كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

شروط لعب الكبار!

طارق الشناوي

31/1/2014 2:37 ص

 

قبل أيام قلائل تابعْنا خبر انسحاب محمود ياسين من مسلسل «صاحب السعادة» الذى كان سيدشن اللقاء الأول الذى يجمع بين عادل إمام ومحمود ياسين بعد مشوار فنى لكل منهما اقترب من نصف قرن.

عندما تعلم أن التصوير قد بدأ بالفعل وأن محمود قد نفّذ عددا من المشاهد وأنه لم يُعرف عنه طوال مشواره الهروب من منتصف الطريق، تُدرك أن أمرا جللا هو الذى دفعه إلى الاعتذار، ليس فقط شعوره بالتهميش الدرامى، ولكنى أراه أيضا حائلا نفسيا.

محمود يدرك بالطبع شروط الدخول إلى مملكة عادل إمام، فهو صاحب السعادة وصاحب أيضا الكلمة الأولى والأخيرة، لا أتصور أن محمود كان ينتظر أن يقدم دورا موازيا للزعيم، كان يحلم فقط بدور يليق بتاريخه، لا تنسَ مثلا أن محمود فى أفلام مثل «الوعد» و«الجزيرة» وافق على أدوار بمساحات درامية أقل وارتضى أن يغيّبه الموت عن الاحداث ولكنه بأستاذية لم يَغِب عن الحضور على الشاشة، فى نفس الوقت كان حريصا على أن لا يثير أى مشكلة خاصة باسمه فى «التترات» قائلا إن «السينما للشباب»، هذه المرة أتصور أن سنوات الصراع القديمة بين نجمَى الشباك فى الثمانينيات صنعت حاجزا ما.

دائما للكبار شروطهم المعلنة والمستترة.. قرأت فى مطلع العام حوارا لدريد لحام، والذى عاد فيه للحديث مجددا عن فيلم «وطن فى السماء» الذى كتبه ويخرجه، بينما يلعب عادل بطولته.

ولو أنك عُدت لأرشيف الصحافة ستكتشف أن دريد فقط هو الذى يحلم ويكرر نفس الإجابة «سنلتقى قريبا»، بينما عادل إمام أكثر حصافة عندما يسأل عن «وطن فى السماء» يؤكد فى المطلق أنه يسعده أن يلتقى مع دريد ولا يذكر أى تفاصيل، دريد يعلم جيدا أن عادل لن يفعلها ويقف أمام الكاميرا بينما دريد من خلفها يدير ويحرك ويوجه، عادل إمام لن يضيف شيئا لدريد لو وافق على أن يلعب بطولة فيلم من إخراجه كما أن دريد على المقابل لن يقدم لعادل سوى لغة سينمائية مدرسية بدائية، وهكذا ارتضى الطرفان أن يظل «وطن فى السماء» حلما مستحيلا يداعبان به بين الحين والآخر خيال الناس.

عبر التاريخ كثيرا ما تمنت الجماهير تلك اللقاءات بين الأقطاب المتوازية، كان مثلا من بينها أن يلعب عبد الوهاب وأم كلثوم بطولة فيلم غنائى، وفى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى تحمَّس طلعت حرب مؤسس «استوديو مصر» ورائد الاقتصاد المصرى لهذا اللقاء، اقترحوا سيناريو يتم استلهامه من «قيس وليلى»، وفى اللحظات الأخيرة تراجعت أم كلثوم وفقد عبد الوهاب حماسه لأن كل منهما وضع شروطه المسبقة، أم كلثوم أرادت بالإضافة إلى غنائها من تلحين عبد الوهاب أن يتضمن الفيلم ألحانا لزكريا والقصبجى والسنباطى بينما تمسك عبد الوهاب بأن يصبح هو فقط الملحن الوحيد، ولهذا لم تلتقِ القمتان إلا بعدها بثلاثين عامًا فى «أنت عمرى» عندما طلب منهما عبد الناصر تقديم أغنية مشتركة، ولم يجرؤ أىٌّ منهما بالطبع على الاعتذار أو التسويف، فى الثلاثينيات كان عبد الوهاب منافسا لأم كلثوم على عرش الغناء بينما فى الستينيات كان قد اعتزل الغناء فى الحفلات وسقط بينهما الحائط الوهمى وقدما بعدها تسع أغانٍ وقصائد، كان شرط أم كلثوم أن لا يغنّى عبد الوهاب هذه الأغنيات بصوته وإلا توقفت هى عن غنائها فى الحفلات، وهو ما التزم به ما عدا مرة واحدة فى قصيدة نزار قبانى «أصبح عندى الآن بندقية» لأنها اعتبرتها معركة وطنية يشارك فيها الجميع، بعد رحيل أم كلثوم أفرج عبد الوهاب عن أغنياته لأم كلثوم التى سجّلها بصوته على العود!

أتذكر أن فاتن حمامة وسعاد حسنى كانتا هما الترشيح الأول للمخرج محمد خان فى فيلم «أحلام هند وكاميليا» ولكن شيئا لا شعوريا حال دون ذلك، وهكذا تغيَّر المؤشر إلى نجلاء فتحى وإلهام شاهين قبل أن تعتذر الأخيرة ويسند دورها إلى عايدة رياض.

هناك حواجز تحول دون مشاركة نجوم من نفس الجيل أو بينهما تقارب زمنى، كان أسهل على عادل إمام وحسين فهمى اللقاء فى العام الماضى فى «العراف» لأنهما التقيا سينمائيًّا قبل أكثر من عشرين عاما فى «اللعب مع الكبار»، ولكن كلمَّا مرَّت السنوات ازداد الأمر وعورة وأصبح الحاجز النفسى من المستحيل اختراقه!

 

ما دام تحب بتنكر ليه!

طارق الشناوي

29/1/2014 6:36 ص

مع مرور الزمن هل تتغير الحقيقة؟ بالتأكيد لا، إلا إذا طرح الزمن وثيقة تجعلنا نعيد النظر مرة أخرى أو نعيد ترتيب الوقائع فنكتشف شيئًا آخر، ولكن لا توجد أبدًا حقيقة حسب الطلب وتبعًا للمزاج النفسى أو بناء على طلب الجماهير.

فى حياة عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد قصتان غراميتان، سجل واحدة فى الرواية الوحيدة التى كتبها باسم «سارة» ولم يكن اسم عشيقته الحقيقى، والثانية كتب عنها أشعارًا، وأيضًا لم يُشِر صراحة إلى اسمها، ولكنها تركت على خريطة مشاعره الكثير من الجراح، ظل يعانى منها حتى أيامه الأخيرة!

ليس سرًّا أن المرأة الثانية التى أحبَّها هى الفنانة الكبيرة التى كانوا يلقبونها فى الأربعينيات بسمراء النيل مديحة يسرى. كان الفنان التشكيلى الكبير الراحل صلاح طاهر هو أحد شهود العيان على قصة الحب، فهو واحد من تلاميذ العقاد، أتيح لى أن ألتقى به كثيرًا فى مطلع الثمانينيات فى منزل الموسيقار الكبير مدحت عاصم، حيث كان بيته يقع بالقرب من مرسم الفنان التشكيلى الكبير، وكنت أحرص على أن أستمع إلى الكثير مما يرويه الأستاذان سواء فى الفكر أو حتى فى أمور الحياة العامة، وكان صلاح طاهر ومنذ الثلاثينيات من القرن الماضى من أكثر المقربين إلى هذا العملاق. وأصبح التلميذ مع مرور الزمن صديقًا حميمًا، وذكر لى صلاح طاهر أن الحب الحقيقى للعقاد هو نجمة سينمائية سمراء كانت قبل احترافها الفن مسؤولة عن منزل الكاتب الكبير، ووقع فى حبها، وكان لا يريد لها أن تستجيب لنداء الفن وكتب عنها بعض أشعاره، ولكن غريزتها الفنية كان أقوى، فغادرت بيت وحياة العقاد، بينما هو لم يستطع أن ينساها وعزَّ عليه النوم ليالى طويلة، ولم ينقذه سوى تلميذه وصديقه الذى رسم له لوحة عبارة عن «تورتة» كبيرة تحوم حولها الحشرات.. وضعها العقاد فوق سريره مباشرة، رمز صلاح إلى هذه النجمة بالتورتة، أما الحشرات فهو المجال الفنى الذى تكاثر حولها، وكأن صلاح طاهر أراد أن يجعلها بقدر ما هى مرغوبة، فهى أيضًا ممنوعة ومرفوضة، تحولت أنامل الفنان التشكيلى الكبير إلى طبيب نفسى يفرغ شحنات الغضب بالألوان والظلال.

فى الماضى لم تكن مديحة يسرى تنكر فى أحاديثها حب العقاد لها، وتردد الكثير من أشعاره التى كتبها عنها، إحدى تلك القصائد تناولت كوفيةً ومِعْطفًا، كانا قد نسجتهما له على «التريكو».. ولم يكن فقط العقاد هو الذى يكتب الشعر فى مديحة يسرى، فلقد سبق وأن قالت لى فى أحد الأحاديث إن الشاعر الغنائى الكبير الراحل عبد المنعم السباعى كتب عنها أغنيتين، الأولى «أنا والعذاب وهواك عايشين لبعضينا» لمحمد عبد الوهاب، حتى إنها بناء على اتفاق مسبق مع عبد الوهاب عندما كانت تحضر عيد ميلاده اتفق معها على أنها عندما تلتقى السباعى تتجاهله، وتسلم عليه بفتور حتى تثير أكثر رغبته الشعرية، فيكمل «عنيك بتتكلم والرمش بيسلم وأنت مخاصمنى».

أما الأغنية الثانية التى كتبها عنها فهى «جميل واسمر» لمحمد قنديل، حتى إن السباعى من فرط حبه لها أطلق اسمها على ابنته الوحيدة، ولكن هذه قصة أخرى.

ونعود إلى لوحة صلاح طاهر التى كانت هى البلسم الشافى الذى قدمه لأستاذه فأخرج الكاتب الكبير من مأزقه النفسى، وظلت هذه اللوحة معلقة فوق سرير نومه حتى رحيله، وكلما تذكرها وأضناه السهر وعزّ عليه النوم أطال النظر إلى اللوحة حتى يستطيع بعدها أن يخلد فى سبات عميق.

أما المعطف والكوفية اللذان صنعتهما أنامل «مديحة يسرى» فلم يعثر لهما بعدها على أثر، ربما فى لحظة غضب أحرقهما.. ربما.

قرأت قبل أسبوعين فى «اليوم السابع» حوارًا للفنانة الكبيرة أجراه الصحفى الشاب عباس السكرى، نفت تمامًا قصة الحب الموثقة، ليست فقط من خلال شهود العيان، ولكن فى أرشيف مديحة يسرى الصحفى، إذ كثيرًا ما أشارت إلى قصتها مع العقاد، بينما قالت فى حوارها إنها فقط كانت تحضر فى فترة المراهقة الصالون الأدبى الذى كان يعقده أسبوعيا فى منزله.

لماذا تنكر الفنانة الكبيرة الحب حتى ولو كان فقط من طرف واحد، الحب ليس ذنبًا حتى تتبرأ منه، والحقيقة تظل مع الأيام حقيقة!

 

يوسف شاهين كمان وكمان!

طارق الشناوي

27/1/2014 6:49 ص

فى عيد ثورة يناير أكمل يوسف شاهين عامة رقم 88، من المؤكَّد أن الحياة لو امتدت به لشاهدناه على كرسى متحرك يوم 25 يناير 2011 داخل ميدان التحرير ليطفئ تلاميذُه ومحبوه شموع الميلاد على أصوات طلقات الرصاص والقنابل المسيلة للدموع. كان معارضًا شرسًا لنظام مبارك، وكان ممنوعًا من الظهور على الهواء بتعليمات مشدَّدة خوفًا من انفلات لسانه، إلا أن ما يتبقى مع مرور الزمن قبل وبعد مواقفه السياسية هو المبدع يوسف شاهين.

لو أنك حلَّلت كراته الدموية وخلاياه وأنسجته فلن تجد كما يعتقد البعض لقطات وزوايا وشاريوه واستوب وأكشن وكلاكيت، ولكنك ستعثر على سُلَّم موسيقى ومفتاح صول ومقامات شرقية وغربية وإيقاعات بلدى وتانجو وفالس وروك آند رول، إنه الموسيقار يوسف شاهين الذى ظل يخدعنا متنكرًا فى صورة المخرج يوسف شاهين.. إنه مبدع الموسيقى المرئية عبر الشريط السينمائى، وتلك هى السينما فى عمقها ونقائها!

العلاقة مع يوسف شاهين لا تعرف الوسط، إما أن تتحول إلى أحد الدراويش وتدور فى فلكه، وإما أن تقف بعيدًا ترفض وتتحفظ وتنتقد فتصبح خارج المدار وغير مسموح لك أن تدخل إلى المجرة، وأنا كنت أقف دائمًا خارج المجموعة الشمسية الشاهينية.

أرصد سينما يوسف شاهين دائمًا من الجانب الآخر متمتعًا بقدرتى على الحياد، فأنا لست من الذين تأخذهم نشوة الإعجاب إلى حد الدروشة فى حلقات الذكر الشاهينية، لهذا أقدِّر سينما هذا الفنان بقدر لا بأس به من الانتقاد، لأن التقدير يحمل فى داخله مشروعية التقييم والاختلاف، على عكس التقديس أحادى النظرة والزاوية، استطاع «جو» -كما كان يفضل أن يناديه الأصدقاء- طوال مسيرته فى السينما أكثر من نصف قرن أن يحافظ على قدرته على التنفس ليسبح خارج السياق أحيانًا وبعيدًا عن السباق دائمًا، فهو لا يسابق أحدًا سوى يوسف شاهين!

إنه شخصية «كاريزمية» لها تأثير مغناطيسى على كل من يعرفونه أو يقتربون منه، إذا دخلتَ إلى مملكته عليك أن تعرف أن الخلاف مع يوسف شاهين هو المستحيل الرابع بعد الثلاثة الشهيرة «الغول والعنقاء والصديق الوفى»، فهو لا يتقبل بسهولة أن تقف على الجانب الآخر مما يعتقد هو أنه صحيح، رغم أنه دائمًا ما يرفع شعار الديمقراطية والرأى والرأى الآخر، إلا أنه يعتبر نفسه هو المرجعية الوحيدة، ودائمًا هو الرأى والرأى الآخر أيضًا.

أتذكر عندما كتبت على صفحات مجلة «روزاليوسف» مقالًا عنوانه «سكوت حنهرّج» أن نالنى منه الكثير من الهجوم على صفحات الجرائد والمجلات والمحطات الأرضية والفضائية، رغم أننى سألته فى حوار مسجَّل صوتًا وصورة بعدها بخمسة أعوام عن أسوأ أفلامه الذى لا يطيق أن يشاهده فأجاب دون تردُّد «سكوت حنصوّر»، ولكنه لا يسمح أن يقولها أحد غيره، يدعو على فيلمه ويكره اللى يقول آمين!

هذه التركيبة الإنسانية علينا أن نأخذها كما هى بلا فصال وبلا تفصيل، بحلوها الذى لا يخلو من مرارة، ومرها الذى به مذاق الحلاوة، أنت ترى على الشاشة يوسف شاهين الإنسان، لا أعنى بذلك رباعيته «حدوته مصرية» و«إسكندرية ليه» و«إسكندرية كمان وكمان» و«إسكندرية-نيويورك»، ولكننى أشير إلى ما يربو على 40 فيلمًا قدمها للسينما كلها تنطق وتهتف، بل تصرخ باسم يوسف شاهين، فى حركة الكاميرا، أداء الممثل، من خلال هذا التفرُّد الذى يجمع بين إيقاع الكاميرا وإيقاع الفنان الذى يقف خلفها، الرؤية التشكيلية فى الكادر، الوهج البصرى والسمعى... كلها مفردات تقول دائمًا إن يوسف شاهين كان يوجِّه ويحلِّل ويحدِّد اللقطة ويراجع أداء الممثل، إنه البصمة الفنية التى لها سحر ومذاق لا تخطئهما العين ولا المشاعر.

إنه المبدع الذى استطاع أن يطير خارج السرب متحديًا كل العوائق والعواصف وأيضًا المؤامرات، فلقد طالب يومًا ما البعض بسحب جواز السفر المصرى بسبب فيلمه «القاهرة منورة بأهلها» عام 1991 وعرضه بعيدًا عن الرقابة فى قسم «أسبوعى المخرجين» فى مهرجان «كان» بحجة الإساءة لسمعة مصر ونشر غسيلها القذر خارج الحدود، وشىء من هذا حدث أيضًا لفيلمه الأخير «هى فوضى» 2007، ولكن لم يجرؤ أحد أن يكررها. من الممكن أن يأخذوا من يده جواز السفر، ولكن لن يستطيع أحد أن ينزع مصر من قلبه. كل لقطة وأنت طيب يا أستاذ، مهما كان عنوانك فستصل إليك رسالتى، فأنت كما كتبتَ على قبرك «الإنسان اللى مالوش عنوان»!

 

تبات ونبات!!

طارق الشناوي

26/1/2014 2:45 ص

حرصتُ أن أذهب إلى السينما بعد أن استيقظَت القاهرة على صوت انفجار غير مسبوق، الهدف الدنىء من الإرهاب الأسود هو أن يزرع الخوف فى قلوبنا، نجحت الخطة مؤقتا، تضاءل وجود الناس وهدأ المرور كثيرا، الناس يشعرون أن كل أماكن التجمعات مستهدَفة، فآثروا السلامة واكتفوا بالمتابعة عبر شاشة التليفزيون، إنهم يريدون أن يسرقوا الفرحة من القلوب وأن يغتالوا الحياة.

تذكرتُ فيلم «زفاف رنا» للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد الذى قدمه قبل نحو 12 عاما وله عنوان آخر وهو «القدس فى يوم آخر» ولكنى مع الزمن أشعر أنه فقط «زفاف رنا»، حيث يقاوم الفلسطينيون مَن يريدون اغتيال الحياة بالحرص على الحياة، كنت قد شاهدت خمسة من الأفلام الستة، ما عدا واحدا وهو «جولة مع الديناصور»، فيلم للأطفال ولكن كل أفلام الأطفال مصنوعة للكبار، الجانب التعليمى هو المسيطر على كل المفردات، ورغم ذلك لا بأس، هناك أيضا قصة حب بين ديناصور وديناصورة وتحدٍّ للتباين الطبقى، كما أن الديناصور العاشق لديه عيب خلقى حيث ثقبت العظمة التى تحميه وتتحول أحيانا إلى درع للدفاع عن نفسه ضد الأعداء ولكنه تعايش مع هذا الضعف بل أحاله إلى سلاح للقوة فهو مع هبوب الريح يُخرج صوتا موسيقيا.

قبل أن أذهب إلى القاعة كنت أريد أن أعرف ردود فعل فيلم «لا مؤاخذة» بعد عرضه جماهيريا، الفيلم يتناول بطلا وعائلة قبطية، والسؤال: هل تنجح الأفلام التى تحكى عن قبطى؟ سؤال كان تعنينى الإجابة العملية عنه. سوف أضرب لكم مثلا بالغناء: هل لاحظتم أنه لم تُقدم مصر مطربا قبطيا حقق نجومية طاغية طوال التاريخ؟

أتذكر مثلا أن المطرب هانى شاكر فى بداية مشواره الفنى مطلع السبعينيات كان يؤكد فى أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس، لأن البعض أخافه بأنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحى، اسمه يحتمل الديانتين، مثل بطل الفيلم هانى عبد الله الذى لا تكتشف ديانته إلا مع ذكر الاسم الثالث بيتر، ولدينا عديد من الحكايات المشابهة مثل الفنان محمد صبحى منذ 15 عاما لاحقته تلك الحكاية وهى أن اسمه الحقيقى مجدى وأنه مسيحى ولكن والده أطلق عليه محمد لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله ماتوا... مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف»، وضعت صبحى فى حرج بالغ وهو يكذّبها حتى لا يجرح مشاعر الأقباط!

هل تتأثر شعبية الفنان بسبب ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيرا منطقيا، لو أنك مثلا سألت: لماذا لم يظهر «جان» فتى أول مسيحى الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية؟ لو استسلمنا للتفسير الطائفى الذى يقول إن المصريين يرفضون الفنان بسبب ديانته، سنجد على المقابل أن قسطا وافرا من نجوم الكوميديا أقباط بل إن الضحك فى مصر لو قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه لن تجد سوى نجيب الريحانى المسيحى الكاثوليكى بجذوره العراقية، أى أن الناس عندما أحبوا لم يسألوا لا عن ديانة ولا جنسية.

فيلم «لا مؤاخذة» طبقا لما ذكره لى العاملون فى دار العرض يحقق إيرادات غير مسبوقة، لى ملاحظات على السيناريو والرؤية الإخراجية لعمرو سلامة أشرت إلى بعضها فى مقالى بعد عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان الأقصر، ولكنى أرى وجها مضيئا لإقبال الناس على فيلم بطله يؤدى دور قبطى، بل إنه تعمَّد أن يُظهر وجها واحدا للطائفية وهى الأغلبية المسلمة وذلك لأنه لم يشأ أن تفقد الرسالة معناها، ويبقى: هل من الممكن أن نعتبر إقبال الناس على مشاهدة الفيلم دليلا عمليا على أن الجمهور قفز فوق حاجز الطائفية؟

حكى مرة مذيع الراديو أسامة منير أنه رسب فى الامتحان كمطرب عندما تقدم للجنة الاختبار فى الإذاعة المصرية قبل نحو 20 عاما لأن اسمه الثلاثى أسامة منير جريس، وكتب بعدها زجلا يقول فى مطلعه «إن كنت محمد أو جريس من حقى أركب الأوتوبيس»، أسامة ركب الأوتوبيس وصار أشهر مذيع راديو. وبطل فيلم «لا مؤاخذة» دافع عن حقه أن يكون نفسه ويعلن ديانته، وبطل فيلم «الديناصور» تحدى ضعفه وأصبح قائدا للقبيلة وتزوج حبيبته وعاشا فى تبات ونبات وخلفّا دناصير وديناصورات.

 

الدرس انتهى لموا الكراريس!

طارق الشناوي

25/1/2014 7:06 ص

كنتُ فى مساء 25 يناير 2011 داخل الميدان، وشاهدتُ ميلاد الثورة، وعدتُ إلى المنزل، وكتبتُ فى الفجر على موقع «الدستور الأصلى» هذا المقال الذى أنشره للمرة الرابعة.

(قبل يومين فقط كنت أعرض فيلم «إضراب الشحاتين» فى بيت العود التابع لوزارة الثقافة.. الصدفة كانت وراء اختيارى هذا الفيلم عندما طلب منى الموسيقار وعازف العود نصير شمة أن أرشح قبل نحو شهرين فيلمًا يفتتح به قسمًا جديدًا فى البيت تم إنشاؤه من أجل تنمية الثقافة المرئية لدى تلاميذه، فجأة قفز إلى ذهنى هذا الفيلم الذى أخرجه «حسن الإمام» قبل نحو 44 عامًا، حيث تلعب فيه الموسيقى دور البطولة.

واكتشفت أننا نعرض فيلمًا تحريضيًّا، وذلك قبل ساعات قليلة من اندلاع المظاهرات فى كل ربوع مصر. الفيلم تعود أحداثه إلى ثورة 19 ونقطة الانطلاق هى انتفاضة الشحاتين من أجل المطالبة بالخبز والحرية.. اكتشف الشحاتون أن قضيتهم ليست هى رغيف العيش، لكنها الحرية التى تضمن لهم رغيف العيش المغموس بالكرامة الوطنية!

الفيلم كان يعرض مساء الإثنين الماضى وبعد أقل من 20 ساعة كانت مصر تطالب بالخبز والحرية، فى الصباح استيقظت مصر، اعتقد البعض أنهم يقلدون الانتفاضة التونسية.. الدولة لا تدرك حجم الغضب الكامن فى الصدور.

الدولة من خلال وزارة الداخلية وقائدها حبيب العادلى لم تدرك أن هؤلاء المتظاهرين تجاوزوا مرحلة الخوف، وأن الاستكانة التى قالوا عنها إنها من علامات الرضا الذى يصل إلى مشارف الخضوع، هذه الاستكانة والرضا بالمقسوم لم يعد يتقبلها الناس، هناك بالفعل إرادة يعلو نبضها تطالب بالتغيير.. أغلبنا شارك فى الماضى، ولو بالصمت فى تلك الحالة التى يرى البعض من قصيرى النظر صورة الإنسان المصرى الذى لا يثور مهما تجمعت إليه من دوافع الثورة.. البعض عاش وهو يعلم أن أقصى طموحه للحيلولة دون الانصياع لسيناريو التوريث هو أن يدعو بطول العمر وطول البقاء على الكرسى للرئيس مبارك، لكى يحول هو وليس أى إنسان آخر دون وصول ابنه لسدة الحكم فى البلاد.. هكذا صغرت الطموحات ومع الأسف لعب القسط الوافر من الفنانين والمثقفين أسوأ الأدوار، وهو التمهيد للتوريث بتلك المقولة التى صارت شعار المرحلة، وهى لا للتوريث نعم لجمال.. كيف يستقيم الأمر؟ بسيطة من حقه كمواطن مصرى له كل الحقوق، وعليه كل الواجبات أن يرشح نفسه فى الانتخابات، ومن حق المواطن على الجانب الآخر بكامل إرادته أن ينتخبه أو لا ينتخبه.. تقول كيف سيحدث ذلك ووالده فى الحكم فى ظل سيطرة الدولة على كل المنافذ والمعابر هل تسمح الأجهزة بسقوط ابن الرئيس فى الانتخابات ووالده ممسك بالسلطة قبل أن يمنحها له.. الكل يعلم أن هذا هو المستحيل بعينه، وأن كل ما نراه يتم إعداده لصالح الدائرة الصغيرة من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالسلطة، وصارت كل مصالحهم لديها.. هذا الحبل السرى الذى لا ينفصم مع الدولة هم لا يدافعون عن شرعية جمال مبارك، لكنهم لا يعنيهم سوى مكاسبهم، وتلك المكاسب لن تتحقق لو غاب الرئيس، ولم يعتلَ جمال الكرسى.. من حقهم بالطبع الترويج لهذا السيناريو، لكن ما مصلحة المثقف المصرى فى هذا العبث.. تكتشف أن تلك هى اللعبة، وأن سيطرة الدولة تجعل الجميع يعلمون أن هذا هو المطلوب منهم وعليهم الترويج لهذا السيناريو الخائب، وأن الرهان على أى حل آخر بعيدا عن الرئيس أو ابن الرئيس ليس مطروحًا بل وغير مسموح به، وأن هذا المثقف تم تدجينه داخل الحظيرة!

نعم، سمحت الدولة فى البداية بالتظاهر يوم الثلاثاء إلا أنها أحاطته بكردون أمنى.. لم تكن تدرك أن الغضب أكبر مما تصورت الأجهزة، ولهذا فتحت النيران على مصراعيها بعد أن أيقنت أن دائرة الغضب وصلت إلى الرئيس تطالب بتغيير جذرى.. لم يعد الأمر كما تروج القنوات التليفزيونية يتعلق بتغيير وزير الداخلية أو رئيس الوزراء، لكن تغيير النظام.. من يريدون بقاء الحال على ما هو عليه يؤكدون أن تغيير النظام من داخل النظام هو الحل، لكنهم يغضون الطرف عامدين متعمدين على أن الخطأ بل الخطيئة هو فى بقاء النظام، وأن التضحية بأحمد نظيف ليست هى الحل بل هى الورقة التى تحتفظ بها الدولة فى اللحظات الأخيرة لإفراغ شحنة الغضب بعيدا عنها.. «شيل ألدو وحط شاهين» الناس حقيقة لا تريد لا «ألدو» ولا «شاهين»!

مصر استيقظت.. هذه هى الحقيقة لكن النظام لم يستيقظ بعد لا يزال نائمًا فى العسل.. ربما يعتقد أننا فى فيلم على طريقة حسن الإمام فى رائعته «إضراب الشحاتين».. قد يعتقدون أن ما يجرى فى مصر ينتظر نهاية سينمائية وبعدها يعرض فيلم آخر.. ولم يدركوا أن الدرس انتهى لموا الكراريس). هذا هو ما نشرته بالضبط على موقع «الدستور الأصلى» فجر يوم 26 يناير 2011!

 

«لا مؤاخذه»!

طارق الشناوي

21/1/2014 3:37 ص

إنها القضية الشائكة التى يدخل إليها الجميع وهم محمَّلون مسبقًا بمشاعر الإحساس بالذنب من الاتهام بالانحياز، ويخرجون منها عادة وهم مثخنون بالجراح الطائفية.

يعرف السينمائيون أن لديهم طوقًا للنجاة واحدًا للخروج من ظلال الشك، وهو اتباع منهج «السيمترية» التماثل الشديد بين الجانبين، وفى العادة نرى الشريط السينمائى كأنه يكرر هذا المقطع الغنائى للشيخ سيد مكاوى فى أغنيته الشهيرة «عندك شك فى إيه» وهو يردد «خلى شوية عليه وشوية عليك» ولكن هذه المرة قرر الكاتب والمخرج عمرو سلامة فى فيلمه «لا مؤاخذة» أن يتحرر من كل ذلك، ويبدأ فى الانطلاق من نقطة محايدة، غير محملة بأى أثقال شخصية أو اعتبارية ولا يقسم التركة الدرامية شوية هنا وشوية هناك.

العديد من أفلامنا بالطبع اختار تلك المنطقة الآمنة فى التناول، وأشهرها مثلا «حسن ومرقص» إخراج رامى إمام حيث الهلال مقابل الصليب، والكنيسة على الجانب الآخر من الجامع، والجميع يترقب فى المشهد الأخير عناق البطل والبطلة أقصد الهلال والصليب.

إنه أقصى مشاعر الحساسية رغم أننا نتناول قضية بطبعها حساسة، فهل نواجه الحساسية بمزيد من الحساسية؟

حاول قبل عشر سنوات أسامة فوزى بفيلمه الرائع «بحب السيما» الخروج من هذا القيد وقدم عائلة مسيحية فوجد نفسه فى مواجهة غضب عارم من الكنيسة، ورغم الجمال الفنى فى الفيلم الذى كتبه هانى فوزى فإن الجمهور لم يقبل عليه، ربما لأنه تعوّد طوال تاريخ الدراما على رؤية عائلة مسلمة، هذه المرة كانت العائلة المسيحية فى قلب الحدث واستحوذت تقريبا على كل الصورة.

فى حفل افتتاح الدورة الثانية من مهرجان الأقصر كان الموعد مع «لا مؤاخذة» والعنوان بالطبع يحمل سخرية مرتبطة بهذا التعبير المصرى القح الذى لا يمكن ترجمته بأمانة إلى أى لغة أخرى، اختار الكاتب والمخرج عمرو سلامة أن يقترب من مشاعر طفل مسيحى فى مجتمع أغلب أفراده مسلمون، هناك بالطبع قدر من التعسف فى الاختيار ليبدو طفلًا وحيدًا فى المدرسة، حتى لو كانت تحمل اسم «عمر بن الخطاب» فهى ليست مدرسة إسلامية حتى يختفى من الفصل كل الأقباط ولكنه تعسف درامى، فالطفل فى المرحلة الإعدا دية بموت والده تتغير معالم الدنيا حوله، ليصبح عليه الانتقال إلى مدرسة حكومية، وكأنه يقترب لأول مرة من الإحساس بالمشاعر الطائفية، لا شك أن المدرسة الخاصة التى انتقل منها تطرح مفردات ثقافية ومعرفية مختلفة إلا أنه بالتأكيد لم يكن فى عالم معقم بعيدًا عما يجرى خارج سور المدرسة من تعصب نراه فى الشارع وتنقله الميديا.

أراد المخرج أن يجعل النقلة ساخنة ومفاجئة فى نفس الوقت اسم الطفل هانى عبد الله لا يشى مباشرة بالديانة، العديد من أسماء المصريين تحتاج، ربما، إلى الاسم الثالث أو الرابع حتى تحدد الديانة، البعد الظاهرى للشريط السينمائى هو أن المسيحى يخشى أن يواجه الآخرين حتى بالإفصاح عن ديانته، العمق الذى يريد توصيله هو ضرورة امتلاك القدرة على المواجهة.

عمرو سلامة يقيم أسوارًا درامية ليصبح الحدث داخل أسوار المدرسة التى يقدمها لنا فى لحظات، وهى أقرب إلى مدرسة المشاغبين.. خطان يتنازعان بطل الفيلم، هما حرصه على إخفاء ديانته وإصراره على التفوق فى كل العلوم حتى فى الغناء الدينى يحصل على المركز الأول والمكافأة مصحف وسجادة صلاة. القيد الدرامى دفع المخرج إلى أن يكرر المواقف داخل المدرسة أو فى الحد الأدنى تتشابه، ليترهل الإيقاع. لمحات قليلة جدا هى تلك التى رأينا فيها المخرج يجنح بالخيال مثل مشهد زيارة زملائه له فى البيت فاستبدل صور سيدنا عيسى والسيدة العذراء بآيات قرآنية. لجأ الطفل إلى التحدى وتعلم المصارعة ليواجه الخطر، وقرر أن يأكل فى المدرسة فى رمضان وخرج منتصرا، إلا أن المخرج لم يقترب من حالة التقوقع التى تفرضها بعض العائلات القبطية على أبنائها فى علاقتهم بالطفل المسلم.

عمرو سلامة أبحر إلى منطقة شائكة ونجح فى تحقيق الطبيعية والتلقائية فى توجيه أبطاله، الأطفال الثلاثة، ولكن ظلت اللمحة التى التقطها عمرو سلامة أعلى بكثير من التناول الدرامى والبصرى، فكرة لامعة محلقة فى السماء وشريطا سينمائيا مصابا بالتخمة يزحف ببطء على الأرض..

من المؤكد أن للحديث بقية.

 

مهرجان الأقصر بين قوسين!

طارق الشناوي

19/1/2014 12:11 ص

تُفتتح مساء اليوم الدورة الثانية من مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، الذى أراه يقع بين قوسين وحدثين سياسيين يحددان مسار ومصير الوطن. الأول فى الافتتاح الذى يتوافق مباشرة بعد الإعلان الرسمى لنتائج التصويت على مشروع الدستور، وهو ما يشغل الميديا فى التحليل، خصوصًا مع إشارات واضحة تؤكد غياب متعمد من قطاع وافر من الشباب عن الإدلاء بصوتهم، وهم الكتلة الحرجة التى ترسم معالم الطريق، فكيف يبتعدون عن الصورة، أى محاولة لتجاهل أو التقليل من مغزى هذا الأمر الحساس أرى أنها بمثابة من يلمح فى الطريق قنبلة موقوتة، ولا يسارع بنزع الفتيل، معتقدًا أنها علبة شيكولاتة. الحدث الثانى فى الختام يوم 25 يناير فى عيد ميلاد الثورة الثالث، بعد أن أصبحت هى الثورة المكروهة المذنبة المشبوهة، التى يناصبها الآن الكثيرون العداء لأسباب مختلفة إلا أنها توحدت على هدف واحد، وهو ضرورة إجهاض 25 يناير، وصل الأمر إلى أن هناك من يعتبر ثورة 30 يونيو اشتعلت ليس فقط لإسقاط حكم الإخوان بقدر ما كان الهدف المضمر هو اغتيال 25 يناير، ولا أتصور أن هذا اليوم ستعلو فيه فقط الزينات للاحتفال بها، بل هناك من سيجدها فرصة لجلدها فى يوم العيد، من يرددون لا سياسة فى الثقافة ولا ثقافة فى السياسة، لن يستطيعوا تحدى هذا الطوفان.

أنه، ولا شك، مهرجان مغموس فى السياسة، رغم أنه تأجل انعقاده لأسباب سياسية وأمنية فى سبتمبر الماضى عندما أرادت رئيسة المهرجان الباحثة والناقدة ماجدة واصف الابتعاد عن توقيت إعلان حظر التجوال، لكن السياسة ظلت تلاحقه، وأتصور أن فى منتصف فعالياته سيزداد الأمر سخونة مع توقع إعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسى موقفه النهائى من الترشح لمقعد الرئيس، من الصعب أن يتكهن أحد أو يقرأ أحد بيقين الموقف قبل أن يعلنه رسميًّا الفريق، وفى الحالتين سوف نجد أنفسنا نعيش فى إطار سياسى صاخب، ولا أستبعد حشود المظاهرات التى ستتحرك فى كل المحافظات لو ترشح أو لو فضل البقاء قائدًا عامًا للقوات المسلحة لتطالبه بالترشح، الحالة السياسية لن تترك الحدث الثقافى محايدًا ستطل دائمًا علينا.

ورغم ذلك فليس من صالح أحد أن تتوقف الأنشطة الثقافية مهما كانت سخونة الحالة السياسية علينا أن لا ننتظر توقيتًا لالتقاط الأنفاس لا مجال لتلك المساحة الهادئة، دائمًا فى الكادر هناك حدث سياسى عالى الصوت.

مهرجان الأقصر هو واحد من مكتسبات ثورة 25 يناير عندما قررت الدولة أن تمنح المجتمع المدنى كل الصلاحيات لتصبح العصمة بيد المثقفين. فى عهد وزير الثقافة الأسبق عماد الدين أبو غازى الذى جاء معبرًا عن الثورة فكان مهرجان الأقصر بشقيه الإفريقى الذى يحتفل بعد شهرين بدورته الثالثة، والأوروبى المصرى الذى نحن بصدده الآن، وبالطبع لا تتعجب أن المهرجانين فى محافظة واحدة بينما كل المحافظات المصرية باستثناء القاهرة والإسكندرية محرومة من مهرجانات سينمائية، كان من الممكن أن يقام واحد فى الأقصر، والثانى مثلًا فى أسوان التى عرفت المهرجانات السينمائية منذ منتصف الثمانينيات عندما أقام معهد السينما مهرجانًا لخريجى المعهد، وقبلها أيضًا أقام الراحل كمال الملاخ مؤسس المهرجانات السينمائية فى مصر، ومن خلال جمعية كتاب ونقاد السينما دورة حملت اسم أسوان ربما مرة واحدة.

من المهم بالطبع، أن تتواصل المهرجانات بدعم من الدولة، لكن بمساحة من الحرية فى الحركة، وهكذا فإن مهرجان الأقصر تقيمه جمعية «نون» التى يرأسها المخرج محمد كامل القليوبى، كما أن المخرج والسيناريست سيد فؤاد يقيم مهرجان الأقصر الإفريقى من خلال جمعية أهلية، وليس كما حدث مؤخرًا عندما عاد مهرجان القاهرة إلى وزارة الثقافة وشاهدنا براجماتية المثقفين عندما يحصلون على شىء من الدولة يهللون لها، ويتناسون أن موقفهم المبدئى كان يتمثل فى الاستقلال عن الدولة، وهذا لا يتنافى بالطبع مع حقهم الشرعى فى الدعم، قفزنا خطوة أبعد من خلال المهرجانات التى تقيمها مؤسسات وجمعيات أهلية، لكن المثقفين وجدوا ثمرة تلوح بالقرب من أيديهم، والدولة استجابت لهم، فتخلوا عن حلم الاستقلال، لكن هذه قصة أخرى، دعونا الآن نبدأ معكم فعاليات مهرجان الأقصر المغموس فى السياسة.

 

مصر تحتضن الأوسكار!

طارق الشناوي

18/1/2014 7:17 ص

اقتربنا من المرحلة النهائية للأوسكار، وصلنا إلى الترشيحات الخمسة بفيلم «الميدان» للمخرجة المصرية الأصل الأمريكية الجنسية جيهان نجيم.

كتبت فى هذه المساحة وقبل أكثر من شهر عن «الميدان»، أنه الفيلم الذى أوصل للمرة الأولى السينما المصرية إلى القائمة شبه النهائية للأوسكار التى تحوى 15 فيلمًا، وتوقّعت أننا سنصل إلى القائمة القصيرة للترشيحات الخمسة يوم ١٦ يناير فى مجال الفيلم التسجيلى، وهو ما حدث، أول من أمس، وباقٍ ع الحلو دقة وتحتضن مصر الأوسكار لأول مرة يوم 2 مارس.

سبق للسينما الفلسطينية أن حقّقت أربع مرات ذلك بالوصول إلى القائمة القصيرة، وهو أيضًا ما أنجزه المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد للمرة الثانية، بفيلمه «عُمر» فى مجال الفيلم الروائى، لنتطلع بعدها إلى الأوسكار بفيلمين عربيين.

كيف تحكم على الفيلم، بعيدًا عن كل ما يمكن أن تضعه أمامك من مقاييس أكاديمية؟ المعيار الصائب تستطيع أن تُمسك به بعد مشاهدتك، وهو ببساطة هل لديك رغبة أن ترى هذا الفيلم مرة أخرى؟ إذا كانت إجابتك نعم فهذا هو الفيلم، أما ما حدث لى مع «الميدان» فإنه شىء آخر تمامًا، شعرت فى أثناء المشاهدة أننى أستعيد كل لقطاته، لم أنتظر دعوة جديدة لرؤيته، كنت أحتفظ به فى ذاكرتى وأعيد مشاهدته.

أخيرًا صار لدينا فيلم عن الثورة، تتساءلون: أليس رصيدنا ليس فقط عشرات بل مئات من الأفلام تناولت الثورة المصرية، تشابهت فى الكثير من الملامح حتى إننا أصبنا بقدر لا ينكر من التخمة، الأهم من كل ذلك أننا لم نعد نسعد عندما نقرأ عن فيلم اسمه «التحرير» أو «عيش حرية» أو «الجمل» أو «25 يناير»، وغيرها، فلا يوجد ما يستحق أن نترقبه، حتى جاء فيلم «الميدان» لنرى فيه مصر والثورة، الرؤية العميقة التى صنعتها المخرجة جيهان نجيم، تأخذ من الحياة ما يمنح نظرتها هذا القدر من الخصوصية، الفيلم التسجيلى يسمح بحرية مطلقة فى الاختيار، كما أنه لا يعترف بتلك القيود الصارمة، فأنت عندما تختار لا توجّه أحدًا إلى الأسلوب أو لا تطلب منهم أن يسايروك أو يتبنوا وجهة نظرك ليصبحوا صوتك وصورتك، ولكن فقط أن يكونوا أنفسهم، لا تقول مثلًا هدفى أن أقدّم فيلمًا مؤيدًا للثورة، ولكنك ترصد الحقيقة بإنصاف، هكذا وجدت تلك المشاركات مثل الممثل المصرى المقيم فى لندن خالد عبد الله، ومجدى عاشور المنتمى إلى التيار الإسلامى، ورغم إيمانه بتنظيم الإخوان فإن فى أعماقه حب مصر، فهو نزل إلى الميدان يوم 25 يناير رغم أن الإخوان كتنظيم رفضوا المشاركة، أيضًا المخرجة الممثلة عايدة الكاشف والمطرب رامى عصام الذى حمل لقب مطرب الثورة والناشطة راجية عمران والبطل الحقيقى فى هذا الفيلم هو أحمد حسن، لم نعرف عنه الكثير سوى أنه يملك رؤية عميقة للحياة فى مصر، إنه واحد من ملايين الشباب الذين نزلوا إلى الميدان لإسقاط مبارك، ومثلنا جميعًا توقع أنها النهاية وصدق كلمات المجلس العسكرى، فى أنه سوف يستكمل أهداف الثورة، كان الفيلم يرصد تلك الممارسات الخاطئة للمجلس مع توثيقها، مثل الصفقات بين المجلس والإخوان، ومثل الكثيرين توقعنا أن الذروة هى مع إجراء الانتخابات وتولّى مرسى حُكم البلاد، وأنهت المخرجة بالفعل المونتاج، وسافر الفيلم إلى مهرجان «ساندانس» فى مطلع العام المضى، وفاز بجائزة الجمهور، وتسارعت الأحداث مرة أخرى، ولم تعد هذه هى الذروة، ليشعر صُناعه أن الفيلم يصل إلى نقطة فارقة، وهى أن يتم إزاحة مرسى وهكذا استكملوا مشروعهم، ولا أتصورها بالمناسبة هى النهاية، فلا يزال هناك متسع لنهاية أو لعلها هذه المرة بداية قادمة.

قال أحمد حسن بوجهه المصرى وتلقائيته وخفّة ظلّه، إن الثورة مستمرة، ربما انتهى دور أحمد وصرنا ننتظر أصوات أخرى.. هل توافق الرقابة فى مصر على عرض هذا الفيلم جماهيريًّا، هل تجرؤ الرقابة أن تقول لا؟

كان هذا هو التساؤل الذى أنهيت به مقالى السابق، واعتقدت أن الرقابة لن تجرؤ على المنع، ومع الأسف لا يزال الفيلم ممنوع جماهيريًّا من العرض، هل صار داخل الدولة دولة تناصب ثورة 25 يناير العداء، ماذا لو حصل الفيلم فى مطلع مارس على الأوسكار بينما العالم يتابع رعشة أيادى الرقباء المصريين، «اللى حيمنع الميدان عمره ما حيبان فى الصورة»!!

 

عيد ميلاد سعاد!

طارق الشناوي

17/1/2014 2:27 ص

كانت كثيرًا ما تقول فى أحاديثها الشخصية على سبيل المداعبة إنها من مواليد حريق القاهرة، وكان ذلك صحيحًا فى اليوم 26 وفى الشهر يناير مع فارق تسع سنوات، حيث إن القاهرة احترقت عام 52، بينما أضاءت سعاد سماء القاهرة عام 43.

لا أتصور أننا سنتذكر يوم ميلادها وسط زينات وزغاريد الفرح الوطنى، الذى تعيشه مصر، بعد إقرار الدستور بتلك النسبة التى لا أتصورها مفاجأة، حيث تعددت الأهداف التى توجهت كلها فى لحظة واحدة إلى نعم، من أراد السيسى رئيسًا ذهب وقال نعم، ومن أراد للحياة أن تستمر بعد وقف الحال ثلاث سنوات قال نعم، ومن يعتقد أنه من الممكن إعادة زمن مبارك بنفس الوجوه أو بتغيير طفيف قال نعم، وتعددت المشارب، لكن توحد الجميع على رفض زمن الإخوان، نعم للدستور وثيقة لإعلان كل ذلك. ليس الآن مجال تحليل الدستور ونتائجه، الفضائيات متخمة بالاستراتيجيين العسكريين والفقهاء الدستوريين، وهم لن يتركوا هذه المناسبة تضيع من بين أيديهم.

أنا أريد أن نغير المؤشر لنتحدث فى عيد ميلادها الذى يهل علينا بعد تسعة أيام عن فنانة مصر الاستثنائية سعاد حسنى، التى انتحرت قبل نحو 13 عامًا، نعم قلت انتحارًا وليس رحيلًا، واقعيًّا وليس رمزيًّا، إلا أن بعض الورثة وعدد من عشاقها يؤكدون أنها قُتلت، أتفهم بالطبع الظلال السلبية لكلمة انتحار، التى تجعلنا جميعًا نحاول العثور على أسباب أخرى حتى نبرئ ساحة من نحبهم.

آخر من أكدت مقتل سعاد هى منى زكى، فلقد جسدت حياتها قبل نحو 7 سنوات فى مسلسل «السندريلا»، وهو المسلسل الوحيد الذى تبرأ منه أغلب صُناعه ما عدا منى التى كانت تبدو وكأنها تدافع عن منى، من الواضح أنها صدقت هذا الوجه المرح العاشق للحياة الذى كانت تُقدمه فى الكثير من أفلامها، لكننا بصدد سعاد الإنسانة.

انكسرت سعاد بعد رحيل صلاح جاهين، وربما لا يعلم الكثيرون أن آخر زيارة لصلاح قبل رحيله كانت إلى منزل سعاد، حيث روى لى شريف منير آخر تلاميذ صلاح أن الأستاذ اتصل به، وطلب منه كعادته أن يذهب إليه فى منزله وبعدها يصطحبه إلى بيت سعاد، ولأننا كنا فى شهر أبريل 86 قبل عصر الموبايل، فلقد كان الاتفاق أن يعود إليه مجددا بعد ساعتين ليصطحبه إلى منزله وبعدها دخل صلاح فى غيبوبة لتنتهى حياته، والغريب أن سعاد لم تذكر أبدًا ما الذى دار بينهما فى ذلك اليوم.

كان صلاح الأب والصديق وبعد رحيله عانت سعاد الكثير، أتذكر أن المخرج الكبير توفيق صالح فى توقيت ما حاول أن يسد هذا الفراغ، وعندما اختلفت سعاد مع المخرج على بدرخان فى أثناء تصوير «الراعى والنساء» آخر أفلامها على الشاشة تم استدعاء توفيق صالح للفيوم حيث كان يجرى التصوير، يومها التقيت سعاد وقرأت ملامح الانكسار، وكانت بالفعل سعاد أخرى.

أول شائعة انطلقت بعد تداول خبر انتحارها أكدوا فيها أنها اختارت يوم ميلاد عبد الحليم حافظ 21 يونيو، فلقد تصادف أن حليم كان سيبلغ وقتها لو كان على قيد الحياة 72 عامًا، كان خيال الناس حاضرًا ليجدد قصة حب لم تكتمل فى دنيا الواقع، ماتت بعد أيام تلك الشائعة لتفسح الطريق أمام واحدة أخرى أنكى، وهى أن المخابرات المصرية دبرت لمقتلها خوفًا من أن تنشر مذكراتها التى سجلتها لإذاعة الـ«بى بى سى» البريطانية، وفيها تروى الكثير عن محاولات تجنيدها لصالح هذا الجهاز الحساس عن طريق أحد الضباط الصغار، الذى كان مكلفًا بملف الفنانين ثم أصبح وزيرًا للإعلام وهو صفوت الشريف.

كانت سعاد تتلقى علاجًا مكثفًا بسبب الاكتئاب الحاد الذى أصابها، وصاحب ذلك زيادة فى وزنها ترافق مع إصابتها بالعصب السابع الذى يؤدى إلى شلل فى عضلات الوجه، وهو ما دفع سعاد للإقامة الجبرية فى لندن، فلم تكن تريد أن يراها أحد، وفى لحظة فقدت فيها السيطرة على عقلها قررت الانتحار. إلا أن البعض لا يزال يبحث عن نهاية أخرى، لماذا لا نفكر من الآن أن نضىء لها شمعة فى عيد ميلادها رقم 71.

 

المقاطعة الثقافية خيار وفاقوس!!

طارق الشناوي

14/1/2014 5:07 ص

فى اعقاب توتر العلاقات بين مصر وتركيا قام فريق مسلسل «جبل الحلال» الذى يلعب بطولته محمود عبد العزيز بفسخ التعاقد مع الماكيير التركى واستعانوا بماكيير بولندى، ولم تكن هذه هى المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يتم فيها تمزيق الخط الفاصل بين السياسة والثقافة، مثلما أصدرت العديد من القناوات التليفزيونية الخاصة قبل بضعة أشهر قرارا بمقاطعة الدراما التركية،ثم عادت تباعا فى قرارها بعد أن وجدت أن مشاعر المشاهد العربى تفضله تركيا، بينما يحاول التليفزيون الرسمى أن يطرح بديلا صينيا يتم دبلجته للمصرية، وبالطبع لا أحد يملك أن يرسم خارطة طريق المشاعر ليضبط موجات استقبال الناس على الصينى.

القضية موغلة فى القدم سبق وأن دخل الكاتب الكبير الراحل سعد وهبة فى معارك طاحنة مع الدولة فى مطلع التسعينيات عندما كان يرأس مهرجان القاهرة وقرر عرض بانوراما للسينما الايرانية فواجه عواصف من الغضب الرسمى،سبق لنا وأن تابعنا تراشقا فى 2009 عندما استعان مخرج مسلسل «عبد الناصر» باسل الخطيب بماكيير من ايران ولم يحتج فقط وقتها محمد عشوب رئيس شعبة المكياج على الاستعانة بماكيير أجنبى قائلا أن «جحا أولى بلحم طوره»،ولكنه اكد أنه لديه معلومة أن ايران تخطط عن طريق إجراء المكياج لارتكاب جريمة لقلب نظام حكم مبارك، يجب أن أذكركم قبل أن تتعجبوا أن عشوب كان وأظنه لا يزال ماكيير مبارك الشخصى!!

من المنتظر أن يعود وفدا مصريا من إيران بعد رحلة استغرقت عشرة ايام، كان قد سافر عددا من المخرجين والكتاب والفنانين والنقاد والصحفيين وحتى الان لا أدرى ما الذى حدث بالطبع فى الزيارة،حيث كانت التغطية الصحفية شحيحة جدا، ولكن يبقى دور المثقف الثابت وهو ان يدافع عن الحرية هنا وهناك.

عندما وجهت لى الدعوة قبل عام، رددت فى طهران ما أقوله وأعلنه فى القاهرة أ وفى أى عاصمة أخرى، فأنا شديد الحماس للسينما الايرانية، أتابع العديد من مخرجيها لما يملكوه من سحر خاص مثل عباس كيروستامى ومجيد المجيدى واصغر فرهدى وغيرهم، لدى قناعة بضرورة عرض ا لأفلام الايرانية فى المهرجانات المصرية،وضد هذا الحصار الممتد منذ زمن مبارك،ولكنى فى نفس الوقت كنت صوتا للمبدعين الايرانيين الذين صودرت اعمالهم وأصبحوا مجبرين على الاقامة خارج الحدود مثل محسن مخلباف وعائلته التى يحمل كل أفرادها «جينات» الفن السابع، كما أن مخرجين مثل جعفر بناهى ومحمد رسولوف أصدرت المحكمة بحقهما حكما بالحبس 6سنوات وعدم ممارسة المهنة 20 عاما وهما مقيدان بالاقامة الجبرية فى المنزل لأنهما رفضا نتائج انتخابات 2009 التى اتت بنجاد لفترة ولاية أخرى،ووجدتها فرصة عندما التقينا فى نهاية الرحلة مع وزير الثقافة الاسبق وأعلنت رأى،والغريب أن أول طعنة جأتنى من أحد الفنانين المصريين الذى اعتبرنى مفرق للجماعات ومفسد الملذات، لا حظت برغم ابتسامة وزير الثقافة الايرانى وترحيبه بما قلت فإن سؤالى هو الوحيد وعلى غير العادة الذى لم يترجم للفارسية، إلا أنى كنت موقنا أن كل الحاضرين من الاعلام الايرانى مدركون لماحدث، أعلم أن بعض ممن سافروا فى المرة الماضية وهذه المرة إلى طهران لديهم مشروعاتهم الخاصة هذا يريد دبلجة فيلم وذاك يحرص على تمثيل دور وثالث يعتقد انه من الممكن أن يقدم انتاجا مشتركا،ولكن لدى أمل أيضا أنه يستحيل ان يغادر أعضاء الوفد المصرى طهران بدون ان يعلن أحدهم تضامنه مع كل مبدع إيرانى صودرت حريته.

كان رئيس الجمهورية الايرانية حسن روحانى قد أكد قبل بضعة أيام انه مؤمن بحرية المبدع ولكن بالطبع هذا لا يكفى إذا لم يلحق ذلك بإلغاء كل الأحكام السالبة للحرية.

علينا ألا نحطم الخيط الرفيع الفاصل بين السياسة والثقافة، مصر سحبت سفيرها من أنقرة وطردت سفير تركيا من القاهرة، والعلاقات بين طهران والقاهرة تشهد توترا،ولكن هذا لا يعنى مثلا أن نمنع المسلسل والفيلم والاغنية التركية والايرانية، وإلا فإن السؤال لماذا لم نمنع الافلام الامريكية والعلاقات تزداد توترا مع واشنطون بعد ثورة 30 يونيو، أم أنه كالعادة المسألة فيها خيار وفاقوس؟

 

السينما وبخور طاغور!

طارق الشناوي

12/1/2014 1:19 ص

يقول شاعر الهند وفيلسوفها طاغور «الحب مثل البخور يحتاج إلى نيران حتى تشم رائحته»، النيران هى المصاعب والعواصف والأنواء والمخاطر التى تواجه المحب حتى يصل إلى محبوبته، ولهذا فإن كل القصص الرومانسية التى خلدها التاريخ كان وقودها المعاناة والعذاب، وما حدث للسينما المصرية من تراجع فى الكم والكيف كشف أن صُناع السينما لم يحملوا حبًا حقيقيًّا لها، أين هو روميو وقيس وعنترة الذى يضحى من أجل جولييت وليلى وعبلة، الجميع سارعوا بالجرى مثل فرار الصحيح من الأجرب عندما اكتشفوا أنها لم تعد تمنحهم كل المكاسب التى تعودوا عليها، أغلب شركات الإنتاج السينمائى توقفت عن ضخ الأموال، كبار النجوم ذهبوا إلى الشاشة الصغيرة، الكل حسبها بالورقة والقلم، وقال «بلاها سينما»، ولم يبق إلا عدد محدود جدًّا من المنتجين مثل السبكى الذى قرر أن يفك الشفرة ويوجه للسينما النوع الذى من الممكن أن يُحدث تواصلًا مع الجمهور مهما اختلفنا مع أفلامه فهو لا يزال فى الساحة.

الكل يعلم أن الدراما التليفزيونية بطبعها استهلاكية، والتاريخ الحقيقى الموثق للفنان هو السينما، المسلسل مهما بلغ نجاحه فى العرض الأول يتضاءل كثيرًا مع مرور السنوات، بينما السينما لا أتحدث بالطبع عن أفلام التهريج، لكن السينما هى التى تصنع التاريخ.

لو أخذت مثلًا نموذجًا مثل عادل إمام مبتعد عن السينما ثلاث سنوات متتالية، وقدم خلالها مسلسلين، ويصور الثالت «صاحب السعادة»، السر غير المعلن أنه كان يتقاضى حتى فيلمه الأخير «زهايمر» 16 مليون جنيه عام 2010، المطلوب تبعًا لاقتصاديات السينما الحالية هو أن يحصل على 10 فقط، بينما التليفزيون يعرض عليه فى المسلسل 30، وهكذا جاءت ضربة البداية فى مسلسل «فرقة ناجى عطالله» كان فيلمًا زمنه ساعتان، ولم تستطع إسعاد يونس المنتجة رصد الميزانية المطلوبة التى يحصل بمقتضاها عادل على نفس أجره السابق، أحال كاتب السيناريو يوسف معاطى الفيلم إلى مسلسل قرابة 20 ساعة، مجرد صفقة مالية تتكئ على حسبة اقتصادية مباشرة، المسلسل حتى لو احتاج إلى مجهود أكبر فإنه يمنحه ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه سينمائيًّا، عادل بالطبع هو حالة صارخة، لأن هناك نجومًا توجهوا إلى التليفزيون مثل السقا وكريم، لكنهم لم يفقدوا تواصلهم مع السينما، وتعاملوا بمرونة مع الظروف المتغيرة، وتناقصت أجورهم بما يتوافق مع حالة السوق، أيضًا لدينا نجوم قرروا الدخول فى المعركة مثل إلهام شاهين، التى أنتجت فيلم «يوم للستات» إخراج كاملة أبو ذكرى، وعندما تلمح اسم المخرجة تدرك أن إلهام لن تقدم مجرد فيلم للنجمة إلهام، لكن فيلم عليه توقيع كاملة وبطولة جماعية لم تُفصل المخرجة فيلمًا على مقاس البطلة، أغلب نجومنا، وعلى مر الزمن، وهم يشاركون فى الإنتاج فاتن حمامة وفريد شوقى وكمال الشناوى ومديحة يسرى وغيرهم، بقدر ما كسبوا من السينما ضخوا أيضًا أموالهم فى شرايينها.

دور النجوم الذين أثروا من السينما أن يمنحوها فى لحظات الشدة والمرض، وبالتأكيد لن يخسروا فقط الاحتمال الوارد هو أن أرباحهم ستتناقص، لكن من هو الفنان الذى يوافق على أن يضحى بجزء من أرباحه، إنهم يطبقون مبدأ «اللى تكسب بيه العب بيه».

الأفلام التى دأبنا على أن نصفها بالمستقلة لم تستطع أن تملأ الفراغ، فهى حتى الآن لم تتواصل مع الناس، المؤكد أنها كمشروعات اقتصادية لا تحقق خسائر لمنتجيها، ومن خلال مساهمات عدد من المهرجانات وصناديق الدعم تستطيع أن تُكمل المشوار الإنتاجى، وهكذا شاهدنا ستة أفلام مما نطلق عليها مستقلة عُرضت العام الماضى أى أننا نتحدث عن قرابة 25% من حصيلة 2013، وهذا يعنى أنها صارت تشكل رافدًا مهمًا وحيويًّا على الخريطة، ولا يمكن أن نتجاهل ذلك، لكن الناس هى التى تملك أن تمنح الفيلم حياته عندما يقطعون التذكرة إليه، وحتى الآن أرى أن أغلب تلك الأفلام تستسلم لكونها أفلامًا بلا جمهور، ولا يبدو لديها رغبة فى البحث عن أحضان الناس.

إذا لم يعترف الجمهور بهذه الأفلام، فلا أتصور أنها سوف تحتل مساحة دائمة على الشاشات، دفء الجماهير هو الذى يشعل البخور، فهل لدينا حقيقة بخور؟

 

هل نعرض أفلامًا إسرائيلية؟

طارق الشناوي

11/1/2014 6:56 ص

لا أزال أتذكر تلك الواقعة التى مرّ عليها نحو 15 عامًا عندما تَلَقَّى الشاعر الرقيق أحمد شفيق كامل اتصالًا من جمعية المؤلفين والملحنين يخبرونه أنهم فى إسرائيل يريدون موافقته لطبع أعنيته «إنت عمرى» على «سى دى»، وتركوا له تحديد الرقم، وكانت إجابته القاطعة: «يغوروا هُمّا وفلوسهم».

ليس لنا سوى سلاح واحد فى مواجهة التغلغل الإسرائيلى، وهو إغلاق باب التطبيع، وعلى كل المستويات. العالم العربى مُتخَم بالعديد من المشكلات التى تهدد أمننا القومى، ولكن لا يعنى هذا أن نغضّ الطرف عن محاولات إسرائيل اختراقنا ثقافيا، خصوصًا مصر، وبين قوسين مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الذى كانت ولا تزال تسعى إليه.

إن إجابة السؤال الذى كتبته فى العنوان هى «لا وألف لا للأفلام الإسرائيلية»، إلا أننى قرأت للناقد الكبير سمير فريد الذى أسندَت إليه وزارة الثقافة مسؤولية إقامة هذه الدورة من مهرجان القاهرة وهو يوجه فى بابه اليومى «صوت وصورة» قبل نحو أسبوع فى «المصرى اليوم» عتابًا شديد اللهجة إلى المهرجانات العربية السينمائية لأنها رفضت عرض فيلم إسرائيلى، وللعلم لدينا فى عالمنا العربى 200 مهرجان سينمائى (المملكة المغربية وحدها لها 100 مهرجان). كل هذه المهرجانات منعت فى العامين الأخرين عرض الفيلم الإسرائيلى الجنسية والمنشأ «خمس كاميرات محطَّمة». الفيلم شارك فى إخراجه عماد برناط الفلسطينى وجاى ديفيد الإسرائيلى وحاصل أيضا على دعم من صندوق دعم السينما الإسرائيلية. المهرجان العربى الوحيد الذى سمح بعرضه وعلى استحياء هو «الرباط»، الفيلم كان بين خمسة أفلام تسجيلية رُشِّحَت فى العام الماضى لجائزة أفضل فيلم أجنبى تسجيلى طويل فى مسابقة «أوسكار»، لم يحصل على الجائزة رغم أنه كان الأفضل، وهو بالمناسبة يُدِين إسرائيل ووحشيتها فى إقامة المستوطنات، ولكن ليست هذه هى القضية. هل أخطأت المهرجانات العربية أم أنها كانت مدركة للخطر الإسرائيلى؟ فى الحقيقة لم تكن المرة الأولى التى يعلن فيها ناقدنا الكبير على ذلك، سبق أن كتب أكثر من مرة فى هذا الشأن، ولم يكن يعنينى التعقيب، فكل منا حر فى قناعاته الفكرية ولكن عندما أصبح يشغل موقع رئيس المهرجان انتقلنا من الخاص للعام.

مهرجان القاهرة عنوان لمصر، وهذه الدورة تحديدًا تقيمها مباشرة وزارة الثقافة ويشارك فيها أيضًا نقابة السينمائيين ومعهد السينما بإقامة تظاهرتين، أى أن هذا الموقف له مردوده السياسى رسميًّا وشعبيًّا.

مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى لها سفارة فى تل أبيب، ولإسرائيل سفارة بالقاهرة، الاعتراف السياسى الرسمى قائم منذ عام 79 بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكانت مصر من خلال مثقفيها هى التى انتفضت وقالت بصوت عالٍ «لا للتطبيع مع إسرائيلى» من خلال نقاباتها الفنية، وكل النقابات العربية انتفضت مؤازرة الموقف المصرى فتحول إلى موقف عربى، وظلت المهرجانات العربية حائط صد ضد إسرائيل بينما لا تكفّ إسرائيل عن طرق الباب، وتابعنا مثلًا قبل سبع سنوات محاولة إسرائيل الوجود فى مهرجانَى القاهرة وأبوظبى بفيلم «زيارة الفرقة» الذى سبق عرضه فى قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان»، وتستطيع أن تعتبره قصيدة حب لمصر يتخللها عناق بين العلميين المصرى والإسرائيلى. الفيلم يتناول حكاية وهمية لفرقة تابعة للشرطة المصرية ذهبت إلى تل أبيب لإقامة حفل وضلت الطريق إلى إحدى القرى، وكانت فرصة لكى تقترب من الشعب الإسرائيلى لتدرك مدى حبه لكل ما هو مصرى، أى أنه على المستوى الفكرى يُشِيد بمصر وبالفن والشخصية المصرية، وأصدر كل من المهرجانين العربيين بيانات لرفض عرضه، وكانت الإعلامية المصرية نشوى الروينى رئيسة لمهرجان أبو ظبى وحرصت على إعلان ذلك بلا أى لبس، ومن المؤكد أن هذا كان أيضًا رأى سمير فريد وقتها لأنه كان يشغل موقع مستشار مهرجان أبو ظبى، وبالطبع أصدر مهرجان القاهرة بيانًا مماثلًا لرفض الفيلم. لا نسأل فى العادة عن مضمون العمل الفنى ولكن كل ما يحمل الجنسية الإسرائيلية مرفوض شكلا. لو انتقلنا إلى الموضوع فسوف تتعدد المشارب والقراءات سواء بحسن نية أو دونه، ونجد أنفسنا مخترَقين بأفلام ومسلسلات وأغانى إسرائيلية.

هل المهرجان فى دورته رقم 36 لا يزال ملتزمًا بقرار المقاطعة الذى حرص عليه كل رؤساء المهرجان السابقين، أم أنه قد جدت فى الأمور أمور؟!

 

شجيع السيما

طارق الشناوي

5/1/2014 1:48 ص

أنْ تضع أبطالك فى مكان واحد على مدى ساعة ونصف الساعة، زمن الفيلم، فهذه تحتاج إلى شجاعة فنية، حيث تصبح كل التفاصيل فى هذه الحالة تخضع لميزان من ذهب، الكلمة والصمت، الحركة والسكون، التصريح والتلميح، فلا شىء مجانيا، ولكن ما حدث فى فيلم «جرسونيرة» أننا عشنا فى صراخ دائم من نضال الشافعى وتلعثم مقلق من منذر رياحنة وجهد ضائع من غادة عبد الرازق، تلك هى المعادلة التى جمعت أبطالنا الثلاثة على الشاشة، حيث تباروا جميعا فى الثرثرة الدرامية التى لا طائل ولا جدوى من ورائها، وعندما لم يجد المخرج شيئا يملأ به الفراغ المرئى والصوتى لجأ إلى تقديم أغانٍ تتحدث بلسان البطلة وتكرر ما قالته بركاكة شعرية.

يقيد المخرج هانى جرجس فوزى أبطاله الثلاثة داخل شقة ومن خلال ذلك تجرى الأحداث، إنها بالطبع ليست الثلاثية الشهيرة، الزوج والزوجة والعشيق، ولكن ثلاثية اللص والعشيق والعشيقة، وقد تتغير أطراف المعادلة بين الحين والآخر ليتبادلوا الأدوار، ووسيلته هى اللعب بقانون الدراما بين المفاجأة والمفارقة.

البداية كما قدمها الكاتب حازم متولى، نشاهد الرجل الثرى السفير السابق ورجل الأعمال الملياردير نضال مع العشيقة غادة على السرير، تبدو غادة للوهلة الأولى تريد أن تتمرد على هذا الوضع، وتمتد الأحداث بنفس القانون، فى كل مرة يقدم لنا مفاجأة غير متوقعة، اللص منذر الذى تابعناه وهو يشهر مسدسه ويسرق غادة ويساوم نضال ويمارس الجنس عنوة معها لم يكن لصا ولا مبتزا، ولكنه جزء من الصفقة لتنفيذ الخطة التى حاكتها غادة للاستيلاء على أموال العشيق وقبل أن نهدأ ونسترد أنفاسنا يرسل لنا مفاجأة ثانية وهى أن نضال لمح اللص صدفة من مرآة العربة وهو يدخل للشقة مجددا فتنصت عليهما من الخارج وعرف أنهما تواطآ فقرر أن يشتغلهما فى الربع الأخير من الفيلم بعد أن اشتغلاه ثلاثة أرباع الشريط السينمائى. ويبدأ فى الانتقام ويفتح أنبوبة البوتاجاز بعد أن ربطهما معًا ليختنقا ويذهب هو بجريمته ومعه الشريط الذى صوره لهما منذر فى لحظة لقائه مع غادة. ولا يكتفى الكاتب بهذا الحل، بل تمسك غادة بالولاعة وقبل أن تشعلها ينتهى الفيلم ونحن موقنون أن الثلاثة سوف يحترقون بالنيران، ربما يمهد المخرج بتلك النهاية لجزء ثان من

«جرسونيرة»عندما نكتشف أن الولاعة لا تعمل، ويبدأ الجميع فى البحث عن عود ثقاب.

حاول المخرج بقدر المستطاع أن يبحث عن أى مواقف تثير شهية الجمهور للمتابعة، ولكنك لن تجد شيئا يحفزك على المضى قُدمًا للنهاية، لم يكن أمامنا حبكة نصدقها على السطح تدعونا لكى نكمل لنرى أبعادا أخرى فى العمق، تستطيع أن ترى الفيلم مجرد محاولة من مخرج لصناعة فيلم غير تقليدى وكأنه شجيع السيما أبو شنب بريمة، فقرر فى لحظة تحدٍّ أن يحبس أبطاله فى شقة ونسى المفتاح وترك الباقى على الله.

هانى جرجس فوزى ارتبط فى بداية مشواره كمخرج بأفلام مثل «بدون رقابة» و«أحاسيس» تستحوذ على الجمهور بالإثارة والدخول فى الممنوع فى مشاهد جنسية وسحاقية، ولا شك أن تلك الأفلام حققت قدرًا من الأرباح، هذه المرة فى دار العرض لم أعثر على الجمهور، رغم عنوانه الصارخ

«جرسونيرة» ربما لأن العنوان أثار شهية المتفرج لمشاهد جنسية لم يعثر عليها فخاصم الفيلم. نضال الشافعى ومنذر رياحنة كانا فى أسوأ حالاتهما، نضال تصور أن الانفعال الذى يصل لحدود الافتعال هو الطريق للجمهور ومفتاح الشخصية فلم يقدم طوال الأحداث سوى نغمة درامية رتيبة واحدة، منذر رياحنة ممثل مجتهد ولكن تخونه دائما اللهجة المصرية التى لم يستطع حتى الآن ضبطها، كلماته الشامية توقظ المتفرج فيجد نفسه خارج «مود» العمل الفنى، وتبقى غادة عبد الرازق ممثلة موهوبة تتلبسها الشخصية، تستطيع أن تصل بأقل انفعال إلى عمق الأداء، ولكنها كانت تبدو هذه المرة وكأنها تمثل لحسابها الشخصى، فلا يوجد فى الواقع شىء حقيقى يدعو لاجتهاد الممثل. إنه شريط نظيف، لو كان المقياس هو النظافة لاحتل المركز الأول إلا أن السؤال أين الفيلم؟!

 

رحيل زمن

طارق الشناوي

3/1/2014 5:31 ص

علمت بالخبر، على الفور وجدت نفسى أشهد لحظات وداعه وأبكيه مثل عشرات فى جامع «مصطفى محمود»، لم تكن العلاقة بينى وبين الكاتب الكبير الراحل ممدوح الليثى سوى شد وجذب، دائما لدى الكثير من الانتقادات على مواقعه التى شغلها فى الحياة الفنية فهو العنوان سواء فى الدولة التى منحته أعلى المناصب المتعلقة بالدراما أو السينما ومهرجان الإذاعة والتليفزيون وفى نفس الوقت كان فى مواقع شعبية مثل نقابة السينمائيين أو رئيسًا لاتحاد النقابات الفنية أو جمعية كتاب ونقاد السينما ومهرجان الإسكندرية، ولهذا كنا نصطدم وأكتب ويكتب وينفعل وأنفعل.

ممدوح الليثى عندما يدخل فى معركة يستخدم كل الأسلحة وبعضها خارج المسموح به، تلك هى تركيبته، وعندما تختلف معه عليك أن تتوقع كل شىء،لا أستطيع أن أتنصل مما كتبته أو كتبه، ولكن ما إن ينتهى الموقف إلا وأجد تليفونا منه كأن لا شىء قد حدث.

أتذكر عندما تآمروا على جريدة «الدستور» لتغيير الملكية وتغيير السياسة فى العام الأخير من زمن مبارك، أن أول من اتصل بعد ساعات قليلة من المؤامرة هو ممدوح الليثى يطلب منى الكتابة فى جريدة «الخميس» وتحديد الأجر الذى أريده وشكرته، فلم تكن لدى مشكلة فى النشر، لأن الكاتب الكبير إبراهيم عيسى كان محتفظا بـ«الدستور الإلكترونى»، وأضاف لها فقط كلمة الأصلى.

كثيرون دخلوا معه فى معارك مثل على بدرخان ومسعد فودة وقبلهما سعد وهبة ودائما ينتهى الصراع حتى لو ترك الكثير من الجراح والندوب، فى كل المواقع التى شغلها كان منجزًا ويتدخل فى اللحظات الحاسمة لاتخاذ قرار حاسم، عندما تم إنشاء «جهاز السينما» انتقدت تلك التصريحات التى أشار إليها بأن الجهاز سينتج فى العام 50 فيلما، وجدتها مبالغة لا تتوافق مع حقيقة الإمكانيات وكانت معركة ساخنة وكتبت فى «روزاليوسف» مقالا عنوانه «جهاز الليثى لإنتاج التصريحات» ولكن فى النهاية تكتشف أن جهاز السينما قدم أكثر من عشرة أفلام هى الأهم فى السنوات الأخيرة مثل «ملك وكتابة» و«معالى الوزير» و«اضحك الصورة تطلع حلوة» و«واحد صفر» و«إسكندرية نيويورك» وغيرها والمبالغة التى صاحبت بداية الجهاز كانت جزءًا من «البروباجندا» التى توارثناها.

ممدوح الليثى بدأ مشواره فى مطلع الستينيات فى مجلة «روزاليوسف» صحفى تحت التمرين وكان كثيرًا ما يذكر لى أنه كان يتقاضى عن الخبر 25 قرشا، وكان يسلم تلك الأخبار إلى الأستاذ الناقد الرياضى الراحل صلاح المنهراوى، وظلت له علاقة خاصة بكل العاملين بـ«روزاليوسف» مهما تباعدت بينهما السنوات واختلفت الأهداف.

ممدوح يشكل زمنا خاصا، وهو المثقف الذى يرتبط بالدولة ويشغل المناصب، ويصبح الفيصل هو: هل استطاع أن يقدم رصيدا أم لا؟ فى الحقيقة برئاسته لقطاع الدراما تلمح هذا الإنجاز، روائع الكُتاب أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوى ويسرى الجندى ومحفوظ عبد الرحمن، والمخرجين إنعام وفاضل والعلمى وعبد الحافظ والصحن. ستلمح أن قطاع الإنتاج الذى رأسه الليثى كانت لديه خطة ووجهة نظر.

كتب عددا محدودا من الأفلام، ولكنها احتلت مكانة خاصة فى تاريخ السينما مثل «الكرنك» و«المذنبون» و«ثرثرة فوق النيل» وغيرها، وقدم للدراما التليفزيونية «السندريلا» كقصة وعندما شاهد الحلقات الأولى على الشاشة سيئةً سارع بإعلان رفضه للمسلسل ولم يدافع عن شاشة لم تحقق حلمه. وكان مشروعه الأخير هو «الصديقان» يقصد ناصر وعامر، والذى دخل من أجله العديد من المعارك مع ورثة عبد الحكيم عامر ومع جهاز المخابرات، نظرًا لأنه يتعرض لانتحار المشير عامر، وفى رواية أخرى قتل المشير وقدم الروايتين، وتركهما للمشاهد.

هكذا كان حلمه فى الفيلم السينمائى الذى رشح لإخراجه خالد يوسف، وأخيرا كان الحل هو أن يتحول إلى مسلسل، ومن الواضح أن الدولة رأت أنها نهاية واحدة وهى الرسمية التى أعلنتها، انتحار المشير.

ممدوح الليثى فى العام الأخير آثر الابتعاد واستقال من رئاسة اتحاد النقابات الفنية، ولم يرشح نفسه مجددا لجمعية كتاب ونقاد السينما، كان يقول دائما «أنا كبرت وأريد أن أستريح». ممدوح ليس مجرد كاتب كبير ولا مسؤول كبير، ولكنه شكّل زمنا فى الدراما والسينما والإعلام سنعود إليه بحلوِه ومرِّه كثيرًا كثيرًا.

 

نجوم الأرقام ونجوم الأوراق

طارق الشناوي

31/12/2013 4:04 ص

كانت القبائل القديمة تصنع آلهة من العجوة لكى تعبدها، وعندما يستبد بها الإحساس بالجوع تأكلها، ألا تجد شبها بين هذه الآلهة وبين نجومنا؟ إنهم من صنع البشر يعبدونهم وبعد أن ينتهى عمرهم الافتراضى يلتهمونهم، حتى يتسنى لهم أن يخلقوا آلهة أخرى.

أعاود مرة أخرى إلقاء نظرة على سينما 2013، أُطل عليها من زاوية نجوم الشباك، بدأ الموسم بنجم متحقق وهو أحمد حلمى فى فيلم «على جثتى»، محمد بكير، وانتهى مع نجم من نفس الجيل خالد أبو النجا فى «فيلا 69»، آيتن أمين، وتخلل العام أحدث صيحة فى النجوم محمد رمضان فى «قلب الأسد»، كريم السبكى، وكان له نصيب الأسد فى شباك التذاكر، المنتج السبكى هو المحرك لرمضان، فلا يزال لديه معادلة وطبخة جاهزة يعتقد أنه الوحيد الذى يعرف السر ويفك الشفرة، ولكن الأمر لن يستمر طويلا، سيتمرد رمضان على السبكى، وسيجد منتجا آخر يمنحه أجرا أعلى ومعادلة مختلفة.

حلمى وأبو النجا شاركا فى إنتاج الفيلمين وهما بحساب الورقة والقلم لم يحققا الإيرادات المتوقعة.

يجمع بين حلمى وأبو النجا أن كلا منهما صاحب عقل يقظ، حلمى مقيد أكثر بشباك التذاكر فهو يعلم أن قوته الضاربة تتحقق كلما ارتفع مؤشر الرقم، خالد لديه معادلة مختلفة، اكتفى بالقليل من الأجر إلا أنه ومع مرور الزمن ستجد أنه فى رصيده العدد الأكبر من الأفلام الهامة فى تاريخ هذا الجيل، فهو البديل الجاهز دائما عندما يتعذر الاتفاق مع نجم ممن يحصلون على الأصفار الستة، لا يزال أبو النجا لم يتجاوز خانة الأصفار الخمسة، وهكذا مثلا وجدناه هذا العام انضم إلى «فيلا 69» بعد تعثر المفاوضات مع محمود حميدة ثم ممدوح عبد العليم بسبب الأجر.

حلمى أخفق ولكن يشفع له أنه حاول المغامرة فى «على جثتى» بفكرة مغايرة، لم تتوفر له الحماية الفنية مثل فيلمه السابق «إكس لارج»، الذى حطم من خلاله الشائع والمتوقع بسيناريو كتبه أيمن بهجت قمر بحرفية وإحساس، وكان معه مخرج بحجم شريف عرفة، فكانت الشاشة قادرة على الجذب. إخفاق حلمى يحميه رصيده الجماهيرى السابق، فهو لا يزال الأول فى المعادلة السينمائية، بينما مثلا إخفاق محمد سعد فى «تتح» لن ينقذه شىء بعد نفاد الرصيد.

أبو النجا الخبر السيئ أنه لم ولن يصبح نجم شباك، الخبر السعيد أنه سيظل على الخريطة، لفترة زمنية أطول من أقرانه، فهو فنان قابل للتشكيل على عكس العدد الأكبر من نجوم الشباك الذين تمت قولبتهم فى تفاصيل محددة يعيدون فى كل مرة تدوير نفس البضاعة.

وفى الجعبة أسماء لنجوم يقفون فى المنتصف مثل الخالدان الصاوى وصالح، التقيا معا فى «الحرامى والعبيط» لمحمد مصطفى، ولكن القدرة على الجذب الجماهيرى لم تتحقق لأى منهما، وهما مدركان لمتغيرات السوق، ولهذا يوجدان بمساحات أقل فى الأعمال الفنية الأخرى لنجوم لهم صدى أكبر فى الشباك، صالح لعب بطولة «فبراير الأسود» لمحمد أمين والتجربة لم تسفر عن أى نجاح فنى أو تجارى. كانت هناك هذا العام محاولة لخلق نجمين حسن الرداد فى «نظرية عمتى»، أكرم فريد، ومحمد فراج فى «هرج ومرج»، نادين خان، و«القشاش»، إسماعيل فاروق، الرداد ممثل موهوب ولكن الكوميديا يظلمها وتظلمه، إلا أنه مصر على المضىّ قدما فى هذا الاتجاه مهما كانت العواقب وخيمة.

محمد فراج فى «هرج ومرج» لم يحقق أى تماسّ مع الجمهور، بينما فى «القشاش» كان هناك رقم، وهو بالتأكيد ليس جمهور فراج ولا حورية فرغلى التى شاركته البطولة، إنه جمهور صافينار الراقصة الأرمنية التى هزت الشباك وهزت مصر كلها.

وهكذا نجد أمامنا هذا العام نجوما قابلة للالتهام بعد أن انتهت فترة صلاحيتها وعلى رأسها محمد سعد، ونجما صار يملك جاذبية جماهيرية لا تحتمل التشكيك، محمد رمضان، ونجوما أقرب إلى كذابى الزفة مثل خالد النبوى فى «المواطن»، لا رقم فى الشباك ولا إبداع على الشاشة، ولكنهم متحققون بغزارة مفرطة فى أجهزة الإعلام وعلى أوراق الجرائد!!

التحرير المصرية في

01.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)