كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

زوم

فنّانو مصر إلى العمل لمواكبة خيار الجماهير

بقلم محمد حجازي

 

تم العثور على مخرج لإعطاء إجازة عرض لفيلم «أسرار عائلية» من إخراج هاني فوزي، عن نص لـ محمد عبد القادر، ويتناول لأوّل مرّة موضوع المثليين جنسياً، بحيث أعلن رئيس الرقابة أحمد عواض عن أن هناك بعض التعديلات طُلِبَتْ على الشريط كي يُوافَق على عرضه.

الفيلم يُطرح للعرض خلال أسبوع مع محمد مهران، سلوى أحمد علي، وبسنت شوقي، وكان المخرج فوزي قد خاض معركة كبيرة لأخذ إذن عرض، كون السيناريو حاز سابقاً موافقة الرقابة.

نحن مع أنْ تُتاح الفرصة لجميع المبدعين، كتبوا، أخرجوا، أو مثّلوا، كي يتحرّكوا بحريّة في مجال تقديم ما يُفيد مجتمعهم، ويواكب الظروف التي تعيشها مصر هذه الأيام، وهي حالة من الفرح والأمل بقدوم عهد جديد عليهم، ربما لهذا الموضوع أيام أخرى يستغل فيها مناخ الحرية المُتاح، بينما لماذا لا تكون هناك حملة حالياً تدعم المناخ الوطني الجامع تأييداً ودعماً للرجال الشرفاء، تماماً مثلما  كان الفنّانون في مراحل مختلفة من حُكم الرئيس جمال عبد الناصر يخوضون الحملات غناءً وتمثيلاً (أفلام ومسرحيات) وندوات، بحيث يكون الشعب كلّه على بيّنة من أهميّة الواقع الذي تعيشه الأمة، وبالتالي حصول حالة من التكاتف لا يستطيع أحد فك تعقيداتها أو تلاحمها.

جيد أنْ يجد الزعيم شعبه معه ووراءه، ولا يحصل هذا إلا من خلال الانخراط في «تظاهرات دعم» بالعمل والفعل الفني الذي أثبت أنّه ناجح جداً، فالذي قام به الفنّانون المصريون من خلال تصريحاتهم، ووقفاتهم ومواقفهم يُعتبر أنموذجياً وخدم الـ «نعم» التي تسعى إليها السلطة بشكل كبير.

نعم أحببنا الشريط الإعلاني الدعائي الذي صوّرته المخرجة ساندرا نشأت، ودعت فيه إلى أوسع مشاركة في الاستفتاء، وهناك حملات أخرى مناسبٌ جداً التعاطي معها على أنّها تخدم الهدف العام، وهو ثبات الواقع الذي تأسّس بعد 30 يونيو/ حزيران الماضي، حيث فُتِحَ باب الأمل على مصراعيه عند المصريين مستبشرين بقائد جديد وُضِعَ في طريقهم، كي يمشي في مقدّمتهم صوب خلاصهم من شوائب الماضي، وعبء السلطة الماضية والتعاطي مع الغد على أنّه أهم وأفضل ولا مجال فيه إلا للعمل الدؤوب على أكثر من صعيد.

نقول ذلك لأنّ الفن أثبت أنّه قادر على توصيل الرسائل بشكل أسرع وأضمن، ومن خلاله تكون الحملات شاملة، متضامنة، وناجحة، بكل بساطة، إنّ الفنانين يلعبون دوراً طبيعياً، إنْ نجحوا فيه خدموا البلاد والعباد وأزاحوا الغمامة عن صدر مصر في ظرف دقيق، مُلحٍّ، ولا يحتمل أي تردّد.

مثلما صاغ الشعراء أيام عبد الناصر الكلمات ولحّنها كبار الفنانين ليغنيها «أساطين الغناء« في الستينات وما تلاها، هناك إمكانية لأنْ يتقدّم كتّاب السيناريو بنصوص مناسبة تلبّي احتياجات ميدانية مُلحّة يتوجب أنْ تُُفيد القادة الجُدُد في مسعاهم لرسم أجمل صورة لمصر المستقبل، القريب والبعيد، خصوصاً في مجال الإبداع الفني الذي تراجع الاهتمام به منذ انطلاق شرارة الثورة في البلاد، التي أسقطت سريعاً النظام السابق، ثم عندما تدخّل الجيش وأسقط النظام الذي تلاه، وها هو يستفتي الشعب على خطوته الكبيرة التي تقدِّم الصورة الواضحة والوطنية لمصر الغد.

إنّ أكثر ما يُثير الحميّة في هذا الواقع هو كون المرحلة لا ترحم، ولا تأجيل سيكون مريحاً، بل عمل فوري فالاستحقاقات متتابعة، ما بين انتخاب رئيس للجمهورية بات اسمه محسوماً عند الناس، ومجلس شعب يُفترض فيه أنْ يكون ممثِّلاً حقيقياً لكل الشرائح الشعبية التي ناضلت، وفي ذاكرتها كل البؤس الذي عانوه في عقود سابقة من تهميش، وإفقار، وتجويع، باتت الأمور لا مفر من إعلانها واضحة مباشرة: دستور جديد ودولة عصرية ترعى مواطنيها وتعوّضهم ما فات من هوان.

فنّانو مصر عليهم أنْ يتحرّكوا فوراً، لكن للأسف هم يتحدّثون أكثر مما يفعلون. ساعة العمل حانت، ولا مبرّر لأي تردّد عند أي فنّان، فأمّة العرب لطالما نظرت إلى مصر، نظرة المثل الأعلى للاقتداء بها، و«إذا مصر بخير.. العرب بخير»، لذا على الفنانين أنْ يلتحموا بقاعدتهم الشعبية التي حسمت خيارها، وأن يعمل الطرفان - الشعبي والفني - لخدمة هذا التوجّه وهذا القرار، وبعدها يحين دور التفاصيل

عروض 
«
مانديلا» يمشي على شاشاتنا إلى الحرية مع رديفه الرائع إدريس إلبا

«جاك ريان» ينقذ مانهاتن من تفجير روسي مروِّع بسيارة مفخّخة

نحن في واقع هستيري، مهني من التعاطي مع الجوائز الوافدة من أميركا مع الـ«غولدن غلوب»، ثم مع ترشيحات «الأوسكار» التي أُعلِنَتْ الخميس الماضي بانتظار توزيع الجوائز في الثاني من آذار/ مارس المقبل، أو تلك التي تُمنح في الخارج الغربي عموماً لأفلام أميركية ضخمة حكمت العام المنصرم 2013 يتقدّمها دون منازع في المستوى نفسه «12 عاماً من العبودية»، لـ ستيف ماكوين، الذي مهّد له 86 ناقداً أجنبياً في لويس أنجلوس مجال العبور إلى الأوسكار، لكن هل يكفي هذا فعلاً، الأيام وحدها كفيلة بحسم هذا الأمر.

وكذلك هي الحال في الأفلام المتوافرة على مواقع خاصة عبر الإنترنت لتقديم أحدث الإنتاجات في نسخ مقرصنة، أو التي تتم برمجتها على شاشاتنا، وقد اخترنا منها اثنين:

{ (Mandela: Long Walk to Freedom):

- إنّه الزعيم العالمي الذي جمع في جنازته كل قادة العالم، جاؤوا وشاركوا في تشييعه يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، وفي الليلة نفسها شاهدنا الفيلم في الصالة العملاقة لمهرجان دبي السينمائي العاشر، مع تحية لـ نلسون مانديلا.

هاستن شادويك أخرج شريطاً مؤثّراً وقوياً مدّته 139 دقيقة، باشرت الصالات الأميركية عرضه في 25 كانون الأول/دذيسمبر المنصرم، ويتحدث اللغات: الإنكليزية، والإفريقية والـ (Xhosa)، عن نص لـ ويليام نيكولسون استناداً إلى سيرة الزعيم مانديلا، حيث استوقفنا كثيراً الكاستنغ الذي جاء بالممثل إدريس إلبا للعب الدور الرئيسي، وكان الخيار لـ مونيين لي.

إلبا جسّد الرجل قلباً وقالباً، حتى الصوت كان واحداً، والتأثر الذي بدا عليه كان رائعاً، واللافت أنّ اختيار ممثّل للأدوار الثانوية جاء بهذا الاكتشاف لموهبته الفذّة فلم يكن الرجل خائفاً أو مرتبِكاً من تقمُّص شخصية معروفة جداً عالمياً، بل كان هادئاً، واثقاً، ولاعباً محترفاً في نقل الشخصية كما يعرفها الناس.

المهارة طالت أيضاً نعومي هاريس في دور ويني ماديغيزيلا التي أحبّها، ثم تزوّجها، وعندما لمع نجمه في جنوب إفريقيا كمحفّز على الحرية بدت حاسدة، وبدا ذلك جلياً حين قرّر التواصل سياسياً وسلمياً مع الرئيس الجنوب إفريقي دوكليرك (غيس دوفيلييه) حيث رغب من أنصاره وقف المواجهات والعنف، وانتظار محادثات السلام التي أفضت لاحقاً إلى تسليم السلطة إلى «السود» بقيادة مانديلا، وعندما شعر بأنّها باتت مزعجة أوقفها بالقوة، وطلّقها.

{ (Jack Ryan: Shadow Recruit):

- شريط جميل ورائع للإنكليزي الذي يحب شكسبير كثيراً كينيث براناه، الذي لم يقدّم جديداً فنياً منذ أربع سنوات تقريباً، وها هو يدخل بازار الأكشن من خلال هذا الشريط الذي صدر في لندن، ويقدّم بطلاً أميركياً أنقذ مانهاتن من سيّارة مفخّخة أرادت مجموعة روسية تفجيرها تحت مانهاتن لإسقاطها، عن نص لـ آدم كوراد، وديفيد كوب مع راسم تفاصيل الشخصيات توم كلانسي، الذي اعتمد أيضاً على فريق رباعي من الكاستنغ (ديبوراه آكيلا، إيلين كرينغر، لوسنيدا سيزون، وتريسيا وود) أتى بمجموعة من الممثّلين بدت وكأنّ غيرها لا يمكن أنْ يقوم بالمهمة إياها، ونقصد: كريس بين في دور جاك ريان، كيفن كوستنر العائد (ويليام هارير مسؤول المخابرات الأميركية الذي جنّد ريان) كايرا نايتلي (كاثي حبيبة ريان) وصولاً إلى براناه نفسه، الذي يجسّد دوراً سلبياً لجاسوس روسي يُدعى فيكتور شيروين يكون مطلوباً منه تأمين السيّارة التي توضع في مكان حسّاس لإحداث أكبر قدر من الخسائر في نيويورك.

ريان الذي يبدأ متعاوناً مع الـ CIA، ليُسمَّ سريعاً عميلاً بعدما نجح في قتل عملاق أسوق حاول قتله في فندقه، ثم باتت المواجهة مباشرة، ينجح خلالها أحد رجال فيكتور بتوصيل سيارة إسعاف مفخّخة إلى المكان المطلوب، وهو ما يعرفه ريان ويستميت في سبيل الوصول إلى السائق، ويكون بينهما قتال مرير، ثم يكونان على موعد مع مَنْ يأخذ السيارة، وينجح ريان في قيادتها وإخراجها من تحت مانهاتن، ودفعها إلى الماء كي نواكب انفجاراً كبيراً ومُذهِلاً أنقذ حياة الكثير من المواطنين.

أدار التصوير هاريس زامبرلوكوس، وصاغ الموسيقى باتريك دويل، وتولّى المؤثرات الخاصة والمشهدية: شارني كرافاك، ومات جنسن

وجه 

انطلقت أمس الأحد فعاليات الدورة الثانية من مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية والتي تستمر ستة أيام (حتى 25 الجاري).

شريط «فتاة المصنع» لـ محمد خان، سيناريو وسام سليمان وبطولة ياسمين رئيس، يتبارى في المهرجان، بعدما فاز بجائزتين في مهرجان دبي السيمائي الأخير.

الفيلم يُعدُّ اكتشافاً حقيقياً للممثلة ياسمين من أب فلسطيني وأم مصرية، وهي متزوّجة من المخرج هادي الباجوري، والتي يُفترض أنْ تكون قد ولدت ابنهما الأول، وهي وجه جديد تماماً على الدراما المصرية كشكل وأداء؛ مع شخصية فتاة عادية تعمل في أحد مصانع الخياطة، لتقع في غرام مدير المصنع الجديد (هاني عادل) وتتعرّض جراء ذلك للعديد من المواقف التي تذلّها

نقد 
الأفضل في أميركا

«حياة آديل» للمخرج التونسي عبد اللطيف كشيش والفائز بالسعفة الذهبية من مهرجان كان 66 الأخير، منحته الجمعية الوطنية لنقّاد السينما في أميركا جائزة أفضل فيلم أجنبي شاهدوه في أميركا طوال العام 2013.

الشريط هو أول عمل فرنسي يفوز بالسعفة منذ العام 2008 وهو يتابع يوميات مراهقتين في الخامسة عشرة من عمرها (آديل إكساتوبولوس، وليا سيدو) ويوميات العلاقة الجنسية المضطربة بين هاتين الفتاتين

اللواء اللبنانية في

20.01.2014

 
 

فيلم مؤلّف وممثّلين

بيار أبي صعب 

«طالع نازل»، فيلم محمود حجيج الروائي الجديد، علامة فارقة في مشهد سينمائي لبناني منقسم بين أعمال تجاريّة رديئة وتجارب جادة لم تكتمل. يشتغل هذا المؤلّف على التفاصيل، بعيداً من أي مراهقة أسلوبيّة، أو ادعاء تجريبي، أو نوستالجيا مفتعلة. عند محمود حجيج الحكاية هي في خدمة الفيلم. أما النظرة إلى الراهن، فترشح من بنية دراميّة قائمة بذاتها، بعيداً عن أي اقحام أو اسقاط أو «ذهنيّة».

الأحداث محصورة في زمن قصير (أقل من 12 ساعة) وفضاء شبه مسرحي. عيادة المعالج النفسي، مصعد العمارة التي يلتقي فيها زوّار الطبيب وسائر السكان، فتعلق أضغاث حكاياتهم ومشاغلهم وهوسهم وانفلاتاتهم، وأخيراً مدخل العمارة من الشارع، حيث تمر تلك الناقة كنوع من اللازمة العبثيّة. الكاميرا ثابتة، والكادر هو نفسه، تعبره الشخصيات، وتخرج منه كليّاً أو جزئيّاً، فلا يعود يصلنا إلا مونولوجاتها المتدافعة في هذا «اليوم الخاص». الطبيب خصوصاً حاضر بصوته، نراه من الخلف معظم الوقت. إنّه كميل سلامة. «طالع نازل» ليس فقط فيلم مؤلف، بل هو أيضاً وأساساً فيلم ممثّلين.

اللقطات العامة على المدينة تؤطّر الحكاية في الزمان والمكان. فيما الحيّز الهامشي الليلي (شقّة، سطح، محترف، شارع) يحكم الخناق على الوجوه الهائمة. وفي مشهد النهاية، حفلة رأس السنة، تتشابك الأماكن والحكايات لتعود بنا إلى البداية. ستواصل الشخصيات وجودها الهشّ، في رحلة بحث عن التواصل الصعب والاستقرار المستحيل. «طالع نازل» فيلم سياسي تحرّر من الكليشيه. محمود حجيح يشرّح أفراداً تائهين في لحظة قلقة، في مدينة منهارة، مخلخلة، أمام الأفق المسدود (مروراً بالجرح السوري). على المتفرّج أن «يصغي» جيّداً إلى الصورة والأداء والحركة والكلام والموسيقى، ليلتقط ذلك.

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر PierreABISAAB@

الأخبار اللبنانية في

20.01.2014

 
 

المجتمع اللبناني عارياً أمام الكاميرا

روي ديب 

يقترح علينا محمود حجيج في «طالع نازل» إطاراً محدداً لمجريات الفعل الموزَّع بين عيادة طبيب نفسي في أحد مباني بيروت، ومصعد المبنى. سبعة أشخاص يتوافدون على العيادة في يوم ٣١ كانون الأول (ديسمبر) في محاولة منهم لتقويم أحداث السنة الفائتة. ترافق الكاميرا تلك الشخصيات بين العيادة والمصعد، حيث تلتقي (ونلتقي) شخصيات أخرى من سكان المبنى، والناطور (فادي أبي سمرا) المرحِّب والمودّع لكل واحدة.

باستثناء بعض المشاهد القليلة التي تدعونا إلى التعرف أكثر إلى بعض شخصيات الفيلم في لحظات محددة من حياتها الخاصة، اختار المخرج تثبيت كاميرته وراء مرآة المصعد، ووراء كتف الطبيب. أمام الطبيب والمرآة (الكاميرا)، ستتعرى كل شخصية، لتسرد هواجسها ومشاكلها ورغباتها. كمشاهدين، نجد أنفسنا أمام سيل من الاعترافات لشخصيات لا يجمعها سوى مبنى واحد في بيروت، وفيلم «طالع نازل». أما خيار الاقتضاب في حركة الكاميرا، فيفسح المجال أمام الغوص الأعمق والأسلس في رواية الفيلم وقضايا شخصياته. لا شك في أنّنا أمام فيلم مميّز من حيث لغته السينماتوغرافية نصاً وإخراجاً، وأمام مخرج مدرك وجديّ في خياراته السينمائية، لذلك، اخترنا عدم الانجرار وراء موجة تشجيع السينما اللبنانية في ظل الظروف الإنتاجية الصعبة، وعدم تقويمه مقارنة بالإنتاجات اللبنانية الأخيرة، لأن في ذلك ظلماً لعمل فنيّ يستحق قراءة نقدية في مستوى الطرح الفنيّ. على مدونته، يقول حجيج عن فيلمه: «حين تبقى الكاميرا ثابتة في مكانها، تزهر وتزدهر». بالفعل، اختار المخرج الثبات لكاميرته ملقياً ثقلاً كبيراً على النص والممثلين. ذلك لا يعني أنه أهمل حركة الكاميرا، والإطارات، والصورة (مدير تصوير فيليب فان لو)، بل وظّفها في خدمة لعبة البوح بالمكنونات التي تحتاج إلى بعض السكينة كي تتوطد العلاقة بين المرسل والمتلقي، برغم أن بعض اللقطات، وخصوصاً تلك المأخوذة من خلف كتف الطبيب التي تكررت طوال الفيلم، أتت ثقيلة بعض الشيء. ليس بمعنى تركيبة الصورة، فوجود جزء من كتف الطبيب ورأسه في مقدمة الإطار، أعطى عمقاً للصورة، لكنها أتت غير منسجمة مع بساطة لغة الفيلم السينمائية.

عودة إلى مركز الثقل في الشريط. يعالج حجيج حالات اجتماعية متنوعة عبر شخصياته المتعددة. يغوص في تفاصيل تطاول المجتمع اللبناني والأفراد، من دون أن تخلو مقاربته من النقد. يبني تركيبة السيناريو وشخصياته عبر تفاصيل مثيرة وإطار جدّي تاركاً مجالاً واسعاً للفكاهة، لكن النقطة الأضعف في الفيلم تكمن في التفاوت الكبير بين أبطال الفيلم وقصصهم وتمثيلهم. مشاهد الطبيب (كميل سلامة) والناطور (فادي أبي سمرا) اللذين يؤديان دور حلقة الوصل بين شخصيات الفيلم ورواياته، قدّمت بإتقان وسلاسة اعتدناهما عند الممثلين. أما مشاهد الشخصيات التي قصدت العيادة، مثل عايدة صبرا، يارا أبو حيدر، منذر بعلبكي، زياد عنتر، ومنال خضر، فقد جاءت متقنة في جميع تفاصيلها، من حيث تفاصيل انسياب النص، وتركيب الشخصية، وهمومها ومشاكلها وطريقة البوح بها والتفاعل مع الطبيب، وحركة الجسد. جميعها عناصر كانت سلسة ومقنعة من دون تكلف ولا مبالغة. مثلاً، في أحد مشاهد عايدة صبرا الذي لا يتعدى الدقائق القليلة في الفيلم، نجد بلاغة واضحة في السيناريو الذي صاغه حجيج وفي أداء صبرا نفسها. أمّ ترافق ولدها إلى جلسة عند الطبيب النفسي، فيما هي التي تحتاج إلى جلسة خاصة. بضع كلمات، وردات فعل كلامية وجسدية ــ أكان تجاه ابنها أو الطبيب أو الناطور ــ كانت كفيلة بتظهير تركيبة معقدة لشخصية امرأة بائسة ومعنّفة تتظاهر بالسعادة لحماية صورتها الاجتماعية. يكمن نجاح تلك المشاهد في أنّها تطرّقت إلى مشاكل تلك الشخصيات خلال الجلسات التي يلتقي فيها الطبيب مريضه، حيث لا يقال كل شيء. لقد كانت تركيبة تلك المشاهد ذكية بطريقة ظهّرت العناصر الضرورية لتواصل المشاهد مع الشخصية أمامه على الشاشة. يأتي ذلك على عكس المشاهد التي تابعنا فيها ندى أبو فرحات، وحسان مراد، وحسام شحادات، وديامان بو عبود، التي حشرت الكثير من التفاصيل لشخصيات معقدة التركيب، عارضةً المشكلة والمواجهة وأحياناً الحلّ. حتى إنها أضحت، عبر النص والمبالغة في التمثيل وتركيبة الشخصية أمام الكاميرا، ركيكة تستند إلى الاستعجال في تظهير تعقيدات الشخصية كما إلى بعض الكليشيهات (مثل سرد بعض التفاصيل الدرامية عبر مونولوجات للمرآة)، حتى إنّ بعضها أتى مسرحياً في التركيبة والأداء، مما أدى إلى الإحساس بأنّ تلك المشاهد لم تتخذ مساحة كافية، فيشعر المشاهد بأنها اختُزلت، أو بأنّها مشروع لفيلم آخر، مثل قصة شخصية حسان مراد ووحدته وخوفه من المجتمع الذي تحوّل إلى علاقة مرضيّة مع «مانيكاناته». هكذا، ألقت مشاهد مماثلة بثقلها على إيقاع الفيلم، بعكس المشاهد الأخرى التي تنساب برغم التعقيدات الكامنة في شخصياتها، لكنها تعبر وترحل لتضيف إلى تركيبة الفيلم من دون أن تأسر المشاهد في عالم مختلف خارجه. ليس التوقف عند تلك التفاصيل سوى لأنّ «طالع نازل» للمخرج محمود حجيج فيلم يستحق المشاهدة والنقد.

الأخبار اللبنانية في

20.01.2014

 
 

بين المصعد وكنبة الاعترافات:

الحياة «طـالع نازل»

بانة بيضون 

وسط فورة الإنتاجات اللبنانية خلال السنتين الأخيرتين، يأتي الفنان والسينمائي الشاب ليقدّم باكورته الروائية التي تبتعد عن الادعاء أو إعطاء درس في التعايش المشترك. بشخصياته وحواراته، وأداء ممثليه المتميز وطريقة إخراجه التي تتماهى مع الحبكة الروائية، نحن أمام سينما مؤلِّف تعيد إلى السيناريو قيمته

ضمن المساحة الضيقة بين المصعد وعيادة الدكتور النفسي، وما بين الحوار والصمت، تنكشف لنا الشخصيات التي يقدّمها إلينا محمود حجيج في فيلمه «طالع نازل»، الذي يُطرح هذا الأسبوع في الصالات اللبنانية. تنتقل هذه الشخصيات من حالة نفسية إلى أخرى ضمن مشهدية سينمائية تكرّس التناقض بين جماد الديكور والكادرات واضطراب الشخصيات التي تسبح داخله وترتطم بحدوده كما الأسماك. خصوصية الفيلم تعود على نحو أساسي إلى ابتعاده عن الادعاء والاستعراض.

محمود حجيج (1975) لا يدعي هنا تمثيل الوطن ككل أو الواقع اللبناني بكل قضاياه وأطيافه الاجتماعية على غرار غيره من الأفلام، ولا يقع في فخ الرمزية البلهاء أو الخطاب الفكري المحض. هذا الفيلم ليس درساً تعليمياً آخر لا عن التعايش المشترك، ولا عن السينما نفسها. هذا الشريط لا يمثل سوى نفسه والقصة التي يرويها، الكفيلة بنقل الواقع اليومي والحياتي لهذه الشخصيات، التي يتناولها حجيج ويُشغل في رسم تفاصيلها بدقة. كأنّ أغلب شخصيات العمل تعيش حياتين: صورتها عن حياتها، وحياتها الفعلية. تتصارعان باستمرار ولا تنتصر أي واحدة على الأخرى، ولا يظهر واضحاً أي منهما هي المتخيلة وأيهما الحقيقية. يوظف حجيج الديكور الموحد والمشهدية المتكررة للشخصيات التي نراها في المصعد أو في عيادة الطبيب النفسي، أو في المشاهد القليلة المصورة في الخارج لتجسيد هذا التناقض. مع كل نقلة، نرى جانباً آخر من كل شخصية، سواء حين تكون وحدها في المصعد، أو حين تكون محاطة بآخرين أو أثناء جلسات العلاج النفسي. امرأة متزوجة تقيم علاقة مع آخر وتحبّ زوجها وعشيقها في آن واحد (ندى أبو فرحات)، والدة منهمكة في علاقتها المضطربة مع ابنها هرباً من مواجهة أزمتها الحقيقية مع زوجها (عايدة صبرا). الصراع بين الصوت والصمت متمثلاً في الثنائي، الذي يؤدي دوره يارا أبو حيدر، ومنذر بعلبكي أو الفتاة التي تحمل صمت أمها داخلها (ديامان بو عبود). شخصية بائع الدمى البلاستيكية (المانيكان) الاستثنائية الذي يؤدي دوره حسان مراد. المريض الوهمي المدمن الحبوب الذي يملك حبّةً لكل شعور (زياد عنتر)، أو المريض السوري الذي يأتي إلى عيادة الطبيب النفسي في لبنان بحثاً عن مساحة آمنة للتعبير (حسام شحادات). في باكورته الروائية الطويلة (كتابته وإخراجه، إنتاج جورج شقير/ أبوط بروداكشن، ودعم «آفاق»)، يبتعد حجيج عن التقليدية في بناء شخصياته ومعالجة أزماتها. يدخل المشاهد معه في رحلة بحث عن مكمن المرض الحقيقي، حيث يبدو الجنون ردّ فعل طبيعياً على الازدواجية التي يفرضها واقع هذه الشريحة المصغرة من المجتمع اللبناني، إذ إنه على كل شخصية أن تخرج من جلدها وتتقمص أخرى كلما عبرت من ديكور إلى آخر.

تأتي شخصية ناطور البناية التي يؤديها فادي أبي سمرا مختلفةً عن بناء باقي الشخصيات، فهي تعايش الواقع ولا تشكك فيه، وتجسد التناقض أيضاً بين هموم شرائح مختلفة من المجتمع وانشغالاتها.

تجري أحداث الفيلم قبل سهرة رأس السنة، حيث يتأزم قلق هذه الشخصيات في انتظار بداية أو ربما نهاية ما، تضع حدّاً لحلقة دورانها العبثي. الحوارات الذكية التي تتسم بالعفوية والطرافة هي نقطة قوة الفيلم. وبرغم صعوبة المونولوجات التي تؤديها بعض الشخصيات أثناء جلسات العلاج النفسي، إلا أنها حيوية تبتعد عن الإنشائية والأفكار المكرسة، وأحياناً تقترب من المسرح كما في أداء حسان مراد. تفرض كل شخصية إيقاعها الدرامي الخاص، الأمر الذي يوظفه المخرج ليصوّر تحركات هذه الشخصيات المضطربة وتفاعلها مع الديكور المحيط بها. تتحول عيادة الطبيب أو المصعد إلى نوع من مسرح أو سجن مصغَّر تخرج منه وتعود إليه الشخصيات في كل مرة.

لغة الشريط السينمائية مشغولة بعناية في بعض المشاهد، كما في عيادة الدكتور النفسي الذي يجسد دوره كميل سلامة في أداء مميز، إلى جانب منال خضر، التي تؤدي دور زوجته، حيث نسمع صوته ولا نراه فعلياً إلا صوب النهاية، مما يجعل حضوره أشبه بطيف كأنّه المخرج نفسه. يغادر موقعه في النهاية ليجلس قبالة الكاميرا ويطالب بحقه في الكلام أيضاً، لكن لا أحد يستمع إليه غير المشاهد.

في المقابل، يصور لنا حجيج تفاصيل التحركات الصغيرة لشخصياته الجالسة على الكنبة داخل العيادة في جمالية خاصة حميمية يتماهى فيها الجسد مع الديكور أحياناً، مشكلاً ما هو أشبه بلوحة بصرية. بخلاف هذه المشاهد، قد لا يتمتع باقي الفيلم بجمالية بصرية بحد ذاتها، ويعود ذلك أيضاً إلى المشاهد والديكورات التي تتكرر في المصعد بحكم الحبكة الروائية، إلا أنّ اللغة السينمائية تتجانس مع قصة الفيلم، وتعكس عبثية الروتين والحياة اليومية في المدينة والديكور الثابت الذي يحاكي سجن الشخصيات الداخلي. هذا ما يستحق المخرج عليه التقدير، فيما تطالعنا أفلام أخرى بتقنيات استعراضية في التصوير وبمشهدية قد يكون لها جماليتها الشكلية، لكن لا يمكن وصفها باللغة السينمائية، لأنّها لا تمت إلى السيناريو بصلة. بشخصياته وحواراته، وأداء ممثليه المتميز، الذين يتشاركون بطولة هذا الفيلم، وأيضاً بطريقة الإخراج التي تتماهى مع الحبكة الروائية، يقدم محمود حجيج فيلم مؤلِّف يعيد إلى السيناريو قيمته، في وقت تعاني فيه السينما اللبنانية غياب النص الروائي أو هشاشته.

نجوم الفيلم

كميل سلامة

عرفه الجمهور من خلال مسلسل «عشرة عبيد صغار» عام 1974. غاب فترة عن التمثيل واتجه إلى الإخراج والكتابة، فأنجز العديد من الأعمال كمسرحية «طرة نقشة» (1985) ومسلسل «بيت خالتي» (1987) ومسرحية «كيف هالتمثيل معك» (2008). عاد في فيلم «غدي» لأمين درة، وحاز شهادة تقدير لأدائه في فيلم «عكر» في «مهرجان دبي».

عايدة صبرا

تتنقل ببراعة من المسرح إلى التلفزيون والسينما، ومن الإيماء إلى الكوميديا أو التراجيديا. مثلت في العشرات من المسرحيات منذ «أيام الخيام» لروجيه عساف إلى «الديكتاتور» التي أعادت لينا أبيض إخراجها ونالت جائزة أفضل عمل في «مهرجان المسرح العربي» في الشارقة. في السينما، مثلت في «حب الأطفال» لفارس خليل، و«شتي يا دني» لبهيج حجيج.

فادي أبي سمرا

عرفه جمهور الشاشة الصغيرة عبر برنامج «رسوم متحررة» الذي كان يعده ويقدمه على «المستقبل» إلى جانب ربيع مروة. من آخر مسرحياته «صفحة 7» التي أعدها ومثل فيها إلى جانب عصام أبو خالد. في السينما، تنوعت أدواره من «فلافل» (2006) لميشال كمون، و«كل يوم عيد» (2009) لديما الحر، و«الجبل» لغسان سلهب، و«بيروت بالليل» لدانيال عربيد.

يارا أبو حيدر

برزت في المسرح، وتعاونت مع المخرج التونسي وحيد العجمي في الكتابة والتمثيل في «يا ما كان» (2012) و«ينعاد عليك». تجربة يارا الأولى في التمثيل السينمائي، كانت مع فؤاد عليوان في فيلمه «عصفوري» العام الماضي ونالت عنه جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان وهران»، مناصفةً مع تهاني سليم بطلة الفيلم الأردني «لما ضحكت موناليزا».

زياد عنتر

أخرج العديد ممن الأفلام القصيرة كـ «المسيرة التركية» (2006)، و«طوكيو الليلة» (2003) و«ليلة حب» (2009). كذلك، أقام معارض فوتوغرافية في لبنان وخارجه، منها «منتهي الصلاحية» في لندن، و«ساحل الإمارات» في الشارقة. «طالع نازل» هو تجربته التمثيلية الأولى، لكنه للمفاجأة يقوم بأداء فريد من نوعه يستحق عليه الثناء.

منال خضر

ظهرت للمرة الأولى في فيلم «يد إلهية» (2002) لإيليا سليمان، تبعه «كل يوم عيد» لديما الحر، كما كان لها دور في الفيلم التسجيلي «لحظة أيها المجد» من إخراج شيرين أبو شقرا، وأخيراً مثلت في فيلم «البشع» لإيريك بودلير. تطل علينا منال خضر في فيلم «طالع نازل» في دور زوجة الطبيب النفسي التي لا تجد من يسمعها، بينما زوجها مشغول بعيادته ومرضاه.

ندى بو فرحات

بدأت التمثيل في المسرح والدراما، فعرفها الجمهور عبر مسلسل «العاصفة تهب مرتين» (1993) وصولاً إلى «لعبة الموت». في المسرح، أدت دوراً جريئاً في «حكي نسوان» للينا خوري، و«الخادمتان» لجواد الأسدي، وتألّقت في «مجنون يحكي» للينا خوري. سينمائياً، شاركت في «تحت القصف» لفيليب عرقتنجي الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان دبي».

حسان مراد

أدى أدواراً رئيسية في العديد من المسرحيات كما في «يا اسكندرية بحرك عجايب» ليعقوب الشدراوي، أو «طقوس الإشارات والتحولات» لسعد الله ونوس من إخراج نضال الأشقر. قدّم أدواراً عدة في الدراما كما في «هولاكو» (2002) و«أماليا» لسمير حبشي. نال جائزة أفضل ممثل في «مهرجان بروكسل» عن دوره في فيلم «شتي يا دني» لبهيج حجيج.

منذر بعلبكي

إلى جانب يارا أبو حيدر، يمثل منذر بعلبكي ثنائياً متكاملاً في «طالع نازل». وإن كان لفنان الأداء والممثل اللبناني إطلالات مسرحية كثيرة، أولاها في «عن الضفة الأخرى من الجريمة والعقاب» لسهام ناصر، إلا أنه جمع مشاركات سينمائية عدة كما في فيلم «بالبال» (2010) لناصر عجمي، و«سكر بنات» (2007) لنادين لبكي.

ديامان بو عبود

درست السينما والمسرح، وقدّمت عدداً من المسرحيات المقتبسة بمعظمها عن أعمال أنطون تشيخوف. في الفترة الأخيرة، برزت في المشهد الدرامي اللبناني في مسلسلات عدّة أبرزها «السجينة» و«زفّة»، وفي مسلسلات عربية مثل «روبي» (2012) لرامي حنا. أما بدايتها السينمائية الفعلية، فكانت من خلال «دخان بلا نار» (2009) لسمير حبشي.

حسام شحادات

برغم أن اسمه قد يبدو بعيداً عن الدراما السورية، إلا أن حسام شحادات (1967) خريج «المعهد العالي للفنون المسرحية» في سوريا، وحائز شهادة في السينما من برلين. إلى جانب مشروع تخرّجه Just Married الذي شاركت فيه الممثلة السورية منى واصف، شارك تمثيلاً في فيلمين أوروبين، وعمل لسنوات مراسلاً لقناة «الجزيرة» في برلين قبل أن يتركها عام 2011.

محمود حجيج

بعد ثلاث سنوات من العمل، أنهى محمود حجيج باكورته الروائية الطويلة «طالع نازل». في رصيد المخرج وفنان الفيديو اللبناني حوالى 30 فيلماً روائياً قصيراً وتسجيلياً من بينها «ذات مرّة» (1997)، و«ذكريات راس بيروت» (2005)، إلى جانب بعض المعارض التجهيزية، وثلاثة كتب في التصوير الفوتوغرافي وعدد من الجوائز.

الأخبار اللبنانية في

20.01.2014

 
 

«حلاوة» هيفا للكبار فقط

محمد عبد الرحمن/ القاهرة

بات شبه مؤكد عرض «حلاوة روح» (كتابة علي الجندي، إخراج سامح عبد العزيز) في الصالات المصرية «للكبار فقط». هذا ما أكده لنا رئيس الرقابة على المصنّفات الفنية في مصر، أحمد عواض. صحيح أنّ المنتج محمد السبكي لم يعلن الموعد النهائي لعرض فيلم هيفا وهبي (الصورة)، لكن يرجَّح أن يكون في 29 ك2 (يناير) بعد الاحتفال بالذكرى الثالثة لـ«ثورة 25 يناير». عدم تحديد الموعد لا يرتبط بالشأن السياسي فحسب، بل أيضاً بالسجال الدائر بين الرقابة والسبكي. أكد عواض قراره بعرض الشريط لـ«الكبار فقط»، موضحاً أنّ ذلك لا يتعلق بالنجمة اللبنانية. بعدما رفضت الرقابة مشاهدة النسخة الناقصة التي قدمها السبكي (الأخبار 8/1/2014)، اطلع الرقباء لاحقاً على ثلاث نسخ من الفيلم بعدما أجرت الشركة المنتجة تعديلات وفقاً لملاحظاتهم التي بلغت 27 وتمحورت حول «ألفاظ» الأطفال الذين يظهرون في العمل «متيّمين» بجسد البطلة «روح». وشدد عواض على أنّ الرقابة لم تعترض على مشهد الاغتصاب لأنّه «صوّر وفقاً للقانون». ورغم أنّ الشركة أخذت بالملاحظات، إلا أنّ قرار حصر مشاهدته بـ«الكبار فقط» جاء بسبب طبيعة الحوار بين الأبطال، الذي يحتوي على إيحاءات جنسية غير مباشرة.

من جانبه، يحاول السبكي إلغاء القرار؛ لأنّ إيرادات أفلامه تصنعها العائلات وأطفالها، لكن الرقابة مصممة على تنفيذ قرارها، مع معاقبة الصالات المخالِفة. أيضاً، لم تسمح الرقابة ببث إعلانات الشريط التلفزيونية بعدما فعّل عواض مادة في القانون الصادر عام 1955، تنص على ضرورة أن يشمل ترخيص الرقابة هذا النوع من الإعلانات أيضاً، على أن تلتزم ذلك الشركاتُ المنتجة لا القنوات. هذه الخطوة أدت إلى توقّف عرض دعايات مصوّرة تحتوي على مقاطع محذوفة من الشريط الأصلي. هكذا، تأخرت الحملة الدعائية لـ«حلاوة روح»، بانتظار الموافقة النهائية. لكنّ إجازة منتصف العام الدراسي في مصر تنتهي في 10 شباط (فبراير)، ما يعني أنّه ينبغي للسبكي طرح فيلمه قبل نهاية الشهر الحالي.

يمكنكم متابعة محمد عبدالرحمن عبر تويتر @MhmdAbdelRahman

الأخبار اللبنانية في

20.01.2014

 
 

فجر يوم جديد: {سعاد حسني}

كتب الخبرمجدي الطيب 

لأننا شعب يُقدس الموت ويخشى لحظات الفرح، بدليل أنه يردد بخوف، في أعقاب كل ضحك هستيري: {اللهم اجعله خيراً»، جرت العادة أن نُحيي ذكرى رحيل موتانا، ونتجاهل الاحتفال بأعياد ميلادهم، ومن هذا المنطلق ننتظر الحادي والعشرين من يونيو لننعي سعاد حسني (26 يناير 1943- 21 يونيو 2001) ونبكيها، ونُدبج المقالات في رثائها، بينما نتجاهل اليوم الذي شهد ميلاد تلك «الأسطورة» التي قلما جاد الزمان بمثل موهبتها وسحر ألقها.

غير أنني قررت مع اقتراب العام الواحد والسبعين لميلادها أن أكتب عنها، علني أوهم نفسي بأنها ما زالت تعيش بيننا، وأراها تتمايل أمامنا؛ فالأمر المؤكد، ومن دون مبالغة، أن سعاد حسني ما زالت تعيش فينا ولم تبارحنا، ومن يوم إلى آخر يزداد شوقنا إليها وافتقادنا لروحها؛ ففي اللحظة التي نتجرع، حتى الثمالة، كأس «السينما الهابطة» و»الفن الرذيل» يشدنا الحنين إلى أفلامها، وعندما نفاجأ بمن يُجهد نفسه في التمثل بها يتضخم شعور الفقدان في داخلنا، وننصرف عن «التقليد» لنبحث عن «الأصل» في فضائياتنا، وفي مكتباتنا الفيلمية؛ إذ ما زالت أفلام سعاد حسني تحتل مكانة في قلوبنا، وتمثل جزءاً عزيزاً من إرثنا وتراثنا وثقافتنا.

13 عاماً مرت على رحيل الفنانة الشاملة (كانت ترقص وتغني وتمثل وتتذوق الشعر وأيقونة جلسات المثقفين)، ورغم هذا لم يتوصل أحد، حتى هذه اللحظة، إلى إجابة للسؤال الحائر: «هل انتحرت أم نُحرت ؟»!

من يعرفها عن قرب يُقسم بأغلظ الإيمان أنها تملك شخصية مُحبة للحياة، ومُقبلة عليها بشكل جنوني، ما ينفي عنها الإقدام، بل التفكير أصلاً، في فعل الانتحار؛ خصوصاً أن مقتلها جاء في توقيت تعافت فيه، بدرجة كبيرة، من أزمتها الصحية، التي دفعتها إلى اتخاذ قرار السفر إلى لندن لعلاج عمودها الفقري، الذي كان يُسبب لها آلاماً رهيبة، وانتهزت وجودها في عاصمة الضباب لتعالج أسنانها أيضاً، ومن ثم تحسنت حالتها النفسية والمعنوية، وبدأت بالفعل حزم حقائبها تمهيداً للعودة إلى مصر!

في المقابل، يرى من يُطلقون على أنفسهم «العالمون ببواطن الأمور»، ممن ينأون بأنفسهم عن كل ما هو عاطفي، ويتشبثون بكل ما هو مادي، أن الإحباط بلغ بها مداه، وأن اليأس أصابها عقب تأخر شفائها، وتمكن البدانة منها، وتجاهل زملائها الفنانين لها، وهو ما اعترف به الفنان حسن يوسف عندما قال إنه أخطأ في حقها، وإنه لن يغفر لنفسه أنه قابلها يوماً، ولم يعرفها، وبعد أن عرفته بنفسها استأذنها كي يضع حقائبه في غرفته في الفندق، وعندما عاد إلى البهو اختفت تماماً، وبحث عنها لكنه لم يجدها!

أثيرت أقاويل أيضاً إن الصحافة المصرية اغتالتها، عبر إيهام القراء بأنها تتسول في شوارع لندن، وتأكل من صفائح قمامتها (حسن يوسف قال في شهادته إنه لم ير سعاد حسني، وإنما امرأة ترتدي سترة خفيفة في صقيع يناير، وحذاءً رخيصاً، وأن شعرها كان غير مصفف!). كذلك زعموا أنها أهدرت الأموال التي خصصت لعلاجها على نفقة الدولة على متعتها، ومن ثم أقدمت على الانتحار، بإلقاء نفسها من شرفة الشقة، التي كانت تُقيم فيها في الطابق السادس من برج {ستيورات تاور} في قلب لندن، مع صديقتها نادية يسري التي كانت تستضيفها، وحامت الشبهات حول تورطها في الحادث، وغيبها الموت أيضاً في أواخر العام الماضي، وبرحيلها ماتت الحقيقة!

بالطبع كانت الفرصة مواتية لترويج أنباء عن وقوف مسؤول سياسي مصري كبير وراء اغتيال سعاد حسني، بعدما بدأت في كتابة مذكراتها؛ خصوصاً أن برج {ستيورات تاور} شهد سلسلة من {الاغتيالات السياسية}، التي ارتكبت بالطريقة نفسها، لكن جهاز الشرطة البريطانية {سكوتلاند يارد} اتخذ قراراً بإغلاق ملف القضية ما أثار صدمة محبيها، ومريديها، ممن يستبعدون حتى يومنا هذا مزاعم انتحارها!

المثير أن المخرج محمد خان فاجأ جمهور وضيوف الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي بإهداء فيلمه الأحدث {فتاة المصنع} إلى روح سعاد حسني، التي عملت تحت إدارته في فيلم {موعد على العشاء}، وبرر هذا بأنها {الساكنة في وجدان البنت المصرية والعربية}، وأضاف بأنه نذر أن يُهدي إليها الفيلم بعدما استشعر أنها ذهبت طي النسيان، وأن ذاكرة الأجيال الجديدة لم تعد تتسع لها. لكن المفارقة أن {خان}، الذي وظف مقاطع صوتية من حواراتها للتعليق على مواقف الفيلم الدرامية، صور مشهداً أقدمت فيه بطلة الفيلم ياسمين على الانتحار يأساً من المشاكل التي لاحقتها، وأعاد مشهدها، وهي مُلقاة على أرض الشارع، إلى الأذهان ذكرى {الرسم الكروكي}، الذي صور سعاد حسني، وهي ملقاة على أرض جراج برج {ستيورات تاور}، وقد التوت قدماها، وفات عليه أنه يُسهم بهذا المشهد في الترويج للمزاعم التي تقول إن {السندريلا} انتحرت!  

الجريدة الكويتية في

20.01.2014

 
 

السينما المصرية تكسر التابوهات

كتب الخبرهند موسى 

السمة المشتركة بين الأفلام الجديدة، وأبرزها «الخروج من القاهرة» و{أسرار عائلية» و{جرسونيرة»، أنها خرجت على المألوف بكسرها محرمات كثيرة أبرزها ثلاثية «الدين والجنس والسياسة»، فهل تغير المجتمع بعد ثورة 25 يناير وأصبح يقبل ما لم يكن مقبولا؟ أم أن سقف الحريات ارتفع ليمنح فرصة لطرح الأفكار على اختلافها؟ وهل إصرار المبدع على عرض فيلمه رغم تعنت الرقابة بات أمراً لا بد منه؟

يعزو منتج «الخروج من القاهرة» شريف مندور ظاهرة كسر التابوهات في السينما المصرية إلى أن القيمين على جهاز الرقابة باتوا أكثر انفتاحاً ولديهم قناعة بأن المنع لن يفيد في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات، وشبكات الإنترنت المفتوحة على العالم، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أزالت حواجز مجتمعية ضخمة، وبات بإمكان الفرد متابعة أي فيلم عبر الإنترنت بكل بساطة.
يصف قرار المنع عموماً بالسلوك الخاطئ لأنه ليس في صالح المجتمع، فيما يتيح السماح بالعرض للمشاهد إما قبول الفيلم بمتابعته أو رفضه بالانصراف عنه، ناصحاً بتعديل هذا القرار في حال خروج الفيلم عن المألوف أو العادات والتقاليد، ووضع لافتة «للكبار فقط».
يضيف أن إصراره على عرض «الخروج من القاهرة» جماهيرياً، وعدم اكتفائه بمشاركته في مهرجانات، نابعان من رغبته في أن يشاهده الجمهور ويقول: «لا أقدم فيلماً بغرض تعليبه وركنه ومشاهدته في الخفاء، بل لابتكار نوع من التواصل بين الجمهور؛ فمثلما أحب أن يعرض الفيلم في الخارج، كذلك أفضل عرضه في الداخل، لا سيما أنه حصد جوائز في مهرجانات عدة».

جهوزية المجتمع

يوضح مخرج {أسرار عائلية} هاني جرجس فوزي أنه إذا لم يتابع المبدع عمله خلال دراسة الرقابة له، ومناقشتها في الملاحظات التي تضعها حوله، وتحديد موقفه منها إما بالقبول فيتم التعديل، أو بالرفض والإصرار على عرضه كما هو، فلن يرى الفيلم الذي بذل فيه مجهوداً النور، وهو ما حدث معه.

يضيف أن المجتمع قديماً وحالياً ومستقبلا مستعد لمتابعة أنواع الأفلام المختلفة، ولا مشكلة لديه في ذلك، {لكن العقبة الحقيقية في الرقابة التي تختلف عن المجتمع؛ فمثلا لن يمنع الجمهور عرض فيلم معين، ولن يتساءل عن سبب عرضه، ويكون موقفه منه إما قبوله أو رفضه، أو عدم مشاهدته كتعبير عن رفضه لمحتواه، وهذا حق طبيعي للمشاهد، فيما الرقابة تمنع الفيلم من الأساس}.

بدوره يشير الناقد نادر عدلي إلى أن موضوعات الأفلام ليست غريبة عن مجتمعنا الشرقي الذي اعتاد مناقشتها ضمن أحداث فيلم ما، لكن أن يتم تكريس فيلم كامل يتمحور حول هذه النقاط وحدها فهذا جديد على المشاهد؛ مثل {جرسونيرة} الذي تناول العلاقة بين زانية، إن جاز لنا التعبير، وديبلوماسي.

يضيف أنه في ظل التقليدية المسيطرة على السينما المصرية وموضوعاتها المتكررة، ظهر توجه لدى المخرجين بالبحث عن أفكار لم يقترب منها أحد وكانت محظورة خلال حكم مبارك؛ لرفض الرقابة لها منذ اطلاعها على السيناريو، أي قبل تصويرها.

ويلفت إلى أن المخرجين وجدوا في السنوات الثلاث الماضية متنفساً لهم، لإمكانية عدم اعتراض الرقابة على أفلامهم أو كونها في أضعف حالاتها، أو لاختفاء سلطة سياسية تعاقب الرقيب إذا ما اتخذ قراراً بإجازة فيلم ما، {لا ننكر أن ثورة 25 يناير كانت بداية كسر شوكة الممنوعات الثلاثة الدين، والجنس، والسياسة}.

يتابع: {كون هؤلاء المخرجين جدداً يجعل من الصعب تقييم الرؤية السينمائية التي يعتمدونها في أفلامهم، وبالتالي تصبح محاولة للمغامرة، وكسب الشهرة، ولفت الأنظار}، مؤكداً أنه شاهد هذه الأفلام باستثناء {لا مؤاخذه}، ولاحظ أن مستواها محدود للغاية، وفيها سذاجة في المعالجة الفنية والموضوعية.

تغييرات فكرية

ترى الناقدة ماجدة موريس أن تغيير العلاقة بين الكتل في المجتمع جاء بفعل حدث كبير هو الثورة الذي جلب معه تغييرات فكرية من بينها، ارتفاع سقف الحريات بما يسمح للمُبدع بمناقشة الأفكار التي كانت ترفضها الرقابة، أو تلك التي كان المجتمع غير مهيأ لها، وهو بذلك وضع حداً لحساسية طرح هذه التابوهات الثلاثة، لا سيما العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

تعزو ذلك إلى وجود قضايا أكثر حساسية من بينها: أولاد الشوارع، الاغتصاب، التحرش، وغيرها من قضايا ظهرت بوفرة في أفلام السنوات الثلاث الأخيرة.

تضيف: {قرار العرض يحمل في طياته الجنة والنار، والعبرة في طبيعة المعالجة؛ فهي إما تؤكد أن الفيلم يثير فتنة، أو من الواجب التفكير في هذه القضية لأننا نعيش في مجتمع ونتعرض لها باستمرار. بمعنى آخر كيف قدم المبدع فيلمه؟ هل بأسلوب يحرك أسئلة ضرورية أم يسيء إلى القضية؟ وهل يدفع الناس لمشاهدة القضية من جوانبها كافة، فيتخذون قراراً أو يفكرون فيها بشكل عقلاني حريص على مصلحة الوطن والمجتمع أم يثير الفتن والتحريض؟}.

الجريدة الكويتية في

20.01.2014

 
 

«النقد السينمائي في بريطانيا» لامير العمري:

دراسات حول الفيلم الانجليزي

عمان- ناجح حسن 

صدر حديثا كتاب «النقد السينمائي في بريطانيا» ترجمة الناقد السينمائي امير العمري عن مكتبة الاسكندرية ضمن سلسلة الدراسات السينمائية في مركز الفنون فيها، ويطمح الكتاب الى تقديم نظرة بانورامية للقارئ العربي المهتم والمتخصص على السواء في موضوع الثقافة السينمائية عن اتجاهات النقد السينمائي الانجليزي المعاصر، وراعى المترجم في اختيار المقالات والدراسات التي يشتمل عليها الكتاب التنوع الشديد بينها، فمن الدراسة الاكاديمية التحليلية المتخصصة التي ربما كانت تتوجه في الاساس الى الطلاب من دارسي السينما ايضا والمقال النقدي المنشور في مطبوعة متخصصة الذي يتوجه عادة الى القارئ المتخصص نسبيا، ثم المقال النقدي العام الذي ينشر في الصحافة اليومية والاسبوعية، الى التعليق النقدي في قضية او مشكلة من مشاكل السينما كما تطرحها الصحافة الانجليزية العامة.

يجمع الكتاب بين دفتيه اسماء لامعة في حقل النقد السينمائي في الدوريات الانجليزية بينهم الكسندر وولكر وفيليب فرنش، وديرك مالكولم، ودافيد روبنسون، وجيفري نيويورل سميث، وهنري شميان، اضافة الى اسماء شابة اخرى بدأت في ممارسة النقد السينمائي حديثا في صحف انكلترا، وفي سائر تلك المقالات التي ترجمها امير العمري بمهارة وعمل على ايصالها للقارئ العربي بلغة بسيطة بمفردات النقد السينمائي الذي يطالعه المرء في قراءاته اليومية، تبدو تلك الخيارات المثيرة للجدل والمتباينة الرؤى والافكار والاهداف حول قضايا السينما البريطانية نفسها اولا «مشاكل التوزيع والعرض والرقابة» ثم المشاكل التي يواجهها النقاد والصحفيون السينمائيون في علاقاتهم بالسينما السائدة ومفاهيمها وبالسينما الهوليوودية التي تفرض هيمنة ملحوظة على السوق السينمائية البريطانية، وتتعرض المقالات التي وقع عليها الاختيار للعلاقة بين الافلام الكلاسيكية والمعاصرة وتبرز كيفية تناول النقاد للافلام الكلاسيكية في السينما بنظرة جديدة «اعمال الايطالي انطونيوني، وهيتشكوك، وكوبريك ولين مثلا».

والى جانب المقالات والدراسات يحتوي الكتاب ايضا على نموذج او اكثر في كتابة «البورترية» او الصورة النقدية لفنان ما، ويضم الكتاب في احد مقالاته اراء وذكريات الممثل الشهير الراحل السيرجون جيلجود خلال عمله في فيلم «كتب بروسبيرو» مع المخرج البريطاني اللامع بيتر جريناواي صاحب المنهج الخاص جدا والتجريبي في السينما البريطانية الذي اثارت افلامه وما تزال الكثير من الاعجاب والجدل، ويتبعه بتقديم صورة شخصية لجريناواي نفسه لابراز موقعه ودوره على خارطة السينما في موطنه وعلى خارطة السينما الاوروبية عموما.

ويطالع القارئ العربي بالكتاب رؤية نقدية الى الهند والى الشعب الهندي كما تمثل في الافلام الاجنبية التي صنعت عنهما، ثم يقدم مقاربة للنظرة  الهندية الى هذه الافلام والى الطريقة التي يصور فيها السينمائيون الهنود انفسهم، سواء في افلامهم الشعبية التي يرصد جذورها في  الموروث الشعبي الهندي، او في اعمال السينما الاكثر حداثة كما في الافلام التي اخرجها المخرج الراحل المعروف ساتياجيت راي وزميله ميرنال سن.

ولا تقتصر المقالات والمواضيع المثبتة في الكتاب على تناول الشخصيات السينمنائية والافلام، بل تتعداها الى الاهتمام بدراسات تقتحم آفاقا اخرى جديدة مثل الدراسة القيمة التي كتبها مايكل اندريدج في احد فصول كتابه «دافيد لين» وحملت عنوان «لورنس العرب جمال الامبريالية وقبحها».

وعلى رغم تنوع مقالات الكتاب واهميتها الا انه ظل محصورا في مواضيع عامة تتفاوت فيه القيمة بين فصل وآخر، وبعضها كتب بخفة كما في فصل اشارات من الصين تلتقط في القاهرة كتبه الناقد دافيد روبنسون لحظة مشاركته في لجنة تحكيم المهرجان باحدى دوراته، وكذا الامر في التصدي لظاهرة بروز تيار دوجما 95 وفيلم «راقصة في الظلام»، ويحسب ايضا لمترجم الكتاب اختياره الحصيف لموضوع فريد في اثره وقيمته عندما يقدم فصله الاخير تحت عنوان «جورج سادول يقابل لويس لوميير» ليير هوجسون، والذي جاء نتيجة لاكتشاف حوار متلفز مع الفرنسي لوميير احد مخترعي الفن السابع سجل العام 1948 مع المؤرخ السينمائي الشهير جورج ساوول وقد جاء نشر الحوار- الوثيقة بمناسبة مرور قرن من الزمان على اكتشاف السينما.

وكنا نتوقع من الناقد العمري ان يتوسع بالكتاب او لعله يكون محورا في كتاب تالي عن الكتابات البريطانية او الفرنسية ومن في حكمهما من بلدان اوروبية واميركية تناولت السينما العربية وافلامها وقضاياها على مدار السنوات الماضية كما سبق وان تناولته افلام نقاد من المانيا وفرنسا وانكلترا وروسيا وسواهم، لجاء العمل مكتملا لغاياته الاساسية في اقامة جسر تواصل ما بين سينما الشمال والجنوب فمن حق القارئ ان يتساءل عن اسباب غياب رؤية النقاد الانجليز عن قامات في السينما العربية مثل تلك الاعمال التي سبق وان قدمتها افلام يوسف شاهين وتوفيق صالح، وشادي عبدالسلام، ومحمد شكري جميل، وايليا سليمان، وميشال خليفي، ونوري بوزيد، وسهيل بن بركة، ومحمد الاخضر حامييتا، وماردن بغدادي، وبرهان علوية، وزياد دويري، وغيرهم كثير، وثمة تساؤل مشروع عن عدم لجوء المترجم الى اختيار مقالاته من مجلة سينمائية تصدر بانكلترا هي: «سايت اند ساوند»، مما سيساهم في اثراء موضوعه ويعطيه اندفاعة مضاعفة في النقد والتحليل.

الرأي الأردنية في

20.01.2014

 
 

Elysium (I) (2013)

الفردوس : فانتازيا درامية ورؤية ماركسية ضمن خيال علمي شيق !

مهند النابلسي 

في العام 2154 يتواجد فقط طبقتين من الناس : الأثرياء جدا اللذين يعيشون بمحطة فضائية قمرية ضخمة بعيدا عن كوكب الأرض تسمى "اليزيوم" او الفردوس، أما الفقراء فيعيشون بحالة يرثى لها من الازدحام والمجاعات وتفشي الجريمة والأمراض على كوكب الأرض البائس الملوث المنكوب، وحيث يحاول الكثير من سكان الأرض الهروب ومغادرتها للفردوس طمعا بمستوى الحياة المتقدم والرعاية الصحية المتطورة والمتوفرة، لكن بعض الشخصيات النافذة والمسؤولة في الفردوس تخشى كثيرا من موجات الهجرة المرعبة هذه، وتسعى جاهدة للتشدد وفرض قوانين واجراءآت بغرض المحافظة على الامتيازات ونمط ومستوى الحياة الرغيدة على المحطة القمرية ...رجل واحد يملك الفرصة والامكانية لكي يحقق التوازن المطلوب انسانيا (مات ديمون)، شخص عادي قوي البنية حاد الذكاء وقوي العزيمة، كما انه بحاجة ماسة للهجرة للفردوس لانقاذ حياته المهددة بفعل التعرض لاشعاع قاتل...حيث يقوم بمهمة بطولية فائقة الخطورة تضعه بمواجهة حاسمة مع وزيرة الدفاع المهيمنة المتشددة بالفردوس ديلا كورت (الممثلة الرائعة جودي فوستر)، ولكنه لو نجح حقا بمغامرته  فسيتمكن من انقاذ حياته اولا وربما مساعدة ملايين المرضى البائسين من سكان الأرض المنكوبة! فهل سينجح بمسعاه وبمهمته الغير عادية؟

وبينما يتحكم بسكان الأرض روبوت بوليسي قاسي لا يرحم، يعيش سكان الفردوس برخاء ويستخدمون اجهزة طبية متطورة بشكل حاضنات صحية تدعى "ميد-بييس" تسمح لهم بالوقاية من الأمراض والجروح والعلاج الروبوتي المتكامل، وحيث يعيش ماكس داكوستا (مات ديمون) (لص السيارات السابق) بأنقاض لوس انجلوس ويعمل بكد على خط تجميع بشركة عسكرية كبيرة تزود الفردوس بالروبوتات البوليسية كما بالسلاح والذخائر، ويتعرض بالصدفة اثناء عمله لجرعة كبيرة من الأشعة القاتلة، مما يمنحه فقط خمسة ايام للعيش! وخلال ذلك الوقت تقوم وزيرة الدفاع ديلاكورت بتوجيه اوامر صارمة للعميل النائم كروجر (شارلتو كوبلي) لاسقاط مركبة مكتظه بالمهاجرين الفقراء من كوكب الأرض، كما تضع لوحدها قوانين متشددة للهجرة ، مما يستدعي استياء رئيس الفردوس الشرعي للاستياء من تصرفاتها الفردية المرتجلة، حيث يقوم كرد فعل بطرد كروجر من مهامه، واحترازا تسعى ديلاكورت للتحالف مع المدير التنفيذي لشركة الأسلحة آرمادين واسمه جون كارليلي (وليام فشتنر)، وتنسق معه لكتابة برنامج حاسوبي متطور قادر على اقتحام الكمبيوتر المركزي للفردوس لكي تضمن تعيينها كرئيسة جديدة للمحطة القمرية! يلتزم كارليلي بصنع البرنامج بمكتبه بمقر شركته على الأرض ويقوم احترازا بشحنه وتنزيله لدماغه، فيما يطلب ماكس المساعدة العاجلة من سبايدر المهرب المحترف(واجنر مورا) بواسطة صديقه الحميم ديغو لونان حيث يوافق سبايدر بعد تردد شرط أن يقوم ماكس بسرقة برنامج كارليلي المخزن بدماغه والبيانات المالية اللازمة، وحتى يضمن التزامه يقوم بابتزازه ويسعى سبايدر بمساعدة جراح محترف لتركيب جمجمة روبوتية خارقة لتغلف رأس ماكس، مع زراعة لدماغ جديد احتياطي قادر على حفظ البرامج والبيانات الضخمة، ثم يتمكن ماكس بعمل قتالي من الدخول لمركبة كارليلي الفضائية، وينجح كذلك من انزال وتحميل البيانات والبرنامج المطلوب لدماغه الجديد ، وتحدث معركة دامية حافلة بمشاهد الأكشن القتالية يلقى فيها معظم رجال ماكس حتفهم كما يتلقى فيها كارليلي جروحا قاتلة ويجرح  فيها ماكس الذي يهرب لمنزل صديقته السابقة فراي (أليس براجا)، التي تعاني طفلتها الصغيرة ماتيلدا من لوكيميا الدم القاتلة، فترجوه بدورها أن يأخذ ابنتها للعلاج بالفردوس، ويرفض بلا سبب ...وبينما يسعى ماكس للهروب اخيرا تنطلق ديلكورت بمركبة فضائية مقاتلة لشراء الوقت اللازم لاسترجاع برنامج كارليلي !

يتمكن سبايدر من الحصول على برنامج كارليلي كما يتحقق من قدرة البرنامج على تحويل كل سكان الأرض لمهاجرين شرعيين في الفردوس، كما يفقد عميل الفردوس كروجر معظم وجهه  بسبب انفجار عبوة ناسفة على سطح الفردوس، ويتم اعتقال ماكس وصديقته فراي وطفلتها المريضة ماتيلدا، ويؤخذوا كرهائن لديلاكورت التي تجهز بدورها فريقا متخصصا لتنزيل البيانات واسترجعها من دماغ ماكس ...وتحدث هنا معجزة طبية جراحية تتمثل باعادة تصميم وتركيب وجه كروجر المهشم بواسطة الفراش الطبي الخارق "ميد بييس"، بينما تستاء ديلاكورت من "قسوة وجحود ولااخلاص" كروجر يقوم هذا بقتلها بضراوة ليتمكن من سرقة البرنامج لنفسه وحكم الفردوس! كما يقوم رجاله بمحاولة تنزيل نسخة من البرنامج لرأسه الجديد، يسعى ماكس جاهدا لكسب الوقت وشحن واستخدام برنامج كارليلي لتحويل كل سكان الأرض لمواطنين شرعيين في الفردوس، وينجح بتحرير صديقته فراي وابنتها ماتيلدا لاعطاء المجال لهما للبحث عن "الفراش الطبي" لانقاذ ماتيلدا في اللحظات الأخيرة، كما يتلاقى مع سبايدر الساعي بدوره للسيطرة على محطة التحكم المركزية، ثم ينجح كروجر من اسرهما وتحدث عندئذ معركة دامية يتمكن خلالها ماكس من السيطرة على كروجر وتوصيل دماغه مع هيكل جمجمته الاصطناعية المركب لتنزيل البيانات التي سبق وعطلت ...وينجو ماكس باعجوبة من قنبلة فجرها كروجر باللحظة الأخيرة...

ثم يصل كل من سبايدر وماكس لمركز بيانات الفردوس المركزي، حيث يتحقق سبايدر من ان تفعيل البرنامج سيؤدي حتما لمقتل ماكس ...ويتحدث ماكس مع صديقته لآخر مرة عبر الراديو مصمما على شحن البرنامج بنفسه، وبينما يضحي بنفسه لافظا انفاسه الأخيرة يتمكن بنجاح اخيرا من تنزيل كافة البيانات لتسجيل سكان الأرض كمواطنين شرعيين في "أليزيوم"...وحين يصل الرئيس الجديد للفردوس "باتيل" لوحدة التحكم المركزية مع فريقه الأمني، يجد ان أوامره المشددة باعتقال سبايدر قد رفضت لأن الحراس الروبوتيين يعتبرونه مواطنا! ثم تعالج الطفلة ماتيلدا بواسطة "ميد بييس"، ونجد أن عددا كبيرا من سكان الأرض المسحوقين قد تم اعتبارهم مواطنين في الفردوس والتحقق من حالتهم الصحية التي تستدعي العلاج الطبي السريع الملائم...هكذا يطرح هذا الفيلم رؤيا مستقبلية اخلاقية جديدة تستند لصراع الطبقات وحقوق الفقراء المعدمين والمساواة والرعاية الطبية، وهو ربما من الأفلام القليلة التي يموت فيها البطل مضحيا بنفسه من اجل الانسانية! واذا ما عاينا الحالة الراهنة لعالمنا البائس فاننا نجد بصراحة بذور هذا الرعب الأرضي القادم متمثلة بالصراعات الاثنية والطائفية وتفشي الجريمة ومشاكل الهجرة الغير شرعية لبلدان الشمال المتقدمة، كما نعاين قضايا التلوث البيئي المتفاقم المتفشية في المدن والأرياف بانحاء المعمورة، والتي تساعد بزيادة الأمراض وارتفاع الحرارة والاحتباس الحراري والقحط والتقلبات المناخية الغير متوقعة...كما يستعرض الشريط نماذج مدهشة للتطور العلمي المستقبلي المتوقع مثل نمط المركبات الفضائية وتحكم الروبوتات ونقل المعلومات وتنزيلها للأدمغة البشرية والمعالجات الطبية الترميمية والجراحية الفائقة وغيرها من التوقعات التي بدأنا نلاحظ بوادرها التقنية هنا وهناك بانجازات التكنولوجيا والحاسوب وصناعة الطائرات والمركبات الفضائية والتقدم الطبي الجراحي الدوائي المذهل ...

ملحمة كابوسية واخراج بصري مبهر!

يتحدث هذا الخيال العلمي المحتمل عن العام 2154، حيث سيعزل الأثرياء بمحطة فضائية مستقلة بعيدا عن كوكب الأرض وسكانه البائسين المختنقين بالازدحام والتلوث والمرض والجريمة، وحيث يقوم بطل جريء بمهمة مستحيلة لتحقيق التوازن والمساواة وانقاذ المرضى ...يقول المخرج المبدع (الجنوب أفريقي) نايل بلومكامب بأن الفيلم بالرغم من انه يتحدث عن العام 2154 الا انه يمثل تقريرا استبصاريا للزمن العصري الراهن! وهو محق تماما فمعظم الطروحات التي يتحدث عنها نراها ماثلة تماما بواقعنا الأرضي الراهن كمشاكل الانفجار السكاني  والهجرة اللاشرعية والتلوث الخانق وتغير المناخ وتفشي أنواع الجريمة والمخدرات والأمراض والصراعات وتردي الخدمات الطبية...كما انه يقول بنفس السياق : "الكل يسألني عن المستقبل ، اقول لهم لا لا هذا ليس خيال علمي، انه يتحدث عن يومنا هذا عن اللحظة الراهنة"! فالشريط بالحق يتناول بذكاء استبصاري التداعيات السياسية والاجتماعية والأخلاقية لمشاكلنا المتفاقمة كبشر تائهين وغير "متجانسين ومتفاهمين" تعصف بنا الأهواء والملل والعقائد والعقد والصراعات والثقافات، ولكنه لم يستطع ان يتحرر من النظرة الهليوودية التقليدية للعلاقة الملتبسة بين من يملك ومن لا يملك!...وهو حافل باللقطات الحركية المتقنة المثيرة، وقد نجح لحد ما بتزويدنا بأفكار شبه وثائقية محتمة للصراع الطبقي بصوره المتطرفة الدموية القادمة، ويعد ربما تكملة ابداعية لفيلمه السابق (ديستركت9) الذي يحوي افكارا مماثلة، أثبت الفيلم القدرة التمثيلية الفائقة لمات ديمون الذي بدا يملك مهارات حركية قيمة ساعدت بنجاح الشريط مع باقي الفريق المنسجم كما أدت جودي فوستر دورا جديدا لافتا يضيف لمسيرتها الفنية الحافلة، وان كنت اعتقد بأن هناك مبالغة مقصودة باظهار الأكشن على حساب المضمون الفكري للقصة!

مهند النابلسي

 Mmman98@hotmail.com

القدس العربي في

19.01.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)