كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

حنّا مينه

حنّا نموذج لإشكالية الرواية السورية مع السينما

بشار عباس

 

يُعتبر عنصر الضخامة واحداً من العناصر التي تميّز الأعمال الروائيّة الجيّدة. "جان فالجان" في رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو دخل تسعة عشر عاماً إلى السّجن لأنّه سرق رغيف خبز، وانتظر العاشق في رواية "الحب في زمن الكوليرا" أكثر من خمسين عاماً لكي يتزوّج ممن يرغب، فما هو عنصر الضخامة في أعمال حنّا مينة؟ إنّه البحر أوّلاً، وهل ثمّة أضخم منه؟ ولكنّه عنصرٌ شكلي بصري غير مستغرق في الصراع الدرامي للشخصيّة بما يكفي، فالشخصيّة الرئيسة في رواية "الياطر" على سبيل المثال، ينصب خيمة على شاطئ البحر بعد الهروب، ويعيش على صيد الأسماك، فيلتقي راعية من بلاد الأتراك وتربطه علاقة بها، فما هو دور البحر هُنا؟ يبدو كأنّه مادّة بصرية وليس روائية. ولو قد هرب إلى الصحراء وعاش على صيد ما تُتيحه له البراري إذاً لما خسرت القصّة شيئاً جوهريّاً، وهذا قريب مما يقع في رواية "نهاية رجل شجاع" إذْ يشتغل "مفيد الوحش" عتّالاً في مرفأ اللاذقية، ثمّ تنتهي حياته في ماء البحر كمادّة للغرق، وهُنا يُمكن لإيضاح هذه النقطة مقارنة بحر "الشراع والعاصفة" ببحر آرنست همنغواي، فالشخصية الرئيسية في "العجوز والبحر" تواجه البحر ذاته كشخصيّة مضادّة، فيأتي حضوره في العمل بديلاً من حضور الشخصيّة الثانوية الداعمة، فالعجوز وحيد في مواجهة مع بحره، يخسر المجاذيف ولحم السمكة التي اصطادها في صراع مرير مع أسماك القرش، فلا يرجع آخر المطاف إلا بعظام السمكة الكبيرة، في مقولة أن الإنسان يتحطّم ولكنّه لا ينهزم.

البحرُ يجذب انتباه السينمائيين، ليس جميعهم؛ بل المولعون بالصورة الجميلة على حساب العنصر القصصي والدرامي، وهذه سمة مميّزة لعلاقة الشاشة بأدب حنّا مينه، فلقد كتب هذا الأخير أعمالاً قصصية أقرب إلى السيناريو منها إلى الرواية، فأقبل السينمائيّون ومن يتعاطى التلفزيون على أعمال مينه؛ فلم يذروا منها إلا نادراً، وهذه القضيّة يُمكن أن نعتبرها واحدة من المشكلات الجوهرية للرواية العربيّة عموماً، والسوريّة، خصوصاً، كما يُمكننا أن نعتبر أنّه رائدٌ لهذه الإشكاليّة ونموذج لها.

لفهم المقصود، فإنّنا يجب الالتفات إلى حال فنّ الرواية بعد ظهور السينما كفنّ قصصي منافس، فما الذي يدفع الجمهور إلى قراءة رواية إذا كان بالمقدور مشاهدتها عياناً؟ ليس من قرأ كمن شاهد؟ ذلك وضع فنّ الرواية أمام حرب وجود حقيقيّة تصدّى لها بدايةً ثلاثة من الروائيين العالميين، وهم كانوا قد كتبوا السيناريو السينمائي إلى جانب تفرّدهم في عالم الرواية، وهم: وليم فوكنر، وآرنست همنغواي، وغابريل غارسيا ماركيز، وقبل التطرّق إلى أدواتهم الروائية التي شحذوها وكشّروا عنها في مواجهة أدوات الفن السابع، فإنّنا نقترب من الأمر أكثر إذا مررنا سريعاً على تهديد مماثل عاشه الفن التشكيلي عقب ظهور التصوير الفوتوغرافي، ذلك أن الصراع بين نوعين من الفنون غالباً ما يكون ضروساً إذا كان الاثنان لديهما عناصر مشتركة، فالفنّ التشكيلي لم يعد مطلوباً منه أن ينقل إلى اللوحة ما هو في الواقع حرفياً بعد أن بات ذلك متاحاً بكبسة زر الكاميرا، ما دفع التشكيليين إلى ابتكار أدوات جديدة تتعلّق بجوهره، فظهر الفن التجريدي والعديد من المدارس التي لا تعنى بمطابقة الواقع بصرياً، وبالعودة لآثار وتبعات ظهور السينما على الفنون التي تنتمي إلى عائلتها، فإن المسرح كفن درامي اضطر إلى تغيير قواعد اللعبة، فلم يعد معنيّاً أوّلاً بفنّ القصّ، وكان أهم تجديد قام به هو في مناكفة السينما بما لا تقدر عليه، وذلك بالتباهي عليها أن شخصيّاته ليست مسجونة وراء الشاشة، مشدّداً بذلك على ميزة الحضور الشخصي والحي المباشر للممثّل على الخشبة، فبمقدور الشخصيّة المسرحيّة أن تخترق "الجدار الرابع" كيفما شاءت لتأكيد تميّزها عن الشخصيّة السينمائية. فماذا كان بمقدور الشخصيّة الروائيّة أن تفعل لكي تصمد أمام الشخصيّة السينمائية وهي التي تكون منثورة على الورق؛ لا يُضيء وجهها إلا مرور عيني القارئ على السطور.

الرواية والسينما

الروائيّون الثلاثة نجحوا كالتالي؛ ففوكنر تحدّى القصّ السينمائي بنقطة ضعف لا يُجيدها فن الصورة وهي اللعب على العالم الداخلي للشخصيّة، تجلّى ذلك في "الصخب والعنف" التي تروي الشخصيّات أحداثها تباعاً كل من وجهة نظرها. همنغواي كثّف من لغته الأدبيّة الرفيعة، ما جعل الفيلم الذي تناول "العجوز والبحر" يعتمد كليّاً على التعليق كبديل للراوي ففشل في تناول نفس القصّة التي تتناولها الرواية، بينما ركّز ماركيز على تقنية أخرى مغايرة؛ وهي الانتقال بين الأزمنة العديدة وبسرعة ضمن الفقرة نفسها أحياناً، ليتحدّى بذلك مبدأ المشهد السينمائي نفسه الذي لا يستطيع - لأنّه عبوة زمنية - أن يقفز إلى زمن آخر إلا من خلال مشهد آخر. الروائيّون الثلاثة التمسوا الميزات التي ينفرد بها الفن الذي اشتغلوا عليه، مع الإبقاء على جوهر القصّ؛ بينما راوحت الرواية السورية بين نموذجين لم تتمكّن إلا نادراً من الابتعاد عنهما، وهما نموذج أدبي محض يشتغل على اللغة الشعرية ولكنه ليس موضوعنا الآن، ونموذج آخر جسّده حنّا مينه في القصّ الكلاسيكي، ذلك القصّ الذي واجه حرب حياة أو موت ضدّ السينما منذ مطلع ثلاثينيات الماضي لكي لا تبتلعه، وهذا يفسّر تحوّل معظم أعمال مينه إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية، غير أنّه وإن كان ذلك ميزة إذا أخذنا بالحسبان عنصر القصّ فقط، إلا أنّها كرواية أدبيّة فإنّها لم تنهض بأعباء مواجهة القصّة الفيلمية، وبعبارة أخرى لم تقدّم جواباً على إشكاليّة الحفاظ على القرّاء من استقطاب دور العرض وشاشات التلفزة. فليس فيها ما يجعلها أفضل إذا قرأناها من إذا شاهدناها؛ ما جعل جمهور مينه يعرف أعماله من خلال الشاشة أكثر مما عرفها من صفحات رواياته حيناً، وأحياناً من الشاشة فقط، هذا أضرّ - ليس فقط بعادات القراءة - وإنّما كذلك بفنّ الرواية نفسه.

الشخصية السورية

في إحدى محاولات حنا مينه للطيران عن عالم البحر إلى عالم المدينة، ظهرت روايته "حمامة زرقاء بين السحب" وهي تتناول شخصيّة "رنا" التي أخذها أبوها إلى لندن للعلاج من السرطان الذي يخفيه عنها طيلة العمل، وهي ظروف لم يكن ضرورياً أن تقع في لندن، إلا إذا أخذنا بالحسبان أنها لا تتعلّق بمدينة ذات هوية قصصية كان يجب أن تظهر، فلماذا لم يكن المستشفى في دمشق؟ هُنا قد نصل إلى حقيقة عجز الروائيين السوريين، ومنهم حنا مينه، عن ابتكار الشخصيّة الروائية السوريّة العامّة، فنحنُ لدينا شخصيّات روائيّة عديدة، صحيح أنّها من سوريا، محافظة أو مدينة ما في سوريا، ولكنّهم ليسوا سوريين بالطريقة التي كان فيها "روبرت" أميركياً في "لمن تقرع الأجراس"، وكما كان راسكولينكوف روسياً في "الجريمة والعقاب" وبما ظهر غولدموند ألمانياً في "نرسيس وغولندموند" فالشخصيّات عند مينه إمّا أن تظهر شديدة الالتصاق ببيئتها على حساب بناء شخصيّة سوريّة عامة في الأدب وفي المجتمع؛ وإمّا أن تظهر غير محددة الصفات الوطنية - الاجتماعية، إذ تتكلّم لهجة العاصمة دون أن تنجح لا أن تنتمي للعاصمة ولا أن تكون سورية عامّة. بينما تبقى الأعمال القليلة التي تناولت بيئة المدينة مقتصرة على ما يُمكن تسميته الرواية السيكولوجية، فهي تدور عن الأسرة أكثر مما هي عن المجتمع، مجتمع المدينة.

إنّ صعوبة أن تكون في مدينة لعلّه عائد إلى صعوبة أن تكون في مكانٍ محدد، لذلك نرى شخصيّات حنا مينه متحرّكة جاءت أو ذهبت أو ستذهب؛ هذا قد يُغني العمل الروائي ولكن بشرط أن يُتاح للشخصيّة وقت لبناء علاقة مع مكانها، ما خلا ذلك تقع أحداث رواية لمينه على ظهر سفينة. ففي "شرف قاطع الطريق" لدينا امرأة تتعرّض للاغتصاب ثم تهرب؛ فتبدأ أحداث القصة. وفي رواية "نهاية رجل شجاع" تهرب الشخصيّة الرئيسيّة "مفيد الوحش" ليلتقي بـ"عبدوش" الذي لعب دور الشخصية الداعمة مؤقّتاً . ولكنّه عبدوش أيضاً هارب من مكانه. في "الياطر" أيضاً يلتقي الهارب براعية أغنام، وفي "حمامة زرقاء" تسافر "رنا" للعلاج . شخصيّات "الثلاثية الصينية" أيضاً كذلك الأمر؛ ففي "الولاعة" تأتي "نظيرة" في الصفحة أربعين لتحرّك الأجواء الراكدة. وهذا عطّل في معظم أعمال مينه بناء علاقات وطيدة بين الشخصيّة ومكانها.

السفير اللبنانية في

07.02.2014

 
 

مغامرة سيناريو «نهاية رجل شجاع»

حسن يوسف 

استنتجت قبل سنوات طويلة أن النصوص ثلاثة: نص يقول شيئاً جديداً بشكل جديد، ونص يقول شيئاً جديداً بشكل قديم، ونص يقول شيئاً قديماً بشكل جديد. وكل ما عدا ذلك لغو. ولأنني أعتبر التكرار ضرباً من الموت، أكتشف الآن أن الكتابة عن حنا مينه تكاد تكون محنة بحق، فما لم يقله حنا مينه في رواياته ومقالاته وحواراته حول أدبه وشخصه، قاله النقاد عنه في بحوثهم ودراساتهم، وهذا ما يجعل الكتابة عنه دون الاتكاء على ما قاله أو قيل فيه أمراً في منتهى الصعوبة.
لن أحدثكم كيف تحوّل حنا مينه من حلاق فحمَّال في ميناء اللاذقية إلى بحار، ولا كيف استسلم لنداء اليابسة وعمل مصلّح دراجات هوائية، ثم عاملاً في صيدلية، فجليس أطفال في بيت إحدى العائلات الثرية. كما لن أتوقف عند الظرف الذي جذبه لضوء الحرف، ولا كيف صار إلى دمشق حيث تحول من "عرض حالجي" الى صحافي لامع في جريدة الإنشاء التي سرعان ما صار رئيساً لتحريرها.

كما لن أتوقف عند تجربته في كتابة المسلسلات الإذاعية باللهجة العامية. ولن أصوِّر لكم كيف تفتح عن روائي قدير بصير، متمكن من لغته وأدواته الفنية، ليحجز لنفسه مقعداً دائماً في صدارة المشهد الروائي العربي؛ وليحقق شهرة غير مسبوقة في مشارق الوطن العربي ومغاربه كأمين سرٍ لعوالم البحر والإنسان.

لا شك بأن كل محطة مر بها المبدع حنا مينه في مساره الذي تمتزج فيه البهجة بالألم تستحق الوقوف عندها والانحناء لها والكتابة عنها، إلا أني سأتجاوز كل محطاته المعروفة لأقف عند نقطة من عالمه لطالما أبهرت بصري وأنارت بصيرتي، نقطة لطالما ساعدتني في لحظات القسوة الكثيرة التي مررت بها. ففي لحظات ما قبل الانهيار كنت ولا أزال أتذكر كلمات حنا فتحفزني على استنفار كل قواي الداخلية لأبقى واقفاً.

أكثر ما سحرني بصاحب "الشراع والعاصفة" الإنسان والروائي، هو اعتداده بشقائه وعدم خجله من فقره ومعاناته، بعكس كل الفقراء الذين أعرفهم، وقد كنت منهم قبل أن يحررني حنا مينه من ذلك الشعور.

قبل سنوات كتبتُ في دفتر ملاحظاتي: "بالصدق وحده يستطيع الكاتب أن يحوِّل فحم حياته اليومية إلى ألماس". والحق أن حنا مينه استطاع أن يحوّل فحم حياته اليومية إلى كلمات تعكس جوَّانيات النفوس كما يعكس الألماس الضوء، وهذا ما جعله يستحق عن جدارة لقب "كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين".

البحر

لا يحب حنا مينه الشكوى حتى لسيجارته التي لا تكاد تنطفئ، لكنه عندما يلوذ بواحد من المقربين إلى نفسه قد يسرُّ له بأنه عاتب على الدنيا وقد يعبر له عن لومه لجسده الذي لم يعد يستطيع النهوض بأعباء نفسه الكبيرة، والحق أن الزائر الحصيف لبيت هذا الرجل يستطيع أن يلتقط ما سبق من خلال الأدوية المتناثرة، ومن خلال لوحة معلقة، كتب عليها بخط جميل بيتاً من شعر إلياس أبي شبكة: "ويا وطنا بالحب نكسو أديمه ويحرمنا حتى رضاه ويمنع".

يفتخر صاحب "الثلج يأتي من النافذة"، ويحق له ذلك، بأن معظم أعماله مبللة بمياه البحر الصاخب، بل إنه يتماهى مع البحر فيراه في نفسه ويرى نفسه فيه: "إذا نادوا: يا بحر أجبت أنا! البحر أنا، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت".

ولأنه يعيش في دمشق التي يحب بعيداً عن البحر الذي يعشق فقد تمنى "أن تنتقل دمشق إلى البحر، أو ينتقل البحر إلى دمشق".

في الثامن من آذار المقبل سيكمل حنا مينه عامه التسعين وهذا يعني أنه الآن حيث لم يكن يريد أن يصل، فقد قال على لسان إحدى شخصياته:

"لا تخافي .. لن أعيش طويلاً، ولا أريد ذلك ... لست يائساً، ولكن لا أريد أن أصير عجوزاً".

عاش حنا مينه حياته وهو يزاحم الموت بمنكبيه دون أن يهابه، لم يتجاهله يوماً لكنه لم يذعر منه، ولطالما عبّر مراراً عن رغبته به واستعداده له، بل إنه تبرَّم قبل سنوات من تأخر الموت عن الموعد الذي ضربه له، ففي وصيته التي كتبها في 17 آب 2008 يقول:

"لقد عمرتُ طويلاً حتى صرت أخشى ألاَّ أموت، لقد كنت سعيداً جداً في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذور للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربتُ الشقاء. عندما ألفظ النفس الأخير، آمل ألا يُذاع خبر موتي في أي وسيلة إعلامية، وأعتذر للجميع، إذا طلبت منهم أن يدعوا نعشي محمولاً على أكتاف أربعة مأجورين، فلا حزن، ولا بكاء، ولا لباس أسود، ولا تعزيات، ولا تأبين، فالذي سيقال بعد موتي سمعته في حياتي، وهذه العادات، منكرة، منفرة، مسيئة إلي، أستغيث بكم جميعاً، أن تريحوا عظامي منها".

في أحد لقاءاته يبوح حنا مينه بأن عمله كحمّال في ميناء اللاذقية هو الذي ألهمه كتابة رواية "نهاية رجل شجاع" التي قمت أنا بتحويلها إلى مسلسلٍ تلفزيوني من إخراج نجدة إسماعيل أنزور وبطولة أيمن زيدان وسوزان نجم الدين. وفي لقاء آخر يبوح مينه بأنه كان قد مزَّق الرواية بعد أن انتهى منها وأعاد كتابتها من جديد.

صحيح أنني قد قرأت جل ما كتبه هذا الروائي المبدع، وتأثرتُ به، لكن "نهاية رجل شجاع" تشكل الفضاء المشترك الأكثر حضوراً بين روحي وروح حنا مينه، لا لأنني أثناء كتابة السيناريو التلفزيوني عنها نقّبت في ظلال كلماتها وما وراءها ولم أترك تفصيلاً أو إشارة فيها إلا واستفدت منه، بل لأن ولادة السيناريو كانت عسيرة كولادة الرواية وربما أكثر. وهذا هو السر الذي أود أن أبوح لكم به. ولعله هو السر الذي أهَّل "نهاية رجل شجاع" لأن تكون حبل المشيمة التي تربطني بعالم حنا مينه الروائي. ولهذا قصة لا تخلو من ألم وطرافة.

حكاية

في مطلع تسعينيات القرن الماضي كتبتُ سيناريو فيلم "كش مات"، وأطلعت الصديق إبراهيم ياخور على النص فأطراه وتحدث عنه على مسمع من الأديب الكبير حنا مينه، وهكذا طرح اسمي لكتابة سيناريو مسلسل "نهاية رجل شجاع". كنت ولا أزال أحب السينما ولا أحب التلفزيون لكنني كنت ولا أزال أحب حنا مينه، وقد تحمستُ للتجربة مدفوعاً بذلك الحب وهكذا بدأت بكتابة أول عمل تلفزيوني.

عندما بدأت بكتابة السيناريو عن "نهاية رجل شجاع" كنت أسكن في خيمة قرب الموقع الذي وضعت فيه أساسات بيتي في القرية. لم يكن ينقصني الاندفاع فكتبت خلال أربعة أشهر ثلاث عشرة حلقة، وذات يوم كنت أسقي غراس التفاح التي زرعتها تحت موقع البيت عندما رأيت ألسنة النار تتعالى من خيمتي كما لو أنها تطمح لأن تلعق سقف السماء، هرعت الى المكان لكنني كنت عاجزاً عن فعل أي شيء، فرحتُ أحوص كالممسوس إلى أن تحولت كتبي وثيابي وموسيقاي وفرشتي ومنضدتي ومسجلتي ومعها الحلقات المكتوبة من السيناريو، الى كومة من الرماد.

للحظات أحسست أن قلبي قد توقف أو كاد. فرحت أكلّم قلبي كالممسوس. قلت لقلبي: "أنت قلب طيب وأصلي وأنا أرجوك ألا تتوقف الآن". لم أكن أطيق أن أرى أحداً أو أسمع كلاماً من أحد وعندما رأيت غبار الموت على وجهي في مرآة بيت أخي المهجور الذي عزلتُ نفسي فيه أجفلت! خطر لي أنني قد مت فعلاً وأني أنظر الى وجه جثتي! لكنني سمعتُ صوتاً يصرخ بي: عليك أن تستعيد ما ضاع. وهكذا جلستُ إلى الطاولة التي يغطيها الغبار ورحت أكتب وأكتب حتى نمت فوقها من فرط الإنهاك.

كنت طائشاً هائجاً مستنفر القوى أدوّن بسرعة الحريق كل ما أتذكره مما غدا رماداً. كنت مشدوداً كوتر قبل لحظة انقطاعه، لدرجة أن شغاف قلبي بدأت تؤلمني من فرط التوتر. وقد شبهت نفسي في ما بعد بمن يقف على حافة جرف شاهق وهو يوشك على السقوط؛ الجاذبية تشده نحو الموت المحتم في الأسفل وقوى الحياة فيه تمسكه من أن يهوي. دامت هذه الحالة المحمومة أربعة أيام أو خمسة، لا أذكر، وعندما انتهيت من استعادة الحلقة الأولى أحسست أنني قد نجوت فنمت نهاراً وليلة.

صحيح أن حنا مينه قد أعلن في مناسبات عديدة أن "المرأة هي من صنعت تقدمنا الاجتماعي وليس الرجل" لكن "نهاية رجل شجاع" كرواية لا ينطبق عليها هذا الكلام، فالرواية تتمحور حول شخصية "مفيد الوحش" كبطل ذكر مطلق. ونظراً لأنني من أنصار المرأة فقد حولت شخصية "لبيبة" من عاهرة إلى خادمة، وعمقتُ شخصيتها ووسعت دورها لأجعل منها نداً لمفيد يشاركه البطولة وينافسه عليها. وقد أجبرتني الضرورات الدرامية على تغيير شخصيات وإضافة شخصيات أخرى وصياغة نهاية مختلفة للمسلسل لا أساس لها في الرواية. والحقيقة أنني خشيتُ أن يزعل حنا مينه مني بسبب ذلك، كما هي عادة كتاب الروايات عندما تحول أعمالهم إلى الشاشة. لكن الزوبعة التي أحدثها المسلسل عند عرضه غطت على كل شيء. وقد قال حنا مينه، في لقاء تلفزيوني: "سبق أن حُولت بعض رواياتي إلى السينما، فلم يكن من رضى. أما مع "نهاية رجل شجاع" فقد كان الرضى".

أستاذ حنا، اسمح لي أن أقبّل جبينك مرتين؛ مرة لإبداعك ورحابة صدرك، وأخرى لمناسبة عيد ميلادك التسعين.

السفير اللبنانية في

07.02.2014

 
 

«شكة دبوس» في قفا الإخوان

أحمد جمال الدين/ القاهرة 

ليست السينما في منأى عن الاستقطاب السياسي الحاد في مصر. الفيلم الذي يخرجه محمد بكري، ويؤدي بطولته أحمد عزمي، يعدّ أول عمل يتطرّق إلى المرحلة التي أعقبت فوز الجماعة في الانتخابات المصرية ويتوقع عرضه في موسم الصيف

ليست السينما في معزل عن الصراع السياسي الدائر بين جماعة الإخوان، التي صنّفتها الحكومة المصرية أخيراً باعتبارها جماعة «إرهابية»، والدولة الممثّلة بالأجهزة الرسمية. العام الذي تولّى فيه الإخوان السلطة مع فوز الرئيس المعزول محمد مرسي بالحكم (30 حزيران/ يونيو 2012 ـــ 3 تموز/ يوليو 2013) سيكون مادة خصبة لأعمال سينمائية متعدّدة ستبصر النور قريباً.

أوّل هذه الأعمال هو مشروع فيلم «شكّة دبوس» (قصة وإنتاج رامي توفيق، سيناريو وحوار غدير أبو خزيم) الذي تأجّل تصويره حتى بداية الشهر المقبل لأسباب إنتاجية، فيما لم يحصل السيناريو بعد على موافقة الرقابة، رغم اكتمال فريق العمل.

الفيلم الذي يخرجه محمد بكري، نجل الصحافي مصطفى بكري المعروف بمعارضته للإخوان وعدائه لهم، يشارك في بطولته كل من: أحمد عزمي، ليلي قاسم، مها صبري، خليل مرسي وأنجي خطاب. ويتوقع أن يعرض «شكّة دبوس» خلال موسم الصيف المقبل، وسيكون أول عمل سينمائي يتطرّق إلى الفترة السياسية التي أعقبت عزل مرسي. تدور أحداث الفيلم حول شخصية شاب أرستقراطي ينضمّ إلى الإخوان بعد «ثورة 25 يناير»، ويساندهم في مواقفهم حتى يشارك معهم في اعتصام رابعة العدوية الذي استمر أكثر من 40 يوماً، وقامت قوات الشرطة بفضّه بعنف، ما أدى إلى مقتل العشرات. يجسّد أحمد عزمي شخصية الشاب الذي يعيش في فيلا مع أسرته في منطقة قريبة من الاعتصام. لكن في أحد الأيام، يغيب عن الاعتصام بسبب الاحتفال بعيد ميلاد شقيقته الصغرى. لكن عندما يطلب منه أصدقاؤه الإخوان المعتصمون القدوم إلى منزله للمبيت، يرحّب بهم، ويصعد معهم إلى غرفة جهّزتها لهم أسرته. لكن الشباب يقررون إفساد عيد الميلاد، منتقدين ما يعتقدون أنّه مخالف لتعاليم الإسلام. رغم أنّ الشريط يؤبلس الإخوان بشكل كاريكاتوري، إلا أنّ بطله أحمد عزمي يوضح لـ«الأخبار» أنه أُعجب بفكرته التي «ترصد وجود طبع الخيانة لدى أفراد جماعة الإخوان»، مشيراً إلى أنّ «ما يحدث في الفيلم من قيام الشباب بإفساد عيد ميلاد الأسرة، التي رحّبت بهم، يعبّر عن الطريقة التي لجأوا إليها بعدما طلب الشعب مغادرتهم السلطة». وأضاف إنه لم يشعر بالقلق من تجسيد دور الإخواني على الشاشة، رغم التهديدات التي قد تصله بعد عرض الفيلم. وأوضح عزمي أن «فريق العمل متحمّس للتجربة، ويسعى إلى إخراجها في أفضل صورة ممكنة، ولا يستبعد تلقي التهديدات خلال العمل كون هذا الأسلوب متبعاً من قبل الإخوان». لا يبدو أن الشريط الذي ينتمي إلى الأعمال المحدودة الكلفة سيطرح في الصالات بلا مشكلات. الجماعة التي تجنّد كتائبها الإلكترونية لنشر عناوين ضباط الشرطة عبر الإنترنت، لن تسكت عن انتقادها سينمائياً، وخصوصاً أنّ تصويرها على الشاشة ارتبط دوماً بإظهار السلبيات، على غرار ما حدث في مسلسل «الجماعة» (كتابة وحيد حامد وإخراج محمد ياسين) الذي توقف بثه طيلة فترة تبوّئهم الحكم.

الأخبار اللبنانية في

08.02.2014

 
 

انطلاق المهرجان الوطني للفيلم بطنجة

خالد لمنوري | المغربية

انطلقت، أمس الجمعة بمدينة طنجة، الدورة الخامسة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم، بمشاركة 21 فيلما قصيرا و22 روائيا طويلا، وحضور عدد مهم من الفنانين والسينمائيين والنقاد والإعلاميين المغاربة والأجانب.

وتتميز الدورة الخامسة عشرة، التي افتتحت بعرض شريط "سرير الأسرار"، احتفاء بمخرجه الطنجاوي جيلالي فرحاتي، بانعقاد لقاء مهني يتمحور حول توصيات "الكتاب الأبيض للسينما المغربية" اليوم السبت، بمشاركة أعضاء من اللجنة العلمية، التي أعدت الكتاب ومهنيين في القطاع، وندوات وأنشطة موازية، بالإضافة إلى تقديم الحصيلة السنوية لسنة 2013، التي تميزت بسيطرة الأفلام المغربية على شباك تذاكر السينما للسنة الخامسة على التوالي.

وتكريسا لثقافة الاعتراف، التي ميزت المهرجان منذ دورته الأولى، تكرم الدورة 15 من هذا العرس السينمائي الوطني، الذي يستمر إلى غاية 15 فبراير الجاري، ثلاثة وجوه سينمائية مغربية، وتستحضر كل الأسماء الفنية التي رحلت أخيرا.

ويتبارى على جوائز الدورة 15، التي تقدر قيمتها بـ54 مليون سنتيم، 43 فيلما منها 22 شريطا روائيا طويلا و21 قصيرا.

وحسب لائحة الأفلام المشاركة في المهرجان، المنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، ستتميز أشرطة هذه السنة بالقوة والتنوع والتفاوت في المستوى التقني والفني، فهناك أفلام أنتجت بميزانيات محدودة معتمدة فقط على مبلغ الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي، وأخرى مشتركة بأموال مغربية وفرنسية، وإماراتية، ما يعكس رغبة السينمائيين المغاربة في الوصول إلى العالمية.

كما تضم القائمة أفلاما نسائية، بلغ عددها هذه السنة 10 أفلام منها 3 أفلام طويلة و7 قصيرة، وأشرطة أمازيغية، بفضل الاهتمام المتزايد بالثقافة الأمازيغية، باعتبارها مكونا أساسيا للهوية المغربية، وأعمالا من توقيع ممثلين تحولوا إلى الإخراج السينمائي، بفضل التطور الكمي الذي حققته السينما المغربية في الآونة الأخيرة.

ويترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للفيلم الطويل الباحث الجامعي والوزير السابق المغربي عبد الله ساعف، أما لجنة تحكيم الفيلم القصير، فيترأسها المخرج والمنتج السينمائي المغربي عبدو عشوبة.

وتتميز لجنتا تحكيم الدورة بالتنوع، لتشكلهما من عدد من المهتمين بالسينما من المغرب، وفرنسا، ولوكسمبورغ، ومصر، وتونس، ما يضمن الحياد في اختيار الأفلام المتوجة.

'سرير الأسرار' لجيلالي فرحاتي يفتتح المهرجان

انطلقت أمس الجمعة بمدينة طنجة الدورة الخامسة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم، بمشاركة 21 فيلما قصيرا و22 روائيا طويلا، وحضور عدد مهم من الفنانين والسينمائيين والنقاد والإعلاميين المغاربة والأجانب.

وبعد تقديم أعضاء لجنتي التحكيم، ويتعلق الأمر بلجنة تحكيم المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، التي يترأسها الباحث الجامعي والوزير السابق المغربي عبد الله ساعف، لجنة تحكيم الفيلم القصير، التي يترأسها المخرج والمنتج السينمائي المغربي عبدو عشوبة، افتتح شريط "سرير الأسرار" فعاليات الدورة 15، احتفاء بمخرجه الطنجاوي جيلالي فرحاتي، الذي يعد من أكثر السينمائيين المغاربة تتويجا في الدورات السابقة من المهرجان الذي تأسس سنة 1982 بالرباط، حيث توج بجائزة أفضل مخرج عن فيلم "عرائس من قصب"، والجائزة الكبرى للدورة الثالثة سنة1991 بمكناس عن فيلم "شاطئ الأطفال الضائعين"، وحصد أيضا، جائزة أحسن أول دور رجالي، والجائزة الكبرى للمهرجان الوطني الرابع للفيلم بطنجة سنة 1995 عن فيلمه "خيول الحظ".

ويعد فيلم "سرير الأسرار"، أول شريط يقتبسه المخرج فرحاتي من عمل روائي للبشير الدامون يحمل الاسم نفسه، وهو سيرة تصويرية لطفلة تفضح عوالم الجنس والحب والدعارة والتخلف. 

وجاءت رواية "سرير الأسرار"، التي اقتبس منها فرحاتي فيلمه الجديد، حسب كاتبها المغربي البشير الدامون، من رحم الحواري، بطلتها طفلة لا تعرف عيونها الكذب، ويذكر البشير الدامون أنه التمس بعض الشفاء في الكتابة، وقرر أن يصرخ بعدما تردد كثيرا في جدوى الكتابة، وهل بإمكانها أن تغير العالم.

وعلى صعيد آخر وضح أن القصد من معنى ودلالة السرير في العنوان "السرير يوحي دائما بتلك العلاقة الحميمة بالأسرار"، معتبرا في الوقت ذاته أن السرير هو مطرح الأفراح والفواجع، والانتصارات والإخفاقات.

وتتميز الدورة الخامسة عشرة، حسب بلاغ للمنظمين، بانعقاد لقاء مهني يتمحور حول توصيات "الكتاب الأبيض للسينما المغربية"، وندوات وأنشطة موازية، بالإضافة إلى تقديم الحصيلة السنوية لسنة 2013. 

وتكريسا لثقافة الاعتراف، التي ميزت المهرجان منذ دورته الأولى، يكرم أن تكرم الدورة 15 من هذا العرس السينمائي الوطني، الذي يستمر إلى غاية 15 فبراير الجاري، ثلاثة وجوه سينمائية مغربية، وتستحضر كل الأسماء الفنية التي رحلت عن عالمنا، أخيرا.

ويتعلق الأمر بالناقد والسوسيولوجي المغربي محمد الدهان، الذي بصم حضوره في الدورات السابقة من المهرجان بمداخلاته القيمة وقراءاته النقدية الرصينة لعدد من الأفلام المغربية، وعبد الرزاق غازي فخر أحد المناضلين بالجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، منذ تأسيسها في مارس 1973، والفنان العالمي حميدو بنمسعود، الذي جسد العديد من الأدوار العالمية في السينما الفرنسية والأمريكية منذ مطلع الستينيات من القرن المنصرم، وصاحب الأدوار المتميزة في السينما المغربية محمد الحبشي، الذي يعد أول فائز بجائزة أحسن ممثل في الدورة الأولى التي نظمت عام 1982 بالرباط عن دوره في فيلم "السراب" للراحل أحمد البوعناني في أول دورة للمهرجان. 

وتتبارى 43 فيلما على جوائز الدورة 15، منها 22 شريطا روائيا طويلا و21 قصيرا. وتتشكل لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، التي يترأسها الباحث الجامعي والوزير السابق المغربي عبد الله ساعف، من الناقد السينمائي والأستاذ الجامعي بوشتى فرقزايد، والباحثة التيجانية فرتات، والكاتب الروائي الطنجاوي بهاء الدين الطود من المغرب، والمنتجة الفرنسية ماريان دومولان، والمخرج السينمائي التونسي رشيد فرشيو، والناقد السينمائي المصري علي أبو شادي. 

أما لجنة تحكيم الفيلم القصير، التي يترأسها المخرج والمنتج السينمائي المغربي عبدو عشوبة، فتتشكل من الناقد السينمائي ومدير المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات ضمير اليقوتي، والشاعر والصحافي بإذاعة طنجة عبد اللطيف بنيحيى، والمخرج والمنتج السينمائي أودي روس من اللوكسمبورغ، والصحافية والسوسيولوجية الفرنسية وأوزانس سيلو كييفير.

يتضمن 128 توصية للنهوض بالفن السابع

'الكتاب الأبيض للسينما المغربية' من أهم فقرات الدورة 15

من أبرز فقرات برنامج الدورة 15 اللقاء المهني، الذي ينظمه المركز السينمائي المغربي اليوم السبت بقاعة الندوات بفندق "شالة'" بطنجة، حول توصيات "الكتاب الأبيض للسينما المغربية" بمشاركة أعضاء من اللجنة العلمية التي أعدت الكتاب.

ويتطلع المهنيون إلى أجرأة فعلية لتوصيات "الكتاب الأبيض للسينما المغربية" التي شارك في صياغتها مختلف المتدخلين في الصناعة السينمائية، في أفق نقل الفن السابع إلى مرحلة جديدة تتجاوز مكسب الوتيرة الإنتاجية الرائدة إفريقيا وعربيا، إلى توطيد دعائم صناعة سينمائية يتضافر فيها الإنتاج الكمي مع مقومات الجودة والبعد التثقيفي فضلا عن الإشعاع الإقليمي والدولي لصورة مغرب سينمائي مبدع ومتجدد.

ويتضمن الكتاب الأبيض للسينما المغربية، المنبثق عن المناظرة الوطنية للسينما، 128 توصية تتوزع على ستة محاور تغطي مختلف حلقات صناعة الفن السابع بالمملكة، وتتوخى تثمين المكتسبات المتحققة على مستوى وتيرة الإنتاج والارتقاء بجودة المنتوج السينمائي وإشعاعه الدولي.
ويتوزع الكتاب الأبيض للسينما المغربية، الذي انبثق عن المناظرة الوطنية للسينما في أكتوبر 2012، على محاور تشمل "الإنتاج السينمائي المغربي"، "التوزيع والاستغلال: أزمة هيكلية في حاجة إلى حلول"، "مهن السينما: الموارد البشرية والتكوين"، "حماية حقوق الملكية الفكرية في المجال السينمائي الوطني"، "نحو إشعاع فعال للسينما الوطنية"، ثم "المداخل المؤسساتية والقانونية الأساسية للإصلاح".

وفي مجال دعم الإنتاج، دعا الكتاب الأبيض إلى القيام بتدقيق قبلي في شروط تربط الحصول على الدعم بضمان حد أدنى من المردودية التجارية أو الفنية، أو هما معا، وتطوير الترسانة القانونية بما يضبط العلاقات التعاقدية بين جميع المتدخلين ويضمن اللجوء إلى الكفاءة المهنية، وإعادة إدراج المنحة على الجودة للأفلام المغربية في دفتر التحملات الجديد.

كما توصي الوثيقة بسن سياسة تشجيعية تجاه الفيلم الناطق بالأمازيغية والحسانية وتعزيز مكانة كتابة السيناريو والرفع من مساهمة القنوات التلفزيونية العمومية وسوق الإشهار في دعم الإنتاج السينمائي الوطني.

وعلى صعيد التوزيع والاستغلال، شملت التوصيات دعم إعادة تأهيل القاعات ورقمنتها وتشجيع إحداث المركبات السينمائية المتعددة الشاشات، وحث الجماعات الترابية على المساهمة في إنشاء القاعات السينمائية واعتماد سياسة تواصلية جديدة في ترويج وتوزيع الأفلام المغربية، خاصة في الخارج.

وانكبت اللجنة العلمية التي أعدت الكتاب الأبيض، برئاسة الباحث عبد الله ساعف، على إشكالية مهن السينما والموارد البشرية والتكوين، حيث أوصت بتشجيع التخصص لاسيما بين مهنتي الإخراج والإنتاج، والاستثمار في التكوين في مجال كتابة السيناريو وتوفير فرص لقاءات المخرجين والكتاب وضبط وتعريف وتقنين مهنة المنتج السينمائي.

وبخصوص الممثل، شددت الوثيقة على اعتماد قانون الفنان كمرجعية لتأطير مجال اشتغال الممثلين، لاسيما اعتماد بطاقة الفنان كضامن لأولوية التشغيل بالنسبة لهذه الفئة، واشتراط إبرام عقود قبلية مع الممثلين قبل وضع ملفات الإنتاج لدى لجنة الدعم السينمائي، وتحسين ظروف اشتغالهم وحماية حقوق الممثلين المشتغلين في الإنتاجات الأجنبية.

وفي مجال التكوين، طالب الكتاب الأبيض بتقنين القطاع بما يحترم معايير الجودة والمهنية للخريجين وإخضاع تصاريح المدارس الحرة لدفتر تحملات واضح، وتوحيد سلطة الوصاية والمتابعة الميدانية ووضع معايير بيداغوجية دقيقة لمنح تراخيص التأسيس والاعتراف بالدبلومات المحصل عليها في مجال التكوين السينمائي والسمعي البصري.

واستأثرت حماية حقوق الملكية الفكرية في المجال السينمائي باهتمام واضح لدى لجنة إعداد الكتاب الأبيض، التي أوصت بتبسيط المساطر المتعلقة بتسجيل الإنتاجات السينمائية وضرورة وجود عقود مهنية حرفية قانونية نموذجية تراعي حقوق جميع الأطراف وخلق شباك وحيد يتعلق بعملية التسجيل والترخيص وإعادة النظر في كيفية استغلال التلفزة المغربية للمنتوج السينمائي والإبداعي، وإعادة النظر في العقود وفق مبدأ الحق في التعويض بالنسبة لإعادة البث. 

كما أوصى الكتاب في هذا المجال بالتحسيس بأهمية محاربة القرصنة وانجاز دراسات في هذا المجال وخلق مقاربة اجتماعية بديلة لممارسي القرصنة.

وتعزيزا لإشعاع السينما الوطنية، أوصى الكتاب الأبيض بانخراط جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية في استراتيجية شاملة ومتكاملة للرفع من مستوى المهرجانات السينمائية تدبيرا وتمويلا وتقنيا وفنيا، وإسهام السلطات المحلية في تمويل المهرجانات والعمل على تنظيم سوق الفيلم المغربي في المهرجانات الكبرى التي تنظم داخل وخارج المغرب.

وأبرزت الوثيقة أهمية العمل على احياء الدور التثقيفي والإشعاعي للأندية السينمائية وتشجيع الصحافة المتخصصة وتنظيم مهنة الناقد وإيلاء اهتمام أكبر للخزانة السينمائية الوطنية وحث القنوات العمومية على إنتاج وبث برامج للتعريف والترويج للسينما الوطنية ولمبدعيها عن طريق برامج متميزة شكلا ومضمونا، وتقوية مكانة السينما الناطقة بالأمازيغية والحسانية إعلاميا، واعتماد أساليب حديثة في الترويج للعمل السينمائي.

وتطرق الكتاب الأبيض إلى رهان تعزيز الدبلوماسية السينمائية من خلال ضمان حضور متواصل للفيلم المغربي في المراكز الثقافية المغربية في العواصم العربية والأوروبية وتكثيف الحضور في المهرجانات الدولية الكبرى.

وخلص، في ما يتعلق بالشق المؤسساتي والقانوني، إلى التوصية بتعديل القانون المتعلق بتنظيم الصناعة السينمائية وتحيين النصوص المؤطرة للمكتب المغربي لحقوق المؤلف وإعداد قانون الفنان وتطوير المنظومة القانونية للمركز السينمائي المغربي.

المهرجان يعرض جديد السينما المغربية بطنجة

تتضمن قائمة الأفلام الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم في دورته الخامسة عشرة 22 فيلما طويلا و21 قصيرا.

ويدخل غمار المنافسة على جوائز المهرجان 22 فيلما روائيا طويلا، ويتعلق الأمر بـ "زهرة أغمات" لفريدة بورقية، و"روك القصبة" لليلى المراكشي، و"تاونزا" لمليكة المنوك، و"يما" لرشيد الوالي، و"حب الرمان" لعبد الله تكونة الشهير بفركوس، و"سارة" لسعيد الناصري.

وتتضمن القائمة، أيضا، "وداعا كارمن" لمحمد أمين بنعمراوي، و"بولنوار" لحميد الزوغي، و"هم الكلاب" لهشام العسري، و"خلف الأبواب المغلقة" لمحمد عهد بنسودة، و"تصنت لعظامك" للتيجاني اشريكي، و"الحمى" لهشام عيوش، و"فورماطاج" لمراد الخوضي، و"كان ياما كان" لسعيد س. الناصري، و"عيد الميلاد" للطيف لحلو، و"جيش الإنقاذ" لعبد الله الطايع، و"العجل الذهبي" لحسن لكزولي، و"أراي الظلمة" لأحمد بايدو، و"ساكا" لهشام الناصري و"سارة" لسعيد الناصري، و"سرير الأسرار" لجيلالي فرحاتي، و"سليمان" لمحمد البدوي، و"الصوت الخفي" لكمال كمال.

وتضم قائمة أفلام المسابقة القصيرة، 7 أشرطة نسائية هي شريط "لمصلحتك" لابتسام الكردة، و"موعد مع نينيت" لسعاد حميدو، و"صرخة بلعمان" لفاتن جنان محمدي، و"جمعة مباركة" لأسماء المدير، و"نور" لمريم بنمبارك، و"لياليهم" لناريمان يامنة فقير، و"بطاقة بريدية" لمحاسن الحشادي.

و14 شريطا لمخرجين شباب، ويتعلق الأمر بـ"خلاص" لعبد الإله زيراط، و"أنا" ليونس الركاب، و"كليوباترا يا لالة" لهشام حجي، و"لخاوة" ليوسف بريطل، و"اتفاقية زواج" لنورالدين الغماري، و"مكالمات مجهولة" لأيوب العياسي، و"الدنيا تتقلب" لطارق الإدريسي، و"لقاء" لمصطفى الزيراوي، و"ريكلاج" لإدريس كايدي وهشام ركراكي، "وأنا للحسين شاني، و"عزيز جنائزيات طنجة" للمهدي سويسي، و"صدى" لأنيس الكوهن، و"كانيس" لرضى مصطفى، و"اليد الثالثة" لهشام اللادقي.

وحسب لائحة الأفلام المشاركة في المهرجان، ستتميز أشرطة هذه السنة بالقوة والتنوع والتفاوت في المستوى التقني والفني، فهناك أفلام أنتجت بميزانيات محدودة معتمدة فقط على مبلغ الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي، وأخرى مشتركة بأموال مغربية وفرنسية، وإماراتية، ما يعكس رغبة السينمائيين المغاربة في الوصول إلى العالمية.

كما تضم القائمة أفلاما نسائية وأشرطة أمازيغية بفضل الاهتمام المتزايد بالتراث الثقافي الأمازيغي باعتباره مكونا أساسيا للهوية المغربية، وأعمالا من توقيع ممثلين تحولوا إلى الإخراج السينمائي، بفضل التطور الكمي الذي حققته السينما المغربية في الآونة الأخيرة.

3 أفلام نسائية طويلة و7 قصيرة في الدورة 15

يدخل غمار المنافسة على جوائز المهرجان ثلاثة أفلام نسائية هي "زهرة أغمات" لفريدة بورقية، و"روك القصبة" لليلى المراكشي، و"تاونزا" لمليكة المنوك، و7 أشرطة نسائية هي شريط "لمصلحتك" لابتسام الكردة، و"موعد مع نينيت" لسعاد حميدو، و"صرخة بلعمان" لفاتن جنان محمدي، و"جمعة مباركة" لأسماء المدير، و"نور" لمريم بنمبارك، و"لياليهم" لناريمان يامنة فقير، و"بطاقة بريدية" لمحاسن الحشادي.

وفي هذا السياق، أكدت المخرجة المغربية ليلى مراكشي أنها تنتمي بالفعل إلى ما بات يسمى أخيرا بـ "سينما المرأة العربية"، وأنها قدمت فيلمها الأخير "روك القصبة" الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم.

وأضافت مراكشي، في إطار مناقشتها للفيلم في إطار مشاركتها بمهرجان دبي السينمائي، بدبي، بمشاركة الممثلة المغربية مرجانة العلوي والمنتجة الفرنسية ستيفاني كاريرا، "هناك جيل جديد من النساء العربيات القويات مثلما أن هناك جيلا جديدا من المخرجات العربيات اللواتي يردن التعبير عن مجتمعاتهن، واللواتي يسعين إلى التغيير وسيكون على أيديهن"، مشيرة إلى أن "بطلات الفيلم جئن من آفاق وتجارب عربية مختلفة، وأن ما يجمعهن هو التوق إلى التغيير والرغبة في الحرية".

وأوضحت أنه لم يكن من السهل جمع هذا العدد من الممثلات والمخرجات في فيلم واحد، خاصة أن لكل واحدة منهن الحق في رؤية الموضوع من زاوية معينة قائلة "كان الأمر صعبا، فذهبت إلى بيروت لإقناع نادين لبكي بذلك ثم ذهبت إلى هيام عباس التي كانت انتهت للتو من أحد أفلامها. باختصار، أردته فيلما عربيا يروي حكاية مغربية".

وفي سياق الحديث عن "سينما عربية نسوية"، وحضور ممثل معروف عالميا هو عمر الشريف وسط هذا الحضور من الممثلات والمخرجات، قالت المخرجة ليلى مراكشي "لم يكن التعامل معه سهلا فهو ممثل كبير حقا، لكنه أيضا، كبير في السن ما جعل أمر التعامل معه حساسا أيضا، لكن، بحق، كان حضوره على الشاشة رائعا، أما ما حدث في الكواليس فهذا شأن آخر".

وأضافت "بالفعل، كانت هناك أهمية لحضوره كشخصية، فهو الأب الذي مثل المجتمع الأبوي. قام برعاية الأسرة وكانت محبته شديدة لبناته مع أنه منعهن من التعبير عن أنفسهن، وبعد موته رأينا ما حدث لبناته. لقد كنت سعيدة بالعمل مع هذا الممثل الكبير".

وأشارت ليلى مراكشي إلى أن التصوير استغرق خمسة وثلاثين يوما فقط وهي فترة اعتبرتها قصيرة للغاية، وجرى أغلبها في بيت في طنجة، مشيرة إلى أن السيناريو كان مكتوبا للتصوير في الدارالبيضاء، غير أن عدم العثور على البيت المناسب جعل فريق العمل ينتقل إلى طنجة، وهناك استغرق النقاش مع الممثلين حول الفيلم خمسة أيام فقط، وكنا نعمل يوميا على مدار الساعة تقريبا".

وأبرزت مراكشي "كان البيت شخصية أخرى من الشخصيات الحية في الفيلم، وله أهمية مركزية فيه، ويتوافر على حسّ شاعري خدم الفيلم دراميا، إذ كان أحد مالكيه فنانا تشكيليا، أما اختيار الطبقة الاجتماعية، فالسبب يعود أولا إلى أن السينما المغربية لم تتناول سابقا هذه الطبقة الاجتماعية بما يكفي، وحدث ذلك مع أنها الطبقة الأكثر تنوعا ثقافيا، التي كانت أكثر إسهاما في تحرير المرأة".

أفلام أمازيغية في المسابقة الرسمية

في إطار اهتمام بالتراث الثقافي الأمازيغي، باعتباره مكونا أساسيا للهوية المغربية، يحرص منظمو المهرجان الوطني للفيلم كل سنة على مشاركة السينما الأمازيغية، التي تطورت في السنوات الأخيرة بفضل الدعم الذي يخصصه المركز السينمائي المغربي للسينما الوطنية.

وفي هذا السياق، تشارك في الدورة 15 ثلاثة أفلام أمازيغية طويلة هي"حب الرمان" لعبد الله تكونة الشهير بفركوس، و"تاونزا" لمليكة المنوك، و"أراي الظلمة" لأحمد بايدو.

وقال عبد الله تكونة الشهير بفركوس إنه سيعرض "حب الرمان" في المهرجان الوطني للفيلم بالأمازيغية، لأنه يمثل هذه السينما التي يعمل المركز السينمائي المغربي على دعمها تفعيلا لمضامين الدستور المغربي، الذي ينص على أن الأمازيغية لغة وطنية يجب أن تأخذ حقها من التداول فنيا وثقافيا. 

وهذا لا يعني، حسب فركوس، التعصب للأمازيغية بدليل أن الفيلم سيكون مصحوبا بسطرجة أو دبلجة بالعربية بالنسبة للعروض التجارية حتى يتمكن جميع المغاربة من مشاهدة الفيلم. كما أنه أخرج بالإضافة إلى فيلميه الأمازيغيين "سوينكم" و"حب الرمان" فيلما جديدا بالدارجة العربية بعنوان "الفروج".

وبخصوص تعامل الممثلين مع الأمازيغية، أكد فركوس أنه لم يجد صعوبة في العمل مع أي واحد من الممثلين لأنهم من أصول أمازيغية، مشيرا إلى أن الفنان الحقيقي هو الذي يستطيع التأقلم مع أي عمل سواء كان بالأمازيغية أو العربية أو بأي لغة أخرى، لأن السينما هي لغة الصورة التي تحتاج إلى الكثير من الإحساس والقليل من الكلام. 

وأكد فركوس حصوله على دعم المركز السينمائي المغربي، لفيلم "حب الرمان"، الذي تجاوزت ميزانيته 550 مليون سنتيم.

أفلام من إخراج ممثلين معروفين

في إطار التطور الكمي الذي حققته السينما المغربية في الآونة الأخيرة، ظهر مجموعة من الممثلين المخرجين أمثال محمد نظيف، وسعيد الناصري، ورشيد الوالي، وعبد الله فركوس.

وفي هذا لإطار تشهد الدورة 15 من المهرجان مشاركة ثلاثة أفلام من إخراج ممثلين معروفين في المسابقة الرسمية، ويتعلق الأمر بـ"يما" لرشيد الوالي، و"حب الرمان" لعبد الله تكونة الشهير بفركوس، و"سارة" لسعيد الناصري.

عن تجربته الإخراجية الأولى بعد بطولته لعدد من الأعمال السينمائية الناجحة، مثل "فيها الملح والسكر ومابغاتش تموت" لحكيم نوري و"سارق الأحلام"، الذي حصل من خلاله على جائزة أحسن ممثل بمهرجان طنجة سنة 1995، يقول الممثل والمخرج رشيد الوالي "خولت لي دراستي للمسرح وفنونه أن أكون قادرا على ولوج مجموعة من الميادين والنجاح فيها، فالمسرح أصعبها كونه يكسب دارسه الثقة في النفس، بعد عشرين سنة من العمل بمجال التمثيل خضت أول تجربة لي في الإخراج، أما في ما يخص التقديم فقد كانت تجربة أحببت خوضها و معرفتها، فأنا بطبعي أحب التحدي والمغامرة وولوج الميادين الجديدة والمتميزة، وكانت "لالة لعروسة" أول تجربة لي في مجال التقديم و بعدها تجربة "من سيربح المليون" على قناة "نسمة تي في".

ويضيف الوالي "لا يمكن أبدا أن أستغني عن التمثيل برغم العقبات و الصعوبات التي تملأ الميدان، فالتمثيل هو مهنتي وعشقي، فعند اختياري للأعمال التي تعرض علي لا أفكر في الجانب المادي بقدر ما أفكر في الموضوع أو القضية التي سيحاول العمل علاجها أو الرسالة التي سأقدمها للجمهور من خلال العمل".

الصحراء المغربية في

08.02.2014

 
 

السينما الأمريكية قدمت الصورة الشريرة للعرب في 900 فيلم

القاهرة - الجزيرة: 

صدرَ حديثاً كتاب (الصورة الشريرة للعرب في السينما الأمريكية) بجزأيه الأول والثاني والكتاب من تأليف جالك شاهين ومن ترجمة خيرية البشلاوي ومراجعة أحمد يوسف.

وقال المؤلف إن هوليوود هي العالم الأكثر تأثيرًا في جيل الشباب، وهي أيضًا كما يسجل هذا الكتاب بالتفصيل المزعج، تمثّل المصدر الرئيس للصور الدعائية التي من شأنها أن تدمر وتعزل بعض المواطنين، فالطريقة التي تصور بها (الآخر العربي) كغريب وخطير بالفطرة، وباعتباره أيضًا مخلوقاً كريهاً لا يتشابه مع الباقين، هذه الصورة لها قوة مدمرة مثل الأسلحة الفتاكة.وأوضح المؤلف كيف أن التعصب بالطبع مسألة قديمة بين الشعوب المختلفة ولكن البحث الذي يقدمه يتناول التعصب الذي يتم تصنيعه عن عمد، إنه إنتاج يزكي نار الكراهية وعدم الثقة.ويطرح المؤلف في هذا الكتاب تحديات مهمة أمام صناعة الفيلم، فهو يطرح هذه الأسئلة الهامة: لماذا نحن كعرب تدفعنا الرغبة إلى معايشة قصة جديدة إلى ابتلاع صور مشوهة بالغة السلبية؟، ولماذا لا ننضم للعرب الأمريكيين في احتجاجاتهم ضد ما يحدث لصورتهم.ويبرز المؤلف في مقدمة الكتاب، كلمة للصحفي الشهير سيدني هاريس، فهو يقول إن الصورة الكاريكاتورية الشائعة لشخصية العربي العادية، صورة أسطورية تماماً مثل الصورة القديمة لشخصية اليهودي، رجل يرتدي الجلباب والعمامة، شرير، وخطير، ومشغول أساسًا باختطاف الطائرات وتفجير البنايات العامة، ويبدو أن الجنس البشري غير قادر على التمييز بين جماعة من الأشخاص يمكن أن نرفضها وبين السلالة العرقية التي خرجت منها، فإذا كان الإيطاليون لديهم المافيا فليس كل الإيطاليين مشتبهاً فيهم، وإذا كان لدى اليهود ممولون ماليون فليس كل اليهود ينتمون إلى مؤامرة دولية، وإذا كان بين العرب متعصبون فليس كل العرب يدينون بالعنف.وعلى النقيض من ذلك في عدد لا حصر له من الأفلام قدمت هوليود الإجابة المزعومة بأن العرب هم برابرة متوحشون مغتصبون حقراء، متعصبون دينيون، أغنياء البترول الأغبياء، مستغلون للنساء.وبحسب المؤلف، فإنه من بين ما يزيد على 900 فيلم أمريكي تمتد من عصر السينما الصامتة وحتى عصر الأفلام الحديثة التي تعتمد على أحدث التكنولوجيا، لم يجد المؤلف سوى 12 فيلماً تقدم صورة إيجابية للشخصية العربية، بينما قدمت البقية صورة سلبية وشديدة التوحش والعدوانية، باعتبار العربي مصدراً للتهديد، لذا فهو يستحق القتل بلا شفقة أو رحمة، ويوضح هذا الكتاب الموسوعي من خلال الرؤية الشاملة لهذه الأفلام، أن الإدارة السياسية والعسكرية والسينما في أمريكا، تتبع بعضها البعض، حيث يؤثر كل منهما في الآخر،السياسة تؤكد تشويه صورة العربي، بينما تعطى ذرائع لهذا التشويه، وتكون النتيجة النهائية، أن يستقر في وجدان المتفرج الأمريكي بشكل خاص، والمتفرج الغربي بشكل عام؛ تلك الصورة النمطية التي تنزع عن العربي ملامحه الإنسانية، وتحوله إلى مجرد «كائن» له صفات سلبية شريرة، كما فعلت السينما الأمريكية مع الهنود الحمر.

وبحسب المؤلف، في خلال بحثه الموسوعي القيم، اكتشف أن هوليوود قدمت صورة العرب الأشرار في أكثر من تسعمائة فيلم روائي طويل، ومعظم هؤلاء الأشرار شيوخ وحريم ومصريون وفلسطينيون، وكلها شخصيات كريهة، أما الباقون فينتمون إلى بلدان عربية أخرى مثل الجزائر والأردن ولبنان وتونس وليبيا والمغرب وسوريا واليمن، وهؤلاء في العادة يشكّلون نماذج مشوهة، لا يحتمل بأي حال من الأحوال أن يوجد بينها صور لعرب عاديين يعيشون حياة طبيعية.

الجزيرة السعودية في

08.02.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)