كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ماريون كوتيار: أخيراً نضجت!

باريس – نبيل مسعد

 

ماريون كوتيار (39 سنة) من ألمع نجمات الجيل السينمائي الصاعد، على المستوى العالمي. وعلى رغم كونها فرنسية أصيلة، فهــي نجحــت في لفت انتباه هوليوود إليها، خصوصاً منذ أن أدت شخصية المغنية الكبيرة الراحلة إيديث بياف في الفيلم الفرنسي «الصبية» الذي جلب لها جائزة «أوسكار» أفضل ممثلة، إضافة إلى جــوائز أخرى عالمية مرموقة جعلتها في ما بعد تساهم في أعمال أميركية مميزة تحت إدارة أشهر المخرجين، وإلى جوار ألمع النجوم، مثل جوني ديب وراسل كرو وكريستيان بيل.

وقد نزل حديثاً إلى الصالات، بعد المشاركة في أكبر المهرجانات السينمائية طوال عام 2013، كل من فيلمي «أربطة الدم» الذي أخرجه زوج ماريون كوتيار غيوم كانيه، ثم «المهاجرة» من إخراج الأميركي جيمس غراي، مع العلم أن كوتيار تتولى البطولة النسائية المطلقة في هذين العملين السينمائيين القويين. «الحياة» التقتها في باريس وحاورتها.

·        حدثينا عن فيلميك الحديثين «أربطة الدم» و«المهاجرة» اللذيـــن لقـــيا أصــــداء إيجابــية، سواء مـــن النقاد أم من الجمهور.

- أود أن أسلط الضوء أولاً على كوني محظوظة جداً في الفترة الراهنة، وما أعيشه هو حلم كل ممثلة، وأقصد الترويج في آن واحد لفيلمين كبيرين ممتازين من بطولتي ومن إخراج سينمائيين من طراز غيوم كانيه وجيمس غراي.

يروي «المهاجرة» حكاية شابة بولندية في مطلع القرن العشرين، تغادر بلدها من أجل حياة أفضل في أميركا، لكنها تقع لدى وصولها إلى «الجنة» المزعومة بين أيدي عصابة يترأسها شاب يدعي أنه يحبها ويضغط عليها من أجل أن تمارس بيع الهوى حتى تكسب ما قد يسمح له بتوفير العلاج لشقيقتها الصغرى المريضة والتي جاءت معها إلى الولايات المتحدة.

الفيلم درامي، بطبيعة الحال، وهو سمح لي بتقمص شخصية صعبة تعاني من الفقر والمذلة وتضحي بكل شيء في سبيل أختها غير أنها تقع في فخ رجل يعدها بالزواج وبحياة سعيدة بينما لا يفكر في الحقيقة سوى في استغلالها كمورد رزق بالنسبة إليه وذلك بفضل جاذبيتها الفذة. وقد سعدت بالعمل تحت إدارة المخرج جيمس غراي، خصوصاً أنني أساساً من أشد المعجبات بأفلامه، وأعتبر المسألة بمثابة حلم تحقق.

وعن «أربطة الدم» فقد أخرجه زوجي ووالد طفلي، غيوم كانيه، وهو كان يعمل للمرة الأولى في الولايات المتحدة. والفيلم مأخوذ عن رواية شهيرة سبق وحولت إلى أعمال سينمائية في أكثر من مرة. والطريف أن غيوم كان قد مثّل في الفيلم الفرنسي المقتبس عن الرواية نفسها قبل حوالى ثماني سنوات، وأنه منذ ذلك الحين راح يحلم بتحويل السيناريو ذاته إلى فيلم أميركي من إخراجه، وقد فعل. وأنا هنا أؤدي دور زوجة رجل يخرج من السجن ويعد بتغيير سلوكه وبكسب لقمته بطريقة شريفة، إلا أن أصدقاء السوء يلاحقونه ويضغطون عليه من أجل أن يعاود الإجرام. ويمكنك أن ترى كيف أن هذا الفيلم أيضاً ينتمي إلى اللون المأسوي.

·        هل وافقت على أداء بطولة هذا الفيلم لأنه من إخراج شريك حياتك؟

- طبعاً وإلا لماذا؟ لا، أنا أمزح بطبيعة الحال، ولو لم يكن النص قد أثار اهتمامي والدور المطروح علي من أقوى ما تسنّى لي تمثيله أمام الكاميرا حتى الآن، لما وافقت، بصرف النظر عن هوية المخرج. لكنني سعيدة إلى أكبر درجة بسبب وقوف زوجي وراء المشروع.

·        كيف كان يتصرف زوجك معك أثناء التصوير، هل كان يصدر الأوامر لك، مثل أي مخرج مع ممثلة ما في فيلمه؟

- نعم، تماماً وكأنني ممثلة عادية في فيلمه، فلم يمكنه التصرف بأي أسلوب مختلف أمام سائر أفراد الفريق الفني والتقني، وجميعهم كانوا يراقبوننا من أجل التأكد من أنني لا أحظى بمعاملة أفضل منهم.

·        وهل كنتما تتكلمان في منزلكما عن دورك مثلاً؟

- لا، وكنا نتعمد تفادي الدخول في تفاصيل الفيلم خارج أوقات التصوير حتى نستطيع التمتع بحياة عادية كأي زوجين في المساء بعد العودة من العمل. والطريف أننا كنا نصوّر الفيلم في نيويورك، ولم نكن بالتالي نقيم في بيتنا بل في فندق.

·        أنت الفنانة الفرنسية الثالثة في التاريخ الفائزة بجائزة «أوسكار» الأميركية كأفضل ممثلة، علماً أن سيمون سينيوريه حصلت على الجائزة نفسها قبل حوالى نصف قرن وعن دور ناطق بالإنكليزية، بينما كان فيلمك أنت وهو «الصبية» فرنسياً بحتاً. كيف عشت هذا الحدث الاستثنائي؟

- عشته وكأنه ينتمي إلى الخيال البحت، ولم أصدق أنني بالفعل صعدت فوق خشبة المسرح في لوس أنجليس وتلقيت التمثال الصغير من يد النجم العملاق فوريست ويتاكير. إن الموضوع كان أكثر من مجرد حلم تحقق، ولا أعرف كيف أسميه. لقد دخلت في تلك اللحظة دنيا الكبار في الفن السابع.

·        هل تغيرت تصرفاتك في ما بعد تجاه أهل المهنة السينمائية؟

- نعم ولا، لم أتغير كامرأة وكإنسانة، بمعنى أنني لم أتحول فجأة إلى صاحبة نزوات غريبة كما يحدث للنجمات في بعض الأحيان. لكنني على صعيد آخر اضطررت فعلاً إلى تغيير سلوكي والتزام تصرف مسؤول وجدّي في علاقتي مع سينمائيي هوليوود، فلم يكن أمامي أي خيار آخر من أجل الاستمرار في المهنة. وإضافة إلى ذلك فأنا في الحقيقة كبرت ونضجت وصرت أعير عملي جدية من نوع جديد ومختلف، من دون أن يعني الأمر أنني لم أكن في السابق جادة في شؤوني المهنية، لكنني كنت مثل المراهقة وفجأة صرت امرأة ناضجة وبالغة.

·        أنت غنيت ورقصت في فيلم «تسعة» الاستعراضي، فهل تمارسين هذين النشاطين منذ شبابك الأول؟

- لا، لقد تدربت على الغناء والرقص من أجل هذا الفيلم بالتحديد وحتى أكون على مستوى كل من نيكول كيدمان وبنيلوبي كروز من الناحية الاستعراضية، بما أنني شاركتهما البطولة. وقد تلقيت عرض المشاركة في «تسعة» من السينمائي روب مارشال الذي اعتقد أنني في الأساس أجيد الرقص والغناء، فهو معتاد على التعامل مع الفنانات الأميركيات اللاتي يمارسن الاستعراض منذ بداية حياتهن الفنية. إنها الطريقة الأميركية، ونحن في أوروبا لا نعتمد الأساليب نفسها فالممثلة ممثلة والمغنية مغنية والراقصة راقصة. لم أقل أي شيء في هذا الخصوص ورحت أتعلم وأتدرب ليلاً نهاراً، وتصرفت أثناء التصوير وكأنني محترفة، مثلي مثل غيري.

·        ماذا عن بنيلوبي كروز، فهي أوروبية مثلك بما أنها إسبانية؟

- هذا صحيح، لكنها بدأت تعمل في هوليوود قبلي بسنوات، الأمر الذي يفسر إجادتها الفن الاستعراضي قبل مشاركتها في فيلم «تسعة».

الحياة اللندنية في

07.02.2014

 
 

مجتمع لا تتفتح فيه الزهور

القاهرة - شريف حتاتة 

في مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية المنعقد من 19 إلى 25 كانون الثاني (يناير)، كان ما يلفت النظر منذ لحظة دخول المدينة ذلك التناقض الصارخ بين جمال الطبيعة والعيون الجائعة، والأيدي العاطلة الباحثة عن عمل تقتات منه. وهو تناقض واجه المشاهدين كلما خرجوا من ظلام صالتي العرض إلى السماء الزرقاء، والشمس الدافئة في مدينة تناثرت آثار الحضارة الفرعونية فيها على ضفتي النيل. لكن ربما توارى هذا الإحساس المحزن بالتدريج نتيجة ما أتاحه المهرجان للذين توافدوا عليه من رؤية أفلام من بلاد تتشابه أوضاعها في بعض النواحي بالأوضاع السائدة في بلادنا، أفلام من شأنها أن تؤكد في أذهان المشاهدين بعض حقائق الواقع الذي أصبح الناس يعيشونه في كثير من البلاد. كما أنها للسبب ذاته قد توحي لجيل السينمائيين من الشباب بأن يتناولوا في أفلامهم مظاهر للحياة انتشرت في بلادنا خلال السنين الأخيرة لم يتناولوها حتى الآن وهذا كلما أتيحت لهم الفرصة، على رغم الصعوبات التي من المتوقع أن تكتنف السير في هذا الاتجاه.

في هذا المجال ربما يكون فيلم «عنفوان» وهذا الاسم ترجمة غير سليمة لتعبير –In Bloom - والآتي إلينا من جورجيا مثلاً على هذا القول، وهو فيلم تعاون في إخراجه، وفي كتابة السيناريو له المخرجان الجورجي نانا إكفتيمشفيليس والألماني سيمون جروس. تدور أحداث «العنفوان» في العاصمة تبيليسي عام 1992، أي بعد مضي سنة من خروج جورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي على وضعها كإحدى جمهورياته. في هذه الفترة كانت هذه الدولة مسرحاً لصراعات قومية رجعية متطرفة للغاية، تحولت إلى حروب ضد قوميات أخرى أصغر حجماً، ومنها الحرب التي شنتها على قومية أبخازيا بهدف ضمها إليها، بينما هذه القومية كانت تريد أن تظل مرتبطة بروسيا التي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها ضد تغلغل المصالح الأميركية في الجمهوريات الجنوبية الغنية بالبترول ومنها جورجيا.

الحرب والتطرف

الفيلم الذي ينتمي إلى تيار الواقعية الجديدة يدور في بلد تسيطر فيه أوضاع الحرب، والتطرف القومي الذي تولدت عنه ميليشيات عسكرية، وانتشار السلاح بحيث وصل إلى كل بيت، بل إلى كل رجل، كما اشتدت النزعات الذكورية العنيفة في مجتمع كانت الذكورية في الأصل تمارس سطوتها على كل أسرة، أو مدرسة، أو مؤسسة وفي كل تفاصيل الحياة اليومية لتصبح المرأة الضحية والفريسة الأولى لعدوان الرجال. وقد نجح الفيلم في تصوير هذا المجتمع الجورجي القاتم العنيف. مع ذلك لم يتعرض لأحداث مرتبطة بالحرب في شكل مباشر، وإنما اكتفى بتصوير الطوابير التي يتقاتل فيها السكان للحصول على رغيف أو اثنين من الخبز، بترديد الإذاعات التي تبث أخباراً، وبيانات عن القتال الدائر في أبخازيا وببعض التعليقات والكلمات التي يتبادلها السكان في بيوتهم أو بانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة. وعلى الأخص بإيراد منظر مؤثر في قسوته لمدرّسة متعجرفة تؤنب تلميذة نحيلة الجسد بائسة الملامح والنظرة تأخرت عن الحضور إلى حصتها بينما توضح لها الفتاة أن إباها كان عائداً في إجازة من الحرب فقامت بتوديعه قبل أن يستقل الشاحنة التي سيعود فيها إلى الجبهة. يضاف إلى هذه الشواهد أن الفيلم اعتمد في تصويره على اللون القريب من الأسود، على مناظر طبيعية جميلة لكنها محاطة بالظلال والغيوم، على انتشار المباني الكالحة المتهالكة، على طلاء ومصيص للجدران سقطت منه أجزاء، وعلى جو للشتاء ينهمر فيه المطر من السحب الكثيفة الرمادية اللون.

اعـــتــــمـد المـــخـــــرج نـــــانـــا إكفتيمشفيليس في السيناريو على ذكريات من الطفولة التي قضاها في تبيليسي ظلت عالقة في ذاكرته، ففي حوار جرى معه قال إنه عاش تفاصيلها من جديد أثناء كتابته السيناريو ساعده في تجسيدها المصور أوليغ موتو، وهو مصور مشهور اكتسب مهارته في عدد من الأفلام الرومانية والبلقانية السابقة على هذا الفيلم. وكانت لافتة لقطاته الواسعة النطاق، وقدرته على التصوير الدقيق للتفاصيل، وتحريكه البطيء والمتأني للكاميرا كلما أراد المخرج أن يجتذب انتباه المشاهد واستغراقه في ما يدور، أو على تدعيم التوتر الخفي والمستمر الذي ساد طوال الفيلم من طريق القفزات السريعة. كانت هذه اللقطات كلها عنصراً أساسياً في تجسيد الجو الذي أراد المخرجان أن يسيطر على القصة التي كتباها، وعلى إخراجهما الثنائي للفيلم.

لكن كل هذا لم يكن ليؤدي إلى النجاح الفني الذي حققه فيلم بدأ به الجورجي نانا إكفتيمشفيليس مشواره في الإخراج لولا قصة السيناريو وتفاصيله التي حملت عبء تمثيلها بإتقان ملفت للنظر، شابتان من الهواة هما ليكا بابلواني ومريامبوكيريا قامتا بالتمثيل لأول مرة في حياتهما. إنها قصة عن فتاتين مراهقتين سن كل منهما لم تتعدَّ أربعة عشر عاماً تعيشان في ظل مجتمع مدينة تبيليسي الذكوري القاسي، متعرضتين لكل صنوف العنف الجسدي والمعنوي في الأسرة، والمدرسة، في الشارع، وفي أي مكان تذهبان إليه. هذا ما عدا أثناء الساعات التي تهربان فيها إلى الطبيعة لتقضيا فيها بعض الوقت بعيداً من القهر اليومي لحياتهما. فتاتان مراهقتان تعيشان سجن المجتمع في مرحلة تتفتحان فيها كالزهرتين على الحياة، وعلى الحب وتصارعان للخروج من سجن ولدتا ونشأتا فيه. فتاتان صديقتان جمعتهما المدرسة فتوثقت الصداقة بينهما كما هي الحال في هذه السن، ولأنهما واجهتا المصاعب نفسها أصبحتا في حاجة إلى المساندة المتبادلة، إلى العواطف التي تساعدهما على الاحتمال، والتحرر من سجنهما. فتاتان متقاربتان في السن، وفي العلاقة التي تربط بينها، ولكنهما مختلفتان في الشخصية والطباع، ما سيقود كلاً منهما إلى قرارات، وإلى مصير مختلف في مرحلة الانتقال والتحول من المراهقة عبّر عنها المصور في لقطات متعددة للطوابير والكباري، والشرفات ومناظر أخرى تدل على أنهما تعيشان مرحلة في الحياة، ستحملهما إلى مرحلة أخرى.

نضج قبل الأوان

الأولى تدعى إيكا، قصيرة القامة، قليلة الكلام نظرة عينيها متحدية وعنادها لا يهتز عندما تواجه مواقف لا ترضى عنها، فتاة لا تلين ولا ترضى بالإخفاء أو المراوغة، على رغم صغر سنها، نضجت قبل الأوان ربما نتيجة ظروفها، لكنها حساسة تتعاطف على من تجرحه الحياة. قامت بدورها هاوية اسمها ليكا بابلواني تختطف الانتباه بتمثيلها شخصية إيكا التي تعيش مع أمها وشقيقة أكبر منها تتسلى بتدخين سيجارة واحدة تقتسمها مع صديقاتها وهن يستمعن إلى لحن تعزفه إحداهن على البيانو، لحن جميل وحزين تقول كلماته إن الحياة صعبة ليس فيها لحظات للفرح. والد إيكا في السجن لارتكابه جريمة قتل، والفتاة تعرف هذه الحقيقة وعندما تقترح عليها أمها أن تصطحبها في إحدى زياراتها له، ترفض أن تستجيب لطلبها. الفتاة الثانية تدعى ناتيا قوامها طويل وممشوق تتميز بالرشاقة والجمال، عاطفية، مندفعة، تلقائية ومن أسرة ليست فقيرة لكن أباها رجل سكير يتشاحن ويتضارب مع زوجته أم ناتيا، على رغم وجود الجدة معهم في البيت. ناتيا واقعة في غرام شاب وسيم يدعى لادو يهديها مسدساً قبل سفره إلى موسكو للقيام ببعض الأعمال حتى تدافع به عن نفسها، لكنها بدلاً من أن تحتفظ به تعطيه لإيكا حتى تخفيه عندها. في الوقت نفسه يوجد شاب يدعى كوته يطارد ناتيا ويعرض عليها الزواج فتصر على رفضه. يلجأ إلى اختطافها بمساعدة عدد من أصدقائه لتصبح مرغمة على الزواج به ففي المجتمع الجورجي من المقبول أن يختطف الرجل الفتاة التي يريد أن يتزوجها لتصبح مرغمة على قبوله كزوج وفق التقاليد. في حفل الزواج ترتدي ناتيا الثوب الأبيض للعرس وتحضر إيكا حفل الزواج ثم تقوم برقصة جميلة وطويلة تبدو حركاتها فيها خشبية، رافضة متحدية تبعث على الحزن وليس على الفرحة والاحتفال.

طعنة سكين

لادو الشاب الوسيم ذو الابتسامة المشرقة يعود من موسكو فيلمح ناتيا وهي سائرة في الشارع وهو جالس في حديقة واسعة خضراء مع عدد من الشباب يعزفون ويغنون سوياً. يرمقه كوته زوج ناتيا وهو ينظر إليها وهي سائرة أمام لادو فيطارده مع مجموعة من الشباب ويقتله بطعنة سكين في بطنه. تصاب ناتيا بحالة من الحزن والغضب وتتفاقم كراهيتها الشديدة للزوج الذي فرض عليها وقتل حبيبها، فتذهب إلى منزل أيكا متوسلة إليها حتى تعيد إليها المسدس. أيكا ترفض توسلاتها الباكية المستمرة لكنها إزاء محاولات ناتيا المستمرة وإصرارها على استرداد المسدس الذي هو ملكها تقوم أيكا بإعادته إليها قائلة: «خذيه... خذيه. ما الذي ستفعلينه به سوى قتل رجل آخر» فتهدأ ناتيا وتجلس على مقعد وقد بدا عليها الحزن، والاستسلام لمصيرها.

في اليوم التالي نشهد إيكا وهي تدخل من البوابة الحديد الكبيرة للسجن. تجلس مع الزائرات اللائي جئن لزيارة ذويهن. ينادي أحد الحراس على اسمها وعندما تقف أمامه يسألها عن سنها. تقول أربعة عشر عاماً فيخطو متجهاً إلى الداخل ونرى ظهر إيكا السائرة وراءه... بحركة بطيئة كالموت والأسى...

فلا يوجد مكان للزهور الواعدة، والمشرقة، والجميلة في مجتمع تسيطر فيه أنظمة القهر الطبقي، والقومي، والذكوري، والديني القبيحة.

الحياة اللندنية في

07.02.2014

 
 

«كل شيء ضاع» ... ولكن لا تستسلم

بيروت - محمد غندور 

يستيقظ الرجل في عرض المحيط أمام خيارين: الموت أو الصراع من أجل البقاء، فهو على متن قارب مثقوب تسرّبت المياه إليه سريعاً وبات على وشك الغرق، وتعطل جهاز الإرسال والبث، واقتربت عاصفة هوجاء، وضاعت وجهته. في نظرة سريعة إلى الأمور، تبدو فرص النجاة ضئيلة، لكن الرجل الخبير في شؤون البحر وأسراره، مصرٌّ على تحدي الطبيعة.

الرجل بلا اسم. هويّته لا تعني المشاهد، بل أفعاله وأفكاره. يُسارع إلى ابتكار حلّ يؤجل به غرق المركب، ويُلهي نفسه في الابتعاد عن فكرة الموت، غرقاً أو انتحاراً أو من الجوع. في فيلم «كل شيء ضاع» للمخرج الأميركي الشاب ج. سي. شاندور (1974)، نعيش بواقعية حالة قد يتعرض لها أي بحار من دون فانتازما أو مؤثرات بصرية أو اعتماد على بطل خارق.

الممثل الوحيد في العمل، وهو السبعيني الأميركي روبرت ردفورد، أعطى كل ما لديه من أحاسيس وحزن وألم ووجع وجوع وعطش وخوف وتأمل وانتظار وتحدٍّ، وعبّر بملامح وجهه القاسية عن ضياعه في مشاهد واقعية وحركات عفوية مقنعة، ابتعد فيها عن الابتذال أو التصنع.

عاش ردفورد دور البحار الذي لم يستسلم وبقي يبتكر طرقاً للنجاة إلى أقصى درجة، وبدا خبيراً في ذلك، هو الذي يحب البحر ويعرف كثيراً من أسراره..

في ساعة و44 دقيقة يقف الممثل، الذي نال «أوسكار أفضل مخرج» عن أول أفلامه وراء الكاميرا «أناس عاديون» عام 1981، وأوسكاراً شرفياً عام 2002، وحيداً في العمل، يؤدي دوره بصمت بلا استعادة للذكريات أو تخيل ما لا يمكن تخيله في ظروف مماثلة. يعتبر العمل من الأفلام الروائية الطويلة، القليلة جداً، وربما النادرة التي يعتمد فيها المخرج على ممثل فقط، ومن دون حوارات، إذ اقتصرت الكلمات القليلة على صوت الراوي الذي يعرّف المشاهد ماذا حصل قبل بداية الفيلم.

تبدأ أحداث قصة فيلم «ضاع كل شيء» في المحيط الهندي، حيث يتحدث بطل الفيلم بلسان الراوي قائلاً «ضاع كل شيء». وتعود أحداث القصة بعد ذلك، باستخدام أسلوب العرض الاستعادي، ثمانية أيام إلى الوراء، إذ يستيقظ البحار ليرى المياه تغمر قاربه بعدما اصطدم بسفينة حاويات جانحة، ويكتشف أيضاً أن أجهزة الملاحة والراديو قد تعطلت عن العمل، فيسعى إلى البقاء حياً على رغم كل المخاطر والصعوبات المحيطة به، رافضاً الاستسلام.

يتعرض القارب لعاصفة عنيفة تؤدي إلى انقلابه وتدميره، إلا أن الملاح ينجو في زورق صغير بعد أن ينقذ ما يمكن إنقاذه للبقاء على قيد الحياة. ويرى أن أمله الوحيد في البقاء هو استخدام تيارات المحيط للوصول إلى ممرات الإبحار المألوفة للسفن، من خلال رحلة محفوفة بالمخاطر وسط أسماك القرش المفترسة. ولدى وصوله إلى ممرات الإبحار تمر سفينتان من بعيد من دون أن يلمحه أحد فيهما. وفي مساء اليوم الثامن يرى نوراً صادراً عن إحدى السفن، فيشعل ناراً كإشارة للفت انتباه السفينة، إلا أن النار تلتهم زورقه ويسقط في الماء، ولكنه قبل أن يغرق يرى قارباً قادماً من السفينة يقترب من النار الملتهبة في زورقه فيسبح في اتجاه الزورق.

بعد فيلم «نداء الهامش» (2011)، يقدّم المخرج الشاب في ثاني أعماله الإخراجية، قصة بسيطة لكنها مثيرة وشيقة، بأسلوب سلس ومن دون عرض عضلات في القدرات الإخراجية، لإلمامه بأسرار البحر وخفاياه، خصوصاً انه بحار ماهر، ما ساعده على حبك قصة درامية وكتابة سيناريو مقنع وواقعي، مع عرض تفاصيل دقيقة للحالات التي تعرض لها المركب والبحار.

وما يسجَّل للمخرج تقديمه شخصية عادية لكنها قوية وعنيدة ولا تستسلم، من دون اللجوء إلى بطل خارق ذو قدرات عجائبية، أو الاعتماد على تصوير مشاهد أسطورية، كتحدي سمكة القرش مثلاً والتغلب عليها.

وإضافة إلى براعة التصوير والتشويق في طريقة الإخراج، والموسيقى الجميلة التي رافقت العمل، ساعد أداء ردفورد (76 سنة) في رفع مستوى الفيلم، من خلال مهاراته الشخصية وواقعية التعبير وعدم استعانته ببدلاء له لتسلق السارية أو السباحة أو القفز، بل بدا كأنه يتحدى نفسه في هذا العمل، خصوصاً في دور يتطلب إمكانات جسدية هائلة وقدرةَ تحمُّل كبيرة.

وما يُحسب للمخرج الشاب، على رغم إيقاع الفيلم البطيء أحياناً، قدرته على جذب المشاهد طوال فترة الفيلم، وعدم إشعاره بالتكرار أو الروتين، والتعويض عن الحوارات بمشاهد تصور تفاصيل العواصف والأمواج وتبدل الطقس والحالات المتقلبة التي عاشها الممثل.

ويلاحظ خلال السنتين الماضيتين، تقديم أفلام تعتمد كثيراً على ممثلين أو ثلاثة، مع التقليل من الحوارات لمصلحة المتعة البصرية، كـ «حياة باي» لآنج لي، و «غرافيتي» لألفونسو كوارون، إلا أن هذين العملين اعتمدا كثيراً على المؤثرات الخاصة والفانتازما، وتقديم مشاهد بعيدة من الواقعية وأقرب إلى الخيال، والغرق في دوامة الذاكرة والاعترافات واجترار الماضي. في حين عرف ج. سي. شاندور كيف يُوظّف واقعيته في تحفة سينمائية شيقة.

الحياة اللندنية في

07.02.2014

 
 

ممنوع اللمس إلا في مشاهد العنف!

باريس - ندى الأزهري 

كان عليه أن يشدّها ليمنع عنها خطراً ما، وكانت تودّ لو تصفعه بعد أن رماها خارجاً، كان يرغب بالارتماء في أحضان أمه بعد عودته من الجبهة، وكانت تريد لمس ابنها الشهيد للمرة الأخيرة... لكن، ممنوع! فهذه مشاهد غير ممكنة في السينما الإيرانية.

عليه الاكتفاء حين الخطر بجذبها من حقيبتها أو ملابسها الواسعة لإبعادها، وعليها شحن نظراتها نحوه بكل ما تستطيعه من كراهية، المصافحة غير مسموح بها بين الأم وولدها، فكيف بالعناق؟...على الجميع الاكتفاء بما هو متعارف عليه في السينما الإيرانية، والكل يدركه من دون أن تكون ثمة قوانين تحدّده. اللمس ممنوع، لمس الجنسين أحدهما للآخر. مثلاً حين تقول ممرضة لمريض «يدك باردة»، تكتفي العدسة بالتركيز على وجهها من دون يديها وهي تتلفظ بهذه الحقيقة (غير الملموسة!). والممنوع لا يقتصر بالطبع على كل ما يتعلق باللمس فقط، بل ينسحب على أمور أخرى يصعب حصرها... منها أن تحتفظ المرأة بالحجاب أثناء نومها وأيضاً حين تكون في البيت حتى بوجود زوجها فقط، وأن يظهر رجال الشرطة مهذبين دائماً ومتعاونين مع المواطنين، وأن يتبع كل تصرف مشين يقوم به المرء تدخل الشرطة لإصلاح الوضع. ويضيف أحد المخرجين على قائمة المحظورات اطلاق «الأسماء العربية ذات الهالة الدينية على شخصيات تتسم بالسوء»...

غير أن كل هذه المحاذير لم تقف عائقاً أمام تطور السينما الإيرانية، بل يمكن القول إنها كانت وباستمرار، حافزاً لشحن ذهن السينمائيين لإيجاد أفضل السبل لتجاوزها والتغلب عليها، حتى بات التحايل عليها علامة فارقة ومميزة لهذه للسينما. فحين لا يمكن قول أو إظهار المحظور، يُلجأ إلى الرمز وإلى التعبير بوسائل أكثر رهافة. إن الحجاب الذي يرى فيه كثيرون عقبة أمام حرية حركة المرأة في السينما، كان «أساساً للإبداع عند تقديم علاقات الحب، وللشاعرية التي تتبدى في تعابير المرأة عندما تحركها المشاعر»، كما يعبر ناقد إيراني.

تحت الحجاب

أثارت تلك الممنوعات «المتفق عليها» اهتمام مخرج إيراني فتناولها في فيلم وثائقي زاوج فيه بين مشاهد من الأكثر طرافة وعبثية في السينما الإيرانية وبين آراء اثني عشر من كبار المخرجين الإيرانيين حول الرقابة. في «سينما الاستياء»، الذي عرض في تظاهرة باريسية عنوانها «الشرق الاوسط: ما تستطيعه السينما»، أظهر جمشيد أكرمي الجهود الشجاعة للسينمائيين الإيرانيين الذين يعملون في ظل ظروف صعبة وأخطار قادت بعضهم الى الحبس أو النفي (الاختياري) أو المنع.

قسّم أكرمي السيناريو إلى فقرات، وتناولت كل فقرة أحد الممنوعات في السينما الإيرانية. وفي عرض اعتمد العمق في الطرح والخفة والطرافة في الأسلوب، قدّم مقاطع من أفلام تبين لا معقولية الحدث، لاجئاً أحياناً إلى السخرية عبر الصور المتحركة للتعبير عن مشاهد ممنوعة في السينما الإيرانية، فيما طرح المخرجون الذين التقاهم كلاً على حدة الصعوبات التي يواجهونها، أو تلك التي واجهوها يوماً حين كانوا في البلد، وعبّر كل منهم عن أسلوبه الخاص في التعاطي مع متطلبات الرقابة، وحول الوضع السينمائي بعامة. أثار بعض المخرجين علاقة المسؤولين مع السينما، فهؤلاء يريدون سينما ويقولون «حققوا أفلاماً»، ولكن حين يطرح السؤال عن ماهيتها «فلا جواب». فيما اعتبر البعض الآخر أن السينما المطلوبة هي تلك القائمة على «فكر موحّد» أو المستخدمة للدعاية للنظام، بينما الفن «لا علاقة له بالبروباغاندا، وإلا فهو ليس فناً».

وكان لا بد لـ «الحجاب» من أن يأخذ الحيز الأكبر، فعرضت مشاهد من أفلام تبين عبثية بعض المواقف بسببه. فها هما زوجان محبّان يعودان من الخارج الممطر، هو ينشف شعره فوراً، أما هي فليس أمامها سوى وجهها لتجففه! واختار أكرمي مشهداً ذكياً لجأ إليه مخرج للتغلب على موقف كهذا... فبدت الممثلة وهي تجفف شعرها من تحت الحجاب!

أما التعبير عن المشاعر فليس أفضل حالاً. فالإبن الذي يعود من الحرب لا يجوز تقبيله، والبنت التي تتزوج لا يجوز لوالدها ضمها، وبعد العرس لا أحد يقبّل العروس حتى والدها! هنا يبدي المخرج مشهداً من فيلم لأب تقف ابنته العروس على مسافة منه، وبدلاً من أخذها بين ذراعيه يذهب بعيداً في خياله إلى طفولة العروس حين كان يضمّها! تقول المخرجة رخشان بني اعتماد في فيلم أكرمي إنها رغبت في «جيلانة» بالحديث عن معاناة الآلاف من أسر الجنود الذين لم يعودوا. لكن كيف التعبير عن عودة ابن من الحرب وأمه لا تستطيع حتى لمس يده؟! تنعى هذه المخرجة المميزة «كل هذه الأفلام التي لم نحققها»! فيما اعتبر زميلها اصغر فرهادي أن «أفضل الأفلام تلك التي لم نحققها بعد».

تحايل أم تخلٍ؟

كيف يتغلب إذاً المخرجون على هذه الممنوعات التي تعتبر تحدياً حقيقياً لهم؟ فيما قال البعض في الفيلم إنه يفضل تفادي المشهد «الممنوع» برمّته، اعترف البعض الآخر بلجوئه الى التحايل. كانت هنا إحدى نقاط قوة الفيلم، فكان كل مخرج يشرح الأسلوب الذي اتبعه في مشهد معين... على سبيل المثال في فيلم «انفصال» لفرهادي، كان على والد الزوج منع كنّته من ترك المنزل، ونظراً الى شلله، كان عليه أن يشدّها من ذراعها. حلّ فرهادي الإشكال بأن جعل يد العجوز ترتجف وهو يشدّها. هنا، لا مجال لأدنى إيحاء جنسي كما قال! فرهادي يحاول ان ينسى حجاب المرأة، وهو في فيلمه «عن إيلي» تمكّن من تغيير آراء حراس الأخلاق وإقناعهم بضرورة لمس المرأة في بعض مشاهد الضرب والخلاف بين الزوجين. ويبدو أنه في مشاهد العنف مسموح باللمس أحياناً! واستخدم فرهادي الوشاح لتشدّ منه، ووضع صناديق بين الزوجين المتعاركين ليبرر عدم تلامسهما في بعض المشاهد! أما جعفر بناهي فأشار إلى انه يتجنب مشاهد المرأة في البيت بسبب الحجاب. فيما لم يعبأ بهمن قبادي أحياناً بذلك، فأظهر بطلته الصغيرة بلا حجاب.

تابع المخرجون شروحاتهم مع مشاهد أخرى. ثمة إمرأة علقت في مصعد والمنقذ لا يستطيع شدّها من ذراعها! لفّق مخرج هذا الفيلم وضعاً تبدو فيه الحاجة ماسة إلى وجود خرقة مع المنقذ وهكذا يلف ذراعه بها كي تتعلق بها المرأة! واعترف بعض المخرجين بلجوئهم ايضاً الى الخدع، فقال مخرج إنه يحشو السيناريو وبوضوح بكل الأشياء «الفظيعة» في نظر الرقابة كي تتلهى بها عما يريد إبرازه حقاً!

ويتابع الفيلم مبدياً كل هذه المواقف الطريفة والذكية ليتناول مشكلة منع غناء إمرأة بمفردها، أو الرقص، وبيّن كيف احتال بناهي على مشهد لراقصين شبان في احتفال بتصويره نافذة تطل على الشارع تغطيها ستائر مختارة بعناية بحيث تظهر خيالات ما يجري خلفها، وهكذا تبدو ظلال لأشخاص تتمايل من بعيد. ولا تسلم أفلام الرسوم المتحركة من الرقابة. إنها لعبة الفأر والمصيدة في نظر السينمائيين، ولكن بعضهم ملّ هذه اللعبة فترك البلد مثل قبادي وباباك خرمي وبهمان فرمنارا، فيما يصر آخرون على البقاء مثل بناهي وفرهادي. اتُّهم بناهي برسم الحقيقة على نحو شديد القتامة، لكنهم كما يقول في «سينما الاستياء» «يقدرون مايكل مور وواقعيته وأفلامه ولكن نحن ليس لدينا الحق بفعل ذلك! ويدعم أقواله المخرج المهاجر بايامي باباك فيؤكد أن «الأفلام ليست قاتمة وليست سوداوية بما فيه الكفاية!».

يجسد شريط «سينما الاستياء» واقع الرقابة على السينما الإيرانية في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص. واليوم وبعد عام ونصف العام من المعارك مع بعض رموز السلطة السابقة لوزارة الثقافة، ثمة تغيرات تبدو في الأفق في العلاقة بين السينمائيين والسلطة. فقد أعيد افتتاح «دار السينما» التي هي بمثابة نقابة السينمائيين في طهران. ويعلق السينمائيون الإيرانيون آمالاً كبيرة على الرئاسة الجديدة، وعلى التخفيف من القيود على أعمالهم. وفي موقف يعكس انتعاش آمالهم، قبل كثيرون منهم، وهذا بعد مقاطعة سابقة، المشاركة في مهرجان فجر السينمائي الذي افتتح في الأول من شباط (فبراير) في طهران.

الحياة اللندنية في

07.02.2014

 
 

عندما يحمل الممثل الفيلم فوق كتفيه

أمل الجمل 

في أقــــل من خمسة أشهر حصد «هم الكـــلاب» أكثر مـــــن نصـــف دزينة مـــن الجــــوائز التي تقاسمها الفيلــم ومــــمثله الرئيسي حـــن باديدة. «هم الكلاب» هــو الفيلم الجــــديد للمخرج المغربي هشام العسري والذي اعتبـــره كُـــثر أحد الأفلام الثورية الجديدة. فما السر وراء ذلك الاحتفاء النقدي، ولماذا اعتبر الفيلم ثورياً؟

يتخذ العسري من ثورات الربيع العربي في مصر وتونس، وأيضاً ما صاحب هذا الربيع من احتجاجات وتظاهرات في الدار البيضاء خلفية سياسية لشريطه الفيلمي، وذلك من خلال مذيع تلفزيوني يصور تحقيقاً لمحطته الحكومية، فيجري بعض اللقاءات السريعة مع عدد من الأفراد القريبين من محيط التظاهرة، إلى أن يستوقفه رجل ستيني رث الثياب يحمل في يده باقة من الزهور.

عندما يطلب منه المذيع أن يتكلم يخبره بأنه خرج لشراء الورد في العام 1981 ليصالح زوجته ويشتري هديه لابنه فقبضوا عليه وبقي في المعتقل طوال ثلاثين سنة لا يذكر شيئاً عنها، أو هو لا يريد أن يتذكرها. غير ان الرجل لا يفُصح عن اسمه، فقط يردد أنهم كانوا ينادونه برقم 404.

لم يكن 404 ناشطاً سياسياً، ولا متظاهراً أو محتجاً، ولم يكن له في هذه الاحتجاجات ناقة ولا بعير رغم أنه كان مواطناً عادياً فقيراً مهمشاً مطحوناً. كل ما في الأمر أن حظه العسر قاده للتواجد في الجوار عندما وقعت تلك التظاهرات الحاشدة في الدار البيضاء احتجاجاً على غلاء أسعار السلع العام 1981 وقمعتها الدولة فقتل أثناءها الكثيرون واختفى المئات الذين لم يعودوا أبداً. 404 واحد من هؤلاء الذين عاشوا القمع وعاني الظلم والقهر، إذا تم القبض عليه في التظاهرة الاحتجاجية وخرج للنور من معتقله أثناء تظاهرة احتجاجية أخرى، لكن أياً منهما لم تشغل باله أو تؤرقه. كل ما يهمه الآن البحث عن زوجته وأبنائه الأربعة. بحسه الصحافي يُدرك المذيع – الذي لا يخلو من انتهازية إعلامية - أنه أمام قصة إعلامية جذابة إنسانياً، فيظل يطارد الرجل ويرجوه أن يسمح لهم بتصويره على وعد أن يساعده في العثور على عائلته، ومن ثم يصطحبه بحثاً عن بيته القديم، مروراً بأصحابه واحداً تلو الآخر، ثم عشيقته، ثم قبر والديه، قبل أن ينجح أخيراً في أن يلتقي بعائلته فيجد زوجته قد استخرجت له شهادة وفاة وتزوجت من آخر، وينكره ابنه بقسوة: «أنت لست أبي. لماذا عدت؟ أمي تعذّبت معك ومن دونك. مكانك ليس هنا. مكانك القبر».

بين الشكل والمضمون

رغم ما سبق لا يعتبر المضمون وحده هو المسئول عن ثورية الفيلم، وإنما الشكل، أيضاً، فهو من لعب الدور الأكثر حسماً في ذلك، ذلك ان المتلقي طوال رحلة البحث عن العائلة المفقودة يُعايش لحظات صناعة ريبورتاج وثائقي داخل فيلم سينمائي روائي. فما يراه على الشاشة تم تصوير أغلبه بعدسة الكاميرا التليفزيونية لمقدم البرنامج. وما يراه أيضاً ليس النتيجة النهائية للريبورتاج أو لقطات منه، ولكنها معايشة واقعية لمرحلة تصوير ريبورتاج تليفزيوني بكافة كواليسه ومشاكله وتفاصيله قبل أن يصل الى مرحلة المونتاج. لذلك جاءت حركة الكاميرا مهتزة متعثرة متخبطة – عمداً - في كثير من الأوقات، لأن كثيراً من اللقطات إما مسروقة بسبب منع التصوير، أو مختلسة، أو تم تصويرها تعبيراً عن الاستعداد للتصوير، أو عندما تعرضت الكاميرا للسرقة في لحظة ما وكانت لا تزال تصور فسجلت عملية الهروب وملاحقة اللصوص وهو ما يفسر الصورة المعكوسة أو المقلوبة وفق وضعية الكاميرا. ولذلك أيضاً تنوعت حركة الكاميرا وسرعتها وفق الحالة الدرامية للشخصيات لكنها كانت بطيئة وثابتة في مرات تكاد تكون نادرة، وجاء الـ«Focus» - التركيز البؤري لها - غير منضبط أحياناً أو ضبابياً تماماً في أحيان أخرى ليُوحي بالوثائقية وبالمفاجئة.

تحطيم الخط الفاصل

قد يكون الفيلم مزعجاً بصرياً للعين نتيجة الحركة شبه المستمرة للكاميرا، المتوترة والمفاجئة، والتي تصاحبها اهتزازات قوية أحياناً، لكن المؤكد أن هذه التكئة الدرامية، وتحطيم الخط الفاصل بين الوثائقي والروائي، أتاح لهشام العسري أن يجوب المدينة وشوارعها وأرصفتها، أن يتنقل بحرية كبيرة بين أجواء وجغرافية الدار البيضاء، بين كثير من شرائحها الاجتماعية خصوصاً في الأزقة والأحياء التي يعتريها التهميش والفقر والبطالة والتطرف والأعمال المنافية للآداب، وتعاطي الممنوعات، وهو ما يشي بتآكل بنية المجتمع، ما يلقي بظلال وتساؤلات على الاحتجاجات المتفجرة في المشهد الافتتاحي.

لعب شريط الصوت في الفيلم دوراً مهماً إذ ساهم في خـــلق حـــال التوتر والترقب وشحذ الانتباه لمعرفة ما يــــدور أحياناً بين الشخوص خصوصاً عندما يتم قطعه أو التشويش عليه مثلماً حدث في الحوار المؤلم بين الابـــن والأب، أو مثلما حدث فـــي مستهل الفيلم عندما بدأ المخـــرج بلقطة تُصـــور فماً مكتظاً يردد هتافات في قوة من دون أن نسمع ما يقوله في دلالة رمزية على ممارسة الرقابة في هذا الريبورتاج التلفزيوني، لذلك أيضاً عندمـــا يتوقف تصويره نسمع الهتافات المطالبة بتغيير الدستور، بتحرير الإعلام والقضاء، وإسقاط النظام.

رغم كل ما سبق، ورغم أهمية الفكرة وثورية تنفيذها، لكن المؤكد أن من حمل الفيلم على كتفيه هو الممثل المسرحي الرائع حسن باديدة، والذي جاء أداؤه شديد الإنسانية والبساطة والعفوية، وكان قادراً على تقمص حالات الشخصية وما اكتنفها من أحاسيس العجز والحيرة والدهشة، من عزلة ووحدانية وخوف، من غضب وثورة أو عدم فهم، حتى في لحظات مرحه وابتسامته الأبوية، أو صدمته من رد فعل ابنه، وتعاطفه الإنساني مع خليلته. ومن المؤكد أنه لولا حسن باديدة لما تحققت رؤية هشام العسري ولما تُوج الفيلم بكل هذا النجاح.

الحياة اللندنية في

07.02.2014

 
 

وردة التناقضات تتفتح في 'فيلا 69' للمخرجة أيتن أمين

العرب/ محب جميل 

الصمت والحوار المتقطع طوال الفيلم يوفران حالة من التساؤل حول ماهية الحياة والحرية والعزلة والعدل.

القاهرة - منذ البداية تبدأ الكاميرا في التقاط التفاصيل والسمات التي تحيط بتلك الشخصية المتشرنقة في حيزها حيث العزلة والانعزال عن العالم الخارجي. حسين مهندس معماري عاد إلى مصر بعد فترة عمل بباريس، ليستقر في النهاية بفيلا رقم 69 التي يمتلكها والده. وبمرور الوقت نكتشف حياته الرتيبة التي يشكل المرض بطلها الأول.

في هذه الفيلا لا شيء سوى الروتين اليومي، العامل الذي يقرر تركه حسين عندما يكتشف حقيقة مرضه، والممرضة التي تأتي بشكل منتظم لتتابع حالته الصحية وتعطيه الأدوية المطلوبة. بمرور الوقت نكتشف أن الممرضة هي إحدى الشخصيات المقهورة أيضا نتيجة تعرضها لعنف وضرب مبرح من أخيها، نتيجة خلافات حول الميراث وقطعة الأرض التي تشكل مفتاحا من أجل زواجها بشاب يعاني ضغوط الحياة.

نظام وصرامة

الحياة في الفيلا شديدة الصرامة والنظام، لا جديد سوى الجرائد اليومية وبعض الإسطوانات الموسيقية لموسيقار الأجيال “محمد عبدالوهاب”. إلى أن تطل على سطح الأحداث شخصية “نادرة” أخت حسين التي تؤديها الفنانة “لبلبة” وابنها “سيف”؛ حيث تطلب منه المكوث عدة أيام ريثما ينتهي العمال من صيانة شقتها. بالرغم من الأوامر والقواعد الصارمة التي يضعها حسين أمام سيف طوال الوقت، إلا أنها تبدأ في التلاشي تدريجيا لوجود بعض العوامل المشتركة بينهما.

حسين الذي يصبح النوم ملاذه الوحيد للأحلام والجلوس مع حبيبة وصديقين ينتمون إلى الماضي. فشخصية حسين الفظ، الصارم، المتشرنق، صاحب المزاج الخاص، والذي يسدد الشتائم إلى كل من حوله، تكشف في العديد من المشاهد عن قلب نضر يميل إلى الحرية والجمال بمفاهيمه الزمكانية.

حسين لا يحب من الشعر سوى “أمل دنقل” والذي يشير إليه في أحد المشاهد بعدما يقرأ جزءا من قصيدة له، ثم “فؤاد حدَّاد” الذي ينصح الشاب سيف بأن يقرأ له. كما أنه لا يحبّ من الغناء سوى “أم كلثوم” و”محمد عبدالوهاب”.

لحظات المرض والضعف التي يمرّ بها حسين تعدّ من أكثر مشاهد الفيلم واقعية وخصوبة، شريط ممتد تلتف حوله الذكريات واللقطات العابرة. وبالرغم من تلك الحياة القاسية التي يعيشها حسين، تنجح شخصية أنثوية في التسلل إلى عالمه، نعرف فيما بعد أنها ابنة أحد أصدقائه، وهو فنان تشكيلي يقيم أحد المعارض الفنية بالخارج.

إلا أن هذه الشخصية بالرغم من التفاوت العمري بينهما، تبدأ في الولوج إلى عالم حسين والتشبث به، وربما تقع في غرامه أيضا. تظن نادرة أن هناك حالة انجذاب من ابنها سيف تجاه سميرة المصورة، فتحاول أن تبعدها عنه وتخرجها من المنزل إلا أن حسين يتصدّى لها ويخبرها أن هذه الفتاة من معدن آخر.

نهاية الستينات

التفاتة شديدة الذكاء ربما في الرقم (69) الذي يشير إلى نهاية عقد الستينات بكل ما فيه من صعوبات ومشاكل والانتقال إلى مرحلة جديدة أراد جيل بأكمله أن تتسم بالحرية والثورة على الثوابت والأفكار المتحجرة. إنها سيمفونية الحياة اليومية للتغلب على القمع والمرض والعزلة عن طريق الاحتفاء بالمفردات الرقيقة التي مازالت خضراء بداخلنا.

الصمت والحوار المتقطع طوال الفيلم يوفران حالة من التساؤل حول ماهية الحياة والحرية والعزلة والعدل الذي يمكن أن يتحقق في أحد الأيام.

طوال الفيلم يظل سؤال وحيد يتردد: كيف ستكون النهاية بعد أن اقتربت نهاية حسين مع اشتداد أعراض المرض عليه؟ بالرغم من خشونة الحياة التي لا يظهر منها في الخارج سوى شخص كبير السن يعمل بالمؤسسة الأمنية ويتعاطى الفيتامينات اليومية، في التفاتة من النصّ حول تجدّد العصا الأمنية وتحوّرها بشكل يميل إلى الترميز والاستنباط. أخيرا بعد هذه العزلة الطويلة يقرر حسين بإرادته الخروج من شرنقته ومواجهة العالم الخارجي بعدما يصطحب معه سيف وآية. في حركة أشبه بخطوات المشي تصل الكاميرا الرائعة إلى “جراج الفيلا”، ويأمر حسين الشاب سيف (18 عاما) بالسيطرة على مقود السيارة مع بعض النصائح والتوجيهات البسيطة حتى يتفادى التخبط وتجريح جسد السيارة.

في النهاية ينجح سيف في سياقة السيارة، حيث يرافق حسين وآية في رحلة تمتدّ من موقع الفيلا إلى كوبري قصر النيل، فميدان التحرير والشوارع الجانبية لمنقطة وسط البلد التي تتشح جدرانها بجرافيتي الثورة والشهداء، إلى أن ينتهي الفيلم وتستمرّ السيارة في رحلتها.

العرب اللندنية في

07.02.2014

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)