كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

شابرول: سينما الحماقة والخيانة وانحطاط البورجوازية

إبراهيم العريس

 

خمسون فيلماً روائياً طويلاً للسينما خلال خمسين عاماً تقريباً، وأفلام عدة متوسطة أو قصيرة، ناهيك بدزينتين وأكثر من الأعمال التلفزيونية... ولنضف الى هذا بعض ظهور عابر في بعض الأفلام وطغيان فكاهة سوداء وحسّ ساخر على أفلام الجرائم وأفلام التشويق... سيكون من المنطقي لمن يقرأ هذه المقدمة أن يعتقد اننا نتحدث عن ألفريد هتشكوك. فتلك هي تقريباً محصلة العمل السينمائي لهذا الذي يعتبر اليوم أعظم سينمائي حقيقي مرّ في تاريخ السينما. بيد أننا لا نتحدث هنا عنه، بل عن كلود شابرول، زميله الفرنسي الذي، من دون ان يرغب حقاً في ان يكون «نسخة» فرنسية منه، شابهه في أمور كثيرة. بل أكثر من هذا: شابرول بدأ حياته السينمائية بإصدار واحد من أول الكتب الفرنسية عن هتشكوك، شراكة مع مواطنه الذي سيصبح مخرجاً طليعياً كبيراً بدوره، إريك رومر. كان ذلك في العام 1957 وحتى قبل ان يكتشف النقد الأميركي الجاد نفسه أهمية هتشكوك خارج شبّاك التذاكر، ويدرك موقعه في ما سيُسمّى لاحقاً «سياسة المؤلف» في السينما...

استعادة بيروتية

هذا كله جرى تداوله بوفرة قبل أعوام قليلة حين رحل كلود شابرول عن عالمنا في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2010... كما جرى – وأكثر من اللازم أحياناً – الحديث عن «تأسيس» شابرول للموجة الجديدة الفرنسية ولا سيما عبر فيلميه الأولين «سيرج الجميل» و «أبناء العم». أما العودة إليه اليوم فتفرضها مناسبة لا بأس من التركيز على أهميتها بالنسبة الى الجمهور المتزايد في لبنان من هواة السينما الحقيقية. فالحال ان «المعهد الفرنسي» في لبنان وجمعية «متروبوليس» ينظمان بين السادس والعشرين من الشهر الجاري والخامس من الشهر المقبل، ما يمكن اعتباره أول استعادة من نوعها في لبنان لسينما كلود شابرول. وهي استعادة تتمثل في عرض أحد عشر فيلماً تم اختيارها بحيث تمثل في مجموعها مختلف المراحل والأساليب والأنواع التي بها ارتبطت سينما هذا الفنان الذي عرف بحبه للحياة ومرحه ولباقته حتى من دون أن ينعكس أيّ من هذه السمات في سينماه.

والحقيقة أن الأفلام الشابرولية المعروضة في بيروت ستكشف بعض التطورات الأساسية التي مرت بها سينما شابرول منذ «سيرج الجميل» (1958) الذي بعد النجاح الذي حققه باعتباره فيلماً تأسيسياً لن يفوت صاحبه أن يعلن انه فيلم «لا يحتمل»، وحتى «الفتاة المقطّعة قسمين» الذي كان في العام 2007 واحداً من آخر أفلامه، إذ انه لم يحقق من بعده سوى «بل آمي» المقتبس من غي دي موباسان، من بطولة جيرار ديبارديو الذي كان ذلك تعاونه الوحيد معه.

إذاً، بين «سيرج الجميل» و «الفتاة المقطّعة...» حقق شابرول ذلك المتن السينمائي الذي يبدو لنا اليوم في تأمل استعادي، شديد التنوع، وحتى شديد التفاوت من الناحية الفنية، حيث نرى فيه أفلاماً رائعة تترك لصاحبها مكاناً مميزاً في تاريخ السينما الفرنسية، كما نجد فيها أفلاماً سيقول شابرول بعد تحقيقه كلّ واحد منها إنه إنما حققها لأسباب تجارية / معيشية لا أكثر. ولعل المشاهد الحصيف لن يفوته أن يلاحظ أن «الاستعادة» البيروتية لا تتضمن أي واحد من أفلام النوع الثاني التي تحمل عناوين مثل «دكتور بوبول» و «النمر يحب اللحم الطازج» و «النمر يتعطر باليناميت» أو «ماري شانتال ضد الدكتور خا»... مثل هذه الأفلام حققها شابرول في الستينات من القرن الماضي يوم سادت موضة أفلام التجسس وجيمس بوند، وكان شابرول حينها يرغب في الانفصال تماماً عن سمعته كواحد من مخرجي أفلام «الموجة الجديدة»، ناهيك بأنه في ذلك الحين إذ تحوّل الى الإنتاج، بات تواقاً الى تحقيق أرباح. ويذكر كاتب هذه السطور انه خلال التقائه شابرول في طائرة نيس/باريس بعد انقضاء دورة العام 1978 لمهرجان «كان» التي نالت فيها ايزابيل هوبير جائزة أفضل ممثلة عن دورها في «فيوليت نوزيير» من إخراج شابرول نفسه، قال هذا الأخير لنا ضاحكاً بعد حديث طويل عن النبيذ وقيمته الاجتماعية والغذائية في فرنسا، ولا سيما الأنواع الأبهظ كلفة من بينه، انه اضطر الى تحقيق تلك الأفلام لتوفير ثمن النبيذ الذي كان يلتهمه بوفرة، وظل كذلك حتى آخر أيام حياته هو الذي عُرف بذوقه البورجوازي الكبير في مجال تذوق الخمور الأصيلة... طبعاً كان شابرول في ذلك «التصريح» يمزح كعادته، لكن مزحته كانت تعبّر عن رأيه في تلك الأفلام التي لم تكن على اية حال كثيرة العدد..

السينما الشعبية

ما كان كثيراً، في المقابل، إنما كان أفلامه التي انتمت في شكل أو في آخر الى ما يمكن تسميته «السينما الشعبية»، ونعني بها تلك السينما التي تتأرجح بين اللغة الفنية المتقدمة والمواضيع الناقدة اجتماعياً والأداء السينمائي الرفيع، ولا سيما في مجال إدارة الممثلين، الذين كان معظمهم يعودون لديه بين فيلم وآخر – على غرار ستيفان أودران التي مثلت معه حين كانت زوجته وواصلت العمل تحت إدارته بعد طلاقهما، كما على غرار ايزابيل هوبير التي تعتبره مكتشفها الحقيقي كما صرحت لنا بنفسها في تلك السفرة من نيس الى باريس حيث صادف مقعداهما الى جانب مقعد كاتب هذه السطور، فكانت دردشة مثلثة نشرت تفاصيلها يومذاك في الصحيفة التي كنت أعمل بها -... والحقيقة ان هذه العودة المتكررة للممثلين انفسهم شملت ايضاً عودة التقنيين نفسهم في اغلب الأحيان، ما خلق من حول شابرول جواً عائلياً سيصل لاحقاً الى ذروته حين تحول اثنان من ابنائه الى ممثلين وواحد الى موسيقي كتب الموسيقى لنحو عشرين من أعمال أبيه وعملت ابنة زوجته الأخيرة في ديكورات افلامه... وما الى ذلك.

ولعل اللافت، انطلاقاً من هذا التأكيد العائلي، هو ان العدد الأكبر من أفلام شابرول الهامة إنما يدور في أجواء وبيوت عائلية، بما في ذلك الأفلام التي تتمحور مواضيعها من حول جرائم أو صراعات أو ما يشبه ذلك... ومع هذا، من بين الألقاب الكثيرة التي اتاحت مواضيع أفلام شابرول اطلاقها عليه – ومنها «مخرج الأفلام البورجوازية» و «سيد التشويق العائلي» و «مبدع حكايات المرأة الخائنة» و «المصوّر الدقيق للروح الإنسانية» – كان شابرول يفضل لقباً يبدو انه هو من كان قد اوحى به: «مخرج الحماقة»... أي المخرج الذي صوّر الحماقة البشرية في أفلامه بأقصى وأقسى تجلياتها هو الذي اعتاد ان يقول «لا شك في ان الحماقة أكثر فتنة من الذكاء بكثير، وهي اكثر عمقاً منه على اية حال. فللذكاء حدود يمكن التوقف عندها، أما الحماقة فلا حدود لها، لذا تسمح للمخيّلات بالاشتغال من دون هوادة». وتقول الحكاية ان هذا الكلام قاله شابرول إثر ضجة أحدثها في العام 1963 فيلم «لاندرو» الذي كتب له السيناريو بنفسه شراكة مع الكاتبة المعروفة فرانسواز ساغان، ورأى فيه نقاد كثر «نوعاً من الافتتان بالشر والحماقة في الآن معاً»، اي شر المجرم «لاندرو» الذي اقتبس السيناريو عن حكايته الحقيقية، وحماقة ضحاياه. يومها ادلى شابرول بذلك التصريح، مضيفاً ان اهم ما في حكاية ذلك السفاح إنما هو حماقة ضحاياه...

«تحف صغيرة»

من المؤسف ان «لاندرو» ليس معروضاً في البرنامج الاستعادي البيروتي. ولكن في المقابل ستكون هناك «تحف صغيرة» طبعت مسار شابرول وفي مقدمها فيلمه الكبير «الاحتفال» الذي اقتبسه من رواية لإحدى سيدات الأدب البوليس الإنكليزي، روث راندال... وهو فيلم ينظر اليه النقاد عادة باعتباره القمة السينمائية التي جمعت معظم «ثيمات» سينما شابرول الأساسية من علاقة السيد بالعبد الى الخيانة الزوجية وغير الزوجية، الى انحطاط البورجوازية الريفية الى القتل الطقوسي الى الصداقة الى... الحماقة نفسها، ناهيك بإبداعه الاستثنائي هنا في إدارة ممثلتيه الرئيستين ايزابيل هوبير وساندرين بونير الى جانب جاكلين بيسيه...

بيد ان «الاحتفال» لن يعرض، كما كان جديراً به، في افتتاح البرنامج بل في ختامه حيث إن الافتتاح كرّس لواحد آخر من أفلام شابرول «الريفية» الجامعة للعدد الأكبر من «ثيماته» ونعني به فيلم «الجزار» من بطولة ستيفان أودران وجان يان والمحقق في العام 1970. ويدور «الجزار» من حول جريمة في بلدة ريفية تقع ضحيتها امرأتان تذبحان في شكل وحشي... ويحدث إثر هذا ان تقع معلمة مدرسة في هوى رجل غريب الأطوار سرعان ما تظنّ أنه هو القاتل فلا يكون منه بعد ان يشعر ان أمره قد افتُضح، إلا أن يدخل صف المعلمة في المدرسة لينتحر وهو يعترف لها بحبه!

بين «الجزار» و «الاحتفال» هناك في البرنامج البيروتي تسعة أفلام أخرى تعطي – كما أشرنا – فكرة متنوعة عن سينما شابرول، معيدة الى الواجهة هذه السينما التي تدهشنا ارقام شباك التذاكر المسجلة على مدى عقود إذ تفيدنا بالتجاور في اعلى السلّم وأسفله بين افلام لشابرول شديدة التفاوت فنياً. فمثلاً في المرتبة الأولى يأتي «دكتور بوبول» من بطولة جان بول بلموندو، وهو فيلم جماهيري يتسم بالسذاجة وكتب خصيصاً من أجل بلموندو الذي كان في قمة شعبيته في ذلك الحين (1972) بأكثر من مليوني مشاهد، يليه مباشرة فيلم «ابناء العم» الأكثر تجريبية بين افلام الرجل بمليون وثمانمئة ألف مشاهد. أما في اسفل الترتيب فيأتي فيلمه الأكثر طموحاً «أيام هادئة في كليشي» عن العلاقة في باريس الثلاثينات بين الكاتب الأميركي هنري ميللر ومواطنته الشابة اناييس نين، الى جوار فيلم «دم الآخرين» الذي حقق عام عرضه 1984 واحداً من اكثر ضروب الفشل التجاري في مسار شابرول مع انه من بطولة الأميركية جودي فوستر التي كانت من ابرز نجوم الشبّاك على الصعيد العالمي في ذلك الحين!

مهما يكن، في عودة الى عروض برنامج جمعية «متروبوليس» نشير الى ان الأفلام المعروضة تباعاً بين الافتتاح والختام هي على التوالي: «بيتّي» الذي حقق في العام 1992، و «سيرج الجميل» الذي كان الأول في سينما شابرول ولا يزال يعتبر حتى اليوم واحداً من اهم افلامه على رغم إنكاره هو له!، ثم هناك «المفتش لافادان» الذي حققه شابرول العام 1986 كنوع من التتويج السينمائي لسلسلة تلفزيونية حققها من حول مغامرات وتحقيقات المفتش نفسه (وقام بالدور جان بواريه)، ثم «الجحيم» يليه تباعاً فيلمان من انجح افلامه وأكثرها تعبيراً عن مناخاته وكون سينماه احياناً سينما نسائية خالصة: «التيوس» و «المرأة الخائنة» وهما حُقّقا تباعاً عامي 1968 و1969، ثم «الفتاة المقطّعة قسمين» الذي سبقت الإشارة اليه، يليه «فليمت الوحش» (1969) ثم «زهرة الشر» (2003).

الحياة اللندنية في

24.01.2014

 
 

بين تاريخ نور الشريف وغياب الأبنودي

الأقصر (مصر) - أمل الجمل 

تشهد فعاليات مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية مساء اليوم الجمعة ندوة حول سينما الإنتاج المشترك بين دول منطقة جنوب البحر المتوسط تديرها الخبيرة الفرنسية كاترين بوريزي لدعم الإنتاج المشترك والترويج لآليات التمويل الجديدة تحقيقاً لأهم أهداف برنامج اليوروميد السمعي- البصري الثاني، كما تعقد محاضرة حول السينما يلقيها المخرج الروسي فلاديمير مينشوف عضو لجنة التحكيم والذي ألقى كلمة قصيرة عقب تكريمه في حفل الافتتاح قائلاً فيها: «قبل وصولي إلى هنا، كنت أتابع أخباراً متفرقة في الصحف ووسائل الإعلام تفيد بأن مصر تشهد اضطرابات وعدم استقرار، لكنني منذ جئت لم أجد أثراً لذلك. وحتى لو كان هناك بعض القلق في شأن الأوضاع السياسية، فكما نقول في بلادنا إذا دقت الحرب طبولها، فهذا لن يمنعنا من تناول الطعام، وأنا أدعوك الآن لمتابعة الأفلام، فهي غذاؤنا الروحي». وقد عرض له المهرجان «الحب واليمامة»، و«موسكو لا تؤمن بالدموع» الذي حقق إيرادات عالية في شباك التذاكر في روسيا وفاز بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي العام 1981.

يُذكر أن مينشوف بدأ حياته خرّاطاً في مصنع لإصلاح السفن، ثم التحق بالعمل كأحد عمال المناجم وكبحار في مجموعة شحن في بحر قزوين، وذلك قبل أن يبدأ عمله ممثلاً بديلاً في المسرح، ثم ممثلاً سينمائياً ومساعد مخرج لمدة عامين، واستكمل دراسته وبدأ يشتهر كممثل في السينما الروسية، لكن مشواره الحقيقي مع الإخراج بدأ بفيلم «مزحة عملية» العام 1976.

نور الشريف

على صعيد آخر، شهدت الندوة التي أقيمت على هامش تكريم الفنان المصري نور الشريف حضوراً مكثفاً من النقاد والصحافيين وضمت الفنانين آسر ياسين ومي الشريف، ويسرا اللوزي، والمخرجين محمد خان وعمر عبدالعزيز والروائيين بهاء طاهر وشريف حتاتة، وعدداً من كتاب السيناريو ومديري التصوير، منهم: فايز غالي وكمال عبدالعزيز رئيس المركز القومي للسينما.

ودارت الندوة حول عدد من المحطات المهمة في تاريخ الفنان نور الشريف والذي تحدث عن الكثير من القضايا الفنية المثيرة للجدل، من بينها الرقابة والسينما المستقلة، متطرقاً أكثر من مرة الى المقارنة بين وضعية الفن في الزمن الذي بدأ فيه هو وأبناء جيله وبين الوضع الحالي، مؤكداً أنه لا يحق الحجر على أحد في المجال الفني، مثلما أشار إلى تهميش الفن والإبداع في مصر منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات.

وأوضح الشريف أن الفن المصري يعاني حالياً من مشكلة التسويق، وعدم توزيع الأفلام في الخارج في شكل جيد، مؤكداً إعجابه بتجارب السينما المستقلة، كما تمنى عودة مسارح الأقاليم، والعودة إلى «روح الهواية» في الفن من دون التعالي على الجمهور، خصوصاً في ما يتعلق بالسينما المستقلة. كما حضر نور الشريف عدداً من العروض مع الجمهور الذي استقبله بحفاوة بالغة.

وحتى لحظة كتابة هذه السطور، كان من المقرر عقد ندوات عدة أخرى، منها ندوة حول السينما المستقلة المصرية بحضور نخبة من المخرجين المصريين وعلى رأسهم محمد خان، ويسري نصر الله وأحمد رشوان ونادين خان وآيتن آمين وهالة لطفي والفنانان خالد أبو النجا وآسر ياسين. إضافة إلى ندوة حول السينما والتغيير السياسي والاجتماعي في مصر بحضور كل من الأديب بهاء طاهر والناقد السينمائي علي أبو شادي والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لمناقشة دور السينما في التغيير السياسي والاجتماعي في مصر والمتغيرات التي نتجت من ثورة الاتصالات وحركات الاحتجاج السياسي وتأثيرها في السينما وأنماطها الجديدة وأثرها على الإنتاج السينمائي والوسائط المتعددة.

قضايا التمييز

هذا وتُعلن غداً السبت الأفلام الفائزة في حفل الختام، ويمنح المهرجان ثلاث جوائز في كل مسابقة على هيئة «عمود الجَدّ» الفرعوني، وهو رمز من رموز الإله الفرعوني أوزيريس ويرمز إلى الاستقرار. وتمنح الجوائز كلها للمخرجين في مسابقتين للأفلام المصرية والأوروبية الطويلة، وأخرى للأفلام القصيرة والأفلام المتحركة «الأنيميشن»، وهي: جائزة «عمود الجدّ» الذهبي لأفضل فيلم، وجائزة «عمود الجدّ» الفضي «لجنة التحكيم الخاصة»، وجائزة «عمود الجدّ» البرونزي للعمل الأول.

ومن بين الأفلام المصرية المتنافسة، فيلم الافتتاح «لا مؤاخذة» للمخرج عمرو سلامة، بطولة: كندة علوش، هاني عادل، والطفل أحمد داش، والذي يتناول أحد جوانب قضايا التمييز الطبقي والديني في مصر من خلال علاقة تلميذ مسيحي بزملائه ومدرّسيه في مدرسة حكومية. فالطفل هاني عبدالله بيتر تنقلب حياته رأساً على عقب بعد وفاة والده المفاجئة والذي ترك ديوناً كثيرة، فيضطر للانتقال الى مدرسة حكومية بعد أن كان في مدرسة أجنبية، وعلى أثر ذلك يعاني مشاكل جمة بسبب الاختلاف الطبقي. وفــــي ظل عنف التلاميذ المتفاقم، يخشى عـــــدم الكشف عن ديانته المسيحية، ساعياً للانــــدماج في مجتمع يعاني تطرفاً دينياً، على رغم محاولة المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو، أن يكسب فيلمه طابعاً كوميدياً – يعيد الى الأذهان «مدرسة المشاغبين»، لكن في نسخة متوسطة القيمة - وإيقاع سريع من خلال اللقطات القصيرة ومشاغبات التلاميذ وعنفهم والأغاني المتنوعة. مع ذلك جاء الإيقاع مترهلاً بسبب التكرار خصوصاً في مشاهد الفصل. كما أن الفيلم يقترب أكثر من روح الإعلانات والفيديو كليب، ناهيك بأن استخدام صوت الراوي - أدّاه الفنان أحمد حلمي – لم يكن له منطق يبرره. لذلك، فمن المتوقع عدم حصول الفيلم على جائزة، خصوصاً أن في السيناريو عيوباً كثيرة تتعلق في الأساس ببناء الشخصيات التي تتصرف بمنطق المخرج ورغباته الفكرية، هذا إلى جانب الحيادية والمباشرة وعدم الجرأة في التناول. يُذكر أن «لا مؤاخذة» واجه أكثر من أزمة رقابية وأن عدداً كبيراً من الفنانين والنقاد قد ساندوه في معركته ضد الرقابة، قبل ان يحصل على موافقة نهائية بالعرض، وكان من بين المشاهد المحذوفة مشهد الدمية الشهيرة «أبلة فاهيتا».

ومن المتوقع أن تتم مراسم حفل ختام الدورة الثانية من المهرجان تحت إجراءات أمنية مشددة مثلما حدث يوم الافتتاح الذي غاب عنه وزير الثقافة، وشهد حضوراً ضئيلاً للنجوم، كما اعتذر الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي الرئيس الشرفي لهذه الدورة عن الحضور بسبب ظروفه الصحية لكنه أرسل كلمة مصورة تم عرضها على شاشة حفل الافتتاح وجّه فيها التحية الى ضيوف المهرجان الأجانب، واعتبر الأبنودي «أن صناع السينما أهم صناع الفنون باعتبار السينما من أصعب الفنون وأهمها». وتمنى «استمرار المهرجان والفن السينمائي في تقديم أفلام تمثل أهم خط دفاع قادر على مواجهة قوى الظلام والتخلف». وكانت الدورة الثانية من المهرجان قد تأجل عقدها لأسباب سياسية وأمنية في أيلول (سبتمبر) الماضي عندما أرادت رئيسة المهرجان ماجدة واصف الابتعاد من توقيت إعلان حظر التجوال.

بقي أن نشير إلى أن مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية تنظمه مؤسسة «نون للثقافة والفنون»، وهي منظمة أهلية لا تهدف الى الربح يرأسها المخرج المصري محمد كامل القليوبي، بدعم من وزارة الثقافة وجهات أخرى. ويهدف المهرجان إلى تعزيز الوعي السينمائي والتعريف بالأعمال السينمائية، والسمعية- البصرية المتميزة في مصر وأوروبا، وإتاحة الفرصة أمام صناعها لإقامة حوار بين السينما المصرية والأوروبية بهدف تبادل الخبرات وفتح أسواق للأفلام الأوروبية في مصر وللأفلام المصرية في أوروبا. كما يسعى المهرجان إلى المساهمة في دعـم السياحة في هذه المدينة التاريخية - التي تحتوي على ثلث آثار العالم - وإلى جعل السياحة الثقافية عامل جذب إضافياً الي الأقصر في وجه خاص والى مصر في وجه عام. كما يسعي أيضاً إلى استقطاب جمهور جديد للسينما في صعيد مصر.

الحياة اللندنية في

24.01.2014

 
 

هل تفقد السينما الفرنسية جمهورها؟

باريس - ندى الأزهري 

تراجع الإقبال على دور العرض الفرنسية خلال العام الماضي بنسبة خمسة في المئة، وهبطت حصة الفيلم الفرنسي في السوق الفرنسية أمام الفيلم الأميركي، ولم تتضمن لائحة العشرين فيلماً الأكثر مشاهدة في فرنسا سوى ثلاثة إنتاجات فرنسية.

في شكل عام، اعتبرت 2013 سنة سيئة للسينما في فرنسا، فقد انخفض عدد البطاقات المباعة إلى ما دون المائتي مليون مقارنة بـ2012 حين وصل عددها إلى 204 مليون وفق إحصاءات المركز الوطني للسينما. وكانت الخسارة الأكبر من نصيب الفيلم الفرنسي الذي شهد انحساراً واضحاً في نسبة الإقبال عليه.

وتعوّل السوق الفرنسية على الأفلام الهزلية والاجتماعية التي تلقى في العادة إقبال الفرنسيين، ولكن سنة 2013 خلت من ذلك الفيلم الذي يجمع حوله أكبر الأعداد، كما حصل مثلاً قبل عامين مع الفيلم الهزلي «المنبوذون» Les intouchables للمخرجين الفرنسيين أوليفييه نقاش وإريك توليدانو الذي استقطب بمفرده 19 مليون مشاهد، وقد مست قصته المأخوذة من واقعة حقيقية، قلوب الفرنسيين بما تثيره من عواطف نبيلة ومن تفاؤل. والفيلم عن علاقة صداقة تتجاوز كل الحواجز الاجتماعية والدينية والثقافية والعرقية بين نبيل فرنسي مقعد وخادمه الأسود. وفي العام المنصرم حقق فيلم هزلي أيضاً أعلى نسبة دخول للفيلم الفرنسي، وإن كانت أقل بكثير من تلك التي حققها «المنبوذون». فاحتل «الأساتذة» المرتبة الخامسة في اللائحة العشرينية مع أربعة ملايين مشاهد، وهو يتحدث عن مدرسة ثانوية في فرنسا تعاني من النسبة المتدنية للناجحين في الشهادة، فيقرر المدير تطبيق نصيحة المسؤول التربوي بمعالجة السيئ بالأسوأ، أي باستخدام أسوأ الأساتذة لأسوأ التلاميذ! جاء مع «الأساتذة» على اللائحة نفسها فيلمان فرنسيان اعتبرا مفاجأة السنة وهما ينتميان إلى سينما المؤلف: الأول «9 أشهر نافذة» لألبرت دوبونتل وهو عن قاضية شابة عازبة وحازمة في أحكامها تكتشف أنها حامل من مجرم ملاحق لارتكابه اعتداء فظيعاً! أما الثاني فتجاوز عدد بطاقاته المباعة المليونين وهو رقم قابل للارتفاع، لأن الفيلم ما زال يعرض. «الصِبْية وغيّوم، إلى المائدة» لغيّوم غاليين مأخوذ عن مسرحية للمخرج، وهو يطرح مشكلة الانتماء الجنسي لصبي بين أخويه حيث كانت أمه تصر على معاملته كفتاة حتى اقتنع بالفكرة حباً بأمه، لكنه اكتشف هويته الجنسية الحقيقية بعد محاولات عدة من محيطه لوضعه في الخانة الخطأ.

أفلام أكثر لجمهور أقل

وباستثناء فيلم «المنبوذون» أعجوبة عام 2011، تثير مسألة عدم تجاوز فيلم فرنسي ومنذ وقت طويل عتبة الخمسة ملايين تذكرة قلق مهتمين في الشأن السينمائي. وقد خابت آمال حول الإيرادات التي سيحققها بعض أفلام لنجوم الفكاهة الفرنسية في العام الماضي، إذ جاء فيلم داني بون الأخير «البركان» مخيباً تماماً للتوقعات مع أقل من مليوني تذكرة، وكانت حال فاليري لو ميرسييه مع «100 في المئة كشمير» أسوأ، إذ لم يجذب فيلمها الذي كلف 14 مليون يورو سوى 305 آلاف مشاهد! كذلك لم يلقَ «حياة آديل» لعبداللطيف قشيش القبول المتوقع من جانب الفرنسيين. ومع أن الشريط الذي يتعرض للمثلية الجنسية من خلال قصة حب بين شابتين قد حاز السعفة الذهبية في «كان»، وشهد انحيازاً لا مثيل له من جانب النقاد واستقطاباً مدرسياً حيث قام بعض الأساتذة باصطحاب طلابهم لرؤيته... فلم يتجاوز عدد البطاقات المباعة لمشاهدته 738 ألف بطاقة!

يجذب الفيلم الفرنسي اليوم أعداداً أقل مما كان يفعل قبل ثلاثين سنة، وقدرت نسبة الانخفاض بـ35 في المئة (وفق محطة بي إف إم بيزنس)، وهذا على رغم تضاعف عدد الأفلام الروائية المنتجة في فرنسا منذ الثمانينات حيث أنتج ثلاثمئة فيلم عام 2012. ولكن، يبدو أن السينما الفرنسية تفقد تدريجاً جمهورها، فما تقدمه لهذا الجمهور لا ينال رضاه ولا تثير شخصياتها المشاعر القوية لديه، وأفراد هذا الجمهور، حين يديرون ظهورهم للسينما الفرنسية فليس للتوجه نحو فيلم أميركي، فجمهور الفيلم الأميركي، لا سيما إنتاجاته الضخمة مكون في شكل رئيس من الشباب وهو ثابت، فيما تستقطب الأفلام الأميركية المستقلة أعداداً متزايدة. وهذا ما تثبته الأرقام.

فعلى رغم أن الإنتاجات الأميركية الضخمة هي التي سادت السوق الفرنسية في العام الماضي، فإن هذه لم تحقق أرقاماً استثنائية في نسبة الإقبال عليها هي الأخرى، وبخلاف «سكاي فول» و «عصر الجليد 3» اللذين جذبا أكثر من ستة ملايين شخص لم يتجاوز عدد التذاكر المباعة لبقية أفلام القائمة العشرينية مثل فيلم الصور المتحركة «أنا البشع والشرير» و«رجل الحديد 3» وفيلم كونتن تارانتينو «ديانجو طليقاً»، أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون تذكرة. لكن كثرة الأفلام الأميركية الواصلة إلى السوق الفرنسية جعلت حصة الفيلم الفرنسي تهبط إلى أكثر من الثلث بقليل بعد أن كانت خلال العامين السابقين بحدود الأربعين في المئة.

وقد أثير جدل خلال هذا العام في فرنسا حول الكلفة المتزايدة للفيلم الفرنسي ونشر منتج فرنسي معروف رسالة مفتوحة في جريدة لوموند حول الأثر السلبي لذلك على السينما الفرنسية. وتلقى السينما في فرنسا دعماً من الدولة عبر المركز الوطني للسينما كما تفرض على التلفزيونات مساهمة في إنتاج الأفلام تصل إلى ثلاثين في المئة، وقد تم هذا العام سحب ملف السينما من النقاشات الدائرة في الاتحاد الأوروبي حول اتفاق التبادل الحر بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، بحيث تحتفظ فرنسا بالاستثناء الثقافي الذي تنادي به، والذي يحفظ لها حقها في دعم الفيلم الفرنسي وفي فرض ضريبة مخففة على السينما.

الفيلم الفرنسي في الخارج

وفي خارج فرنسا انخفض أيضاً معدل التردد على الأفلام الفرنسية في العام الماضي قياساً إلى العام الذي قبله. واعتبرت هيئة «يوني فرانس» المختصة بتصدير الفيلم الفرنسي، أن النجاح الذي حققته السينما الفرنسية في الخارج عام 2012 (144 مليون تذكرة) عائد إلى الأفلام الثلاثة «المنبوذون» و«الفنان» الصامت بالأبيض والأسود، والفيلم المتحرك «تيكن 2»، فيما لا يوجد هذا العام فيلم فرنسي «يجر القاطرة». فثمة أفلام تنجح هنا أو هناك وتستقطب المشاهدين في بلد أكثر من بلد آخر ولكن لا يحصل عليها إجماع في كل البلدان، فمثلاً فيلم «رينوار» نجح في الولايات المتحدة أكثر من أي بلد آخر و «القفص الذهبي» في البرتغال وهكذا... ووفق تقرير «يوني فرانس» عُرض 480 فيلماً فرنسياً خارج فرنسا العام الماضي...

وتشكل أوروبا الغربية السوق الرئيسة للفيلم الفرنسي لتحقق لوحدها 37 في المئة من قيمة الإيرادات السنوية وتليها الولايات المتحدة (22 في المئة) ثم آسيا (14 في المئة). وتعتبر الصين البلد الثاني بعد الولايات المتحدة في أعداد مشاهدي الفيلم الفرنسي. وحققت عروض السينما الفرنسية في الصين العام الفائت رقماً قياسياً (5.2 مليون بطاقة مباعة) وهذا على رغم نظام الحصص المطبق هناك حيث تعرض فقط سبعة أفلام فرنسية في العام الواحد.

الحياة اللندنية في

24.01.2014

 
 

«علي أبو شادي ناقداً» لكمال رمزي:

سحر السينما فوق طيش الرقابة

بيروت – فجر يعقوب 

يصعب الفصل بين الناقدين السينمائيين المصريين علي أبو شادي وكمال رمزي في الحياة الواقعية فهما دائما أشبه بتوأمين سياميين. ومن ألف المهرجانات السينمائية والطقوس المرتبطة لن يكون من السهل عليه الالتقاء بكل واحد منهما على حدة، فإن حدث هذا في حالات فهو قد لايحدث من باب الانشغال بموضوعين مختلفين في نفس الوقت. بين الناقدين المصريين صداقة تمتد إلى أربعة عقود كما يخبرنا رمزي في كتابه الصادر حديثا عن صندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة المصرية بعنوان «علي أبو شادي ناقدا» بمناسبة تكريم أبوشادي في المهرجان القومي للسينما المصرية أخيرا.

بين ذلك الفتى الذي لم يتجاوز السبعة عشر ربيعا وقد قدم لتوه من قرية ميت موسى التابعة لمحافظة المنوفية وذلك الرجل الذي سيغدو عليه بعد أكثر من أربعين عاما وسوف تفترضه وظيفته كرئيس للمصنفات الفنية متّسما بنوع من الصرامة غير المحدودة تاريخ حافل وكبير ومميز من العطاء، سيذّكر رمزي بسيرة صديقه التي غيّرت من صورة المسؤول عن الرقابة في أكثر من مكان، وكأنه يحكي سيرة رجل لم يجلس يوماً بين المصنفات الفنية إلا ليغير من مفهوم الرقيب وصورته، ففي عهده مرت الأفلام التي كان يمكن أن تمنع في عهود غيره، وفي مقابل أربعة أو خمسة أفلام منعت في عهده استطاع هو أن يساعد في تمرير أضعاف هذه الأفلام عبر تطويعه وترويضه للعبة الرقابة والرقيب. لم يكن يرغب بتحويل الناس كلها إلى رقباء، فيما لو خضع هو لمنطق اللعبة الرقابية « المتدهورة « أحياناً في بلد مثل مصر حيث تتدخل رقابات عديدة في مجالات السينما والمسرح وسوق الكاسيت والفيديو وبرامج الكومبيوتر والراقصات، بينما لم تعد الرقابة الرسمية مختصة بالمسائل الفكرية وحدها.

أفلام ضد الثورة

ثلاث سنوات من «جمر» الرقابة في حياة علي أبو شادي ليست هي كل شيء. لا يمكن اختصار صاحب «سحر السينما» بها، كأن الحياة تمتد وتطول مع كلاسيكيات السينما المصرية، فتتبدل عناوينها في كل مرة، وتزيد من حماسه في الانتصار لتلك الأفلام التي وقفت إلى جانب ثورة 1952. حتى أنه لم يوفر في كتاباته أفلاماً عدت مراجع بأصحابها وبالقائمين عليها لأنها كانت تنال من الثورة ومنجزاتها التي تجلت في ميادين كثيرة. وتتضمن كتابات أبو شادي في هذا المجال مصطلحات صارت خاصة بها كما يخبرنا كمال رمزي، ففي كتابه «السينما والسياسة»، يكشف أبو شادي بجلاء عن مدى اهتمامه المزدوج بفن السينما من ناحية وعالم السياسة بتحولاته من ناحية ثانية. ويشير رمزي هنا في هذا الخصوص إلى أنه على الرغم من أن مقالات الكتاب كتبت عبر سنوات إلا أنها تكوّن في ما بينها رؤية مكتملة لموقف التيارات السينمائية من قضايا «الوطن وموقف الأنظمة المتلاحقة عموما من الفن السابع».

ولا يخفي أبو شادي نقده لأفلام «نقد الثورة» التي بدأت بالتلميح وانتهت بالتجريح، وبخاصة بعد رحيل عبد الناصر، فقد اختلقت سينما التزوير والتشهير وسينما الحنين إلى ما قبل 1952، وهي تجلت هنا في «قسوة التنكيل وقوة التبجيل»، وبدا واضحاً أن محتويات الكتاب هنا صارت تتسم بنضج سياسي أكبر وأيديولوجية واضحة تنتمي لأفكار ثورة يوليو. ويرى «العم كمال» كما يحلو أحياناً لعلي أبو شادي أن يشير إلى صديقه أن «الناقد» أبو شادي كان يقسو في أحايين كثيرة على السينما المصرية التي وصفها في غير مكان بأنها تمارس دورها في تغييب الواقع وتزييف الوعي، و «هي تقييمات سادت بيننا خلال الستينيات والسبعينيات كأثر من آثار انغماسنا في الاهتمامات السياسية، على نحو منع رؤية كل ذلك الجمال في الأفلام الاستعراضية والغنائية والكوميدية»، وهو الأمر عينه الذي تداركه أبو شادي لاحقاً حين أعد تقييم «اتجاهات السينما المصرية» في كتاب يحمل العنوان ذاته.

ولا يبتعد علي أبو شادي عن قراءة الوجه الآخر لأفلام «اجترأت» على الاقتراب من نظام عبد الناصر، وهي على التوالي: «القضية 68» لصلاح أبوسيف، «شيء من الخوف» لحسين كمال، و «ميرامار» لكمال الشيخ. ويرى رمزي أنه على الرغم من صحة انتقاده هذه الأفلام في جوانب كثيرة، إلا أن موقفه بالتحديد من فيلم «شيء من الخوف» يحتاج إلى مراجعة خاصة، فهو لا يخلو من تناقض، فبينما يقول إن الفيلم لا يشير عمداً أو خوفاً إلى مكان القرية التي تدور فيها أحداثه، إلا أننا أمام تجربة إنسانية –يضيف رمزي– يمكن أن تتحقق في أي زمان ومكان. يرد كمال رمزي ذلك بالطبع إلى «عوينات الأيديولوجيا»، ولكن هذا لا يعني أن القارئ المتربص بالكتاب سيخرج بغير انطباع من التسجيل والملاحظة في مسيرة الناقد علي أبو شادي.

أما الحوارات التي نشرت في الكتاب، فتأخذ بعين الاعتبار مهمة أبو شادي وعمله في رقابة المصنفات الفنية. لا صوت يرتفع هنا بانتظار معرفة موقفه من دور الرقابة في الحياة الثقافية والأدبية والفنية. يقول أبو شادي إن معركة فيلم «هي فوضى» لوحدها ربما تدلل على الطريقة التي كان يقود فيها معاركه الرقابية مع الجهات المعنية، وبخاصة أنه لم يتم المساس بنيجاتيف الفيلم وبقي كما صنعه مبدعه يوسف شاهين. والأهم أن شهود تلك الليلة العاصفة في ستوديو مصر بمحافظة الجيزة التي جمعت أبو شادي والمخرج خالد يوسف والمنتج غابي خوري وعدداً محدوداً من العاملين بجهاز الرقابة مع مجموعة من ضباط أمن الدولة جاءت لمناقشة الفيلم و «تعدياته»، مازالوا جميعاً على قيد الحياة، والفيلم يتم تداوله حالياً من دون أي حذف.

«علي أبو شادي ناقداً» لكمال رمزي «يغطي» مرحلة مهمة من حياة الناقد السينمائي الذي لم تأخذه رقابة المصنفات الفنية من أدواته وحسه ورهافته وبقي كما هو: ذلك الفتى الذي جاء من قرية بعيدة ومعه عشقه للسينما ودورها وعاش معها تقلبات كبيرة عرفتها مصر في عصرها الحديث، وهي تقلبات لم يكن لها أن تستقر يوماً من دون وضع إشارات استفهام كبيرة أمام الرقابة على المصنفات الفنية، فهي تختزل في ما تختزل أيضاً سنوات الصراع من دون العثور على جثث أكيدة فيها حتى يسهل إيجاد من يتجرأ ويقوم بالدفن في كل مرحلة تعبر فيها الأفلام والمنتجات الفنية أمام نظارة هذا الرقيب أو ذاك.

الحياة اللندنية في

24.01.2014

 
 

«لا مؤاخذة»..

«اللي في القلب في القلب يا كنيسة»

كتب: رامي عبد الرازق 

في عرضه العالمي الأول ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، افتتح فيلم «لا مؤاخذة» ثالث أفلام المخرج الشاب عمرو سلامة، الدورة الجديدة، وذلك قبل أيام من عرضه التجاري بصالات العرض المصرية خلال الأسبوع الحالي من شهر يناير.

«لا مؤاخذة» في العامية المصرية تعني بدون إحراج أو عفوًا، وهو عنوان يتسق عضويًا مع مضمون الفيلم وكأن المخرج يريد أن يقول للمتفرج (عفوًا ولكننا هكذا)، ورغم ما يمكن أن نسجله من ملاحظات درامية أو فنية على التجربة إلا أنها تظل في إطار التجارب التي لا تتحرج من قول الحقيقة التي نعيشها جميعًا في مجتمعنا وهي أننا مجتمع طبقي وعنصري وتمييزي وغير منصف.

يتخذ «سلامة» في تجربته الجديدة أسلوبًا سينمائيًا يجمع بين ثلاثة عناصر: الأول هو الراوي العليم الذي يحكي قصة هاني الطفل المسيحي- الملقب في مدرسته الحكومية بـ(لا مؤاخذة)- وهو بطل التجربة ومحور الأزمة، ذلك الطفل الذي اضطرته الظروف المادية لأسرته لأن ينتقل من مدرسة دولية في طبقة معينة إلى مدرسة حكومية تمثل قاع المجتمع ليحتك بطبقات دونية تعاني من صعوبة في تقبل الآخر المختلف عنها.

والعنصر الثاني هو الهايبر ريالتي أي ما فوق الواقعي، وهو أسلوب يجمع ما بين السخرية والهزل ويمثل لقطات وإيحاءات تجسد أفكار ومشاعر الشخصيات الباطنية وتفاصيل المواقف بشكل كاريكاتوري مبالغ فيه كأن يجسد المخرج شعور هاني بأن دلو ماء بارد انصب عليه عندما يقول أحد المدرسين «الحمد لله كلنا هنا مسلمين»، لأنه يخشى في تلك اللحظة أن يعلن عن ديانته خوفًا من بطش الآخرين، أو أن يصطحبه مؤمن زميله في الفصل في جولة داخل المدرسة ليريه فصل «العضمة الزرقاء» أي الطلبة المسيحيين، وهو مكان زنخ بصريًا مترب تحيطه خيوط العنكبوت، في دلالة على أنه يتم التمييز بينهم وبين الطلبة المسلمين، وهي دلالة قادمة من بعض الحزازيات الاجتماعية والحضارية في المجتمع المصري، وهنا يجسدها المخرج في شكل هذا الفصل المدرسي الكئيب، مع العلم أن واقعيًا لا يوجد ما يسمى فصل المسيحيين في أي مدرسة حكومية أو غير حكومية، لكنها رغبة المخرج في التعبير عن التمييز الطائفي في إطار من الفوق واقعية.

أما العنصر الثالث فهو الواقعية المحدودة التي تمثل الجانب الميلودرامي في الفيلم، وهو أقل عناصر الأسلوب قوة، لأنها في وقت من الأوقات تبدو متناقضة ومشوشة فيما يخص التعاطي مع أسلوب الراوي العليم والسرد الفوق واقعي.

وفي الحقيقة، فإن أزمة الفيلم الأسلوبية في الأساس تكمن في تناقض عناصر الحكي ما بين الواقعي وما فوق الواقعي، فالراوي العليم الذي يقدمه صوت الفنان أحمد حلمي بأسلوبه خفيف الظل ونبرته التي تقرب القصة كأنها حدوتة ما قبل النوم للأطفال تبدو متسقة بشكل كبير مع العنصر الفوق واقعي، لكنه يضطر لأن يصمت تمامًا عندما يبدأ السرد يلتزم بالواقعية بل ويظل صامتًا لمشاهد كثيرة «واقعية»، لأن التعاطي الواقعي مع بعض التفاصيل يعيد ذهن المتفرج إلى مدى عدم منطقية الأمور ودرجة تقبل الإيهام بها.

فمن الصعب تقبل الفكرة الأساسية للفيلم في سياق واقعي بحت، لأنه من شبه المستحيل أن يظل تلميذ في مدرسة حكومية في مجتمع كمصر يعاني من التمييز الطائفي أن تظل ديانته مخفية عن أساتذته وإدارة المدرسة التي تتعامل مع البيانات الشخصية وشهادات الميلاد في كل شيء ولكن في إطار من فوق الواقعية يمكن أن يصبح هذا متقبلًا نسبيًا، وإن كان يحتاج إلى مزيد من الجهد الذي لم يبذله المخرج للأسف لأقناعنا بأن الطفل استطاع أن يخبئ ديانته حتى عن أساتذته.

ولا يكفي مشهد واحد يسأل فيه المدرس عن اسم كل تلميذ ويكتفي بالاسم الثنائي، ولا يكفي أن يقدم هاني على خطوة إخفاء دينه دون أي اضطهاد مسبق يخص تلك المسألة تحديدًا!

بل إن المخرج قام بتأخير مشهد معاينة هاني لفصل «الأربعة ريشة» حتى فترة متأخرة من وجوده بالمدرسة، كي يبرر به لماذا لم يصارح زميله في الفصل كي لا يخسر صداقته، وكان الأولى أن يأتي هذا المشهد متقدمًا نسبيًا، لكي ندرك سبب إخفاء هاني لدينه، خاصة أنه لم يتعرض حتى لتمييز معلن من قبل المدرسين بل على العكس أبدى أغلبهم تعجبًا طبقيًا من وجود هذا الطفل النظيف البريء المختلف في مستنقع القمامة الذي يسمى مجازًا مدرسة حكومية.

فإذا أردنا بناء عالم افتراضي انطلاقًا من موقف يعتمد على سر أو سوء فهم (كإخفاء هاني لديانته خوفًا من التمييز أو الاضطهاد) علينا أن نبذل جهدًا أكبر في إيهام المتفرج بأن هذا العالم توجد مبررات قوية لوجوده ولكن الاكتفاء بمعلومة عابرة أو الاعتماد على أفكار المتلقين المسبقة عن التمييز الطائفي يعتبر ضعفًا خطيرًا في البناء الدرامي.

فهاني لم يتعرض لاضطهاد طائفي من قبل ولم تحذره أمه من الإعلان عن دينه، لكنها اكتفت بقولها «لا تتحدث مع أحد في الدين» وهي جملة عادية، ولم يقدم أي مدرس على قول أو فعل يخيف الطفل باستثناء جملة «الحمد لله كلنا مسلمين»، وهي جملة بسيطة لا تبرر حجم الخوف من الإعلان عن الديانة! ولم يشاهد هاني في المدرسة الجديدة الطلبة المسيحيين يتعرضون لأي اضطهاد قبل مشهد فصل الأربعة ريشة ! إذن ما الذي يدفعه لإخفاء ديانته ويشعره بأن دلو ماء بارد صُبّ على رأسه!!

ثم إن مشكلة هاني المادية التي تدفع أمه بأن تنقله من المدرسة الغالية إلى مدرسة أخرى كان يجب أن تتزامن مع اختلاف في المستوى المادي للأسرة شكلًا ومضمونًا، فعلى سبيل المثال تظل الأم تركب سيارة باهظة الثمن يكفي ثمنها لبقاء هاني في مدرسته القديمة على الأقل لسنوات، وكل تفاصيل حياة هاني من أجهزة وشقة فاخرة ومعيشة راقية تجعلنا نشعر أن المخرج انتزع الشخصية من سياقها وزرعها في سياق آخر بشكل قسري لمجرد الإفيه الطبقي- على غرار صعيدي في الجامعة الأمريكية مثلا- دون أن ينتبه إلى أن التفاصيل تقوم بالتخديم على الصورة العامة وتشكلها في ذهن المتلقي لتحقيق الإيهام اللازم، خاصة أن هاني يتعرض لاضطهاد طبقي عنيف لا يميز بين كونه مسلمًا ومسيحيًا بمجرد أن ينتقل للمدرسة.

ويستمر هذا التمييز الطبقي طوال الفيلم في تراكم متصاعد حتى إن المخرج نفسه يقدم لنا مشهد شرب مؤمن زميل هاني لكوب الشيكولاتة باللبن على دفعة واحدة في مقابل رشفات قليلة من هاني وأصدقاء طبقته، وهو مشهد طبقي جدًا بالمناسبة ويجعلنا نشعر أنه لو أن هاني كان طفلًا مسلمًا لما اختلف السياق الدرامي ولا الفيلمي في شيء، لأن الأزمة الأساسية للشخصيات صارت أزمة طبقية وليست طائفية، بل وبدت الأزمة الطائفية ثقلًا إيهاميًا على ذهن المتفرج الذي يظل غير مقتنع بأسباب إخفاء هاني لديانته وبقاء السر فترة طويلة رغم اشتراك هاني في أكثر من نشاط مدرسي يستدعي معرفة كل بياناته.

مع وجود الراوي العليم كان من الممكن أن نرى هاني وأمه (كنده علوش) يتدهور بهما الحال ماديًا للدرجة التي يبدو معها هذا الهبوط الحاد من مدرسة لمدرسة منطقيًا ومبررًا ولكن التركيز على جانب من حياة هاني دون الجوانب الأخرى خلق عدم اتساق درامي واضح أضر بالبناء.

ونحن لا نفرض وجهة نظرنا على الفيلم ولكننا نتعجب من وجود مبرر قوي للانحدار بوفاة الأب ووجود أسلوب للتعبير عنه مثل الراوي العليم ولا يتم توظيفهم من أجل الصحة الدرامية للعمل.

لعبة التناقضات

منح الأسلوب الفوق واقعي مساحة حرة للمخرج أن يقدم العديد من النماذج التي تمثل جانبًا من التناقضات الاجتماعية والحضارية التي نعيشها في مجتمعنا الحالي مثل شخصية المشرف المدرسي شقاوة الذي قدمه رامي غيط والذي نراه يدخل إلى الفصل في المرة الأولى حاملًا عصا غليظة ومطواة قرن غزال ولكنه في نفس الوقت يبدو أكثر المدرسين تدينًا وحرصًا على اصطحاب التلاميذ للصلاة في الجامع لمجرد أن يمنعهم من اللعب والشقاوة، وهو نموذج ساخر للمتدين العنيف الذي يجمع التلاميذ للصلاة بالعصا وليس بالحسنى ولأسباب تنظيمية وليست إيمانية.

كذلك الطفل المشاغب«علي علي» المرسوم بكاريكاتورية مفتعلة سواء على مستوى السلوك أو الندبة التي في وجهه والتي تدل على أنه أقرب للمسجلين الخطيرين منه لتلميذ مدرسة والذي نكتشف أن والده هو بواب المدرسة العجوز النائم ليل نهار دون عمل حقيقي، ومن هنا ندرك أن الطفل يعاني من رغبة في تعويض إحساسه بالنقص والدونية من مهنة وسلوك أبيه بفرض سطوته وسيطرته على التلاميذ الأضعف جسمانيًا، وهو أيضًا نموذج درامي جيد وساخر رغم ما يحتويه من مبالغات مضرة نسبيًا، خاصة في إفيهاته التي يطلقها بمناسبة ودون مناسبة.

وتنتقل لعبة التناقضات من ألوان الشقة الناعمة الهادئة التي يعيش فيها هاني والتي يغلب عليها الأزرق الحالم والأبيض الرقيق إلى الأصفر الترابي الساخن في المدرسة بكل ما تمثله من تجسيد لساحة الحرب والفوضى العارمة، كذلك في توظيف المخرج للكادر الواسع الثابت الذي يتيح للمتفرج الاضطلاع الكامل على تفاصيل اللقطة أو المشهد وبيان حجم التناقضات البصرية الكامنة بداخله مثل مشاهد الحوارات التي تدور على خلفية حوائط المدرسة التي تمتلئ بشعارات حضارية لم يعد لها وجود في الواقع الأجتماعي كمصر عنوان الحضارة والعلم وسيلة الشعوب للتطور ورسوم الأهرامات والشمس المشرقة وهو ما يتناقض مع أغلب الأحداث التي تدور داخل المدرسة والتي تعبر عن حالة تردٍ حضاري وفكري وثقافي كامل، فالعلم المتمثل في مشروع هاني لصناعة طائرة لا يمنحه التقدير الذي يبحث عنه في المدرسة في مقابل أن الإنشاد الديني هو ما يجعله يلقى تقديرًا جزئيًا –وهو المسيحي- مما يذكرنا بالسياق الشهير لفيلم وجدة للمخرجة هيفاء المنصور عندما قررت الطفلة بطلة الفيلم أن تتفوق في حفظ القرآن لتحصل على مكافأة مالية لشراء دراجة.

هنا يتخلى هاني عن الأناشيد الكنسية التي نراه يرددها بسعادة في بداية الفيلم، لكي ينشد أسماء الله الحسنى لمجرد أن يلقى بعض التقدير، وهذه أيضا إحدى ميزات الفيلم الدرامية في التعبير عما يمكن أن يقدم عليه الفرد في محاولة لأن يلقى التقدير من المجموع في كيان حضاري مختل وقاصر كمصر يجعل التدين الظاهري هو محور التميز وليس العلم أو العمل.

ولا يمكن إغفال أن تغير موقف والدة هاني عقب حضور مسرحية كنسية بسيطة هو تغير ميلودرامي غير مشبع المبررات، لكنه متقبل على مستوى رد الفعل الأمومي في محاولة لكسب طفلها الذي تشعر أن المدرسة الجديدة تغيره، الغريب أنها عندما تجد آيات قرآنية داخل البيت- والتي كان يضعها هاني على الحائط من أجل إخفاء حقيقة ديانته عندما يزوره مؤمن زميله- بينما تعيد وضع الأيقونات وارتداء الصليب، لا تذهب للاستفسار من هاني عنها ولكنها تقرر أن تعلن للجميع في المدرسة أنه طفل مسيحي، فهل شعرت أن الطفل قد يغير دينه بناء على اضطهاد ما طبقي أو طائفي في المدرسة؟ أم هي محاولة من المخرج لتفجير أزمة دون تحضير كافٍ؟! فالأزمة لم تكن أزمة الآيات القرانية في المنزل ولا صليب وديانة ولكن أزمة تعرض هاني للضرب المبرح من زميله المشاغب.

قدم المخرج مشهد دخول الأم مرتدية الصليب بكل قوة وجسارة في إيقاع بطيء (سلوموشن) مع موسيقى حماسية تدل على صرامة رد فعلها وكأنها لحظة مكثفة وقنبلة على وشك أن تنفجر في المدرسة التي فاز فيها هاني بمسابقة الإنشاد الديني الإسلامي.

هنا مشكلة أخرى من مشكلات الفيلم، فالتعبير البصري الجيد والقدرة على تفجير الأزمات يجب أن يتسق مع معطيات إيهامية ومنطقية ثابتة الأركان، فحتى تلك اللحظة لا يمكن أن نقول إننا كمتلقين كنا مقتنعين بمبررات هاني وأسلوبه الطفولي في إخفاء حقيقة ديانته وعدم اكتشافها.

داوود الصغير

بعد أن كان هاني يعاني من الاضطهاد الطبقي أصبح يعاني من التمييز الإيجابي- إن صح التعبير- نتيجة زيارة والدته للمدرسة للشكوى من ضرب ابنها ولكن الأزمة الطبقية مرة أخرى تتحول إلى «مشكلة طائفية لطفل» على حد قول الرائع بيومي فؤاد في دور ناظر المدرسة رغم كون الشخصية نمطية كعادة كل نُظار مدارس المشاغبين في السينما المصرية.

يصبح هاني بين يوم وليلة أهم تلميذ في المدرسة نتيجة خوف الجميع من الاتهام بالطائفية متناسين أن المدرسة تحتوي على فصل خاص للطلبة المسيحيين ولكن ربما الذي لا يشتكي أهلهم من اضطهاد أبنائهم، وهنا نقف أمام مشكلة جديدة من مشاكل الفيلم.

في مشاهد سريعة، نكتشف أن الكل أصبح يعامل هاني معاملة مختلفة ولكن بشكل سمج وسخيف، فهم يخشونه وينفرون منه في نفس الوقت وكل ما يبدو على هاني أنه يريد الاندماج معهم ليس أكثر فهو لا يريد معاملة مميزة، فالتمييز الإيجابي يُسبّب نفس الشعور بالوحدة والألم كالتمييز السلبي، ولكن رغم ذلك وفي تناقض غامض يقرر هاني أن يتعلم الجودو كأبيه- في إشارة عميقة لكون الأب كان متقنًا للعبة دفاع عن النفس ربما لأنه مسيحي في مجتمع يعني من مشاكل طائفية!- ثم يبدأ في الاحتشاد النفسي والبدني العنيف للانتقام ممن ضربه، بدلًا من التفكير في بدائل سلمية تجعله يعود لمكانته السابقة في المدرسة، وبدلًا من أن يُشعرنا المخرج بحجم مأساوية اللحظة التي يضطر فيها طفل للتخلي عن خُلقه وطيبته وبراءته والتحول إلى كائن عنيف وصارم وكئيب نجده يشجع ما يقدم عليه هاني من غليان داخلي بأغنية حماسية ذات لحن وكلمات تذكرنا بتلك الأغاني التي كان أبطال أفلام الأكشن يتدربون عليها قبل مواجهة خصومهم في النهاية لرد الهزيمة.

ماذا تريد كمخرج أن تقول إذن: أن العنف يولد العنف والتمييز يولد الغضب؟ حسنًا ولكن أليست هذه مأساة تستحق التأمل الحكيم والتعبير الصحيح! أم هي نتيجة نحتفي بها بصريًا وإيقاعيًا ونقلبها أكشن.

وكأن سلامة يقول لكل من يعاني من الاضطهاد والتمييز لا تستسلم لذلك، بل قاومه بأقصى عنف وضراوة ونحن نشجعك بالأغاني الحماسية التي تشيد بموقفك ولا تنكره عليك! إن المفارقة المأساوية التي يجب أن يبلورها الفيلم في ثلثه الأخير تحولت إلى ذروة في فيلم أكشن درجة ثالثة، حيث يتدرب البطل لمواجهة عدوه على إيقاع أغنية (عين النمر) كما في فيلم روكي.

تنتهي المواجهة بالطبع بانتصار هاني داوود الصغير على جالوت الضخم وهي نهاية نمطية جدًا بالمناسبة ونمطيتها تأتي من أنها استجابت لمنطق الأكشن وليس لمنطق فلسفة التحليل الاجتماعي والنفسي لمن يتعرضون للاضطهاد فيتحولون إلى إرهابيين أو أشخاص خطيرين وليس لأبطال شعبيين يتم الاحتفاء بهم بعد هزيمة الشرير.

ويشعرنا المخرج بعدها أن هاني سعيد بالعقاب الذي يتلقاه في النهاية جنبًا إلى جنب مع عدوه المضروب، لأنه أخيرًا لم يعد مميزًا في شيء داخل المدرسة تمامًا كما يقول لنا الراوي وهي نهاية ساذجة، لأنها أولًا تناقض ما حشده المخرج من مشاعر عنيفة داخل هاني وتمرينات لمواجهة علي وثانيًا لأنها تشعرنا أن هاني ضرب «علي» لكي يتلقي عقابًا يجعله معه على قدم المساواة وليس انتقامًا من تعرضه للأذى البدني والنفسي على يده طوال الوقت.

هذه نهاية مشوشة وقاصرة عن تحقيق ذروة انفعالية وفكرية جيدة للتجربة حتى مع وجود نظرات الحقد المتبادل بين الاثنين هاني وعلي والتي تذكرنا بالمثل الشعبي «اللي في القلب في القلب يا كنيسة» أي دلالة على وجود حقد طائفي دفين بين طرفي المجتمع.

ولكن الفيلم للأسف يصوغه دون أن يدرك أنه أطلق هذا الحقد من منطلق طبقي وليس من منطلق اجتماعي أو سياسي أو حضاري، فمشكلة هاني مع علي بدأت وانتهت لأسباب طبقية بحتة - فهاني لم يكن يعني من ازمات طائفية في طبقته الأولى- ومسألة التمييز الطائفي وإخفاء الدين وكل هذه التفاصيل مجرد أثقال تبطئ من رشاقة الأسلوب وتحد من قوة الفكرة، بل وتناقضها في بعض الأحيان.

تبقى الإشارة إلى تميز عناصر التمثيل على كل المستويات تقريبًا، بداية من أحمد داش في دور الطفل هاني والذي استطاع أن يوازن ملامحيًا وبموهبة فطرية ما بين براءة الانطباع الأولى في البداية وصرامة الكبت الداخلي بعد ما عاينه من أهوال في المدرسة، والاختيار الجيد لكنده علوش في دور الأم حيث جاءت متسقة مع لعبة التناقضات التي أشرنا إليها، خاصة التناقض بين شكلها المريمي جدًا والحالم وبين كونها لا دينية ترفض الاعتماد على السماء في حل مشاكل الأرض، كما يحسب لهاني عادل واضع الموسيقى توظيفه للآلات المدرسية التقليدية في صياغة موسيقى الفيلم، خاصة أن الأفلام التي تعتمد على الهايبر ريالتي تحتاج إلى الكثير من الإفيهات الموسيقية للتزامن مع الإفيه البصري الكاريكاتوري، بالإضافة إلى صياغته لجملة لحنية معزوفة بصفير فمي تناسب المواقف الطريفة والميلودرامية بنفس الدرجة وتمثل جانبًا وصفيًا لشخصية الطفل هاني بطل الفيلم، فالصفير فعل صوتي مقترن بفترة الطفولة بحلوها ومرها.

المصري اليوم في

25.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)