كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

طالع قليلاً نازل كثيراً...

هوفيك حبشيان

 

في "طالع نازل" لمحمود حجيج، شخصيات عدّة (يضطلع بأدوارها كلّ من يارا أبو حيدر، حسّان مراد، ندى بو فرحات، زياد عنتر، ديامان بو عبود، عايدة صبرا، منال خضر، منذر بعلبكي، حسام شحادات) تقوم بزيارة طبيب نفسي (كميل سلامة) في عيادته البيروتية، للإدلاء بما لديها، قبل ان تلتقي بعضها البعض الآخر في حفل رأس السنة. انه اليوم الأخير من العام، لا بل ساعات قليلة تفصل بين العام الحالي وذاك الذي ينتظر خلف الباب. كل هؤلاء يجتمعون في عيادة طبيب هو نفسه لم يصفِّ حساباته مع الحياة بعد، وهذا ما سنراه لاحقاً.

... ولكن مَن هم هؤلاء الذين يعبرون الشاشة من دون أن يتركوا أيّ أثر؟ هل المقصود من المخرج أن يجعلهم على هذا القدر من الخفة والهزالة؟ وهل هم فعلاً يشكلون جزئيات البازل اللبناني؟ أسئلة لا شكّ انه لا يريد أن نطرحها، لشدة سطحية النصّ وتهافت اخراجه وجعل كلّ شيء هائم فوق نوع من ضباب. لماذا هذا العدد من الشخصيات التي تتفتت أمامنا في مساحة زمنية ضيقة لا يمكن ان تعبّر من خلالها عن قلقها وأسئلتها والهواجس التي حملتها معها الى العيادة/ المطهر؟ وكيف نتعاطف مع هؤلاء الذين يبوحون ونحن لا نعرف أيّ شيء عنهم ولن يساعدنا الفيلم لمعرفة المزيد؟ الفيلم يرمي هؤلاء على الأريكة ويغتال نفسه كأن دوره ينتهي عند هذا الحدّ، من دون أيّ محاولة لانتشالهم وتحويلهم فعلاً الى شخصيات تدعونا الى فهم ما تعاني. كليشيهات مكبوبة في فيلم مسوّدة ظلّ كشجرة لم تثمر بعد.

على الرغم من طموحه وابتعاده الكامل عن موجة السينما الاستهلاكية التي تعصف بالشاشات اللبنانية منذ فترة، ليس "طالع نازل" سوى حالة نموذجية تعبّر عما آلت اليه، عموماً، الحدوتة المايعة في سينمانا المحلية. هناك تياران موازيان عندنا حالياً في السينما الروائية: أفلام تخاطب المشاهد الذي يريد الترفيه بقليل (أو بكثير؟) من الخفّة بعد يوم عمل شاق (أفلام النسيان والنكران)، وأفلام تطالبه بتورط كامل. كلاهما متعب. نجح الوثائقي اللبناني في تكريس منطق مقبول وحرفة عالية ناقلاً شيئاً من حقيقة البلاد. باختصار، كلّ ما عجزت عنه السينما الروائية، لأن نجاحها يتوقف على القدرة التجسيدية واعادة انتاج او بناء واقع معين، ولا يتوقف على التسجيل والالتقاط والتوثيق كما في الوثائقي. أسباب الفشل عديدة، منها السيناريو وقلة الاهتمام بهذا العنصر الاساسي في سرد حكاية بصرياً. لا يمكن الفيلم ان يكون فيلماً اذا لم تتوافر فيه العناصر الأساسية الكافية لتكوينه. والسيناريو يجري اهماله في معظم مراحل صناعة الفيلم اللبناني.

ليس عندنا كتّاب سيناريو جيدون يتحكمون بمفاصل النصّ ويدركون كيفية التلاعب بخيوطه. في معظم الأحيان، المخرج هو الذي يتولى هذه المهام، وأحياناً من دون ان يسأل هل يصلح له أم لا. السيناريو متروك للحلول التقريبية وغير المنطقية (وأحياناً لقلة البحث والدقة). لا تكمن مشكلة "طالع نازل" في انه يحمل هفوات وثغراً، فهذا جزء من المشكلة. العلّة ان الفيلم يحمل فراغاً لا يمكن التساهل معه بحجة تشجيع المنتج الوطني. هناك شيء ما في الفيلم لا يمكن مَن شاهد ألوف الأفلام أن يتجاهله: شيء من البلادة في رسم الحكاية، نوع من الميوعة في التعامل مع الحوارات. هذا لا شيء أمام الزيف الذي يحيط بالمشروع، والذي لا يُمكن تحمله، سواء في أداء بعض الممثلين (بعضهم جيّد)، أو في المواقف التي وضعوا فيها. هناك زيف لا ينتهي الا مع الجنريك. الزيف يقتل السينما، ويحمل المشاهد الى عدم تصديق ما يراه!

تصير الحكايات المطروحة اشلاء، يربط بينها مصعدٌ في مكان يفترض انه بناية في حيّ بيروتي ميسور الحال. بناية، مصعد، ناطور، طبيب نفسي وبضع عابرين، لكي ينظم محمود حجيج أحداثاً ولا أحداث فيلمه الروائي الثاني (بعد "الأكثرية الصامتة")، ضمن "تطورات" درامية لا تمر الى العقل لا بالحلال ولا بالحرام. اولاً، لأن الفيلم مقطّع بصيغة لا تترك للمَشاهد فرصة اقتناص اللحظة أو الانصهار ضمن وحدة متكاملة، في الاطار المكاني والزماني. لا نشعر بالمكان، ولا يساهم مرور جَمَل أمام الكادر، من يساره الى يمينه، سوى لاضفاء المزيد من التيه والحيرة في علاقتنا بالمكان. بين عيادة الطبيب والمصعد "الطالع النازل" وبعض اللقطات الخارجية المعدومة الروح، يقدم حجيج فيلماً كلوستروفوبياً لا نتنفس فيه، ما يؤدي الى اختناق وملل، على رغم مدة عرضه القصيرة. لا احساس ممكناً بالمكان من دون احساس بالزمن. والزمن مُمزّق في الفيلم، مشتت ومربك الى أقصى حدّ. ثمة عدم ترابط بين الحكايات المتنوعة. الفيلم بأكمله يصبح بعد فترة قصيرة من انطلاقه تجميعاً لخبريات على طريقة من كل وادٍ عصا. كل هذا لقول ما لا نجهله: نحن في ورطة نفسية واجتماعية وسياسية وأخلاقية. نحن في الحضيض... الخ. طبعاً، يحمل الفيلم في داخله نواة لسينما طيبة، لكن الفنّ ليس بالنيات.

الفكرة الأساس التي تحتضن الفيلم بأكمله، هي الطامة: اذا كان هناك عشرة حلول سيناريستية، فبعض الكتّاب يختارون الحلّ الأقل قدرة على الاقناع، بحجة الاختلاف او الاستعارة أو كلّ هذا الذي لا يدخل العقل. اللغة الفرنسية تميز بين الـVrai والـVraisemblable. بمعنى آخر، ليس كلّ ما هو حقيقي يبدو حقيقياً عند انتقاله الى الشاشة. مثلاً: كم عدد الأشخاص الذين يزورون الطبيب النفسي في يوم رأس السنة؟ الفيلم وجد لكم ستة او سبعة من هؤلاء. حتى لو كان هذا الخيار منطقياً، فإنه يبدو هزيلاً لأنه ليس محوطاً بما يدعمه. ثم ان الحصة المعطاة لكلّ من الممثلين تتفاوت بين واحد وآخر بنحو لا يترك للشك مكاناً: بعضم كان كاراكتيره مقبولاً من حيث القدرة على الإقناع فأعطي وقتاً اكثر من الذي بدا باهتاً وكاريكاتورياً. حجة لا يمكن ان يقبلها كاتب سيناريو محترف. يبقى الكلام الذي تبوح به الشخصيات بين العادي جداً والمضحك. نسمع مثلاً: "البوح يعني في عندك شي جوّا بدّك تطلعوا لبرا. البوح سحر". فعلاً؟ بعد هذا، لا يحتاج المرء الا النزول من العيادة!

يُعرض في الصالات المحلية.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

كوستوريتسا: الفنّ أدرينالين

هـ. ح.

في لقاء مع "النهار" على هامش مهرجان كوستندورف في مدينة درفنغراد الصربية من 18 الى 23 الجاري، كشف المخرج الصربي أمير كوستوريتسا بعض التفاصيل المتعلقة بفيلمه الجديد "درب التبّانة" الذي صوّره في الجمهورية الصربية.

الفيلم مقتبس من قصة له وسيشكل عودته القوية الى السينما بعد غياب ستّ سنوات وعملين متواضعين. يقول: "لم يكن لديّ مشكلة في ايجاد تمويل لأفلامي، ولكن كنتُ تمنيت لوّ انني انجزت هذا الفيلم قبل الآن. في مرحلة كنتُ ضقتُ ذرعاً من السينما. رأيي سلبي في السينما الحالية، مع ان فيلم مثل "الجمال العظيم" لباولو سورنتينو يعيدنا الى السينما الكبيرة، ويمنحنا الأمل، لأنه عودة منتظرة الى العراقة الأوروبية. هذا فيلم يقول من جملة ما يقوله إن المستقبل قد يكون أفضل مما نحن الآن حالياً. خسرنا أسماء كبيرة ويجب تعويضها بأسماء أخرى. العالم بات صغيراً. انظر الى فرهادي، وانظر الى هوليوود. علينا التمسك بالنقد من دون أن نكون متشائمين. بالنسبة لفيلمي المقبل، كان عندي مشكلة تقنية. الـ35 ملم كان بطيئاً جداً والديجيتال لم يعجبني فيه الكونتراست. ثم صنع الألمان كاميرا "أري الكسا"، فصوّرتُ بها وأنا راضٍ جداً من النتيجة".

هل يبقى وفياً لأسلوبه الباروك؟ يجيب: "نعم، سيكون على نمط أفلامي الماضية، ولكن بقدر أقل من النكات والطرائف، ولن يكون فيه الكثير من كوستوريتسا. انه من صنف السينما الصافية التي تنطوي على قوة الحبّ والحركة وكلّ ما يمكن الصورة ان تتناقله".

أمام كوستوريتسا الذي يؤدي بطولة أحد أفلامه للمرة الاولى ("لن أكرر التجربة لصعوبتها"، يقول)، تقف رمز السحر الايطالي، مونيكا بيللوتشي. يشرح خياره: "هي المرأة المثالية للفيلم. انها تضطلع بدور سيدة نصفها ايطالي ونصفها صربي تعمل مع المخابرات وتريد تغيير هويتها بعدما اضرت بها الأيام الماضية. تقع في غرامي ولكنني أتحول الى منقذها عندما يبدأ بمطاردتها ناس يريدون قتلها. كل الجزء الثاني يقوم على المطاردة وفي النهاية تضحّي بنفسها".
الشريط الذي انهى كوستوريتسا تصوير جزء منه وسيعود الى تصوير الجزء الآخر مع عودة الطقس الى الحالة التي يتمناها، كان مرتقباً في مهرجان كانّ المقبل (14 - 25 أيار)، لكن لن يكون جاهزاً. في انتظار اكماله، لكوستوريتسا مشروع وثائقي عن أحد الرؤساء في احد بلدان أميركا اللاتينية. كان له مشروعان في السنوات الماضية تعرّض تحقيقهما للكثير من العراقيل، واحد كان سيصوّره في فلسطين، والثاني "بانشو فيّا" مع جوني ديب وسلمى حايك. الأول انسحبت منه الجهة الالمانية والثاني لا يزال قائماً، لكن أُرجئ تاريخ بدء تصويره.

يغوص كوستوريتسا في تفاصيل "درب التبانة" قائلاً: "فيلمي الجديد اتكلم فيه بلغة الرموز، سأنزل فيه الى أعمق الأحاسيس الدينية والحياتية. انا مقتنع بأن هذا الفيلم سيكون الأكثر نضجاً واكتمالاً في مساري. سأتخلى فيه عن نزعتي للباروك كي أذهب مباشرة الى المضمون". هل تشعر بالتعب جراء قيامك بأشياء عدة في الوقت نفسه؟ يجيب: "نعم يتعبني ذلك، ولكن عليّ ان اقوم بهذا كله. قد أبدأ بتبطيء ايقاع حياتي، لكن مشكلتي انني لن اشعر بأنني مُنتج. الفنّ يعطيني الادرينالين. اليوم بتّ افضّل القراءة على المشاهدة، لأنها تفعّل الجانب الحميمي في داخلي. في المستقبل، سأكرس المزيد من الوقت للكتابة".

عن خصوصية صربيا التي يحبها ويتمسك بها ويسعى الى نهضتها: "هذا بلد مسيحي على الطريقة القديمة يحاول ان يتكيّف مع الحداثة. لم نتغرب بعد، ولنا طابعنا الخاص: لسنا اوروبيين خالصين وهذا ما أحبه فينا. الحرية كبيرة هنا. أتكلم عن الحرية في ان تختار العيش داخل التقليد او الثقافة التي تريد. هناك ناس يعملون مقابل 300 أورو، وبعضهم أصحاب أرض. لا أحد ينام جائعاً في صربيا، ولا أحد ينام في الشارع. هذا بفضل نظامنا العائلي الذي لا يزال قائماً".

في كليرمون فيرّان الهرب لا يكفي!

كليرمون فيرّان - "النهار"

دورة جديدة من مهرجان كليرمون فيران (31 كانون الثاني - 8 شباط) تحمل الرقم 36، تبدأ مساء غد مع عدد غير قليل من الأفلام التي جمعتها ادارة هذه التظاهرة من أصقاع الأرض في الأشهر الماضية، وتُعتبر الأهم في العالم للفيلم القصير. موعدٌ هو في الأساس مختبر للأفكار الجديدة والمبتكرة التي تخرج من مخيلة مَن يريدون أن يؤكدوا مواهبهم. 7737 فيلماً من 123 بلداً وصلت الى المهرجان هذه السنة، بزيادة نحو 500 فيلم مقارنةً بالعام الماضي، علماً ان المسابقة في المحصلة النهائية لم تتضمن الا 180 فيلماً ستشكل مدخلاً لنحو 150 ألف مشاهد كي يدخلوا الى العالم السحري للفيلم القصير.

يكفي للمشاهد الوافد حديثاً الى كليرمون ان يلقي نظرة خاطفة على ملصق المهرجان كي يشعر نفسه في جزيرة معزولة يحكمها الخيال والجنون.

تتوزع المسابقة على ثلاثة محاور: المسابقة الفرنسية، المسابقة الدولية ومسابقة "لابو" للأفلام التجريبية. لكلٍّ من هذه المسابقات عمرٌ مختلف: فالاولى بلغت الـ36 وهي من عمر المهرجان نفسه الذي بدأ فقط بالأفلام الفرنسية قبل أن يتوسع نطاقه، الثانية في السادسة والعشرين، أما الثالثة فلا تزال في الثالثة عشرة. هذه السنة نقّبت ادارة المهرجان في عمق الأفكار لتخرج باستعادتين: "بعض الهروب في الأفكار"، تتضمن "اعمالاً تتمحور على الهرب، أو التواري عن الأنظار والانطلاق في مشوار ما، بعيداً من العائلة والعمل والروتين والمجتمع والخطر. او حتى بعيداً من الذات والجنون والمخدرات والانتحار والخيال". هكذا يعرّف المهرجان بأفلام هذا القسم، مذكِّراً بجملة شارل فردينان راموز: "لا يكفي أن نهرب، بل علينا الهرب في الاتجاه المناسب". أما الاستعادة الثانية، فعنوانها "نداء الضوء ــ أفلام أميركية قصيرة من سنوات الألفين"، تنطوي على أفلام يغامر مخرجوها في العوالم السفلية، حيث احد همومهم هو الدفع بالخيال الى حده الأقصى.

خمسة هم عدد أعضاء لجنة التحكيم هذه السنة في المسابقة الرسمية التي هي متن المهرجان بأفلامها التي يبلغ عددها ـ75 موزعة على 14 حصة. الأعضاء هم: السويسرية البلجيكية أورسولا ماير، المغربية نرجس النجار، الأسوجي ينس أسور، الكندي دوني كوتيه، الأرجنتينية لوتشيا بوينزو. في المسابقات الأخرى لجان أخرى، عليها ان تجد الكنز المخبأ بين كمّ وفير من الأفلام التي تموضع السينما القصيرة في مكانها الصحيح.

أفلام كثيرة لسينمائيين ذهبوا الى مهرجانات كبيرة مثل كانّ، سبق أن نالت في كليرمون جائزة الجمهور: مايك لي، توماس فينتربرغ، جان بيار جونيه... كلهم صفّق لهم المشاهدون، في إحدى الدورات السابقة. هذا الجمهور الذي يأتي إلى المهرجان بأعداد هائلة مشكِّلاً الضمان الكبير لحدث ما كان ليبصر النور من دون دعم السكان المحليين له. لا شكّ في أن المجال لا يسمح بتعداد اقسام المهرجان، ولا بالقدرة على تحمّل هذا القدر من الصور المخرّبة والمتمرّدة التي تبقى صالحة من بداية الحدث الى نهايته. على الرغم من أهمية الأفلام المتسابقة لنيل جائزة الـ"فيرسانغيتوريكس" (3500 أورو) التي تمنحها لجنة تحكيم مؤلفة من سينمائيين على وجه الخصوص، يصعب على المتابع ان يغوص فيها، وينسى مثلاً أن هنالك في الوقت نفسه عروضاً أخرى على 14 شاشة من شاشات هذه المدينة ذات الإيقاع الهادئ. بعد 36 عاماً من الحضور المتألق والنجاح التصاعدي، بات المهرجان المرجع الأهم للفيلم القصير عالمياً، لذا يلقّبونه بـ"كانّ" الأفلام القصيرة. حقق ما أخفقت في إنجازه شاشاتنا الصغيرة (حجماً وقيمة!)، أي منح الفيلم القصير فرصة في أن يكون له منبر للتواصل مع جمهوره، مساهماً إلى حدّ كبير في إخراج الفيلم القصير من عباءة الفيلم الطويل.

النهار اللبنانية في

30.01.2014

 
 

تجربتان جماعيتان في السينما

نديم جرجورة 

لعلّها التجربة الأولى في المشهد السينمائي العربي: قيام عدد من المخرجين بإنجاز فيلم روائي طويل، ضمن إطار العمل المشترك. التجربة، بحدّ ذاتها، جديرة بالاهتمام والمتابعة. "العقل العربي" معقود على العمل الفردي، بهدف "تبجّح" أناني يليق بالاشتغال التجاري والاقتصادي والمالي والثقافي، وبالإبداع. هذا صحيح. لكن العمل الجماعي اختبار يُطالب بمُشاهدة ونقاش سويين. يُطالب باهتمام يليق بخطواته الأولى، وإن كان بعضها متعثّراً. التعثّر قابلٌ للتنبيه وللفت الأنظار إلى كل ما هو سلبيّ في التجربة، وإيجابيّ أيضاً. "العقل العربي" يفتقد عملاً جماعياً، بالمعنى المؤسّساتي. في السينما، قليلون هم الذين اشتغلوا معاً في إنجاز أفلام جدّية ومهمّة. الثنائيات أكثر حضوراً، وإن بشكل خفر: جان شمعون ومي المصري. خليل جريج وجوانا حاجي توما. هذان مثلان لا أكثر. العمل الفني الإبداعي "أنانيّ" بمجمله. الأنانية تعني الفردانية. "حبّ الذات" أحد أبرز الأسس الفعالة والمؤثّرة في صناعة الإبداع. لكن السينما محتاجة إلى فرق عمل يُديرها "ديكتاتور" واحد هو المخرج.

في الدورة العاشرة (6 ـ 14 كانون الأول 2013) لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي"، عُرض فيلمان اثنان في "مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة"، تمّ تحقيقهما في إطار عمل جماعي: الأول مصري بعنوان "أوضة الفيران"، أنجزه ستة شبّان مصريين، هم: نرمين سالم، ومحمد زيدان، ومحمد الحديدي، ومي زايد، وهند بكر، وأحمد مجدي مرسي. الثاني لبناني بعنوان "وينن"، هو نتاج جهد طالبيّ جامعيّ لسبعة شبّان، هم: طارق قرقماز، وزينة مكي، وجاد بيروتي، وكريستال أغنيادس، وسليم الهبر، وماريا عبد الكريم، وناجي بشارة. غالبية الممثلين في الفيلم المصري لا تنتمي إلى فئة "النجوم"، أكانوا نجوماً سينمائيين أو تلفزيونيين أو مسرحيين. الممثلون الأساسيون في الفيلم اللبناني قادمون إلى هذا الاختبار الطالبي الجامعي من تاريخ عريق في المسرح، أو من نجومية تلفزيونية ومسرحية فاعلة ومؤثّرة، أو من تجربة سينمائية سابقة.

للفيلمين قواسم مشتركة، أولها أنها نتاج إخراج جماعي. هناك ما هو أبعد من هذا أيضاً: المادة الحكائية الأساسية متشابهة، لأنها متوغّلة في ثنايا الفرد إثر صدمة، فردية أو جماعية. هناك متتاليات بصرية متشابهة في سرد الحكايات. لكن الاختلاف بينهما كامنٌ في آلية المعالجة وشكلها: في الفيلم المصري، هناك تداخل في المقاطع، وتشابك في المسارات، علماً أن التوليف أدّى مهمّته الإبداعية في ربط الفصول والحكايات والشخصيات وسِيَرها ومصائرها. في الفيلم اللبناني، هناك تقطيع جامد: كل شخصية أساسية تروي حكايتها، قبل أن تلتقي كلّها في نهاية المطاف، ضمن نشيد جنائزيّ بٌكائيّ مرير. هذا على نقيض "أوضة الفيران" تماماً، لأن التوليف منح المسار الحكائي زخماً سردياً وإيقاعاً متماسكاً في رواية النصّ وخبريات أفرادٍ ومآزقهم، بأقلّ قدر ممكن من الحكي والندب. الفيلم اللبناني مليء بالندب والبكائيات، على ركيزة درامية هشّة ومفتعلة.

السينما حاضرة في الفيلم المصري، صورة وتوليفاً ومعالجة وسرداً وأداء وحكايات. البهتان صفة لاصقة بالفيلم اللبناني، مع أن الموضوع حسّاس ومهمّ: المفقودون والمخطوفون. في الفيلم اللبناني، طغيان مدمِّر للبكائيات، ولفقدان الحساسية السينمائية، وللاسترسال الفظيع في سطحية المعالجة. شخصيات "أوضة الفيران" مفتوحة على هموم وهواجس ويوميات (الموت، معنى الحياة، العلاقات المعلّقة أو الملتبسة، إلخ.)، لكنها منضبطة في أطر سينمائية متماسكة شكلاً ومضموناً. شخصيات "وينن" محاصرة بالندب والدمع والتفلّت من كل بنية درامية متماسكة، مع أن الممثلين الرئيسيين (أنطوان ولطيفة ملتقى، وكارول عبود، وتقلا شمعون، وديامان بو عبّود، وكارمن لبّس، وندى أبو فرحات) اجتهدوا في منح الشخصيات (أهالي المفقودين/ المخطوفين: أب، أم، زوج، حبيب، إلخ) شيئاً من حضور إنساني وأخلاقي وسينمائي.
على الرغم من الملاحظات كلّها، السلبية والإيجابية معاً، تبقى التجربة جديرة بالاهتمام والمتابعة والنقاش النقدي السوي.

كلاكيت

سينما مصرية مستقلة

نديم جرجورة

هل يُمكن القول إن "السينما المصرية المستقلّة" باتت اليوم أرسخ حضوراً في المجتمع المصري، أم أنها لا تزال عاجزة عن تثبيت مكانة ما لها وسط استمرار تسلّط "قوى النفوذ الإنتاجي"، والانهيارات الجمّة والمختلفة التي تعانيها مصر حالياً؟ لكن، كيف يُمكن تحديد معالم هذه السينما: هل يكفي أن يكون إنتاجها منخفضاً، أو مرتبطاً بنظام إنتاجي مناقض تماماً للمألوف الذي تسيطر عليه شركات وقواعد وشبكة علاقات ومصالح؟ هل امتلكت هذه السينما مفردات وسمات معينة تسمح بالقول إن هناك "سينما مستقلّة" بالفعل؟ هل ظهور مخرجين شباب بأفلامهم الأولى والثانية والثالثة كفيلٌ بتأسيس سينما كهذه؟

أميل إلى القول إن عدداً لا بأس به من المخرجين الشباب، وبعضهم بات على مشارف تحقيق فيلم رابع له، قادرٌ على تأسيس منحى جديد من العمل السينمائي المصري. فبعيداً عن كل تفسير نقدي لمفهوم "السينما المستقلّة"، يُقدّم هؤلاء نتاجات قابلة لمُشاهدة ممتعة، ولنقاش مفتوح على ثنائية الشكل والمضمون، ولتواصل سجاليّ مُطالب بتوضيح ما يُمكن اعتباره "ركائز" فنية ودرامية وجمالية وتقنية تصلح لتفعيل هذه السينما. ومع أن أفلام هؤلاء لا تزال عاجزة عن احتلال مكانة بارزة في سياسة العروض التجارية المتحكّمة بالسوق السينمائية، توصّل مخرجو هذه الأفلام إلى بناء علاقة، وإن كانت خَفِرة ومتواضعة، بين الأفلام هذه ومخرجيها، ومشاهدين يُحتَمل أن يرتفع عددهم مع الوقت. وإذا ارتأت مهرجانات سينمائية عربية اختيار هذا النمط التجديدي في السينما المصرية للمساهمة في إنتاجها، أو لإشراكها في مسابقاتها وبرامجها وعروضها، فهذا يعني أن هناك توجّهاً إنتاجياً جدّياً لدعم المختلف، الذي يمتلك أداوت "مُغرية"، قصّة ومعالجة وموضوعاً وحيوية فنية ودرامية وجمالية.

لن تكون مهرجانات سينمائية خليجية المصدر التمويلي ـ الإنتاجي الوحيد الذي يسعى إلى مشاريع تجديدية كهذه. هناك صناديق دعم عربية باتت ترى في هذا النوع من العمل المختلف درباً حقيقياً إلى تفعيل حيوية سينمائية تتلاءم والعصر الحديث، بكل ما فيه من تقلّبات وتحدّيات وتحوّلات وأسئلة. لذا، تجد مشاريع خاصّة بـ"السينما المستقلّة" في مصادر تمويلية ـ إنتاجية كهذه منافذ تعينها على التحقّق، وتتيح لها مجالات مختلفة على مستويي الانتشار "المهرجانيّ" والعروض التجارية، ما جعلها تثير حشرية المُشاهدة والنقاش، وإن برويّة وهدوء، خصوصاً أن المُنتَج التسطيحي لم يعد قادراً على إقناع "الجمهور" بمتابعته، أو بمتابعة بعضه على الأقل، حتى لو استعان بـ"نجوم" الشاشة كعادته. علماً أن شدّة الفراغ المتنوّع في المُنتَج التسطيحي بات يقف حائلاً، إلى حدّ كبير، دون استساغته من قِبل كثيرين، بينما أفلام عديدة (سينما مستقلّة)، أُنجزت في الأعوام القليلة الفائتة، باتت تقول شيئاً مغايراً للمألوف، بلغة مغايرة وبأدوات مغايرة وبصُوَر مغايرة، قد تُصيب وجعاً في نفوس مُشاهدين هم بغنى عنه، لكنها قادرة على إثارة "حشرية" المُشاهدة لديهم.

السفير اللبنانية في

30.01.2014

 
 

فيلم"الجمال الراقي" ليس انعكاساً لرؤيتي الخاصة عن النساء

ترجمة: نجاح الجبيلي  

تتحول وخزات النوستالجيا إلى أزمة وجودية متطورة في فيلم "باولو سورنتينو" الأخير "الجمال الراقي". يؤدي "توني سرفيللو" دور "جب غامبرديلا"، وهو صحفي من روما تؤدي به حياته في الشرب والرقص والصحبة إلى الشعور بأنه "رجل طارئ" إذا ما اقتبسنا عبارة من رواية سورنتينو الصادرة عام 2011 بعنوان "كل شخص على حق". إن حركة "جب" ضمن الدوائر الثـرية الأكثـر انحطاطاً لأشد الأغنياء لامبالاة هي دوامة من الإفراط المطرّد والتي تلائم في النغمة والتناول كاميرا "سورنتينو" المدوّمة. لقطة الافتتاح في الفيلم ترتفع للأعلى خارجة عن المعيار وتصدمنا حرفياً داخل المشهد ومن هناك تتحرك هذه العين التائهة عبر ذكريات "جب" وفنتازياته ذات الصيغة الحاضرة لمدينة مليئة بالخرائب التي تنبض بالبحث الحثيث عن كل متعة لكن بثمنٍ ما.

في الأقل منذ فيلم " المقدّس" – 2008 تركز أعمال سورنتينو – وبضمنها روايته- على الرحلات العاطفية للشخصيات المحددة بإحساس بأن "العالم يحدث مصادفة" – فالناس واعون بشكل مطرد بوطأة ماضيهم ولا يطاردهم لكن تزعجهم الأفكار المتواصلة لما يمكن أن يحدث، ويواجههم إن لم يكن   يلهيهم صخب المشهد حولهم.    

تحدثت مجلة "فيلم كومنت" مع سورنتينو خلال زيارته مؤخرا لنيويورك تحضيراً لعرض فيلمه الجديد في 15 تشرين الأول 2013. وخلال المقابلة رسم بعبث سلسلة من الرسومات الكارتونية مباشرة من عالم أفلامه: شبيه السيد ت. ، يسوع أصلع بذراعين قصيرين غليظين ورجل يمارس كمال الجسم بصدر يشبه وجه الميدوزا

·        *أتساءل إن كان ثمة شيء وجدته قوياً في الكيفية التي يحيطنا به المشهد والاضطراب في الحياة الحديثة لكننا لا نستطيع أن نداري بل نركز انتباهنا على التجارب التي مررنا بها سابقاً. فماذا بشأن الرحلات العاطفية والشخصيات مثل "جب" في فيلم "الجمال الراقي" التي تعيش أكثر في ماضيها الذي أثار اهتمامك؟

- ما أجده قوياً هي اللحظة التي يدرك خلالها الناس، مع المعاناة والألم ، بأنه في الماضي كان ثمة وقت حين كنا سعداء لأنه إذا ما عدنا حينئذ فإن الحاضر والمستقبل يتطابقان – كانا واحداً والشيء نفسه. بينما في فترة البلوغ فإن المستقبل هو المستقبل والحاضر هو الحاضر وهما لا يتطابقان. لهذا فإنهم يشعرون بالمعاناة الرقيقة العميقة الجذور واللاواعية المرتبطة بمرحلة البلوغ.  

·        *هذه الشخصيات تبدو ، دون إدراكها، وكأنها تصبح فجأة الشخص الذي على وشك أن يكون ، سواء أكان جب أو شايان في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان" أو الشخصية في فيلم "الكل على صواب". إنهم يعودون إلى تلك اللحظات حين يفكرون بأنهم يستطيعون أن يستعيدوا فرصة أن يصبحوا أشخاصا جديدين. هل تعتقد أن ثمة أمرا مرتبطا بمنظر معين أو حسّاً بالوطن؟ وبالعودة إلى تلك الأماكن أو إعادة تجربتها هل يمكن أن يحدث شيء جديد؟ 

- نعم ربما يكون الأمر هكذا بالضبط. وسوف أعطيك جواباً مختصراً بسيطاً:" نعم" لا بسبب أني لا أستطيع التحدث عن ذلك لكن لأني أشعر بأن تحليلك هو من الجمال إذ يكون طريقة أشمل للكل ربما أقول في إجابتي، لذا لا أريد أن أسبب أي ضرر لجمال تأويلك

·        *هل تشعر بأن هناك ثمة شيئاً مرتبطا بالاغتراب و الحركة الثابتة للحياة اليومية والحركة من مكان إلى آخر بحيث يجعل من الصعب بالنسبة لنا أن نرتبط بالماضي؟ 

- نعم أنها الطبيعة المتشظية للحركة في الحياة اليومية التي تجعل من الصعب أن نتحرك بتناغم مع الماضي. إنه العنصر العصابي في الطبيعة المتشظية للحركة اليومية التي تجعل من الصعب التماس مع المشاعر التي تميز الماضي أو بقية التجارب

·        *ثمة شخصية في فيلم "الجمال الراقي" تقول:" إني لا أهزأ مع الشيطان" لكن يبدو وكأنك تتمتع "بالهزء مع الشيطان" وتواجه القبح مع السخرية. هل من الممكن أن تتكلم قليلاً عن هذه النقطة؟ 

- تقصد مواجهة القبح مع السخرية؟ 

·        *نعم، إظهار التجارب أو السلوك الفظّ والقاسي- سواء السياسة في فيلم "المقدّس" أو الهولوكوست في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان" أو كل الإغواء في فيلم "الجمال الراقي" – لكن مع عدم إعطائها أهمية. وكأن لا شيء خارج الحدود وكلما كانت النكتة كبيرة  كان من السهل التعامل مع هذه الأشياء.  

-نعم أعتقد أن ذلك في منتهى الصدق. الناس يفعلون ذلك وأنا أفعل كذلك

·        *أحد الأمور التي أفضلها في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان " هو كيف أن عقاب المجرم النازي يناسب جداً التفكير اليهودي: ثمة تطابق، في الأقل ما بين حالات الإذلال، وتجري صناعة الجلاد كي يشعر بالضبط ما تشعر به الضحية.

-تماماً حين بدأت أتعلم عن الهولوكوست كنت مندهشاً، لأنه مثلاً كل أعمال سيمون فايزنتهال حول العقاب، كانت بالضبط بالطريقة التي وصفتها. إنه أمر مثير للاهتمام. لا يوجد أبداً بالنسبة للناس اليهود السن بالسن. هم لا يعرفون هذا الأمر. وبالنسبة لي مثل ،باقي الإيطاليين، أعرف ذلك

·        *هل تعتقد بأن "شايان" و"مورديخاي" في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان" يستخدمان السخرية وربما التقمص العاطفي كي يكافحا الشرور أو بشاعة العالم الحديث؟  

- نعم وأنا أشارك هذا الموقف في كل أفلامي. أعتقد بأن حس الدعابة هو فعال في التعامل مع كل شيء. إنه الطريقة الأفضل للابتعاد عن الثقل والارتباط بالصفاء. وإنه لأداة مرعبة أن تركز على ميزات الناس وتكشف أسرارهم وتبقى على اتصال مع الحقيقة والجمال

·        *يبدو أن أحد الأمور الذي يجد فيها الجمهور، وبالأخص الأمريكي، صعوبة في أفلامك هو حسّ الدعابة. وهو ظاهر جداً ومرتبط بشدة مع الأمور المحزنة لكنه ليس كوميديا سوداء. ثمة موضوع محزن ثم كوميديا لتخفيف الهمّ، تقريباً في النهاية، و كوميديا رخيصة. أتساءل كيف توصلت إلى هذا الأسلوب؟ 

- لا أعلم حقاً كيف توصلت إلى هذا الأسلوب. بالتأكيد أنا لم أدرسه. إنه شيء ورثته من المدينة التي ولدت فيها التي هي نابولي. إن الناس في نابولي ينشأون محاطين بهذه السخرية خلال 24 ساعة في اليوم ،لهذا فهي شيء عشته وتنفسته مع عائلتي والناس الذين حولي حتى مع أصحاب الدكاكين الذين أتفاعل معهم دقيقتين باليوم

·        *بعض الأمور المدهشة في أفلامك بالأخص الفيلمين الأخيرين هو الحس الذي ترحل به الكاميرا إلى أي مكان وفي أي وقت. مع ذلك فالمَشاهد التي ستكون قطعاً كبيرة في الأفلام الأخرى تظهر غالباً كونها لمحات. ثمة صور عجيبة ستكون في الأفلام الأخرى فصولاً كاملة لكنها في أفلامك هي مجرد جمل

- لا أعرف كيف توصلت إلى ذلك. هلا أعطيتني مثالاً؟ 

·        *سفينة أشباح البحر في فيلم "الجمال الراقي" مثلاً. أو حتى انفصال "موردخاي" و"شايان" في نهاية فيلم "لابد أن هذا هو المكان"، إنه مجرد لقطة أخيرة لكليهما معاً

- ربما يكون السبب واضحاً وجزائياً: يمكن أن يكون لتجنب الثقة بالنفس.

·        *إن ما انتهيت إليه هو هذا الجريان المطرد للصور الأكبر من الحياة وكأنها تظهر من خلال قطار مارّ

- أنا أحب هذه الصورة وأنا سعيد بذلك.

·        *أغلب المخرجين الآخرين الذين لديهم العديد من اللحظات الجاذبة سيركزون عليها لكنك تقريباً تظهرها وكأنها غير مهمة أو ربما لأن هناك العديد منها في الحياة تستحق الانتباه.

-نعم ربما يدركها المرء كونها نوعا من النفاية أو المتروك لكن السبب هو أني أعتقد بأنّ الأشياء المبددة هي جيدة. النفايات هي أشياء أحب العمل عليها.

·        *أتساءل عن وصف النساء في فيلم "الجمال الراقي". ثمة سطر في كتابك حين يرى البطل امرأة عارية أول مرة فيقول:" قيامة امرأة عارية". يحاول الفيلم أن يعرض لا فقط الكيفية التي تتفجر بها الرغبة الجنسية فحسب بل أيضاَ الكيفية التي تستعمل بها النساء وتتشيأ.  

- في كل من الفيلم والكتاب تكون الرؤية هي رؤية البطل الذكر. وفي الكتاب هي "قيمة النساء" إنها رؤية شاب مجرد من أي معرفة بالنساء  ،وأول مرة يرى امرأة عارية وهذا هو السبب في فهمه للأمر كونه قيامة. بينما في فيلم "الجمال الراقي" تكون الرؤية معكوسة ، فالبطل معتاد جداً وتعب جداً من رؤية النساء من حوله طوال الوقت ولديه علاقات معهنّ ،إذ أنه في منتهى الإرهاق. لكن لا من النساء فحسب- بل من العديد من الأمور الأخرى أيضاً. لهذا فالفيلم كله يدور حول الحياة العاطفية للبطل. وهو ليس انعكاساً لرؤيتي الخاصة عن النساء.   

·        *هل هناك جانب من كره النساء في ثقافة حياة الحفلات لفيلم "الجمال العظيم" تحاول أن تظهره؟

-لا ليس كره النساء. لا أحد يرغب بذلك سواء النساء أم الرجال

·        *أخيراً أتساءل إن كنت قادراً على التحدث عن تلك الأداءات المعينة في فيلم "الجمال العظيم" التي تكسر فضاء السرد: الفتاة الصغيرة التي ترسم في معرض المسرح قرب النهاية. هذه المشاهد ترسل المشاهد إلى واقع آخر مرة واحدة.  

-كان الغرض من هذا الفيلم أن يكون في منتهى الحرية بالنسبة لقص الحكاية، لهذا ساءلت نفسي بضعة أسئلة حين كنت أضع الحبكة. أردت أن يكون لي مطلق الحرية من البداية وأردت أن يكون ذا جريان حر وعائماً وحكاية القصة يجري إخبارها تماماً عن طريق الحياة اليومية للشخصية. لهذا فهي لا تتبع قواعد حكاية القصة التقليدية.

المدى العراقية في

30.01.2014

 
 

«رحلة الموت» من سوريا إلى السويد

قيس قاسم  

أعاد برنامج تلفزيوني سويدي مشكلة هجرة السوريين إلى الواجهة، نتيجة تدفق موجات جديدة منهم إلى البلاد، بعد إعلان دائرة الهجرة العام الماضي منح جميع طالبي اللجوء السوريين الموجودين على الأراضي السويدية حق الإقامة فيها. وتوقع السياسيون لخطوتهم الإيجابية والإنسانية هذه أن تشجع بقية الدول الأوروبية وسواها من الدول الموقّعة على معاهدة جنيف الخاصة بالهجرة واللجوء، على الحذو حذوها، بالتالي ستتحمل كل دولة مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية. لكنّ الأمر لم يجر بالصورة المرتجاة وظلت السويد وجهة نشطة لطالبي اللجوء السوريين في ظل موقف غير متحمس من بقية الدول لاستقبالهم، ما نشّط حركة التهريب إليها، وأثار جدالاً شعبياً وسياسياً نقله برنامج «أجندة» على الشاشة الصغيرة، فتركز الجدال حول الطرق الأفضل التي يمكن أن تتخذها السويد لتخفيف معاناة المهاجرين السوريين  الذين يتعرضون لابتزاز عصابات التهريب والى خطر الموت وهم في طريقهم إلى السويد بطريقة غير مشروعة.

لتصوير حجم المعاناة والأخطار التي تحيط بعملية تهريب السوريين، أعد البرنامج فيلماً تسجيلياً، رافق فريقه أحد السوريين في رحلة خروجه من بلاده عبر الأراضي التركية وصولاً إلى اليونان التي اتخذها كنقطة انطلاق إلى إيطاليا ثم السويد. لم يكن أمام محمد السوري، وهو معلم وأب لطفلين، خيار سوى اللجوء إلى المهربين الذين طلبوا منه 10 آلاف دولار، وكان عليه فوقها تحمل كل الأخطار المحتملة، ومنها الغرق أثناء نقله إلى اليونان بزوارق صغيرة «أبلام» مزدحمة بالمهاجرين ومعرّضة للانقلاب وسط البحر الهائج.

معاناة محمد ذابت وسط معاناة السوريين المحتجزين لدى شرطة السواحل اليونانية، إذ يقدم الفيلم التلفزيوني صورة دقيقة لأوضاعهم وحجم مخاوفهم من رحلة المجهول التي قادتهم إلى اليونان، بصحبة أطفالهم وعائلاتهم، أحياناً، أملاً بالوصول إلى السويد، وهذا ما دفع البرنامج لاستضافة وزير الهجرة وعدد من قادة أحزاب سياسية سويدية وممثلين عن منظمات إنسانية لمناقشة إمكان حصول السوريين على «فيزا إنسانية» تجنّبهم كل العذاب وتضع حداً لاستغلال المهربين، والعمل مع دول الاتحاد الأوروبي لتشجيعها على إيجاد حلول معقولة لمشكلة هي إنسانية قبل كل شيء.

الانقسام في وجهات النظر ظهر واضحاً، أثناء بث برنامج «أجندة» بين المسؤولين الرسميين الذي يرون أن السويد  بقرارها استقبال 15 ألف لاجئ سوري قد نفذت التزامها الدولي والأخلاقي وفق إمكاناتها الواقعية. ولهذا طلبوا من بقية الدول الموقّعة على معاهدة جنيف استقبال أعداد منهم حتى لا يقع العبء الأكبر عليها فقط. في المقابل، رأى المشاركون الآخرون في البرنامج ان الخطوة كانت جيدة، لكنها ليست كافية، فالهجرة في ازدياد، ولوضع حد لمعاناة المهاجرين غير الشرعيين، لا بد من فتح طريق شرعي يتمثل في منحهم «فيزا إنسانية» تجنّبهم المهربين وتضمن سلامتهم.

تقدم النقاش إلى الموقف من طبيعة الوحدة الأوروبية التي وصفها المعارضون وممثلو المنظمات الإنسانية بـ «المغلقة» وأن انغلاقها هو ما يسبب معاناة المهاجرين. فحين لا يجد هؤلاء أبواباً مفتوحة أمامهم، يلجأون إلى الطرق غير الشرعية، فيما يؤكد الرسميون أن الأخذ بمبدأ «المحاصصة» وفق توزيعات الأمم المتحدة للمهاجرين يساهم في حل المشكلة، واعتبروا قراري فنلندا والنمسا بقبول مئات من السوريين التزاماً بحصتيهما، مؤشراً جيداً، فيما وجدها المعارضون حصة صغيرة لا تتناسب مع إمكانات الدول الأوروبية، مذكّرين الحكومة بأن دولاً مجاورة لسوريا بإمكانات اقتصادية متواضعة استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين ولبنان يشكل مثالاً واضحاً، فالحديث عن الإمكانات غير واقعي لمن يعرف حجم إمكانات الدول الغربية.

وعلى رغم الاختلاف بين الطرفين، فقد اتفقا على أن وقف الحرب في سوريا سيساهم كثيراً في الحد من الهجرة، لأن غالبية من التقاهم البرنامج من السوريين لم يفكروا في مغادرة بلادهم من قبل ويريدون العودة إليه لمجرد انتهاء الأسباب التي دفعتهم لتركه. ومن بين الحجج التي يطرحها السياسيون في السويد، عدم اقتناع بلديات كثيرة باستقبال اللاجئين حتى بعد حصولهم على حق الإقامة.

وعن هذه النقطة أجرى البرنامج مقابلة مصورة مع شاب سوري اسمه أحمد، وصل إلى السويد عبر إيطاليا وينتظر البت في قضيته. ويدحض أحمد ما هو موجود في أذهان المسؤولين في البلديات بأن المهاجر الجديد سيكون عبئاً على موازناتها حين أكد أنه يشعر بالامتنان للسويد ويريد بعد حصوله على الإقامة تعلم اللغة السويدية والبحث عن عمل حتى يضمن لنفسه ولعائلته حياة كريمة فيعيش بعرق جبينه ولا يكون عالة على المجتمع الجديد الذي جاء للعيش فيه مضطراً.

المدى العراقية في

30.01.2014

 
 

ذاكرة السينما..

 All that jazz..

عندما يقهر الإبداع أهداف الموت

عبد السادة جبار  

ذاكرة السينما تحفظ لنا في رفوفها الذهبية أعمالا نتوق لمشاهدتها بين حين وآخر ، وفي كل مشاهدة نجد جديدا ،تماما كالموسيقى الكلاسيكية ،حيث تتجدد السمفونيات ،والسوناتات ،والكونشرتوات ،كأننا نسمعها اليوم ، بوب فوس مخرج عبقري اشْتُهر بأفلامه الاستعراضية الجميلة، لكن حياته الصاخبة وفرط التدخين أديا إلى أن يعتل قلبه.. فيلمه الذي لا ينسى " كل هذا الجاز " 1979يختصر العلاقة بين الخلق الفني والموت من خلال حركة الأجساد المنسابة عبر تجارب الرقص والاختبارات الموسيقية وحياة الحرية المنسلخة عن السياقات الاجتماعية الرتيبة ، فكلما عشق الفنان الإبداع وازداد شبقه للحياة والحرية   ازداد قربه من التفرد والموت،وكأن الخلق الفني هنا تعويض عن حياة سوف تفنى، فصيرورة الحياة فقاعة ينبغي أن تحتوي الإبداع قبل أن تنفجر

(جيد يون) الذي الممثل "روي شيدر" ، مخرج استعراضات في"برودواي" يقاوم المرض والموت بالإبداع والخروج على المألوف، التدخين بإفراط  وتناول الخمر والصخب والإجهاد العصبي والتوتر، والعبث خارج إطار العلاقات الزوجية ، ويجد أن تحدي الموت يكمن في الخلق الفني الصعب  ، من خلال التناغم بين الحدث والرقص الإيقاعي للوصول إلى اكتمال عناصر الفرقة ، أي الوصول إلى كمال الخلق الفني  .البداية مع لقطات قريبة جدا لـ(جيد يون)  يتناول أقراص علاج ، قطرات للعين ، السيجارة ، ودوش الماء البارد وكاسيت مسجل يسمعنا موسيقى" فيفالدي"،هكذا يبدأ يومه  مخرج الاستعراضات العبقري "جيد دون " بجسد يذوي يقترب من حتفه من نهايته يعشق عمله حد الإدمان ولا يجد في حياته الزوجية والاجتماعية معنى أفضل من الإبداع، ثمة إنجاز فني يكتمل  شجرة تنمو وهو الاستعراض  الذي يلخص تلك الرحلة، وثمة علاقة خفية غير منظورة بين المبدع وفتاة حسناء "جيسكا لانج " تتراءى له في خياله ،تريد أن تضمه إلى أحضانها هي الموت ، يصر لينهي الإنجاز الفني يتشبث بالحياة ولن يستسلم للنهاية في المستشفى ، ينتزع من جسده تلك الأنابيب، ويغادر سريرة ليهبط إلى سرداب البناية  بين ضجيج المحركات، مقاوما صمت الموت القادم.

المونتاج هنا هو الذي يقودنا يقطع علينا فرصة الراحة أو التأمل، تأتي النوبة القلبية الأولى في مكان يجتمع به البطل مع المنتج وزوجته وبعض المشتركين في العرض، عند قراءة ومراجعة بعض التمارين، هنا تبدأ الطعنة الأولى والمقاومة الأولى للفنان، يحاول أن يصمد ويقاتل من خلال القلم الوحيد الذي يطعن به المنضدة وكأنه يطعن الموت ، لكن رمحه هذا ينكسر ، تتمزق أحشاؤه تتوقف الأصوات، يبدو الأمر أشبه بالكابوس، ضحكات بطيئة مجلجلة، أصوات لا يسمعها، يسمع دقات قلبه المضطربة، يحاول أن يقاوم لكنه يعترف بالمرض فتكون الكارثة، خوف المخرج والزوجة وفشل العرض، كل ذلك يتضامن ويتماهى مع مشرط الجراح وهو يمزق شرايين قلب" جيد دون" ، ويبدأ الحوار والتفاوض مع الموت من خلال الملاك الجميل ، بعد نجاح العرض يمضي إليها طائعا ويستسلم للنهاية تحتضنه ليعبأ بكيس إلى مثواه الأخير.

في الواقع لا نجد في السيناريو حكاية يطول فيها الشرح ،إذ تهيمن الموسيقى والرقص والأضواء لتكون بديلا تعبيريا في الغالب عن الحوار والحدث ،اختار بوب فوس فرقة غنائية راقصة من أجساد ملائكية بحركات ساحرة ، لا تشعر بالأيدي عند تشابكها والأجساد عندما تلتحم وتتعانق في مشاهد حميمية غير محسوسة، الأضواء ترقص، وترسم على الأجساد جماليات لون الحياة، أصوات تصدح بأنغام تنساب إلى الأعماق مع إيقاع العنفوان والحيوية ،لكن الموت الجميل يمضي من خلال المرض ،جيد يون يرفض المرض.. يمارس حياة الصخب ذاتها في المستشفى.. رقص وغناء وخمر وفتيات.. لا يصدق أنه عاجز.. وفي كل مرة يقترب تدريجيا  من حضن الموت، كلما اقترب الاستعراض الأخير.. استعراض الموت.

هنا نرى الزوجة والعشيقة والأصدقاء وأطباء المستشفى كلهم في مسرح واحد، وعلى المسرح يبدأ الاستعراض الضخم ، والمسرح مكون من مناخ طبي؛ الديكور عبارة عن أضلع، والراقصات يتحركن كأنهن شرايين حية تنبض أو أجنة والصراع هنا مع فتاة بارعة الحسن تلبس كالعروس لكنها تمثل  الموت الذي جاء ليصحب جيد يون معه بالرغم من محاولاته الهروب والمقاومة والتحايل، جسّدها فوس  في تداخل مع استعراض كوميدي لرجل يحاول الفرار من الموت، ويقترح عليه أن يأخذ أمه العجوز بدلا منه..ليس ثمة حكاية ..بل هناك خطان متوازيان للنهاية نهاية الفنان الذي يفني جسده ليقترب من الموت ووصول المنجز الفني إلى الكمال إلى النهاية ، من الصعب وصف المعالجة المذهلة التي قدمها بوب فوس في هذا العمل الرائع،
 
بوب فوس قدّم لنا عام 1972 فيلما رائعا "كابريه " هذا الفيلم الذي فازت فيه الممثلة ليزا مينيلي بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة  وتدور أحداثه في برلين عام 1931 حيث وضع المخرج حياة كاملة في ملهى ليلي : إلا أن فيلمه "كل هذا الجاز"، كان فلسفة بلغة سينمائية تضافرت فيها وسائل الإبداع ( الموسيقى والرقص والألوان ) اختزل فيه  دلالات الزمن الذي يستهلك الحياة من اجل بديل آخر هو الخلق الفني . انتصر الموت في النهاية كالعادة، لكن ما قتل جيد يون بالفعل هو شبقه الشديد بالحياة، وإفناء الجسد بالحرية والفن .وبذلك لم يكن موتا مجانياً
 
حصد الفيلم أهم الجوائز في مهرجان أوسكار  1979  كان أهمها أفضل إخراج - أفضل تصميم ثياب - أفضل مونتاج - أفضل موسيقى.. كما حصل على جائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان 1980.

المدى العراقية في

30.01.2014

 
 

إجبار سكارليت يوهانسون على الاستقالة كسفيرة لـ«أوكسفام»

منظمة الإغاثة: ترويج الممثلة لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية يتناقض مع مبادئها

لندن: «الشرق الأوسط» 

الحملة الدولية لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سجلت أمس نجاحا آخر مع استقالة الممثلة الأميركية سكارليت يوهانسون من دورها كسفيرة لمنظمة الإغاثة البريطانية أوكسفام. الممثلة التي تتحدر من أب دنماركي وأم يهودية أميركية استقالت من المنصب بعد حملة قامت بها منظمات دولية، منها «منظمة يهود من أجل الإسلام» وشخصيات عالمية، وذلك بسبب مشاركتها في إعلان عن جهاز لتحويل المياه العادية إلى مياه غازية من إنتاج شركة «صودا ستريم» التي تصنع الجهاز بمستوطنة إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن المعروف أن منظمة أوكسفام تتبنى دعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي يتم تصنيعها في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وتستعين الشركة بعمال إسرائيليين وفلسطينيين وتقول: إن مصنعها يقدم نموذجا للتعاون السلمي لكن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا يعترف القانون الدولي بشرعيتها وتدينها أوكسفام. وبعد مشاورات مع يوهانسون في وقت سابق هذا الأسبوع أبلغت النجمة السينمائية المنظمة بأنها ستنهي علاقتها بها.

ودافعت يوهانسون في بيان نشر على موقع صحيفة «هافينغتون بوست» عن شركة صودا ستريم التي اعتبرت أنها «تبني جسرا للسلام بين إسرائيل وفلسطين بدعم الجيران الذين يعملون معا ويتلقون أجرا متساويا وحقوقا متساوية». وأضافت: «وهذا ما يحدث في مصنعهم في معاليه ادوميم كل يوم».

وأثارت هذه التصريحات انتقادات واسعة من حركة المقاطعة التي دعت أوكسفام فورا إلى قطع علاقاتها مع الممثلة بسبب «دعمها للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية».

وقالت المنظمة «وافقت أوكسفام على قرار سكارليت يوهانسون بالتخلي عن دورها كسفيرة بعد ثماني سنوات»، مشيرة إلى أنه «رغم احترام أوكسفام لاستقلالية سفرائنا، ولكن دور يوهانسون في الترويج لشركة صودا ستريم يتعارض مع دورها كسفيرة دولية لأوكسفام».

وقال عمر البرغوثي وهو ناشط فلسطيني في مجال حقوق الإنسان وعضو مؤسس في حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل» لوكالة الصحافة الفرنسية في رد مكتوب أن «سكارليت يوهانسون قررت عن وعي بأن تكون فتاة الغلاف الجديدة للاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري».

ورأى البرغوثي بأنه «باختيارها لدورها المعيب مع مستفيد من الاحتلال كصودا ستريم على عملها من أجل حقوق الإنسان مع أوكسفام، فإنها تذكرنا ببضعة فنانين بلا مبادئ، قاموا ببيع أرواحهم خلال النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ووقفوا على الجانب الخاطئ من التاريخ».

واعتبر البرغوثي أيضا بأن ما وصفه بفشل منظمة أوكسفام بإنهاء علاقتها مع يوهانسون يعد «فشلا أخلاقيا مذهلا».

وأشار إلى «فشل أوكسفام الأخلاقي المذهل بفعل الصحيح وطرد يوهانسون بسبب تواطئها الذي لا يمكن دحضه في تبييض انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي ستطارد المنظمة لبعض الوقت بين أصحاب الضمير من كل أنحاء العالم». وتابع: «قيام أوكسفام بالكيل بمكيالين ببساطة أمر لا يغتفر». وكانت الحركة دعت أوكسفام إلى «تحويل أقوالها إلى أفعال» وإنهاء عملها مع يوهانسون.

وأشارت الحركة في بيان في وقت سابق هذا الأسبوع «هنالك خيار واضح يجب اتخاذه بين الشهرة والمبدأ. ورفض الانفصال عن يوهانسون سيضر بمصداقية المؤسسة الخيرية بين الفلسطينيين والكثير من أصحاب الضمائر حول العالم».

قبل عدة سنوات قامت كريستين ديفيز، التي تؤدي دور شارلوت في المسلسل التلفزيوني «سيكس أند ذي سيتي»، بالترويج للمساحيق التي تنتجها مختبرات «اهافا البحر الميت». كما تنتج الشركة مساحيق في مستوطنة متزحي شاليم، التي تدرج منتوجاتها ضمن قائمة المقاطعة لأنها تستغل المصادر الطبيعية الفلسطينية وتتعارض مع القانون الدولي. وعملت ديفيز هي الأخرى مع أوكسفام، التي أسقطتها من قائمة سفرائها بسبب المواقف المتناقضة. وفي نهاية المطاف وبسبب الضغوطات الدولية أوقفت ديفيز تعاونها مع الشركة الإسرائيلية، وعادت تتعاون كسفيرة لأوكسفام.

وبدأت يوهانسون، 29 عاما، تعاونها مع أوكسفام عام 2005 وأصبحت سفيرة لها في عام 2007. بحسب المنظمة. وقالت المنظمة الدولية أمس بأن «أوكسفام تعتقد أن الأعمال الاقتصادية التي تتم في المستوطنات على غرار ما تفعله شركة صودا ستريم تشجع استمرار الفقر وضياع حقوق التجمعات السكانية الفلسطينية التي ندعمها».

وأكدت المنظمة أن المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة تخالف القانون الدولي. وأضافت: «تعتقد أوكسفام بأن شركات مثل صودا ستريم التي تعمل في المستوطنات تعزز الفقر وحرمان المجتمعات الفلسطينية التي نعمل على دعمها من حقوقها». وأكدت المنظمة معارضتها «لكافة أشكال التبادل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية التي تعد غير شرعية بموجب القانون الدولي».

وأصبحت الممثلة الأميركية الوجه الإعلاني لشركة صودا ستريم ومن المقرر أن تظهر في إعلان لها سيتم بثه خلال المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأميركية يوم الأحد. لكن الصفقة التي تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات أثارت غضب نشطاء وجماعات معنية بالشؤون الإنسانية.

ويأتي الجدل في وقت حساس تجرى فيه محادثات سلام بوساطة أميركية بين إسرائيل والفلسطينيين. ويخشى مسؤولون إسرائيليون من تنامي دعوة لمقاطعة إسرائيل ومستوطناتها اقتصاديا إذا فشلت محادثات السلام. وفي بيان نقلته وسائل إعلام أميركية قال متحدث باسم يوهانسون بأن هناك خلافا في الرأي بين يوهانسون وأوكسفام بخصوص حركة المقاطعة.

الشرق الأوسط في

31.01.2014

 
 

يعد رحلة عبر تاريخ يروي الواقع بعيون إسبانية

«حدود وحدود» فيلم يقدم صورة أخرى عن صحراء المغرب

الرباط: يعقوب باهداه 

في عرض خاص جذب جمهورا واسعا قدمت المخرجة المغربية فريدة بليزيد فيلمها الجديد «حدود وحدود»، الذي تنقل من خلاله صورة من عمق الواقع الاجتماعي للأقاليم الصحراوية المغربية.

وقدم الفيلم عرضه ما قبل الأول في سينما «النهضة» في الرباط مساء أول من أمس (الأربعاء)، بدعم من وزارة الاتصال، وبحضور شخصيات سياسية وفكرية وفنية، وجمع من المؤرخين والنقاد والصحافيين.

يمزج «حدود وحدود» بين سينما الواقع والعمل التوثيقي، فهو يعتمد على سيناريو متكامل الأبعاد، ببطلته الإسبانية «مواتي» القادمة من بلادها المستعمرة السابقة للمنطقة، وهي تحمل تصورات وأفكارا كثيرة ومتداخلة حول الصحراء، تراكمت لديها من خلال زيارتها السابقة لمخيمات تندوف الواقعة في جنوب غربي الجزائر. وعبر رحلتها الطويلة بين مختلف المدن والمناطق الصحراوية تبدأ شيئا فشيئا في اكتشاف الحقائق على الأرض.. وذلك من خلال الناس والأشياء والحياة.

وشهد العرض حضورا لافتا للمتحدرين من الأقاليم الصحراوية، وللأجانب المقيمين في الرباط، خصوصا من الإسبان والفرنسيين، الذين تابعوا باهتمام مجريات الفيلم الذي يقدم صورة عن قرب للأقاليم الصحراوية المغربية، ويركز على تفاصيل يتجاوزها كثيرون، عبر كاميرا تجولت في مختلف النقاط، تعكس الواقع كما هو، من دون رتوش، ولكن أيضا من دون المس بالبعد الفني والسينمائي للعمل، الذي يشارك فيه ممثلون وسينمائيون وفنيون من المغرب وإسبانيا.

يتناول الفيلم قضية الصحراء من منظورين، محلي وأجنبي، ومن خلالهما يكتسب المشاهد معلومات وحقائق ليست ذات بعد سياسي بالضرورة، بل إنها في الغالب تحمل صورة أخرى للصحراء، تركز على ما هو ثقافي واجتماعي وتاريخي، في المنطقة التي تستحق المغامرة من بطلة الفيلم الإسبانية «مواتي» التي تقوم بدورها الممثلة رومينا سانشيز، إلى جانب إسماعيل أبو القناطر ومحمد مروان.

يقرب «حدود وحدود» المشاهد من أعماق الصحراء بكل ما تحمل من ذخائر قد تبدو متناقضة، لكنها تعكس جمالية التنوع البيئي والطبيعي، وكذلك التنوع على مستوى الإنسان والثقافة والعادات الاجتماعية، والتراث المادي واللامادي.

ولا يلتزم الفيلم بلغة واحدة، فبطلته تتحدث الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، وتصادف هنا وهناك أشخاصا يتحدثون إحدى هذه اللغات أو اللغة العربية، وفي ذلك إيحاء بالتعدد اللغوي لدى سكان المنطقة التي تعاقبت دول أوروبية كثيرة على احتلالها أو احتلال أجزاء منها.

طيلة ساعتين ونصف الساعة هي مدة فيلم «حدود وحدود» كانت هناك كاميرتان تتجولان مع المشاهد، إحداهما كاميرا الفيلم، والأخرى تحملها «مواتي» التي جاءت إلى الصحراء لتصوير فيلم وثائقي، ومن خلال المقابلات التي تجريها والمشاهد التي تصورها تبدأ رويدا رويدا في اكتشاف كنه الصحراء، برفقة زميلها المغربي «لحماد» الذي يتجاوز دوره عمل الدليل الميداني، إلى جزء من آلية الاكتشاف التي ساعدت «مواتي» على الغوص في عوالم أخرى تعكس أبعادا جمالية في الصحراء، التي «توحي دائما بفضاء خالٍ وغير مأهول»، كما كانت تتصور قبل خوض غمار التجربة.

ولا يخلو الفيلم من رسائل سياسية، لكنها تمر عبر المتحدثين في المقابلات التي تجريها البطلة «مواتي» ضمن فيلمها الوثائقي، وهم من أعيان الصحراء ومن الباحثين والناشطين الصحراويين. رسائل تتحدث عن تفريق «الحدود المصطنعة» بين العائلات، وكيف ظلت الصحراء متعلقة بالمغرب عبر القرون، من خلال علاقات روحية وثقافية وسياسية.

أيضا يقدم الفيلم توثيقا لمرحلة المقاومة في المنطقة، ولتاريخها الثقافي من خلال المتاحف والزوايا، والفن الحساني المستوحى من الثقافة العربية الحسانية السائدة في الصحراء. ولا يفوت على البطلة وهي توثق الواقع والتاريخ المعاصر للمنطقة أن تلفت إلى التعايش والتسامح، من خلال المواطنين الإسبان الذين ما زالوا يقيمون في الصحراء، والكنيسة الكاثوليكية الكبيرة في مدينة العيون، التي حافظ عليها المغرب ورعاها.

وقالت المخرجة بليزيد، مخاطبة الجمهور قبل بدء العرض، إن الفيلم التزم بالمعايير الفنية التوثيقية المعروفة، ويقدم صورة الفتاة الإسبانية التي تأتي إلى الصحراء بمجموعة من الأفكار الخاطئة، ولكنها تفاجأ حين ترى حياة الناس، وما تعكسه من حالة قائمة، لا توافق ما هو سائد في مخيلات بعض المراقبين من خارج البلاد.

الشرق الأوسط في

31.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)