال كان شغوفاً أيما شغف برؤية من يشبهه على الخشبة، ومن غير «غوار الطوشة» الذي مزق الشاشة وأتى إلى المسرح كان قادراً على إعادة الجمهور إلى صالات العرض؟ من كان يجرؤ أصلاً على معارضة «الأكاديميين» بمسرحيات شعبية ذات نبرة شعرية كالتي كتبها الماغوط وأخرجها ولعب بطولتها دريد لحام، مستثمراً أيما استثمار شعبية شخصيته الساحرة «ابن مشعل الطوشة» كيف لا وهذا هذا الطيش من هذه «الطوشة»؟.. طيش أنقذ الجمهور التائه بين مسرحين: سبعينيات القرن الفائت، مسرح تجاري هزلي سطحي، ومسرح متعال متفاصح ويجرب بمتفرجيه عبر مآس إغريقية وشكسبيرية وكوميديا موليير المترجمة ترجمة سيئة، فلأول مرة شاهد الجمهور هنا هواجسه، حرمانه المزمن، قهره العميق من بطش السلطة وجبروتها، مفارقاته المريرة التي جسدها «الطوشة» على المسرح، مثلما برع في أدائها على شاشة السينما والتلفزيون، فها هو «غوار» يمثل مجدداً بين أيدي «الكلبشة» في «كاسك يا وطن» لكن هذه المرة بدلاً من «الفلق» يقعدونه على كرسي الكهرباء في مشهد يجسد مفارقة المفارقات عندما يسأله المحقق عن سبب انتعاشه وعدم تأثره بقوة التيار الكهربائي الموصول إلى جسده فيقول «أضحك يا سيدي لأن الكهرباء وصلت إلى مؤخرتي قبل أن تصل إلى ضيعتنا»! هو «غوار» على المسرح ولا شريك له في نقده الماغوطي اللاذع عندما في غير مشهدٍ من المسرحية ذاتها يبيع أولاده ويشتري بثمنهم «بطحة عرق» ليكلم أباه الشهيد الذي يهاتفه الآن من الجنة، سائلاً إياه عن العرب وفلسطين و«اليهود المساكين» خاتماً كلامه بصرخة «مو ناقصنا غير شوية كرامي».. فأيُّ مسرحٍ سيصمد بعد في وجه هذا المسرح.

«الطوشة» هذا المسرح الذي أزعج السلطة، بينما كان «المسرح الجاد» يتابع كوارثه الملحمية عن «أوديب» و«كاليغولا» و«سكان الكهف» مُغرقاً في تعمية الجمهور وخداعه؟ وأيُّ «أوديب» هذا القادر على ملامسة جراح البسطاء والفعيلة في ليل المدينة العربية؟ ومثلما كان المسرح الرسمي غارقاً في نظريات بريخت ونصوص جان جينيه ولوركا دون إعدادها كما يجب ونقلها من بيئتها الأصلية إلى بيئة العرض المحلية، كانت السينما السورية عبر متخرّجيها القادمين للتو من موسكو يجربون بالجمهور على طريقة تاركوفسكي وأيزانشتين حالمين بإبداع «قربان» آخر و«مدرعة بوتيمكين» أخرى؛ إلى أن جاء فيلم «الحدود» الذي اتكأ على حبكة الماغوط وقصته القوية، ناقلاً عبر «غوار - عبد الودود» فداحة الواقع السياسي العربي المتهرئ إبان الاستقلال، شريط صادم أخرجه «لحام» للسينما بعيداً عن كل نظريات التجريب بالجمهور، ناقلاً بحساسيته الخيميائية صورة المواطن العربي النكرة، المواطن المجرّم بهويته وشخصيته وانتمائه وأحلامه الصغيرة، فكان الرد أيضاً ساطعاً على «السينما الجادة» التي دخلت سراديب التجريب بالجمهور الذي انفض عنها أيضاً، هاجراً صالات العرض إلى غير رجعة، فالسينما أيضاً تحتاج إلى قصة واضحة وإلى نجم شباك تذاكر من قامة دريد لحام ومن معه من نجوم «حارة كل مين إيدو إلو»، سينما قادرة على التخلص من ظاهرة «سينما المؤلف» وتبعاتها؛ نحو سيرة الناس وهموم مجتمعاتهم، لا أفلام المهرجانات المشغولة وفق مزاج لجان تحكيمها التي تشجع - بالطبع - مريدي ومعتنقي أساليبها، فلقد كان كافياً إلى حدٍ بعيد أن يكون اسم دريد لحام على أفيش فيلم أو مسرحية أو إعلان لمسلسل تلفزيوني حتى ينجح الفيلم وتزدهر المسرحية، وهذا ما يفسر لنا إخفاق نبيل المالح في تجربته مع «لحام» في فيله «غوار جيمس بوند» حيث ظن المالح أن «غوار» يمكن أن يتماهى مع موجة «جيمس بوند» في السينما العالمية؛ وذلك وفق تأطير تجاري بحت لم يفهم عمق الشخصية الشعبية التي كان «لحام» خيميائيها الأفضل.

(كاتب سوري)

السفير اللبنانية في

28.02.2014

 
 

بين "الطوشة" والماغوط.. لقمة القلب..

تمام علي بركات 

بينما يغيب المثقف والصحافي بين غيوم سجائره والضجيج القادم من نافذة غرفته، وهو يخوض في معترك كتابة مقال يومي لإحدى الجرائد اليومية، ستدور في أروقة فندق «صح النوم» معارك يومية حية وطازجة من نوع آخر؛ معارك يخوضها «غوار الطوشة» النادل البسيط في الفندق مع الحياة بتصاريفها وضروبها للفوز بقلب صاحبة النُزل، المرأة المغرمة بالمثقف والصحافي ذاته.

«الطوشة» طبعاً غير معني بما يحصل في البرازيل ولا تهمه «أطاليا» بمن فيها، فهو منشغل بنزال غير شريف مع قدر يعانده في كل شيء بدءاً من لقمة العيش وليس انتهاء بلقمة القلب.

قدر سيتعملق إزاءه رجل نحيل الجسم بلا مواهب «صفات شكلية» لا تُذكر.. اللهم ما عدا طربوشه التركي الأحمر الفاقد لرمزيته الاجتماعية؛ بالإضافة لتدبير «غوار» لبعض المقالب الصغيرة، التي ستجعل الجمهور يتعلق أكثر وأكثر بصاحبها وبخفة دمه، على الرغم من الألم الذي ستسببه لضحاياه كالمسكين «ياسينو» وليطغى حضور»غوار» في وجدان المتفرجين وذاكرتهم بمختلف شرائحهم العمرية على حضور بقية زملائه من الممثلين، فهم يتفرجون على أنفسهم من خلال ممثل يشبههم في شقائهم اليومي، لينتهي الكفاح المرير لغوار بالخيبة والمبيت خلف القضبان، رغم بساطة أهدافه المتمثلة بالزواج من معلمته «فطوم حيص بيص»، المرأة الوحيدة في حارة «كل مين إيدو ألو».

هكذا تعرّف الجمهور العربي على الفنان السوري دريد لحام بهيئته المثيرة للضحك ومقالبه الظريفة، عبر شاشة التلفزيون السوري في ستينيات القرن الماضي ، قبل أن يعرف «شارلي شابلن» وهنا لا بد لي من القول: إنه لمن الإجحاف فعلاً تشبيه «غوار» بـ«شابلن» كما ذهبت بعض الأقلام النقدية في المقارنة بينهما، فلا قواسم مشتركة حقيقية بين الرجلين، فلكل منهما عالمه وكركتره وجمهوره؛ والأهم: نتاجه الفني وطريقة تقديمه لهذا النتاج، ولا أرى في هذا التشبيه الذي يجعل من شخصية «غوار» مقلدة لشخصية «شابلن» إلا إمعانا في تكريس الهيمنة الغربية على هويتنا المحلية والعربية في الفن؛ كما في غيره من الشؤون الأخرى وما أكثرها.

إذاً سيتعرف الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج أيضا من خلال شخصية «غوار الطوشة» على المجتمع السوري بعاداته وتقاليده ولهجاته المختلفة، إذ غالباً ما تضمنت الأعمال التلفزيونية الني قدمها بطل فيلم «الحدود» في مطلع حياته الفنية حضوراً بهياً للعديد من اللهجات السورية بشكل عفوي وبسيط وبدون حسابات معقدة؛ كما هي حال الفن اليوم؛ ويحضرني منها الآن على سبيل المثال لا الحصر؛ المطرب دياب مشهور وأغنيته باللهجة الديرية «عالمايا» كما ستنكسر هيمنة اللهجة المصرية على الفن بعد أن أصبحت النكتة بلهجتها الدمشقية البيضاء مفهومة بقالبها الساخر لمعظم المتفرجين العرب، وذلك عندما برع «لحام» في إيصالها وتقديمها باللعب على مفارقات الحياة وغرابتها حيناً وقسوتها أحياناً أخرى، إلا ان المفارقة بحضور هذه اللهجات في كل من «حمام الهنا، صح النوم، مقالب غوار» وغيرها، أنها ستجتمع في السجن، المكان الذي يعرفه المواطن العربي جيداً وهو لا يزال في رحم أمه..

بالطبع لن يكون منصفا أن نقرأ حياة دريد لحام الفنية وفق رتمٍ واحد؛ ومن ثم تقييم تجربته بناءً على أدائه كممثل، فالرجل الذي ترك وظيفته المحترمة كمدرّس لمادة الكيمياء ليخوض غمار التمثيل «المهنة قليلة الشأن في حينها» ستحمله تيارات فنية متباينة في طبيعتها إلى مسارب حياتية مختلفة شكلاً ومضموناً عن بداية مشواره الفني؛ ليس في فن التمثيل وحسب، إنما أيضاً في طبيعة الرسالة التي سيختلف مضمونها وشكلها في أعماله اللاحقة، عما كانت عليه من قبل؛ وذلك تبعاً لمزاج المؤلف وثقافته وجرأته في تعرية الواقع وكيفية هتكه للثالوث المحرّم في المجتمع العربي المتمثل في»الدين ـ السياسة ـ الجنس».

الماغوط والقضاء على غوار

بقيت شخصية «غوار» هي الشخصية الأقرب لعاطفة الناس من بين بقية الشخصيات التي قدمها «لحام» طوال عقد الستينيات والسبعينيبات، ذلك بأن بطل فيلم «غرام في اسطنبول» قدم هموم المواطن العربي اليومية ببساطة وعفوية لا تخلو من النقد الخفيف للأجهزة الحكومية، إلا إن تغييراً جذرياً سيطرأ على شخصية «غوار» الكلاسيكية، تغييراً دراماتيكياً كبيراً لا في الكركتر والتكنيك، إنما في جوهر ما تقدمه هذه الشخصية من هموم أكبر لا حدود لها، إذ انها ستنتقل من عرضها للهموم المعيشية اليومية بأسلوب كوميدي لا يخلو من السذاجة أحياناً، لتصبح على يد محنّكٍ كبير ومغامر جريء هموماً وطنيةً وقومية، تغيير سيقضي نهائيا على «غوار» الممثل كما سنرى.

« أنا ضد أن نعالج الأشياء من خلال مظهرها ويجب أن نغوص إلى الأعماق.» ستنسحب هذه المقولة الماغوطية على جميع الأعمال الفنية التي جمعت بين الشاعر محمد الماغوط والممثل دريد لحام؛ ما يعني بالضرورة أن «الطوشة» سينطق بلسان مختلف عن لسان «غوار القديم» النصاب الصغير والمخادع المخدوع ، لسان سليط وحاد؛ ناقد ولاذع يعري زيف الأنظمة العربية ويكشف طبيعة الديكتاتوريات الجاثمة على صدور شعوبها، حيث سيصوغ الحنين بذهب الوجع ويجلد الضمائر النائمة بسياط ملتهبة، فلن يكتفي بالتلميح والغمز، بل سيطوع «الوقاحة» في الطرح لتصير مذهباً وطريقة، احتذاها من بعده كل من قدم عملاً اجتماعياً ساخراً كسلسلة «مرايا» لياسر العظمة وسلسلة لوحات «بقعة الضوء» وهذا ما كان؛ فغوار لم يعد مشغولا بكسب قلب فتاة كما في «سمك بلا حسك»، أو بتأمين قوت يومه بالنصب والاحتيال، بل صارت لديه بصحبة «البدوي الأحمر» حروب شرسة سيخوضها في «كاسك يا وطن» و«الحدود» و«التقرير» و«غربة» و«ضيعة تشرين». حروب مع الجهل والتخلف والتبعية والخيانة الوطنية، مع الفساد والضمائر الميتة وتخاذل العرب عن فلسطين المغتصبة، إذ سيسلط ضوءاً كاشفاً لا يُرد على قهر الناس وعذاباتهم؛ على قمع أجهزة السلطة وجبروتها، على ضياع هيبة العرب ووكسة راياتهم.

هنا لم يعد الجمهور الذي شاهد وسمع وآمن بـ«غوار» الفنان الثائر على كل القيود، والذي شاهد نفسه كما يحب أن يراها فعلا ثائرة على الظلم الاجتماعي وفاضحة لرياء الأنظمة ومطالبة بحقوق لا يغيبها الزمن ولا يبليها تعاقب الملوك والسلاطين، لم يعد الجمهور يقبل من «غوار القديم» أي عمل لا يرقى إلى نتاج الماغوط ولحام معاً، فهولاء الناس الفقراء والمضطهدون وجدوا ضالتهم بما يقوله صاحب «سأخون وطني» ويستشيط به على خشبة المسرح وفي شاشة السينما «غوار الجديد» وهذا ما أثبته الفشل الذريع الذي مُنيت به جميع الأعمال التي قدمها بطل فيلم «الآباء الصغار» في ما بعد.

لقد وقع دريد لحام في حيرةٍ لم يستطع الخروج منها أبدا بعد أن توقف عن العمل مع الماغوط، حيرة قضت على الممثل دريد لحام؛ فهو لم يعد قادراً على تقديم شخصية «غوار» التي نجحت واشتهر بسببها في بداية حياته الفنية، وعندما حاول إحياءها بمسلسل «عودة غوار» كنت من الكثيرين الذين قالوا: «ليتك لم تفعل يا غوار». وعندما حاول الخروج من شخصية «غوار» نهائياً بتقديمه أدوارا تغلب عليها التراجيديا بشكل عام، كشخصية «أبو سامي» التي قدمها في مسلسل «سنعود بعد قليل» ظهر أداؤه بارداً وفيه الكثير من التكلف، خصوصاً أن موت «أبو سامي» في ظل ظروف وطنية قاسية تمر بها سوريا، لم يكن ليقبل «غوار» به بأي حال من الاحوال, فغوار الواقف فوق رصيف من أرصفة الوطن، يبيع أولاده ليأكل، «غوار الماغوط» هذا لم يكن ليرضى بهذا يا «غوار الطوشة»..

(كاتب وصحافي سوري)

السفير اللبنانية في

28.02.2014

 
 

نجاح «المواطن» غوار

لؤي ماجد سلمان 

رغم انتشار وهيمنة شخصية «غوار الطوشة» على معظم أعمال الفنان دريد لحام، إلا أنني غير قادرٍ على تأطيره في هذا الاسم، حتى لا نكون قد ظلمنا باقي الشخصيات التي صنعها الفنان عبر مسيرته الفنية الطويلة، لكن في الوقت ذاته لا يمكن فصل «غوار» عن «دريد» بشكل من الأشكال؛ أو ذكر الأول دون أن يكون ظله الحارس، وتعويذته الدرامية، فـ«غوار» لم يعد مجرد كركتر في عمل لقي نجاحاً كبيراً، بل أصبح المواطن السوري «غوار بن مشعل الطوشة»، لا سيما بعد مشاركته لنا بالمعاناة والهموم اليومية، سواء للمشاهد السوري الذي لامسته الشخصية عن قرب، أو المواطن العربي بهمومه العريضة. هنا لا يمكنني عرض كل الأعمال أو إيجازها، لكن هناك مراحل مهمة وخطوط عريضة استطاع من خلالها «ابن الطوشة» ملامسة تعبنا ومشاعرنا، من الهمّ الآني للفرد وعلاقته مع الأمل والحلم، واللقمة التي تلتهمه أثناء البحث عنها، أو حتى من خلال رحلته في البحث داخل الكراسي عن الثراء والبحبوحة، وصولاً إلى سيَرِ العشق والارتباط التي باءت بالفشل، ومماحكة الحياة في الحارة الدمشقية البسيطة بحلاوتها ومرارتها؛ فهو تارةً المواطن الصالح الذي غيرت مسيرة حياته المعلمة «صباح» الباحثة الاجتماعية الفاتنة؛ بعد أن كان من رواد «القاووش» وتارة أخرى هو العاشق الحذق الذي يكيل المقالب لـ«حسني البورظان ـ نهاد قلعي» من أجل صاحبة الفندق الفاتنة «فطوم ـ نجاح حفيظ» بشخصية «حيص بيص» التي أحبها وعشقها بكل جوارحه. هو أيضاً حلم المواطن المغلوب على أمره الذي يشتهي الوظيفة، و الشهرة، الغناء في المقهى والحمّام، حتى بات كل مُشاهد لعقود يحاول أن يقلد هذا الكاركتر، من غير أن يكون البطل القبضاي، أو «أبو عنتر ـ الزكرت» الأمر الذي يؤكد على قوة تأثير الشخصية في المُشاهد العربي رغم أدواتها البسيطة التي تجلت في: «طربوش، شروال، قبقاب» بطل شعبي من غير «شيال» وعضلات مفتولة، من دون أن يشهر خنجر، أو طبنجة، أو يمارس سادية العضلات على جسد الخصم، عفوية السذاجة ممزوجة بحنكة السخرية والتهكم، السخرية من الحياة، العمل، الحب، من ضعف الإنسان البسيط، السخرية من المجتمع وتقاليده، حتى من شخصية «القبضاي» ـ رفيق دربه، من ربِّ العمل أيضاً «المعلم أبو صياح»، و«المعلمة فطوم» من عامل الفندق البسيط «ياسينو» وعامل الحمّام «عبدو» السخرية من السلطة المتمثلة برئيس المخفر «أبو كلبشة» من البسطاء والمتسلطين، السخرية من الشخصية ذاتها، سخرية مريرة من كل شيء، حتى جعل الضعف ينتصر على القوة، فابن الطوشة حفر بروية مكانه خاصة له في ضمير الناس وهواجسها اليومية، حتى غابت في عين المشاهد شخصية الفنان الحقيقية، وتحولت الشخصية الفنية إلى أيقونة هيمنت من خلال ضعفها وبساطتها على القوة وجبروتها، وعلى الجمهور الذي أحبها وبات ينتظر نبرة الصوت التي تحرّك مشاعره، وتأمرُه بالبكاء، الضحك، الحزن، الفرح، إلى أن بات من الصعب تغيير هذه الأيقونة أو تحطيمها بشخصيات وأدوارٍ أُخرى.

ملك لكل مواطن

أجل «غوار» لم يعد ملكاً لدريد؛ ولا لكاتب النص، بل ملكاً لكل مواطن عربي شاركه الفرحة والخيبة في سلسلة «صح النوم» و«حمام الهنا»، وفيلم «الحدود» ومسرحيات: «غربة، كاسك يا وطن، ضيعة تشرين، شقائق النعمان» وما رافق بعض أعمال دريد الجديدة من فشل لم يكن إلا بسبب احتكار المُشاهد لتلك الشخصية التي رفض أن يشاهدها ضعيفة مهزوزة أو مغلوب على أمرها كما في مسلسل «أبو الهنا» أو أن تكون مستسلمة كما في مسلسل «الأصدقاء» لقد استطاع «غوار» الحفاظ على نفسه ونرجسيته حين محاولة استغلال نجاحه، واستثماره في أفلام السينما التجارية على نحو.. «زوجتي من الهبيز، امبراطورية غوار، امرأة تسكن وحدها ، مقلب من المكسيك، غوار جيمس بوند وغيرها» رافضاً الانصياع وقبول الدارج، بحجة المال والانتشار والشاشة البيضاء، مع أن بعض تلك الأعمال أعجبت الكثيرين في الوطن العربي ومصر، لكنهم لم يكونوا من الجمهور الأصلي لغوار، والبعض الآخر كان يبحث في الدور والمشهد عن بطله الذي تركه باللونين الأبيض والأسود في حارة «كل من ايدو ايلو» الافتراضية، والخيانة هنا لم تكن مبررة في عيون المشاهد الذي وقف يحمي تلك الصورة، لا حبيبة إلا «فطوم» ولا معشوقة إلا «منتهى»، ولا سلطة إلا «أبو كلبشة» ولا صديق وفي إلا «أبو عنتر ـ ناجي جبر». فغوار حين عاد في أعمال أُخرى لاقى المحبة واستحسان الجمهور كما في «وين الغلط، الدغري، وادي المسك» مع أن الأخيرين لم يحافظا لا على زيّ الشخصية ونبرتها، ولا حتى اسمها لقد كانا بالملون، إلا ان القوة والمقلب والحيلة عادت بشخصية وباسم جديد كما في مسلسل»الدغري» لمخرجه هيثم حقي.

نجاح غوار

يسند البعض نجاح شخصية «غوار» إلى الشخصيات التي رافقته أمثال نهاد قلعي، ناجي جبر، نجاح حفيظ، ياسين بقوش وغيرهم، هنا لا بد من الوقوف والتأكيد على أن كل الشخصيات التي رافقت الفنان «لحام» كان لها تأثير على نجاح العمل، وربما ساهمت في تألق شخصية «غوار» لكنها لم تكن سبب نجاحه الرئيس يوماً أو انتشاره كما اعتبر البعض، لا يستطيع أحد أن يقول ان هذا الممثل قد نقصته الموهبة في أي عمل، ولا أن الإبداع الذي قدمه طوال مسيرته الفنية كان بالصدفة، أو بسبب وجود أشخاص رافقوه المسيرة، أو كما ادعى البعض بسبب تعاونه مع كُتّاب بعينهم ولو استعرضنا أهم الأعمال نجد أن الفنان نهاد قلعي كان شريكاً من غير الفنان ناجي جبر، وأعمال كان فيها الفنان ناجي جبر، ولم يشارك فيها الفنان الراحل قلعي، وأخرى شاركت فيها الفنانة سامية جزائري، وياسين بقوش مع غياب باقي أسرة «صح النوم» و«حمام الهنا» أما في الأعمال الحديثة كـ«الخربة» على سبيل المثال لا الحصر لم يكن مع الفنان دريد لحام أبطال «ضيعة تشرين» أو «غربة»، وذلك ينطبق على شراكته مع الفنان رفيق سبيعي والراحل زياد مولوي في «حمام الهنا» أو كمشاركات كثيرة له مع الفنان عمر حجو في عدة أعمال منذ بداية التلفزيون، أو ما قدمه من أفلام «التقرير» بمشاركة منى واصف، أو «الحدود» مع الفنانة رغدة أو حتى فيلمه «الكفرون» مع الفنانة مادلين طبر؛ مما يؤكد أن صاحب أغنية «يا موو» الشهيرة التي أبكت الملايين، هو الحامل الأساس للنجاح والمحور الرئيس في الأعمال التي قدمها، وهذا ما ينطبق على النصوص تماماً، فهناك حالة فنية متكاملة لها وزن وقيمة فكرية خاصة لا يمكن لأحد تجاهلها أو تشويهها، أو نسب نجاحها وانتشارها لمشاركة بعض الفنانين، فرغم الأدوات البسيطة والبدائية استطاعت هذه الأدوات العبور بأعمال درامية سورية إلى النجومية، ونقلتها من حالة خاصة إلى حالة عامة، فالطربوش طربوش «غوار» و«القبقاب قبقاب «غوار» وما شاهده الجمهور لاحقاُ من استعانة بعض الفضائيات في عرض تلك الأعمال التي شارف عمرها على نصف قرن، لاسيما في فاتحة بثها الفضائي؛ ما هو إلا دليل آخر على أن تلك الشخصية لها حضورها الشامل في الوطن العربي، ومن شأنها حشد جمهور لا بأس به من المشاهدينْ، في زمن تكاثرت فيه القنوات الفضائية والأعمال الدرامية والكوميدية.

تطور

إن المتابع لمسيرة دريد لحام ولشخصيته «الطوشة» سيلاحظ التطور الفني في أداء الشخصية، وذلك من خلال اختيار الأعمال والانتقال من الهم الشخصي البسيط إلى الهمّ الجماعي الكبير والمعقد؛ من الحارة البسيطة إلى المدينة والدول المجاورة وهموم المواطن العربي عامةً؛ والتي طرحها في مسرحياته وأفلامه ليبحث في القضايا الكبرى التي تلامس تطلعات المواطن العربي كما في مسرحية محمد الماغوط الشهيرة: «كاسك يا وطن» ولعل ما قدمته شخصية «غوار» للمسرح العربي يندرج تحت عنوان المسرح السياسي الذي كان وما زال محظوراً في الكثير من الدول العربية. من الصعب إيجاز «تغريبة بني طوشة» في صفحات؛ فهناك الكثير الكثير من الأعمال والمواقف لسفير النوايا الحسنة الذي استقال من منصبه احتجاجا على عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، أو الحديث عن شخصية «بو نمر» أو شخصية «نجيب» التي استطاع خلع «طربوش الطوشة» لتلتحف بعباءة وطن منسوجة بألوان قوس قزح، وليحمل «غوار» حقيبته المليئة بالذكريات والصور، والأكلات الدمشقية الطيبة «القضامة بسكر، قباقيب غوار» باحثاً عن أبناء الوطن الواحد في «سنعود بعد قليل» مع المخرج الليث حجو، ليعيدهم ويسقي بحضورهم ياسمينة الدار، يعيدهم إلى عمر الطفولة وزمن كانت قسوته تهديد من «غوريلا» مزيفة، وأزعره «أبو عنتر» الذي اكتفى بالتلويح بـ«شبريته» طوال حياته، زمان لم تكن أسئلته متهمة، وأجوبته بريئة إلا من قبقاب خشبي في مكان الجريمة، أيام كانت فنادق دمشق من غير نجوم، ولا استثمارات خارجية وغسيل أموال، وكانت «فطوم» بقلم كحل وريق، لا حقن «بوتكس» ولا طلاء أظافر وأثداء سيليكون، زمان كانت الطيبة فيه أوفر حظاً من الشر، و حارة «كل مين أيدو أيلو» إرثاً لكل الطيبين والأحلام البسيطة غير المؤدلجةْ، زمان لم يكن يتهيب الليل أن يزور فيه حارات دمشق وأحيائها..

(ناقد سوري)

السفير اللبنانية في

28.02.2014

 
 

من يريد تشخيص الأيديولوجيا عليه أن يشاهد أفلام هوليوود

العرب/ أبو بكر العيادي  

أفلام هوليوود تفتح باب التأويلات التي يطرحها عديد المحللين لعل أبرزهم شطحات 'أخطر فيلسوف في الغرب' عندما قام بتحليل مشاهد فيلم 'تيتانيك'.

قد يحدث أن يغالي بعضهم في التوسل بالتأويلية، إما رغبة في الإثارة، وإما سعيا للظهور بمظهر من يدرك ما لا يدركه الآخرون، وإما عن قناعة صادقة بأن وراء كل ما يحدث في هذا الكون أشياء باطنة وقوى خفية، كحال من يشمّ رائحة المؤامرة حتى في عطور “شانيل”.

هناك من يحسب شيفرة دا فينتشي حقيقة لا جدال فيها، أو من يزعم أن سكان الكواكب الأخرى يسيّرون العالم متنكرين في هيئة آدميين يترأسون الدول العظمى، ويتزعمون المؤسسات الكبرى، ويتحكمون ليس في اقتصاد السوق وحده بل في مصير البشرية كافّة، كما هو شائع في روايات الخيال العلمي.. انطلاقا من تأويل خاطئ للحوادث والظواهر، أو مغالاة في استعماله.

حكاية تيتانيك

يحدث هذا ليس في بلداننا وحدها، بل حتى في البلدان المتقدمة. وهذه ثلاثة أمثلة وقعنا عليها صدفة في الصحف والمجلات الصادرة هذه الأيام نسوقها للذكر لا للحصر، كنموذج لتهافت المؤوّلين.

من شطحات الفيلسوف وعالم التحليل النفسي السلوفيني سلافويزيزيك، الذي يلقب بـ”أخطر فيلسوف في الغرب”، أنه زعم أن فيلم “تيتانيك” لجيمس كاميرون ليس حكاية اصطدام باخرة بجبل جليد، بقدر ما هو تعبير عن عقاب أنزله القدر بركابها نتيجة انتهاك مزدوج: العلاقة الجنسية غير الشرعية بين بطل الفيلم جاك (ليوناردو دي كابريو) وبطلته روز (كيت ونسليت) وعدم احترام الفوارق الطبقية بينهما.

فالكارثة في نظره حصلت حينما وعدت الفتاة عشيقها بالفرار معه حال رسوّ الباخرة بميناء نيويورك. أي أنها آثرت حياة الفقر مع حبيبها على حياة ممجوجة زائفة وسط الأغنياء.

وفي رأيه أن في اصطدام الباخرة إنذارا بالكارثة الحقيقية، التي كانت ستحل بالشابين لو تزوجا وجابهتهما ظروف الحياة القاسية، مما سيؤدّي حتما إلى انطفاء شعلة الحب بينهما وانفراط عقديهما.

إشهار سياسي

والثاني جاءنا من السويد، حيث قامت الدنيا ولم تقعد عقب لقطة إشهارية تظهر زلاطان إبراهيموفيتش، لاعب باريس سان جرمان لكرة القدم، في هيئة صياد يمتشق بندقية ويجوب الغاب لصيد الأيل، ويغوص في البحيرات المتجمدة، ثم يعود في آخر النهار إلى بيته ليقبّل أفراد أسرته ويستريح استراحة الراضي عن عمل متقَن.

كل ذلك لامتداح قوة سيارة “فولفو”، التي يتخلل حضورها المشاهد، وقدرتها على تجاوز الصعاب حيثما وجدت. هذه اللقطة التي لا تتعدّى الدقيقتين صارت موضع جدل لا ينتهي حول الهوية الوطنية. ذلك أن زلاطان أدّى خلالها النشيد الوطني لأول مرة، ولو ببعض التحوير، حيث أنشد: “أجل، أريد أن أعيش، أريد أن أموت في السويد”، بدل “أريد أن أعيش، أريد أن أموت في الشَّمال”.

فالمحللون على اختلاف مشاربهم ذهبوا في تأويل تلك اللقطة مذاهب شتى. منهم من تساءل عن طبيعة الرسالة التي تخفيها في هذا العام الذي ستشهد السويد خلاله انتخابات برلمانية، وحقيقة الموقف، مواليا كان أو مناهضا، من حزب يميني متطرف يعادي الهجرة والمهاجرين، رغم أن زلاطان من أب بوسني وأم كرواتية. ومنهم من يذكّر بأن للسويد ثلاثة “ماركات” عالمية هي فولف وإيكيا وزلاطان.

فلماذا إذن اقتصرت اللقطة على علمين اثنين فقط وأهملت الثالثة؟ ومن نافلة القول إن في بعض الأسئلة جوابها، وهي هنا توحي بأن وراء الأكمة ما وراءها، ولو أقسم زلاطان ببعض الكلمات التي حذقها من السويدية بأن الأمر مجرّد إعلان إشهاري.

تقعر التأويل

أما المثال الثالث، فهو من أغرب ما توصل إليه الخيال البشري، وبطله مفوّض المعرض العالمي للفن المعاصر في دورته الأخيرة التي أقيمت بباريس، فقد نهض لتأويل “عمل فني” بكلام أقرب إلى الهذيان. اللوحة، إن جاز أن نسميها كذلك، عنوانها “جولييتا” وهي عبارة عن حطام سيارة من نوع “فيراري دينو 308″ حمراء اللون، معروضة على قاعدة بيضاء تربو عن الأرض مقدار ذراع.

 فيلم"تيتانيك" ليس حكاية اصطدام باخرة بجبل جليد، وإنما هو تعبير عن عقاب أنزله القدر بركابها

سيارة توحي بأنها انتُشلت من حادث مرور فظيع. الزجاج مهشم، والعجلات مبعوجة، والسقف مكسّر، والأجنحة محطمة، وواقي المحرّك مخلوع، والطلاء محزّز. وتقدّم على أنها من إبداع فنان فرنسي يدعى برتران لافييه حاز شهرته بأعمال مماثلة كـ”برانت-هافنر” (ثلاجة برانت موضوعة على خزنة هافنر).

تساءل مراسل إحدى المجلات المتخصصة في السيارات العتيقة والرياضية: “السيارة، في وضعها ذاك، بيعت بمئتين وخمسين ألف دولار، والحال أن ثمنها في السوق لا يتعدّى خمسين ألفا. أي أن شاريها كان يمكن أن يقتني بالثمن نفسه خمس سيارات، فيهشّم منها واحدة ويستغل البقية لشؤونه الخاصة.

ولكن المفوض اعترض على هذا الفهم القاصر، مبيّنا أن من عبقرية الفن تحويل المعدن المصمت، الذي لا يرى فيه الإنسان العادي غير مادة جامدة، إلى عمل فني خالص، ينضح بالجمال ويطفح بالمعاني السامية. عاد المراسل يسأله بغباء مصطنع ما إذا كان بإمكانه هو أيضا، إن قدّر لسيارته أن تنقلب به ويتردّى حالها إلى حال تلك الفيراري، أن يجعل منها عملا فنيا.

فإذا بالمفوّض يشرح له بجدّ ما فوقه جدّ أن الفن موهبة، وحرفية، ورؤية فلسفية للإنسان والكون، وأن العمل الفني قد يبدو لغير العارف بسيطا، ولكنه في الواقع عميق الطرح غزير المعاني (وهذا في المطلق لا جدال فيه). وراح يضرب له مثلا بأثر فناننا “الملهَم” لافييه هذا.

هذه الحالات الثلاث، مصداق لما يصف به الفرنسيون مثقفيهم بكونهم “يقسمون الشعرة على أربعة” كدلالة على تقعّرهم في تأويل ما لا يحتاج إلى تأويل، حتى ما كان منه واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار.

المصرية في

28.02.2014

 
 

«لا مؤاخذة» يتصدر إيرادات السينما المصرية

القاهرة ـ منى أحمد ـ دار الإعلام العربية 

لم يكن موسم منتصف العام السينمائي المصري أحسن حالاً من المواسم السابقة، فرغم أن كثيراً من صناع السينما علَّقوا آمالاً على هذا الموسم لإنعاش وضع السينما، إلا أنه مع اللحظات الأخيرة امتنع بعض المنتجين عن طرح أفلامهم في توقيت شهد جرائم عنف وإرهاب وتفجيرات في مناطق عِدة بمصر، فتميز هذا الموسم أيضاً بقلة الأفلام المعروضة، وكذلك تميز بقلة الإيرادات، إلا أن من بين الخيارات المتاحة للجمهور في موسم منتصف العام فيلم «لا مؤاخذة» للمؤلف والمخرج عمرو سلامة، والذي جذب إليه الجمهور وأشاد به النقاد، لتتخطى إيراداته 4 ملايين جنيه، ويأتي على رأس قائمة الإيرادات.

 ويدور حول معاناة أم مسيحية اضطرتها الظروف لنقل ابنها إلى إحدى المدارس الحكومية، ليتعرض الطفل لظروف تجعله يخفي ديانته، الفيلم بطولة كندة علوش، والطفل أحمد داش، وهاني عادل.

أسرار عائلية

ويأتي في المركز الثاني فيلم «خطة جيمي»، الذي تجاوزت إيراداته المليون جنيه، الفيلم بطولة المطربة المصرية ساندي، والطفلة جنا، وإسلام جمال، ولطفي لبيب، وإخراج تامر بسيوني، وهو فيلم يدور في إطار من الفانتازيا حول عالمة كيمياء، تبتكر مادة تمنحها الجمال والرشاقة.

واحتل فيلم «سعيد كلاكيت» المركز الثالث، وتخطت إيراداته المليون جنيه، الفيلم بطولة عمرو عبدالجليل، وعلا غانم، وإخراج بيتر ميمي، وتخطت إيرادات فيلم «المهرجان» النصف مليون جنيه، الفيلم بطولة أمينة خليل، ومحسن منصور، وعايدة رياض، وإخراج حسام الجوهري، ويحكي عن ظاهرة أغاني المهرجانات، بينما جاء في المركز الخامس فيلم «أسرار عائلية»، والذي حقق إيرادات ضئيلة، رغم تسليطه الضوء على أحد الموضوعات المهمة «الشذوذ الجنسي»، الفيلم بطولة الشاب محمد مهران، وسلوى محمد علي، وإخراج هاني فوزي.

ويُرجع نقاد السبب في الخسائر التي لحقت بموسم إجازة منتصف العام إلى خوف الجمهور من الوجود والتجمع أمام دور العرض السينمائية؛ بسبب أحداث التفجيرات المتتالية التي وقعت خلال الفترة الأخيرة، ومن بينها تفجير إحدى سينمات شارع الهرم سينما «رادوبيس»، في الوقت الذي يخشى البعض في حال استمرار هذه الأوضاع أن تنهار صناعة السينما المصرية.

رغم أنفه

امتنع منتج فيلم «رغم أنفه» عن طرحه بدور العرض، وهو أيضاً من الأفلام المؤجلة أكثر من مرة، والفيلم بطولة رامز جلال، وشيري عادل، وتدور أحداثه في إطار كوميدي ساخر، كما تم تأجيل عرض فيلم «المعدية» لدرة ومي سليم، إضافة إلى تأجيل فيلم «أسوار القمر» لمنى زكي، وآسر ياسين.

البيان الإماراتية في

28.02.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)