كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

السينما المستقلة في مصر:

نهاية المصطلح وبداية التيار

رامي عبد الرازق 

 

"الفيلم المستقل هو فيلم طازج منخفض التكاليف له أسلوبه الفني الخاص وموضوعاته التي لا تهتم بالنجاح الجماهيري بقدر ما تهتم بالتعبير عن الرؤية الخاصة بصانع الفيلم"

ايمانويل ليفي- "سينما المهمشين : صعود الفيلم الامريكي المستقل"

"السينما المستقلة سينما ينتجها الأفراد على حسابهم الخاص او عبر بعض المؤسسات المعنية وهي سينما مصورة بكاميرات الديجيتال ودون هدف الربح للتعبير برؤية شخصية أو رأي خاص عبر تجربة ابداعية حرة تماما ومستقلة لا ينال من حريتها او استقلالها اي عامل خارج التجربةالأبداعية ذاتها...ويكون المخرج الذي يصنع أفلاما مستقلة مسيطرا تقريبا على كافة عناصر عمله الفني كالسيناريو والتصوير و المونتاج فيما يقترب من مفهوم سينما المؤلف...أنها سينما تتعارض في أغلب افلامها مع تقاليد العملية السينمائية السائدة سواء عبر الأفكار المهيمنة او طريقة تقديم هذه الأفكار من خلال الخيارات الجمالية الخاصة او مدة عرض الفيلم وطرق العرض بما يهدم سواء على مستوى الوعي او الاوعي الكثير من ثوابت السينما السائدة"

محمد ممدوح- "ديموقراطية الوسيط"

الاقتباسان السابقان ليسا فقط محاولة لتعريف مصطلح "السينما المستقلة"، صحيح ان كلاهما ينتمي لمرجعين هامين الاول هو  ادق كتاب عن نشأة المصطلح في امريكا من واقع خروجه عن نمط الإنتاج السائد الذي تتحكم فيه الاستديوهات الكبيرة، والثاني اهم دراسة انجزت عن المصطلح في مصر خلال العشر سنوات الأخيرة لناقد ومخرج شاب اخلص في محاولة فتح الباب أمام تأصيل المصطلح وتحليله.

لم يكن "ديموقراطية الوسيط" مجرد بحث قيم اصدرته شركة سمات- احد العلامات الاولى على طريق التيار المستقل خلال العقد الأخير- عام 2007 ولكننا يمكن اعتباره خطا فاصلا بين مرحلتين من مراحل التعامل مع المصطلح وما يمثله لأنه باختصار حاول ان يضع حدا موضعيا للجدل الدائر حول المعنى المباشر للسينما المستقلة– انذاك- واستخلاص كل العناصر الأيجابية من التجارب التي ادعت او انتمت او شكلت ملامح ظهور المصطلح في مصر خلال الخمس عشرة سنة الماضية تقريبا، اي أنه حاول أن يتجاوز شكل المصطلح إلى مضمونه الشامل.

وفي حقيقة الأمر فأن اغلب التيارات السينمائية الجادة التي شكلت مراحل تطور او نمو او احدثت تغييرات جذرية في الفكر والأسلوب والصيغ السينمائية المختلفة في العالم هي التي تجاوزت الجدل حول الشكل إلى المضمون والهدف من ورائه.

ولكن على ضوء الخطوات الواسعة والحركة الانتاجية المتسارعة منذ عام 2009 والتي افرزت العديد من التجارب "المستقلة" التي سريعا ما انضمت تحت مظلة المصطلح وبدأت في تكوين تراكم فيلمي بشكل متلاحق يمكن أن نعيد النظر في عدد من السياقات التي ظن المهتمون على تحليل الظاهرة وتوصيف المصطلح أنها حاسمة او نهائية.

فعلي سبيل المثال نجد أنه حتى تاريخ صدور الكتاب 2007 كانت التجارب التي يطلق عليها مستقلة تنحصر في قوائم من الأفلام الروائية القصيرة وعدد اكبر من الأفلام الوثائقية باستثناء افلام"حبة سكر" لحاتم فريد 1998-16 مم وهو الذي يشار له بأنه اول فيلم روائي مستقل- بالمفهوم الزمني الحديث-يعرض في دار عرض تجارية"رنيسانس"، وفيلم "ايثاكي"اول افلام ابراهيم البطوط 2006 – ديجيتال- والذي اعتبر ارهاصته الأولى التي شكلت بعد ذلك ملامح مشروعه المستقل الذي انطلق بشكل اكثر وضوحا ونضجا وأكتمالا مع فيلم"عين شمس"2008.

ولكن التراكم الفيلمي والمعرفي خلال السنوات الأخيرة جعلنا نعيد النظر في تلك الاستنتاجات على اساس من الانفتاح الوجداني والذهني على التجارب التي خلقت من هذا المصطلح تيارا سينمائيا حقيقيا وليس مجرد ظاهرة سارع البعض بدراستها او نقدها على اعتبار انها إلى زوال.

ملامح

ما بين عام 2001 و2004 اقدم المخرج محمد خان أحد رواد جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية على خوض تجربة "مستقلة"تماما على مستوى الشكل والمضمون مستغلا الخيارات المتاحة عبر مغامرة انتاجية بدت مغايرة وشيقة وجريئة في ذلك الوقت.

لازلنا نذكره في حفل تخرج طلاب دفعة 2001 من معهد السينما-بالمسرح الصغير بالأوبرا- والتي ضمت اسماء كثيرة سوف تغرق بعد سنوات قليلة من هذا التاريخ كل رؤوس مواهبها في مستنقع السينما التجارية مشاركة في دفق الماء فوق مزيد من التراب كي يتكاثف الوحل.

يومها قدم خان تصريحا بدا غريبا وجريئا لكنه بعد اعوام قليلة صار مفهوما وواضحا حين قال )أحب افكر ولادنا المخرجين الجداد أن فيه حاجه اسمها الديجيتال) بالمناسبة كانت الدفعة تضم نادين أبنة خان أحد ابرز وجوه التيار المستقل حاليا بتجربتها المتوهجة "هرج ومرج".

عكست هذه الجملة حجم التطور الروحي والفكري الذي ظل خصبا في دماء هذا الجيل متمثلا في خان، والذي لم يكتف بأطلاق شعار او يفتح صدره لمزايدات نظرية بل قدم بعدها بسنوات قليلة فيلمه "كليفتي"الذي يمكن اعتباره بحق ومع كامل احترامنا لتجارب من سبقوه-من جيل الشباب- أول فيلم مستقل ناضج شكلا ومضمونا.

ولكن ماذا يعني فيلم مستقل في هذا التوقيت تحديدا؟

يعني أن تكون السينما السائدة منذ عام 1997 مع انطلاق موجة افلام الكوميديا بداية من "اسماعيلية رايح جاي"، ثم"صعيدي في الجامعة الأمريكية" 1998، ثم "الناظر" 2000، وصولا إلى مرحلة "اللمبي"2001  التي شكلت ذروة جديدة من ذرى السائد الذي ينحدر بشدة وبلا عقل سعيا وراء سطوة الأيرادات والاجور الفلكية ان تكون هذه السينما هي السينما التي تنتج أو يتم توزيعها من قبل شركات الأنتاج والتوزيع الكبرى التي استطاعت أن تستغل قانون الأستثمار رقم 8 لسنة 97- بمنح اعفاءات ضريبية للشركات التي يتجاوز رأس مالها 10 مليون جنية- لصالح أن تفرض احتكار واضح لطبيعية الأنتاج السينمائي ماديا وفنيا سعيا وراء مصالح تجارية بحتة بغض النظر عن المستوى الفني أو اي أهداف ثقافية خائبة من وجهة نظرهم كالأرتقاء بذائقة الجمهور او المساهمة في الوعي الوجداني أو تقديم تجارب تضع السينما المصرية على قائمة المهرجانات الكبرى استمرار لتاريخها الطويل كأحد اقدم الصناعات السينمائية في العالم.

ان تصنع فيلما مستقلا في ذلك الوقت يعني أن تتخلى تماما عن فكرة وجود نجم بالمفهوم التجاري يمكن أن يستقطب شرائح الجمهور التي اصبحت تذهب إلى السينما فقط كي تشاهده مستغلا ذلك في التهام الجزء الاكبر من ميزانية الفيلم ومن خلال اطار درامي يطلق عليه "فيلم من الجلدة للجلدة" اي بطولته المطلقة تقلا يعني أن تقدم على مغامرة أنتاجية بالتكاليف المتاحة عبر الأنتاج الخاص أو الدفعات المؤجلة أو انتظار البيع للمحطات الفضائية وذلك من خلال الأستغناء عن اكثر العناصر المكلفة في العملية الانتاجية بداية من الخام السينمائي بلوازمه من كاميرات وطاقم تصوير ضخم وتحميض وطبع وخلافه وتلجأ إلى وسيط اقل كلفة وأكثر اتساقا مع حميمية التجربة على مستواها الدرامي والبصري وبذلك تكون قد تجنبت أثنبن من اكثر عناصر السينما التجارية تهديدا للأبداع (النجم والخام).

أن تصنع فيلما مستقلا يعني أن تتخلص من سيطرة المنتج والموزع الذي يريد ان يتدخل في كل تفصيلة تخص المقامات الوجدانية للعملية السينمائية سواء على مستوى الكتابة أو المونتاج أو الأخراج او التصوير، أن تكون التجربة في النهاية اشبه بما كتبه يوما روبير بريسون "أن تجعل الكاميرا ترى الفيلم كما تراه أنت في عقلك".

أن تصنع فيلما مستقلا يعني أن تراهن على شرائح من الجمهور لديها ذائقة مختلفة ترفض السائد وتقاطع ثقافة القطيع فيما يخص المشاهدة، على أمل أن تتسع تلك الشرائح بالتدريج كلما شعرت أن هناك ما تمتلئ به على المستوى الفكري والنفسي كلما ظهرت تجربة مستقلة جديدة على الطريق.

قد تبدو تلك الأجابات شكلانية على مستوى ما لكنها في حقيقة الأمر مصدر مهم من مصادر اتساق الشكل المستقل مع المضمون، ولننظر إلى التجارب التي انجزت خلال العشر سنوات الماضية كي ندرك مغزى هذه الملامح.

اولا: الممثل

في تجارب "كليفتي" لمحمد خان و"عين شمس" للبطوط وهي من وائل التجارب المستقلة يغيب تماما مفهوم البطل النجم سواء على مستوى الشكل أو الدراما، في فيلم خان البطل هنا (لا بطل) درامي – قدمه باسم سمرة ضمن اوائل افلامه - يحاول أن يجتاز ازمات اجتماعية ونفسية طاحنة بحكم الوضع السياسي والانساني للمجتمع، وفي عين شمس البطل هو السرطان الذي يدب في الكيان المادي والنفسي للواقع متخذا من جسد الطفلة الصغيرة شمس التي تنظر من خلال زجاج السيارة المسرطن إلى وسط البلد دلالة شعرية وسياسية تكثف هموم المصريين مع واقعهم الملوث على كل المستويات.

فيما بعد وخلال تجارب"بصرة" لاحمد رشوان وبطولة باسم سمرة ايضا و"ميكروفون" لأحمد عبد الله من بطولة خالد ابو النجا سوف يصبح تجنب نجوم الصف الاول بالمفهوم التجاري هو أحد ملامح التيار المستقل بل أن تجربة أبو النجا تحديدا كأحد نجوم الصف الثاني فيما يخص تصنيف الأيرادات والأجور تعتبر أحد ملامح هذا التيار على مستوى انغماسه أنتاجيا في سياق التجربة المستقلة متخلصا من فكرة الأملاء والتدخل وفرض سطوته كصاحب قاعدة جماهيرية على السياق العام للفيلم والقبول ببطولة جماعية وخطوط درامية متفرعة لا تتمحور حول شخصيته في الفيلم دائما.

وسوف تشجع هذه التجارب على خوض مخرجين أمثال هالة لطفى في تجربة "الخروج للنهار" ونادين خان في"هرج ومرج" على الأستعانة بوجوه غير معروفة ولا نقل جديدة مثل دينا ماهر وسلمى النجار ومحمد فراج واسامة أبو العطا ليصبح الرهان على اكتمال التجربة ونضجها نابع من كون الممثل يتم اختياره لمطابقة الشخصية وليست الشخصية هي التي يتم تحديدها بناء على ملامح الممثل شكلا أو مضمونا.

يقول بريسون في فقه اختيار الممثل المناسب للدور أن الامر أشبه بأن تبحث عن موديل واقعي لشخصيتك الدرامية وكأنك تقول لممثليك/ موديلاتك: انني اخترعكم كما انتم، وهو بالطبع ما يعتبر منتهى الأستقلالية في انتقاء الممثلين بعيدا عن معايير السوق وآلياته وفظاظته في الاختيار.

وربما يمكن لتجربة "عشم" للمخرجة ماجي مرجان أن تشكل احد ملامح الاستقلال في اختيار الموديلات/ الممثلين كما عرفهم بريسون من خلال دراما بانورامية تتقاطع شخوصها التي يأتي معظم ممثلي ادوارهم ليسوا فقط غير معروفين بل وبلا خبرة تمثيلية سابقة وذلك بمجرد شعور المخرجة أنهم يطابقون الشخصيات التي رسمتها على الورق قبل التصوير.

ثانيا: الوسيط

هو أحد اهم العناصر التي شكلت التحول من مرحلة المصطلح إلى مرحلة التيار فيما يخص التجارب المستقلة، كانت البداية مع فيلم "المدينة" ليسرى نصر الله عام 99 حيث قام بتصوير الفيلم عبر وسيط الديجيتال بعد أن خاض تجربة وثائقية قبلها بسنوات في نوع اقرب للدكيو دراماوهي"صبيان وبنات"95 من خلال نفس الوسيط.

مثلت تجربة يسري في اعتمادها على الديجيتال كوسيط بصري ارهاصة مبكرة بالتيار المستقل رغم قدومها انتاجيا من شركة افلام مصر العالمية ليوسف شاهين وبداية للتخلي عن نجوم المرحلة والأعتماد على وجوه جديدة في السياق الزمني(باسم سمرة وبسمة وأحمد عزمي ومحمد نجاتي) وبالتالي تخفيض الميزانية من ناحية والتعرف على البدائل البصرية التي يوفرها الوسيط وكيفية توظيفها خلال السياق الدرامي والحالة اللونية والنفسية للفيلم بأكمله.

فيما بعد سوف يقدم محمد خان على استخدام نفس الوسيط في فيلمه "كليفتي" مجربا امكانيات الكاميرا وقتها فيما يخص حرية الحركة والتصوير في الأضاءة الطبيعية واتخاذ زوايا مبتكرة من الصعب تنفيذها بكاميرا السينما إلا مع وجود تجهيزات كاملة للديكور والأضاءة بالأضافة إلى سهولة الحركة التي ساعدت على بث روح من عدم الأستقرار النفسي والأنساني الذي عكس ازمة بطل الفيلم، اي تجاوز الوسيط مع خان تحديدا ومن بعده مع البطوط في "عين شمس" مجرد كونه وسيلة لتخفيف الأحمال الأنتاجية إلى سياق شكلي وبصري هام لديه وظائف درامية وسينمائية أكثر مما يتصور صناع الأفلام أنفسهم.

ومع التطور التقني الذي شهده الوسيط خلال سنوات العقد الأول من الألفية ظهرت على ساحة التصوير كاميرا "الريد" والتي سريعا ما استطاعت أن تمنح لصناع الأفلام المستقلة امكانيات جمالية براقة على كل مستويات الصورة بداية من النصاعة اللونية ومدى الأستجابة لتوظيف النور والظل  في التصوير الخارجي والزاويا الضيقة والتصور الحركي العام للكادر وذلك من خلال تكاليف يمكن السيطرة عليها عبر ميزانية الفيلم بالأَضافة إلى سهولة النقل والطبع والتحويل إلى وسائل العرض الحديثة مثل الدي سي بي"DCP" الديجتال سينما باكيدج او حتى ال35 مم.

وسوف يشكل الوسيط مرحلة أخرى هامة من مراحل تكوين التيار ففي خلال السنوات الأربع الأخيرة قدمت كل انتاجات السينما المستقلة من خلاله بل وصلت التجارب إلى أن اصبح من الصعب تصور الفيلم دون التقنية لأنها صارت جزء من خشونة الصورة الدرامية وطبيعة الحالة الوجدانية المقدمة مثلما طالعتنا تجارب"فرش وغطا" لأحمد عبد الله و"الخروج للنهار"لهالة لطفي فتعامل الوسيط مع الضوء وامكانيات الكاميرا في الولوج إلى اضيق الأزقة والحجرات والأماكن المظلمة والمظللة والتصوير الليلي خاصة في المشاهد الخارجية اصبحت تطبيقا للقاعدة التي تقول أن شكل الفيلم بصريا هو مضمونه الفكري والبصري وليست القصة أو الأحداث والتفاصيل.

ثالثا: البناء الدرامي

 السينما عمل فردي تتخلله ومضان جماعية وصناعة الأفلام من منطلق كون السينما مؤسسة تقدم خدمات ثقافية هي حاصل ضرب الفن في التجارة، ولكن السوق لا يعترف بتلك المعادلة، والسائد والمحتكر يريد تركيبة مضمونة تظل تدر عليه الربح حتى تفنى فيبحث عن تركيبة جديدة ويظل يعتصرها حتى أخر جنية ، فعندما استهلكت تركيبة الصعيدي ظهرت شخصية اللمبي وحين اصبحت مسخا منعدم الطرافة جاء اتش دبور في حين ظل نموذج فيلم مافيا سائدا لسنوات قبل أن يحل محله افلام مغامرات البلطجية وسكان العشوائيات عقب ثورة يناير.

"الجمهور ضعيف أفرض عليه أنت ارادتك وشهواتك الفنية" هذه أحد الملاحظات الاهم لروبير بريسون فيما يخص مقاومة التيارات السائدة والسير عكس القطيع الذي يمضي للهاوية.

ولنتصور حال السينما المصرية خلال السنوات العشر الاخيرة لو أن كل انتاجاتها انحصرت في الأفلام الكوميدية التافهة ذات البطل الواحد اوالأكشن المقلد أوالميلودرما الجنسية وتركيبة البلطجي والراقصة وأغاني المهرجانات، لقد تجاوز مفهوم الأستقلال السينمائي على مستوى التيار الذي تشكل في السنوات الأخيرة فكرة الميزانية المنخفضة أو الحصول على دعم مالي من الدولة أو المؤسسات الثقافية الغربية والمهرجانات العربية بالأضافة إلى التخلص من عنصر النجم، تجاوز التيار كل هذه الشكليات التي بلورته واتخذ بعدا أعمق يتمثل في طبيعة الموضوعات وأساليب السرد والهموم الدرامية والقضايا المطروحة والأشكاليات الوجدانية.

وعلى سبيل المثال فأن فيلم من نوعية "الألماني" تأليف وإخراج علاء الشريف الذي قُدم من خلال ميزانية منخفضة واعتمادا على ممثل شاب لم يكن قد وصل بعدها لمصاف نجوم الأيرادات وهو محمد رمضان أو أفلام مثل بوسي كات لنفس المخرج أو البار لمازن الجبلي أو متعب وشادية لأحمد شاهين أو البرنسيسة لوائل عبد القادر يمكن اعتبارها أفلام مستقلة لأنها قدمت بميزانيات منخفضة وبعضها مصور عبر وسيط الديجيتال لأنها ببساطة لم تستقل فكريا ولا وجدانيا عن السياق السائد بل هي مجرد محاولات ربحية بحتة كل الغرض منها تحقيق بعض المكاسب المادية او تسجيل أعمال في قائمة السيرة الذاتية لممثليها المغمورين الذي يحاول أغلبهم دخول الوسط الفيلمي عبر تقليد نموذج البطل الشعبي المغوار الذي يقفز ويضرب ويطلق الرصاص أو الراقصة العاهرة المثيرة في اغلب الأدوار النسائية.

ان الأستقلال لم يتحقق فقط بالشكل الأنتاجي وإلا اصبحت أفلام المقاولات في ثمانينيات القرن الماضي هي الارهاصات الاولى للتيار المستقل، وإنما هو استقلال فكري واسلوبي قبل أن يكون استقلال مادي.

يتحرر السينمائي المستقل من كل اشكال السرد إلا الشكل الذي يناسب فيلمه كما في "عين شمس" و"عشم" و"هرج ومرج" و"ميكروفون" فتارة تبدو الأحداث بعيدا عن فكرة الحبكة التقليدية ذات البداية والوسط والنهاية، أي بلا حبكة، وتارة يصبح الفيلم عبارة عن مجموعة من القصص التي لا تلتقي شخصياتها رغم أنها تعيش في مدينة واحدة دلالة على الفردية والعزلة وتباين النفسيات ولكن يجمعها فكرة معنوية كالعشم، وتارة يتحول البطل إلى نموذج تعبيري يجسد افكار الأغاني التي تأتي من الموسيقى البديلة وفرق الأندر جروند والتي تقابل التيار السينمائي المستقل ولكن في مجال الغناء والموسيقى.

وفي خارج التيار المستقل من كان سيتقبل أن تقدم مخرجة كنادين خان فيلما كهرج ومرج يدور داخل واقع مواز للواقع الحياتي بكل تجلياته وتفاصيله دون أن تزعن إلى تركيبة أفلام العشوائيات والبلطجية والعلاقات المحرمة.

ثمة ايضا حضور قوي لعنصر الأرتجال القائم على دراسة التفاصيل والشخصية ثم التعايش معها والتحدث بلسانها دون أن يكون هناك حوارمنصوص عليه كما في تجارب ميكروفون لأحمد عبد الله وحاوي لأبراهيم البطوط وعشم لماجي مرجان وسواء كان الأرتجال ميزة سردية وتشخيصية أم مجرد حلية شكلانية فأنه يظل أحد ابرز عناصر الاسلوب في العديد من التجارب المستقلة والتي تمنح نفسها بنفسها حرية التجريب والتعدد في الأساليب.

وفي مقابل اللغة السوقية والأعتماد على الألفاظ ذات المعنيين والايحاءات الجنسية في سينما التركيبة استطاعت التجارب المستقلة أن تحقق النظرية التي تقول "ان الفيلم هو بناء علاقة بالنظرات" فالحوار في التجارب المستقلة يستقى تفاصيله من محاولة ابراز مدى طبيعية الشخصيات وواقعيتها، الكثير منه مرتجل والأخر يحاكي دون أن يبتذل نفسه أو يتحول إلى سلة مهملات تحوي اكلاشيهيات لغوية وافيهات تافهة ورديئة، اغلب التجارب المستقلة تعتبر الحوار عنصر مكمل وليس اساسي ومن هنا يسهل ارتجاله لأنه ليس عضوي في بناء الدراما والسرد، يعتمد صناع الأفلام المستقلة على أن يحتوي شكل الفيلم على مضامينه وتتحول فكرته الأساسية إلى بناء متكامل مثل"الخروج للنهار" فالمشاهد الطويلة والجمل المتبورة ونظرات العيون واللقطات الثابتة هي التي تعكس حالة الجمود والرتابة والثقل والصمت في انتظار الموت الذي تعاني منه تلك الأسرة الصغيرة لأن وفاة الأب المقعد بمرض عضال يعني خروج الام والابنة إلى النهار المعنوي.

كذلك فإن اغلب التجارب المستقلة التي تشكل حاليا ملامح التيار الوليد تتعامل بحرية مطلقة مع الزمن كوسيلة سرد وايقاع وبناء بيئي واجتماعي وسياسي لمضمون العمل، فعلى سبيل المثال قدم أحمد عبد الله في ميكروفون تنويعة على عنصر تفتيت الزمن من خلال خطين زمنين اساسيين احدهم يسير بشكل معكوس ومكثف وهو الخط الخاص بلقاء خالد ومنة والأخر يسير إلى الأمام بشكل طبيعي تتوالى فيه الأيام وتتراكم التفاصيل، في مقابل تجربة اليوم الواحد لدى هالة لطفي في الخروج للنهار والتي تمثل جزء من تيمة الفيلم حول انتظار الموت للخروج إلى الحياة.

وفي فيلمها هرج ومرج تقدم نادين خان زمنا دائريا كجزء من البناء الدرامي للفيلم الذي تقع احداثه داخل مجتمع مغلق كدائرة بلا زاوية واحدة تحدد ملامحها حيث يختلط الموت والحياة وكما يبدأ الأسبوع الذي تدور فيه الاحداث بجنازة ينتهي بجنازة وكأنه يمر إلى الخلف وليس إلى لأمام.

وفي"عشم" تحافظ ماجي مرجان على سياق زمني منفصل لكل قصة من القصص الست وكأن كل شخصية تدور في فلك زمنها الخاص فبعض الأحداث داخل القصص يستغرق أكثر من اسبوع بينما في قصص اخرى يبدو الزمن أقل واكثر كثافة مثل الأيام التي قضاها الزوج في انتظار نتيجة التحاليل متعشما في الله والحياة أن يبقى وسط اسرته الصغيرة، بينما يبدو الزمن الخاص بشخصية عشم نفسها التي تنتقل من مهنة لمهنة اطول بكثير من تلك الأيام القليلة التي عاشها الزوج.

رصد

في خلال السنوات الأربعة الأخيرة استطاع تيار السينما المستقلة أن يحتل المكانة الابرز على مستوى التمثيل الدولي للسينما المصرية في اغلب المهرجانات الأوربية والعربية على حد سواء واصبحت اغلب الجوائز التي تحصل عليها السينما المصرية هي جوائز تمنح للتجارب المستقلة بناء على مستواها الفني وتفاصيلها الوجدانية وحساسيتها السينمائية المتوهجة، بل تعتبر أغلب التجارب المستقلة التي انجزت في سنوات ما بعد الثورة اكثر تعبيرا عن المجتمع المصري قبل وبعد الثورة من كل التجارب التي تعاملت مع الحدث بشكل مباشر وأدعت أنها تحلله وتقيمه بينما هي فقط تريد ركوب الموجة بتركيبة جديدة تضمن اقبال الشرائح التي تعاني من الأمية السينمائية.

إن خروج التجارب المستقلة من دائرة المصطلح الضيق الذي ينحصر في التجارب القصيرة  والتسجيلية إلى الأفق الرحب للحالة الروائية الطويلة هو-على حد تعبيير الشاعر اللبناني عباس بيضون- اشبه بعملية نقل دم "لمريض هو الأمل".

عين على السينما في

03.02.2014

 
 

مشاهدات من مهرجان كليرمون فيران للأفلام القصيرة (1)

أحمد شوقي- كليرمون فيران 

في الصباح الباكر من عطلة نهاية الإسبوع، وفي مدينة صغيرة لا يتعدى تعداد سكانها 141 ألف نسمة، عندما تجد المئات يقفون مبكرا انتظارا لمشاهدة أفلام قصيرة، لتمتلئ قاعة جون كوكتو الضخمة عن آخرها في أول عروض اليوم، وهو بالمناسبة عرض للمسابقة الفرنسية وليست الدولية، عندها ستدرك الفارق الهائل الذي يفصل بين مهرجانات السينما الحقيقية، وبين مأساة السعي لصناعة مهرجانات وسط شعب يكره الفن ويحتقره كما يحدث في المهرجانات المصرية.

الأول من فبراير هو أول أيام البرنامج الحافل لمهرجان كليرمون فيران في دورته السادسة والثلاثين، المهرجان والسوق الأهم في عالم صناعة الأفلام القصيرة، والذي يعرض هذا العام في مسابقاته وبرامجه الموازية أكثر من 410 أفلام، من أصل 8213 فيلما تقدمت للمشاركة في المهرجان، أي أن نسبة القبول تقل عن 5 بالمائة، ونسبة المشاركة في المسابقة حوالي 2 بالمائة، وهي نسبة تبرز مدى قيمة المهرجان والإقبال عليه.

15 فيلما من أفلام المسابقة الدولية البالغ عددها 75 فيلما عُرضت في اليوم الأول، في برامج عرض مدة كل منها 95 دقيقة تقريبا، شاهدناها وشاهدنا معها عددا من أفلام المسابقة الفرنسية، ومن بين المشاهدات برزت الأفلام التالية:

مفاتيح الجنة (فنلندا)

يحمل الفيلم جنسية الدولة المنتجة، ولكنه في حقيقة الأمر فيلم إيراني متكامل، مخرجه هو الإيراني حامي رمزان، وأحداثه تدورفي إيران. بثقل الفيلم الطويل ـ وإيقاعه أيضا ـ يروي الفيلم في 27 دقيقة حكاية شقيقين صغيرين يعيشان فترة من أصعب فترات التاريخ الإيراني الحديث، وبالتحديد فترة الحرب مع العراق، والتي أسمتها السلطات الإيرانية "الدفاع المقدس"، والتي اشترك فيها 500 ألف جندي من طلبة المدارس، وفقا للرقم المذكور في بداية عناوين الفيلم الرئيسية.

الرقم يتصدر التتر ويليه لقطات أرشيفية موجعة للاستعداد للحرب وتأهيل الجنود الصغار للشهادة، لندخل بعدها مباشرة للفيلم، الذي يرصد مأساة الشقيقين اللذين هربا من منزل والدهما خوفا من أن ينتهي الأمر بأكبرهما في الجيش، فيقبلان بالعمل كبائعي صحف وورود، والعيش في غرفة حقيرة معا، فقط للابتعاد عن كابوس الحرب، وهو الدافع الذي يفضي للا شيء في النهاية، لأن الوضع أكبر بكثير من هشاشة طفولتهما، حتى أن الأمر ينتهي بالشقيق الأكبر لأن يتطوع بنفسه للجندية، ليحمي شقيقه وينال الشهادة الموعودة.

صديقي نيتشه (البرازيل)

أكثر أفلام اليوم نيلا لاستحسان الجمهور وانتزاعا لتصفيقهم كان الفيلم البرازيلي الكوميدي "صديقي نيتشه" للمخرج فاوستون دا سيلفا، والذي يبتعد في فيلمه عن أن تكلف، ويكتفي بسرد حكاية شديدة الإمتاع، عن صبي فاشل دراسيا يقرأ الكلمات بصعوبة، تنصحه معلمته بقراءة أي شيء يقع تحت يده لتطويره مستواه، فيكون حظه هو العثور على كتاب "هكذا تحدث زرادشت" للفليسوف الألماني نيتشه، لينقلب حال الصبي وتعامله مع من حوله، ويصير فيلسوفا يقتبس كلماته من الكتاب، وزعيما يقود زملاءه في المدرسة ويخطب فيهم حول مفهوم السوبر مان!

طرافة الحكاية وخفة الظل الواضحة في نقلها للشاشة تعتمد بالأساس على عنصر التناقض، التناقض بين هيئة الطفل ومستواه العلمي قبل عثوره على الكتاب وبعده، والتناقض بين من حوله، الذين كانوا يعاقبونه كي يذاكر ويقرأ، فصاروا يخافون مما يقوله من كلام غير مفهوم، بما يصل بهم لأخذه إلى الكنيسة المحلية لتخليص روحه من الشيطان الذي مسها!

كلمة سر اللاوعي (كندا)

فيلم مميز آخر هو "كلمة سر اللاوعي" للمخرج كريس لاندريث، وهو فيلم تحريك ذو حس تجريبي، ينطلق من مأزق إنساني معتاد، يكاد يكون كل إنسان في العالم قد تعرض له من قبل: ماذا يحدث إذا ما قابلت صديق قديم قابلك بحفاوة كبيرة، فوجدت نفسك عاجزا عن تذكر اسمه!

المأزق الاعتيادي يتحول في الفيلم إلى تجربة مجنونة تدور داخل العقل الباطن للبطل، والذي يأخذ هيئة ستوديو برنامج مسابقات تلفزيوني، تقوم "الأنا" فيه باختبار البطل في قدرته على تذكر اسم الصديق، مستعينا في ذلك بمساهمات عدة شخصيات من ذاكرته، بدءا من أمه ومربيته القديمة، ووصولا إلى سلفادور دالي ولافكرافت ومريم العذراء.

الحس التجريبي يظهر في تغير نمط المعالجة البصرية تماشيا مع كل شخصية من الشخصيات المذكورة، لتأخذ الصورة طابعا يحاكي عالم الشخصية (السريالي مع دالي، الكابوسي مع لافكرافت، وهكذا). لتكون النتيحة فيلما سريع الإيقاع ممتع في المشاهدة.

أفلام سيئة

وكما حفل اليوم الأول بأفلام متميزة، ضم أيضا أفلاما متواضعة المستوى، كان أسوأها في رأيي فيلمين شديدي المباشرة، يأخذان المشاعر الإنسانية إلى تسطيح فكري مرتبط بالسياسة، وكلاهما ـ للغرابة ـ أمريكي الجنسية.

الفيلم الأول هو "تضامن" للمخرج داستن براون، عن معاناة المهاجرين غير الشرعيين، الذين يعملون في ظروف سيئة وبأجور أقل من الحد الأدنى المفروض حكوميا. المخرج يستخدم كل أشكال الرموز المباشرة على نمط سينما الخمسينيات، ويعيد ويزيد استخدام الرمز لدرجة تفقده حتى الذكاء والمفارقة، فكان من اللطيف على سبيل المثال أن تجد الملابس التي تصنع بعرق العمال المظلومين معروضة في متجر يرفع شعار "مصنوع بفخر في أمريكا"، لكن تكرار الموتيفة ثلاث أو أربع مرات إضافية يجعل الأمر مثيرا للسخرية.

نفس الوضع ينطبق على فيلم "إلى السماء الواسعة" إخراج كوي ميدلبروك، والذي يتابع يوما عصيبا يعيشه ثلاثة أشقاء، أحدهم مدمن عاد للمخدرات فتركته زوجته، والثاني مثلي جنسيا يعاني من التفرقة المجتمعية، والثالث يكاد يكون متخلف عقليا، غاضب دائما دون سبب واضح. اليوم هو يوم انتخابات الرئاسة الأمريكية 2008، والذي نرى الشقيق المدمن يذهب للتصويت في بدايته، ثم ينطلق في رحلته المليئة بالأحداث السيئة، حتى ينقلب كل شيء لسعادة عندما يُعلن انتصار باراك أوباما الانتخابي، وكأن انتصاره يعني تخلص الأشقاء من مشكلاتهم.

الطرح ليس فقط مراهقا يبسط من المشكلات ويسطحها، ويكاد يكون أشبه بفيديو لحملة انتخابية أكثر من كونه فيلما، ولكنه أيضا خارج نطاق الزمن، كان من الممكن قبوله قبل خمس أو ست سنوات، أما الآن فالجميع حتى في الولايات المتحدة نفسها، يعلم أن أوباما لم يكن رسول الحريات والحقوق الاجتماعية المنتظر، ولكن الغرض في نفس المخرج كان مغايرا للحقيقة.

عين على السينما في

03.02.2014

 
 

"بوتين عاد".. عاد القيصر!

قيس قاسم

عودة القيصرية بشكلها العصري إلى روسيا هدف لن يتخلى عنه فلاديمير بوتين، وكل القراءات في تاريخه السياسي والنفسي تشير إلى وجود ميل حاد عنده ليصبح قيصراً على روسيا، يحكمها بمفرده ويعيد لها قوتها. قد يكون هذا حلماً غير قابل للتحقيق في روسيا اليوم التي تغيرت كثيراً عن زمن القياصرة لكنه وفي كل الأحوال وبالنسبة الى رئيس انتخب لثلاث دورات يظل هدفاً يسعى إليه عبر تطبيقات سياسية حاول الوثائقي الفرنسي "بوتين عاد" ملاحقتها وتحليلها ارتباطاً بمسار الرجل والتطورات السياسية التي كان له الدور الكبير فيها والتي روضها كلها لتكون في صالح تحقيق مشروعه الشخصي في أن يصبح قيصراً على دولة لابد من تستعيد وحدتها المفقودة وإلا فسينهار الحلم كله كما انهارت القيصرية عام 1917 وبعدها الاتحاد السوفيتي الذي كان يتولى، قبل سقوطه بالكامل، رئاسة جهازها المخابراتي.

يتساءل المخرج جان ـ ميشيل كارييه، وهو يلاحق في شهر آذار من عام 2012 ، الموكب الرسمي للرئيس المنتخب للتو في طريقه إلى الكرملين وقد خلت شوارع موسكو من المارة، وأحيط بحراسة أمنية مشددة: "ماذا يريد بوتين بعد فوزه بثلاث دورات رئاسية؛ أثرى فيها وتذوق حلاوة الحكم وسيَّرها وفق رغباته ومصالحه؟ هل يريد أن يصبح قيصراً بالفعل؟". سيدفع السؤال صاحبه للعودة إلى التفاصيل خلال أكثر من ساعة ليحيط بعالم الرجل الذي اختاره ليكون موضوع وثائقيه والذي  كان يعرف مسبقاً، أن الإحاطة بعالمه ليست بالسهولة بحكم مهنته السابقة كرئيس لجهاز المخابرات السوفيتية (كي جي بي) وما تفرضه عليه من سرية في تحركاته وإعلان غير ما يضمر ويفعل غير ما يقول. مواصفات رجل كتوم يتمتع بشخصية كاريزمية جُبلت بطموحات رجل دولة جاء إلى السياسة بخبرة محصنة وبانعدام شبه مطلق للمشاعر أو الاهتمام بمصائر الآخرين وعذاباتهم يسجلها الوثائقي الفرنسي بإشباع بصري يدعو للدهشة لكثرة ما فيه من تفاصيل وأسرار يتساءل مشاهدها من أين  له كل هذا؟

لمعرفة ما إذا كان بوتين يريد العودة قيصراً على روسيا، يعود كارييه بعد مشهد حركة الموكب الرسمي المعبرة الى الساعات الأخيرة من شهر مارس عام 2008 والتي توقع الكثيرون بأنه سيعلن فيها، ترشيحه للرئاسة عن حزب روسيا المتحدة، بعد أن يُغير بنود الدستور لتسمح له بترشيح نفسه لدورة ثالثة. لم يفعل ذلك وأسقط حجج معارضيه وتوقعاتهم. بدلاً من ذلك ترك لديمتري مدفييدف الترشح ولنفسه ضمن منصب رئاسة الوزراء ليحكم من خلف الرجل الذي وثق به كثيراً. لقد أراد بخطوته الابتعاد قليلأ عن الضغط الذي يتعرض له من المعارضة وأراد أن يلعب على خطوته هذه كثيراً فيما بعد. أهم ما كان يصبو إليه توريط صاحبه بمشاكل الحكم ليتدخل في الوقت المناسب ويحلها ليظهر أمام الناس ك"منقذ" لروسيا وأزماتها الكثيرة. الأدلة على هذا التخطيط توفرت بسهولة للفرنسي كارييه من خلال ما جمعه من تسجيلات تلفزيونية تعمد بوتين الظهور فيها بل طلب بنفسه من مواليه الصحافيين نقل كل خطوة له يظهر فيها كمنقذ وحَلال مشاكل عجز مدفيديف عن حلها أمام مشاهدي القنوات التلفزيونية التي يتحكم في الكثير منها! لقد ساهمت الأزمة الاقتصادية التي حلت بروسيا عام 2002 في تشويه سمعة رئيسها كمخطط اقتصادي باهر أنقذ اقتصاد روسيا وفتحه على العالم.

لقد هُربت أكثر من 100 مليار دولار من البلاد وتسببت في عجزها ولا أحد يعرف من قام بعمليات التحويل وكيف تمت؟ وفي ذات الوقت ومع اقتراب نهاية دورته بدأت العمليات العسكرية للمتطرفين في اقليم أبخازيا تتصاعد، فتصاعدت حدة المطالب بعودة رئيس قادر على كبحها. لقد سعى ميدفييدف لتغيير حقيقي لكنه عجز وقَبَل بأن يسلم دوره الى بوتين الذي ظهر هذة المرة كقائد سياسي وعسكري حاسم لا يتردد. وستظهر، لاحقاً، رغم كل الوفاق الظاهري بين الرجلين خلافات عاتية فجرتها الأزمة السورية والموقف الروسي منها! لقد حافظ بتكتيكاته خلال وجوده كرئيس وزراء على بقاء الهكيلية الهرمية ذاتها في الكرملين مع كل محاولات رئيس الدولة لتغيير جزء منها لكنه فشل، وعلى فشله سينطلق بوتين في مشروع انتخابه رئيساً لدورة ثالثة بعد أن اشتغل على توفير كل ما من شأنه توسيع نفوذه ليس كرئيس فحسب بل كقيصر بدأ يلمح لها في أكثر من مناسبة، والتقط الوثائق الكثير منها: اعتماده على الجيش وعلى سلطة المخابرات الجديدة (أف أس بي). تصفية معارضيه بقوة وكتم أصوات مثقفي المجتمع وإجبارهم على الخروج من البلاد مثال ذلك البطل العالمي السابق في لعبة الشطرنج كاسباروف وأعضاء فرقة "بوسي ريوت" وغيرهم،  الى جانب تعزيز النزعة المركزية في القرارات والاقتراب من القوى الاقتصادية المتنفذة في الغرب. وأخطر من هذا كله اشتغل على كسب الكنيسة إلى جواره، وأراد تشكيل معادلة  جديدة تقول: مَن يقف ضد بوتين يقف ضد الكنيسة، وراح يغذي الروح القومية عبر إصراره على تنظيم بطولة الألعاب الشتوية الأولمبية في سوتشي التي كلفت الدولة أكثر من 40 مليار دولار أمريكي، ثم اللعب على اسم روسيا فكل ما هو روسي جيد وما عداه فهو فاسد لهذا شدد قبضته ضد منظمات المجتمع المدني وعاملهم كخونة للوطن. أما على المستوى الاجتماعي فعمل على تحجيم الطبقة المتوسطة وغيَّر التركيبة العمالية التي كانت متمركزة في المدن الكبيرة سابقاً، إلى قوى أخرى جاءت من خارجها لا تطيق المثقفين وتولي أمرها لأصحاب المصانع الذين هم بيد بوتين لأنه امتلك معظم المعامل التي بقيت من الإرث السوفيتي عملياً. لقد قبل بالتحديث ولكنه لم يقبل بمتلازماته من تغيير ومطالب يفرضها كالحرية  الشخصية ودمقرطة المجتمع.

كل هذه التفاصيل يقدمها الوثائقي بأسلوب غني ومقنع وغاية في الرصانة فيغدو العمل بفضلها أقرب إلى التوثيق الصرف السينمائي منه إلى التحليل الصحافي ، بل ربما يصلح أن يكون مثالاً للتفريق بين الفيلم التسجيلي  وبين الريبورتاج الصحفي العادي، مع أنه يتطرف ويدخل مساحات ذات طبيعة آنية إخبارية كما هو الحال مع المسألة السورية التي تناول موقف الروس منها ولكنه تناولها من زاوية تُفهم المشاهد لماذا يصر الروس على موقفهم من رفض التغيير في سوريا ويدعمون الأسد؟ واحدة من النقاط التي يوردها "بوتين عاد" ربطه بين عودة روسيا الموحدة القديمة، كحلم بوتيني حتى لو جاءت على الهيئة التي كانت عليها في إبان قيام الاتحاد السوفيتي، لأن بوتين يريد تأسيس مملكة جديدة عنوانها: "آسياأوربية" يجمع فيها دولاً آسيوية وأوربية في اتحاد جديد له حلفاء أقوياء كايران وسوريا إلى جانب دول أوربية سوفيتية سابقة كأوكرانيا، وأن يظهر كساع لحلول سلمية وقادر على تحقيقها حين نجح في إقناع الحكومة السورية على القبول بالتخلص من مخزونها من الأسلحة الكيماوية. كل ذلك فعله بفضل ضمانة مالية هائلة يوفرها له الغاز الطبيعي والنفط الروسيان، فالقيصر يريد تحقيق حلمه بأي ثمن ويعرف مقدماً أن شعبه سيدفعه غالياً، وهذا ما حاول الوثائقي طيلة زمنه إبرازه بوضوح، حين لاحق كل خطوة في الطريق نحو عودة القيصر، وسجل ردود أفعال الناس حولها ومعارضة قطاع كبير منه لها وضَمَنها بمشاهد وتفاصيل تبيّن حجم المعارضة الشديدة له وحجم الخراب البيئي والبشري الذي يتعرض له الشعب الروسي وبلاده الغنية. المشكلة أن التاريخ يقف في جانب بوتين وقناعاته النظرية وحماسته القومية فأمته حكمت فعلاَ لقرون عديدة شعوباً وأخضعت ممالك وبلداناً وهزمت أكبر الجيوش في العالم والقادة. تجمدت جيوش نابليون فوق أراضيها وتلاشى حلم هتلر في قيادة العالم حين قرر عبور حدودها الشاسعة. في المقابل ثمة تغييرات كبيرة حدثت في روسيا اليوم ولن تسمح بتراجع البلاد عما قبلت به كتوجه جديد نحو بناء نظام ديمقراطي يسمح بتوفير الحريات الشخصية التي كانوا  محرومين منها لعقود لهذا يصبح سؤال الوثائقي نفسه مشروعاً: ترى الى متى سيقبل الروس بربط مصيرهم ومصير بلادهم بمشروع بوتين الشخصي وحلمه بالعودة قيصراً، وبين طموحاتهم في نقل بلادهم إلى عصر التحديث؟

الجزيرة الوثائقية في

03.02.2014

 
 

تشابلن يصوغ الكوميديا من مأساة البحث عن الذهب

ترجمة: بهاء سلمان*

أُنتج فيلم "حمى الذهب" العام 1925، وهو من الأفلام الكوميدية الصامتة، شكل فيه تشارلي تشابلن محورا مركزيا؛ فإلى جانب تمثيله الدور الرئيس (المتسكع الصغير) التي اشتهر به، ألفه وأنتجه واخرجه، واختار الموسيقى التصويرية له.

أدى الأدوار الرئيسة فيه، كل من جيورجيا هيل وماك سوين وتوم موراي وهنري بيرغمان ومالكولم ويت، ولطالما صرح بأنه أكثر فيلم رغب أن يتذكره الناس من خلاله. 

تدور القصة حول سفر المتسكع إلى منطقة "نهر يوكون" في كندا بحثا عن الذهب، ليسوقه الطقس السيئ إلى كوخ منعزل، مع جيم الكبير (سوين) وهو منقب اكتشف عرقا كبيرا للذهب، وبلاك لارسن (موراي) المطارد الهارب، دائما الصراع، لينتهي بتلقي جيم ضربة على رأسه ووفاة لارسن بسقوطه من أعلى الجبل.

وجد المتسكع نفسه في النهاية في مدينة حمى الذهب (داوسن) مقررا التخلي عن التنقيب، متفرغا للاعتناء بكوخ منقب آخر، واقعا في حب فتاة الصالون (هيل) التي ظن مخطئا بأنها تحبه.

وجد نفسه مطاردا من قبل جيم، الذي أُصيب بفقدان الذاكرة، ويحتاج مساعدة المتسكع في إيجاد الكوخ الأول.

ينتهي الفيلم باكتشاف خزين الذهب من قبل المتسكع، أثر سقوط الكوخ بعاصفة جليدية، فيصبح هو وجيم أثرياءً، ويلتقي جيورجيا في سفينة أبحر وصديقه عليها.. يقبلها قبلة طويلة في آخر مشهد من الفيلم.

مآس تلهم الكوميديا

أوجد كوميديا من مصادر لا هزل فيها، إذ راودته الفكرة الأولية عندما كان يشاهد بعضا من الصور المجسمة لحمى الذهب في "كلوندايك" 1896، وصدم بشكل خاص من صورة الطابور اللامتناهي من المنقبين المتوجهين.. عبر ممر "تشيلكوت" الى الذهب. وقرأ كتابا بشأن "كارثة فريق دونر" 1846.

إذ علق مهاجرون في ثلوج "سييرا نيفادا" وأجبرهم الجوع على أكل أحذيتهم وجثث رفاقهم.لاثبات اعتقاده بأن المأساة والسخرية غير بعيدتين عن بعضهما البعض، حول حكايات الحرمان والرعب إلى كوميديا، وقرر أن تكون شخصية المتسكع المألوفة منقبا عن الذهب، لتنضم إلى المتفائلين الشجعان لمواجهة مخاطر البرد والجوع والعزلة والهجمات المحتملة للدببة الرمادية.

صور مشاهد في موقع قرب "تروكيه – كاليفورنيا" 1924، لكنه تخلى عن أغلب اللقطات، التي شملت مطاردته من قبل جيم. وما يحصـــل في الكوخ. واحتفظ بالافتتــــاح، وصوّر في التراكيب والمنصات الخاصة بإستوديوهاته في هوليوود.

نجاح باهر

حقق نجاحا هائلا في الولايات المتحدة والعالم، وعد الخامس تحقيقا للأرباح في تأريخ سينما الأفلام الصامتة، فواردات شبابيك التذاكر لعام 1926 فقط أكثر من أربعة ملايين وربع المليون دولار، وهو أكثر فيلم كوميدي صامت حقق أرباحا مالية.

أثنى النقاد عليه مشيدين به، ومنهم مورداونت هول، الذي كتب في "نيويرك تايمز" حينها: "كوميديا بسلسلة متصلة من الرقة المترافقة مع الغلظة.. يمثل جوهرة بين جميع أعماله، لتقديمه فكرا أكثر مما قدمته روائع المرح الأخرى له مثل الطفل وأسلحة الكتف". وفي 1942، أطلق نسخة جديدة منه مضيفا تسجيلا موسيقيا وسردا للأحداث بصوته، مقلصا مشاهد قللت العرض دقائق. 

* عن موقعي ويكيبيديا وتشارلي تشابلن

الصباح العراقية في

03.02.2014

 
 

إعلان جوائز مهرجان الأقصر للسينما ..

مصر تفوز بجائزة لجنة التحكيم عن «فردة شمال» 

الأقصر 25 يناير 2014 – حول البحيرة المقدسة فى معبد الكرنك أعلنت نتائج مسابقات مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية فى حفل ختام الدورة الثانية، حيث فاز بجائزة العمود الجد الذهبى فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة فيلم «مهلك» للمخرج الصربى ميلوش بوزيك والذى استطاع أن يعبر من خلال تقنية عالية فى الإخراج والتصوير عن الازمة الأزلية بين القرية والمدينة، وبين الشرق والغرب، حيث يحاول كل مننا أن يبحث عن هويته. وقد استطاع الفيلم ببراعة مطلقة أن يعبر عن هذا الصراع الإنسانى من خلال رجل يبحث عن حلمه.
وقد فاز بجائزة عمود الجد الفضى فى ذات المسابقة اليونانى يورجوس تسيمبروبولوس عن فيلمه «العدو بالداخل»، والذى يعبر من خلاله عن عمل متكامل بإيقاع سريع واخراج رائع عن الأزمة الاقتصادية الجديدة فى أوروبا، وكيف أنه فى الكثير من الأحيان نكتشف انفسنا عندما نتعرض للضغوط الصعبة، لنتعرف على أولوياتنا تجاه الحياة والعائلة واعتقاداتنا السياسية. 

كما فاز بجائزة عمود الجد البرونزى للعمل الأول المخرجة نانا اكفيتميشفيللى عن فيلم «عنفوان الشباب» من جورجيا. ويطرح الفيلم الكثير من الأسئلة عن التغيرات التى ظهرت على الخريطة السياسية الاجتماعية فى أوروبا فى القرن العشرين والتى ما زال بعضها بدون اجابات. وقد استطاع الفيلم ان يعبر عن الأزمة السياسية العميقة فى جورجيا من خلال قصة فتاتين فى سن المراهقة نشأت فى بلدة «تبليسى» فى 1992. 

وفى مسابقة الفيلم الروائى القصير، فاز المخرج الألمانى إيريك شميت عن فيلمه «رينو بالسرعة الكاملة» بعمود الجد الذهبى، الذى استطاع ان يعبر عن «الوحدة» وأنها ليست بالضرورة مرتبطة بالمكان، وإنما بنظرتنا إلى الحياة من حولنا، وجرأتنا على ان نحب وأن نعبر عن افكارنا لمن نحبهم.

وتمكنت المخرجة سارة رزيق من أن تقتنص لمصر جائزة لجنة التحكيم «عمود الجد الفضى» عن فيلمها القصير الأول « فردة شمال»، وذلك لشاعريته فى التناول وإحساسه الرائع بالإيقاع من خلال سرد قصة طفلين فى محطة القطار. وقد تخرجت رزيق الذى تبلغ 20 عاماً فى المعهد العالى للسينما فى 2013، وعملت فى بعض الأفلام الروائية الطويلة كمساعدة مخرج.

ومن الجدير بالذكر إن مصر شاركت فى مسابقة الأفلام القصيرة بفيلم «حقيقة واحدة» لآية العدل وفيلم «اسكارف» لأحمد عماد إلى جانب « فردة شمال». وفى مسابقة الأفلام الطويلة، شاركت بفيلم الافتتاح «لامؤاخذة» لعمرو سلامة . وكان مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية قد افتتح فعالياته يوم 19 يناير فى الأقصر على مدى أسبوع كامل أمتع فيها ضيوف المهرجان وأهل الأقصر بمجموعة متميزة من الأفلام الحديثة والكلاسيكية. كما قام بتكريم الفنان الكبير نور الشريف والمخرج الروسى فلاديمير منشوف.

أكتوبر المصرية في

02.02.2014

 
 

مئوية ولادة جورج حنين... رائد السرياليين العرب

كتب الخبرمحمد الحجيري 

تحتفل مصر هذا العام بالذكرى المئوية لولادة الشاعر والناقد المصري السريالي جورج حنين (1914-1973)، الذي يعتبر المحرّك والرائد الأساسي للحركة السريالية المصرية (العربية) في سنوات ازدهارها بين عامي (1937-1952) ومن الأسماء الأساسية عالمياً لتلك الحركة.

كتب جورج حنين بالفرنسية، رغم إلمامه بالعربية وله مؤلفات كثيرة ترجمها كل من بشير السباعي وكامل التلمساني وصدرت في بيروت والقاهرة، ومتوافرة على مواقع الإنترنت. ولعل أبرز من تناول سيرة حنين الكاتب العراقي ساران ألكسندريان في كتابه {جورج حنين... رائد السورياليين العرب} (منشورات الجمل)، حيث ذكر: {من الصعب التحدّث عن السوريالية في باريس من دون أن نجعل مكاناً فيها لجورج حنين (...) لقد كان {أمير المنفى} سطع وتوهّج في أعماله كلّها، تماماً كما توهّج جميع شعراء المرحلة السوريالية الذين قدموا من روسيا وإسبانيا وألمانيا، كذلك قدم هو من مصر تماماً كما قدم جورج شحادة من لبنان وجويس منصور من مصر أيضاً}. لكن رغم ذلك كلّه بقي حنين غير معروف بقوّة، لا في بلده ولا في باريس، لأنه مثل شعراء النخبة كلهم لم يعمل على الناحية الإعلامية لاتساع شهرته، لكن قيمته الأدبية لم تخفَ على أحد.

يشير ألكسندريان إلى خطورة اعتبار حنين مصرياً منفياً {يستخدم بسهولة قصوة لغة بلاد المنفى}. بل يشير صراحة إلى أن من أهداف دراسته عن حنين، ضرورة خرطه نهائياً في الجماعة اللغوية التي ينتمى إليها بحق، ومحدداً موقعه داخل التاريخ الأدبي الفرنسي ذاته، خصوصاً حين نعلم أن ولادة السوريالية الأولى كانت في باريس عام 1924، وسرعان ما تبنتها مجموعات تشكلت في العواصم العالمية الرئيسة، وصلت إلى 27 أمة تقريباً، ضمت مجموعات سوريالية حقيقية، من بينها مصر التي دخلتها أفكار السوريالية على يد جورج حنين في منتصف الثلاثينيات.

يقول الكاتب الفرنسي جان جاك لوتي في مقاله «الحركة السوريالية في مصر» إن جورج حنين إنما أدخل السوريالية إلى مصر في عام 1934 عندما نشر كراسين، أولهما بحث تنكر له، عنوانه «تتمة ونهاية»، وثانيهما كراس لم يكن مؤهلاً بعد لأن يتنكر له ولم تكن فرصة التنكر له كبيرة، وعنوانه «التذكير بالقذارة». فالواقع أننا لا نتنكر، مخلصين، لعنفنا الخاص إلا كي نتبنى عنفاً أشمل. وقد واصل نشاطه بإلقاء عدد من المحاضرات، ومن بينها محاضرة عن موسيقى الجاز، وأخرى عن لوتريامون، وثالثة اختار لها عنواناً «من بارنابو إلى كريبور». وبعد ذلك ببضع سنوات، حاول تقديم رؤية شاملة، فعرض أفكاره في محاضرة، نشرت بسرعة، وكان عنوانها «حصاد الحركة السوريالية» (عام 1937). وفي العام نفسه وفي إطار جماعة «المحاولين»، وهي منتدى ثقافي في القاهرة، شجب حنين، خلال جلسة نظمت تكريماً للشاعر المستقبلي مارينيتي، «تواطؤ الشعر مع الإمبريالية الإيطالية في الأعمال الأدبية للفاشية». وقد أدى الصدام إلى انشقاق في صفوف الجماعة الصغيرة وابتعد جورج حنين عنها. وعندئذ، أسس جماعة «الفن والحرية»، وهي جماعة تجاوبت فوراً مع نداء أندريه بريتون في البيان الذي يحمل عنوان «من أجل فن ثوري حر».  

بيان

نشرت الجماعة الجديدة آنذاك بياناً بعنوان {يحيا الفن المنحط!}، وهو عبارة عن احتجاج على الحظر الذي فرضه هتلر على فن التصوير الحديث، كذلك دعا البيان الفنانين الشبان إلى التعبير عن مزاجهم الشخصي وإلى التمرد على المبادئ الموروثة الجاهزة. وكان حنين يقول في رأيه السريالي: تعرفون كل تلك الأكشاك الرمادية الباهتة الملساء التي تحتوي تارة على محولاتٍ كهربائية قوية وتارة أخرى على كابلاتٍ عالية التردد والتي تجدون على جوانبها عبارة قصيرة تحذركم: {لا تفتحوا: خطر الموت}. حسناً! إن السوريالية هي شيء كتبت عليه يد لا حصر لأصابعها رداً على الصيغة السابقة: {نرجوكم أن تفتحوا: خطر الحياة}.

ثمة أحداث في العالم أثرت كثيراً في شخصية حنين، فخلال الأيام الأولى لشهر مارس 1938، مثل نيكولاي بوخارين (1938-1887) أمام المحاكم الستالينية في محاكمة الـ 21 التي انتهت بإعدامه رمياً بالرصاص بعدما تأكد لهيئة المحكمة أنه «عدوٌّ للشعب» (!)، وهذه المحاكمة الاعتباطية سببت صدمة عميقة لجورج حنين، فمنذ ربيع عام 1936 على الأقل كان بوخارين قد أصبح أحد ملهميه. ففي أبريل 1936، قرأ الشاب المصري الذي لم يكن قد أكمل بعد عامه الثاني والعشرين كراس بوخارين «المشكلات الأساسية للثقافة المعاصرة»، في ترجمته الفرنسية التي صدرت في أوائل ذلك العام في باريس ضمن سلسلة «وثائق روسيا الجديدة».

في عام 1947، أصدر حنين والشاعر إدمون جابيس مجلة «لابار دو سابل»، وظهرت على صفحاتها نصوص مؤسسيها ونصوص أصدقائهم: إيف بونفوا، م. بلانشار، سي. لوسيه، هنري باستورو، وكثيرون غيرهم.  وعام 1948، قطع حنين صلته بالحركة السوريالية التي كان قد انضم إليها منذ عام 1936. ثم واصل، منذ ذلك الحين، طريقه بمفرده، متجنباً كل تضخيم للمخيلة الشعرية. فهو يعمل عن طريق الحذف ويتقدم عبر الإلغاء. وقد بدا له أن هذا النهج في التصرف إنما يسمح له بإضفاء قوة وحياة على صور أساسية، على مواقف وحالات تفك عقد الوجود. والحال أن عدداً من القصائد في مجموعة «المتنافر» (1949) وصفحات معينة في «العتبة المحرمة» إنما تقدم أمثلة جيدة في هذا الصدد.

فن وحرية

كانت «الفن والحرية» بؤرة لقاء الفنانين المصريين والأجانب الذين اعتصموا بالبقاء في مصر خلال أعوام الحرب. وقد عرفت الجماعة الجمهور بالرسم الحديث وأتاحت للفنانين المصريين فرصاً لطموحات فنية جديدة. وفي تلك اللحظة وحدها، أصبح بابلو بيكاسو وبول ديلفو وإيف تانجي وسلفادور دالي وماكس إرنست أساتذة معترفاً بهم من مصر.

ولد جورج حنين في 20 نوفمبر عام 1914، لأب دبلوماسي هو صادق حنين باشا، ولأم إيطالية الأصل اسمها ماري زانيللي. وفي عام 1924، عُين والده سفيراً لمصر في مدريد فصحبه جورج ومربيه، وهناك تعلم اللغة العربية، وحاول أن يترجم إليها كتاب كارل ماركس {رأس المال}. يقول ألكسندريان: ولما كان حنين أعد هكذا، منذ ولادته، للتميز والكوزموبوليتانية، فقد سخر في ما بعد من اللياقات التي كان يعرف مع ذلك أنه يحافظ عليها: {تلقيت باكراً جداً صفعة التربية الجيدة}، هذا ما قاله وهو يتذكر كيف حثَّوه على ممارسة {فن إخفاء الأحزان}.

توفي حنين في باريس ليل 18-17  يوليو 1973، بعد سنوات من الصراع مع مرض أنكره بشراسة، طامحاً أن يحيا حتى النهاية، كما لو أن هذا المرض لا وجود له. وقد أعادت زوجته إقبال جثمانه إلى مصر، واهتمت بأن تنشر في القاهرة كتيباً بعنوان {تقديراً لجورج حنين} يعد آخر دفاتر الأدب التطبيقي من سلسلة {حصة الرمل} التي بدأها {حنين} بنفسه. وفي الكتيب، يعترف لورانس داريل مخاطباً إقبال: {أتعاطف دائماً مع فكرتك بالقيام بنوع من التقدير الجماعي لذكرى جورج حنين، الكاتب الجيد، والرجل المرح، وفي آن، أحد الأشخاص الأكثر أهمية في مصر الحديثة. من جهتي، لن أنساه أبداً، مع أني لم أعرفه عن كثب}.

الجريدة الكويتية في

02.02.2014

 
 

عمرو سلامة:

"لامؤاخذة" نجح لأن الناس في حاجة إلى ثقافة "الحياة" بدلاً من "الموت"

كتب : محمد عبد الجليل 

بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلم لامؤاخذة في دور العرض المصرية، حيث تخطت إيراداته المليون جنيه خلال أسبوع عرض واحد فقط، استضافت الإعلامية دعاء عبد الحق مخرج الفيلم عمرو سلامة، مع بطلته كندة علوش والطفل أحمد داش الذي شارك في التمثيل به، وجاء هذا في حلقة الجمعة من برنامج آخر النهار الذي يُعرض على قناة النهار.

وبدأ سلامة حديثه بأن فكرة الفيلم جاءته بعدما أخبره أكثر من صديق بتحويل الحكايات التي مر بها في المدرسة الحكومية إلى فيلم. "بعد عودتي من الخليج نصحني أقارب العائلة بأن المدارس الحكومية أفضل من الخاصة، وهو ما جعلني أنضم إلى مدرسة بالقرب من منزلنا"، وأضاف سلامة أن التغيير الذي صنعه في القصة هو كون الطفل مسيحياً ينكر ديانته بسبب سوء فهم يقع فيه معظم الأطفال دائماً بسبب خوف من مجهول، "لذلك استعنت بصديقي جورج عزمي في كتابة السيناريو، لأنه مر بمواقف شبيهة" يقول سلامة.

بينما قالت كندة علوش "هناك أسماء تجعلني أوافق على القيام بالفيلم قبل قراءة السيناريو من الأساس، وفي هذا العمل كان محمد حفظي وشركة فيلم كلينك بالإضافة إلى عمرو سلامة وكونه ضمن أعمال السينما المستقلة بشكل عام".

"الفيلم يناقش قضية حساسة، وهي العنصرية وتقبل الآخر المختلف والتعايش والاندماج معه، كما أن الطرح جاد ومبهج وكوميدي في نفس الوقت، رغم المشكلات التي تطرحها القصة، كما أن مشاهدة الفيلم من وجهة نظر طفل واقتحام معالمه بعفوية الطفل جعلت العمل أكثر تميزاً" أضافت علوش.

ومن جانبه قال الطفل أحمد داش "لم أكن أعلم أني بطل الفيلم قبل يومين من التصوير، فكنت أدرك أنني أقوم باختبارات الأداء من أجل القيام بمشهد أو اثنين على الأكثر".

وعن أصعب المشاهد التي أداها يقول داش "في اليوم الثاني من التصوير كنت أقوم بتمثيل مشهد هو الأصعب في الفيلم على الإطلاق، وهو النوم على السرير والبكاء أمام صورة المسيح، ولشدة صعوبة ذلك طلبت من عمرو أن يقوم بإخراج كل فريق العمل من مكان التصوير حتى أستطيع الاندماج مع المشهد، ومن أكثر المشاهد كوميدية المشهد الذي تم فيه صب دلو كامل من المياه عليَّ".

أما بالنسبة لأصعب المشاهد التي مرت بها كندة علوش فتقول "أقوم بدور أم قاسية على ابنها حتى يستطيع الاعتماد على نفسه، ولكن هذا عكس طبيعتي، فكنت أحتضن أحمد عقب كل مشهد أقسو عليه فيه".

وبالعودة مرة أخرى إلى سلامة، قال "أصابني موضوع الفيلم في البداية بالقلق بسبب الهجوم المتوقع عليه، ولكن ردود الفعل الإيجابية كانت كثيرة، حتى أن أصدقائي المسيحيين قالوا أن هذا الفيلم أكثر ما مثلهم".

وعن الإيرادات الكبيرة التي حققها الفيلم في أسبوع فقط قال مخرج الفيلم "حقق الفيلم إيرادات أكثر من مليون جنيه في حوالي أسبوع وفي ظل ظروف صعبة، وهو ما يدل على أن الناس في حاجة لثقافة الحياة كبديل لثقافة الموت".

وأضاف سلامة أنه يهدف من صنع الفيلم إلى الإمتاع في المقام الأول، ومع ذلك لابد من طرح قضية يشارك المجتمع في حلها، موضحاً أن الفيلم تم إطلاقه في وقت فيه الكثير من التمييز على أكثر من مستوى، "ولهذا أشكر الرقابة على تأخير الفيلم لكي يتم إطلاقه في هذا التوقيت، كما يجب توجيه الشكر إلى أحمد عواض رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، والذي لم يضع أي ملاحظة على الفيلم" أشار سلامة.

وعن كيفية اختيار الأطفال الذين قاموا ببطولة الفيلم أوضح سلامة أن الأطفال مروا بالعديد من التصفيات، "وكان أحمد داش مميزاً، واستطاع أن يتخطى العديد من التصفيات حتى تم الموافقة عليه" أضاف المخرج.

وفي ختام اللقاء قال سلامة "التعامل مع الأطفال عظيم جداً ويجعلك تحصل على المشاعر التي ترغبها في الفيلم، ولكن الكابوس يكمن عند وجود عدد كبير من الأطفال، فيصعب السيطرة عليهم وإنهاء المشاهد في وقتها"، وعن الحلول التي اتخذها لذلك يوضح "كنت أؤدي مع مساعدي شادي إسحاق دوري الطيب والشرير مع الأطفال، ولكن في بعض الأوقات كنت أصبح أكثر شراً منه"، وأشار سلامة إلى أن الحل الأمثل في المواقف الصعبة هو معاملة الأطفال كالرجال، فيشعرون وقتها بالمسؤولية ويقومون بما ترغبه بسهولة.

الوطن المصرية في

02.02.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)